إسلام ويب

شرح أخصر المختصرات [14]للشيخ : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من فضل الله وكرمه أن شرع عبادات في نهاية كل عبادة هامة؛ لتجبر النقص والتقصير الحاصل فيها، ومن ذلك الصيام، فإن النقص في هذه العبادة حاصل وكثير، فشرع الله لجبره وسد خلله زكاة الفطر، فإنها تجبر ما حدث في الصيام من خلل، فهي طهرة للصائم وطعمة للمساكين، ومصرف زكاة الفطر الفقراء والمساكين، مع أن مصارف زكاة الأموال ثمانية تولى الله بيانها وتحديدها بنفسه كما في آية التوبة.

    1.   

    وجوب زكاة الفطر

    قال المصنف رحمه الله تعالى:

    [فصل:

    وتجب الفطرة على كل مسلم إذا كانت فاضلة عن نفقة واجبة يوم العيد وليلته وحوائج أصلية، ‏فيخرج عن نفسه ومسلم يمونه، وتسن عن جنين.

    وتجب بغروب الشمس ليلة الفطر، وتجوز قبله بيومين فقط، ويومه قبل الصلاة أفضل، وتكره في ‏باقيه، ويحرم تأخيرها عنه، وتقضى وجوباً، وهي صاع من بر أو شعير أو سويقهما أو دقيقهما، أو تمر، ‏أو زبيب، أو أقط، والأفضل تمر فزبيب فبر فأنفع، فإن عدمت أجزأ كل حب يقتات،‏ ويجوز ‏إعطاء جماعة ما يلزم الواحد وعكسه.

    فصل: ويجب إخراج زكاة على الفور مع إمكانه، ويخرج ولي صغير ومجنون عنهما، وشُرِطَ له نية، ‏وحرم نقلها إلى مسافة قصر، إن وجد أهلها، فإن كان في بلد وماله في آخر أخرج زكاة المال في ‏بلد المال، وفطرته وفطرة لزمته في بلد نفسه، ويجوز تعجيلها لحولين فقط، ولا تدفع إلا إلى الأصناف الثمانية وهم: الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون وفي سبيل الله وابن السبيل، ويجوز الاقتصار على واحد من صنف، والأفضل تعميمهم والتسوية بينهم، وتسن إلى من لا تلزمه مئونته من أقاربه، ولا تدفع لبني هاشم ومواليهم، ولا لأصل وفرع وعبد وكافر، فإن دفعها لمن ظنه أهلاً فلم يكن أو بالعكس لم تجزئه إلا لغني ظنه فقيراً.

    وصدقة التطوع بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه سنة مؤكدة، وفي رمضان وزمن ومكان فاضل، ووقت حاجة أفضل].

    يسن للمسلم الحرص على اتباع السنة بقدر ما يستطيع، فإذا جاءته الأوامر وفيها ما هو مسنون وواجب حرص على أن يأتي بالمسنون زيادة على الواجب، وكثيراً ما نسمع أن هذا سنة وهذا واجب، ويريدون بالسنة: الفضيلة.. العمل الذي ليس بواجب ولكنه متأكد، فعندنا مثلاً: زكاة الفطر، فيها واجب وفيها مسنون، فتجب على الإنسان الموجود وعن أولاده ومن يمونه، وتسن عن الجنين في بطن أمه، ولا تجب على الجنين ومن لا تلزمه مئونته ونحوه.

    الفطرة: صدقة الفطر، وهذه الصدقة تخرج في آخر رمضان، إما عند رؤية الهلال، وإما في صباح يوم العيد، وإما قبله بيوم أو يومين.

    1.   

    سبب مشروعية زكاة الفطر

    لماذا شرعت زكاة الفطر؟

    شرعت لسببين:

    السبب الأول: طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ وذلك لأن الصائم قد يعمل بعض الأخطاء التي تقدح في صومه، فكلامه فيما لا يعنيه، وسفهه ولغوه، والغيبة والسباب ونحو ذلك، كل هذه لا شك أنها تنقص الصوم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) يعني: أنه إذا عمل بقول الزور فإن صومه يبطل أو ينقص أجره، وفي الحديث لما ذكر الصوم قال: (إذا كان صوم يوم أحدكم فلا يفسق ولا يرفث ولا يجهل، فإن سابه أحد فليقل: إني امرؤ صائم) ، وورد حديث: (أهون الصيام ترك الطعام والشراب) يعني: أن ترك الغيبة وترك النميمة وترك الأعمال السيئة صعب على النفوس، وهو في الحقيقة ثمرة الصيام، وفي حديث آخر: (من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه).

