إسلام ويب

وصايا وتوجيهات للمرأة المسلمةللشيخ : عبد الرحمن صالح المحمود

  •  التفريغ النصي الكامل
  • خطاب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم يعم الرجال والنساء، وما خوطب به الرجل فهو خطاب للمرأة، إلا ما خصه الدليل، وقد أعطى الإسلام في تشريعاته المرأة حقها، ولم يظلمها شيئاً؛ بل كرمها ورفع شأنها، ولهذا يجب الحذر من أصحاب الدعوات المنحلة الذين يريدون أن ينزلوا المرأة من علياء رفعتها، وأن يستخدموها سلعة لقضاء شهواتهم ورغباتهم الشيطانية المقيتة.

    1.   

    حال الناس في الدنيا

    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيتها الأخت المسلمة! كثيراً ما يفكر الإنسان في هذه الحياة ومشاكلها وتفاوت الناس تجاهها وصراع الأمم والشعوب حولها، سواءٌ أكان صراعاً عالمياً أم صراعاً محلياً، وكل ذلك منطلقه الدنيا وما فيها من جاه أو منصب أو مال أو زينة من زينة الحياة الدنيا. ويلتفت المرء المسلم والمرأة المسلمة إلى هذا الذي يجري من حوله فيرى عجباً! يرى الناس يتطاحنون على أمور الدنيا ويتنافسون فيها، وتتحول أخلاقهم وعلاقاتهم وارتباطاتهم -بل أحياناً قراباتهم- إلى أن تكون الموازين موازين دنيوية. والدنيا كل إنسان يعيش فيها في كبد، كما قال الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]، ويتساوى في ذلك المؤمنون والكفار، فكلهم يعيشون حياتهم فرحاً أياماً وحزناً أياماً، وكلهم يمرضون ويشفون، ويفرحون ويحزنون، ويغضبون ويرضون، وهذه هي سنة الحياة التي لا تتخلف؛ لأن هذه الدنيا فانية وليست باقية. أيتها الأخت المسلمة! كنا نرى هذا عند من لا يؤمن بالله واليوم الآخر فما بالنا نراه أيضاً عند المؤمنين بالله تعالى واليوم الآخر؟! فما الفرق بين المرأة المسلمة المؤمنة بربها العابدة المصلية الخائفة لمقام ربها وبين غيرها ممن لا يؤمن بذلك كله، ولا يعمل شيئاً من ذلك كله؟ ولماذا نرى كثيراً من المسلمات حالهن شبيه بحال هؤلاء الذين لا يخافون الله ولا يرجون اليوم الآخر؟ إنه سؤال ينبغي أن تقف عنده المرأة المسلمة، فما أثر الإيمان بالله؟ وما أثر الإيمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وما أثر الإيمان بالملائكة والكتب والنبيين؟ وما أثر الإيمان باليوم الآخر الذي لا شك فيه؟ ثم ما أثر الإيمان بالقضاء والقدر؟ وهذه هي أركان الإيمان.

    1.   

    القدوة في نساء الصحابة رضي الله عنهن

    إن المؤمنة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت الواحدة منهن قد تكون عاشت في جاهلية وكفر وشرك بالله سبحانه وتعالى وعمل لما يغضبه، ثم تتحول إلى الإسلام، وعندما تقول: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) تتغير حياتها من أولها إلى آخرها. إنه تصديق وإقرار يتبعه عمل في حياة هذه المرأة المسلمة، ثم تنظر في حالها وفي طموحاتها في هذه الحياة فتجد الموازين عندها قد تغيرت، وقبل ذلك كانت تنظر إلى الدنيا على أنها كل شيء، وعلى أن شهواتها وزينتها وأموالها وأطماعها هي الغاية في هذه الحياة. أما الآن فلا، لقد تحولت إلى امرأة أخرى لا تنظر إلى الدنيا على أنها شيء، وإنما تنظر إلى الآخرة؛ لأن الميزان قد تغير، والقلب والعواطف والأحزان والأفراح بعدما كانت توجه إلى دنيا دنية صارت توجه إلى أخرى رخية، وصارت توجه إلى مراقبة تعيشها المرأة المسلمة لربها سبحانه وتعالى في كل أفعالها في السراء والضراء، وفي السر والعلانية، وفي كل حال تعيش عليها، ونظرت إلى ما بعد الموت والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى فراقبت كل حركة من حركاتها في الدنيا. أيتها الأخت المسلمة! هذه هي النقلة التي تعطيها العقيدة الإسلامية، وهذه هي النماذج التي رأيناها من نساء عشن في الكفر، فلما انتقلن إلى الإسلام تحولن إلى مؤمنات قانتات عابدات داعيات إلى الله سبحانه وتعالى، فقد كانت الواحدة منهن تضرب المثل في خدمة هذا الدين، وفي خدمة زوجها إذا كان مسلماً، وفي تربية أولادها، وتتحول الأسرة إلى أسرة مؤمنة مجاهدة تسمع ماذا يقوله الله وماذا يقوله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فتنفذ. وبعض الصحابة كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها في المدينة النبوية، فأتى رجل وقال لهؤلاء: أنا أشهد أن الخمر قد حرمت. فألقوا ما معهم من الخمر في الحال منفذين. ولقد نزلت آية من كتاب الله تعالى فرتلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلمها أصحابه فرجع الأصحاب إلى بيوتهم وزوجاتهم وأمهاتهم وأخواتهم يتلون عليهن هذه الآية. فماذا في هذه الآية من حكم؟ هذه الآية فيها حكم الحجاب، فسارعت المرأة المسلمة إلى لبسه دون أن تتردد ودون أن تنظر إلى صديقاتها أو رفيقاتها، ودون أن تعبأ بسخرية أو استهزاء، وذهبت مسرعة لتنفذ أمر الله تبارك وتعالى وتلبس الحجاب، وقد كنَّ يصلين الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي أول صلاة بعد نزول هذه الآية وافينه كالغربان؛ لأنهن لبسن السواد متحجبات، حيث أسرعن الامتثال لأمر الله وأمر رسوله، ولماذا لا تنفذ المرأة المسلمة أمر سول الله صلى الله عليه وسلم الله ورسوله وهي تخاف الله واليوم الآخر؟ ولماذا لا تنفذ وهي ترجو ما عند الله تبارك وتعالى في الآخرة؟ قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، فهذا هو عنوانك -أيتها المرأة المسلمة- في حياتك من أولها إلى آخرها. وكذلك أيضاً المسلم عليه أن يكون كما قال الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، ولهذا كانت الصحابيات لا يقلن: لماذا أمر الله؟ ولأي شيء نهانا؟ ولا يبحثن عن العلل وغيرها، وإنما يقلن: بمَ أمر الله حتى ننفذ؟ وما الذي أمر الله تبارك وتعالى به حتى ننفذه؟ هذا هو عنوان المؤمن والمؤمنة. أيتها الأخت! هذه العقيدة هي التي صنعت أولئك الأمهات والزوجات والأخوات اللاتي وردن أمثالاً عظيمة في تاريخ الأمة وفي تاريخ الأمة الإسلامية بصفة خاصة، وهذه العقيدة هي نفسها العقيدة التي يمكن أن تصنع الرجال، وأن تصنع النساء المؤمنات العابدات القانتات، فالعقيدة واحدة، والقرآن موجود، وهو باقٍ إلى آخر الزمان، وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم موجودة محفوظة مصححة، فإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام قد غاب عنا بشخصه فإنه لم يغب عنا بسنته عليه الصلاة والسلام. وإذا كان كذلك فإن العقيدة أيضاً بالإيمان بالله واليوم الآخر وما يتبع ذلك هي عقيدة باقية، وهي أيضاً ذات أثر في كل جيل متى ما صدق هذا الجيل بذلك وعمل به.

