إسلام ويب

تفسير سورة العنكبوت [28 - 35]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ذكر الله تعالى في هذه الآيات الكريمات قصة نبي الله لوط عليه السلام مع قومه حين درا الحوار بينه وبينهم، وحين بكتهم نبيهم على إتيانهم الفاحشة، وهي إتيان الذكور دون ما خلق الله لهم من أزواجهم، وأنبهم بقوله: إن هذه الفاحشة لم يسبقوا إليها، وليس هذا فحسب؛ بل إنهم كانوا يقطعون الطرق، وعلاوة على ذلك كفروا بالله واستعجلوا عذابه، فجاءهم العذاب فأصبحوا جاثمين هلكى في ديارهم، وتلك عاقبة ظلمهم وعصيانهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ...)

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:28].

    ذكر الله سبحانه وتعالى بعد قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام قصة ابن أخيه لوط عليه الصلاة والسلام، فقال: (ولوطاً إذ قال لقومه) فنصب لوطاً كما قال: (وإبراهيمَ) وكأن التقدير: واذكر لوطاً، أو: وأنجينا لوطاً، أو وأرسلنا لوطاً.

    قال تعالى: وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [العنكبوت:28] أي: اذكر لوطاً وقت أن قال لقومه: وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ [العنكبوت:28-29].

    وفي قوله تعالى: (إنكم لتأتون)، و(أئنكم لتأتون) إذا اجتمعتا فلها عند القراء قراءات ووجوه كثيرة.

    فقراءة نافع ، وابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب ، وأبي جعفر ، وحفص عن عاصم : إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:28].

    وباقي القراء الذين هم: أبو عمرو وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف يقرئون: (أئنكم لتأتون الفاحشة) (أئنكم لتأتون الرجال).

    إذاً: سيقرأ في الأولى بهمزتين، والثانية بهمزتين، وكل قارئ من القراء على أصله الذي يمد فيها والذي يسهل، فنجد مثلاً قالون وأبا جعفر يقرأان الأولى: (إنكم) والثانية (آئنكم) بالمد بالألف وبالتسهيل فيها.

    ويقرأ ورش وابن كثير ورويس : (إنكم) (ائنكم) بالتسهيل في الثانية من غير مد للألف فيها.

    ويقرأ أبو عمرو بالمد في الاثنين: (آئنكم لتأتون) (آئنكم لتأتون) الأولى بالمد مع التسهيل والثانية كذلك.

    ويقرأ هشام : (إنكم) (آئنكم)، و(إنكم) (أئنكم) له قراءتان.

    ويقرأ ابن عامر وروح عن يعقوب : (إنكم) (أئنكم).

    ويقرأ شعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف : (أئنكم) (أئنكم).

    فالقراءت باعتبار اجتماع استفهامين: إنكم وأئنكم، تكررت مرتين ففيها هذه القراءات التي ذكرنا.

    قال لوط: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:28] الفاحشة: الجريمة العظيمة التي تسيء إلى صاحبها يوم القيامة، وتسيء إليكم في الدنيا، وتسوء غيركم بفعلكم معهم ذلك.

    ويقال: فحش الأمر، يعني: زاد عن حده جداً، فيأتون الجرم الفضيع الذي لا يتوقع، وكانوا أول من وقع في هذه الفاحشة، ولم يفعلها أحد قبلهم، ولم يتخيل أحد قبلهم هذه الفاحشة التي وقعوا فيها.

    فهي أبداً ما حصلت في الخلق قبل قوم لوط.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أئنكم لتأتون الرجال ...)

    ثم قال تعالى يفصل ما الذي يقعون فيه: أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ [العنكبوت:29] .

    فهذه جملة من الجرائم، وزد على ذلك أصل إجرامهم في كفرهم بالله سبحانه وتعالى، وأنهم كفار مشركون.

    قال تعالى: (أئنكم لتأتون الرجال) إذاً: بدلاً من أن يتزوج الرجل المرأة يأتي الفاحشة، ويأتي الرجال بدلاً من النساء.

    ثم قال تعالى: (وتقطعون السبيل) فهم قطاع طرق ولصوص، يقطعون الطريق على الناس بأخذ أموالهم وبجباية المكوس عليهم والضرائب التي يأخذونها من الناس، وكذلك يخطفون الناس من الطريق ليفعلوا بهم هذه الفاحشة.

    قال تعالى: (وتأتون في ناديكم المنكر)، نادي القوم: المكان الذي يجتمعون فيه، فعند اجتماعهم فيها يفعلون جرائم تتكرر في مجتمعات الناس من السخرية والاستهزاء بالناس.

