إخوتي الكرام: إن الله تبارك وتعالى حرّم في كتابه العزيز أخلاقاً ذميمة، منها: الكذب عليه أو على خلقه.
بل لعن الكاذبين، كما في قوله تعالى: فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:61].
وإن من أشد الكذب وأعظمه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أنه يتضمن مع الكذب الذي هو خصلة ذميمة، آثاراً سيئة كثيرة:
منها: إدخال شيء في الدين ليس منه؛ إذ أن القول المنسوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتضمن تحريم أمر أو تحليل آخر، أو تفضيل شيء، أو وعدٍ، أو وعيدٍ، أو خبر، أو نحو ذلك.
ومنها: الحط من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن المتجرئ على الافتراء على الرسول عليه الصلاة والسلام، قد سقطت من قلبه هيبته صلى الله عليه وسلم؛ فتجرأ على التقول عليه بما لم يقل.
ولذلك كان الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم كبيرة من كبائر الذنوب، وإثماً عظيماً بالاتفاق، بل إن من أهل العلم من اعتبره كفراً بالله عزوجل، ولا شك أن من استحلَّ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو كافر بالله العظيم.
وهذا حديث متواتر، ورد عن جمع كبير من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلقاه عنهم جمع كبير من التابعين، حتى إن بعضهم قال: رواه عن الرسول صلى الله عليه وسلم نحو (200) من أصحابه، وذكر له الإمام ابن الجوزي في الموضوعات نحو (80) طريقاً، وصنف فيه بعض العلماء مصنفات مستقلة، حيث صنف فيه الطبراني مثلاً جزءاً في حديث: {من كذب عليّ متعمداً}.
وقد رواه البخاري ومسلم يرمز له في صحيحيهما، وغيرهما من أهل العلم، وفيه نص على تحريم الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، بل وعلى أنه كبيرة من كبائر الذنوب؛ يستحق فاعله الوعيد بالنار {فليتبوأ مقعده من النار} وفي لفظٍ: {فليلج النار}.
وما ذلك إلا لما يتضمنه من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من التحريف في الدين، وإدخال شيء ليس منه في ضمنه، والحط من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى غير ذلك من المثالب والمضار.
ولقد بُليَ الإسلام والمسلمون منذ زمن بعيدٍ، بمن يفترون على الله وعلى رسوله الكذب، ويُلصقون بالإسلام ما ليس منه، ويدعون أنه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.
فأما القرآن الكريم، فلم يكن لأحد أن يستطيع أو يحاول أن يدخل فيه شيئاً ليس منه؛ وذلك لأن الله تكفَّل بحفظه، كما قال سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
ثم أتيت إلى نسخة من الإنجيل، فكتبت منها كتباً، فحرفت فيها وبدلت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الكنيسة، فاشتراها مني النصارى بأغلى الأثمان.
ثم عمدت إلى نسخة من المصحف فكتبتها، وحرفت فيها وغيرت وزدت ونقصت، ووقفت بها على باب الجامع، فوقف الناس بعد الصلاة عندي، ونظروا في هذه النسخ، وقلبوها؛ فاكتشفوا ما فيها من التحريف والتزوير، والنقص والزيادة، فأخذوها مني وأحرقوها، وضربوني عند باب المسجد، فعرفت أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله، فذلك الذي دعاني إلى الإسلام.
وهذا مصداق قول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] على ما هو مشتهر عند أكثر علماء الأصول وغيرهم، من أن المقصود بالذكر في هذه الآية هو: القرآن.
وإن كان الإمام ابن حزم رحمه الله، ذهب في كتابه إحكام الأحكام إلى أن المقصود بالذكر: القرآن والسنة.
وبناءً عليه؛ فإنه يستحيل أن يدخل أحد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً، ويروج هذا الحديث على أهل العلم وهو غير صحيح.
وهذا حقيقة، أنه لا يمكن أن يصدق العلماء ما افتري على الرسول صلى الله عليه وسلم من الأحاديث.