    1.   

    حقيقة الدنيا

    أيتها الأخت المسلمة! لماذا نحزن على هذه الدنيا؟ ولماذا أحياناً ننسى الآخرة ونصارع على الدنيا غيبة ونميمة وحسداً وكلاماً ومشكلات وغيرها؟ إن الدنيا كلها لا تساوي شيئاً، وتأملي -أيتها الأخت- هذا الحديث الصحيح الذي يبين فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمرأة المسلمة وللأمة المسلمة كلها قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المرأة المؤمنة التي تدخل الجنة -أسال الله أن يجعلني والقارئين والقارئات من أهل الجنة- وما لها من النعيم: (ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها)، والنصيف هو ما تغطي به المرأة رأسها ونحرها. هذا النصيف أو غطاء الرأس للمرأة المؤمنة من أهل الجنة يقول عنه الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم: (خير من الدنيا وما فيها)، فهو خير من الفلل والسيارات الفارهة وكل أنواع الحلي والماس واللؤلؤ وغيره مما يباع بأغلى الأثمان، وخير من اللباس، وخير من كل شيء في هذه الدنيا، وهذا هو الفرق بين ميزان الآخرة وميزان الدنيا. وأما لماذا هو خير من الدنيا وما فيها فلأن هذا النصيف للمرأة المسلمة في الجنة باقٍ أبد الآباد، وأما هذه الدنيا فهي فانية ولم ولن تبقى لأحد أبداً، وكم من إنسان بلغ القمة في الملك أو القمة في الشهرة أو القمة في الغنى بالمال أو القمة في الجاه والسؤدد أمام الناس ولكنه رحل عن ذلك كله! وهذه سنة الله تبارك وتعالى في الدنيا الدنية، فإما أن يرحل عنها العبد بالموت، أو إما أن ترحل عنه وهو ينظر، فهل يطمئن إليها إنسان عاقل؟! إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخبرنا هذا الخبر يبين لنا كيف تكون قيمة الدنيا، وكيف تكون قيمة الآخرة، وتأملي -أيتها الأخت المسلمة- يا من تغفلين أحياناً وتنافسين على دنيا، تأملي هذا الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها)، فركعتان تركعينهما في الليل خير من الدنيا وما فيها، فأين المتاجرات مع الله سبحانه وتعالى؟ وأين النساء العاقلات اللاتي يعرفن الدنيا وغدرها ويعرفن الآخرة وقدرها؟ وأين المرأة المسلمة التي تزن الأمور بميزان العقل والحكمة والكياسة؟ والله إن نصوص الكتاب والسنة لتبين لنا قيمة الدنيا وقيمة الآخرة، إن المرأة المؤمنة إذا عرفت قيمة الآخرة عملت لها، وإذا عرفت قيمة الدنيا أخذت منها ما تحتاجه، لكن تصبح هذه الدنيا في يديها وليس في قلبها، فلا تحزن وتخاصم وتظهر مشكلات من أجلها؛ لأنها ربما تخسر بيتاً وأسرة بسبب مشكلات تافهة. أيتها الأخت! إن المرأة التي تعرف قدر الدنيا تعطيها حقها، وهذا في الحقيقة يعود عليها هي بالنفع والفائدة، فقد يظن الظان أن الإنسان الذي يحرق أعصابه لأجل الدنيا هو الذي يستفيد، بينما هو لا يستفيد شيئاً، وإنما يتضرر بإحراق نفسه إما حسداً للآخرين وإما بحثاً عن الدنيا وإما إثارة مشكلات أو نحو ذلك، وكل ذلك لن يغير من واقع الأمر شيئاً؛ لأن الإنسان لا يأخذ من الدنيا إلا ما كتب له، ولا يمكن أن يأخذ الإنسان أي شيء من الدنيا إلا ما كتبه الله تبارك وتعالى له، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يربي الأسرة المسلمة ليعلمها كيف تعرف قدر الدنيا وقدر الآخرة.

    1.   

    كيفية التعامل مع الأولاد

    أيتها الأخت! ابنك أو أخوك البالغ من العمر عشر سنوات أو اثني عشر عاماً كيف تخاطبينه في أمور الدنيا والآخرة؟ أظن أن كثيراً منهم لا يفقه كثيراً من الكلام، نظراً لأن أطفالنا وأولادنا شغلوا بمتع الدنيا، فصار حديث الواحد منهم عنها، وصارت حياته فيها، فيعيش وكأنه لا يؤمن باليوم الآخر أو كأنه لا يعرف اليوم الآخر، ورسولنا صلى الله عليه وآله وسلم كان يربي الصغار على الأمور الكبار، ويخاطبهم مخاطبة الكبار، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد غلمان الصحابة: (يا غلام!)، والغلام: هو الذي دون الخمسة عشر عاماً، أي: بلغ اثني عشر أو ثلاثة عشر أو أحد عشر عاماً، وهذه كانت سن ابن عباس رضي الله عنهما. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لـابن عباس : (يا غلام! إني أعلمك كلمات. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). فما رأيك -أيتها الأخوات- في هذا الخطاب الإيماني الذي يُخاطب به غلام من الغلمان؟ إنها التربية التي تبين قدر الدنيا وقدر الآخرة، إنها التربية التي تعلق الصغير بالله سبحانه وتعالى، ولهذا إذا نظرت المرأة إلى ما يحدث على هذه الدنيا من نزاع وخصام وعرفت قدر الآخرة فإن المرأة العاقلة هي التي تزن الأمور بموازينها الصحيحة، وتعطي كل ذي حق حقه.

    1.   

    الحذر من الهجوم الموجه ضد المرأة

    أيتها الأخت! إن من أشد ما تلاقيه المرأة المسلمة في هذه الأيام هو هذا الهجوم المكثف عليها لإغرائها وإغوائها وإخراجها، ولتحويلها إلى امرأة لا تربي أسرة، وإنما هي امرأة مشغولة بتلك الأمور والقشور الدنيوية، فهي لا تعمر بيتاً، وهي لا تقدم خدمة لأمتها، وهي قبل ذلك وبعد ذلك لا تعمل صالحاً لنفسها تلقاه يوم تلقى ربها تبارك وتعالى، ولابد أن تلقاه.

