إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [112]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تعظيم أسماء الله تعالى وصفاته من تعظيم الله تعالى، ويكون ذلك باحترامها، وعدم امتهانها، وعدم مشاركة الله تعالى فيها بالتسمي بها، فمن تسمى بشيء من أسماء الله تعالى أو اتصف بصفة من صفاته وجب عليه تغيير ذلك؛ لأن فيه نقصاً في توحيد العبد، وعدم تعظيم لله تعالى.

    1.   

    باب احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم لأجل ذلك.

    عن أبي شريح : أنه كان يكنى أبا الحكم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم. فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟ قال: شريح ومسلم وعبد الله ، قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح ، قال: فأنت أبو شريح)رواه أبو داود وغيره ].

    قوله: (باب: احترام أسماء الله، وتغيير الاسم لأجل ذلك).

    الفرق بين هذا الباب والذي قبله: أن الذي قبله من باب المنازعة ومن باب مشاركة الرب جل وعلا فيما هو خاص به، وهذا أمره عظيم جداً.

    أما هذا فليس من باب المنازعة؛ لأنه قد يكون غير مقصود، وقد يكون لأمر يفعله الفاعل فيسمى باسم مأخوذ من الفعل كما في هذا الحديث، وقد يكون أيضاً عن قصد حسن، ولكنه ما فهم معنى هذا التكني أو هذا التسمي، فيكون غير آثم حتى يطلع على الحكم، فإذا اطلع على ذلك وجب عليه أن يغير الاسم، تعظيماً لله جل وعلا واحتراماً لأسمائه، فيكون هذا الباب في الخطورة أقل من الباب الذي قبله، ومع ذلك فهذا من كمال التوحيد، أي: تغيير الاسم احتراماً لأسماء الله جل وعلا وتعظيماً له يكون من كمال التوحيد.

    الحكم والتحاكم عند الجاهلية

    وقوله: (عن أبي شريح ) هو أبو شريح الخزاعي ، وأبو شريح صحابي أسلم بعد الفتح، وجاء أن هذه القصة وقعت في زمن الوفود، والوفود كانت في سنة تسع من الهجرة وما بعدها، فلما وفد مع قومه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم قومه يدعونه ويكنونه بهذه الكنية فدعاه وسأله.

    وقوله: (إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين) معناه: أنه كان يقوم بالإصلاح بينهم، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أحسن هذا!) يعني: الصلح بين الفريقين، فكانوا يرضون بحكمه، وهذا كان قبل أن يسلم، ومع ذلك حسنه الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس تحسين الرسول صلى الله عليه وسلم لذلك تحسيناً لأحكام الجاهلية، وأهل الجاهلية كان لهم حكام وكانوا لا يقتنعون إلا بالشيء الذي يمكن أن يكون له وجه، فالحاكم الذي ينصب نفسه حكماً للناس عليه أن يعلم أن الناس عقلاء، فيجب أن يأتي بحكم يُقنع الفريقين، أما إذا كان على سبيل الإلزام وبالقوة، واتباع الأسلاف والآباء، وأن هذا حكم يجب أن يُخضع له، فهذا من أمور الجاهلية، ومن أحكام الطواغيت إذا كان بغير حكم الله جل وعلا، ولكن المقصود أن يرضى الفريقان -عن اقتناع بحق- بالحق بالعدل، والعدل كل يرضى به، فالذي حسنه الرسول صلى الله عليه وسلم هو العدل الذي يرضى به الفريقان، وليس حكم الجاهلية؛ حتى لا يلزم أن يقال: إن هذا كان قبل إسلامه عند أن كان يحكم بأمور الجاهلية، فيلزم أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم حسن ذلك، وهذا غير لازم؛ لأن تحسين الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو للحكم بالعدل الذي يرضى به الفريقان.