وذلك لأغراض شتى: إما أن يكون فعلهم هذا لأنهم زنادقة؛ يريدون أن يدخلوا في الدين ما ليس منه، أو يريدون أن يشوهوا صورة الإسلام عند الناس، أو يريدون أن يلبسوا على المسلمين دينهم؛ كما كان الرافضة يختلقون الأحاديث ويلصقونها على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك الزنادقة وغيرهم، وهم أكثر من يشتغل بوضع الأحاديث على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد يكون وضع الأحاديث لسبب آخر كالعصبية المذهبية مثلاً: التعصب لشيخ من المشايخ، أو لإمام من الأئمة، أو لبلدٍ من البلدان، أو لنحلة من النحل، أو لطائفة من الطوائف، أو لغير ذلك.
ولكن الزنادقة في الغالب، هم المشتغلون المعنيون بالافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد أدخلوا في الإسلام كثيراً من الأحاديث، لَبّست على كثير من المسلمين دينهم، وليس الغريب أن يشتغل الزنادقة والملحدون والرافضة بهذا، وإنما الغريب أن تروج هذا الأحاديث على المسلمين، ويتناقلوها فيما بينهم!
حتى إن كثيراً من الأحاديث التي تشتهر عند العامة ويتناقلونها، هي من الأحاديث الضعيفة، أو الموضوعة في غالب الأحيان.
وممن ألف في ذلك مثلاً: الإمام ابن عراق في كتاب تنـزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ومنهم الإمام ابن الجوزي في كتاب الموضوعات وفي كتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، ومنهم الإمام الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، ومنهم الإمام ابن تيمية، وابن القيم، والسيوطي، وغيرهم من أهل العلم.
وممن جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة من المعاصرين، الشيخ الألباني حيث ألف كتاب سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأخرج منه مجلدين، وكذلك جمع الأحاديث الضعيفة والموضوعة، في الجامع الصغير وزيادته في كتاب مطبوع في ثلاثة مجلدات، سماه ضعيف الجامع الصغير وزيادته وأدخل فيه الضعيف والموضوع.
أقول: عني العلماء منذ القديم ببيان الأحاديث الموضوعة والتحذير منها، ولكن تجدر الإشارة في هذه العُجالة؛ إلى أن جمع الأحاديث الموضوعة وحصرها أمر متعسر أو متعذر؛ وذلك لأن الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينتهي، فكما كذب المتقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكذب عليه الملحدون في هذا العصر وفي العصور القادمة.
ومثل: قاعدة أن ما خالف الأصول المستقرة في الدين فهو غير صحيح. وذلك كحديث: {أن من كان اسمه أحمد، أو محمد، فإنه لا يدخل النار} لأن من المعلوم ضرورة من دين الإسلام؛ أن الإنسان يدخل الجنة أو يدخل النار بعمله، كما قال تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى [النجم:40-41].
وكذلك قاعدة: أن الأحاديث التي تخالف الحس الثابت فهي غير صحيحة، مثل: بعض الأحاديث التي تذكر فضائل ألوان من الطعام؛ كالباذنجان مثلاً، أو الأرز، أو الهريسة أو غيرها، وتنسب لها من الفوائد ما يقطع الأطباء وغيرهم بأنه كذب؛ كحديث: { الباذنجان لما أُكل له}.
كذلك قاعدة: أن ما خالف التاريخ فهو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كالأحاديث الواردة أن دولة بني العباس تبقى إلى آخر الدهر، فقد ثبت تاريخياً أن هذه الدولة سقطت وانتهت. ومثله: الأحاديث التي وردت في ذكر تواريخ معينة تقع فيها حوادث معينة، مثل: أنه في سنة كذا وكذا يحدث كذا وكذا يحدث رجَّة، أو صيحة، أو ما أشبه ذلك. فهذه كلها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك حصر الإمام ابن القيم رحمه الله، بعض الأبواب والفصول من العلم، التي لا يصح فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه ميزة لهذا الكتاب لا تكاد توجد في غيره؛ أعني بها ذكر الضوابط العامة التي يُعرف بها الحديث الموضوع، وكذلك ذكر جُمل من العلم لم يصح فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث.
ومن الغريب أنك تجد أحياناً إنساناً طيباً صالحاً محتسباً يقف في الطائرة مثلاً، أو في مكتبة من المكتبات، أو في مدرسة، فيقوم بتوزيع ورقة كتب فيها حديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا وكذا. وهذا الحديث طويل فيه وعد أو وعيد، أو تحذير من بعض المعاصي والذنوب والآثام، وتجد هذا الإنسان مجتهداً في نشر هذا الحديث، فإذا انتهت هذه الأوراق سارع في تصويرها وتوزيعها.
