إسلام ويب

عذراً رمضانللشيخ : خالد الراشد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من فضل الله تعالى وكرمه على هذه الأمة أن جعل لها مواسم خير، ومحطات إيمانية يتزود من خلالها المؤمن بزاد التقوى، ويتقرب إلى ربه عز وجل بأنواع القربات. ومن هذه المواسم: شهر رمضان، شهر فيه ليلة هي خير من ألف شهر، شهر تصفد فيه الشياطين، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، لكن للأسف تجد بعض المسلمين لا يقدر هذا الشهر حق قدره، فتضيع الأوقات فيها يغضب الله تعالى، وفيما لافائدة منه، والحاذق من استغله في طاعة ربه عز وجل.

    1.   

    عذراً رمضان

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    ثم أما بعد:

    معاشر الأحبة! حاضرين وحاضرات! مستمعين ومستمعات!

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله وبياكم، وسدد على طريق الحق خطاي وخطاكم، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجمعني وإياكم في دار كرامته إخواناً على سرر متقابلين، وأسأله سبحانه أن يحفظني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين.

    عنوان هذه الليلة المباركة في هذا المكان المبارك مع هذا الحضور المبارك: عذراً رمضان.

    لماذا الموضوع؟

    ومم سيتكون؟

    سيتكون من العناصر التالية:

    لماذا الاعتذار؟

    وقفة تفكر قبل البداية.

    شهر رمضان.

    كتب عليكم الصيام.

    المطلوب منك ومنك ومني.

    بدأ غريباً وسيعود غريباً.

    الغرباء مع الصيام.

    لك من أخبار الصائمات.

    أنواع الصائمين.

    عذراً رمضان.

    النداء الأخير .

    لماذا الاعتذار؟!

    الاعتذار لأننا في كل عام نكرر نفس الخطأ في رمضان، فقبل دخوله -أي قبل دخول رمضان - بأيام نعد أنفسنا ونمنيها بأننا سنصنع كذا وسنقوم من الليالي كذا وكذا، سنختم القرآن مرات ومرات، وسنبذل من الصدقات، ثم ما إن يدخل رمضان وتمضي أول الأيام حتى تفشل المخططات، وتذهب الأمنيات أتدري أتدرين ما السبب؟!

    السبب: أننا نريد أن نلزم أنفسنا بأعمال ما تعودناها، نريد أن نلزم أنفسنا بأعمال ما تعودناها قبل رمضان، فلا عجب سرعان ما تفشل المخططات، متى عهدنا بالقيام، وختم القرآن، ومداومة الصيام؟! أما هم فكان العام كله عندهم كله رمضان، فإذا دخل عليهم ارتفعت الهمم فزادوا في القربات.

    فعذراً رمضان ابتداءً، لأن أكثرنا سيعيد وسيكرر نفس الخطأ والأخطاء.

    كنا في العام الماضي في مثل هذه الأيام نرقب شهر الصوم ونتحراه، ثم ماذا؟! عام كامل بأيامه ولياليه قد قوض خيامه، وطوى بساطه، وشد رحاله بما قدمنا فيه من خير أو شر، وصدق الله - وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً .. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً -: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، وصدق الله حين قال: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ [النور:44].

    قال ابن كثير رحمه الله: تمر بنا الأيام تترا، وإنما نساق إلى الآجال والعين تنظر. إن الدقائق والثواني التي ذهبت من أعمارنا لن تعود، ولو أنفقنا جبال الأرض ذهباً وفضة.

    اعلم واعلمي أن الأنفاس معدودة والآجال محدودة، واعلم واعلمي أن من أعظم نعم الله علينا أن مد في أعمارنا وجعلنا ندرك هذا الشهر العظيم إن أدركناه، فكم غيب الموت من صاحب، ووارى التراب من حبيب، تذكروا من صام معنا العام الماضي وصلى العيد، ثم أين هو؟! وأين هي الآن؟! غيبهم الموت وواراهم التراب، ونسيهم الأهل والأحباب.

    اجعل واجعلي لك من هذا الحديث نصيباً، قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: اغتنم حياتك قبل موتك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك)، رواه الحاكم .

