إسلام ويب

معاصٍ وعقوباتللشيخ : عبد الله الجلالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، وما حل اليوم بالمسلمين من مصائب وشدائد إنما هو بسبب ذنوبهم ومعاصيهم، والله عز وجل قد ينزل بعض العقوبة في الدنيا؛ لكي يرتدع العاصي، وينزجر المذنب، فيرجع إلى الله عز وجل، فإن لم يرجع فإن عذاب الآخرة أشد وأبقى. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً من العلامات التي تنذر بقرب وقوع الهلاك، ونزول العذاب، وما أكثرها في هذه الأيام!

    1.   

    استمرار الصراع بين الحق والباطل سنة كونية

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله ومن دعا بدعوته ونصح لأمته إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة! قبل أن نتحدث عن المعاصي وآثارها في الأمم وما تسببه من غضب الله عز وجل وأليم عقابه نقول: منذ أن خلق الله البشرية والصراع قائم وموجود بين الخير والشر، كما قال عز وجل: اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [طه:123]، وهذا الصراع سيبقى ما بقيت الحياة الدنيا، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولا تزال طائفة على الحق ظاهرين حتى يأتي أمر الله)، وفي هذا الصراع جند لله وجند للشيطان، والله تعالى أمرنا بأن نقاتل أولياء الشيطان فقال لنا: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76]، وفي غضون هذا الصراع يظهر الحق أحياناً، ويختفي بعض الأحيان، ولكنها سنة الله القائل: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20]، أي: هل تتحملون هذه الفتنة؟

    وهذا الصراع يتأثر بنوعية الذين يتحملون المسئولية من قبل الله عز وجل، والذين يقومون بالدور الذي كلفهم الله به في هذه الحياة؛ ليكونوا من أولياء الله وجنده.

    ثم جرت حكمة الله سبحانه وتعالى أن يفتن هؤلاء الناس بعضهم ببعض، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الكتاب، فوقف من وقف في وجه هذه الدعوة، فأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر، إلا أن سنة الله تعالى في هذه الأمة ألا يعاقبها دفعة واحدة، من أجل أن تنقل الرسالة جيلاً بعد جيل وأمة إثر أمة؛ لأنها آخر أمة؛ ولأن رسالتها آخر الرسالات.

    ومن هذا المنطلق فإن سنة الله تعالى في هذه الأمة ألا يهلكها بسنة عامة، ولكن ذلك لا يعني أن هذه الأمة حينما تتمادى في غيها وضلالها أنها لا تؤاخذ، ولكنها لا تهلك جميعاً، وهذا الذي أقوله عليه أدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فكم جرى على هذه الأرض من الأمم التي عصت الله سبحانه وتعالى فعاقبها! وكم من حضارة سادت ثم بادت حينما انحرفت عن المنهج الصحيح، وكم من أمة أُخذت أخذ عزيز مقتدر!

    كل ذلك بسبب سيئاتها، وهذه دروس لنا، والله تعالى قد قال لنا نحن أمة الإسلام: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [الروم:42]، وقال: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا [الحج:46]، كل ذلك يجب أن نفهمه، حتى لا نقع في سخط الله عز وجل، وهذه الأمة يحذرها رسول الله صلى الله عليه وسلم مبيناً أنواعاً من المعاصي تسبب عقوبات كاسحة مهلكة تستأصل أمماً كثيرة، ولكن الله عز وجل لا يظلم مثقال ذرة.

    1.   

    ذكر بعض الأمور التي إذا ظهرت في الأمة فقد قرب منها العقاب

    ونقف مع حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -وإن كان فيه شيء من الضعف، لكن له أحاديث تقويه وله أدلة من الواقع- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا اتخذ الفيء دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وتعلم لغير الدين، وظهرت الأصوات في المساجد، وأطاع الرجل زوجته وعق أمه، وأدنى صديقه وجفا أباه، واتخذت القينات والمعازف، وشربت الخمور، وساد القبيلة فاسقهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وأكرم الرجل اتقاء شره، فانتظروا عند ذلك ريحاً حمراء، وزلزلة ومسخاً وآيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع).

    والمراد بالنظام: المسبحة، يعني: كمسبحة قطع سلكها، فأصبحت تذهب حبة بعد حبة، أي: أن العقاب يتبع بعضه بعضاً، كما لو قطعت مسبحة، فهذه معاصٍ وهذه عقوباتها، قال عز وجل: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30]، وقال: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [فاطر:45].

    وأمتنا أظنها قد ابتليت بكل هذه الأمور، فأصبحت على خطر، وأصبح ما يصيبها من نكبات وعقوبات وتشريد في الأرض وتسليط السفهاء وما أشبه ذلك، كل ذلك مصداق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وآيات تتابع كنظام قطع سلكه فتتابع).

    اتخاذ الفيء دولاً

    وقوله: (إذا اتخذ الفيء دولاً):

    الفيء: ما يأخذه المقاتلون بدون قتال، كما قال عز وجل: وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ [الحشر:6]، وهو يشبه الغنيمة، لكنه بدون قتال، وهذا الفيء يعتبر مصدراً من مصادر بيت مال المسلمين، وقد يطلق الفيء على بيت مال المسلمين؛ لأن الفيء كل مال يُحصل عليه، والفيء لا يستحقه الناس كالغنيمة، وإنما يقسم كما قسمه الله عز وجل بقوله: فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الحشر:7].

    وعلى هذا نستطيع أن نقول: إن معنى الحديث: إذا اتخذ بيت المال دولاً، وأصبح بيت مال المسلمين ليس منضبط المصارف، وصار ألعوبة في أيدي الناس، إذا وصل الأمر إلى هذا الحد فالأمر خطير، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إن رجالاً يخوضون في مال الله بغير حق لهم النار يوم القيامة)، فالمال مال الله، وهو محترم، وكما أنه تُحترم موارده تحترم أيضاً مصارفه، ولذلك فإن بيت مال المسلمين إذا أصبح ألعوبة بأيدي العابثين لا يرعون فيه إلاً ولا ذمة فهذا يعتبر بداية من بدايات العقاب من الله سبحانه وتعالى.

    اتخاذ الأمانة مغنماً

    وقوله: (والأمانة مغنماً):

    أي: أن كل أمين على أمر من أمور المسلمين أو على مال من أموال المسلمين يعتبر هذا الأمر غنيمة، ويعتبر ذلك فرصة بيده يستغله حسب مصلحته وحسب رغبته، وهذه هي الأمانة التي أشار الله عز وجل إليها بقوله: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ َالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].

    إذاً: هذه الأمانة سواء كانت أمانة المال تودع عند واحد من الناس فيخون هذه الأمانة، أو كانت أمانة التكليف التي كلف الله عز وجل بها هذا العالم، أو كانت أمانة الذرية التي هي أمانة كبيرة ويخونها كثير من الناس، أو أمانة المسئولية، أو أمانة رعاية أمر المسلمين؛ بحيث لا يؤدي هذا الراعي حق هذه الرعية؛ وإنما اتخذ الأمانة مغنماً واعتبرها غنيمة لنفسه، واستغلها حسب رغبته، وتمتع بها، وبدل أن يعتبرها مسئولية كبيرة يتحملها على مضض اعتبرها فرصة سانحة يستغلها حسب رغبته، ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث متفق على صحته: (إذا اوسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة). وقال علماء الحديث: إن معنى (وسد الأمر) أي: اعتبر ولي الأمر أمر المسلمين كالوسادة يعتمد عليه، ويتمتع به، بدل أن يشعر بأنه مسئولية كبيرة.

    ولقد كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم إذا ولي أحدهم أمراً من الأمور يعتبرها مسئولية كبيرة، فيخاف من حمل هذه، حتى كان يقول أحدهم: (ولست بخير من أحدكم، ولكني أثقلكم حملاً)، فكانوا يعتبرونها حملاً، وصار الناس في أيامنا الحاضرة يعتبرونها مغنماً، وهذا المغنم مسئولية عظيمة يسأل عنها الإنسان يوم القيامة إذا وقف بين يدي الله عز وجل، فيجب عليه أن يؤدي حق هذه الرعية، ويؤدي حق هذه الأمانة، ويقوم بما أوجب الله عز وجل عليه من مسئولية هذا التكليف.

    فهي حمل ثقيل لا يشعر بهذا الحمل ولا يدركه إلا عقلاء الرجال، أما سفهاء الناس فيعتبرون هذه الأمانة مغنماً، فيستغلونها لرغباتهم وشهواتهم ومصالحهم، وربما يستغلونها لظلمهم إن كانوا ممن اشتهر بالظلم والطغيان في الأرض، أما الحقيقة فإن الأمانة ليست مغنماً، ولكنها حمل ثقيل، وهذا الحمل لا يشعر به إلا المؤمنون، قال عز وجل: فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ، أي: خفن وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72].