وكثيراً ما تسمع أنه في بعض مدارس البنات، وفي أوساط النساء توزع هذه الأحاديث، فإذا نظرت في هذه الأحاديث؛ وجدتها في الغالب أحاديث موضوعة، فينشط أهل العلم من الخطباء والعلماء في التحذير منها، فيتركها الناس فترة من الزمن، وما هي إلا أيام وليالٍ حتى يعاود الناس نشر هذه الأحاديث وتوزيعها.
وهذا أمرٌ غريب، يجعل الإنسان يظن أنه قد يكون وراء نشر هذه الأحاديث في بعض الأحيان؛ أناس يتقصدون ترويجها أو إشاعتها، فضلاً عن الجهال الذين يوزعون كل ما وقع في أيديهم.
وهذا الحديث، يقطع كل عاقل بأنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذه المجازفة في هذه الأشياء لا تتوقع، ولا تنتظر في الإسلام.
وكيف يكون غفران الذنوب لهذا الإنسان هو أدنى أمر يعطيه الله لقارئ هذه الآيات.
ثم إننا نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر في فضائل آيات أخرى؛ كسورة الإخلاص: أنها تعدل ثلث القرآن، وهذا ثابت في أحاديث كثيرة، ومع ذلك لم يذكر لها هذه الفضائل الواردة في هذا الحديث.
وهذا الحديث أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، وقد ذكر ابن حبان: أنه من الأحاديث الموضوعة، وكذلك ذكر هذا الإمام ابن الجوزي.
وهذا الحديث حكم عليه ابن تيمية وغيره من أهل العلم؛ بأنه كذب مختلق، افتراه القبوريون على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والغريب أنه في هذه البلاد التي حماها الله عز وجل من القبور وتعظيمها، والطواف بها، والاعتقاد بأهلها؛ نُشر مثل هذا الحديث في هذه الورقة مع تعديل بسيط وهو: {إذا ضاقت عليكم الأمور فعليكم بزيارة القبور} ونُشر أو كُتب إلى جواره قوله، أو افتراؤه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يحبون الدنيا وينسون الآخرة، ويحبون المال وينسون الحساب…} إلى آخر هذه الموضوعة: {وأنه من لم يصل الصبح فليس في وجهه نور، ومن لم يصل الظهر فليس في رزقه بركة… إلى آخر ما قال.
ومبالغة في توثيق هذا الحديث، كتب في هذه الورقة أن الحديث منقول عن بحار الأنوار، وهو كتاب من كتب الرافضة للمجلسي، يقع في نحو مائة وعشرة مجلدات، كلها كذب وافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكما ذكرت؛ يُستغرب أن ينتشر مثل هذا الحديث المنسوب إلى مثل هذا الكتاب الرافضي، بين أهل السنة والجماعة، وأن ينشروه ويتداولوه.
وأنتم جميعاً تتذكرون الحديث الذي انتشر عند الناس في عقوبة تارك صلاة الجماعة، وأنه يبتلي بـأربع عشرة خصلة، وهذا الحديث مكذوب موضوع، ذكر ذلك الذهبي في ميزان الاعتدال، وابن حجر في لسان الميزان وغيرهم.
وكثير من الناس يتساهلون -كما رأيت- في نشر مثل هذه الأحاديث، ويقولون إن فيها ردعاً للناس عن هذه المعاصي. فيا سبحان الله!
أولاً: إن فيما صح من السنة، وفي تحذير القرآن الكريم من الخصال المذمومة غُنية وكفاية، فما بالنا ننشر الأحاديث الموضوعة من أجل التحذير من ذلك.
ثم إن في نشر مثل ذلك إثم أعظم -في كثير من الأحيان- من إثم هذه الخصلة المُحذر منها، فإن في نشر هذه الموضوعات إثماً عظيماً بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترويج الكذب، والجرأة عليه صلى الله عليه وسلم، وإدخال شيء في الدين ليس منه.