    احرصوا رعاكم الله أن تكونوا من خيار الناس كما قال صلى الله عليه وسلم وأخبر حين سئل: أي الناس خير؟ قال: (من طال عمره وحسن عمله).

    إلهي ثكلت خواطر أنست بغيرك

    عدمت قلباً يحب سواك

    شهر رمضان

    قال سبحانه: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185]، جاء عند أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان، فكان يقول لهم: قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، يفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خير تلك الليلة فقد حرم الخير).

    قال ابن رجب : هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشيطان؟! من أين يشبه هذا الزمان زمان؟!

    قال معلى بن الفضل : كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان.

    وقال يحيى بن كثير : كان من دعائهم: اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني متقبلاً يا رب الأنام!

    فمرحباً بشهر طيب مبارك كريم، في رمضان أنزل القرآن والكتب السماوية، في رمضان الشفاعة بالصيام والقرآن، في رمضان التراويح والتهجد، في رمضان التوبة وتكفير الذنوب، في رمضان تصفد الشياطين، في رمضان تغلق أبواب الجحيم وتفتح أبواب الجنان، في رمضان الجود والإحسان والعتق من النيران، في رمضان الصبر والشكر والدعاء، في رمضان مضاعفة الحسنات وليلة القدر، رمضان شهر الجهاد والانتصار.. فكيف لا يفرح المؤمن بشهر هذا بعض ما فيه؟!.

    بين الجوانح في الأعماق سكناه

    فكيف أنت ومن في الناس ينساه؟

    وكيف أنت حبيباً كنت في صغري؟

    أسير حسن له جلت مزاياه

    ولم أزل في هواه ما نقضت له عهداً

    ولا محت الأيام ذكراه

    قد شاخ جسمي ولكن في محبته

    وما زال قلبي فتى في عشق معناه

    وفي كل عام لنا لقيا محببة

    يهتز كل كياني حين ألقاه

    بالعين والقلب والآذان أرقبه

    وكيف لا وأنا بالروح أحياه

    والليل تحلو به اللقيا وإن قصرت

    ساعاتها أحيالها وأحلاه

    فنوره يجعل الليل البهيم ضحى

    فما أجل وما أجلى محياه

    ألقاه شهراً ولكن في نهايته

    يمضي كطيف خيال قد لمحناه

    في موكب الطهر في رمضان الخير

    تجمعنا محبة الله لا مال ولا جاه

    من كل ذي خشية لله ذي ولع

    بالخير تعرفه دوماً بسيماه

    قد قدروا مواسم الخيرات فاستبقوا

    والاستباق هنا المحمود عقباه

    صاموه قاموه إيماناً ومحتسباً

    أحيوه طوعاً وما في الخير إكراه

    وكلهم بآيات القرآن مندمجاً

    كأنه الدم يسري في خلاياه

    فالأذن سامعة والعين دامعة

    والروح خاشعة والقلب أواه

    عذراً رمضان.. عذراً رمضان! فما قدرناك حق قدرك.

    كتب عليكم الصيام

    قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

    الحكمة من الصيام: ليس أن يمنع الإنسان نفسه عن الطعام والشراب والنكاح، ولكن كما قال الله: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، وما أشار إليه النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه في قوله: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام: ( من لم يدع قول الزور ): هو كل قول محرم، أو العمل به أي بالزور، أي: كل فعل محرم، ( والجهل ) هو: العدوان على الناس وعدم الحلم.

    المطلوب منك ومنكِ ومني

    فالمطلوب منك ومنك ومني: تحقيق تقوى الله جل في علاه، فهي الغاية المنشودة والصفة المفقودة، قال سبحانه: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، وقال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت)، والتقوى في أبسط معانيها: فعل المأمور وترك المحذور.

    فهل ترانا حققنا هذا بصيامنا؟! أم نحن ممن بالنهار يتقيه وبالليل يعصيه؟!

    كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل: أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل.. جعلني الله وإياكم من المتقين.

    تقوى الله أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادخرت، وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ[الزخرف:35].

    فإليك موجزاً وبعضاً من أخبار المتقين:

    قال البخاري : ما اغتبت مسلماً منذ احتلمت.