    1.   

    الإيمان عماد التربية

    أيتها الأخت المسلمة! إن عماد التربية الإسلامية لدى البيت والأسرة هو الإيمان بالله تبارك وتعالى وباليوم الآخر، بحيث نعرف قدر هذه الدنيا، فلا تصبح هي الغاية، ولا تتحول مشاكلنا وعلاقاتنا كلها من أجل هذه الدنيا. أيتها الأخت لقد عرف سلفنا الصالح رحمهم الله تعالى قيمة هذه الدنيا، وسأتحدث باختصار عن قصة امرأة صالحة في عهد التابعين، هذه المرأة كانت عالمة فاضلة صالحة، جمع الله لها بين الجمال وبين العلم، وبين الدين والخوف من الله سبحانه وتعالى، وكان أبوها سيداً من سادات التابعين رحمهم الله تعالى. وكان أبوها في المدينة النبوية، وكان ذلك في زمن بني أمية، وكان الخليفة عبد الملك بن مروان ، وكان ولي عهده الوليد بن عبد الملك ، وكان عبد الملك بن مروان يحكم الدنيا من أولها إلى آخرها، يحكم مشارق الأرض ومغاربها، حيث كان يحكم الشام والجزيرة والعراق وبلاد فارس وما وراء النهر ومصر والمغرب وأفريقيا. والدها هو سعيد بن المسيب التابعي الجليل، وبينما هو في بيته أو مسجده إذا بأمير المدينة يأتي إليه، فدخل عليه، فلما سلم عليه قال له: يا سعيد، لقد جئتك بعز الدنيا من أولها إلى آخرها. قال له: جئتني بعز الدنيا من أولها إلى آخرها؟! ماذا عندك؟! قال: أبشر يا سعيد، لقد جئتك بشيء يتمناه كل إنسان موجود الآن على ظهر الأرض. قال له: وما الذي تقول؟! وما الذي جئت به؟! قال له: أبشر؛ أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان يخطب بنتك لولده وولي عهده الوليد بن عبد الملك ، وقد تولى الخلافة بعد ذلك. هذا هو عز الدنيا، أن تنتقل بنتك لتكون زوجة لولي عهد المسلمين، وتكون هناك في قصر الخلافة التي لا تحكم بقعة محددة، وإنما تحكم مشارق الأرض ومغاربها التي بلغها الإسلام في ذلك الوقت، فماذا كان جواب سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى أمام هذا الإغراء؟! هل قال: أزوج بنتي من ابن أمير المؤمنين، وأعقد صداقات وعلاقات لأتحول إلى داعية وإلى وإلى وإلى؟! لم يقل هذا أيتها الأخت، أتدرين ما الذي قاله للأمير الذي جاء يخطب ابنته لولي عهد المسلمين في ذلك الوقت؟! قال له: اسمع أيها الأمير، وأجبني عن هذا السؤال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء), وأنت تقول: جئتك بالدنيا بحذافيرها، فإذا زوجت بنتي من ابن أمير المؤمنين فاقسم لي من جناح البعوضة! وما الذي ستعطيني من جناح البعوضة إذا زوجت بنتي من ابن أمير المؤمنين؟! إنه كلام الحكماء العارفين بالله، وأبى أن يزوجها لابن أمير المؤمنين، ورفض الدنيا من أولها إلى آخرها؛ لأنها عنده لا تعدل جناح بعوضة، فإذا زوج بنته فما الذي سيقسم لها من جناح البعوضة؟! وأبى حتى إنه أوذي رحمه الله تعالى في سبيل ذلك. ثم هذه البنت ممن زوّجها؟! كان عنده عدد من الطلاب، وبعد هذه القصة بقليل افتقد واحداً من طلابه، فسأل عنه، فلما جاءه بعد أيام قال له: لماذا غبت عنا؟ قال: توفيت زوجي، وأنا مشغول بنفسي، وليس عندي إلا أمي، أي: ليس عنده في البيت لا أولاد ولا شيء، وليس عنده إلا أمه. فظن الطالب أن المدرس سيعينه بقليل من المال ليبحث له عن زوجة، وإذا به يفاجأ حين يقول له سعيد بن المسيب : هل أحدثت في هذا الأمر شيئاً -يعني: هل خطبت أو هل تريد أن تخطب-؟ قال: لا. ومن يزوجني وليس عندي شيء؟ فقال له سعيد بن المسيب : أنا أزوجك ابنتي. فصعق الرجل، يرفض زواجها من الوليد بن عبد الملك ويزوجني إياها أنا الفقير! وما أكمل دهشته وإذا بـسعيد في الحال يحضر من طلابه الشهود ويزوجها إياه، ورجع الرجل لا يكاد يصدق إلى بيته، وصرخ في أعلى داره على جيرانه قائلاً: زوجني سعيد بن المسيب ، يقول هذا الرجل: لقد زوجني ووالله ما في بيتي شيء. فجاءت أمه فأخبرها الخبر، فلما أرخى الليل سدوله إذا بقارع يقرع عليه بابه بعد العشاء، فلما قرع عليه بابه قال: من الطارق؟ فقال له: سعيد ، فكل إنسان اسمه سعيد خطر بباله إلا سعيد بن المسيب ؛ فإنه منذ أربعين سنة لا يخرج من بيته إلا إلى المسجد، وما دخل دار أحد، وإذا به يفاجأ عندما فتح الباب بـسعيد بن المسيب واقفاً، فصعق الرجل مرة أخرى، وظن أن الحال كما هي حالنا أحياناً نوافق على الرجل ذي الخلق والدين ونذهب إلى البيت فترفض الأم والأخوات وتنسف القضية، فالرجل قد يكون شجاعاً مع الناس وإذا رجع إلى البيت يتغير الموضوع، ويصير ليس له كلمة ولا أي شيء، فظن الرجل أن سعيداً لما ذهب إلى بيته قالوا له: كيف تصنع هذا! ترفضها من ابن أمير المؤمنين وتزوجها هذا الفقير؟! أي: على الأقل ابحث عن شاب غني ثري طيب طالب علم، فصعق الرجل مرة أخرى وظن أن سعيداً قد تغير له رأي، ويريد قبل أن تكتمل الفرحة أن يلغي الموضوع، فقال له وهو يتلعثم: يا شيخ! لو أرسلت إلي لأتيتك. فقال له سعيد : أنت أحق أن يؤتى إليك، وأنت شاب ليس عندك أهل، وقلت: لا يصلح أن تبيت هذه الليلة بدون أهلك، وهذه هي زوجتك. وإذا بها بجانبه، فدفعها إلى داخل الدار وأغلق الباب ورجع. قال: فدخلت بها فرأيت امرأة عاقلة صالحة عالمة، ومكثت أياماً ما أتيت سعيد بن المسيب . أي أنه شغل بنفسه؛ لأنه يقول: والله ما كان في داري شيء. أي: لا أملك شيئاً. يقول: وأتيته بعد أيام وحضرت الدرس، فانتظر حتى خرج جميع الطلاب وبقيت أنا وإياه، فقال لي: كيف حال ذلك الإنسان -يعني: بنته-؟ فقلت له: إنه بخير. يقول: فقال لي سعيد بن المسيب العالم الفاضل: إن كان ذاك وإلا فعليك بالعصا! وهل تستحق هذه الفتاة العاقلة العصا؟! لكنها تربية الآباء، إنها تربية الأسرة. فـسعيد بن المسيب لا تظنوا أنه فعل شيئاً خطأً، لا والله، إنها معرفة حقيقية بقيمة الدنيا والآخرة، ولو رحلت بنته إلى دار الخلافة وخدمتها في تلك القصور الخادمات من جميع النواحي فلربما فتنت عن دينها، وكيف تكون حالتها إذا فتنت عن دينها، أما مع صاحبها هذا فلعلها تعيش بقية عمرها في ديانة وعبادة إلى أن تلقى الله، وما عند الله تبارك وتعالى خير وأبقى. أيتها الأخت! هذا هو ميزان الدنيا والآخرة، لهذا فأنا أعجب أحياناً من أن بعض النساء هداهن الله تنافس وتشاقق على الدنيا، وأحياناً تثير مشكلة في البيت، وأحياناً تحسد بعض أخواتها، وأحياناً تغتابهن، والدنيا كلها لا تساوي شيئاً.