    ومعلوم أن العرب وغيرهم كان لهم حكام يحكمون بين المتخاصمين والمتنازعين، إما طواغيت، وإما كهان يحكمون لهم بالشيء الذي يكون غائباً، أو يكون الحكم بأمور يتعارفون عليها فيما بينهم وهو ما يسمى بطريقة الآباء، وكل هذا من حكم الجاهلية الذي لا يجوز أن يتحاكم إليه، بل التحاكم إليه تحاكم إلى الطاغوت، ومع هذا كله فإن الحكام الذين يحكمون بينهم لابد أن يحكموا بشيء مقنع؛ لأن الحكم ليس اعتباطاً أو تعسفاً، فإن هذا لا يرضى به أحد، ولهذا ذكروا أن أحد حكامهم الذين كانوا يتحاكمون إليهم جاءه قوم في مسألة وراثية مشكلة؛ لأن العرب كانوا يورثون الذكور ولا يورثون الإناث؛ لأن الذكور -في زعمهم- هم الذين يركبون الخيل ويحمون المال، ويذودون عن الأعراض، أما الأنثى فكانوا لا يعطونها شيئاً من الإرث، وحصل مرة في أهل بيت من العرب أنه توفي رجل منهم وخلف أبناء ومنهم واحد له آلتان: آلة أنثى وآلة ذكر، فأشكل عليهم كيف يصنعون هل يورثونه أم يحرمونه من الإرث؟ فذهبوا إلى أحد حكامهم الذين يحكمون، فلما جاءوا إليه أشكل عليه الأمر، فبقي أربعين يوماً لا يستطيع أن يحكم بينهم، وكل يوم يذبح لهم شاة، وبعد مضي أربعين يوماً بات ليلةً ساهراً ما استطاع أن ينام؛ لأنه وقع في مشكلة لم يعرف كيف يتخلص منها، ففطنت جارية له فقالت: مالك؟ قال: انصرفي عني مالك ولما أنا فيه؟ فلم تزل به حتى أخبرها وقال: الأمر فيه كذا وكذا، فقالت: الأمر سهل، انظر من أي آلة يبول فاحكم عليه بذلك، ففرح وقال: فرجت عني كرباً عظيماً، ولما أصبح الصباح دعاهم وحكم بينهم بهذا فاقتنعوا به.

    والشاهد في هذا: أنهم ما كانوا يحكمون إلا بشيء يُقتنع به، ومع ذلك كانت أحكامهم أحكاماً جاهلية، ولكن الناس العقلاء لا يقتنعون بالشيء الذي يكون شبه أفعال الصبيان.

    وهذا أبو شريح لم يكن من هذا القبيل، وإنما كان ممن يفصل بين الناس، فإذا كان هناك نزاع بين فريقين وأصلح بينهم صلحاً رضي الفريقان بصلحه؛ لأنه كان يتحرى العدل والإنصاف، ولا يميل إلى فريق دون آخر، وإنما يعدل بينهم فيرضى الفريقان، وعند ذلك سموه: أبا الحكم ، مبالغةً في أن حكمه يكون حسناً وصحيحاً ومقبولاً.

    معنى اسم الله جل وعلا (الحَكَم)

    والحَكَم من أسماء الله جل وعلا، وقد جاء في أسمائه الحسنى مقروناً بالعدل، فهو الحكم العدل جل وعلا؛ لأن حكمه عدل، تعالى وتقدس، وهو الذي يحكم بين خلقه، كما قال جل وعلا: وَلَهُ الْحُكْمُ [القصص:70]، ويقول جل وعلا في آيات كثيرة: إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ [الأنعام:57] ، ويقول: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]، والرد إلى الله جل وعلا هو الرد إلى حكمه، وحكمه يكون في كتابه الذي أنزله، أما الرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهو الرد إليه في حياته، أما بعد وفاته فإلى سنته، وسنته: هي تقريراته وأقواله وأفعاله صلوات الله وسلامه عليه.

    فالحَكَم هو الله؛ لأنه يحكم بين خلقه في الدنيا بشرعه الذي جعله حاكماً بينهم، والإنسان إذا لم يحكم الشرع فإنه غير مؤمن، ولا يكون مؤمناً إلا بتحكيم الشرع، كما قال جل وعلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65].