    واجتمعوا على أن يفعلوا الفواحش في نواديهم، ولا ينكر بعضهم على بعض هذا الذي يقعون فيه من الفاحشة.

    وجرائم قوم لوط إذا حدثت في قرية من القرى، أو في بلد من البلدان استوجبت عقوبة رب العالمين سبحانه وتعالى، واستحقوا أن يصيبهم مثل ما أصاب قوم لوط، فقد أصابهم ربنا سبحانه وتعالى ببلاء عظيم، وبعقوبة شديدة فضيعة.

    وكذلك من يفعلون فعلهم، فلم يقع قوم في فاحشة قط حتى يعلنوا بها إلا أصابهم الله عز وجل بأنواع من البلاء ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سوف نذكره بعد ذلك إن شاء الله.

    فقال هنا لوط عليه الصلاة والسلام: (إنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر)، أي: إذا اجتمعوا في نواديهم حرض بعضهم بعضاً على الوقوع في الفاحشة، وعلى أذى الناس والاستهزاء بهم، فكانوا يقومون في نواديهم ينظرون من يمر في الطريق فيحذفونه بالحصى، ويسخرون منهم، ويأخذونهم ويخطفونهم ولا أحد ينكر عليهم ما يقعون فيه من منكرات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ... )

    قال تعالى: فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت:29] عندما يدعو رسل الله عليهم الصلاة والسلام أقوامهم في كل زمان فتكون النتيجة أن يكذبهم قومهم ولا يؤمنون بهم إلا أن يشاء الله شيئاً.

    قال تعالى: (فما كان جواب قومه) أي: هذا هو الجواب الوحيد، فقصر الجواب على ذلك، ثم قال: (فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين)، وهذا بيان لكفر هؤلاء، ولو كان عندهم التصديق لعرفوا أنه نبي وعرفوا أن العذاب سيأتي وأن النبي لا يكذب عليه الصلاة والسلام، ولكنهم سخروا منه وقالوا: (ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين).

    في قوله تعالى: إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّه [العنكبوت:29] قراءتان: الجمهور على القراءة بالهمز.

    وقراءة ورش وأبي عمرو وأبي جعفر أيضاً: (إلا أن قالوا ايتنا بعذاب الله) بنقل الهمزة، فإذا بدأ كل القراء بكلمة: (ائتنا) فلا يبدءون بالهمزة فيها وإنما يبدءون بالياء فيقولون: (ايتنا بعذاب الله) إذا بدءوا بها، وليست محل وقف وابتداء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال رب انصرني على القوم المفسدين)

    ثم دعا ربه سبحانه فقال: قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ [العنكبوت:30] ودعوة الأنبياء مستجابة، والله عز وجل يستجيب ولكن ليس شرطاً أن يدعو وفي اللحظة يأتي العذاب، ولكن الله يملي ويمهل إلى حين، فلما دعا ربه بين لنا ربنا سبحانه كيف أتى هؤلاء عذاب رب العالمين.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم ... )

    قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ [العنكبوت:31] .

    إذاً: رسل الله وهم الملائكة عليهم السلام جاءوا في البداية إلى إبراهيم، وقد ذكرنا قبل ذلك أن لوطاً كان مع إبراهيم، وأن الاثنين خرجا من العراق، فهاجر مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأتيا إلى ديار الشام، أو أتيا إلى فلسطين، وبعد المجيء إلى فلسطين توجه الاثنان إلى مصر، ثم رجع كل واحد ومعه من الغنم والإبل والمواشي ما ضاقت الأرض عن الاثنين، فالمكان الذي فيه إبراهيم لا يسع أن يكون فيه إبراهيم ولوط، غير أن هذا نبي وهذا نبي ولا يكون نبيان في مكان واحد، بل يتوجه كل نبي إلى مكان ليدعو القوم إليه.

    فتوجه لوط عليه الصلاة والسلام إلى قرى قوم لوط ليدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى وكانوا مجموعة من القرى منها سدوم وعمورة وصوغر، وهذه القرى كانت جنوب البحر الميت.

    ويذكر ربنا سبحانه أن الرسل الذين هم الملائكة في طريقهم إلى لوط جاءوا إلى إبراهيم، فقال هنا ربنا: وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى [العنكبوت:31] أي: جاءوا فبشروه.

    وذكر في غير هذه السورة أنهم لما جاءوا إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعاهم ليكرمهم ويطعمهم، وتوجه إلى بيته وجاء بعجل حنيذ فقربه وقدمه لهم فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً [هود:70] فهو لم يكن يعرف أنهم رسل الله، ولم يكن يعرف أنهم ملائكة، فلما لم يأكلوا الطعام تبين بعد ذلك أنهم ملائكة.