    1.   

    وصايا نافعة

    أيتها الأخت إن الدنيا راحلة، ونحن عنها راحلون بغير شك، فاعملي للآخرة، ولهذا فإنني في كلمتي هذه أوصيك بعدد من الوصايا:

    أهمية التقوى

    الوصية الأولى: تقوى الله تبارك وتعالى في السر والعلانية، وفي الغيب والشهادة؛ فإن تقوى الله هي أعظم زاد تأخذينه معك -أيتها الأخت- في هذه الحياة، في كل تصرف وفي كل كلمة تقولينها وفي كل عمل تفعلينه. وتذكري -أيتها الأخت- أن الله سبحانه وتعالى فوقك يراك ويطلع عليك، فاتقي الله تبارك وتعالى في نفسك، واتقي الله سبحانه وتعالى فيمن وليت رعايته.

    المرأة الصالحة سراج البيت

    الوصية الثانية: احرصي -أيتها الأخت- على أن تكوني نبتة خير في البيت، سواءٌ أكنت أماً أم زوجة أم أختاً أم بنتاً. أيتها الأخت المؤمنة! احرصي كل الحرص على أن تكوني نبتة نور في هذا البيت، ليس نور المساحيق والألبسة الجميلة، وإن كانت مما تتزين به المرأة بحدود الشرع، لكن هناك نورٌ هو أعلى وأغلى من ذلك بكثير، وهو نور الإيمان، ونور المحبة في الله، نور الخوف من الله، نور يضيء الطريق لأقرب الناس إليك. أيتها الأخت! أنت في بيتك تتحملين مسئولية، فاحرصي كل الحرص على أن تكوني أداة خير لأهل البيت، فإن رأيت خيراً فزيديه، وإن رأيت شراً فعالجيه بحكمة، وكوني داعية إلى الله داخل البيت؛ فإن الأقربين أولى بالمعروف، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. وأنت -أيتها الأخت- في هذا البيت بيت الألفة والمحبة من أقرب الناس إلى معرفة مشاكله، فحاولي أن تعالجيها بنور الإيمان ونور القرآن. أيتها الأخت! احرصي كل الحرص على أن يكون القرآن وسماع الشريط الإسلامي وقراءة الكتيب الإسلامي هو عنوان هذه الأسرة.

    أهمية قيام المرأة بالدعوة إلى الله

    الوصية الثالثة: أيتها الأخت في الله! احرصي على أن تكوني داعية خير لكل من تتصلين به من الأقارب أو الزميلات أو غيرهن بحدود الشرع، فكوني داعية خير -أيتها الأخت- تأمرين بالمعروف وتنهين عن المنكر. واعلمي -أيتها الأخت- أن تأثيرك أحياناً يكون أقوى من تأثير الرجال، فكم من أسرة حاول الداعون إلى الله مع الرجال فما استطاعوا أن يصنعوا شيئاً في هذه الأسرة المنحرفة، فهيأ الله لها بنتاً صغيرة هداها الله سبحانه وتعالى، فتحولت إلى نور في هذا البيت بسبب صديقتها أو زميلتها أو مدرستها، فهدى الله بها هذه الأسرة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من دعا إلى هدىً كان له مثل أجر من تبعه إلى يوم القيامة).

    وجوب طاعة المرأة زوجها

    الوصية الرابعة: احرصي -أيتها الأخت- على طاعة زوجك، إنها وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن تطيع المرأة زوجها عبادة لله تبارك وتعالى ترجو بها ثواب الله، حتى ولو كانت قوية الشخصية فعليها أن تستذل لزوجها حتى تطيع؛ لأن الله تعالى أوجب طاعتها للزوج، وإذا أطاعت زوجها تحول البيت إلى بيت محبة وألفة، والمرأة التي تعاند زوجها وتعصيه وهي تظن أنها تفرض نفسها فهي في الحقيقة إنما تظلم نفسها، وتسبب الشرور في النهاية لنفسها. أما إذا أطاعت زوجها واحترمته وقدرته وحفظت حقوقه فإنه -والحالة هذه- يتحول البيت إلى بيت إيمان وإلى بيت راحة وطمأنينة نفسية. فالله سبحانه وتعالى حين يسخر لك زوجك ويسخر لك ولدك ترجع الأمور إليك وإلى طمأنينة لك أنت وإلى حالة صحية طيبة. ثم احرصي على أن تكوني عوناً له على الطاعة، فإنه قد يكسل أحياناً أو تكسلين، فليعن أحدكما الآخر، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المرأة التي توقظ زوجها أو الزوج الذي يوقظ زوجته لصلاة الوتر. ووالله -أيتها الأخت- إنك في نعمة بهذا الدين وبهذا الإيمان، وليس فيها إلا من كان مثلك، وتأملي هذا الحديث الذي هو بشرى ويتمناه الرجال، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المرأة المسلمة: (إذا صلت المرأة فرضها، وصامت شهرها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها، قيل لها يوم القيامة ادخلي من أي أبواب الجنة شئت). أرأيت سهولة الأمر، فالرجال عليهم مسئوليات، ويتحملون ويكدون، وأما أنت -أيتها الأخت المسلمة- فتعملين هذه الأمور التي هي هينة والحمد لله، ثم تكونين من أهل الجنة، فإذا حافظت على الصلاة والصيام وطاعة الزوج وحفظ النفس فإنك تدخلين الجنة بسلام.