    وقال الشافعي : ما حلفت بالله صادقاً ولا كاذباً، ولو أعلم أن الماء يفسد علي مروءتي ما شربته.

    قيل لـمحمد بن واسع : لم لا تتكئ؟! قال: إنما يتكئ الآمن وأنا لا زلت خائفاً.

    وقرئ على عبد الله بن وهب : وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ[غافر:47]، فسقط مغشياً عليه.

    وحج مسروق فما نام إلا ساجداً.

    وقال أحدهم: ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله.

    وقال أبو سليمان الدارني : كل يوم وأنا أنظر في المرآة هل اسود وجهي من الذنوب؟

    هذا حالهم فكيف هو حالي وحالك؟!

    لبسنا الجديد، وأكلنا الثريد، ونسينا الوعيد، وأملنا الأمل البعيد! رحماك يا رب! لماذا تريد الحياة؟! لماذا تعشق العيش؟! إذا لم تدمع العينان من خشية الله جل في علاه! إذا لم نمدح الله في السحر! إذا لم نزاحم بالركب في حلق الذكر! إذا لم نصم الهواجر، ونخفي الصدقات! هل العيش إلا هذا؟!

    قالوا: إذا لم تستطع قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم، قال سبحانه: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55].

    فهذه أخبارهم لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ[المدثر:37].

    بدأ غريباً وسيعود غريبا

    قال صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء)، إن الذي يقرأ ويسمع عن أخبار السلف وثلة من الخلف يعلم أن الدين يعيش غربة بين أهله، من سمع عن صيامهم وقيامهم وجهادهم أيقن أن الواقع اليوم يحتاج إلى مراجعة وتصحيح.

    فتعالوا أحبتي! ننظر في بعض صور الغرباء في رمضان، ومع الصيام ونقول ونكرر: عذراً رمضان.

    الغرباء مع الصيام

    عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ما مات عمر حتى فرغ الصيام.

    أما أمير البررة وقتيل الفجرة عثمان ، قال أبو نعيم عنه: حظه من النهار الجوع والصيام، ومن الليل السجود والقيام، مبتل بالبلوى منعم بالنجوى.

    وعن الزبير بن عبد الله عن جدته قالت: كان عثمان يصوم الدهر ويقوم الليل إلا هجعة من أوله رضي الله عنه.

    قتلوه وقد كان صائماً والمصحف بين يديه، والدموع على لحيته وخديه، حبيب محمد ووزير صدق ورابع خير من وطئ التراب.

    أما أبو طلحة الأنصاري الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل)، عن أنس رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة لا يصوم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الغزو فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم لم أره يفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.

    أما حكيم الأمة وسيد القراء أبا الدرداء فقد قال: لقد كنت تاجراً قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلما بعث زاولت العبادة والتجارة فلم يجتمعا، فأخذت بالعبادة وتركت التجارة.

    تقول عنه زوجه: لم تكن له حاجة في الدنيا، يقوم الليل ويصوم النهار ما يفتر.

    لله درهم!.

    أما من خبر الإمام القدوة المتعبد المتهجد عبد الله بن عمر فيكفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم العبد عبد الله)، قال عنه نافع : كان ابن عمر لا يصوم في السفر ولا يكاد يفطر في الحضر.

    وعن سعيد بن جابر قال: لما احتضر ابن عمر قال: ما آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث: ظمأ الهواجر، ومكابدة الليل، وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي نزلت هنا، يعني الحجاج .

    وإليك وإليك المزيد، وكرروا معي: عذراً رمضان.

    عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة قال: (أنشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشاً فأتيته، فقلت: يا رسول الله! ادع الله لي بالشهادة، فقال: اللهم سلمهم وغنمهم، فغزونا فسلمنا وغنمنا، حتى ذكر ذلك ثلاث مرات، قال ثم أتيته فقلت: يا رسول الله! إني أتيتك تترا -ثلاث مرات - أسألك أن تدعو لي بالشهادة فقلت: اللهم سلمهم وغنمهم، فسلمنا وغنمنا يا رسول الله! فمرني بعمل أدخل به الجنة، فقال: عليك بالصوم فإنه لا مثل له، قال فكان أبو أمامة لا يرى في بيته الدخان نهاراً إلا إذا نزل بهم ضيف، فإذا رأوا الدخان نهاراً عرف الناس أنهم قد اعتراهم الضيوف).

    وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره في يوم حار حتى إنه ليضع الرجل يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا نبينا صلى الله عليه وسلم وابن رواحة).

    أما مسروق بن عبد الرحمن الذي كان في العلم معروف، وبالثناء موصوف، وبعبادة الله معشوق، قال عنه الشعبي : غشيته يوماً -أي: زرته يوماً- في يوم صائم، وكانت عائشة قد تبنته فسمى ابنته عائشة وكان لا يخالف ابنته في شيء، قالت: فنزلت عليه ابنته يوماً فقالت: أبتاه! أفطر واشرب! قال: ما أردتي يا بنية! ماذا تريدين من هذا الكلام؟ قالت: الرفق، أن ترفق بنفسك أبتاه! قال: يا بنية! إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة.

    فماذا صنع الله لهم وماذا أعد لهم؟! فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا * وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا [الإنسان:12-14] إلى أن قال لهم: إن هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاء وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً [الإنسان:22].

    وهذا خبر أخير عن المبشر المحزون، والمستتر المخزون، تجرد من التلاد وشمر للجهاد وقدم العتاد للمعاد: العلاء بن زياد كان ربانياً تقياً قانتاً لله بكاءً من خشية الله، فعن هشام بن حسان أنه قال: كان قوت العلاء بن زياد رغيفاً كل يوم، وكان يصوم حتى يخضر، ويصلي حتى يسقط، فدخل عليه أنس بن مالك والحسن فقالا له: إن الله تعالى لم يأمرك بهذا كله، فقال: إنما أنا عبد مملوك، فلا أدع من الاستكانة شيئاً إلا جئته.

    قال له رجل يوماً: رأيت كأنك في الجنة، فقال له: ويحك أما وجد الشيطان أحداً يسخر به غيري وغيرك.

    قال سلمة بن سعيد : رؤي العلاء بن زياد أنه من أهل الجنة، فمكث ثلاثاً لا ترقأ له دمعة ولا يكتحل بنوم ولا يذوق طعاماً، فأتاه الحسن فقال: أي أخي! أتقتل نفسك أن بشرت بالجنة؟ فازداد بكاءً، فلم يفارقه حتى أمسى، وكان صائماً فطعم شيئاً من الطعام، قال الله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:101-107].

    دعوه لا تلوموه دعوه فقد علم الذي لم تعلموه

    رأى علم الهدى فسعى إليه وطلب مطلباً لم تطلبوه

    أجاب دعاءه لما دعاه وقام بأمره وأضعتموه

    لنفسي ذاك من فطن حصيف تذوق مطعماً لم تطعموه

    قال سبحانه: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً [مريم:63].

    لله درهم! فكم علت بهم الهمم، وأي كلام يترجم فعلهم.

    ولك أنت من أخبار النساء أيضاً وكرري وقولي: عذراً رمضان.

    عن عبد الرحمن بن قاسم أن عائشة كانت تصوم الدهر، وعن عروة أن عائشة كانت تسرد الصيام، وقال القاسم : كانت تصوم الدهر فلا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر.

    وقد بعث لها معاوية مرة بمائة ألف درهم، فقسمتها ولم تترك منها شيئاً، فقالت بريرة : أنت صائمة فهلا ابتعت لنا منها بدرهم لحماً؟ فقالت: لا تعنفيني، لو كنتِ أذكرتني لفعلت.

    إنها الصديقة بنت الصديق ، العتيقة بنت العتيق، حبيبة الحبيب، وأليفة القريب، المبرأة من العيوب رضي الله عنها وأرضاها.

    أما القوامة الصوامة حفصة بنت عمر رضي الله عنها وعن أبيها وعن إخوتها وآل عمر وارثة الصحيفة، والجامعة للكتاب، فعن قيس بن زيد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون ، فبكت وقالت: والله ما طلقني عن شبع، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد أقبل فتجلببت رضي الله عنها، قال: فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إن جبريل قد أتاني فقال: راجع حفصة فإنها صوامة قوامه، وإنها زوجتك في الجنة).

    فأي شهادة أعظم من شهادة الله وجبريل لـحفصة رضي الله عنها، وأنعم بها من عبادة كانت سبباً لرجوع أم المؤمنين حفصة إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم لتبقى له زوجة في الجنة، قال نافع : ماتت حفصة حتى ما تفطر.

    وإليك مزيد:

    اسمعي ونادي بأعلى الصوت: عذراً رمضان.. عذراً رمضان.

    عن سعيد بن عبد العزيز قال: ما بالشام ولا بالعراق أفضل من رحمة العابدة مولاة معاوية ، دخل عليها نفر من القراء فكلموها لترفق بنفسها، فقالت: ما لي وللرفق بها، فإنما هي أيام مبادرة وأيام معدودة، فمن فاته اليوم شيء لم يدركه غداً، والله يا إخوتاه! لأصلين لله ما أقلتني جوارحي، ولأصومن له أيام حياتي، ولأبكين له ما حملت الماء عيناي، ثم قالت: أيكم يأمر عبده فيحب أن يقصر في حقه؟! ولقد قامت رحمها الله حتى أقعدت، وصامت حتى اسودت، وبكت حتى فقدت بصرها.

    وكانت تقول: علمي بنفسي قرح فؤادي وكلم قلبي، والله لوددت أن الله لم يخلقني ولم أك شيئاً مذكوراً.

    كانت رحمها الله تخرج إلى الساحل فتغسل ثياب المرابطين في سبيل الله، قال الله عنهم: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، وقال عنهم حين دخلوا الجنان: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ [الطور:25-29].. عذراً رمضان.

    فلو كان النساء كما ذكرن

    لفضلت النساء على الرجال

    فما التأنيث لاسم الشمس عيب

    وما التذكير فخر للهلال

    أنواع الصائمين

    أخي أخية! هذه أنواع الصائمين ذكرتها لنعرف أنفسنا ونقدم الاعتذار ونقول: عذراً رمضان.

    من صام عن الطعام والشراب فصومه عادة، ومن صام عن الربا والحرام وأفطر على الحلال من الطعام فصومه عادة وعبادة، ومن صام عن الذنوب والعصيان وأفطر على طاعة الرحمن فإنه صائم رضا، ومن صام عن القبائح وأفطر على التوبة لعلام الغيوب فهو صائم تقى، ومن صام عن الغيبة والنميمة والبهتان وأفطر على تلاوة القرآن فهو صائم رشيد، ومن صام عن المنكر وأفطر على الفكرة والاعتبار فهو صائم سعيد، ومن صام عن الرياء والانتقاص وأفطر على التواضع والإخلاص فهو صائم سالم، ومن صام عن خلاف النفس والهوى وأفطر على الشكر والرضا فهو صائم غانم، ومن صام عن قبيح أفعاله وأفطر على تقصير آماله فهو صائم مجاهد، ومن صام عن طول أمله وأفطر على تقريب أجله فهو صائم زاهد.

    قال ابن القيم : الصوم لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار المقربين لرب العالمين، يكفيك قول الله: (الصوم لي وأنا أجزي به).

    يا قادماً للتقى في عينك الحب

    طال اشتياقي فكم يهفو لكم قلب

    صبرت عاماً أمني قرب عودتكم

    نفسي فهل يدنو لكم سرب

    قل هل طيفكم فاخضر عامرنا

    والله أكرمنا إذ جاءنا الخصب

    ففيكم يرتقي الأبرار منزلةً

    والخاملون كسالى زرعهم جدب

    قالوا في الصيام:

    الصوم: لذة الحرمان.

    وقالوا: الصوم رجولة مستعلنة، وإرادة مستعلية.

    وقالوا: رمضان شهر الحرية عما سوى الله، وفي الحرية تمام العبودية، وفي تحقيق العبودية تمام الحرية.

    قالوا: رمضان شهر القوة، (فليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).

    قالوا: الصوم صبر وطاعة ونظام، أترون أمة من الأمم تتحلى بهذه الصفات ثم تجد سبيلها إلى الانهيار؟! صبر وطاعة ونظام، أترون جيشاً يتحلى بهذه الأخلاق القوية ثم يجد نفسه على عتبة الهزيمة؟!

    فلا تنسى ولا تنسي وأنت تصوم وأنت تصومين أن الله يريد أن يجعلنا بالصيام مثال القوي الأمين.

    فحذار حذار! أن ينسلخ عنا رمضان ونحن كالضعيف الخائن.

    أحبتي!

    لن يتسع المقام حتى نذكر حال الغرباء مع القيام ومع تلاوة القرآن، لن يتسع المقام لذكر أخبار الغرباء مع التضرع والدعاء والبذل والعطاء، ولن يتسع المقام لذكر بطولات الغرباء وصولاتهم وجولاتهم في ساحات الجهاد في رمضان، لكن حسبنا ما سمعنا وذكرنا من أخبارهم، واللبيب بالإشارة يفهم.

    عذراً رمضان

    لقد كان رمضان شهر عبادة واجتهاد، وكذا كان حالهم قبل وبعد رمضان، فما هو حالنا؟!

    اسمع شيئاً من أخبارنا، واسمعي بارك الله فيك! ولنقل جميعاً بأعلى الصوت: عذراً رمضان!.

    في بحث واستفسار وأسئلة طرحت على مئات من المجتمع رجالاً ونساءً موظفين وطلاباً عن حالهم وعن أوقاتهم في رمضان، فجاءت الاعترافات التي تؤكد لنا قوله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً)، وحتى تعرف أننا لم نخطئ حين اخترنا هذا العنوان.

    فقائل: أقضي الليل أمام شاشات التلفاز أتابع القنوات الفضائية حتى طلوع الفجر مع بعض زملائي.. أقول: عذراً رمضان.

    وقائل: تحت أضواء الملاعب ضمن سلسلة المباريات مقامة في ليالي رمضان.. أقول: عذراً رمضان.

    وقائل: على موائد البلوت والورقة في المجالس وعلى الأرصفة.. أقول: عذراً رمضان.

    وقائل: أقضي الأوقات في التنزه في الحدائق تارة وفي الأنفاق تارة، إنا لله وإنا إليه راجعون.

    يا أمة لعبت بدين نبيها كتلاعب الأطفال بالأوتار

    وإذا تلا الإمام عليهم سورة فأطال ما عدوه في الأسفار

    أما أهل الوظائف فسهر بالليل ثم كسل وخمول طوال النهار، والنتيجة لوم وتوبيخ وخطابات إنذار، وآخر يقول: أنا أحسن من غيري حيث يتسنى لي النوم في المكتب، ضاعت الأمانات التي قامت عليها الأرض والسماوات، وآخر يقول: في رمضان يكثر غيابي وتكثر الخصميات.

    أما الأئمة فيشتكون وينادون ويقولون: عذراً رمضان، ففي لقاءات مع بعض الأئمة تحدث بعضهم مستبشرين بزيادة المصلين في رمضان، وإقبال الناس على الطاعة، وعبر آخرون عن حزنهم لحال المتخاذلين حتى في رمضان، وقال آخر: إنهم يزدادون في صلاة الفجر حتى يمتلئ المسجد بهم، ولكنا لا نكاد نراهم في صلاة الظهر والعصر، فقد انقلبت عندهم الحياة، الليل نهار، والنهار ليل.

    أما في الأسواق فاسمع الأخبار من رجال الهيئات والأخبار.

    أما في المقاهي فسئل أحد العاملين في إحدى المقاهي عن الفرق بالنسبة لهم عن العمل في رمضان وفي غير رمضان فأجاب: إن العمل في رمضان يكون أكثر تعباً وإرهاقاً حيث يكثر الزبائن، ويزدحمون بمعدل الضعف عن غير رمضان، يمضون ليلهم كله في المقاهي بين شيشة وورق ودخان، كيف لا نقول: عذراً رمضان، كيف لا نصيح وننادي ونقول: عذراً رمضان.

    أما الأبناء فعلى الأرصفة والطرقات صخب ولهو.. فتسأل نفسك أين الراعي عن الرعية؟!