    اتخاذ الزكاة مغرماً

    وقوله: (والزكاة مغرماً):

    الزكاة أحد أركان الإسلام، بل هي أهم العبادات المالية، وقد قاتل أبو بكر الصديق رضي الله عنه من منع الزكاة، وقال: (والله! لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، ولو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه).

    والزكاة فرصة للمسلم، فقد كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم إذا رأوا من يسأل الناس عن الزكاة بصدق يقولون: (مرحباً بمن يحمل زادنا إلى الآخرة)، ثم اعتبرها كثير من الناس مغرماً، فهي غرامة ثقيلة يشعرون بالقلق منها، ويشعرون بالصعوبة عند أدائها.

    وربما يكثر المال ويتضخم وتعجز الأرقام عن تعداد أموال كثير من الناس، ثم إذا أحصيت الزكاة وجد هؤلاء الأقوام أن الزكاة أصبحت كبيرة وكثيرة بسبب ضخامة هذا المال، فأصبحت ثقيلة، وربما لا يؤدونها، كما فعل ذلكم المنافق الذي أخبر الله عز وجل عنه في قوله: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ [التوبة:75-76].

    ثم أيضاً هذه الزكاة هي حفظ للمال، وهي صيانة له، وما هلك مال في بر أو بحر إلا بسبب منع الصدقة، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا أمواج البلاء بالدعاء والتضرع)، فإذا أصبحت هذه الزكاة عبئاً ثقيلاً على هذا الإنسان، ويشعر بأنه لا يستطيع أداءها إلا بثقل، فحينئذٍ يكون ذلك علامة من علامات بداية النهاية، ومن علامات قرب العذاب على هؤلاء الناس.

    تعلم العلم لغير الله

    قوله: (وتعلم لغير الدين):

    أي: العلم الشرعي، وكل العلوم يجب أن تكون خالصة لله عز وجل ومن أجل رضا الله، ولمصلحة الأمة الإسلامية، لكن إذا كانت لغير الله، لا سيما إذا اتخذت العلوم الشرعية وسيلة للشهادة، أو للوظيفة، أو للسمعة، أو ليجاروا السفهاء، أو ليماروا العلماء؛ حينئذ تفسد النية، ويكون ذلك علامة من علامات انحراف الأمة عن المنهج الصحيح.

    وعلى هذا فإن العلم يجب أن يكون لأجل الدين، ومن أجل الله عز وجل، خصوصاً العلوم الشرعية، بل كل أعمال الإنسان يجب أن تكون خالصة لله سبحانه وتعالى، فلا يقصد من ورائها رياءً ولا سمعة، ولا ذكراً ولا ثناءً، ولا الحصول على شيء من أموال الناس أو على شيء من هذه الدنيا.

    ظهور الأصوات في المساجد

    ومن علامات بداية العقوبة: (إذا ظهرت الأصوات في المساجد):

    وظهور الأصوات في المساجد معناه أن المساجد قد استعملت لغير العبادة، والمساجد ما بنيت إلا لذكر الله، كما قال عز وجل: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ *رِجَالٌ [النور:36-37]، فإذا أصبحت المساجد مجالس للناس يتحدثون فيها في أمور دنياهم، وربما تكون مرتعاً للسفهاء وألعوبة للاعبين، فإن ذلك أيضاً علامة من علامات العقوبة.

    عقوق الوالدين

    وقوله: (وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه):

    الأم هي التي حملت هذا الإنسان ووضعته وهناً على وهن، وأرضعته من دمها، وبذلت كل ما تستطيع وفوق ما تستطيع من أجل سلامة هذا الطفل، حتى إذا كان رجلاً أدنى زوجته وعقها، أي: عصاها وخالفها في غير طاعة الله سبحانه وتعالى، وهذا أيضاً علامة من علامات العقوبة.

    يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (وأدنى صديقه وجفا أباه):

    وهل يكون الصديق أقرب من الأب؟ وهل يتغلب حق الصديق على حق الأب وحق الزوجة على حق الأم؟ الجواب: لا يوجد ذلك إلا في أمة انحرفت عن المنهج المستقيم، فإذا أدنى الرجل صديقه وجفا أباه وأطاع زوجته وعق أمه فهذا انحراف، وقد أمر الله عز وجل ببر الوالدين، وجعل حق الوالدين بعد حق الله عز وجل مباشرة، كما قال عز وجل: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً [الإسراء:23]، وقال: وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً [العنكبوت:8].

    إذاً: تقديم حق أي واحد من الناس على حق الوالدين يعتبر إثماً ومعصية، فحتى في حال كفر الوالدين، وفي حال محاولة إكراه الولد على أن يكفر بالله من قبل الوالدين، لا طاعة للوالدين في مثل هذا الأمر، ولكن يبقى لهما حق الإحسان، كما قال عز وجل: وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ [العنكبوت:8]، وقال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان:15].

    شرب الخمر

    ومن علامات العذاب: شرب الخمور:

    الخمر هي أم الخبائث، وقد كانت الخمور تشرب في الجاهلية، وشربت في الإسلام، وشربت في عهد السلف الصالح، لكنها لم تنتشر كانتشارها في أيامنا الحاضرة، فقد انتشرت الخمور والمخدرات وغيرها من الأمور العظام التي أفسدت عقول كثير من الناس، فأصبحوا لا يحسنون التصرف في هذه الحياة.

    والخمرة هي التي لعن الرسول صلى الله عليه وسلم شاربها وساقيها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وآكل ثمنها .. إلى غير ذلك.

    والخمرة هي التي يقول عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: (من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، وإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، ثم إن عاد فشرب لم تقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن مات دخل النار، وإن تاب تاب الله عليه، ثم قال في الرابعة: فإن شربها كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة، قالوا: وما طينة الخبال يا رسول الله؟! قال: عصارة أهل النار).

    إذاً: الخمرة خطيرة، وقد انتشرت في مجتمعاتنا الخمور، بل أصبحت تسمى مشروبات روحية، وكأن هذا الاسم يريد أن يوجد رغبة وشوقاً إليها، فهي ليست بروحية قاتلها الله وقاتل أصحابها ومن يروجها، بل هي ضد الروح، هي لفساد الروح جاءت، وربما يدسها أعداء الإسلام حتى تنتشر في المجتمعات الإسلامية لتفسد العقول.

    والخمور والمخدرات كلها على حد سواء، وإن كانت المخدرات في عهدنا الحاضر تلاقي مكافحة أكثر، لكن الخمور لا تنقص ضرراً عنها، وإن كانت لا تجد كل هذه المكافحة ولا جزءاً منها، أي: المكافحة التي تتولاها هيئات رسمية وعالمية، فالخمور قد انتشرت في بيوت كثير من المسلمين، وأصبحوا يتعاطونها مع الأسف، وربما تشترك الأسرة -كما نسمع في بعض الأحيان- على هذا المحرم! نسأل الله العافية والسلامة، فيتربى عليها الصغير، ويهرم عليها الكبير!

    وعلى كل انتشار الخمور في المجتمع علامة من علامات أسباب العذاب، لاسيما حينما تكون هذه الجريمة لا تجد مكافحة تتناسب مع حجمها، فأنا متأكد أن السلطات الإسلامية لا تعطي هذه الجريمة ما تستحق من اهتمام وإكبار، ولذلك تنتشر في المجتمعات الإسلامية انتشاراً هائلاً.

    أيها الإخوة! الخمر هي كما سماها الرسول صلى الله عليه وسلم أم الخبائث، وهي لا تجتمع هي والإيمان إلا أوشك أحدهما أن يخرج الآخر، ولذلك رأى الصحابة رضي الله عنهم أن يقيسوا حدها بحد القذف، وعقوبتها بعقوبة القذف؛ لأنه إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى، كما أخبر الصحابة، ولذلك فإن الأمة الإسلامية مطالبة أن تحارب هذه الفاحشة وهذه الجريمة العظيمة التي تجر وراءها جرائم كثيرة؛ فإن الإنسان إذا تناولها يفسد عقله، فيهبط إلى مستوى الحيوان، بل ربما ينزل عن مستوى الحيوان، وينسى العقل الذي يوجه الله تعالى إليه دائماً خطاب: (أفلا تعقلون) .. (أولوا الألباب) .. (لقوم يتفكرون). ومن هنا يفقد الإنسان العقل والتفكير واللب حينما يتناول هذه الجريمة، وربما يقع على محارمه، وربما يقع على أمه، نسأل الله العافية والسلامة!

    ومن هنا فإني أدعو الأمة الإسلامية إلى أن تهتم اهتماماً كبيراً بخطر هذه الفاحشة وهذه الجريمة العظيمة، وإذا انتشرت دون أن يكون لها رادع منضبط انضباط حقيقياً فإن ذلك يؤذن بعذاب، ويؤدي إلى انتشارها في المجتمعات الإسلامية. نسأل الله العافية والسلامة.