    ضرورة إصلاح المرأة علاقتها مع أهل زوجها

    الوصية الخامسة -وأفردها وإن كانت متعلقة بالزوج لأهميتها-: أن تحرصي على أن تكون علاقتك بأهل زوجك طيبة، وعلى أن تكوني ممن يأمر زوجها بأن يبر بأهله وبوالديه بصفة خاصة، وأم زوجك -أيتها الأخت- احرصي على أن تكوني لها بنتاً مطيعة، ولا تنظري إلى كلام الأخريات ولا إلى كلام البنات ولا إلى أي شيء، فإن كنت تبحثين عن السعادة في الآخرة فالسعادة في الآخرة هي بأن تطيعي زوجك، وأن تجعليه عوناً لك، وأن تعينيه على طاعة الله سبحانه وتعالى، ومن طاعته لله سبحانه وتعالى أن يكون براً بوالديه، وإني لأتعجب من المرأة التي تحرص على أن الزوج ينقطع عن والدته وعن أهله، وأنا أقول: لا تفعل هذا إلا امرأة مجنونة غير عاقلة فعلاً، وإلا فهل هناك خير في زوج يعق والديه؟! والأمر قد انعكس عليها فعلاً، فهي تظن أنها كسبت القضية وكسبت الجولة وقطعت زوجها عن أهله وعن والدته وتفرغ لها، لكن الذي يحدث أحياناً هو أن الله يسلط زوجها عليها في النهاية، أو أن الله يسلط عليها أولادها فيما بعد ذلك، فزوج لا يبر بأمه وأبيه وأهله هو زوج لا ينفع؛ لأنه بالنسبة له لا تزال المسئولية في بر الوالدين باقية عليه، فأنت صرت مع زوجك فخفت عنك المسئوليات الأخرى، وصارت طاعة زوجك مقدمة، لكن زوجك ليس كذلك، بل عليه مسئوليات متعددة، وبره بوالديه باقٍ، فإن عقهما فهو عاق، وأنت -والحالة هذه- تكونين متزوجة تعيشين مع زوج عاصٍ يعق والديه، فهو شبيه -مع بعض الاختلاف- بامرأة تتزوج بزوج يشرب الخمر أو يرتكب نحو ذلك من الكبائر، بل قد يكون هذا أشد. فيا أيتها الأخت العاقلة! إن الدنيا فانية، فكوني عوناً لزوجك حتى ولو كانت أم زوجك أو أهله أو غيرهم يتصرفون أحياناً تصرفات غير طيبة، فكوني أنت طيبة معهم، وراقبي ربك، ولا تراقبي الخلق، وناقشي هذا الأمر مع زوجك بصراحة.

    أهمية تعلم العلم الشرعي

    الوصية السادسة: تعلمي العلم الشرعي المبني على العقيدة الصحيحة البعيدة عن البدع؛ فإن البدع كثرت في هذه الأيام، ووالله إن قليلاً على سنة -والسنة موجودة في الكتاب والسنة- خير لك ألف مرة من بدعة حتى ولو زينها المزينون. فيا أيتها الأخت! كوني على منهاج السلف الصالح، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أخبر عمن ينجو من العذاب من النار قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي). إذاً من ابتدع بدعاً فليعلم أنه على غير منهاج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فاحرصي -أيتها الأخت- على أن تتعلمي العقيدة، وعلى أن تعلميها، لأن العقيدة هي الأساس في التربية وفي الفهم وفي الخلق وفي السلوك وفي كل شأن من شئون الحياة، فاحرصي على تعلمها وتعليمها لكل من حولك، وأخص بذلك أم الأسرة، فربي أولادك على العقيدة، وإذا جئت لتعلمي ولدك فعلميه الأمور التي تنفع من أمور الدين وأمور الخلق، ولا تكوني كما كان يفعل بعض النساء أو بعض الآباء حين يقول لولده: أنت ممتاز، وغداً تنجح وتصبح لك سيارة وفلة. وهذا عجيب وهذه هي أطماح الحياة، ولكن هل تأمنون أن تعيشوا إلى ذلك؟ وهل هذه الدنيا بلغت هذا القدر؟ الجواب: لا. فعلقي ولدك بالله، وعلقي ولدك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتعلم سنته ويتأدب بآدابها، وذكريه بالإيمان بالله وباليوم الآخر وبالجنة وبالنار، وعلميه بتبسيط من خلال القصة، ومن خلال الكلمة، ومن خلال الموعظة. وخير ما يتفتق به ذهن الصبي وفمه هو أن يتلو كتاب الله تبارك وتعالى، وأن يتحفظه، فاحرصي على أن تجعلي ابنك يذهب إلى مدارس تحفيظ القرآن في المساجد. وكوني -أيتها الأخت- نوراً للأسرة ولغيرها، وكوني ربة بيت عاقلة تضفي على البيت عمل العقلاء من النساء ديناً وأدباً وخلقاً وعقلاً وكرماً، بحيث تصبح هذه المرأة مضرب المثل لغيرها من النساء الأخريات، ووالله ليس بينك وبين هذا إلا أن تعزمي عزيمة صادقة على أن تتعاوني مع زوجك على أن تبني هذه الأسرة. وإياك والمشكلات! فلا تثيري المشكلات لأتفه الأسباب، ولاتعيشي ليلك في حمق وغضب لأن فلانة قالت أو قال فلان أو نحو ذلك، فهذه أمور تافهة، فاغفري لأصحابها، وقولي: غفر الله لهم. وأريحي قلبك ونفسك. إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن رجل ثلاثة أيام وهو يقول فيه: (يطلع عليكم رجل من أهل الجنة) فالصحابة تعجبوا من هذا الرجل، فذهب واحد منهم إليه، وبات عنده ليعلم ما في عبادته، فلم يجد عنده كثير عبادة ولا قيام ليل، فقال له: ما الذي بلغ بك أن يقول فيك النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنك من أهل الجنة وأنا ما رأيت عليك مزيداً؟ قال له: ما هو إلا ما رأيت، غير أني أبيت وليس في قلبي حسد ولا غل لأحد. فالذي ينام مستريح القلب مطمئن النفس ينال هذه المنزلة، ويعينه هذا على صحته، ويعينه على معالجة مشكلاته. أما هذا الذي يأكل نفسه حسداً وغيظاً ونظراً إلى الآخرين فهذا يحرق نفسه، ولن يجد إلا ما كتب الله له.