    فقالوا لإبراهيم: إنا مرسلون لأهل هذه القرية لنهلكها، وقال سبحانه هنا: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) أي: بالبشارة أن يولد له عليه الصلاة والسلام، وأقبلت امرأته في صرة وقالت: عجوز عقيم، فأخبروها وبشروها بفضل من الله عز وجل أنه سوف يولد لها ولد.

    فلما تعجبت : قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ [هود:73] فجاءت البشرى لإبراهيم بأنه سيولد له من سارة التي كانت عقيماً وكانت عجوزاً جاوزت الثمانين من عمرها وإبراهيم قرب المائة من عمره عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ [الذاريات:28] وقد بشر قبل ذلك بالغلام الحليم فكان إسماعيل عليه الصلاة والسلام، والآن بشروه بالغلام العليم وهو إسحاق، فجاءت البشرى، ثم أخبروه أنهم متوجهون إلى قرى قوم لوط ليهلكوهم.

    وهذه الآية أيضاً فيها قراءات:

    ففي قوله: (جَاءَتْ) ثلاث قراءات: يقرؤها بفتح الجيم الجمهور.

    ويقرؤها بالإمالة ابن عامر بخلف هشام .

    ويقرؤها حمزة وخلف : (ولما جيئت).

    وقوله تعالى: (رُسُلُنَا): يقرؤها الجمهور بضم السين.

    ويقرؤها أبو عمرو (رسْلنا) بتسكين السين ورفع اللام.

    وقوله: (إِبْرَاهِيمَ) فيها قراءتان:

    قراءة الجمهور: (إبراهيم).

    وقراءة ابن عامر بخلف هشام : (إبراهام).

    وقوله تعالى: (بِالْبُشْرَى) يقرؤها الجمهور بالفتح.

    و ورش يقرؤها على التقليل.

    و أبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف يقرءونها بالإمالة.

    فقال الملائكة: (إنا مهلكو أهل هذه القرية) أي: سنهلك قرى سدوم بسبب ظلم أهلها.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال إن فيها لوطاً ...)

    قال إبراهيم وهو الأب الرحيم عليه الصلاة والسلام: إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا [العنكبوت:32] وفي سورة هود قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ [هود:69] فسلم عليهم، وبعدما دعاهم إلى الطعام، وعرف أنهم ملائكة قال الله عز وجل: يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ [هود:74-75] ففي إبراهيم عليه السلام ثلاث صفات من أحسن الصفات التي تكون في الإنسان:

    فهو حليم، أواه، منيب، (حليم): أي: عنده صبر وأناة ليس بمتعجل ولا بمتهور، وهذا الحلم ظاهر عليه عليه الصلاة والسلام في مخاطبته للملائكة عليهم السلام، فقد جادلهم في قوم لوط؛ لرحمته، وأنه يتوقع أن يؤمنوا ويمكن أن يرجعوا إلى الله عز وجل ويتوبوا.

    وهو أواه، أي: رجاع إلى الله سبحانه، فظن أنهم يمكن أيضاً أن يرجعوا إلى الله سبحانه.

    وكان الجدال فقال: أتهلكون قرية وفيها مائة يعبدون الله؟ قالوا: لا.

    قال: أتهلكون قرية وفيها عشرون يعبدون الله؟ قالوا: لا.

    قال: أتهلكون قرية وفيها ثلاثة يعبدون الله؟ قالوا: لا.

    قال: أتهلكون قرية وفيها واحد يعبد الله؟ قالوا: لا.

    قال: إن فيها لوطاً، فقالوا: قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ [العنكبوت:32].

    إذاً: لن نهلك القرية ولوط فيها، بل سنخرج لوطاً منها ونهلك القرية بعد ذلك، وفي قوله عز وجل: لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ [العنكبوت:32] قسم، أي: والله لننجينه وأهله.

    وفي قوله: (لننجينه) قراءتان: قراءة الجمهور: (لنُنجِّينه) بالتثقيل.

    وقراءة حمزة والكسائي وخلف : (لنُنْجينه) بالتخفيف.

    قال تعالى: إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [العنكبوت:32] الغابرون: الباقون في العذاب، فامرأة لوط من هؤلاء.