    انتشار القيان والمعازف

    ومن علامات العذاب: انتشار القينات والمعازف، والقينات هن المغنيات الراقصات، والمعازف معناها الموسيقى ووسائل اللهو الأخرى، واسمحوا لي أن أقول لكم: إنه يندر أن يخلو منها اليوم بيت من بيوت المسلمين، سواء كانت بواسطة الإذاعة أو التلفاز أو الأفلام التي انتشرت في بيوت كثير من المسلمين أو غير ذلك.

    وهذه المعازف هي التي قرنها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح مع أكبر المحرمات؛ مع الزنا ومع لبس الحرير ومع الخمر فقال: (ليأتين أقوام يستحلون الحر)، أي: الزنا، (والحرير والخمر والمعازف).

    وكثير من الناس يتساهل في هذا الأمر حتى أصبحنا نسمع عند بعض الناس أن هناك موسيقى إسلامية! بل يندر أن يأتي حديث إلا وتتقدمه هذه الموسيقى، بل يؤسفني أنها ربما تأتي بعد تلاوة القرآن مباشرة!

    وعلى كل هناك ازدواجية يعيشها كثير من الناس، حتى أصبح كثير من الأطفال لا يفرق بين القرآن والموسيقى، وإنما يعجبه نغم فقط دون أن يميز بين هذا وهذا، وهذا التباس عظيم، فيوشك أن ينشأ في المجتمعات الإسلامية أطفال لا يفرقون بين الحق والباطل!

    فإذا انتشرت القينات، وانتشرت الأفلام التي ترقص فيها النساء، وانتشرت الأغاني التي تغني فيها النساء وتلهو وتلعب، وانتشرت المسرحيات التي تشوه الإسلام؛ بحيث تبرز رجال الإسلام ومعهم زوجاتهم سافرات، فإذا انتشرت هذه الأشياء فإنها بداية لعقوبة الله عز وجل.

    أيها الإخوة! لا نكتمكم سراً إذا قلنا: إن كثيراً من وسائل الإعلام التي تطورت في عصرنا الحاضر وانتشرت تحمل هذه الفكرة، سواء كانت في الصورة الثابتة كما يوجد في كثير من الصحف والمجلات، حيث يختارون فتاة فاتنة في جمالها يضعونها في مقدمة هذه المجلة، أو الصور المتحركة التي انتقلت إلى بيوت المسلمين بواسطة الأفلام أو بواسطة الأجهزة الحديثة التي ملئ بها عصرنا الحاضر، فكانت تشكل خطورة على هذه المجتمعات.

    واجب المسلم تجاه الأغاني والمعازف ووسائل الإعلام التي تبث ذلك

    أيها الأخ المسلم! ربما لا تملك أن تنكر المنكر كله، ولا أن تقضي على هذا الإثم من أصوله ومن منابعه، لكنك تملك بيتك، وإذا لم تستطع أن تسيطر على بيتك فعليك وعلى بيتك السلام، فقف يا أخي عند باب بيتك واحفظه من هذه الأفلام ومن هذه القينات ومن تلك المعازف؛ حتى تسلم من عقوبة الله عز وجل لو حلت بهذه الأمة التي انتشرت بها القينات والمعازف.

    فكثير من بيوت المسلمين تغص بهذه الأمور؛ ولذلك فإن المسلم في مثل هذه الأيام لا نقول: يقف متحيراً؛ فالأمر واضح، والسبيل مستبينة، ولكنه قد يقف عاجزاً أمام أهله الذين أظهر معهم الضعف من أول وهلة، فأصبح لا يستطيع أن يحكم قبضة هذا البيت، ولا يستطيع أن يسيطر على بيته وعلى أسرته.

    فأقول يا أخي المسلم! اتق الله عز وجل؛ فأنت تتحمل أمانة عظيمة، ومسئولية كبيرة، إنها أمانة الأهل والذرية، قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال:27-28].

    إنها اختبار من الله سبحانه وتعالى، ولما أهمل كثير من الناس القيام بالتربية في هذه البيوت نشأ في هذه البيوت مجرمون، ونشأ في هذه البيوت لصوص، ونشأ في هذه البيوت أناس اشتعلت في قلوبهم الشهوة الحرام، فأصبحوا لا يملكون أنفسهم، وأصبحوا يبحثون عن الجريمة وعن الفاحشة في مواطنها، ولذلك فإنه قد مهد لهذه الفواحش داخل بيوت المسلمين أمام هذه الأفلام المحرمة، وأمام هذه القينات والمعازف، فأصبح هؤلاء الشباب كطيور في أقفاص مقفلة ينتظرون اللحظة الأخيرة التي يفتح فيها هذا القفص من أجل أن يفر من هذا المجتمع المحافظ ليبحث عن الفاحشة، وهذا هو ما يحدث، فقد ضاع كثير من شباب الإسلام في بلاد الفاحشة والحرية المطلقة التي لا تقف عند حد، وهي حرية تعتبر في الحقيقية عبودية لغير الله عز وجل.

    ولذلك فإننا ندعو قادة الأمة الإسلامية إن كانت فيهم روح إسلامية إلى أن يتقوا الله في هذه المسئولية وهذه الأمانة، وندعو أيضاً قادة وأرباب البيوت والذين حملهم الله عز وجل المسئولية مباشرة إلى أن يتقوا الله تعالى في حماية هذه البيوت.

    سيادة فاسق القبيلة

    ومن هذه الجرائم: (وساد القبيلة فاسقهم):

    وهل يسود القبيلة فاسقهم؟

    الجواب: نعم، فإنه إذا انحرفت القبيلة سادها فاسقهم، حتى يقال للرجل: ما أطرفه وما أحلمه وما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان، فربما تختل المعايير وتفسد الموازين في عقول الناس، ولا يستطيعون أن يميزوا بين الحق والباطل وبين النافع والضار، فحينئذٍ يسود القبيلة فاسقهم، والفاسق هو: الذي يفعل الذنوب العظام أو يدمن على الصغائر.

    ولو أرادت القبيلة الخير لنفسها والعزة والكرامة لها لكان الأمر في خيارها، أما وقد أصبح الأمر بيد فاسق من فساق هذه القبيلة، لأنه صاحب مال أو لأنه صاحب جاه أو لأنه صاحب مركز أو لأي سبب من الأسباب؛ فهنا يسود القبيلة فاسقهم، وكان الأولى بهذه القبيلة التي تريد أن يكون لها الخير والسعادة أن يكون الأمر في صالحيها، فإذا كان الأمر في فسقتها فذلك بداية العذاب.

    زعامة أرذل القوم

    ومن هذه الأمور التي تسبب سخط الله عز وجل: (أن يكون زعيم القوم أرذلهم):

    وهل يكون زعيم القوم أرذلهم؟

    الجواب: نعم، إذا فسدت الأذواق، وكان الأمر بغير أيدي العقلاء، وتولى أمور المسلمين غير الصالحين منهم، وقادوا سفينة تسير في أعماق بحر متلاطم الأمواج، ولا يستطيع أن يخلص هذه السفينة من هذه الأمواج ومن هذا البحر المتلاطم إلا العقلاء.

    فإذا كان أمر المسلمين في العقلاء فإن ذلك هو الخير للقائد وللمقود، وإذا فسدت الأمة، أو فقدت الصالحين، أو أصبحت مغلوبة على أمرها، وكان من يتولى أمر المسلمين هم الفسقة، أو الذين لا يخلصون في قيادة هذه السفينة، أو الذين يريدون أن يهتموا بمصالحهم، أو يشبعوا رغباتهم، أو ينتقموا من الصالحين فحينئذٍ تخرب القيادة، ويفسد الأمر، وربما تغرق السفينة، وربما تغطيها الأمواج، وربما تصطدم بجبل فتتحطم، ولذلك فإننا نقول: إن أمر المسلمين يجب أن يكون في أصلحهم وأتقاهم وأعبدهم لله عز وجل وأكثرهم إخلاصاً لهذه الأمة؛ حتى تسير سفينة الحياة إلى شاطئ النجاة دون أن يصيبها خلل ودون أن تصاب بأمر من الأمور.

    أيها الإخوة! إن الصالحين من هذه الأمة هم الذين يستطيعون أن يقودوا هذه السفينة إلى ساحل النجاة، سواء كانوا السلطة الحاكمة أو الأمراء أو الوزراء أو العلماء، وإذا كان هذا الأمر في الصالحين فإن الأمة الإسلامية بخير، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (وإذا وسد إلى غير أهله فانتظر الساعة) .

    ونحن نطالب كل من يتولى أمراً من أمور المسلمين أن يتقي الله عز وجل، وأن يؤدي هذه الأمانة التي استرعاه الله عز وجل إياها، وأن يبحث عن أصلح الناس وأكفئهم ليتولى هذه الأمور، وندعو القادة والعلماء إلى أن يقودوا هذه الأمة إلى عزها وصلاحها وكرامتها، وإلا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإذا كان زعيم القوم أرذلهم .. فانتظروا عند ذلك ريحاً حمراء).

    وهذه المسئولية وهذه القيادة ليست خاصة بولاة الأمر الكبار في الأمة الإسلامية، ولكنها أيضاً تعم كل من تولى أمراً من أمور المسلمين، وكل من استرعاه الله عز وجل على مسئولية، فحتى الموظفون وحتى رؤساء الأقسام وحتى المسئولون عن دوائر الحكومة يدخلون في ذلك، فهو يعم المسئولية الكبرى والمسئولية الصغرى، فيجب أن تكون دائماً في الصالحين وفي أكفاء الناس وفي أصحاب الخبرة والعقل والدين والحزم والأمانة، وإلا فإن الأمر خطير وخطير جداً، ولذلك فإن من يتتبع تاريخ أي أمة من الأمم يرى أن أسباب سقوطها وبداية نهايتها حينما يكون الأمر في غير أهله.

    لعن آخر هذه الأمة لأولها

    ثم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (ولعن آخر هذه الأمة أولها):

    وهل يلعن آخر هذه الأمة أولها؟! وأول هذه الأمة هم الذين أقاموا دولة الإسلام التي مازالت الأمة الإسلامية تتفيأ ظلها الوارف، وتعيش في ظل فتوحات الفاتحين من سلفنا الصالح رضي الله عنهم، فأولئك هم الذين قدموا أنفسهم فداءً لهذا الدين، وهم الذين وضعوا قواعد الدولة الإسلامية على أساس متين، والذين نقلوا لنا هذا الدين جيلاً بعد جيل وأمة بعد أمة.

    وأما هل يوجد في آخر هذه الأمة من يلعن أولها؟ فالجواب: نعم، لقد كان هذا أمراً غريباً، لكننا وجدناه واضحاً في كثير من الأحيان، فقد وجدنا من يسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن يلعنهم، ومن يكفرهم ويخرجهم من الملة! كما يوجد فيمن يسمون أنفسهم بالشيعة من الرافضة.

    بل لقد وجد في عصرنا الحاضر أمة تزعم أنها تتحمل مسئولية التجديد، ومسئولية محاربة القديم، وهؤلاء في أنفسهم عقدة التخلف وكراهية كل قديم، ولذلك فإنهم يحاربون كل قديم، ويزعمون أنهم يجددون في هذا العصر، ويريدون أن يقضوا على ذلك القديم الذي يعتبر تخلفاً وتأخراً ورجعية في نظرهم، مع أن الله سبحانه وتعالى سماه هو التقدم وسماهم هم المتأخرين، فقال عز وجل: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ [المدثر:37]، والمراد بالتقدم: الأخذ بهذا الدين، والمراد بالتأخر: رفض هذا الدين.

    وعلى كلٍ وجد في عصرنا الحاضر من يسمون أنفسهم بالحداثيين أو بالمجددين، والذين لا يروق لهم الأمر ولا تلذ لهم الحياة إلا حينما يحاربون كل قديم، ويطعنون في سلفنا الصالح رضي الله عنهم، وفي مؤلفاتهم من الكتب الصفراء كما يقولون، ويعتبرون أنفسهم هم المجددين، بل ربما يطعنون في دين الإسلام، ويعتبرون دين الإسلام تخلفاً، وأن ما أصاب الأمة من تخلف إنما سببه الأخذ بهذا الدين! هكذا يقولون، وربما يتمادون في طعنهم في هذا الدين، فيسبون خير البرية محمداً صلى الله عليه وسلم، ويعتبرونه هو الذي أخر هذه الأمة! وربما ينالون الله عز وجل بالطعن والأذى! وهم بهذا يؤذون الله ورسوله، وهؤلاء كلهم يدخلون في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ولعن آخر هذه الأمة أولها).

    لكن ما موقفنا نحن من مثل هؤلاء المرتدين؟

    موقفنا من هؤلاء المرتدين هو كما أمرنا الله عز وجل: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة:12]، وفي قراءة سبعية: (إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون).

    فنقول: لا يجوز للأمة الإسلامية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هؤلاء الطاعنين في الإسلام والذين يتناولون دين الله بالسب والهمز واللمز، فيجب أن تكون للأمة الإسلامية ويجب أن تكون للحكومة الإسلامية قوة تحمي جانب هذا الدين، فإن الله سبحانه وتعالى قد أمر الأمة الإسلامية بأن تدافع عن هذا الدين بكل قوة، بل أخبر سبحانه وتعالى أنه أنزل الكتب السماوية من أجل هداية البشر، ومن أجل إقرار قواعد الأمن والطمأنينة والعدل في هذه الأرض، وأنزل مع الكتب السماوية الحديد فيه بأس شديد، كما قال عز وجل: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25].

    فالمسئولية أولاً مسئولية ولاة الأمر الذين استرعاهم الله عز وجل على هذا الدين، وتأتي المسئولية في الجانب الثاني على كل واحد من المسلمين يغار لله عز وجل ولدينه، فإذا رأى دين الله عز وجل يُنال منه ما ينال فعليه أن يغضب لله عز وجل، وعليه ألا يغضب لنفسه أو لماله أو لحقوقه أكثر من غضبه لله عز وجل، وإذا غضب لنفسه دون أن يغضب لله فويل يومئذٍ للفضيلة من الرذيلة.

    إكرام الرجل مخافة شره

    وقوله: (وأكرم الرجل مخافة شره):

    وهذا قد وقع، فإن كثيراً من الناس يُكرم مخافة شره، ويقوم له الرجال، ويعظمونه، ويمجدونه، ولربما يعطونه من الألقاب ما لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، وكثير منهم -إن لم نقل: جلهم- يكره هذا الإنسان، لكن أكرموه مخافة من شره.

    وهذا هو الذي ألجم كثيراً من الألسن أن تقول كلمة الحق، والحقيقة أن مخافة الشر أو الطمع في الخير أو الرجاء لمصلحة من المصالح هو أكثر أسباب الإكرام التي تحدث في عالمنا اليوم، ولذلك يكرم كثير من هؤلاء الذين يخشى شرهم وبطشهم وسطوتهم، أكثر من أن يكرم العلماء الأفاضل الذين يدلون الناس على طريق الجنة.

    1.   

    واجب الأمة تجاه الذنوب والمعاصي

    الغضب لله عز وجل ومكافحة الجرائم

    أيها الإخوة! هذه بعض أسباب العذاب التي انعقدت في المجتمعات الإنسانية بصفة عامة، وفي المجتمعات الإسلامية بصفة خاصة، فلم يخل منها مكان من الأمكنة؛ ولذلك فإن ما يحدث في هذه الحياة من خلل ومن عقوبات ومن جرائم ومن فساد في البر والبحر إنما هو بما كسبت أيدي الناس، كما قال الله عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41].

    إن الأمة الإسلامية لا تستطيع أن تدفع عن نفسها عذاب الله عز وجل إلا حينما تكافح هذه المنكرات، وتغضب لله عز وجل، ولا تترك الفساد يسير في الأرض، فهي مسئولية كما يتحملها ولاة الأمر يتحملها المسلمون أيضاً، ويسألون عنها بين يدي الله عز وجل، وسوف يسأل الله عز وجل الجميع عن هذا الدين يوم القيامة.

    فعلى المسلمين أن تتمعر وجوههم غضباً لله عز وجل، أما إذا لم تتمعر الوجوه غضباً لله عز وجل فإن الله تعالى يقول: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ [هود:102-103].

    عدم الخوف من غير الله عند رؤية المنكرات

    أيها الإخوة! إن الله تعالى يبتلي المؤمنين بالفسقة، ويسلط بعضهم على بعض؛ لينظر كيف يعملون؛ ولينظر هل يقوم جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد المسلمين أم أن الناس يخافون على أنفسهم وعلى حياتهم وعلى أرزاقهم، وهذا وبعينه هو ضعف الإيمان، بل أخشى أن يصل بالناس إلى درجة الشرك بالله عز وجل، فحينما يُصرف جانب الخوف لغير الله عز وجل ويكون من غير الله فإن هذا من الشرك، والله تعالى يقول: فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ [المائدة:44]، والناس لا يملكون للناس نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام، وجفت الصحف).

    فصرف الخوف لغير الله عز وجل نقص في جانب من جوانب التوحيد، وليس من جوانب المعصية والطاعة، بل هو من جانب الشرك والتوحيد، فإذا صرف هذا الأمر لغير الله عز وجل، وأصبح الإنسان يخاف على حياته أو يخاف على رزقه أو يخاف على نفسه أو يخاف على أهله، ويترك لذلك أموراً هو يُطالَب بها من قبل الله عز وجل، بحيث يقدم خوف البشر على خوف الله عز وجل، فهذا أمره عظيم، وهذا ليس معصية، ولكنه شرك بالله عز وجل.

    فتجب الثقة بالله سبحانه وتعالى؛ فإن الله تعالى قدر الآجال، كما قال سبحانه: كِتَاباً مُؤَجَّلاً [آل عمران:145]، وقال: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وقدر الأرزاق، كما قال سبحانه: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6]، وقدر كل أمر من الأمور، فممَ يكون الخوف؟ يجب أن يكون الخوف لله عز وجل وحده.

    الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر هم عقلاء الأمة

    فنقول أيها الإخوة! إن الذين يأمرون بالمعروف وينهون المنكر، ويحاربون الفساد في الأرض، ويدعون إلى الله عز وجل ويتحملون المسئولية أمام البشر ليتخلصوا من المسئولية أمام الله عز وجل يوم القيامة؛ هم عقلاء الأمة، بل هم الذين يريدون السعادة للأمة، بل هم الذين يريدون السعادة أيضاً للدولة؛ لأن الدولة لها أجل، فكما أن الإنسان له أجل فالدولة لها أجل، والله تعالى يقول: لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ [الأعراف:34]، وهذا الأجل يبقى ما بقيت الدولة تحافظ على دينها وتحافظ على أوامر الله عز وجل، وينتهي ذلك الأجل بمقدار ما تنحرف الدولة أو تنحرف الشعوب عن منهج الله سبحانه وتعالى.

    1.   

    الذنوب والمعاصي سبب الزلازل والخسف والمسخ وغيرها

    فإذا فعلت الخصال المذكورة في الحديث، وجاء في حديث آخر: (إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة)، إذا فعلت هذه الخصال حل بها البلاء.

    وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فانتظروا عند ذلك ريحاً حمراء)، وهذه الريح قد تهب ويظنها الناس سحاباً ممطراً، كما حدث لقوم عاد، فقوم عاد لما رأوا العذاب: قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا [الأحقاف:24]، فقال الله عز وجل: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا [الأحقاف:24-25].

    قال عليه الصلاة والسلام: (فانتظروا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة)، وكم يحدث من الزلازل في هذا العالم يوماً بعد يوم؟! وكم يحدث فيه من النكبات، وقد تحل قريباً من دارنا أيها الإخوة؟!

    ولا تظنوا أننا حين نعيش في أرض الحرمين أن لنا حصانة، أو أن بيننا وبين الله عهد أو ميثاق، فلا عهد بيننا وبين الله عز وجل إلا بتطبيق شرع الله، وبخشية الله عز وجل، وبفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأنه ليس بين أحد وبين الله عز وجل نسب ولا عهد ولا ميثاق، إلا أن يحافظ الناس على هذا الميثاق الذي يقول الله عز وجل عنه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى [الأعراف:172]، هذا هو العهد الذي يجب أن نحافظ عليه.

    وعلى هذا نقول أيها الإخوة! إن ما حدث في العالم من زلازل أو من أحداث أو نكبات أو تسلط السفهاء أو نقص في الأمطار وجدب في الأرض وجور في سلاطين الأرض وغير ذلك؛ إنما هو بسبب ما كسبت أيدينا، فلنخش الله عز وجل، ولنعد إلى الله عز وجل.

    قال عليه الصلاة والسلام: (فانتظروا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة ومسخاً) ، وهذا المسخ ربما يكون في العقول لا في الأجسام، فربما يفقد الإنسان تفكيره فيكون قد مسخ إلى صورة حيوان في عقله وتفكيره وعدم غضبه لله عز وجل، وربما يفعل الله عز وجل بأمة كما فعل بقوم من بني إسرائيل حين قال لهم: كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ [البقرة:65].

    وقوله: (وآيات تتابع)، أي: عقوبات لا يعلمها إلا الله عز وجل، فقد تأتي من السماء صواعق وآفات ورياح وعواصف، أو تصعد من الأرض براكين وزلازل، أو تكون فتن بين الناس، بأن يسلط الله عز وجل بعضهم على بعض، وهذا هو أكثر ما يحدث في هذه الأمة، كما قال الله عز وجل: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65].

    1.   

    نداء إلى جميع المسلمين للنهي عن المنكر

    أيها الإخوة! إن أفضل طريق، بل إن الطريق الوحيدة التي نسلم بها من عقوبة الله عز وجل هي: أن نتناصح فيما بيننا، وأن تنشط الدعوة إلى الله عز وجل، وأن يتحمل العلماء وطلبة العلم مسئوليتهم كل في موقعه، وعلى مقدار مسئوليته، وعلى مقدار علمه بشرع الله عز وجل، وأن يقوموا لله مثنى وفرادى، وأن يقولوا للناس: اتقوا الله، فمن قبل هذه الوصية فليبشر بسعادة الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنها أو أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم، كما أخبر الله عز وجل.

    إن جانب الأمر المعروف والنهي عن المنكر قد تعطل أيها الإخوة في كثير من الأحيان، وبمقدار تعطله تجرأ السفهاء على دين الله عز وجل، فلابد أن ينشط هذا الجانب، ولا يكفي أن تكون هناك هيئة تعمل بطريقة رسمية؛ لأن المسئولية ليست مسئولية رسمية، ولكنها مسئولية الجميع، وعقوبة الله عز وجل إذا نزلت في الأرض لا يتخلص منها إلا الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما قال عز وجل: فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116]، وقال: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:165].

    أيها الإخوة! إني أدعو نفسي وأدعوكم إلى أن ننشط في هذا الجانب، وأن نمنع وقوع البلاء بما نقدمه لهؤلاء الناس من نصيحة على كل المستويات، سواء كان على المستوى الرسمي أو غيره:

    فنقول لولاة الأمر: اتقوا الله، قال عز وجل: لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا [غافر:29].

    ونقول للناس كافة: اتقوا الله، ونسعى قدر جهدنا واستطاعتنا لدفع هذا العذاب، وهذه الدروس قد تحل قريباً من دارنا، ولننظر ماذا فعل الله عز وجل بلبنان، وماذا فعل الله عز وجل بالعراق، وماذا حدث في الكويت، وماذا فعل قبل ذلك في بلاد الأندلس، وماذا حدث في فلسطين، وماذا حدث في كثير من بقاع العالم!

    والله يا إخوان إن كثيراً من الذين وقعوا في عقوبة الله من العقلاء الذين يصدقون الحديث، يقولون: كنا نتوقع ما حل بنا منذ زمن بعيد؛ لأننا كنا نمر بطريقنا إلى المسجد بخمارة أو ببيت دعارة فلا نغضب لله عز وجل، وكنا نحذر ما وقع، ولكننا لم نأخذ بأسباب دفع البلاء، فما حل بنا ليس شيئاً غريباً، ولكنها عقوبة الله عز وجل!

    أقول قولي هذا، ولا أعلم أن أحداً منكم أعظم مني تقصيراً أو أكثر مني ذنباً، ولكني أستغفر الله لي ولكم.

    1.   

    الأسئلة

    ذكر بعض أحوال المسلمين في كشمير وأفغانستان وإريتريا والفلبين

    السؤال: نرجو منكم أن تحدثونا عن أحوال إخواننا المسلمين في باكستان وكشمير، سواء منها ما يختص بأحوال المسلمين عامة أو الجهاد خاصة؟

    الجواب: ذكر أحوال المسلمين يحتاج إلى حديث طويل؛ لأن سائر المسلمين في كشمير وفي أفغانستان وفي باكستان، لهم مشاكل كثيرة، وهكذا حال المسلمين في كل بلاد العالم، لكن -والحمد لله- نبشركم بشيئين:

    الشيء الأول: أن الصحوة الإسلامية المباركة عمت جميع بلاد العالم حتى بلاد الكفر، فالذين يتمتعون بها في أمريكا لا يقلون أهمية عن الذين يتمتعون بها هنا في الجزيرة العربية.

    والشيء الثاني: أن الجهاد في سبيل الله بدأ الآن في مواطن كثيرة من الأرض، وربما أن الإخوة الأفغان جزاهم الله خيراً هم الذين وضعوا البذرة في هذا القرن، فالجهاد في سبيل الله يوجد في أفغانستان وفي كشمير وفي إريتريا وفي الفلبين وفي مواطن كثيرة، والحمد لله.