    فهو الحكم مطلقاً، في الدنيا يحكم بين خلقه بالشرع الذي شرعه لهم، ويجب أن يتحاكموا إليه وألا يتحاكموا إلى غيره.

    حكم الله تعالى بين خلقه في الآخرة

    وأما في الآخرة فهو الذي يتولى الحكم بين خلقه بنفسه، فلا يحكم بينهم ملك ولا رسول، بل كل واحد منهم سوف يحكم الله جل وعلا فيه، وهو علام الغيوب لا يخفى عليه شيء من أفعال هذا المخلوق، قد أحصاها عليه، فيقرره بأفعاله كلها، ويأتي خصمه فيحكم بينه وبينه، والحكم في ذلك الموقف إنما هو بالحسنات والسيئات، فيؤخذ للمظلوم من حسنات الظالم حتى يكتفي، فإن لم يكن للظالم حسنات أُخذ من سيئات المظلوم فطُرحت على الظالم، ثم طُرح في النار.

    فكل واحد يحكم الله جل وعلا فيه، سواء فيما بينه وبين ربه: هل التزم أوامره واجتنب نواهيه؟ أو فيما وبين الخلق في المظالم والحقوق، فالحكم يكون عاماً في كل ما يفعله المخلوق في الدنيا من علاقاته مع ربه أو علاقاته مع الخلق، ولهذا ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة)، وهذا الحكم يكون بعد الوقوف الطويل، فالخلق يخرجون من قبورهم، ويحشرون في مكان واحد جميعاً، فيقفون وقوفاً طويلاً، وهذا الوقوف وقوف ثقيل وعظيم كما قال تعالى: إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا [الإنسان:27]، ويقول جل وعلا: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:1-6].

    فيقومون على أرجلهم ألف سنة وهم في مكان واحد، والشمس فوق رءوسهم واقفة لا تسير، فإذا اشتد بهم الكرب ويتمنى كثير منهم أن يُذهب به ولو إلى النار؛ لشدة هذا الموقف، فإذا أراد جل وعلا أن يحكم بينهم، يلهمهم أن يطلبوا الشفاعة من الرسل، والرسل وقوف معهم، فيبدءون بآدم عليه السلام وينتهون إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وكل واحد من آدم إلى عيسى يعتذر ويقول: لا أستطيع أن أشفع في هذا اليوم العظيم؛ وربنا غضب اليوم على خلقه غضباً شديداً، وكل واحد يقول: لا أسأل ربي إلا نفسي، فيشفع محمد صلى الله عليه وسلم في أن يأتي الرب جل وعلا للفصل بين خلقه والحكم بينهم، وهذه شفاعة يشترك فيها المؤمنون والكفار والأبرار والفجار، ثم يأتي الرب جل وعلا وهو على عرشه فيحكم في كل واحد، وأما الناس الكفرة الذين ليس لهم حسنات تزون، فهؤلاء يؤمر بهم إلى النار بدون محاسبة، كما قال الله جل وعلا: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:105] أي: لا يحاسبون.

    والناس هناك ينقسمون إلى أقسام: قسم هذا الذي سبق وذكرناه، وقسم آخر ليس لهم سيئات، وهؤلاء لا يحاسبون، وقسم لهم سيئات وحسنات، وعندهم مظالم، فهؤلاء لابد أن يحاسبوا، مع أن الكفار الذين ليس لهم حسنات لا يمكن أن يذهبوا إلى النار حتى يقتص ممن عنده ظلم لغيره، ولهذا أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن البهائم يقتص لبعضها من بعض في ذلك اليوم، قال صلى الله عليه وسلم: (والله ليقتصن من الشاة القرناء للشاة الجلحاء) الجلحاء: التي ليس لها قرون، إذا نطحتها التي لها قرون فإنها تؤذيها أكثر، فيقتص منها يوم القيامة، ثم بعد ذلك يقول الله جل وعلا لها: كوني تراباً، فتكون تراباً، وعند ذلك يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا [النبأ:40] أي: مثل البهائم، ولكن هيهات! فإن الإنسان خلق للعذاب أو للنعيم.

    فالمقصود: أن حكم الله عام في الدنيا والآخرة، ولكن في الدنيا قد ينازع ابن آدم الربَّ جل وعلا، ينازعه ويزعم أن له شيئاً من الحكم؛ لأن ابن آدم خلق ظلوماً جهولاً، فإذا اجتمع الظلم والجهل فإنه يجتمع الشر كله، فلهذا لا يجوز أن يتكنى الإنسان باسم من أسماء الله كأبي الحكم؛ لأن هذا فيه امتهان لاسم الله جل وعلا، ولهذا غيَّره الرسول صلى الله عليه وسلم بعد قوله: (ما أحسن هذا!) يعني: ما أحسن العدل والإنصاف الذي يرضى به الفريقان.

    1.   

    الكنية وبيان أن الأفضل أن تكون بالابن الأكبر

    قوله: (فما لك من الولد؟ قلت: شريح ومسلم وعبد الله ، قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح ، فقال: أنت أبو شريح)، وهذا تغيير للتكني، والعرب يكنون للتعظيم، والكنية: هي ما صدرت بأب أو أم، فيقال: أبو فلان أو أم فلان، بخلاف اللقب، فإن اللقب قد يكون -وهو الغالب- للتحقير والازدراء، وقد يكون لغير ذلك، فالكنية: ما بدأت بأب أو أم كأبي فلان أو أم فلان، وقد يكنى الإنسان بابنه، وقد يكنى بما يلازمه كأبي هريرة مثلاً، ومثل ذلك إذا كان عنده صنعة فيكنى بها لملازمته لها، وقد يكنى بشيء يكون موصوفاً به كأبي المعالي وأبي الفضائل وما أشبه ذلك، يوصف بذلك تعظيماً له، وغرض الناس من التكني بالكنية التعظيم، بخلاف اللقب، فإن اللقب قد يشعر مدحاً كزين العابدين مثلاً، وقد يشعر ذماً كأنف الناقة مثلاً، وهذا الغالب عليه، ولهذا يقول أحد الشعراء:

    أكنيه حين أناديه لأعظمه ولا ألقبه فالسوءة اللقب

    لأن اللقب قد يدل على التحقير.

    وهذا الذي كني بـأبي الحكم هو من باب التعظيم، ولكن هذا التعظيم خطأ وامتهان لاسم الله جل وعلا؛ فلهذا غيره الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بدله بشيء يليق به.

    وعندما سأله عن أبنائه أخبر أن له ثلاثة وعطفهم بالواو، فقال: شريح ومسلم وعبد الله . فقال: (فمن أكبرهم؟) وهذا يدلنا على أن الواو لا تدل على الترتيب، وإنما تدل على الجمع؛ لأنها لو كانت تدل على الترتيب لما قال: أيهم الأكبر؟ فعرف أن شريحاً هو أكبرهم، فقال: شريح، فقال: (أنت أبو شريح)، وهذا يدل على أن الكبير له ميزة على الصغير، فيجب أن يميز عن الصغير ويقدر له قدر وميزة لكبر سنه، والرجل يكنى بولده الكبير، فإن لم يكن له ولد فيكنى بابنته الكبيرة، وليس التكني بالبنت عيب كما يقوله بعض الجهال؛ لأنها بنته، وكذلك الأم تكنى بابنها الكبير، فإن لم يكن لها أبناء كنيت بابنتها الكبيرة.