    خطر جهاز الدش

    ثم أختم هذه الوصايا -أيتها الأخت- بوصية تتعلق بداء عضال بلينا به في هذه الأيام، ألا وهو داء أجهزة الدش التي تنقل من المحطات العالمية من بلاد الكفر أقبح ما عند الكفار ليلقوه علينا. أيتها الأخت! بالله عليك لو وجدت فتاة طيبة مصلية جالسة في خدر بيتها حصاناً رزاناً متحجبة فأنى يأتيها الفساد؟! إن هذا البلاء أتاها من فوق، ودخل عليها من وراء الجدران، لتشاهد أقبح مما تشاهده المرأة الغربية في بلادها، فكيف يؤثر هذا على خلقها وسلوكها؟! وكيف يؤثر على خلق وسلوك الأولاد؟! بل كيف يؤثر على خلق وسلوك النساء والرجال، والمتزوجين والمتزوجات؟! إنه والله -أيتها الأخت- داء عضال ومرض فتاك، وقد نكون الآن نضحك ونتكلم ولا ندري، لكن والله إنه مرض يسري، وقد لا ندري بالمشكلة حتى تقع، فاتقي الله أيتها الأخت، واحذري من هذه الأجهزة، واعزمي عزماً على زوجك أن ينزع هذا الدش، واعزمي عزيمة أكيدة وقوية على أن تزيلي من بيتك هذا البلاء وهذا الداء العضال، فوالله إنه لمرض عضال، وإنه سم يفتك ولكن لا نشعر به؛ لأنه يعطى لنا بشكل أبيض ومعه قليل من الحلاوة والمتعة الدنيوية. أيتها الأخت هذه وصايا أوصيك بهن، وأوصي بها نفسي وكل مسلم ومسلمة. وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا جميعاً من عباده الصالحين الأبرار، وأن يحيينا حياة طيبة، وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا علماً نافعا وإيماناً خالصاً وعملاً صالحاً وتوبة نصوحا، وأن يجعلنا ممن يموت وينتقل من هذه الدنيا على كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وأن يحشرنا في زمرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لنشرب من يده ومن حوضه شربة في العرصات لا نظمأ بعدها أبداً، وأن يجعلنا جميعاً من أهل جنته، وأن يعيذنا من نيرانه.

    1.   

    الأسئلة

    حكم صبغة الشعر ولبس البنطال الواسع والتصوير للمرأة

    السؤال: ما حكم الصبغة غير السوداء؟ وما حكم لبس البنطلونات الواسعة للنساء؟ وما حكم التصوير؟ الجواب: أما الصبغة لشعر الرأس إذا لم يكن فيها تشبه بكافرة معينة فالذي يظهر أنه ليس هناك دليل يمنع من ذلك. وأما البنطلونات الواسعة فالظاهر أن شرطها هو شرط اللباس، فاللباس إذا كان ساتراً ولا يبين حجم أعضاء المرأة فلا بأس به، لكن الذي يظهر لي أن غالبية البنطلونات حتى ولو وسعت ففيها نوع تشبه أولاً، وثانياً فيها إظهار لحجم جسد المرأة، فهي -بحسب ما أعرف- لا تجوز بالنسبة للمرأة في خارج بيت زوجها. وأما التصوير فالكلام حوله كثير ومعروف، والذي أرى أن التصوير حرام بكل صوره، إلا ما دعت إليه الضرورة والحاجة الماسة؛ لأن بعض الناس ظن أنه إذا أفتي بجواز صورة التابعية يتحول التصوير كله إلى حلال، ونحن نقول: لا؛ فإن النصوص دلت على أن التصوير حرام، وسبب التصوير -كما ورد في الأحاديث- إما الخوف من الشرك؛ لأنها قد تعظم، أو أن فيها مضاهاة خلق الله، ولهذا فالذي نوصي به إخواننا وأخواتنا جميعاً أن يبتعدوا عن هذا إلا ما كان منه ضرورة.

    حكم تكشف المرأة عند أخي زوجها

    السؤال: أعيش أنا وزوجي، ويعيش معنا أخو زوجي منذ عشر سنوات، وليس له مكان آخر عند غير أخيه، فما حكم الكشف عند أخي الزوج في هذه الحالة؟ الجواب: لا يجوز الكشف عند أخي الزوج مطلقاً، سواء عاش معكما أم لم يعش، واتقي الله سبحانه وتعالى في نفسك، ولا يقل لك الشيطان: قد رآك وانتهى الأمر. فإن الشرع حينما يأمر بأمر فهو يأمر به لحكمة، وهذه الحكمة باقية.

    المصحف الذي على جانبيه تفسير يسير لا يخرج عن كونه مصحفاً

    السؤال: هل يعتبر المصحف الموجود في السوق الذي على جانبيه تفسير قليل من الآيات مصحفاً أو يعتبر تفسيراً؟ وإن كان تفسيراً فهل يجوز للحائض أن تمسه أو تمسك به؟ الجواب: الذي يظهر لي أنه مصحف علق عليه تفسير بعض الآيات، فالأصل هو المصحف، وإنما يسمى تفسيراً إذا كان الأصل هو التفسير، لذا فهذا المصحف نرى أنه لا يجوز للمرأة الحائض أن تمسه.

    حكم الإحرام من جدة

    السؤال: امرأة أتت هي وزوجها من الرياض لزيارة الأهل في جدة، وتقول: كنت أتمنى أن أؤدي العمرة قبل الوصول إلى جدة، ولكن لم يرد زوجها أن يؤديها، تقول: وبعد أن أتينا إلى جدة أراد زوجي أداء العمرة، فهل يجوز أن أحرم من جدة أم من الميقات؟ الجواب: تحرمين من جدة من نفس البقعة التي أنتم فيها، فتغتسلون وتلبسون ثياب الإحرام وتلبون.

    خطر تعليق الصور والصليب على الملابس

    السؤال: أيهما أشد خطورة الصليب أم الصور التي على الملابس أو الأدوات المنزلية؟ الجواب: كل له خطورته، فهذا خطر وهذا خطر، ونشر الصلبان وغيرها فيه دعاية لدين النصارى الكفار الذين يزعمون أن عيسى رسول الله صلب، والله يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النساء:157]، والصواب فيه أنه ما صلب، ولكن رفعه الله إليه، والقصد أن الكل خطر.

    حكم إظهار الوجه والكفين

    السؤال: نرى من النساء من تكون متسترة إلا أنها تبدي يديها في الأسواق وأمام غير المحارم بحجة أنها ليست عورة، فما الحكم؟ الجواب: الذي يظهر لي -والله أعلم- أن الوجه واليدين عورة، لذا فننصح الأخت أن تستر يديها، وإذا ما ظهرت دون قصد بأن لفها هواء أو غير ذلك فهذا -إن شاء الله- معفو عنه، لكن الأصل فيها أن تستر يديها، هذا الذي ننصح به أخواتنا.

    حكم العمرة عن الغير

    السؤال: ابن خالي توفي، فهل يجوز أن أقوم له بعمرة أم يفعلها زوجي؟ الجواب: إذا كان هذا القريب غالياً عليكم فيجوز أن تفعليها أنت أو يفعلها زوجك، وتهدونها إليه.