    على كلٍ أصبحنا نتوقع أن يكون الدين كله لله، وهذا ما وعدنا الله عز وجل به، وهو الحد النهائي لوضع السلاح، فلا يوضع السلاح على الأرض إلا إذا كان الدين كله لله، لقوله عز وجل: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [الأنفال:39]، والمراد بالفتنة هنا الشرك، لا بمفهوم الفتنة في أيامنا الحاضرة، بل الفتنة هنا بإجماع علماء المسلمين هي الشرك والكفر، فقوله تعالى: وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39]، أي: لا يبقى على وجه الأرض إلا مسلم.

    وعلى كلٍ وجود هذه الجبهات في أفغانستان وفي كشمير وفي إريتريا وفي الفلبين وفي مواقع كثيرة من الأرض يعتبر -إن شاء الله- إيذاناً بأن يكون الدين كله لله، وألا تكون هناك فتنة في الأرض.

    ولكن أحوال المسلمين عموماً تحتاج إلى دعم من المسلمين، ولا أقصد بذلك الدعم المادي فقط، بل حتى الدعم المعنوي، فكثير من قضايا المسلمين تخفى على المسلمين في كل الأرض، فنحن هنا تصل إلينا أخبار السلفادور وأخبار أمريكا الجنوبية والعالم كله، وكثير من أخبار المسلمين لا تصل إلينا، ولو سألت أي واحد من الناس: ماذا تعلم عما يحدث في كشمير؟ لقال: لا أدري، ولو سألته وقلت: ماذا تعرف عن المسلمين في جنوب الفلبين؟ لقال: لا أدري.

    فيا إخوان: في جنوب الفلبين اثنا عشر مليون مسلم يحملون السلاح في وجه الكفر، ويصنعون الأسلحة بأيديهم على عقيدة أهل السنة والجماعة، وأكثر المسلمين لا يعلمون عنهم شيئاً!

    فالخير في الأرض سيبقى ما بقيت الحياة الدنيا، لكن علينا أيها الإخوة أن نتابع أخبار المسلمين، وأن نسير في الأرض للنظر ماذا يحدث في هذا العالم، أو على الأقل نقدم الدعم المادي على قدر استطاعتنا للجهاد في سبيل الله، فالله تعالى قد اشترى منا أموالنا وأنفسنا، فإذا ما استطعنا أن نقدم الأنفس فلنقدم الأموال.

    الطريقة المثلى لإنكار المنكرات

    السؤال: ما هي الطريقة المثلى لإنكار المنكرات؟

    الجواب: الطريقة المثلى هي ما أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، ولا نظن أن المسألة مسألة تخيير، بل المسألة مسألة تدرج، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما قال: بيده أو بلسانه أو بقلبه، وإنما قال: (فإن لم يستطع)، فالمسألة مسألة تدرج، وحسب استطاعة الإنسان وإمكاناته، فإذا استطاع الإنسان أن ينكر المنكر باليد وكانت القوة بأيدي المسلمين فيجب أن يكون الإنكار باليد، وهذا هو ما أشار إليه الله عز وجل في الآية التي في سورة الحديد: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ [الحديد:25].

    إذاً: لابد أن تكون للمسلمين قوة تحمي الكتب السماوية، وتحمي جانب العدل، فإذا لم يستطع المسلم أن يقوم بذلك أو يترتب عليه مشاكل، فنقول: أقل شيء باللسان، ولا يمكن أن يعذر الإنسان على ترك الإنكار بلسانه مكتفياً بقلبه؛ لأنه يستطيع أي واحد أن ينكر المنكر بلسانه ولو تحمل بعض المسئوليات، فلا تظنوا أن طريق الجنة مفروش بالورود والرياحين، بل طريق الجنة محفوف بالمكاره، كما قال عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ [البقرة:214].

    إذاً: هذا هو طريق الجنة يا أخي! فإذا كنت تظن أنك تحصل على طريق الجنة بركعات أو شيء من ذلك، فنقول: هذا جزء من طريق الجنة، لكن أفضل طريق يؤدي إلى الجنة هو طريق الجهاد في سبيل الله، وهو أضمن طريق، ومن الجهاد في سبيل الله الدعوة إلى الله، وقول كلمة الحق ولو أسخطت الناس مادامت ترضي الله سبحانه وتعالى.

    فعليك يا أخي! أن تتحمل في طريق الجنة ما يلاقيك، فليس طريق الجنة سهلاً، كما قال عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران:142].

    إذاً: لابد في طريق الجنة من عقبات، فالكلمة باللسان لابد أن يتحمل الإنسان مسئوليتها أمام الناس، ليتخلص بمسئوليتها أمام الله عز وجل يوم القيامة.

    إخراج الشيخ الجلالي من منطقة القصيم

    السؤال: سمعنا خبراً بإجلائكم عن منطقة القصيم، فما صحة هذا الخبر؟

    الجواب: هذا الخبر صحيح، لكن أنا قلت لكم: إن طريق الجنة محفوف بالمكاره، ولابد أن نصبر ونتحمل، ولا نريد أن نقول كما قال الكفار لرسلهم: لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا [إبراهيم:13].

    وعلى كلٍ هذه أمور أظنها ما وصلت إلى الجهات العليا، وإن وصلت فإننا نظن في الجهات العليا خيراً، وربما تكون تصرفات أشخاص دون هؤلاء، وعلى كلٍ ليست الأرض ملكاً لأحد، قال عز وجل: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [الأعراف:128]، وحينما يخرج الإنسان من منطقة ليعيش في منطقة أخرى ليس معنى ذلك أنه أُبعد؛ فإن أرض الله واسعة.

    وعلى هذا نقول أيها الإخوة: إن طريق الجنة محفوف بالمكاره ومن هذه المكاره: أن يحال بين الإنسان في دعوته وبين وطنه، مع أن المسلم لا يتقيد بوطن، وافهموا هذا يا إخوان، وطن المسلم هو أي مكان في الأرض يستطيع أن يقيم فيه شرع الله عز وجل، وعلى هذا نقول: ليست المشكلة كبيرة، فالمشكلة يسيرة جداً؛ لأن أرض الله واسعة؛ ولأن المسلم يستطيع أن يعيش في أي أرض يستطيع أن يؤدي فيها شعائر دينه، والله المستعان!

    موقف المسلم من وجود التلفاز في بيته

    السؤال: إنسان لا يريد التلفاز، وله أولاد، فجاءوا به، فحلف أن يخرجوه، ولم يخرجوه، فسلك جميع السبل مع زوجته وأولاده، فما هو الطريق الصحيح لإخراج هذا التلفاز من البيت؟ وهل من الحكمة إذا كان الشخص حديث عهد بهداية أن يخرجه من بيته؟

    الجواب: أولاً: بالنسبة للأبناء الذين يعقون أباهم إلى هذا الحد وإلى هذا المستوى؛ هؤلاء عليهم خطر في دينهم، وأنا أرجوهم رجاءً أن يتقوا الله أولاً في هذه المعصية، فوجود هذه الوسائل بهذا الشكل معصية.

    الشيء الثاني: عقوق الأب من أجل معصية من معاصي الله عز وجل هذه أيضاً معصية أكبر، فنقول لهؤلاء: اتقوا الله، ونقول لهذا الأب: صمم يا أخي على ما تريد، فأنت المسئول عنهم أمام الله عز وجل، وخصوصاً إذا كان هناك أطفال أو نساء يتأثرون أكثر من غيرهم بهذه الوسائل الحديثة.

    أما بالنسبة للأخ الذي هو حديث عهد بالاهتداء فربما أنه لا يستطيع أن يؤثر على هذا البيت؛ لأن هذا البيت كما يظهر لي من هذا السؤال فيه شيء من الانحراف أو فيه شيء من الأخطاء على الأقل، ونقول لهذا الأخ: مادام الله تعالى قد هداك للفطرة فادعهم بلين وتؤدة؛ حتى تستطيع أن تصلح وضع هذا البيت.

    فأنا لا أؤيد استعمال القوة في مثل هذه الأمور، وفي محاربة هذه المنكرات، ولكني أقول: لابد أن يكون ذلك بحكمة، والشاب الذي هداه الله تعالى للطريق المستقيمة عليه أيضاً أن يسلك طريق الحكمة، ولا يندفع كل الاندفاع من أجل إنكار هذا المنكر، ولكن عليه أن يسلك طريق الحكمة واللين، ويستغل الفرص التي من خلالها يستطيع أن يوصل الموعظة إلى أهله وبيته وأسرته من أجل أن يقتنعوا بترك ما حرم الله سبحانه وتعالى.

    حكم التلفاز

    السؤال: هل التلفاز حرام؟

    الجواب: نقول: التلفاز في موقع الحرام حرام، ولا نشك في ذلك، مادام أنه يعرض الموسيقى ويعرض صوراً مختلطة ويعرض أغاني، وهو ليس حراماً لذاته، ولكنه حرام لما يعرض فيه، فهناك شيء محرم لذاته، وهناك شيء محرم لغيره، ومحرم لما عرض فيه، ولو استعمل التلفاز في غير ما استعمل فيه اليوم فلا نستطيع أن نقول: إنه حرام، وإن كانت الصور بهذا الشكل فيها شيء من الشبهة على الأقل.

    وعلى كلٍ نقول: في وضعنا الحاضر هو إثم، أنصح كل واحد من المسلمين أن يبعده عن بيته، ويستعين بالله عز وجل، ولا يؤخر هذه الفرصة.

    موقف المسلم من مناهج التعليم التي تخالف الشرع

    السؤال: المناهج الدراسية تحتوي بين طياتها في مختلف مراحلها على مواضيع تخالف الشرع، وبرامج لامنهجية تقام في المدارس، فكيف بالمدرس إذا أمر أن يقوم بتدريس ما خالف الشارع؟ وماذا يفعله حيال ذلك، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أنا لا أعرف أن فيها شيئاً يخالف الشرع، بل إني أظن أن التعليم عندنا -والحمد لله- أكثر المناهج في العالم الإسلامي استقامة؛ لكن ربما تكون هناك نظريات فاسدة أُبعِد كثير منها، وربما بقي بعضها، خصوصاً في علم الأحياء وما أشبه ذلك.

    والمدرس هو الذي يستطيع أن يوجه الطلاب إلى ما فيها من خلل، بل هذه فرصة أن توجد هذه النظريات الفاسدة في هذا الكتاب، وإن كنا لا نود وجود ذلك، لكن مادامت قد وجدت فهي فرصة يستطيع المدرس من خلالها أن ينقض هذه النظريات، وأن يعلم الناس بأن هذا شر استهدفت به هذه الأمة، كما أنه مطالب أن يقدم إلى الجهات المسئولة والمعنية هذه الأمور الخطيرة التي عثر عليها في هذا الكتاب؛ من أجل إبعادها عن المناهج الدراسية.

    وعلى كل واحد أن يتصرف، سواء كان في توجيهها أمام الطلاب وبيان ما فيها من انحراف، أو توجيه الجهات المسئولة التي تستطيع أن تزيل هذه النظريات أو هذه الأفكار أو هذا الخلل في هذه المناهج.

    حكم العقوبات المالية القائمة في نظام المرور وغيره

    السؤال: ما هو رأي الشيخ في المخالفة المرورية التي تسجل بالكمبيوتر ويمكن لصاحب المخالفة تسديدها بعد عشرة أيام وإلا تضاعف هذه المخالفة وتزيد بمرور الأيام؟ ألا تدخل هذه الزيادة في الربا؟

    الجواب: لا تدخل في الربا، ولكن تدخل في أكل أموال الناس بالباطل، والحقيقة أن كل العقوبات المالية أنا أشك في حلها، بل الإسلام وضع عقوبات ما علمت منها عقوبة واحدة مالية أبداً.

    وعلى كلٍ هي تعتبر رادعاً لبعض المخالفات، والمخالفات المرورية بعضها خطيرة، ولو أن واحداً من الناس قطع الإشارة وقتل إنساناً فإنه يعتبر كالمتعمد في قتل هذا الإنسان، صحيح أنه يجب أن توضع هناك عقوبات، لكن لماذا لا تكون غير مالية، وإذا كانت مالية لماذا تضاعف؟

    فأنا أرى أن العقوبات المالية كلها موضع نظر، فلا يعاقب الناس بأموالهم، وإنما يعاقبون بأنفسهم، ولابد أن تكون العقوبة كما جاء الشرع، بأنها تكون فور المخالفة، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر كل من فعل ذنباً أو إثماً أن يعاقب فوراً؛ حتى يكون رادعاً لغيره، أما وضعها مدة من الزمن وإدخالها في الأجهزة الحديثة، ثم مضاعفتها بعد مدة من الزمن، فأنا أظن أن فيه تعدياً على أموال الناس.

    قوة وشموخ الصحوة الإسلامية

    السؤال: في هذا الزمن الذي تلاطمت فيه المحن، وانتهكت فيه حرمة العلماء والدعاة، وضيق على الصحوة، ما هو توجيهكم الكريم لهذه الصحوة العارمة التي لم تؤد جزءاً من دورها قياساً بعددها؟ ونرجو توضيح ما يخطط لهذه الصحوة، وجزاكم الله خيراً؟

    الجواب: أولاً: هذه الصحوة لا أحد يستطيع أن يقضي عليها، وقد سمعت واحداً من العلماء يقول: نحن نرشها بالماء، وفي أفغانستان رشوها بالمبيدات وما استطاعوا أن يقضوا عليها.

    وعلى كلٍ يا إخوان! الصحوة الإسلامية معناها إظهار لدين الله، والله تعالى حكم في القرآن العظيم بأنه سيظهر هذا الدين.

    إذاً: معنى ذلك أنه لا أحد يستطيع أن يقف في وجه هذا الدين، قال عز وجل: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء:18]، وكم من خلق الله من حاول أن يقف في وجه هذا الدين، وأن يذل من أعزه الله، فعجز وتحطم، وقد جاءت الحروب الصليبية وبقيت مائة وسبعين عاماً تجوب خلال الديار، وخرجت والإسلام أعز مما كان، وجاء التتار وساموا المسلمين سوء العذاب، وخرجوا من بلاد المسلمين ولم يضعفوا مسلماً واحداً أو جعلوه يرتد عن دينه، بل خرجوا والمسلمون أعز مما كانوا، وهذه في اعتقادي أكبر أحداث في التاريخ جاءت لصرف المسلمين عن دينهم.

    فهذه الصحوة ليست معرضة لأن يضعفها أحد من الناس، إلا أننا ننصح كل واحد من الناس تسول له نفسه أن يقف في وجه هذا الدين أن يسير مع هذا الدين إن كان ممن ولاه الله تعالى أمراً من أمور المسلمين، وحينئذٍ نبشر بالعزة والتمكين في هذه الأرض، أما من يفكر في غير ذلك فإن عليه أن يراجع حسابه؛ لأن الله غالب على أمره ومتم نوره، وننصح إخواننا شباب الصحوة الإسلامية أن يضبطوا أنفسهم وتوازنهم، وألا يندفعوا كل هذا الاندفاع الذي نشاهده على بعضهم في بعض الأحيان، وربما يكون سبباً في جر مشاكل عليهم، وننصحهم أن يتعلموا الشرع؛ لأن كثيراً منهم اتجه إلى الله عز وجل متأخراً، وربما أنه لا يعرف شيئاً من علوم الشرع، وربما أنه اختص بالعلوم العصرية، فنقول: لابد من أن يكون هناك علم تنضبط به هذه الصحوة، وتسير معه في خط مستقيم.

    دعوة للتبرع للجمعيات الخيرية من أجل تزويج الشباب

    السؤال: الحمد لله الذي أعانني على إكمال ديني بأن تزوجت، وذلك من فضل الله، ثم من تبرعات المسلمين الذين يدعمون الجمعيات الخيرية، فنرجو منكم يا فضيلة الشيخ! أن تدعوا للتبرع لهذه الجمعيات؛ ليعم الخير جميع الشباب؟

    الجواب: الحقيقة أن أفضل ما نقدمه من المال بعد الجهاد في سبيل الله هو تزويج هؤلاء العزاب، والله تعالى وعد من يتزوج لحفظ دينه بأن يعطيه من هذه الدنيا، فقال عز وجل: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32].

    وتزويج هؤلاء العزاب فيه فوائد كثيرة، منها إعفاف الفروج، سواء في ذلك الرجال والنساء، وبناء بيوت وأسر على طريق شرعية، وحماية وحفظ هؤلاء الشباب الذين يتفلتون هنا وهناك، ولربما يحدثون فساداً في الأرض بسبب هذه الشهوة الحرام، وكل هذه الأشياء نستطيع أن نقضي عليها بما نقدمه من هذا المال، سواء كان للجمعيات الخيرية التي تتبنى موضوع تزويج العزاب، أو ما نقدمه لهؤلاء الشباب الذين يفكرون في الزواج مباشرة.

    وأدعو الجمعيات الخيرية أن تزيد البذل في هذا السبيل؛ فإنها في اعتقادي من أفضل السبل التي يقدم فيها المال.

    زيادة الصدقة في عمر المتصدق

    السؤال: الصدقة تزيد في العمر، كيف ذلك والآجال مكتوبة، والله عز وجل يقول: لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [يونس:49]؟

    الجواب: يقول صلى الله عليه وسلم: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله فليصل رحمه)، يقول العلماء: المراد بالوسع هنا أحد أمرين:

    زيادة البركة في العمر، فالسنون لا تزيد لكن يبارك فيها فيستفيد الإنسان من هذا العمر أكثر مما يستفيده إنسان في عمره الذي لم ينزل الله عز وجل فيه بركة، فيمضي عمر الثاني دون فائدة يستفيد منها، وأما صاحب العمر المبارك الذي أنزل الله تعالى فيه البركة فاستفاد منه صاحبه.

    الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قال: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد:39]، فقد قدر الله تعالى الآجال، لكن يثبت الله تعالى ويزيد وينقص ويمحو، فيمكن أن يزاد في العمر حتى في الزمن، وليس معنى ذلك أنه تخطى الأجل، يعني: أن الله تعالى وضع له أجلاً، ثم زاد في هذا الأجل فأعطاه أجلاً آخر، فهذا الأجل الآخر هو الذي حصل عليه الإنسان بسبب صلته لرحمه أو بذله أو ما أشبه ذلك.

    دعوة إلى التبرع لنشر الدعوة عبر الكتاب والشريط

    السؤال: هناك بعض المناطق في المملكة وخارجها تنقصها الدعوة إلى الله، ومن وسائل الدعوة توزيع ونشر الكتاب والشريط، فهل ترون عرض هذا الأمر على أهل الخير لدعم هذا المشروع؟

    الجواب: هذا مشروع طيب، والبذل في أمر ينشر الدعوة إلى الله عز وجل مطلوب، لكن بشرط أن يفهم الناس أن هذا ليس من الزكاة؛ لأن في اعتقادي أن هذا لا يصلح مصرفاً من مصارف الزكاة، فإذا أشعر الناس بأن هذا ليس من الزكاة وإنما هو من الصدقة الزائدة عن الزكاة فهذا عمل طيب.

    والشريط -والحمد لله- الآن يخدم الدعوة الإسلامية أكثر من أن تخدمها أي وسيلة من الوسائل الأخرى، وأرجو من إخوتي أن ينشطوا أمر الشريط والكتاب؛ فإن واحداً من الناس يهتدي بسبب شريط أو بسبب كتاب يكون خيراً لك من الدنيا وما عليها، وإذا ساهمت في هذا الشريط بريال واحد فلربما يكتب الله عز وجل لك هذا الأجر كله، وكم من الناس من اهتدى بسبب الشريط أو بسبب الكتاب!

    فأنا أشجع هؤلاء الإخوة القائمين على ذلك، وعلينا أن نساهم، لكن لا نحتسب ذلك من الزكاة، وهذا مشروع أسأل الله تعالى أن يبارك فيه، وأن يوفق القائمين عليه للصواب.

    أسباب ضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    السؤال: ما رأيك في ضعف جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع عموماً وعند الشباب خصوصاً؟ وهل هو ناتج عن ضعف المناهج التربوية المطروحة، أم عن الغزو الذي يمارسه الإعلام الداخلي والخارجي، أم أنه نتيجة للتربية المنزلية المستمدة من أعراف المجتمع، أم غير ذلك؟

    الجواب: ذكر الأخ السائل أسباباً كثيرة لهذا الضعف، ولكن أنا أضيف إلى هذه الأسباب أسباباً أخرى:

    ولعل من الأسباب أن تكون هناك هيئات رسمية تولت هذا الأمر، فظن الناس أنها مسئولية الدولة وليست مسئولية الناس، ولكن نحن مطالبون بأن نتعاون من الدولة ومع الحسبة الرسمية لإنكار المنكر، ولإقرار قواعد المعروف في الأرض، ووجود حسبة رسمية لا يعني أننا نصبح غير مسئولين أمام الله عز وجل، وقد عشنا شيئاً من الفترة التي سبقت وجود حسبة نظامية فرأينا الناس كلهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولما قامت هذه الجهات الرسمية بهذا الأمر ظن كثير من الناس أنها مسئولية الدولة وليست مسئولية الناس، والحقيقة أنها مسئولية الجميع.

    وأمر آخر: لعل في كثرة المنكرات التي انتشرت في بلاد المسلمين ما أدهش كثيراً من المسلمين، فلم يستطع أن يقدم أو يؤخر شيئاً منها؛ لأنه اندهش، فكان ذلك سبباً في حيرته، فتأخر عن هذا الأمر كله.

    وعلى كلٍ فإن من أعظم أسبابها ضعف الإيمان في نفوس بعض الناس، وربما أن الخوف قد دب في نفوس بعض هؤلاء المسلمين، فلم يستطيعوا الإقدام على هذا الأمر، والله المستعان.

    حكم الامتناع عن الدعوة لمن مُنع عنها

    السؤال: إذا مُنعت من الدعوة فهل يجوز لي أن أمتنع، ولا ينالني الخسران المذكور في قوله تعالى: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2]؟

    الجواب: ليس لك عذر أن تتوقف حينما تُمنع، فطاعة أولي الأمر واجبة، لكن بشرط ألا تتعارض مع طاعة الله عز وجل، فإذا تعارضت فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والدولة مسئولة أن تنظم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن ليس لها الحق أن تمنع داعية يدعو إلى الله عز وجل على بصيرة.

    وعلى هذا نقول: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله فرض كفاية، فإذا كان يقوم به من يكفي فيعتبر عذراً لك حينما تتوقف، مع أنك بهذا تفوت كثيراً من الفضيلة؛ لأن الدعوة إلى الله أفضل طريق إلى الجنة، كما قال عز وجل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً [فصلت:33]، أي: لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، ولكن حينما تكون الساحة قد خلت أو ضعف هذا الجانب وأنت تُمنع من أن تقوم بالدعوة إلى الله فحينئذٍ لا تتوقف؛ لأنك تسير بأمر من الله عز وجل القائل: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125].

    فإذا خلت الساحة ولم يقم بهذا الأمر من يكفي فلا يجوز لأحد أن يتوقف لأي أمر من الأمور، وإذا كانت الساحة قد شُغلت وأصبح الأمر مكتفياً فيكون بالنسبة لك فرض كفاية، وحينئذ لك أن تتوقف، لكن اعلم أن من يدعو إلى الله هو خير منك؛ لأنه يقوم بهذا الأمر العظيم، ويهتدي على يده أناس كثيرون.

    حكم الأكل مع المشرك

    السؤال: هل يجوز الأكل مع شخص مشرك ولو كان عاملاً أو خادماً أو سائقاً في البيت، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: موالاة الكافرين والمشركين لا تجوز، لقول الله عز وجل: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ [المجادلة:22]، إلى آخر الآية، وهناك فرق بين الموادة وبين المعايشة، وكثير من إخواننا خارج السعودية يبتلون بهؤلاء المشركين؛ لأنه حصل في بعض البلاد اندماج واختلاط بين الفئتين.

    وعلى كلٍ يا أخي! احرص على أن تبتعد عن هؤلاء القوم، لكن لو أكلت معه دون أن تكون هناك صداقة وإنما جمعك معه مجلس أو ما أشبه ذلك، فلا أعتقد أن في ذلك حرجاً، لكن البعد عن هؤلاء في مجالستهم ومؤاكلتهم ومشاربتهم هو الأولى والأفضل، لكن لو اضطررت أن تأكل مع مشرك أو مع كافر بشرط ألا يكون هناك حرام في الأكل أو في طريقة الأكل أو ما أشبه ذلك؛ فحينئذ لا أعتقد أنه قد نهي عن ذلك، وإن كان الأصل هو أن يتميز المسلم بشخصيته وبحياته عن كل كافر ومشرك.

    أفضل طريقة لحفظ القرآن الكريم

    السؤال: ما هي أفضل طريقة لحفظ القرآن؟

    الجواب: عندك -والحمد لله- حلق في المساجد لتحفيظ القرآن وفيها خير، لكن أفضل طريقة لحفظ القرآن هي أن تحدد لك مقادير معينة من القرآن تحفظها، وتتوقف عند نهايتها، وتكررها يوماً بعد يوم، وتضع لك كل يوم صفحة من الصفحات تحفظها، وتكررها في الصلوات الخمس، وتكررها وأنت تمشي، وفي كل حالة من حالاتك، وفي اليوم الثاني تزيد صفحة وصفحتين وهكذا، حتى إذا صرت إلى مقدار معين تتوقف، وتكرر ما حفظته حتى لا تنساه، ثم بعد ذلك تبدأ مرة ثانية، وهكذا.

    المهم أن يكون هناك مذاكرة مستمرة لما حفظت من القرآن، وهذه أفضل طريقة.

    وأفضل زمن لحفظ القرآن هو أيام الصغر وأيام الشباب، ولذلك فإني أنصح الشاب أن يبادر إلى حفظ القرآن قبل أن يتحمل مسئوليات وتكاليف الحياة التي تشغله، وأنصح الآباء أن يلزموا أبناءهم أو على الأقل يشجعونهم على حفظ القرآن ماداموا في سن مبكرة؛ حتى لا تفوتهم هذه الفرصة، وهذه فضيلة للأب وللابن الحافظ للقرآن، والله المستعان.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756473405