    تغيير الاسم أو الكنية إذا كان فيها امتهان لأسماء الله

    هذه الكنى والأسماء كل ما كان منها فيه شيء من امتهان أسماء الله جل وعلا وعدم احترامها فيجب أن تغير، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء لأغراض متعددة هذا أحدها، وهذا هو أعظمها الذي يجب أن يعتنى به، فكثير من الأسماء لا يجوز أن تُقر؛ لأن فيها امتهاناً لأسماء الله، وقد يكون فيها كذب، مثل: خليل الرحمان وخليل الله؛ لأن الخلة خاصة بإبراهيم ومحمد صلى الله عليهما وسلم، فلا يجوز أن يسمى أحد بذلك، كذلك إذا سمي مثلاً: الرحمان أو ما أشبه ذلك من الأسماء الخاصة بالله فلا يجوز، بل يجب أن يغير ما وجد من هذه الأسماء، كما غير الرسول صلى الله عليه وسلم اسم أبي شريح احتراماً لأسماء الله جل وعلا.

    وكذلك تُغير الأسماء المبغضة المكروهة كحرب ومرة، وما أشبه ذلك، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يغيرها.

    وكذلك الأسماء التي تدل على تزكية النفس فإنها تغير؛ لأن الله جل وعلا يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ [النجم:32]، فتغير امتثالاً لأمر الله جل وعلا.

    فهذه الأغراض التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يغير الأسماء من أجلها أعظمها هو احترام أسماء الله جل وعلا؛ لأن هذا من باب التوحيد، فالواجب أن يغير هذا الشيء احتراماً لأسماء الله؛ لأن ذلك من تحقيق التوحيد.

    1.   

    ترجمة أبي شريح الخزاعي

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [ قوله: (عن أبي شريح ) قال في خلاصة التذهيب: هو أبو شريح الخزاعي اسمه : خويلد بن عمرو ، أسلم يوم الفتح، له عشرون حديثاً، اتفقا على حديثنين وانفرد البخاري بحديث ].

    أي: له عشرون حديثاً، وهي مروية في كتب الأحاديث في السنن والمسانيد، وأما الصحيحان فليس له فيهما إلا ثلاثة أحاديث.

    قال الشارح رحمه الله: [ وروى عنه أبو سعيد المقبري ، ونافع بن جبير ، وطائفة، قال ابن سعد : مات بالمدينة سنة ثمانٍ وستين. وقال الشارح: اسمه هانئ بن يزيد الكندي ، قاله الحافظ ، وقيل: الحارث الضبابي ، قاله: المزي .

    قوله: (يكنى) الكنية: ما صدر بأب أو أم ونحو ذلك، واللقب ما ليس كذلك، كزين العابدين ونحوه.

    1.   

    لله جل وعلا في كل قضية حكم واحد فقط

    [ وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم)، فهو سبحانه الحكم في الدنيا والآخرة، يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزل على أنبيائه ورسله، وما من قضية إلا ولله فيها حكم ].

    أي: ما من قضية تقع بين الناس أو حادثة تحدث أو أمر يحدث إلا ولله فيه حكم، وهو موجود في كتاب الله؛ لأنه لم يفرط فيه بشيء، بل كل قضية تحدث صغيرة أو كبيرة فحكمها في كتاب الله، ولكن قد يفهما الناس وقد لا يفهمونها، وقد أدركت الأمة كل الأحكام وكل القضايا، فيجب أن يرجعوا إلى كتاب الله في جميع ما يحدث، وأن يكون هو الحاكم بينهم، ولا يجوز أن يعتاضوا عنه بالقوانين فإن هذا من الكفر.

    قال الشارح رحمه الله: [ وما من قضية إلا ولله فيها حكم بما أنزل على نبيه من الكتاب والحكمة، وقد يسر الله معرفة ذلك لأكثر العلماء من هذه الأمة؛ فإنها لا تجتمع على ضلالة، فإن العلماء وإن اختلفوا في بعض الأحكام فلابد أن يكون المصيب فيهم واحداً ].