    حكم صلاة النساء في مصلىً منفصل عن مصلى الرجال

    السؤال: إذا كان مصلى النساء ينفصل تماماً عن الرجال ولا يرونهم فهل تجوز صلاتهن؟ الجواب: إذا كان داخل المسجد وبينهما جدار فقط فتجوز. أما إذا كان بينهما طريق أو شارع تمر منه السيارات أو يعبر منه الناس فلا، والذي أعرفه من المساجد أنها منفصلة، لكن ليست منفصلة بأن يكون بينهما طريق ونحوه، وإنما بينهما جدار، فلا يرى أحد أحداً ولا يسمع أحد أحداً، وهذا كله من المسجد فصلاتها صلاة في المسجد.

    كيفية التخلص من الشيطان ووسوسته

    السؤال: كيف يمكن التخلص من الشيطان ووسوسته غير قراءة سورة الفلق والناس؟ وهل يمكن أن يتأثر الإنسان بشيء من السحر من شخص آخر؟ الجواب: أما كيف يتخلص الإنسان من الشيطان ووسوسته فقد ذكر في السؤال شيء من ذلك، وهو قراءة المعوذات، وكذلك أيضاً قراءة القرآن؛ فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول -كما في الحديث الصحيح-: (البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان)، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من قرأ في ليلة آخر آيتين من سورة البقرة -وهي قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285]، إلى آخر السورة- كفتاه)، واختلف العلماء في عن أي شيء كفتاه؟ فقيل: كفتاه عن قيام الليل. وقيل: كفتاه من الشيطان. وكذلك أيضاً احرصي كل الحرص على أن لا تدخلي على نفسك وسائل الشيطان، فإن الشيطان سيبتعد عنك، وعملك في الطاعة يطرد الشيطان؛ لأن الشيطان مخلوق مثل غيره، فإذا وجد صاحب الطاعات ابتعد عنه، لكن إذا وجد الفارغ اللاهي تسلط عليه، وتعوذي بالله دائماً من الشيطان الرجيم، خاصة إحضار قلبك وقت الصلوات. وأما ما يحدث من وسواس في الصلاة فهذا أمر يشترك فيه الجميع، ولا يكاد يخلو منه أحد. أما بالنسبة للسحر فالسحر هو حقيقة، وقد يضر الإنسان، لكن الشيء الذي يجب أن يقطع به المؤمن والمؤمنة هو أن هذا الساحر أو غيره لا يستطيع أن يضر أحداً بأي شيء إلا بإذن الله، وقد ينشأ عند بعض الناس الخوف من غير الله، فتجد المرأة تخاف من الرجل، وهو يخاف من المرأة، يخاف أحدهما من الآخرة أن يصيبه بالسحر، والله تعالى لما تحدث عن السحرة قال: وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [البقرة:102]، فلا يجوز أن يخاف الإنسان إلا من الله، وعليه أن يفعل الأسباب، ولهذا فالمرأة إذا كانت مؤمنة صالحة فعليها أن تطمئن، وأن تعتمد على الله، وأن تتوكل على الله، وأن تستعين بالله من كل عين لامة ومن كل سحر ومن كل شيطان، والله سبحانه وتعالى يحمي عباده المؤمنين.

    حكم نتف المرأة شعر حاجبيها ووجهها للزينة

    السؤال: ما حكم نتف بعض شعر الحاجب للزينة كطرف الحاجب؟ وما هو النمص؟ وما حكم نتف الشعر من وجه المرأة للزينة؟ وهل تدخل فاعلته في حكم النامصة؟ الجواب: لا يجوز نتف طرف شعر الحاجب؛ لأنه من النمص، وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم اللاتي يفعلنه، ولذا فنتف شعر العين أو شعر الحاجب لا يجوز، وكذلك أيضاً بقية شعر الوجه إلا ما كان فيه شبهاً بالرجال، مثل أن يكون في المرأة شعرات في الشارب أو في اللحية، فلا بأس بنتف ذلك، أما ما يتعلق بالحاجبين وغيرهما فلا يجوز.

    كيفية نصيحة المرأة لزوجها

    السؤال: مشكلتي تحيرني ليلاً ونهاراً، وتشل تفكيري، وأنا -والحمد لله- على خير بفضل الله ونعمته، ومشكلتي هي أن زوجي على خير -والحمد لله-، ولكنه ينشغل كثيراً جداً عن مجالس الخير والصالحين، ينشغل عنهم بالدنيا وما فيها، وهو أيضاً يظن في نفسه خيراً، ويزكي نفسه دائماً، ويظن أنه خير الناس، ولقد حاولت معه بشتى الطرق ولكن لا فائدة، فما علاج هذه المشكلة؟ الجواب: هذه ليست -إن شاء الله- مشكلة، فما دام أنك وإياه على خير وهو مشغول بالدنيا فهذا -والحمد لله- أمر أهون، ولهذا لا تضخمي المسألة في نفسك، ولا تحولي هذه المسألة إلى مشكلة، بل عليك أن تكوني مع زوجك حتى ولو كان عنده مثل هذه العيوب؛ وقلّ رجل أو امرأة يخلو من عيوب، فعليك أن تنظري إلى المسألة نظرة هادئة طبيعية، ثم عالجيها من بعيد، فمثلاً: يمكن بدون أن ينتبه زوجك أن يأتيه شريط من بعيد بدون أن يكون منك، ويسمع -مثلاً- شريطاً فيه بيان وتقوى، ويسمع أو يقرأ كتيباً أو غير ذلك من الوسائل، فلا تحاولي أن تجعليها مشكلة حادة تذكرين وتتكلمين بها في كل وقت أو في كل يوم، ثم عليك مع ذلك -أيتها الأخت- بالدعاء له بظهر الغيب أن الله يهديه وأن الله يبصره وأن الله يزيل عنه عجب نفسه، ونسأل الله لك وله التوفيق والهداية.