    فلما كان الصائم لا يسلم إلا نادراً شرع أن يختم صيامه بهذه الصدقة؛ لتكون مكملة لما نقص، ومرقعة لما تخرق.

    ولذلك يقول بعضهم:

    استغفر الله من صيامي طول زماني ومن صلاتي

    صوم يرى كله خروق وصلاة أيما صلاة

    السبب الثاني لشرعيتها: أنها طعمة للمساكين، ففي الحديث: (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) فإن يوم العيد يوم فرح وسرور، والناس يظهرون فيه بالفرح ويهنئ بعضهم بعضاً، ولذلك يكون من الذلة أن يذل الإنسان نفسه بتكفف الناس في ذلك اليوم، إذا لم يكن عنده ما يقوت به نفسه ويقوت به عياله، فلذلك شرعت هذه الفطرة: طهرة للصائم وطعمة للمساكين.

    1.   

    من تجب عليه زكاة الفطر

    تجب زكاة الفطر على كل مسلم، ولا تجب على كافر، ثم لا تجب عليه إلا إذا فضل عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته، صاع أو أكثر، فلا بد أن يبدأ بنفسه، فقد ورد في الحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) ابدأ بنفسك وتصدق عليها، فيبدأ بنفسه، يترك لنفسه طعامه وطعام عياله يوم العيد وليلة العيد، وكذلك أيضاً ما يسد حوائجهم الأصلية من كسوة وأوانٍ وحاجيات، فيقدم حاجته، (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، وفي لفظ: (... أن يحبس عن من يملك قوته)، فإذا عجز عنهم بدأ بنفسه، فإن فضل شيء فلزوجته، فإن فضل بعدها فلأمه، ثم أبيه، ثم أولاده الأكبر فالأكبر، ثم من ينفق عليهم كخادم أو نحوه، وقيل: إن الخادم يقدم على الأولاد؛ وذلك لأنه يقول: أطعمني وإلا فأعتقني.

    أما الجنين الذي في بطن أمه فلا تجب عنه ولكن تسن عنه، يعني: سنة مؤكدة، ولو ولدته قبل غروب الشمس بدقيقة وجبت عنه، فإن ولد في ليلة العيد فلا تجب، يعني: بعد غروب الشمس وإنما تسن، ولا تجب عن الكافر، فلو كان عند مسلم خادم كافر مملوك فلا تجب عليه؛ لأنها طهرة، والكافر ليس أهلاً للتطهير، فإن أسلم قبل غروب الشمس بدقيقة وجب أن يخرج عنه، وإن أسلم بعد غروب الشمس لم يجب، وكذلك لو اشترى عبداً قبل غروب الشمس بدقيقة فعليه فطرته، وبعد غروب الشمس لا تلزمه وإنما تلزم الذي باعه.

    1.   

    وقت إخراج زكاة الفطر

    وقت وجوب زكاة الفطر غروب شمس ليلة الفطر، يعني: بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان، هذا وقت الوجوب، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، وذلك لأنه قد يشق على الناس تفريقها في ليلة واحدة، فلذلك رخص في أن يقدمها قبل العيد بيوم أو يومين، ولأن العادة أنها إذا جاءت إلى الفقير قبل العيد بيوم أو يومين يبقى بعضها إلى يوم العيد، فيبقى عنده ما يسد حاجته يوم العيد، ويكفيه عن التطوف.

    وأفضل إخراجها: يوم العيد قبل الصلاة، أي: صباح العيد قبل الصلاة، ولو لم تصل إلى أهلها إلا بعد الصلاة، فمثلاً: إذا أخرجت إلى الجمعيات في صباح العيد، فجمعت عند الجمعية ولو بلغت عشرين كيساً أو أكثر، فالجمعية تفرقها في ذلك اليوم، أو بعده بيوم أو بعده بأيام، فيكون صاحبها قد أخرجها قبل الصلاة، فإن لم يتيسر له إخراجها قبل صلاة العيد، أخرجها ولو في ذلك اليوم، فإن فات يوم العيد كله فإنها لا تسقط، بل يقضيها ويبادر بقضائها متى انتبه إلى ذلك أو عرفه، فلو وكل من يخرجها ليلة العيد فنسي الوكيل ولم يعلم أنه لم يخرج إلا بعد العيد بيوم أو يومين فإنها لا تسقط، وعليه أن يقضيها لأنا عرفنا أنها فريضة، تجزئ في باقي العيد مع الكراهة، ويحرم تأخيرها بلا عذر عن يوم العيد، فيقضيها وجوباً.