    أما النساء فسهرات نسائية، وانشغال في إعداد أصناف الحلويات والمشروبات والمأكولات، أمن أجل هذا شرع رمضان؟! وأمهات يسهرن حتى الفجر في انتظار الأولاد الذين لا يعودون إلا في هذه الأوقات المتأخرة.

    أما الأسواق والمجمعات فحدث ولا حرج فأين العبادة؟! أين الجد والاجتهاد؟! أليست الأعمار محدودة؟

    يقول أحدهم: أنام بعد الفجر ولا أستيقظ إلا بعد صلاة العصر، فالنوم عبادة!

    وآخر يقول: يوقظني والدي عند الإفطار وفي بعض الأحيان لا أفطر إلا قبيل صلاة العشاء.

    أقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.

    ومع أحد الزبائن في إحدى المقاهي كانت هذه الأسئلة السريعة: منذ متى وأنت هنا؟ قال: من الساعة الثانية عشرة، إلى متى تجلس؟ قال: إلى وقت السحور، هل أنت موظف؟ قال: نعم أنا موظف حكومي، ألا تتأخر عن دوامك؟ قال: أتأخر قليلاً ثم أكمل النوم في المكتب.

    هذا هو رمضان اليوم، هذا هو رمضان اليوم عند كثير من الفئات.

    فيا خيبة الصائمين، ويا حسرة المفرطين، وعذراً رمضان، فما قدرناك حق قدرك.

    نداء أخير

    ويحنا ما غرنا! ويحنا ما أغفلنا! ويحنا ما أجهلنا! ويحنا لأي شيء خلقنا! أللجنة أم للنار؟! يا غيوم الغفلة عن القلوب تقشعي! يا شموس التقوى والإيمان اطلعي وأشرقي! يا صحائف أعمال الصالحين ارتفعي وأبشري! يا قلوب الصائمين اخشعي وتضرعي! يا أقدام المتهجدين اسجدي لربك واركعي! ويا عيون الساهرين لا تهجعي! ويا ذنوب التائبين اذهبي لا ترجعي! يا أرض الهوى ابلعي ماءك! ويا سماء النفوس أقلعي! يا خواطر العارفين ارتعي! يا همم المحبين بغير الله لا تقنعي!

    قدمت في هذه الأيام موائد الإنعام للصوام، فما منكم إلا من دعي، ورمضان يناديكم ويقول: يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الأحقاف:31-32]، فطوبي لمن أجاب فأصاب، وويل لمن طرد عن الباب.. ألا يكفيك قوله: (الصوم لي وأنا أجزي به)؟!.

    رباه عفوك إني للنور مدت يدايا وأبكي ويبكي دمعي ويبكي بكايا

    وحفنة من وعاء غرسه من دمايا ولا لغيرك دوى يا رب يوماً ندايا

    إليك أنت صباحي مصفداً في مسايا فاذكر إلهي ضياءك إني ظمآن ضل صدايا

    لم أدر من أي نبع أسقي حنين الركايا والشط لا ماء فيه يطفي اللظى في حشايا

    رحماك يا رب هذا إثمي وصادي تقايا وذاك دربي وهذا على الطريق عصايا

    رحماك يا رب إني وزورقي والخطايا في لجة ليس فيها من الضياء بقايا

    جفت وغاضت ولكن ما زلت أزجي رجايا غفرت أم لم فإني ما زلت أدعوك يا رب!

    فعجباً لمن عرفك ثم أحب غيرك! وعجباً لمن سمع مناديك ثم تأخر عنك!

    عذراً رمضان.. عذراً رمضان فما قدرناك حق قدرك.

    اللهم لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، اللهم بلغنا رمضان، وارزقنا صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفقنا فيه لفعل الطاعات، ووفقنا فيه لترك المعاصي والمنكرات، واجمع فيه شملنا ووحد فيه صفنا وأصلح فيه ولاة أمورنا وانصر فيه المجاهدين وسدد فيه الدعاة والعلماء الربانيين، ووفق فيه الشباب والشيب والنساء والإماء لتوبة نصوح واستقامة وثبات حتى الممات يا رب العالمين!

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإلا تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

    أستغفر الله العظيم.

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755914294