    أهمية تكرار النصيحة

    السؤال: لدي زوجة أخي أنصحها بعدم مشاهدة التلفزيون وسماع الأغاني وتبدي لي اقتناعها بالشيء، وبعد ذلك علمت بمشاهدتها للتمثيليات، فكيف يمكن أن أنصحها؟ الجواب: لا تيأسي، وكرري بأسلوب طيب معها، فهذه المرأة التي توافقك فيها خير، لأن بعض النساء عنيدات، لكن هذه فيها خير إن شاء الله تعالى، فلا تظني أنك إذا نصحتي انتهى الأمر، أو أنها استجابت وانتهى الأمر، ليس كذلك، فإن الشيطان حريص على كل الناس، وهي بغير شك متأثرة بك، لكن ضعفت أمام مغريات الشيطان، لهذا فالذي ننصحك به أن تكرري وتعددي الأساليب، وأن تكثري من زيارتها وتدعي لها بظهر الغيب. المهم أن الإنسان لا ييأس من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فكم من إنسان دعي فلم يستجب، ثم دعي فلم يستجب، ثم دعي فلم يستجب، ثم إن الله سبحانه وتعالى هداه، والصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم منهم من دعا أمه إلى الهدى فما استطاع. فهذا أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه الصحابي الجليل الذي هو أكثر الصحابة رضوان الله عليهم رواية لحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسلم رضي الله عنه وأرضاه أبت أمه أن تدخل في الإسلام، وعاش هو وإياها، وبقي مع الرسول يسمع الأحاديث ويحفظها، وكان إذا جاء إليها يقول لها: أسلمي، ادخلي في الإسلام. فتأبى، وتصوروا حال أبي هريرة الصحابي الجليل الذي عرف الله وعرف الإيمان والتقى برسول الله يدخل فيرى أمه على غير الإسلام، لا شك أنه يخاف عليها من عذاب الله إن ماتت على ذلك؛ لأن الذي يموت على الشرك خالد مخلد في النار، ومع هذا كان يحاول ويحاول ويحاول فما استطاع. فأتى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يوم من الأيام وهو حزين، وقال: يا رسول الله! ادع لأم أبي هريرة بأن الله يهديها. وهو يعلم أن الرسول لا يملك من الأمر شيئاً؛ إذ لو كان الرسول يملك الهداية لأعطاها عمه أبا طالب الذي مات على الكفر، فـأبو هريرة يعلم أن الرسول لا يملك، والله تعالى يقول: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56]، لكن أبا هريرة أراد أن يتوسل بدعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا من أنواع الدعاء المشروعة، يتوسل الإنسان بأسماء الله وصفاته، أو يتوسل إلى الله بإيمانه بالله وبعمله الصالح كما فعل أصحاب الثلاثة الذي انطبق عليهم الغار، أو يتوسل إلى الله بدعاء الرجل الصالح الحاضر الحي، فيقول له: ادع الله لي. أو: ادع الله لأخي. فـأبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: يا رسول الله! ادع الله أن يهدي أمي. فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم! اهد أم أبي هريرة)، فـأبو هريرة رجع إلى بيته يريد أن يحاول مع أمه لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديها ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقرع عليها الباب فوجدها مغلقة الباب، وسمع خضخضة ماء داخل البيت، فلما أراد أن يطرق قالت: قف يا أبا هريرة. فانتظر حتى انتهت من غسلها ولبست ثيابها، فقابلت ابنها وهي تقول له: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. فيا أيتها الأخت! احرصي على الدعوة إلى الله، وعلى الدعاء، فإن الدعاء سلاح المؤمنين في كل وقت، فاحرصي عليه، وأنت إن لم يستجب لك الدعاء فإنك تلقين بذلك أجراً عند الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: (ما من عبد يدعو بغير إثم ولا قطيعة رحم إلا كان على الله أن يعطيه إحدى ثلاث خصال: إما أن يستجيب دعاءه، أو أن يدفع عنه من الشر مثله، أو أن يدخر له ذلك أجراً عند الله يوم القيامة، فقال الصحابة: إذاً نكثر من الدعاء، -أي: ما دام أن الأمر فيه نتيجة وفائدة إما في الدنيا أو في الآخرة فلنكثر من الدعاء- فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكثر). فلا ينبغي لمؤمن أن يقول: دعوت فلم يستجب لي. ثم ييأس فلا يدعو ليلاً ولا نهاراً؛ لأن الدعاء عبادة.

    موقف المرأة من وجود الدش في منزلها

    السؤال: يوجد لدينا دش في منزلنا، وأنا لا أريده، ولكن زوجي أحضره ونصحته فلم يستجب لي، فماذا ترون لي أن أفعل؟ الجواب: احرصي على أن تدعي زوجك، وإذا أمكن أن تعزمي عزماً أكيداً على أن هذا منكر لا يجوز فافعلي ذلك، وهناك زوجة كان زوجها لا يصلي، فنصحته ثم نصحته ثم نصحته فأبى، فذهبت إلى بيت أهلها وقالت: أنا لا أجلس مع رجل لا يصلي، وبقي الرجل قراب سنة يأبى أن يتزوج ويأبى أن يصلي، وطلب منه أهله أن يتزوج امرأة أخرى فأبى، فلما مضى عليه زمن استسلم لهذا الشرط الشرعي وقال: أعود وأصلي. وفعلاً عاد يصلي، وعادت إليه زوجته، وما مضى عليه شهران إلا وهو يدعو لها ويقول: جزاك الله خيراً، يا ليتني أطعتك منذ زمن طويل حتى أكون من أهل الصلاة. لذا فالذي أدعوك إليه هو أن تدعيه، وأن تحاولي معه بشتى الوسائل، وتبيني له الأضرار، وتخوفيه من عذاب الله، وإن عزمت عزيمة قوية عليه فلعله يتعظ، لا أقول بفراق أو بنحوه، ولكن بعزلة قوية تدل على أنك غضبت غضباً شديداً لله تبارك وتعالى، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يعافيكم من هذا الداء، وأن يعافي المسلمين جميعاً.

    الميزان الذي ينظم حياة المرأة

    السؤال: ما هو الميزان الذي ينظم للمرأة المسلمة حياتها بحيث لا تنسى نصيبها من التمتع بالدنيا ولا تسوف في أمر آخرتها؟ الجواب: هذا الميزان -والحمد لله- ميزان واضح، فالله سبحانه وتعالى لم يحرم الزينة، قال عز وجل: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32]، ولذا فالمرأة التي رزقها الله مالاً لها أن تتمتع بما أعطاها الله من فلة كبيرة جميلة ومن سيارة طيبة ومن ألبسة طيبة في حدود وضوابط الشرع، ثم إنها لا تنسى ربها ودينها، فهي تأخذ من الدنيا ما يعينها على طاعة الله تبارك وتعالى، فلا تترك الدنيا من أولها إلى آخرها، بل تأخذ منها بما أعطاها الله سبحانه وتعالى، لكن لا ينسيها ذلك الآخرة. ولتعلم الأخت أنه كلما تعلق قلبها بالآخرة كلما نظرت إلى الدنيا نظرة تليق بها، حتى ولو كانت ثرية أو غير ذلك ما تجد ثراءها يولد عندها غروراً وتكبراً على الناس أو تعلقاً بالمادة أو حزناً عليها أو خوفاً على فواتها، وإنما إذا حصلت تستخدمها، وهؤلاء النساء موجودات، تقابل واحدة منهن فتجد عندها عقلاً وحكمة وثياباً ساترة، ومع ذلك تنظر إلى بيتها وأناقته وأثاثه فتجد خيراً كثيراً، لكن هذه المرأة العاقلة تضفي عليه بدينها وخلقها وحرصها، وتعلم أن هذه الدنيا ما هي إلا متاع لا تفاخر بها، ولا تجعل من هذه الأشياء مقياس المرأة، فلا تستقبل المرأة الثرية لتفاخرها وإذا جاءتها امرأة فقيرة ولو كانت صالحة لا تنظر إليها، وإنما تعامل الناس بخلق وأدب؛ إذ ليس مقياسها هو الدنيا، ولذا فهي تأخذ من الدنيا ما أحل الله لها. هذه هي الحال الصحيحة، نسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755909226