    1.   

    مقدار زكاة الفطر

    مقدار زكاة الفطر صاع من بر أو صاع من شعير أو سويقهما أو دقيقهما، أو تمر، ‏أو زبيب، أو أقط، هذه هي الأصول الخمسة التي وردت في الأحاديث، وكانت من القوت المعتاد في ذلك الزمان، وهي غالب قوتهم وكان أهل البوادي كثيراً ما يقتاتون الأقط، فجاءت الأحاديث بإخراجها من هذه الخمسة، ففي حديث أبي سعيد : (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط) فسر الطعام بأنه البر.

    وجاء في حديث ابن عمر : (... عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والعبد من المسلمين) هكذا في موطأ مالك ، فدل على أنها لا تخرج عن العبد الكافر، ولو كان صاحبه ومالكه ينفق عليه؛ لأنها طهرة وهو ليس أهلاً للطهرة.

    والدقيق هو الطحين، يعني: إذا طحن البر أو الشعير جاز إخراج صاع منه، ولكن يكون بالوزن لا بالمكيال؛ لأنه إذا طحن انتشرت أجزاؤه، فربما يكون الصاع بصاع ونصف بعد ما يطحن، فيخرج بالوزن، فننظر كم وزنه، ووزن الصاع خمسة أرطال وثلثاً فيخرج خمسة أرطال وثلث من الدقيق أو من السويق، والسويق: هو البر أو الشعير يطبخ في سنبله طبخاً طويلاً نحو ثلاث ساعات أو أربع، ثم بعد ذلك يجفف، ثم يصفى من السنبل، ثم يسحق، ثم يؤكل بدون طبخ، وإذا أرادوا أكله بلوه بماء وأكلوه؛ فإنه قد نضج عندما طبخ وهو في السنبل، ويتخذه المسافر زاداً إذا كان مستعجلاً، ويكون الصاع من هذا بالوزن لا بالكيل، يعني: خمسة أرطال وثلث بالعراقي.

    1.   

    أفضل الأنواع التي تخرج منها الفطرة

    أكثر الصحابة على أن أفضل الأصناف في زكاة الفطر: التمر لسهولة نقله وعدم احتياجه إلى طبخ أو إصلاح، فكانوا يخرجونها من التمر كـابن عمر ، ولكن يفضل الأنفع للفقراء، ومعاوية لما قدم من الشام وجد أهل المدينة يخرجونها من الشعير، والشعير رخيص، فأشار عليهم أن يخرجوها من البر ولو أقل، فقال: أرى نصف صاع من سمراء الشام يعدل صاعاً من الشعير؛ وذلك لأنه رأى أن الشعير لا يؤكل، وإنما يدفع علفاً للغنم ونحوها، والناس يخرجون منه، فأشار عليهم أن يخرجوا شيئاً يؤكل ولو قليلاً، وكانت قيمة الصاع من الشعير بقيمة نصف صاع من البر، فجعلوا صاع الشعير بنصف صاع من بر، ولكن أبا سعيد استمر على إخراج صاع كامل، ولو من الشعير.

    فنقول: إن كان ولابد من إخراج شعير -والشعير لا يؤكل- فنصف صاع من البر الذي يؤكل أفضل من صاع أو صاعين مما لا يؤكل، أما إذا كانوا يخرجونها صاعاً من بر بطيب نفس فإن ذلك أكمل.

    فالأفضل هو التمر كما فعله ابن عمر ، ثم بعده الزبيب؛ لأنه شبيه به، ولا يحتاج إلى طبخ، ثم بعده البر؛ لأنه أنفع، ثم ينظر إلى الأنفع، فإذا عدمت هذه الخمس أجزأ كل حب يقتات، وذهب بعض العلماء كـشيخ الإسلام إلى أن الأفضل إخراجها من القوت المعتاد، وأفتى مشايخنا بإخراجها من الأرز؛ لأنه أكثر استعمالاً في هذه الأزمنة، فإخراجها منه أفضل، وإذا لم يتيسر فالبر أفضل، لأنه قوت، أما التمر فقد لا يقتات به إلا القليلون، ولو كان ينفع الفقراء ونحوهم، لكن الغالب أنهم لا يجعلونه قوتاً، فإذا عدمت هذه الأصناف وكان قوت أهل البلد مثلاً: الدخن أو الذرة أو السلق أو الفول فإنهم يخرجون منه؛ لأنه يصبح قوتاً معتاداً.

    واختلف هل تخرج من اللحم؟

    إذا كان قوتهم لحم سمك أو لحم طير فنقول: إذا كانوا لا يطعمون إلا اللحم أخرجوا الزكاة مما يأكلون.

    1.   

    حكم إخراج زكاة الفطر نقداً

    اختلف هل يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر؟

    الحنفية يجيزون إخراج القيمة، والجمهور يقولون: إذا وجدت الأصناف الخمسة أو القوت فلا؛ وذلك لخدمة الفقراء، والحنفية قالوا: نظرنا وإذا الحاجة تندفع بالقيمة، ونظرنا وإذا كثير من الذين يأخذونها يبيعونها برخص، فربما يشتري صاحبها الصاع بخمسة، فيجتمع عند الفقير عشرون صاعاً فيبيع الصاع بثلاثة؛ لأنه يريد الثمن، فلو أعطي قيمتها لكان أربح له، ولكن الأولى إخراجها من الأصناف، وإعطاؤها لمن هو بحاجة إليها ليأكلها، أما هؤلاء الذين يجمعونها ويبيعونها فلا يستحقونها، ولو كان يشملهم اسم الفقر، ولكن ينظر من هم الفقراء الذين يحتاجون إلى القوت، فشراؤها لهم خدمة لهم، وتسهيل عليهم، فبدل ما يذهبون ويشترونها من الأسواق تأتيهم عند أبوابهم.

    قوله: (ويجوز إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد وعكسه) يعني: إذا كان الفقراء كثيرين فأخرجت صاعاً وفرقته عليهم حفنة حفنة، وكذلك إذا كان الفقير واحداً والبيوت كثيرة: عشرة بيوت، وكلهم جمعوا فطرتهم وأعطوها هذا الفقير فهذا جائز إذا كان مستحقاً.

    1.   

    وجوب إخراج الزكاة على الفور

    ذكر المصنف إخراج الزكاة، يعني: زكاة المال وزكاة الفطر، وإخراجها يعني: إيصالها إلى أهلها وإعطاؤها لمستحقيها فوراً بدون تأنٍ وبدون تأخير، فقد يحتاج إلى عمل، ويحتاج إلى أن يحصي قيمة بضائعه ويدققها، ويحسب الديون التي عليه، ويحسب الديون التي له، ويسقط هذه من هذه، ثم ينظر في الباقي، ثم ينظر هل عنده سيولة نقود، ثم بعد ذلك يسأل: أين الفقراء؟ لمن نصرفها؟ فإذا تيسرت وجمع ما يكفي أخرجه وأوصله إلى أهله.

    1.   

    وجوب الزكاة في مال الصبي والمجنون

    الصبي والمجنون في أموالهما زكاة، وعليهما زكاة فطر ولو لم يكونا مكلفين، فيلزم الولي إخراج الفطرة عن الصبي وعن المجنون ولو لم يكونا من الذين يصومون، فإذا كانت لهما أموال فالولي هو المكلف بإخراج الزكاة منها، هذا هو قول الجمهور، وذهب بعض العلماء كالحنفية إلى أنه لا يزكى مال المجنون؛ لأنه غير مكلف، يقولون: تسقط عنه الصلاة ويسقط عنه الصوم، ويسقط عن الحج، فكيف يكلف بالزكاة؟!

    والجواب: أن الزكاة تجب في المال ولا تجب على البدن، أما الصلاة والصوم فإنها على البدن؛ ولأن المال الموجود تتعلق به نفوس الفقراء، فينظرون إلى هذا المال الذي يديره وكيله، فيتحرون أن يأتيهم حقهم منه، ولا ينظرون إلى مالكه، فلذلك تجب الزكاة في مال الصبي وفي مال المجنون.

    ولابد من النية عند إخراج الزكاة، فلو أخرج من جيبه مالاً وأعطاه مسكيناً كتطوع، ثم أراد أن ينويها زكاة لا يصح؛ لأن النية لابد أن تكون مقارنة لإعطائها الفقير، فلا يصح أن يخرجها بلا نية ولا تجزئ.

    1.   

    حكم نقل الزكاة إلى بلاد غير بلاد المزكي

    هل يجوز نقل الزكاة إلى بلاد أخرى؟

    أكثر الفقهاء على أنها لا تنقل إلى مسافة قصر، يعني: إلى مسيرة يومين بسير الإبل، بل تفرق في البلد الذي فيه المال؛ وذلك لأن الفقراء فيه يتشوفون إلى حقهم في هذا المال، فإذا نقلت إلى بلاد أخرى كان في ذلك تفويتاً لحقهم، وإساءة الظن بأهل هذا المال، فيظنون أنهم لا يزكون، ويقولون: كيف زكوا ونحن فقراء ولم يأتنا شيء منها؟! فهذا هو السبب.