    وامرأة لوط كانت تذهب وتخبر قومها عن أسرار لوط عليه الصلاة والسلام، فكانت من الكافرين فاستحقت عقوبة رب العالمين سبحانه، ولم ينفعها أن زوجها كان نبياً عليه الصلاة والسلام، كما أن ابن نوح لم ينفعه أن أباه كان نبياً، وكذلك زوجة نوح، وقد ضرب الله عز وجل المثل للكفار بهاتين المرأتين فقال: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا [التحريم:10] والخيانة بالكفر، فلم تؤمنا، والخيانة بالوشي للأعداء بما يكون عند نوح أو عند لوط عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولما أن جاءت رسلنا لوطاً ...)

    ثم قال تعالى: وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ [العنكبوت:33] وهنا في (جاءت رسلنا) القراءات السابقة.

    قال تعالى: (سيء بهم) أي: ساءه هذا الأمر، أو سُيء به، ولبيان المبني للمجهول قرأها نافع وأبو جعفر وابن عامر والكسائي ورويس عن يعقوب : (سُيء بهم).

    قال تعالى: (وضاق بهم ذرعاً) إذاً: هنا ساءه أمر هؤلاء ولم يعرف أنهم ملائكة، ووجدهم شباناً حساناً، وطالما أن هناك شباناً موجودين فسيأتي قوم لوط يفعلون بهم الفاحشة، فكان أن (سيء بهم).

    والإنسان الذي هو قليل الحيلة يضيق ذرعاً ولا يعرف ماذا سيعمل مع هؤلاء، ولوط ليس عنده جيش، وليس عنده أبناء ذكور، إنما كان معه بنات عليه الصلاة والسلام، فكيف يدفع قومه عن هؤلاء؟ والله عز وجل يرينا هذه الصورة التي فيها لوط عليه الصلاة والسلام، وكيف أن الأمر كان شديداً عليه لدرجة أنه يقول: هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ [هود:77]، ويقول لقومه: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود:80].

    ليرينا الله عز وجل كيف أنه إذا ضاق الأمر جاء الفرج من عنده سبحانه وتعالى وحده.

    فهذا لوط كان وحده في بيته يدفع هؤلاء القوم، وذهبت امرأته إلى القوم وأخبرتهم أنه يوجد شبان حسان عند لوط عليه الصلاة والسلام، فجاء القوم يتدافعون في الطريق، فإذا به يغلق بابه في وجوههم فيدفعون عليه الباب، هو يدفع من الداخل يحمي أضيافه وهم من الخارج يدفعونه يريدون كسر الباب على لوط ومن معه، فضاق بهم ذرعاً وقال المقولتين السابقتين.

    فلما ضاق به الأمر وقال هذه الكلمة إذا بالملائكة تنطق وتقول للوط: إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ [هود:81] أي: لا تخف، لست أنت الذي ستحمينا نحن الذين سندافع عنك بإذن الله رب العالمين، ولن يستطيعوا الوصول إليك.

    وإذا بالملائكة ترمي هؤلاء القوم بالحصباء في وجوههم فيعميهم الله عز وجل وهم على باب لوط، فيرجعون وهم يتوعدون لوطاً أنهم راجعون إليه عليه الصلاة والسلام، والملائكة تطمئنه ويقولون له: إِنَّا مُنَجُّوكَ [العنكبوت:33] .

    وفي ذلك قراءتان: هذه قراءة الجمهور.

    وقراءة ابن كثير وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب . (مُنْجُوك).

    وقوله تعالى: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ [العنكبوت:33] يعني: وبناتك.

    ثم قال: إِلَّا امْرَأَتَكَ [العنكبوت:33] أي: امرأتك التي وشت بأسرارك إلى هؤلاء الكفار، والتي لم تؤمن بك كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ [العنكبوت:33] أي: من المتبقين في العذاب.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (أنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء... )

    قال تعالى: إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ [العنكبوت:34] أي: عقوبة وعذاباً من السماء.

    وفي قوله تعالى: (إنا منزلون) قراءتان: قراءة الجمهور، وقراءة ابن عامر.

    فجاءتهم الزلزلة من عند رب العالمين، فإذا بجبريل عليه السلام يرفع القرية ويهوي بها، قال سبحانه: وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى [النجم:53-54] وأنزل عليهم حجارة من الجحيم فأهلكهم جميعاً.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد تركنا منها آية لقوم يعقلون)

    قال سبحانه: وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [العنكبوت:35] فالذي يمر هناك يعرف أن هذه سدوم قرى قوم لوط التي أهلكها الله وجعل مكانها بحيرة منتنة مالحة، فمن يعقل يحترز عن الوقوع في المعاصي، ومن لم ينفعه التذكر استحق العقوبة.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755950308