    يعني: ليس كل مجتهد يكون مصيباً، وإنما المصيب واحد فقط، والحق لا يتعدد، فلا يمكن أن يكون هذا أصاب الحق والذي قال خلاف قوله أصاب الحق، هذا لا يكون أبداً؛ لأن الحق واحد فقط، ولكن إذا كان المخالف مجتهداً وأهلاً للاجتهاد، فيكون مأجوراً على اجتهاده وخطؤه مغفور، أما إذا كان يتخبط بجهل فإنه وإن أصاب فهو آثم، ولهذا قسم الرسول صلى الله عليه وسلم القضاة إلى ثلاثة، فجعل اثنين منهم في النار وواحداً في الجنة، فأما الذي يحكم بين الناس بالجهل فهو في النار، وأما الذي يعرف الحق ويحكم بخلافه فهو في النار، وأما الذي يعرف الحق ويحكم به فهذا هو الذي يكون في الجنة.

    والمقصود: أن كل قضية حكم الله فيها واحد، وهو موجود في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله ما فرط، والرسول صلى الله عليه وسلم جاء بشرع كامل شامل إلى يوم القيامة، صالح لكل زمان، فيجب على عموم الخلق أن يرجعوا إليه، فإن لم يفعلوا فإنهم متوعدون بصليهم في النار؛ لأن من لم يحكم بما أنزل الله جل وعلا فليس بمؤمن.

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [ فمن رزقه الله تعالى قوة الفهم، وأعطاه ملكة يقتدر بها على فهم الصواب من أقوال العلماء، يسر له ذلك بفضله ومنِّه عليه وإحسانه إليه، فما أجلها من عطية، فنسأل الله من فضله ].

    ليس معنى ذلك أن الحكم يكون بأقوال العلماء أو بآرائهم، وإنما العلماء يستنتجون الأحكام من كتاب الله، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالفهم، والفهم يتفاوت بينهم، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن منهم طائفة تشبه الأرض الطيبة التي تمسك الماء وتنبت الكلأ الكثير الذي ينتفع به الناس، فهؤلاء أمثال الفقهاء الذين يفهمون النصوص ويستخرجون منها الأحكام الكثيرة، وطائفة أخرى مثلهم مثل القيعان التي تمسك الماء، ولا تنبت الكلأ، ولكنها تمسك الماء فيرد الناس عليها ويرتوون من هذا الماء، فهؤلاء أمثال الحفاظ الذي يحفظون ولكن ليس عندهم فقه مثل الفقهاء، وهؤلاء هم أهل الخير وأهل الفضل، وهم الذين ورثوا الكتاب وقبلوا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

    أما الطائفة الثالثة فجعلهم مثل الأرض السبخة أو الأرض الرملية التي لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، وإنما يأتيها الماء فتبلعه ولا يكون له أي أثر، فهؤلاء أمثال الذين لم ينتفعوا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم والإيمان.

    والمقصود: أن الأحكام ليست في آراء العلماء وأقوالهم، وإنما هي في استنتاجاتهم وما فهموه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والفهم يتفاوت تفاوتاً عظيماً، فقد يفهم أحد العلماء من نص واحد ألف حكم أو ما يقارب ذلك، كما يظهر ذلك لمن تتبع كتب العلماء واستنتاجاتهم وأقوالهم، ومنهم من يفهم من نص واحد حكماً أو حكمين أو ثلاثة أو نحو ذلك.

    1.   

    الله هو الحكم في الدنيا والآخرة

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [ قوله: (وإليه الحكم في الدنيا والآخرة) كما قال تعالى: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59].

    فالحكم إلى الله هو الحكم إلى كتابه ..].

    يعني: الحكم إلى الله في الدنيا إلى كتابه.

    [ والحكم إلى رسوله هو الحكم إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته.

    وقد قال صلى الله عليه وسلم لـمعاذ لما بعثه إلى اليمن: (بمَ تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي، فقال: الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله إلى ما يرضي رسول الله) ].