ثم إن فيه تعويداً للناس ألا يرعووا عن هذه الأشياء؛ إلا بذكر هذا الوعيد الشديد.
وفيها -في كثير من الأحيان- تشجيع للمنحرفين والفُساق والزنادقة والكفرة، على الحط من قدر الدين؛ لأن هذه الأحاديث الموضوعة في غالب الأحيان -فيها وقاحة وقلة أدب وشناعة وبشاعة، تشمئز منها النفوس، وترفضها الفطرة السليمة، ويأباها العقل، فنشرها هو تشجيع للزنادقة والكفار؛ أن يحطوا من قدر الإسلام، وقدر الرسول صلى الله عليه وسلم.
وما انتشر بين الناس حديث ضعيف أو موضوع؛ إلا وجهلوا قدره من الأحاديث الصحيحة، كما قيل: ما انتشرت بين الناس بدعة إلا ورُفع مثلها من السُنة.
فالناس إذا انتشرت بينهم الأحاديث الموضوعة؛ جهلوا كثيراً من الأحاديث الصحيحة أو الحسنة بل إذا سمعوا حديثاً صحيحاً فيه نهي عن ذلك دون أن يكون فيه وعيد شديد؛ فإن نفوسهم لا تتحرك لمثل ذلك، إضافة إلى ما في هذا من الآثار السيئة الكثيرة.
أولاً: أن نتثبت في الأحاديث التي ننسبها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا سمعنا حديثاً منسوباً إليه عليه الصلاة والسلام تأباه عقولنا وفطرنا، وتشمئز منه نفوسنا، فعلينا أن نسأل عنه، أو نرجع إلى الكتب التي عنيت ببيان الأحاديث، حتى نعرف صحته من ضعفه.
ولست أدعو الإخوة إلى معرفة الأحاديث الموضوعة؛ فإن معرفتها أمر متعسر، أو متعذر كما ذكرت.
ولذلك إذا لم يعرف العلماء حديثاً فليس بحديث؛ لأن الوضع لا يتناهى، وقد يضع الكذابون في هذا العصر، أو في عصور قادمة أحاديث على الرسول عليه الصلاة والسلام.
لكن عليك أن تشتغل بالحديث الحسن والصحيح، ففيه غنية عن الحديث الضعيف والموضوع، وإذا سمعت حديثاً تشمئز منه أو تشك فيه؛ فعليك أن تتثبت منه، وتسأل عنه أهل العلم، وخاصة هذه الأحاديث التي يشتغل الناس بطباعتها وتصويرها وترويجها بين الناس.
علينا أن لا نشارك في إشاعتها إلا بعد التثبت منها، فإذا علمنا أنها أحاديث ضعيفة؛ فلنحذر منها، ولنكتب في أسفل كل ورقة منها: أن هذا الحديث مكذوب موضوع، قال فيه فلان كذا، وقال فيه فلان كذا، حتى نساهم في تحذير الناس منه.
ثم إن علينا أن نشتغل بالسنة الصحيحة، وخاصة صحيح البخاري ومسلم، والسنن الأربع، فإن الإنسان بحاجة إلى أن يعرف الحديث الصحيح، ليكون نبراساً له في هذه الحياة.
أسأل الله أن يرزقني وإياكم العلم بالسنة، وأن يوفقني وإياكم لاتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا ممن عمل بسنته، ونصح لأمته، وشرب من حوضه.
وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الجواب: المقصود بالحديث الصحيح، هو: ما ثبت نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو إلى غيره ممن نُسب إليه، بنقل العدل الضابط إلى منتهاه، بسندٍ متصل، مع سلامته من الشذوذ ومن العلة القادحة.
وأما الحسن: فهو ما ثبت أيضاً إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، أو إلى من ينتهي إليه بنقل عدل خفيف الضبط غير تام الضبط، مع السلامة أيضاً من الشذوذ ومن العلة القادحة.
وأما الضعيف: فهو ما ليس بحسن ولا صحيح؛ أي ما لم توجد فيه شروط الحديث الصحيح، ولا شروط الحسن.
وأما المرسل: فبعض علماء الحديث يطلقونه على المنقطع، سواء كان الانقطاع في آخر السند من جهة الرسول عليه الصلاة والسلام، أم في أثناء السند.