    واستدلوا أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) فإن ظاهره أنها تؤخذ من هذا وتعطى لهذا في الحين وفي الحال، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرسل السعاة فيأمرهم أن يفرقوها على الفقراء في حينها، فإذا لم يجدوا أحداً من الفقراء جاءوا إليه بما بقي.

    ولعل الصواب: أنه يصح نقلها للمصلحة، ومعروف أنه عليه السلام كان يرسل الجباة ليأتوا إليه بالزكاة، وأن أولئك الجباة كانوا يأتون فيقولون: هذه هي الزكاة التي جمعناها، فيفرقها على أهل المدينة أو على أهل البوادي وغيرهم.

    وفي حديث ابن اللتبية أنه قال: (هذا لكم وهذا أهدي إلي)، فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم قبول الهدية، مخافة أنه تغاضى لأجلها عن بعض الحقوق، وقال: (أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً).

    فدل على أن الواقع أنهم كانوا يأتون بها إليه، ولا شك أنهم كانوا يفرقون بعضها، ولكن الغالب أنهم يأتون بأكثرها، ولعل السبب في ذلك: أن أهل تلك البوادي أغنياء وعندهم أموال، فإذا جبيت من هؤلاء البوادي وليس فيهم فقراء فإنها تجمع ويؤتى بها إلى الإمام ثم الإمام يتولى توزيعها أو يدخلها في بيت المال، والواقع في هذه الأزمنة أن الجباة والعمال يوجهون ويقال لهم: أعطوا فلاناً، وأعطوا فلاناً، وأعطوا فلاناً؛ فيعطون بحسب تلك الأسماء، وما بقي فإنهم يأتون به ويدخلونه في بيت المال، ولا شك أن من دفعها إلى ولي الأمر برئت ذمته؛ لأن بيت المال مجمع الأموال التي تجبى من كل جهة وتصرف في مصالح المسلمين.

    1.   

    تخرج زكاة المال في بلد المال، وزكاة الفطرة في مكان وجوده

    إذا كان المزكي في بلد وماله في آخر، أخرج زكاة المال في بلد المال، وأخرج فطرته وفطرة من يمونه وفطرة من لزمته في البلد الذي هو فيه، قالوا: لأن الزكاة تتبع المال، والفطرة تتبع البدن، مثاله: إذا كانت أمواله في الرياض وهو مستقر في مكة أو في جدة، فإنه يفرق زكاة أمواله ببلد المال: الرياض، ويخرج فطرته وفطرة عياله في البلد التي أقاموا فيها، وقيل: إنه يخرج فطرته في البلد الذي تغيب شمس الثلاثين من رمضان وهو فيه، فلو قدر مثلاً أنه وعياله صاموا في الرياض، وقبل العيد ببومين أو بيوم ذهبوا إلى مكة، وجاءتهم ليلة العيد وهم بمكة فيفطرون في مكة، يعني: كأن الفطرة تتبع البدن، فيخرجونها في البلد الذي هم فيه ليلة العيد.

    1.   

    جواز تعجيل الزكاة

    يحوز تعجيل الزكاة لحولين فقط، يعني: إذا رأيت مستحقاً في هذه السنة وعندك زكاة السنة القادمة وزكاة السنة التي بعدها فقلت: سوف أعجل زكاة سنتين وأعطيها هذا الفقير الذي يكاد أن يسجن في دينه، أو الذي أحدق به الغرماء وشددوا عليه، فأعطيته زكاة سنتين دفعة واحدة جاز ذلك، ولا يجوز أكثر من سنتين، وإنما يجوز هذا إذا كان هناك سبب، وإلا فالأصل إخراج زكاة كل مال بعد حوله.

    واستدلوا بأنه صلى الله عليه وسلم قال: (إنا كنا احتجنا فأقرضنا العباس صدقة سنتين) لما جاء عمر فقال: إن العباس منع الزكاة، قال: (هي علي ومثلها معها) يعني: كان العباس قد دفع زكاة سنتين، فدل على أنه يجوز إخراج الزكاة عن سنتين ولا يستحب.

    1.   