    هذا الحديث ضعيف؛ لأن في سنده: عن أصحاب معاذ عن معاذ ، وأصحاب معاذ مجهولون، لم يسم منهم أحد، ومعلوم أن الجهالة من أسباب رد الحديث وضعفه، فلابد أن يعرف الراوي، ولكن بعض العلماء يقول: إن شهرته وقبول الفقهاء له وتلقيهم له يغني عن سنده، كما يقول ذلك ابن عبد البر وغيره، فالقول به وتصحيحه ليس من ناحية السند وإنما هو من جهة قبوله؛ لأن الأمة إذا أجمعت على شيء لابد أن يكون حقاً، وهذا قد اشتهر عند العلماء، فيقول: إن هذا يغني عن السند -وإن كان سنده ضعيفاً- فيكون صحيحاً.

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [ فـمعاذ من أجل علماء الصحابة بالأحكام ومعرفة الحلال من الحرام، ومعرفة أحكام الكتاب والسنة، ولهذا ساغ له الاجتهاد إذا لم يجد للقضية حكماً في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بخلاف ما يقع اليوم وقبله من أهل التفريط في الأحكام، ممن يجهل حكم الله في كتابه وسنة رسوله، فيظن أن الاجتهاد يسوغ له مع الجهل بأحكام الكتاب والسنة، وهيهات!

    وأما يوم القيامة فلا يحكم بين الخلق إلا الله عز وجل إذا نزل لفصل القضاء بين العباد، فيحكم بين خلقه بعلمه، وهو الذي لا يخفى عليه خافية من أعمال خلقه: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:40].

    والحكم يوم القيامة إنما هو بالحسنات والسيئات، فيؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر ظلامته إن كان له حسنات، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فطرح على سيئات الظالم، لا يزيد على هذا مثقال ذرة ولا ينقص هذا عن حقه بمثقال ذرة.

    قوله : (فإن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين، فقال: (ما أحسن هذا!) فالمعنى -والله أعلم-: أن أبا شريح لما عرف منه قومه أنه صاحب إنصاف وتحر للعدل بينهم ومعرفة ما يرضيهم من الجانبين، صار عندهم مرضياً، وهذا هو الصلح؛ لأن مداره على الرضا لا على الإلزام، ولا على أحكام الكهان وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، ولا على الاستناد إلى أوضاع أهل الجاهلية من أحكام كبرائهم وأسلافهم التي تخالف حكم الكتاب والسنة، كما قد يقع اليوم كثيراً، كحال الطواغيت الذين لا يلتفتون إلى حكم الله ولا إلى حكم رسوله، وإنما المعتمد عندهم ما حكموا به بأهوائهم وآرائهم.

    وقد يلتحق بهذا بعض المقلدة لمن لم يسغ تقليده، فيعتمد على قول من قلده، ويترك ما هو الصواب الموافق لأصول الكتاب والسنة. والله المستعان.

    وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فما لك من الولد؟ قال: شريح ومسلم وعبد الله ، قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح ، قال: فأنت أبو شريح) فيه تقديم الأكبر في الكنية وغيرها غالباً، وجاء هذا المعنى في غير ما حديث. والله أعلم ].

    1.   

    مسائل باب احترام أسماء الله تعالى

    كل معنى يوهم امتهاناً لأسماء الله يجب الابتعاد عنه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فيه مسائل:

    الأولى: احترام أسماء الله وصفاته ولو لم يقصد معناه ].

    يعني: أن الاسم إذا أوهم امتهاناً لاسم من أسماء الله يجب أن يغير ولو كان المسمي لا يعرف المعنى، وإن كان قصد مقصداً حسناً في نفسه فإن هذا لا يعطيه تبريراً بأنه جائز، ولو قصد المعنى لكان محاداً لله جل وعلا، ولكن الغالب أنه لا يقصد المعنى، ومع ذلك يجب أن يغير الاسم ويحترم أسماء الله جل وعلا، كما بين في الحديث، فإنه لما تكنى بـأبي الحكم لم يقصد أن يمتهن اسم الله لا هو ولا الذي سماه، وإنما سمي من الفعل الذي كان يفعله.

    قال المصنف رحمه الله: [ الثانية: تغيير الاسم لأجل ذلك.

    الثالثة: اختيار أكبر الأبناء للكنية ].

    وهذا كله تقدم الكلام عليه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756188955