ولكن المشهور عند المتأخرين -خاصة- أن المرسل: هو ما رفعه التابعي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، كأن يقول الحسن البصري، أو سعيد بن المسيب أو غيرهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يسمى "مرسل" وهو نوع من أنواع المنقطع.
وأما المرفوع: فهو ما انتهى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول الصحابي مثلاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا مرفوع.
أما الموقوف: فهو ما انتهى إلى الصحابي من قوله، مثل: قال أبو بكر، أو قال عمر، أو نحو ذلك.
وأما المقطوع: فهو ما انتهى إلى التابعي من قوله هو أيضاً، مثل قال وهب بن منبه، قال الحسن البصري، قال عمرو بن ميمون الأودي، إلى آخره فهذا يُسمى مقطوعاً.
الجواب: في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، لم يوجد الوضع في الحديث النبوي، أو على رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصورة ظاهرة معروفة أو مشهورة.
وإن كان لا يمنع أن يوجد من المنافقين من يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفتري عليه، واستمر الأمر على ذلك زمناً طويلاً حتى بدأت الفتن بين المسلمين، ووجد ما يسمى بالفرق الإسلامية من خوارج، ثم رافضة، ثم معتزلة، فحينئذٍ بدأ الوضع في الحديث النبوي، في أواخر عهود الصحابة رضي الله عنهم حتى إن ابن عباس رضي الله عنه، كان عنده رجل من التابعين، يقال له: بشير بن كعب العدوي، فكان يقول لـابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فلا يلتفت إليه ابن عباس.
فقال بشير: أيا ابن عباس مالي أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تلتفت إليَّ. قال ابن عباس: [[إنا كنا إذا سمعنا رجلاً يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا -يعني: ارتفعت إليه أبصارهم ينظرون إليه، شوقاً ولهفاً لمعرفة ما يقول. قال- فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف]].
وكذلك قال محمد بن سيرين: [[لما وقعت الفتنة، قالوا هاتوا لنا رجالكم، حتى نعرف أهل السنة فنأخذ عنهم، ونعرف أهل البدعة فلا نأخذ عنهم]].
فبداية الوضع في أواخر عهود الخلفاء الراشدين، حيث بدأت الفرق الإسلامية، من الخوارج، والرافضة وغيرهم، وإن كان الخوارج لا يُعرف عنهم كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يحرمون الكذب، بل ويعتبرونه كفراً.
وأكثر الفرق ولوغاً في هذه الجريمة، هم الرافضة الذين كانوا -كما يقول أحد شيوخهم-: إذا استحسنوا كلاماً جعلوه حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الكتب التي أُلفت في الأحاديث الموضوعة، فأظن أنني أشرت إليها سابقاً.
الجواب: إذا كان السؤال كما ذكر السائل، لا يبعدون عن المسجد إلا مسافة خمس دقائق أو عشر دقائق؛ فالمسافة هذه تعتبر قريبة، فإذا كانت الحال كما ذكر، فلا يجوز أن يصلوا إلا في المسجد فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ [النور:36].
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: {من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر}.
وقال علي رضي الله عنه: [[لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد]] وجار المسجد هو: من سمع النداء.
وإذا كان في لغة العرب والعادة أن الجار يعتبر إلى أربعين بيتاً من كل جانب، فإذا كان هكذا فلا يجوز لهم أن يصلوا إلا في المسجد، إلا في حالة ضرورة، أو في حالة تسوغ لهم أن لا يذهبوا إلى المسجد.
أما إذا انتفت الموانع، وزالت المحاذير، فلا يجوز لكل مسلم إلا أن يصلي في المسجد، وخصوصاً إذا لم يكن عليه في ذلك مشقة شديدة، ولا هناك خوف، فيجب أن يصلي في المسجد.
فخمس دقائق كما ذكر السائل، هذه مسافة قريبة جداً، والصلاة في المسجد مشروعة لحكم إلهية، وقد ذكر بعض العلماء ست عشرة حكمة، كلها شرعت من أجلها صلاة الجماعة.
الجواب: الحديث الصحيح بلفظ: {ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة}.
لكن لفظ: {ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة} هذا ليس بصحيح.