    مصارف الزكاة

    أهل الزكاة هم المذكورون في الآية الكريمة من سورة التوبة، ذكروا أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله من الزكاة، فقال: (إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك) فبين أن الله تعالى هو الذي تولى قسمها في قوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ)، (إنما) أداة حصر، لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60] وحد الفقير: هو الذي دخله يكفيه أقل من نصف الشهر، وبقية الشهر يقترض، فإذا كان دخله خمسمائة وينفقها في ثلاثة عشر يوماً، وبقية الشهر ليس عنده شيء فهذا نسميه فقيراً، فإذا كان مثلاً دخله ستمائة وتكفيه سبعة عشر يوماً فنسميه مسكيناً، فالمسكين أقل حاجة من الفقير، والدليل أن الله تعالى ذكر الفقراء وحث على الإنفاق عليهم، قال تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]، وقال تعالى: لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً [البقرة:273] هكذا وصفهم، وكذلك في قوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ [الحشر:8] وصفهم بأنهم فقراء؛ لأنهم تركوا أموالهم وهاجروا، فالفقراء أشد حاجة، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر: (أعوذ بك من الفقر إلا إليك).

    وأما المسكنة فالمسكين أخف حاجة، وهو الذي يكفيه دخله أكثر الشهر، والدليل قول الله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ [الكهف:79] فوصفهم بأنهم مساكين، وأن لهم سفينة يعملون عليها في البحر، فدل على أنهم قد يملكون بعض الأشياء، ومع ذلك يوصفون بأنهم مساكين، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين) فكونه استعاذ من الفقر، وسأل ربه أن يجعله مسكيناً دل على أن المسكنة أقل شدة من الفقر.

    الثالث: العاملون عليها، يعني: الجباة الذين يجمعونها، يرسلهم الأئمة ليجمعوها، فيكون لهم حق فيها بقدر تعبهم، ويستثنى من ذلك إذا كان لهم رواتب، فالحكومة في هذه الأزمنة تفرض لهم رواتب، فإذا كان كذلك فلا يحق لهم أن يأخذوا منها شيئاً، بل يكتفون بما يفرض لهم من الرواتب، فإن فرضت لهم الحكومة شيئاً ونسبة معينة اقتصروا عليها، ولا يزيدون، هذا هو الصواب.

    الرابع: المؤلفة قلوبهم، وهم رؤساء القبائل ومن كانت لهم شهرة ومكانة في أقوامهم، فيعطون تأليفاً لهم، إذا كان يرجى إسلامه أعطي من الزكاة ولو كان كافراً حتى يسلم، أو ليقوى إيمانه، فهو مسلم، ولكن إيمانه ضعيف، فيعطى حتى يقوى إيمانه، أو إسلام نظيره، فإذا أعطيناه أسلم أولئك الآخرون من القواد والرؤساء، أو يرجى منه جباية زكاة، إذا كان رئيساً وقومه يطيعونه ولا يجبون الزكاة إلا إذا أمرهم، فإذا أعطيناه شيئاً منها سلم قومه وعشيرته ودفعوا الزكاة، فمثل هؤلاء مؤلفة قلوبهم فيعطون منها.

    وثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما غنموا غنائم حنين أعطى منها المؤلفة قلوبهم، ومنهم: عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، ومنهم عباس بن مرداس أعطاه أقل من عيينة والأقرع؛ فغضب لذلك فكمل له النبي صلى الله عليه وسلم مثلهم، لا شك أن مثل هؤلاء كانوا يُتألفون، وفي عهد عمر رضي الله عنه قوي الإسلام وانتشر وتمكن في البلاد، وعاد أولئك الرؤساء كسائر الناس لا يحتاج إلى تأليفهم، فأسقط عمر حقهم، وقال: إن الله قد أعز دينه فلا حاجة إلى أن نتألفهم، وليسوا فقراء ولا مساكين ولا ضعفاء ولا غارمين، ولا نعطيهم لأنهم أكابر ورؤساء وقواد، وهم لا يستحقون من الزكاة، إنما كان ذلك في حالة ضعف الإسلام، فأما بعد ما قوي الإسلام فلا حق لهم، وهذا هو السبب في إسقاطه حقهم.

    الخامس: الرقاب، يعني: المماليك الذين اشتروا أنفسهم بمال مؤجل، ويسمون المكاتبين، فالمكاتب الذي اشترى نفسه يعطى من الزكاة حتى يوفي عن نفسه.

    السادس: الغارمون، والغارم: هو المدين الذي عليه دين كثير لا يستطيع وفاءه، إما غارم لإصلاح ذات البين، كأن يقترض أموالاً يصلح بها بين فئتين من المسلمين، وإما غارم لنفسه يعني: استدان ولا يستطيع أن يفي، ولو لم يوصف بأنه فقير، ولو كان عنده دخل، ولكن الدين استغرق أمواله.

    السابع: في سبيل الله، فسر بأنه في الجهاد، يعني: المجاهدون الذين ليس لهم رواتب، فيعطون من الزكاة ما يشترون به أسلحة وما ينفقون به على أنفسهم ذهاباً وإياباً ولو كانوا أغنياء في بلادهم؛ تقوية للمجاهدين وللجهاد، وتكون النفقة عليهم مضاعفة، فالنفقة في سبيل الله: الحسنة أو الدرهم بسبعمائة، وذهب بعض العلماء إلى أن كلمة في سبيل الله تعم وجوه الخير كلها، فيدخل في ذلك بناء المساجد، وبناء المدارس، وإصلاح القناطر، وإصلاح الطرق، وتهيئتها للسالكين، ويدخل في ذلك نشر العلم، وطبع الكتب، وتيسير وسائل العلم وما أشبه ذلك، وقالوا: إن سبيل الله كل وسيلة توصل إلى رضا الله تعالى.

    ونقول: إذا تعطلت هذه المصالح ولم يوجد لها إلا مصرف الزكاة صرف فيها من الزكاة، وإلا فالأصل أن الزكاة لها مصرف خاص، وهو كونها في سبيل الله يعني: في القتال.

    الثامن: ابن السبيل، ويعرفونه: بأنه المسافر الذي انقطع به السفر، وإن كان له أموال في بلاده، وفي هذه الأزمنة يمكنه أن يتصل ببلاده، ويطلب إرسال مال بواسطة البنوك، ويأتي بسرعة، لكن إذا لم يتيسر وبقي منقطعاً لا يستطيع حيلة، وليس له وسيلة يصل بها إلى أهله؛ حلت له الزكاة إلى أن يصل إلى أهله، هؤلاء هم أهل الزكاة الثمانية.

    1.   

    الاقتصار في صرف الزكاة على صنف واحد من الأصناف الثمانية

    هل يجوز الاقتصار في صرف الزكاة على صنف واحد؟

    الصحيح أنه يجوز، والدليل قوله تعالى: وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271] فاقتصر على الفقراء، فدل على أنه يجوز إعطاؤهم الزكاة كلها، والأفضل تعميمهم، يعني: الأفضل إذا كان عندك مال كثير أن تقول: هذا نصيب الفقراء، هذا نصيب المساكين، هذا نصيب الغارمين، هذا نصيب المجاهدين، هذا نصيب العاملين، هذا نصيب المنقطعين، وتسوي بينهم، يعني: إذا كانت ثمانية آلاف فكل قسم أو صنف له ألف، ولكن الصواب أنه يقدم أكثرهم حاجة، فالأشد حاجة كالفقراء والغارمين مثلاً يقدمون.

    قوله: (وتسن إلى من لا تلزم مئونته من أقاربه) إذا كان له أقارب وفقراء لا تلزمه مئونتهم ففيهم أفضل، يقول صلى الله عليه وسلم: (صدقتك على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان: صدقة وصلة) بشرط ألا تلزمه مئونتهم، فإن كانت تلزمه مئونتهم فلا يجوز؛ لأنه يدفعها حماية ووقاية لماله، والذين تلزمه مئونتهم: هم الذين يرثهم أو يرثونه، فإذا كان له إخوة فقراء وليس لهم أولاد لو ماتوا لورثهم، ألزم بإعطائهم النفقة، وألزم بالإنفاق عليهم إذا كان قادراً، فإن كان لهم أولاد فإنه لا يرثهم، ففي هذه الحالة يعطيهم من الزكاة، وكذلك أعمامه إذا لم يكن لهم أولاد ولم يكن لهم إخوة، وكان هو الذي يرثهم لو ماتوا، أو يرثون منه يلزمه الإنفاق عليهم فلا يعطيهم من الزكاة.

    1.   

    حكم دفع الزكاة لبني هاشم في حالة الضرورة

    لا تدفع الزكاة لبني هاشم، وبنو هاشم: هم أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لبني هاشم، إنما هي أوساخ الناس) وقال لهم: (إن لكم بخمس الخمس ما يغنيكم عن الزكاة) هذا هو المشهور.

    وفي هذه الأزمنة يوجد كثيرون يسمون أنفسهم سادة، ويدعون أنهم من ذرية علي إما من ذرية الحسن أو الحسين ، أو من ذرية جعفر أو نحو ذلك، فيقولون: نحن من بني هاشم ويوجد فيهم فقراء وضعفاء ومساكين وغارمون، ولا يأتيهم من بيت المال ما يكفيهم، فنقول: إذا اضطروا واحتاجوا جاز أن يدفع لهم؛ وذلك لأنه لم يتيسر لهم ما كانوا يعطونه من خمس الخمس، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة قسمها خمسة أخماس: أربعة أخماس للغانمين، وخمس يجتبيه، ثم إن هذا الخمس يوزعه خمسة أخماس على قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [الأنفال:41] فيوزعه على هؤلاء، وفي هذه الأزمنة لا يوجد جباية أموال، ولا يوجد ما يقوم مقام الزكاة، فلا خمس ولا غنائم، فيحتاجون إلى أن يعطوا من الزكاة ما يسد حاجتهم.

    ذكر المصنف أن موالي بني هاشم لا تحل لهم الزكاة، والصحيح أنها تحل لهم في هذه الحالة كما تحل لبني هاشم، واستدل الفقهاء بحديث أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أن بعض العمال استدعاه أن يخرج معه في عمالة للزكاة ليصيب منها، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إنها لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم) فلم يخرج أبو رافع ، فإذا قلنا: إنها تحل لبني هاشم للحاجة فمواليهم بالطريق الأولى، فمواليهم ليس لهم شرف السيادة التي لبني هاشم.

    1.   

    حكم دفع الزكاة إلى من تلزم مئونته

    قوله: (ولا تحل لأصل ولا فرع) وذلك لأنه تلزمه مئونتهم، فالأصل: هم الآباء والأجداد ذكوراً وإناثاً، فلا يعطي منها أباه ولا أمه ولا جده أبا أبيه، ولا جده أبا أمه، ولا جداته من كل جهة، ولا يعطي أحداً من أصوله، وكذلك الفروع وهم من تفرع عنه: أولاده ذكوراً وإناثاً، وأولاد بنيه ذكوراً وإناثاً، وأولاد بناته وأولاد بنات بناته ونحوهم؛ لأنه ينفق عليهم عند الحاجة، وينفقون عليه إذا احتاج.

    ولا تحل الزكاة لكافر؛ وذلك لأنها صدقات، والكفار ليسوا أهلاً للصدقات.

    1.   

    حكم دفع الزكاة لمن ظُن من أهلها ثم تبين خلاف ذلك

    قوله: (فإن دفعها لمن ظنه أهلاً فلم يكن لم تجزئ) يعني: دفعها لهاشمي يظنه غير هاشمي فإنها لا تجزئ إذا علم بعد ذلك أنه من بني هاشم، أما إذا دفعها لمن يظنه غنياً فبان فقيراً فإنها تجزئ، وفيه قصة ذلك الرجل الذي قال: لأتصدقن الليلة، فخرج فوضع صدقته في يد غني، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على غني، فقيل له: إنه قد قبلت صدقتك، وكذلك لو تعمد إخراجها لمن يعتقده غنياً، قال: هذا الرجل أعطيه وأنا أجزم أنه غني، فأعطاها إياه، ثم تبين أنه فقير، فهل تجزئ؟

    لا تجزئ؛ لأنه عندما دفعها كان جازماً أنها في غير أهلها.

    1.   

    الحث على صدقة التطوع وتضاعفها في الأزمنة والأماكن الفاضلة

    بعد ذلك ذكر المصنف صدقة التطوع، والصدقة بالفاضل مستحبة، وقد رغب الله تعالى في الصدقات كما في قوله تعالى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ [البقرة:177] يعني: آتى المال على حبه، وكذلك قوله تعالى في قصة عباد الله الأبرار: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان:8-9] كل هذا في صدقة التطوع، وورد فيها فضل كبير ومضاعفة كبيرة.

    فلابد أن يتصدق بما فضل عن كفايته وكفاية من يمونه، فهي سنة مؤكدة، ولا يجوز أن ينقص كفاية عياله؛ لحديث: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها) وحديث: (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول).

    وتضاعف أجر الصدقة في رمضان ورد فيه حديث: (إذا دخل رمضان فانبسطوا في النفقة فإن النفقة فيه مضاعف)، وكذلك في سبيل الله، وكذلك في الأزمنة الفاضلة كعشر ذي الحجة ويوم الجمعة، وكذلك الأماكن الفاضلة كمكة والمدينة، وكذلك أوقات الحاجة، إذا كانت هناك حاجة وشدة وفقر وجوع شديد في بلد، فإن الصدقة عليهم تكون مضاعفة، هذا هو الأصل في إيجاب الصدقات.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755903801