فالرسول في وقت التحديث لم يوجد قبره بعد، فبعض الأحاديث منسوبة ومكتوبة {ما بين منبري وقبري روضة من رياض الجنة} فهذا ليس بصحيح والصحيح هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {ما بين منبري وبيتي روضة من رياض الجنة}.
والروضة الآن جُعل عليها علامات؛ الأعمدة البيض الموجودة في مقدم مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومجعول في أسفل كل عمود ما يقارب مترين، أو مترين ونصف أبيض، هذا هو تحديد الروضة من جميع جهاتها الأربع.
الجواب: يجوز للمسلم، عملاً بقوله تعالى فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم} وقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].
فإذا استطاع المريض أن يتجه إلى القبلة وجب عليه، وإذا لم يستطع وكان السرير لغير الجهة، فيحاول إذا أمكن أنه على جنبه الأيمن أو على الأيسر استقبل القبلة وجب، وإذا ما أمكن فإنه يصلي إلى أي جهة، وتعتبر صلاته -والحمد لله- صحيحة.
الجواب: الحديث لا يصح، حديث: {من تعلم لغة قومٍ أمن مكرهم} لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك فإن في معناه نظر؛ لأن أمن مكر القوم ليس فقط بتعلم لغتهم، فكم من قوم يمكرون بشخص وهم من جنسه ومن بني جلدته، ويتكلمون بلسانه، ومع ذلك يمكرون به ويخادعونه، فوسائل المخادعة كثيرة حتى للأقوام الذين بعضهم من بعض، بل إن مكر القوم الذين هم منك وفيك -في معظم الأحيان- أبلغ من مكر الأباعد.
اللهم إلا أني أقول: إنه لو كان بينهم، لربما تكلموا بكلام يقصدون فيه الإساءة إليه بلغتهم وهو لا يفهمه، لكن هذا فيه بُعد. فالحديث ليس بصحيح من حيث الإسناد ولا من حيث المعنى.
ولا شك أن الحديث باطل وموضوع، ويتنافى مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: {من تشبه بقوم فهو منهم}.
وعمر رضي الله عنه يقول: [[لا تعلموا رطانة الأعاجم]].
ثم -أيضاً- الواقع عكسه، نقول: من تعلم لغة قوم سافر إليهم، من تعلم لغة قومٍ في الغالب ذهب إليهم.
فهذا يكون من الدواعي للسفر إلى أمريكا وأوروبا، إذا كان الإنسان يعرف اللغة يقول: أنا أعبر عن نفسي، وأعرف اللغة، وأمشي مع الناس.
فالأمر بالعكس، ويسوغ أن يقول قائل: من تعلم لغة قومٍ ذهب إليهم أو سافر إليهم.
فالحديث موضوع ولا أصل له، ولا خطام له ولا زمام.
ولم يتعلم أحد من صحابة الرسول اللغة الأجنبية، ما تعلمها إلا زيد لحاجة الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: مما لاشك فيه أن الخشوع في الصلاة مطلوب، فينبغي للمسلم والمسلمة إذا دخل في الصلاة أن يُشغل نفسه بذكر الله، وبتلاوة كتابه، وبتعظيم الله، ويحرص كل الحرص على أنه لا يعبث.
ومن الحكم التي من أجلها يمسك المصلي يده الشمال بيده اليمين: من أجل قلة الحركة، ومن أجل أنه يكون أخشع، وأكثر ذلاً واستكانة بين يدي الله تعالى.
فالعبث في الصلاة لا يجوز، ولكن تحديده بثلاث حركات يبطل الصلاة -كما قاله البعض- نقول هذا لا دليل عليه، لا دليل على قول من قال: إن ثلاث حركات تبطل الصلاة، إنما الذي يُبطل الصلاة الحركة بثلاثة شروط:-
إذا كانت الحركة من غير جنس الصلاة، وكانت الحركة كثيرة، وكانت الحركة لغير حاجة؛ فحينئذٍ الحركة تبطل الصلاة.
وp=1000335>حذيفة
رضي الله عنه رأى رجلاً يخفف الصلاة، ويعبث في صلاته، فعابه وأخبره بأنه ما صلى منذ صلى.وأحد الصحابة رأى إنساناً يعبث، فقال: [[لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه]]. فينبغي للمسلم والمسلمة أن يحرص كل الحرص ألا يعبث في الصلاة.
وكثير من المصلين يعبث مثلاً: في غترته، وفي ساعته، ويمسس ملابسه، ويلمس أنفه، ويمسس لحيته.
وهذا كله لا داعي له ولا حاجة، والعبث إذا كان ليس له داع ولا ضرورة ولا حاجة، فلا يجوز.
أما إذا كانت الحركة لحاجة، كما كان الرسول يلتفت إلى الشاب، وكما كان الرسول -أيضاً- خلع نعليه وهو يصلي، وكما كان الرسول يحمل أمامة بنت بنته إذا قام، وإذا سجد وضعها.
فهذه حركة لحاجة، وإذا كان ذلك لحاجة فإنه جائز والحالة هذه.
ومن المعلوم أن كثيراً من الناس في كثير من الأمصار، يعيبون على أهل نجد لكثرة الحركة، وهذا صحيح، الحركة موجودة عند أهل نجد أكثر مما هي موجودة عند الآخرين، وهذا شيء مُشاهد.
فينبغي لنا جميعاً أن نحرص كل الحرص أن لا نعبث في الصلاة، إلا لضرورة ماسة وحاجة لا بد منها.
وكما قلت، أظن قاله بعض العلماء، أو هو عند الشافعية، أو وجه عند الشافعية: أن ثلاث حركات تبطل الصلاة، وهذا لا دليل عليه.
لكن الحركة تبطل الصلاة بثلاثة شروط:
إذا كانت الحركة كثيرة، وكانت من غير جنس الصلاة، وكانت متوالية؛ فإذا توفرت هذه الشروط فإن الصلاة تبطل والحالة هذه.
الجواب: الحديثان صحيحان، الأول: حديث قدسي: {يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار} وفي لفظ: {لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر}.
والحديث الثاني: يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: {الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه أو عالماً أو متعلماً}.
وليس بين الحديثين تعارض، فأما النهي عن سب الدهر؛ فالمقصود: نهي الإنسان عن سب الأيام والليالي، والأزمان، كما يقع فيه كثير من الناس إذا نـزلت به نازلة، نسبها إلى الدهر والأيام والليالي.
وقد امتلأت دواوين الشعراء والأدباء وغيرهم؛ بسب الأيام والليالي وغير ذلك، مع أن الواقع أن هذه الأشياء مخلوقة مربوبة، وأن التصرف والتدبير بيد الله، ولذلك عقب بقوله سبحانه، { وأنا الدهر} وفي اللفظ الآخر: { فإن الله هو الدهر } أي: هو الذي يدبر هذا الدهر ويصرفه بيده الأمر يقلب الليل والنهار.
فالذي يسب الدهر هو في الواقع يسب الله عز وجل، وفي مآل الأمر؛ لأن الدهر مخلوق مسير.
وأما الحديث الآخر، ففيه إشارة إلى أن ما في الدنيا من الأموال، والزخارف، والزينة، والبهارج، لا قيمة لها ولا نفع بها؛ إلا أن تكون في طاعة الله عز وجل.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: {الدنيا معلونة ملعون ما فيها} فليس المقصود لعن الأيام والليالي، ولا لعن الدهر، وإنما المقصود: لعن هذه الأشياء التي يتعلق بها الناس، وتلهيهم عن ذكر الله وعن الصلاة، ولذلك استثنى بقوله: {إلا ذكر الله وما والاه، أو عالماً أو متعلماً}.
فالناس الذين انصرفوا عن الذكر والعلم والشرع، هم بلا شك معرضون للعنة، ولذلك ورد لعن شارب الخمر، ولعن المرابي، ولعن أصحاب كثير من المعاصي. وهاهنا قال: {إلا ذكر الله وما والاه، أو عالماً أو متعلماً}.
وكذلك الإنسان الذي يشتغل، أو الأعمال التي تشغل الإنسان عن طاعة الله، من الأمور المحرمة، أو الأمور المباحة في الأصل، هي أشغلت عن الإسلام، وأدت إلى أمر محرم أو إلى تقصير؛ فإنها تعرض الإنسان للعنة حينئذٍ وبذلك يعلم الإنسان أنه ليس بين الحديثين تعارض.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر