إسلام ويب

ثمرات الأوراقللشيخ : سلمان العودة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يتجمع لدى الشيخ سلمان بين الفينة والأخرى مجموعة من الرسائل التي تحتوي مشاركات واقتراحات وأسئلة وأخبار، وقد يجد منها ما يستحق الذكر أو الإجابة عنها أو عرضها، فكانت هذه المحاضرة التي عنونها بثمرات الأوراق. وتكلم فيها عن مواضيع شتى منها ما كان حول العالم الإسلامي كأفغانستان والسودان، والبوسنة، وبعضها عن قضايا اجتماعية كالانحرافات في الصحافة المحلية، وتغيير مناهج التعليم في بلاد المسلمين، وبعضها إجابة على أسئلة أو عرض مقترحات، وغيرها.

    1.   

    الأوراق ا لمتفرقة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    (ثمرات الأوراق) هو عنوان هذه الجلسة المباركة المنعقدة في ليلة الإثنين (2/ذي القعدة/ من سنة 1412هـ), وهي الحلقة الثامنة والخمسون في سلسلة الدروس العلمية العامة في الجامع الكبير بـبريدة.

    ولهذا الموضوع علاقة واضحة بالدرس الذي ألقيته من قبل بعنوان: "من هنا وهناك" والذي كان مجموعة من الموضوعات والمسائل المتفرقة، التي تحدث نوعاً من التواصل بين المتحدث والسامعين.

    لقد كان لذلك الموضوع المعنون بـ"من هنا وهناك" أثر كبير في نفوس عدد من المستمعين، واصلوني به من خلال اتصالاتهم أو رسائلهم أو مهاتفاتهم أو غير ذلك؛ لذلك كان ذلك الإلحاح على أن يتكرر مثل هذا الدرس بين الفينة والأخرى, فكلما تجمع لدينا مجموعة من الموضوعات والأوراق والمسائل المتنوعة المختلفة التي لا تنضبط تحت موضوع معين خصص لها مجلس تعرض فيه, ومثل هذا المجلس يعد معبراً تمر عليه بعض مشاركات الإخوة ممن يرغبون أن يوصلوا إلى إخوانهم المسلمين شيئاًَ من الخير، وقد لا يتسنى لهم ذلك بمفردهم، فيعتبرون هذا الدرس معبراً وجسراً إلى ما يريدون أن يقولوا لإخوانهم المسلمين.

    ولهذا فإنني أعلن -مرة أخرى- الترحيب الدائم بكل ما يصل إليّ من الإخوة الغيورين على دينهم, الناصحين لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, ولا يحقرن أحدكم شيئاًَ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيح: {لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق} وفي الحديث الآخر الصحيح: {لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة} وفي حديث ثالث: {ولو بظلف محرق}.

    وقد أرسل إليّ مجموعة من الشباب قبل أيام ورقة يخاطبون بها بعض قادة الجهاد الأفغاني, ويطالبونهم بأن يكونوا على مستوى ظن المسلمين بهم, وأن يجمعوا كلمتهم ويتحدوا ويتفقوا, وأن يحذروا من مؤامرات الأعداء, وأقول لكم: ربما كان هؤلاء الطلاب في المرحلة المتوسطة, فلما طلبوا مني أن أسعى في إيصالها إلى المجاهدين, قلت في نفسي: فلماذا لا أرسلها؟!

    ربما يكون فيها خير كثير, ولا ينبغي للإنسان أن يزدري من الخير شيئاً فإنه لا يدري أين تكون البركة.

    أما عنوان هذا الدرس: (ثمرات الأوراق) فهو إشارة إلى أن جل محتويات هذه الجلسة هي من أرواق شتى وصلت إليّ وهي كثيرة وانتخبت منها قليلاً مما أعتقد أن في تقديمه لكم في هذه الليلة بعض الفائدة.

    أما عناوين هذه الجلسة فهي عشرة:

    1- الجديد في أفغانستان.

    2- في موكب الشعر.

    3- من يشرب دم المسلم.

    4- السودان أبيض أم أسود.

    5- صحافتنا إلى أين؟!

    6- تغيير مناهج التعليم.

    7- الكيد الضعيف والمكر الكبار.

    8- رسائل.

    9- أسئلة وتساؤلات.

    10- أين الغيورون؟!

    1.   

    الجديد في أفغانستان

    سمعتم قبل أسبوعين درساً كان بعنوان "الله أكبر سقطت كابل" ولم تكن سقطت تماماً يومها، ولكن الله تعالى أذن بسقوطها فعلاً, فالحمد لله تعالى على ذلك حمداً كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا ويرضى, فقد عودنا كل خير, وإن لم نكن لذلك أهل فإنه هو سبحانه لذلك أهل، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

    وإنه مما يفرحني ولا أجد غضاضة أو حرجاً أن أقوله لكم: أنني كنت البارحة في مجلس سماحة الوالد الكبير الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله تعالى وأمد في عمره على طاعته, وبحضرة جماعة من مشايخنا الكبار من أعضاء هيئة كبار العلماء, فسرني أن يخبرني سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز أنه قد استمع إلى ذلك الدرس: (الله أكبر سقطت كابل) في ثلاث ليال متواصلات, ودعا لي جزاه الله خيراً، ولخص مضمون ذلك الدرس للمشايخ الحاضرين, وأثنى عليه خيراً.

    وهذا إذ أقوله فإنني لا أجد في ذلك إلا دلالة على عظمة هذا الرجل الذي أعطاه الله تعالى ما أعطاه, فعلى رغم كثرة مشاغله، وكبر سنه، وسعة علمه، فإنه لا يرى بأساً أن يستمع كما استمع من قبل إلى عدد من أشرطة بعض تلاميذه الصغار، وربما وجد فرصة للثناء لما في الثناء من التشجيع والحث, فجزاه الله تعالى عني وعنكم وعن المسلمين خيراً.

    أما فيما يتعلق بجديد أفغانستان على ساحتها، فمن الناحية العسكرية كما هو معروف أن أفغانستان كلها قد أصبحت في أيدي المجاهدين عملياً, ولم تبق أية قلعة تمتنع منهم مطلقاً, لكن هناك القضية الثانية وهي: أنه لا يزال ثمة تبادل في إطلاق النار في بعض المواقع، وربما يحيط بهذا التبادل شيء من الغموض.

    خطورة المليشيات

    الواقع -والله تعالى أعلم- أن أبرز قضية في موضوع إطلاق النار هي قضية المليشيات التي كانت عمدة للحكومة الشيوعية السابقة في مقاومة المجاهدين وترسيخ دعائم الدولة الشيوعية, فلما تهاوت أركان الدولة الشيوعية، وكان هؤلاء المليشيات غالبهم من المرتزقة, الذين لا يدافعون عن مبدأ أو عقيدة، وإنما يبحثون عن الرزق، وقد يكون من بينهم من تكون لهم أوضاع غير محمودة. وفي جريدة الحياة تحليل قوي جداً عن هذه المليشيات، وأعدادها وأوضاعها ودوافعها، وتاريخها وغير ذلك.

    فهذه المليشيات لما رأت تهاوي النظام السابق حاولت أن تسبق الأحداث؛ وبالتالي عملت نوعاً من التحالف مع بعض قادة المجاهدين, وخصوصاً مع أحمد شاه مسعود قائد الشمال التابع للجمعية الإسلامية, وانضمت المليشيات بقادتها من أمثال عبد الرشيد دوستم وغيره إلى طرف من أطراف المجاهدين, ومن المعلوم أن انضمامها إلى المجاهدين بكاملها لا يعني أنها تحولت إلى جيش إسلامي -كما تعبر بعض الصحف أحياناً- أو إلى جنود مدافعين عن دين الله تعالى, فهي انضمت بقائدها ومقودها وبأوضاعها السابقة, والانضمام بذاته ليس أمراً مشكلاً، بل هو قد يكفي المسلمين شر القتال لهم والمقاومة, ولكن الخطوة التي يجب أن تتبع ذلك هي أن يكون هناك أولاً دعوة إسلامية قوية في أوساط هذه المليشيات حتى تستقيم وتصلح على أمر الله, هذا أولاً.

    وثانياً: أنه يجب عدم الاعتماد عليها في حماية النظام الإسلامي الذي يجب أن يقوم في أفغانستان, ثم يجب التنبه إلى أن هذه المليشيات إذا وجدت في بلد بعينه كأن توجد في عاصمة كـكابل -مثلاً- فإنها قد تشكل خطراً اليوم أو غداً على هذه الحكومة الفتية.

    وفعلاً وجد شيء من المصادمة بين المليشيات والحزب الإسلامي بقيادة المهندس حكمتيار الذي أبى أن يدخل كابل إلا أن تسلم للمجاهدين أو يدخلها دخول الفاتحين, فصارت مناوشات بينه وبين تلك المليشيات وتكلمت الصحف الغربية والعربية عن هذا على أنه قتال بين المجاهدين, وبعد تدخل اتفق على وقف إطلاق النار, وقعه الحزب الإسلامي والجمعية الإسلامية، ووصلت إلي أوراق هذا الاتفاق، وصار هناك هدوء ولا يزال هناك هدوء إلى اليوم.

    ولكن الأمر الغريب أن عدداً من قادة المليشيات رفضوا وقف إطلاق النار, وقالوا: لا بد من القضاء على جنود الحزب الإسلامي، وربما توافق هذا الميول مع ميول الرئيس الحالي المؤقت "مجددي" الذي لم يجد حرجاً أن يقول في مقابلة معه في محطة (cnn) الأمريكية: إن حكمتيار خصم لنا، وإنه يتحالف مع عدونا الشيوعي، وإنه يخالفنا ليس في الرأي فحسب؛ بل فيما هو أبعد من ذلك, بل يطالب بتجريد الحزب الإسلامي من السلاح، وإذا وجدوا أفراداً من الحزب الإسلامي في وزارة من الوزارات وهم قد ألقوا السلاح لا يقاتلون ولا يحاربون، فإنهم يخرجونهم ويقولون: تم طردهم أو إخراجهم, وهذه في الواقع قضية تتطلب حلاً سريعاً؛ لأننا نعلم:

    أولاً: أن الحزب الإسلامي جزء من المجاهدين الذي قضى أكثر من ثلاثة عشر عاماً في القتال، ولعله من أكثر الأحزاب بلاءً إن لم يكن أكثرها فعلاً وقتالاً واستبسالاً, هذا أولاً.

    ثانياً: أننا نجد أن الغرب يكره الحزب الإسلامي وقائده، وهذا نعتبره نحن توثيقاً وتزكية؛ لأن هؤلاء الكافرين لا يحبون إلا من يكونُ أقرب إليهم وأكثر تسامحاً معهم, ولا يبغضون إلا من يكونُ أقوى في الحق وأصدق في حمل الدين وحمل المبدأ.

    وثالثاً: لأن المليشيات هذه كانت شوكة في حلوق المجاهدين على مدى الفترة السابقة.

    ورابعاً: لأن الحزب الإسلامي ينضم إليه عشرات الآلاف من المقاتلين, ويملك أعداداً هائلة من الأسلحة.

    خطورة التفكير في إبعاد الحزب الإسلامي

    التفكير بإبعاد الحزب الإسلامي عن الدولة تفكير خطير, وقد عين رئيس الدولة رئيس الحكومة من الحزب الإسلامي، كما أن التفكير بمحاولة مواجهة الحزب أو نـزع السلاح منه أمر أكبر خطورة، وهو يقتضي فعلاً مشاكل كبيرة بين المجاهدين, ولا يقول هذا إلا إنسان لا يستطيع أن يضع الأمور في مواضعها ويضع الحق في نصابه.

    وأقول: الحزب الإسلامي أعلن وقف إطلاق النار, وقد وصلت إلي أوراق منه, وهناك مؤتمر صحفي عقده رئيس اللجنة السياسية واسمه "خطب الدين هلال" هو معي الآن, وقد قال في ضمن ما قال: ليس هناك خلاف بين المجاهدين، ومتى خرجت قوات المليشيا من كابل فإن السلام سوف يعود كما عاد إلى مدن جلال أباد وقندهار وهرات، وقد تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين القادة ورؤساء المنظمات الجهادية أمس بمساعي الإخوة المخلصين من العرب, ووافق الجانبان على تشكيل لجنة ذات صلاحية للإشراف على عملية وقف إطلاق النار, وتبع ذلك تشكيل مجلس مشترك ثم قال: وبعد مضي ثلاث ساعات من التوقيع على الاتفاقية أعلن أحد الجنرالات -عبر مكالمة مع إذاعة bbc- رفضه للاتفاقية المبرمة, وتلا ذلك تصريح أحمد ولي مسعود أخو أحمد شاه مسعود الذي أيد فيه التصريحات السابقة، ثم قال: أما نحن فقد قبلنا وقف إطلاق النار، وأصدرنا الأوامر إلى مجاهدي الحزب الإسلامي بضرورة التقيد بوقف إطلاق النار وفي حالة خرق الاتفاقية من الجانب المقابل، عليهم أن يردوا العدوان فقط, والحرب الدائرة -الآن- من وجهة نظرنا هي بين المجاهدين من جهة، وبين ميلشيات عبد الرشيد دوستم، ونبي عظيمي، وعبد المؤمن وغيرهم.

    ثم قال: نحن الآن ملتزمون بالعهد، وننفذ وقف إطلاق النار، وقد عينا هيئة معينة من شخصين ونأمل أن يعين الجانب المقابل مثله, ونحن نرى أنه ليس هناك مبرر للحرب.

    الموضوع الثاني -ولا يزال الكلام لرئيس اللجنة السياسية- يقول: الموضوع الثاني الذي وافقت عليه ست منظمات من المنظمات الجهادية في بيشاور هو عبارة عن تشكيل لجان ثلاث هي:

    1- مجلس الشورى القيادي.

    2- الحكومة.

    3- الهيئة الانتقالية المكونة من (51) عضواً.

    ونحن لا نرى ضرورة إلى الأخيرة، وعلى مجلس الشورى والمجلس القيادي أن يباشرا أعمالهما, ولكن لإلحاح الآخرين وافقنا أن نعين خمسة أشخاص لهذه الهيئة, وفي الاتفاقية المبرمة بين المنظمات الجهادية الست, أعطي منصب رئاسة الوزارء إلى الحزب الإسلامي وقد عين الحزب الإسلامي تولي هذا المنصب الأستاذ فريد أمير الجهاد في ولاية بروان, ونأمل بتشكيل حكومته.

    إذاً: ما يتعلق بالأوضاع العسكرية بين المجاهدين بعضهم ببعض، أو بين المجاهدين والأطراف الأخرى، فهذا الأمر -كما ذكرت لكم- ليس ثمة داعٍ الآن إلى مواصلة الاشتباكات بين المليشيات وبين الحزب الإسلامي؛ بل ينبغي أن يكون هناك سعي جاد من المخلصين والراغبين في الصلح إلى إيقاف مثل هذه المعارك, وبالتالي ينبغي أن يكون هناك سعي إلى استصلاح أوضاع المليشيات وإلى تقليص دورها وإبعادها عن العاصمة كابل, وأن تعود إلى المواقع التي خرجت منها, فهذه ضرورات لحفظ هذه الدولة وحفظ أمنها ولا بد منها.

    محاولة الغرب إبعاد المجاهدين عن السلطة

    أما ما يتعلق بالناحية السياسية فلعلكم سمعتم الاتفاقيات التي اتفق عليها جميع المجاهدين بما في ذلك الحزب الإسلامي, وليس ثمة حاجة -الآن- إلى التعليق إلا على أمر واحد, وهو أن الجميع فوجئوا بأن صبغة الله مجددي قد أصبح رئيساً لدولة أفغانستان, والكثيرون الكثيرون أصيبوا بخيبة أمل نتيجة لذلك, وهناك أخبار كثيرة تردد أن هناك ضغوطاً دولية وعالمية وعربية، وضغوط دول الجوار كـإيران وباكستان من أجل تعيين هذا الرجل؛ بل إن هناك أخباراً أن بعض الأحزاب أعطيت نحو مائة وخمسين مليون دولار من أجل الضغط لتعيين صبغة الله مجددي في رئاسة الدولة, وأعتقد جازماً أن المجاهدين لم يقاتلوا ثلاثة عشر عاماً من أجل تعيين مثل هذا الرجل, الذي ليس له بلاء في الجهاد يذكر, وليس هناك ارتياح على أقل تقدير إلى تصوراته ومعتقداته ونظراته.

    والرجل -الآن- بدأ يتصرف بشكل واضح على أنه رئيس للدولة ربما يطول أمده, فقام بمحاولة تعيين بعض السفراء وأعلن عفواً عاماً؛ بل خطب الجمعة، وكان يتحدث عن قضية إمكانية العفو حتى عن كبار المسئولين في الدولة السابقة, وأخشى ما أخشاه ليست قضية أن يظل حاكماً لمدة شهرين فهذا شر، ولكن مهما يكن فإنه يهون بالقياس إلى ما لو تصورنا أن يظل بعد ذلك حاكماً، ويستمر ويتم القضاء على الاتفاقيات الأخرى التي بموجبها يجب أن يتولى برهان الدين رباني -رئيس الجمعية الإسلامية- بعد شهرين رئاسة الدولة.

    بل إنني أذهب إلى أبعد من هذا, فأقول: إن العالم الغربي ودول الجوار لـأفغانستان وغيرها تسعى جاهدة إلى إبعاد جميع الأطراف الجهادية المعروفة عن أن يكون لها تأثير كبير في الحكم؛ لأنهم يعتبرونهم أصوليين ومتشديين, فـبرهان الدين ليس مقبولاً عند الغرب ولا عند حلفائهم, وسياف ليس مقبولاً عندهم جميعاً, وحكمتيار ليس مقبولاً عندهم, ويونس خالص ليس مقبولاً عندهم؛ ولذلك يجب أن يكون هناك جهود كبيرة لجمع هؤلاء المجاهدين وتوحيد كلمتهم ليكون لهم ثقل في الحكومة حاضراً ومستقبلاً.

    فإنني أعتقد أن الخطر الذي يهدد قلب الدين حكمتيار الآن -هو أيضاً- يهدد برهان الدين رباني، وهو خطر يهدد محمد يونس خالص, وهو خطر يهدد عبد رب الرسول سياف, وهو خطر يهدد كل القادة والمجاهدين الذين ثبت لهم خلال المدة الماضية قدر كبير من الجهاد والبلاء.

    فينبغي أن يكون هناك جهود تبذل لجمع كلمة هؤلاء الأربعة، ومن كان على مثل ما هم عليه لمحاولة أن يكونوا جبهة واحدة، ويقفوا أمام وجه المؤامرات الدولية التي لن ترضى ببساطة أن يتولى من تسميهم بالأصوليين حكم أفغانستان.

    ولهذا يتساءل الكثير من الناس عن الطريقة التي تم بها تسليم الحكومة, فإن تسليم الحكومة قد تم بصورة نظامية؛ حيث أقيم حفل وجاء عبد الوكيل ومحمد نبي عظيمي وبعض الذين كانوا من الحكومة السابقة, وتكلموا ثم قالوا: الآن نقوم بتسليم الحكومة إلى مجددي، فكان هناك احتفال لنقل السلطة, وكأن المسألة مسألة نقل وليست مسألة نصر للمجاهدين, وكذلك المسلمون يتعجبون كثيراً من هذا الاعتراف المتسارع بدولة أفغانستان, من قبل أمريكا وروسيا ودول عربية وغير عربية لم يكونوا مخلصين للمجاهدين ولا حريصين على انتصارهم.

    فلذلك أقول: يجب أن تبذل المزيد من الجهود.

    وهناك سؤال يفرض نفسه: هل أفلح المسلمون في إيصال مشاعرهم إلى المجاهدين الأفغان؟!

    وهذا سؤال كبير!

    إن الغرب استطاع أن يوصل كل ما في ذهنه وما يريد إلى المجاهدين الأفغان من خلال وسائل الإعلام التي تخدمه, فأصبح الغرب -مثلاً- إذا أراد أن يبرز شخصاً ركز الأضواء عليه، وإذا أراد أن يقضي على شخص فإنه يتحدث عنه, على أنه أصولي ومتطرف ومعاند وخطير، وأنه دموي إلى غير ذلك؛ حتى إني قرأت في مجلة الشرق الأوسط تقريراً عن حكمتيار, يقول: "إنه رجل دموي"، وأنه يقول: لا بد من الدم، وأنه أعد قائمة بستة عشر ألف شخص يريد أن يعدمهم في أفغانستان..!! وكلام من هذا القبيل ليس له زمام ولا خطام.

    فالغرب إذا أحب شخصاً ورأى أنه أصلح له, فإنه يبرزه ويلمعه ويلقي عليه الأضواء, وإذا تخوف من شخص أو شعر أنه لا يخدم مصالحه فإنه يحاول أن يحصره في زاوية ضيقة, وهذا له تأثير كبير على نفسيات المجاهدين -عامتهم وخاصتهم- بلا شك، لكن المسلمين -أعتقد أنهم- لم يفلحوا في إيصال مشاعرهم الحقيقية وتمنياتهم وتطلعاتهم إلى المجاهدين, كم عدد العلماء الذين ذهبوا إلى أفغانستان؟!

    لقد سمعت -وهذا أمر يسر- أن الأستاذ الشيخ محمد قطب -وفقه الله تعالى وبارك فيه- قد ذهب إلى هناك, والتقى بالمجاهدين لقاءً طويلاً, وتحدث معهم حتى قال لي أحد الإخوة وكان حاضراً: إن الرجل تأثر وبكى وأبكى، وكان لوجوده تأثير كبير في نفسيات المجاهدين, ولكن هذا لا يكفي فكان ينبغي أن يحمل كل إنسان قادر على عاتقه عبء إيصال شيء من المشاعر الإسلامية إلى المجاهدين.

    إن المجاهدين يريدون اجتماع الكلمة, وهم لا يريدون أن تتكرر بعض الأخطاء السابقة, إلى غير ذلك من الأشياء التي كان لها ولا بد -لو حصلت- تأثير كبير في أي قرار يمكن أن يتخذه المجاهدون, خاصة وهم -الآن- على مفرق طرق وفي البداية، ودائماً البدايات تؤثر تأثيراً كبيراً.

    إننا ننادي أولاً: قادة الجهاد -خاصة الذين أشرت إليهم- إلى ضرورة اجتماع كلمتهم, وأن يكونوا صفاً ضد المؤامرات الغربية وغيرها، كما ننادي المسلمين وعلماءهم ودعاتهم ومخلصيهم وغيوريهم والقادرين وأصدقاء الجهاد الأفغاني إلى أن يوصلوا صوتهم ورأيهم إلى المجاهدين هناك, ويطالبوا بالوفاء للمبادئ التي جاهد من أجلها المجاهدون, وقتل من أجلها أعداد غفيرة من الناس في سوح الجهاد, وبذل من أجلها ما بذل من المسلمين، ليس من أفغانستان فحسب؛ بل في أنحاء العالم الإسلامي.

    فإن الوفاء لهذا الجهاد من ألزم الواجبات, وأهم الضرورات.

    1.   

    في موكب الشعر

    وذلك أن قضية الجهاد الأفغاني قضية تُعَدُّ نصراً كبيراً ومناسبة ضخمة، فلم يكن غريباً أن يسجلها الشعر -كما قيل ديوان العرب- في عدد كبير من القصائد, وقد وصلت إلي قصائد كثيرة, بعضها للشاعر عبد الرحمن العشماوي, وبعضها لشباب ناشئين؛ بل حتى وصلت إلي قصيدة من الشعر النبطي الشعبي وهي جميلة جداً, وهي تعبر عن مشاعر نظيفة وقوية وسليمة, إضافة إلى عدد من القصائد العربية لمجموعة من الشباب، ووجدت أن الوقت يطول لو أردت أن أقرأها عليكم، فأحببت الاجتزاء بأبيات يسيرة جداً تعبر عن مشاعر هؤلاء الشباب تجاه قضية الجهاد الأفغاني.

    فأحد الإخوة ضمن قصيدة طويلة يخاطب المجاهدين وقادتهم ويقول:

    تجاوزوا الطمع الممقوت وانتصروا      على النفوس فذاك النصر والشرفُ

    وحكموا شرع رب الناس قاطبة      ففي النفوس لحكم عادل لهف

    كونوا على حذر فالغرب أقلقه      هذا التقدم بالإسلام يتصفُ

    إنا نرى الغرب محموماً على قدم     أَحُمَّ من وجل أم سامه أسف

    قد كان يأمل خلفاً في جحافلكم     نـزاعكم هدف وفيكم الهدف

    تلك الحقائق لا تخفى على أحد     فبالذي نصر الإسلام لا تقفوا

    سيروا على هدي خير الناس كلهم     فإن قدوتكم في الأمة السلف

    صونوا عقيدتكم من كل شائبة     كما يصون جديدَ اللؤلؤ الصدف

    وأحد الإخوة -وهو أيضاً- من أصدقاء الجهاد الذين ذهبوا إلى أرض الجهاد أكثر من مرة -يقترح عدم ذكر الأسماء في مناسبات معينة- يقول أحد الشباب:

    مئات من الآلاف قتلى وإنهم      لنحسبهم أحياء والله أعلمُ

    مئات من الآلاف من خير من مضى      وقد صدقوا الرحمن عهداً وسلموا

    مئات من الآلاف من كل دولة      ومن كل صقع والهوية مسلمُ

    أراقوا دماهم زاكيات لربهم      وما قطرة منها لدى الله تعدم

    سقوا أرض أفغان الدِّما      لا ليرتوي بها شجر، أثماره بينهم دم

    ولا شجر أثماره قد تعفنت      أو ارتشفت ماءً من الغرب يعلم

    ولا شجر من حنظل البدعة اغتذى      وكل ابتداع فهو للكفر سلم

    ولا شجر يجني جناه الذي جنى      على قومه والحر باللحظ يفهم

    ولكن سقوها بالدماء ليغرسوا       بها دولة الإسلام لله تسلم

    وهذه قصيدة ثالثة، ولعلها مناسبة للمقام كتبها -أيضاً- أحد الإخوة وعنونها بعنوان: (اجمعوا شملنا) وهي جميلة:

    أنت يا داعي الجهاد كبير     وحياة الدنيا متاع صغير

    ظهرت عندك الحياة غرورا          ومتاع الغرور شيء حقير

    فطن أنت والعدو كثير     حازم أنت والخلاف مبير

    أنت يا شمعة الهداة بصير     أنت يا قدوة الدعاة خطير

    أنت يا أسوة البناة ذكي     افهم الدرس، والدروس كثير

    كم ضربنا يا ويلتا أنسينا؟!      فلماذا بعقلنا لا نسير؟!

    احتكم للكتاب في كل شأن     إنما الحل بالكتاب يصير

    كم ترى فتنة وللعقل فيها      طيرة شد ما العقول تطير!

    فتن يا غريب خلف دواه      بعضها جر بعضها فتسير

    قلّ عقل تراه في كل حال          يزن الأمر وزنه ويدير

    اجمعوا شملنا بحبل متين     أحكم الفتل منه حكم خبير

    أعلى كل فقرة قد عرانا      خلف رأي يدمي القلوب خطير

    الهداة الدعاة إما تراهم     في اتفاق أبشر فنعم المصير

    وإذا الفكر منهم ما تلاقى     فلعمري ذاك الفساد الكبير

    وحصاد الجهاد إن كان     حرباً بين إخواننا فعيش مرير

    استشيروا أرباب علم ورأي     كل خطب عند النقاش يسير

    واقصدوا إخوة الجهاد ليسر     كل شيء يزينه التيسير

    أيها المسلمون..طيروا جميعاً     أصلحوا بينهم على الجو طيروا

    1.   

    من يشرب دم المسلم

    وهذا العنوان يشير إلى كلمة يتبادلها الصرب الذين يقتلون إخواننا قتل الخراف في يوغسلافيا في جمهورية البوسنة والهرسك, فإن الجندي الصربي يحمل السلاح الذي يذبح به المسلم ويقول: أنا أشرب دم المسلم أولاً؛ أو دم التركي أولاً, فمن يشربه ثانياً.

    تصرفات العرب مع المسلمين في البوسنة

    إن إخواننا المسلمين هناك يواجهون حرب إبادة, فعدد الذين قتلوا يزيد على خمسة وعشرين ألفاً, وعدد الذين هجروا من بلادهم حسب آخر التقارير أنه نحو (300) ألف مسلم, أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله, إن هناك مؤامرة لإقامة ما يسمى بدولة صربيا الكبرى, وهم يعتقدون أن وجود المسلمين في البوسنة والهرسك خطر عليهم:-

    أولاً: لأنهم يعتبرون أن كثيراً من هؤلاء يرجعون إلى أصول تركية.

    ثانياً: لأنهم يعلمون أن هؤلاء -وهذا هو الأهم- مسلمون, فهم يعتبرونهم خونة للوطن وللدين.

    فقد كانوا يوماً من الأيام نصارى، ثم فتح الله عليهم في أزمنة الدولة العثمانية وهداهم إلى الإسلام, فآمنوا وأسلموا وكانوا جزءاً من الدولة العثمانية, فيعتبر النصارى أن هؤلاء قد خانوهم وخرجوا من دينهم, وأيضاً وجد من بينهم بعض المهاجرين من تركيا فاعتبروا أنهم يحتوون في ضمنهم على عرق أو دم آخر؛ ولذلك هناك حرب إبادة ضارية وضروس, والآن تدور رحاها في عاصمة البوسنة سراييفو التي يوجد فيها قتل في الشوارع والبيوت وذبح، حتى إنه بالأمس قاموا باعتقال رئيس الدولة -نفسه- من شدة ما وصلوا إليه في إيذاء المسلمين واضطهادهم ومضايقتهم.

    فهناك ذبح للمسلمين، وأخطر ما في الأمر لو اتفق الصرب مع الكروات على ضرب المسلمين, فإن هناك -الآن- حرباً بين الصرب والكروات -أيضاً- وهذه الحرب يستفيد منها المسلمون فتصل إليهم الأسلحة عن طريق الكروات، ولم يتفقوا عليهم، لكن هناك جهوداً لمحاولة الإصلاح بين الصرب والكروات, وكلهم نصارى, ولو تصالحوا لاتفقت أسلحتهم على ضرب المسلمين، واعتبروا أشبه ما يكونون بفكي الرحى التي تحاول أن تطحن فيها القومية الإسلامية في البوسنة والهرسك.

    صدقني -أيها المسلم- أنه في ثاني أيام العيد قام الصرب بحملة ضروس شرسة على المسلمين، وقتلوا منهم مئات, وأراقوا دماءهم, وكانوا يقتلون الآباء أمام أعين أطفالهم, وربما قتلوا النساء, وقتلوا الأطفال دون رحمة ولا هوادة, وهدموا البيوت على من فيها, وحولوا عيد المسلمين -عيد الفطر- إلى مأتم ومناحة ومجزرة بقوة الحديد والنار التي يملكون.

    والآن: إخواننا المسلمون هناك يقولون: نحن لا نطالبكم بأن تدخلوا معنا في المقاومة لهؤلاء, فنحن نعلم أنكم لن تفعلوا هذا؛ بل ولا نطالبكم بتوفير السلاح لنا فقد جربناكم؛ فوجدنا أنكم لا تغضبون لنا غضب المسلم لأخيه المسلم, ووجدنا أن العدو أفلح في تعميق الفواصل بيننا وبينكم؛ فأصبح المسلم يقول: ماذا يعنيني من أمر البوسنة والهرسك؟!!

    إنما نطالبكم بالإغاثات الإنسانية من لقمة العيش التي تسد جوعنا، والثوب الذي يستر عرينا، والحليب الذي يغذي أطفالنا، ونطالبكم بالدعم المعنوي لمحاولة وقف هذه الحرب، والتدخل لدى المنظمات المختلفة في إيقافها!! هذا ما يطالبون به الآن, وهناك جهود وأصوات كثيرة تنادي لمثل ذلك, ولكن أخشى أن يكون الأمر بالنسبة للمسلمين كما قيل:

    لقد أسمعت لو ناديت حياً           ولكن لا حياة لمن تنادي

    ولو ناراً نفخت بها أضاءت     ولكن أنت تنفخ في رمادِ

    والحقيقة أن التقارير التي تصل من تلك البلاد تقارير مؤلمة جداً, وأخطر من التقارير الصور التي يعرضها الإعلام, فإن الإعلام العالمي كله يعرض صوراً في منتهى الغرابة، تجد الرجل الصربي يضع قدمه على خد المسلم ثم يذبحه ذبحاً!! والعالم كله يتفرج!!

    ومن أغرب ما يفعله الصرب -الآن- أنهم حاولوا أن يدمروا مبنى التلفزيون هناك, لماذا؟!

    لأنه هو الذي ينقل الصور التي أفزعت العالم كله, ففي محاولة للحيلولة بين العالم وبين ما يجري في البوسنة والهرسك؛ يحاولون القضاء على أي وسيلة إعلامية يمكن أن تنقل الصورة نقلاً مؤثراً.

    فيا معشر المسلمين!! إيانا أن نكون كما قيل: أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

    إن الجسم الإسلامي -الآن- يقتطع من أطرافه, والذي حل بالمسلم في يوغسلافيا يمكن أن يحل به في أي بلد, فينبغي أن ننصر إخواننا, استنصرونا في الدين فعلينا النصر, ولا يجوز لمسلم يشعر برابطة الإخوة والإيمان بينه وبينهم إلا أن يغيثهم وينصرهم, فهذا مقتضى الولاء للدين ومقتضى الأخوة في الله عز وجل, يقول ربنا تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وقال: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حق المسلم على المسلم: {وإذا استنصرك فانصره} فهم استنصرونا الآن ويريدون منا الإغاثة الإنسانية, ويريدون منا أن نبلغ حاجاتهم إلى آذان إخوانهم المسلمين في كل مكان, ولا يجوز أن يكون حظنا -فقط- هو التوجع لهم والندم على ما أصابهم، كلا؛ بل ينبغي أن يكون هناك مشاركة فعليه, وأقل قدر للمشاركة هو أن نبذل المال لهؤلاء الإخوة الذين يقتلون, قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] والله الذي لا إله إلا هو لو كان البوسنة والهرسك بروتستانت أو كاثوليك أو يهوداً لثار العالم كله من أجلهم, ولكن لأنهم مسلمون لا بواكي لهم!

    تجاهل الأمم المتحدة للأمر

    ولذلك أين تدخل الأمم المتحدة؟! هذا الأمين العام للأمم المتحدة؛ وهو يبحث إمكانية التدخل وإرسال قوات إلى هناك, ماذا يقول؟!!

    هذا تقرير وصل إلي من أحد الإخوة عن هذه النقطة, يقول: بعد أن أعلنت كرواتيا الاستقلال عن يوغسلافيا قاوم الجيش الاتحادي هذا الاستقلال، وقام الجيش الصربي والمليشيات بمهاجمة كرواتيا -كلهم نصارى، الصرب والكروات- وبعد حوالي شهرين من هذه الحرب أصدرت الأمم المتحدة قراراً بإرسال أربعة عشر ألف فرد؛ لإقرار السلام والفصل بين المتحاربين، وكانت التكلفة حوالي ألفي مليون دولار, وبعد ذلك كان الهجوم الوحشي والقتل المريع للبوسنة والهرسك من قبل الجيش الاتحادي، ومن قبل المليشيات الصربية؛ ذلك القتل الذي لا يشبهه إلا مجازر وهمجيات المغول والتتر على البلاد الإسلامية, وبعد ذلك يقول أمين الأمم المتحدة: إن الأمم المتحدة لا تستطيع توسيع نطاق عمليات حفظ السلام إلى جمهورية البوسنة والهرسك!! وقال: إن نشر قوات حفظ السلام هناك ليس أمراً عملياً، ثم قال في إشارة إلى رفع المسئولية عن النصارى وتحميلها المسلمين: ليس هناك طرف في الصراع في البوسنة والهرسك يمكن إلقاء كل اللائمة عليه في هذا الوضع الحالي وتصعيده أي: أن المسلمين يتحملون جزءاً على الأقل من المسئولية, ثم قال: ثم يتعين على كل الأطراف تحمل بعض المسئولية في تفجير الصراع واستمراره، إذاً: هو يدافع عن بني دينه وقومه!!

    ولذلك لا نستغرب -الآن- لماذا يختار أميناً عاماً للأمم المتحدة, والغريب في الأمر أن عدداً من المندوبين الغربيين النصارى لم يعجبهم هذا الكلام, فـفرنسا -مثلاً- أرسلت تقريراً إلى مجلس الأمن تدعوه أن يتخذ خطوات عاجلة لإحلال السلام في تلك الجمهورية إلى حد نشر قوة لحفظ السلام.

    وفي اجتماع بين وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبولندا أعرب الاجتماع عن القلق الشديد بشأن الوضع هناك, ودعا مجلس الأمن للقيام بالتحرك.

    وإذا كان الأمين العام للأمم المتحدة يعتذر بقصور الموارد الإنسانية والمادية، والمالية ولا سيما -كما يقول- في ضوء أعمال العنف الواسعة -الآن- فإن السفير الفرنسي قد رد عليه بأن هذا الكلام غير مقنع، وأن الاعتبارات المالية والأمنية التي أشير إليها كأسباب لعدم إرسال قوة لحفظ السلام التابعة للأمم المتحدة غير كافية.

    ولذلك نعرف -أيها الإخوة- الآن أولاً: ما معنى -أو جزءاً من معنى- قول الله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [المائدة:51] فجميع ألوان النصارى مهما اختلفت أسماؤهم (البروتستانت-الكاثوليك- أرثوذكس.. إلخ) كلهم حلفاء ضد المسلمين، وهم واليهود والشيوعيون حلفاء أيضاً ضد المسلمين إذا وجد أي بادرة لوجود إسلامي.

    ولقد أزعجهم كثيراً -ما يعتبرونه خطراً- الوجود الأصولي في يوغسلافيا؛ وذلك لأن الحزب الحاكم -وهو حزب العمال- هناك يعتبر حزب المسلمين, والحاكم نفسه قضى أكثر من عشر سنوات في السجن في أيام الحكومة الشيوعية.

    وقد حدثنا الثقات أن الرجل مصلٍّ، ومهما يكن من وضع الحكومة الحالية فهي حكومة تنتسب بلا شك إلى حزب يعلن العلمانية -وإن كانوا يعتذرون أنهم مضطرون إلى ذلك, وأنهم لا يستطيعون إلا هذا في ظل هذه الظروف القائمة عندهم- وعلى أي حال مهما يكن وضع الحزب القائم هناك, فإن المسلمين من الشعوب الموجودة هناك تعاني صعوبات كثيرة، والغرب يعتبر أنها خطر أصولي يهدده, ولا بد من القضاء عليه.

    إذاً: هناك محاولة القضاء على العرق الإسلامي، والجنسية الإسلامية هناك قضاءً مبرماً؛ لأنهم يعتبرونه أضخم وجود إسلامي في أوروبا.

    وهذا -أيضاً- يكشف لنا عن قضية ثانية خطيرة، وهي أن النصارى العرب من أخبث نصارى العالم, ولا يقارنون بغيرهم أبداً, فعندهم من الحقد والبغضاء والكراهية للمسلم ما لا يوجد عند النصراني في بلاد الغرب, فينبغي الحذر من النصارى العرب وإبعادهم, وألا نثق بهم، ومع الأسف أقول: كثير من الناس -عندنا هنا- من أرباب الأعمال والشركات والمؤسسات؛ بل ومن المثقفين يعطون النصارى العرب ثقة كبيرة لا يستحقونها.

    والواجب أن نحذر من هؤلاء النصارى، وندرك أنهم وإن كانوا أذكياء ولبقين, إلا أنهم يحملون في قلوبهم من الحقد على المسلمين ما لا يحمله أي نصراني آخر.

    وعلى أي حال فإن قضية الصرب قضية تتطلب لفت النظر, وبدلاً أن أسترسل معكم في الحديث عنه أكتفي بأن ألفت نظركم بأن هناك محاضرة أو ندوة سوف تقام بعنوان: المسلمون في يوغسلافيا تتحدث عن أخبار المسلمين في البوسنة والهرسك, وسوف يلقيها أستاذان من يوغسلافيا أحدهم: زهدي بكر، والآخر الأستاذ: حسيب سنان, وذلك في يوم الإثنين (2/11) في جامع الصالحية بعد صلاة المغرب في عنيزة, ويوجد مكان مخصص للنساء , والدعوة عامة للجميع, وأدعو الإخوة للذهاب إلى هناك وسماع ما يلقيه الإخوة، والاستفسار -أيضاً- عن أي أمر يحتاج إلى استفسار.

    1.   

    السودان أبيض أم أسود؟!

    طبعاً لا يعنينا لون البشرة، فهذا يكفينا فيه قول الرب جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] ويكفينا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطب سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه كما في صحيح البخاري فيقول له: {أخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام؟ فإني سمعت دف نعليك أمامي في الجنة! فقال بلال رضي الله عنه: لا شيء، إلا أني لا أتوضأ وضوءاً في أي ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الوضوء ما كتب الله تعالى } ويكفينا فيه -أيضاً- القاعدة الإسلامية الكبيرة التي أرساها النبي صلى الله عليه وسلم: {لا فضل لعربي على عجمي ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى} والأحاديث في هذا كثيرة جداً.

    وضع السودان الحالي

    إنما السؤال هو عن قضية وضع السودان الحالي, فهناك بالتأكيد حملة شرسة على السودان في الإعلام الغربي والعربي تعرفونها وتدركونها جميعاً.

    والغرب يصف الحكومة السودانية بأنها حكومة أصولية، ويتكلم أنها تدعم الإرهاب، وأنها بداية للحركات، أو الدعوات الأصولية القائمة؛ ولذلك أوقف عنها جميع ألوان المساعدات من صندوق النقد الدولي، والجمعيات التابعة للأمم المتحدة أوقفت المساعدات عن السودان نهائياً، على الرغم من أن السودان دولة فقيرة جداً, ودخل الفرد فيها ضعيف, وعلى الرغم من أن السودان تؤوي آلافاً من اللاجئين من إرتيريا، وتعيش فترات من الجفاف طيلة السنين الماضية, إلا أنهم لم يأبهوا بهذا الوضع الصعب، وأوقفوا ألوان الدعم -الدعم الإنساني كما يسمونه- عن السودان, اللهم إلا أن يكون الدعم لـجنوب السودان حيث يكثر النصارى، وحيث كان يسيطر عليها جون قرنق وأتباعه.

    وأبداً لسنا نعتقد أن الحكومة القائمة في السودان هي الحكومة الإسلامية المثالية التي يطمح إليها المسلمون, ولكننا -أيضاً- نقول إن تلك الحكومة القائمة في السودان هي أفضل من جميع الحكومات العلمانية التي لا تقول -أصلاً-: إنها تحكم الشريعة, ولا تقول: إنها تطمح إلى تحكيم الإسلام، وإنما تقول: إنها لا تسمح ولا ترضى بقيام أي حزب فيها على أساس الدين, والله تعالى يأمر بالعدل والإحسان, فمن هو الذي يستطيع أن يوالي ويحب ويدافع عن حكومة تقول: إنها لا تسمح بقيام حزب على أساس دين, ويحارب ويناوئ ويتهجم على حكومة أخرى تقول: نحن مسلمون, ونسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلامية, ونسعى إلى تكميل النقص الموجود فينا بين آونة وأخرى, ونطلب من شعبنا أن يلتزم بالحجاب الشرعي, ونحارب بيوت الدعارة, ونحارب النصارى في بلادنا، وننتصر عليهم -بإذن الله تعالى- ونتيح الفرصة للدعاة أن يقوموا بدعوتهم.

    ومرة أخرى أقول: هذه الكلمة ليست تزكية مطلقة للوضع في السودان، فإننا نعلم أن هناك ثغرات كبيرة موجودة, وعلى بعض قادة الجبهة الإسلامية هناك تحفظات -لي ولغيري من دعاة الإسلام- على ما يطرحونه من أفكار ومبادئ واجتهادات وتصورات, لا يقرون عليها ولا يوافقون على ما فيها.

    ولكننا نقول مع ذلك: إنه بالنظر إلى وضع السودان -الآن- وإلى وضع العالم والدول المحيطة به والأوضاع التي يعيشها المسلمون، فإننا نقول: إن وضع السودان يعتبر بداية ينبغي أن نفرح بها من هذا المنطلق, نفرح بها على أنها بداية يمكن أن تكتمل بعون الله تعالى؛ خاصة مع اجتهاد المسلمين في التواصل مع إخوانهم هناك, ولو بالنصيحة.

    ولقد رأينا كثيراً من صحفنا هنا والصحف العربية والعالمية شنت حرباً ضروساً على وضع السودان، ووصفته بأنه وضع أصولي، وأنهم متطرفون، وأنهم يغذون حركات الإرهاب وأنهم وأنهم.. إلخ.

    لكنني أتساءل: هل سمعتم -أيها الإخوة- صوت النصيحة الذي يدعو إخواننا المسلمين في السودان إلى تصحيح أي خطأ موجود عندهم, أما أنا فوالله لم أسمعه حتى الآن, ما سمعنا إلا صوت الشجب والذم, والاتهام والطعن والتشهير, وهذه الأصوات هي أصوات الأعداء, لكن أين أصوات المخلصين لشعب السودان وحكومته؟!

    أين أصوات المخلصين للمسلمين؟!

    لماذا لا يناصحون إخوانهم هناك؟

    لماذا لا يدعونهم إلى ما يعتقدون أنه خير وأفضل لهم؟!!

    بغض بعض المنتسبين للصحافة العربية للحكومة السودانية

    نحن لا نسمع إلا نغمة واحدة هي نغمة الاتهام بالأصولية والتطرف وغير ذلك! لقد حقق السودان خيراً كثيراً في الانتصار على النصارى في الجنوب, فلم نجد الصحف العربية فرحت بذلك, ولا هللت له مثلما لو كان الانتصار لـجون قرنق على الحكومة السودانية!

    أحلف بالله لو انتصر قرنق على الحكومة السودانية لصفقت لذلك صحف عربية كثيرة, واعتبرت هذا نصراً، وإن كانت ليست بالضرورة مؤيدة لـقرنق، لكن يكفيها أنه انتصار على حكومة البشير والترابي، وعلى الجبهة الإسلامية في السودان.

    فهل بلغ بنا الحال من العداوة لهؤلاء أن نفرح بانتصار النصارى عليهم، ونحزن حين ينتصر المسلمون على أولئك النصارى, إن الذين يغطون أخبار الانتصارات العسكرية في جنوب السودان هم في الغالب إما أن يكونوا من غير المسلمين وإما من الناس العاديين العلمانيين, أما الصحف التي تصدر في البلاد الإسلامية فإنها لا تغطي هذه الانتصارات ولا تفرح بها, ولعل الجميع يلجئون إلى إذاعة لندن -مثلاً- أو جريدة الحياة حتى يمكنهم متابعة أخبار الانتصارات في جنوب السودان, مع أننا نعلم أنهم لما انتصروا -مثلاً- جاءوا إلى مسجد كان النصارى قد حولوه إلى كنيسة، أو إلى مستودع فنظفوه وصلّى فيه قائدهم -شخصياً- صلاة الشكر لله تعالى أو صلاة الفتح.

    ونعلم أن كثيراً ممن قاوموا النصارى وانتصروا عليهم هم من الشباب المتدين في السودان، وهذه أشياء ينبغي أن تذكر ويشاد بها, ومع ذلك فإننا نعلم أن في حكومة السودان ثغرات كما في أي مجتمع إسلامي آخر, ولا بد من مواصلتهم في سد هذه الثغرات ومناصحتهم, وهذا أقل حق للمسلم على أخيه, فأين المسلم عالماً كان أو داعية أو إعلامياً أو شخصاً، الذي يناصح إخوانه المسلمين؟!

    نداء للحكومة السودانية

    وسواء نحن ننادي إخواننا المسلمين في السودان, ونقول: الله عز وجل مكنكم في الأرض، وبوأكم فيها واستخلفكم في الأرض لينظر كيف تعملون، وأهلك عدوكم, فيا أيها الإخوة في السودان! صححوا أوضاعكم وفق ما يرضي الله تعالى ورسوله، واعلموا أن الله نصركم الآن، وإن لم تستجيبوا له وتشكروه فقد لا ينصركم غداً, فأصلحوا ما بينكم وبين الله عز وجل ولا تحابوا في دين الله أحداً, لا قريباً ولا بعيداً، لا عربياً ولا غير عربي, فأصلحوا أوضاعكم، وصححوا كل ما يوجد عندكم من أوضاع مما يخالف العقيدة الإسلامية الصحيحة، سواء كان في عبادة القبور أم في انتشار الطرق الصوفية, أم في الانحراف الموجود, أم في الفساد الأخلاقي, أم في التصورات الموجودة عند بعض المفكرين التي لا تلتئم مع ما هو موجود في الكتاب والسنة ومأثور عن السلف الصالح, لعل الله تعالى أن يجعل على أيديكم خيراً وبركة، ويمكِّن لكم، ويهلك عدوكم، ويحفظكم من شر المؤامرات التي تدار ضدكم صباحاً ومساء.

    وهذا الكلام أقوله في هذه المناسبة وأقول: يجب أن يقوله كل مسلم بالوسيلة التي يستطيع أن يوصلها إلى هناك, على أقل تقدير أن يقولها لإخواننا السودانيين الموجودين هنا, وهم بحمد الله كثير، وعليهم أن يبلغوا هذه الرسالة, وهي أن المسلمين مع السودان ضد النصارى, ومع السودان ضد الغرب, ومع السودان لو فرض عليه حصار من الغرب, وأنه مع السودان حين يرفع شعار الإسلام.

    وهو يطالب السودان بمزيد من الالتزام بالكتاب والسنة, ومزيد من الانضباط على هدي السلف الصالح، ومزيد من التصحيح للأوضاع العقائدية والسلوكية الموجودة هناك, ومزيد من تبني قضايا المسلمين والدفاع عن حقوقهم، خاصة المسلمين المجاورين لهم, ونطالبهم -مثلاً- بأن يكونوا مع إخواننا في إرتيريا بقدر ما يستطيعون, وأن يمدوا يد العون لهم, وأن يجعلوا أرضهم مجالاً لاستقبال المشردين في بلاد أفريقيا، وإيوائهم وبذل ما يمكن لهم, وأن المسلمين لن يدخروا وسعاً في دعم هؤلاء اللاجئين في أرض السودان, ومساعدتهم بكل ما يحتاجون إليه من المساعدات الإنسانية, وما عهدنا -إن شاء الله- منهم إلا مثل ذلك.

    فحوى مقابلة مع أحد زعماء السودان

    وهناك مقابلة نشرتها بعض الصحف الغربية مع الدكتور حسن الترابي, وهو أحد المفكرين الموجودين في السودان وهو زعيم من زعماء الجبهة القومية الإسلامية هناك, والرجل له أفكار واجتهادات كثيرة بعضها صحيح وبعضها لا يوافق عليه؛ بل له اجتهادات فيها نظر كبير, لكن هذه المقابلة فيها كلام جيد, والمقابلة مع صحيفة لوفيجارو الفرنسية، وقد سألوه سؤالاً عن الإرهاب! فكان جوابه التالي:

    يقول: يجب أولاً: توضيح مفهوم الإرهاب, فعندما كان الفرنسيون يتصدون للاحتلال الألماني كنتم تستعملون كلمة نبيلة وهي كلمة المقاومة, أما عندما يتصدى الفلسطينيون لمحتل أرضهم اليهود فإنكم تسمون هذا إرهاباً, ففي الغرب هناك وزنان وقياسان, واليوم أنتم تميلون -وللأسف- للدمج بين الإسلام والإرهاب, وصحيح أن تولي الإسلام السلطة يرهبكم بسبب الأفكار التاريخية المسبقة لديكم, لكنكم تنسون أن الصليبيين والاستعماريين كانوا أنتم.

    ويخاطب الفرنسيين والغرب -أيضاً- فيقول: أنتم تبشرون بالتسامح والتعددية لديكم، أما عندما تأتون إلى هنا -يعني الأرض الإسلامية- فإنكم لا تتحملون أن يكون هناك نموذج آخر للحضارة.

    ثم سألوه: هل تريد أن تقول إن فرنسا وراء الانقلاب العسكري في الجزائر؟

    قال: ليس لدي أدلة على ذلك، لكن هذا يشكل قناعة عامة, فإذا كانت فرنسا وضعت ثقلها كله في الميزان لكانت الديمقراطية قد انتصرت في الجزائر، ومن الممكن أن تدخل الأنظمة المجاورة للجزائر -والتي عرفت أن هذه الانتخابات الحرة تهددها- قد كان أكثر أهمية، ومرة أخرى سألوه عن الإرهاب؟

    فقال: نحن لا نمارس الإرهاب المجرم, فديننا ينهانا عنه, لكن لنا الحق في حماية أنفسنا، وإذا كان الأمريكيون لا يريدون مساعدتنا فليحتفظوا بأموالهم, وإن سياسة مساعدات الشمال للجنوب هي شكل جديد لاستغلال الأغنياء للفقراء... إلى آخر المقابلة.

    على كل حال أقول: ينبغي أن ندرك أن السودان يواجه حصاراً غربياً, وقد يكون هو أحد ضحايا الغرب بعد ليبيا وسوريا وبعد أية دولة أخرى يطمع الغرب في أن يضحي بها لغرض أو لآخر, والغرب يتدخل، ولذلك لا يلام المسلمون إذا فرحوا وطربوا للأخبار التي تتكلم عن الاضطرابات في أمريكا, التي اتسعت لتشمل خمس مدن في ثلاث ولايات, والتي ذهب فيها عشرات القتلى, ومئات الجرحى, ومئات الملايين من الدولارات، التي ذهبت بسبب سرقة المتاجر والحرائق وغيرها؛ حتى اضطر الجيش والحرس والقوات البحرية وغيرها إلى التدخل, وبدأ عدد من رموز النظام الأمريكي يعيدون النظر في مدى تماسك الجبهة الداخلية، ومدى قناعتهم بالوضع القائم هناك, نحن لا نملك إلا أن نفرح؛ لأننا نعلم أن أمريكا أصبحت تقاوم أي صوت للإسلام في السودان أو الجزائر أو فلسطين أو مصر أو أفغانستان, وأن بصماتها واضحة هنا وهناك, فهي لن تسمح بقيام حكومة إسلامية وهي تستطيع ذلك.

    ولهذا نسأل الله تعالى أن يشغلهم بأنفسهم، فنقول: اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم اجعل كيدهم في نحورهم, واجعل الدائرة عليهم, ونسأل الله تعالى أن يجعل عندهم من القلاقل والمشاكل الأمنية والاقتصادية ما يشغلهم عن المسلمين في كل مكان.

    ونحن نعلم أن الله على كل شيء قدير, والذي أسقط الامبراطورية الشيوعية في الشرق, قادر على أن يسقط الامبراطورية الصليبية النصرانية في الغرب إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    أين صحافتنا؟!

    في ظل هذه المشاكل الصعبة مثل قضايا أفغانستان وقضايا مسلمي البوسنة والهرسك وقضايا السلام في فلسطين وغيرها, يثور السؤال: أين صحافتنا؟!!

    صحافتنا بين أمرين: إما أن تغفل عن هذه القضايا ولا تتحدث عنها أصلاً, وهذا خير نعتبره نسبياً, وإما أن تتكلم عن هذه القضايا، فنقول: تمنينا أنها سكتت؛ لأنها تتحدث من منطلق غربي، أو تردد ما تذيعه وكالات رويتر أو غيرها من الوكالات اليهودية, وقد تقف في صف خصوم الإسلام، لذلك أقول لكم أيها الإخوة: ولذلك فلا يمكن بناء تصورات صحيحة من هذا الإعلام -ولا أتحدث عن الإعلام السعودي، وإنما أتحدث عن الإعلام العربي كله- إنه إعلام فاسق أصلاً، والله عز وجل يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] فإياك أن تبني تصوراتك عن الأحداث من واقع هذا الإعلام.

    وجدتُ كثيرين حتى من أصحاب الفكر والعلم يبنون تصوراتهم -مثلاً- عن قادات المجاهدين الأفغان من خلال ما يكتب بالصحف، فمثلاً صحيفة عربية خضراء تكتب عن مجددي أنه صوت العقل في أفغانستان، ثم تكتب عن حكمتيار أنه القائد الأصولي المتطرف -مثلاً- فيترتب على ذلك أن القارئ يعتقد أن مجددي هو صوت العقل، وهو الذي يجب أن يكون حاكماً، أما حكمتيار فهو قائد أصولي متطرف، لو كان له من الأمر شيء لجر أفغانستان إلى حمامات دم، فهذه نظرة الغرب يفرزها إلى بعض حلفائه في الشرق، فتبرز في صورة عناوين أو كما قيل (مانشيتات) أو تقارير وكتابات وغير ذلك، ولا يجوز للمسلم الواعي فضلاً عن طالب العلم أو العالم أو المثقف أن يأخذ معلوماته أو تصوراته عن أوضاع المسلمين من خلال هذه الصحف.

    ولقد عرفنا كيف عالجت صحفنا -مثلاً- قضية الجزائر، وكتبت عما تسميه الملف الثلاثي الأسود، وكيف عالجت قضية السودان، وكيف عالجت قضية السلام مع إسرائيل، وأخيراً عرفنا ونعرف الآن كيف تعالج صحفنا العربية والإسلامية والمحلية قضية أفغانستان.

    فمثلاً: في هوامش صحفية في جريدة الجزيرة كتب أحدهم يتكلم عن الذين جاهدوا مع الأفغان من العرب؛ وكثير منهم من السعوديين -أيضاً- فتجد أنه يتكلم عنهم كلاماً في غاية السوء، ويصفهم بأنهم من الخوارج، وأنهم تحولوا إلى مدمني مخدرات، وأنهم مجرمون، وأنهم يخلخلون الأمن في بلادهم، وأنهم يكفرون الناس، وأنهم أصحاب نفوس سوداوية وقلوب مريضة، وأنهم وأنهم...، وجعل قائمة طويلة -عموداً طويلاً كله- في هجاء هؤلاء الشباب المجاهدين وذمهم وسبهم وشتمهم، ولا أستغرب أن يحمل شخص من أبناء جلدتنا مثل هذه الأفكار، لكن أستغرب أن يتمكن من أن يفرغها على صفحات جريدة تصدر في مثل هذا البلد الكريم، وأن يقرأها الناس وتمر بسلام.

    وبعض الصحف هنا وهناك من الصحف العربية والمهاجرة تمدح من يدفع أكثر، وليس غريباً أن إحداها كانت تتكلم عن النظام العراقي البعثي وعن صدام حسين، وتتغزل به وتمدحه وتثني عليه، فلما اشتريت من قبل طرف آخر قلبت الأمر بزاوية مائة وثمانين درجة وأصبحت تتهجم عليه، وهذا محمود على كل حال، لكنها أصبحت تدافع عن أنظمة أخرى كثيرة، وتتكلم بصورة يعرف أي إنسان أنها لا تحمل أمانة الكلمة مطلقاً.

    وكثير من هذه الصحف هي في الواقع تتكلم بلسان الدول التي تمولها، أو -أحياناً- بلسان بعض الأجهزة الخفية التي تقبع وراءها، وقد أعجبني مقال نشر في جريدة المدينة للأستاذ محمد صلاح الدين، تكلم فيه عن جريدة الشرق الأوسط وهي من أوسع الجرائد انتشاراً، يطبع منها مئات الألوف، وتطبع في مواقع عديدة، وتنشر على نطاق واسع، ويتعامل معها كثير من الناس؛ بل كثير من الدوائر الرسمية، والمقال طويل لكن أقرأ المهم منه، يقول -بعد ما تكلم عن قضية الأصولية وتعريفها وغير ذلك-:

    "لا جرم أن يشعر المرء باستياء بالغ واستغراب شديد وهو يرى جريدة الشرق الأوسط الغراء؛ وقد تبنت كلمة استخدام مصطلح الأصولية لتصف به كل الجماعات والحركات الإسلامية المطالبة بتطبيق الشريعة وأسلمة المجتمع دون تفريق، وكأنه وصمة عار، إن اعتماد جريدة الشرق الأوسط لمصطلح غربي كالأصولية في أخبارها ومقالاتها وتحليلاتها هو فضيحة إعلامية بكل المقاييس؛ لأنه إذا كان المقصود بالمصطلح هو الإهانة والتحقير أو الترهيب والتخويف؛ وإذا كان استخدامه كمرادف ورمز للتأخر والانغلاق والتزمت؛ فإن أول ما ينصرف ذلك إلى المملكة، لأنها تمثل الأصولية.

    ثم قال: هل تشارك إدارة تحرير جريدة الشرق الأوسط -إذاً- محرريها وكتابها ومراسليها العلمانيين؛ اعتبار الأصولية -أي التطبيق الدقيق لأوامر الشرع وأحكامه الإجماعية- انغلاقاً وتزمتاً وتهديداً للاستقرار الاجتماعي! وتمزيقاً للوحدة الوطنية! ورجوعاً إلى القرون الوسطى؟!

    لا أريد أن أقول ذلك، ولكن من الواضح أن المسئولين عن تحرير جريدة الشرق الأوسط قد وقعوا على أقل تقدير فريسة للخلط بين الخصومة السياسية وبين المبادئ الإسلامية، بين الحملات الإعلامية والالتزام المهني والأمانة الصحفية، إننا لا نختلف على الإطلاق مع ما تدعو إليه كل الحركات والجماعات الإسلامية من ضرورة تطبيق الشرع والالتزام بأحكام الدين، وأن يحكم ذلك جميع جوانب الحياة من سياسة وحكم واقتصاد واجتماع، لكننا قد نختلف مع بعضهم في الوسائل، ونفترق وإياهم حول الأسلوب، ونستنكر منهم بعض المواقف؛ غير أن ذلك لا ينبغي بأية حال أن يمتد إلى الغاية المشتركة، أو يمس الأهداف التي ليست موضع خلاف، أو يحملنا على نعتهم بأوصاف تطعن في الملة أو تسميتهم بمصطلحات غربية، قصد بها أصحابها تحقير الالتزام بالدين.

    ثم يقول: وليس من شك أن قارئ جريدة الشرق الأوسط يشعر كأن الجريدة مجندة لشن حرب إعلامية بالغة القسوة ضد هذه الجماعات والحركات الإسلامية، فتتلمس لها العيوب وتكشف العورات وتضخم الأخطاء، كأنما هي تنظر إلى كل هؤلاء الناس بمنظار قاتم شديد السواد، لا تتوقع منهم خيرا ً ولا ترى فيهم رشداً؛ بل إن من يقرأ تقارير عدد من محرري جريدة الشرق الأوسط يخيل إليه أن هذه الجماعات -أي: بها الجماعات الإسلامية في تونس والجزائر ومصر- لا تضم إلا شراذم من الأبالسة والمخربين والقتلة، وأن دعاواهم وبرامجهم تهدم استقرار المشرق والمغرب، وتمزق الأمة وتعود بها القهقرى لعدة قرون، وتستعدي عليها الأمم، وتغرق المجتمعات العربية في الظلام.

    وفي هذه الحملات هناك -دون شك- قدر كبير من المبالغة والغلو يفتقد معها القارئ الحيدة والموضوعية، وتتجاوز في كثيرٍ من الأحيان حتى أصول المهنة، وتعبر في الأغلب الأعم عن تحامل وتشفٍ وجنوح للإثارة والتحريض، ويقول: بالنسبة لبعض الكتاب والمراسلين، فمن الواضح أنهم علمانيو النـزعة والتوجه؛ ويكتبون من واقع كراهيتهم لتطبيق أحكام الشرع، ولا يودون -على الإطلاق- أن تحرم الخمور أو تغلق علب الليل، وملاهي الرقص، ولا أن يذكرهم أحد بضرورة أداء ما افترضه الله عليهم من صلاة أو زكاة، فهم منطقيون مع أنفسهم ومع ما يكتبون، لكن ماذا عن جريدة الشرق الأوسط نفسها؟!

    كيف يمكن أن تقع في هذا الفخ وأن تسقط في هذا النهج، وأن تتحمل كمؤسسة إعلامية أوزار وسخائم نفوس هؤلاء العلمانيين؟!

    فهذا كلام جميل وكبير، وهو ما في نفوسنا ونفوس الكثيرين مما يصل إليهم من بعض ما ينشر في هذه الجريدة وأخوات لها كثيرات، والسؤال -الآن- موجه إلى القائمين على هذه الجرائد وهذه المجلات، وهم من أبناء هذه البلاد، ويظن بهم كثير من الناس خيراً؛ أن يجيبوا على هذا السؤال الذي يدور في نفوس الكثيرين، وعسى أن تكون الإجابة رجوعاً عن مثل هذا المنهج الذي أفقد أكثر القراء الثقة بهذه المجلات التي تصدرها الشركة السعودية للإنتاج والتوزيع.

    1.   

    تغيير في مناهج التعليم

    النقطة السادسة في هذا المجلس: التغيير في مناهج التعليم.

    المنطقة كلها تشهد تغييراً وتطويراً -كما يسمى- في مناهج التعليم على كافة المستويات بدءاً من الابتدائي وانتهاءً إلى المرحلة الجامعية وما بعدها.

    أسباب التغيير في مناهج التعليم

    وهذا التغيير الذي تشهده، له أسباب لعل أولها: التطبيع ومحاولة تحسين العلاقات مع من يسمونهم بأبناء العم من اليهود، فلابد أن يحذف من المناهج كل ما يسيء إليهم أو يزعجهم أو يعتبر نوعاً من التحريض عليهم واستمرار العداوة وتربية النشء على بغضهم وكراهيتهم، وهناك كتب كثيرة تتكلم عن المناهج في مصر وكيف غيرت بعد التطبيع؛ وهي مطبوعة وموجودة في بعض المكتبات وتباع، وفيها مقارنة دقيقة بين الكتب التي تدرس قبل التطبيع وقبل السلام، والكتب التي أصبحت تدرس بعد ذلك.

    والسبب الثاني في تغيير المناهج هو: المد الأصولي، فإن كثيرين يرون أن هذا المد الأصولي -ويقصدون به الاتجاه إلى الخير، وكثرة الأخيار، والمترددين على المساجد، وأصحاب اللحى، وقراء القرآن- أن هذا يرجع إلى مناهج التعليم التي تغذي فيهم العاطفة الدينية؛ لهذا يتجه كثيرون في العالم العربي من القائمين على التعليم إلى محاولة تقليص النـزعة -كما يسمونها- الدينية، التي تؤثر في نفوس الشباب.

    وهناك سبب ثالث وهو: أن الكثيرين أصبحوا يشعرون بضرورة التفاهم أكثر مع الحضارة الغربية؛ خاصة في ظل ما يسمى بالنظام الدولي الجديد، فلابد أن يكون هناك نوع من الانصهار -عندهم- في المعطيات التي جاءت بها الحضارة الغربية.

    ونحن من جانبنا نعلم أن المسلم ليس لديه أي مانع أن يستفيد من كل الكشوف العلمية، وكل المعطيات الإيجابية الموجودة عند أية أمة من الأمم، فإن ديننا لا يقف -أبداً- ضد العلم الصحيح والخبرة وضد الصناعة، بل ديننا يدعو إلى ذلك، وكان من المفروض أن المسلمين هم زعماء العالم، حتى في العلم النظري التجريبي الذي يحتاجه الناس في دنياهم، ولكننا -أيضا- نعلم أن كثيراً مما جاءت به الحضارة الغربية شرٌ يجب الحذر منه، خاصة في مجال العلوم الإنسانية، كعلم النفس والتربية والاجتماع والنظريات التي تدرس في هذا المجال؛ فضلاً عن الجهود التي تسعى إلى تغيير الأخلاق، وإتاحة المجال للحريات ليفعل كل إنسان ما يشاء؛ إذ أن الغرب لا يؤمن أصلاً أن هناك ديناً يجب أن يخضع له الناس؛ بل يؤمن بأن الدين هو الحرية الشخصية، وأن الإنسان يفعل ما يشاء، أما نحن المسلمين فلنا دين يقول ربنا عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].

    فديننا يحكمنا في الدقيق والجليل من أمورنا، ويرسم لنا ما يجب أن نفعله حتى في أخص خصائص حياتنا، فهو يتحكم في أموالنا وفي طريقة الزواج عندنا، وفي التجارة والفن، والإعلام، وفي كل شيء، لا يغادر صغيرة ولا كبيرة: مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38].. وَنـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ [النحل:89] وما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد بين لنا علماً في كل ما نحتاجه، وما ترك شيئاً إلا بيِّنه لنا، ولا خيراً إلا أمرنا به ولا شراً إلا حذرنا منه، كما قال صلى الله عليه وسلم: {ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان حقاً عليه أن يأمر أمته بخير ما يعلمه لهم، وينهاها عن شر ما يعلمه لهم} وهكذا كان صلى الله عليه وسلم.

    إذاً هناك سبب ثالث في تغيير مناهج التعليم، وهو: أن هناك من ينادون بضرورة انصهار المجتمع الإسلامي في النظام الدولي الجديد، وأن يكون هناك قاسم مشترك -مثلاً- بين المناهج التي تدرس في أي بلد إسلامي، والمناهج التي تدرس -مثلاً- في اليابان، أو فرنسا، أو بريطانيا، أو أمريكا، أو غيرها.

    وهناك سبب رابع أذكره من باب الموضوعية واستكمال البحث، وهو: أن هناك أسباباً منطقية للتغيير، فنحن نقول: ينبغي التصحيح والتحسين دائماً وأبداً، فالنظر في المناهج التعليمية ينبغي أن يكون هماً، لكن على أساس أن تكون أكثر ملاءمةً للهدف التربوي، وأن تكون أكثر انطباقاً مع المقصد الشرعي، وأن تكون أكثر التزاماً بالأهداف العامة التي يقوم المجتمع هنا وهناك على أساسها.

    خطر التغيير في مناهج التعليم

    فنحن نطالب بالتغيير دائماً وأبداً في كل المجالات لكن التغيير نحو الأصلح؛ لذلك هناك اتجاه كبير إلى تقليص المواد الشرعية في كافة المستويات، وفي بلادٍ كثيرة، وهناك -أيضاً- اتجاه إلى تسطيح هذه المعلومات الشرعية بحيث لا تكون معلومات عميقة ولا مؤثرة، وهناك اتجاه بالمقابل إلى تكثيف المواد العلمية واللغات الأجنبية وغيرها، وقد سمعت تقريراً في إحدى الإذاعات قبل أيام يتكلم فيه عن رئيس دولة مغربية، وأنه يتكلم عن التعليم، وربما أشار إلى فكرة نقل التعليم، من التعليم باللغة العربية إلى التعليم باللغة الفرنسية، وكأن اللغة العربية كانت جناية حينما عُرِّب التعليم هناك، فهناك حماس للرجوع إلى عهد الاستعمار؛ ولذلك يفكرون بإعادة التعليم أو بعض قنواته -على الأقل- إلى اللغة الفرنسية.

    وهذا خطر كبير دعاني إلى أن أقرأ عليكم جزءاً من مقال نشر في إحدى الصحف عن اللغات وخطرها، فيقول المقال الذي يتكلم عن تضحية الشعب الجزائري المسلم، من أجل فك الارتباط اللغوي والثقافي والفكري والاجتماعي والاقتصادي بالاستعمار الفرنسي: "وبعد خروج فرنسا قام الشعب باستبدال اللغة والثقافة العربية والإسلامية باللغة والثقافة الفرنسية؛ إيماناً منهم بضرورة ذلك، وأن الاعتزاز باللغة والدين والثقافة والقيم الاجتماعية والأخلاقية لدى شعوب العالم أمر لا يحتمل المساومة، وأنه ضروري من أجل تلاحم الشعب بجميع فئاته وقبائله وزيادة ترابطه وتماسكه.

    ففي ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، ومعظم الدول الأوروبية، لا تجد فرداً من عامة الشعب يتكلم بغير لغته القومية، ويتنافسون فيما بينهم في نشر لغتهم وثقافتهم بين شعوب العالم الثالث؛ لأن التبعية الثقافية تعود عليهم بالفائدة الاقتصادية في صور أسواق مفتوحة، ومواد (خام) رخيصة، ومشاريع عمرانية وصناعية وزراعية؛ يجنون من ورائها المليارات من الدولارات، لكن الأمم المعتزة بتاريخها وحضارتها تأبى هذه التبعية الذليلة، وأوضح مثال أمامنا هي تجربة اليابان التي رفضت وبإصرار السماح للغات الأخرى بغزو بلادها، فلا تجد يابانياً واحداً سواء أكان إنساناً عادياً أم عالماً متخصصاً، يتكلم بغير اليابانية داخل اليابان، فانتزعوا إعجاب العالم بهم، على شدة حرصهم في المحافظة على لغتهم الخاصة وخصوصيات مجتمعهم.

    وهناك أمم أخرى على وجه البسيطة تساهلت في هذا الأمر، وأهملت لغتها الرسمية وخصوصيات شعبها وفتحت الأبواب على مصراعيها للغزو الفكري والثقافي، وكانت النتيجة الصراع بين أبناء الشعب الواحد، فاللغة العربية ليست أقل شأناً من اللغة اليابانية والعبرية واللغات الأخرى، فلماذا نبتدع أمراً لم تقره دولة من الدول؟!

    وإن بعض الدول العربية ابتليت بعمق التبعية الغربية فألغت تدريس اللغة الوافدة في المرحلة الابتدائية؛ لإحساسها العميق بأن التبعية الغربية لها خطورتها القصوى في مستقبل البلد، إن عقول أطفالنا ومشاعرهم في هذه المرحلة وشبابنا بحاجة إلى تشكيل وتأسيس على مبادئ العقيدة والدين وقيم الأخلاق، والاعتزاز بالحضارة والتاريخ الإسلامي، فكيف يطمئن الإنسان إلى أن فلذات الأكباد في أيدٍ أمينة تحقق المطلوب، ويرى ويسمع أن الذين سيقومون بتدريس اللغة -مثلاً- هم من غير العرب أو من غير المسلمين أحياناً".

    فأقول: إن هذا التغيير في العالم العربي لمناهج التعليم هو تغيير عامٌ شامل، وإن هذا البلد نال حظه من هذا التغيير المستمر ولازالت هناك خطوات في مجال التغيير، وهذه المناهج ليس المسئول عنها هو المدرس فحسب، وليست المسئولة عنها الوزارة فحسب؛ بل هي مسئوليتنا جميعاً، فالمدرس مسئول لأنه يدرس هذه المواد، والطالب مسئول لأنه يتلقاها، والأب مسئول لأنه ولي أمر ابن يدرس في إحدى المدارس أو ابنة تدرس في إحدى المدارس، والقائمون على المناهج -القائمون على التطوير التربوي وعلى تغيير المناهج- هم -أيضاً- مسئولون عن ذلك، والمجتمع كله مسئول، والعلماء والدعاة مسئولون.

    ولهذا ينبغي أن تتوحد كل هذه الجهات في معرفة نوع التغيير، ومن ثم الشكر إذا كان التغيير نحو الأفضل، فإذا وجدنا -مثلاً- عناية بالمواد الشرعية وإسناد هذه المواد إلى العلماء المختصين، وتكثيفاً لها وإبرازاً لأهميتها، فلا يسعنا إلا أن نتوجه بالشكر إلى من قاموا بمثل هذا العمل والثناء عليهم ونقول لهم: إن هذا ما كنا نتمناه، وبالمقابل حين نجد -مثلاً- تقليصاً للمادة الشرعية أو تغييراً أو حذفاً لبعض المواد والنقاط المهمة ينبغي أن نكون فطنين، وأن يكون هناك مقارنة دائمة بين المناهج السابقة والحالية؛ ليعرف لماذا حذف هذا الأمر؟!

    وما الذي حذف؟!

    وما الذي أضيف؟!

    وبالتالي يكون هناك جسور مفتوحة للتواصل بين هذا المجتمع الذي يتعلم؛ وبين من يقومون بالتعليم، أو يقومون برسم المناهج لهذا المجتمع.

    1.   

    التنصيـر

    النقطة السابعة: الكيد الضعيف والمكر الكُبَّار:

    وصف الله تعالى كيد الشيطان بقوله: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76] ومع ذلك قال تعالى في سورة نوح: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً [نوح:22] فهو مكر شديد: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ [إبراهيم:46] ومع ذلك فهو ضعيف إذا واجه المؤمنين؛ لهذا قال الله تعالى: فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً [النساء:76] فإذا قاتلتموهم وقاومتموهم كان ضعيفاً، لكن إذا تخليتم فإنه ينتشر انتشار النار في الهشيم، فكيد الكافر ضعيف أمام قوة الحق.

    وأنا أضرب لكم مثالين من جهود المنصرين في هذا المجال، أحدهما ينم عن الكيد الضعيف، والآخر ينم عن المكر الكبار، فنشر الصليبية النصرانية -الآن- يتم في جهود كبيرة، وموضوع التنصير سوف أخصص له جلسة، وبالمناسبة أدعو كل من يملك معلومات دقيقة وجديدة عن التنصير في أوساط المسلمين، أو في أي بلد أن يوافيني بها.

    الكيد الضعيف

    النصارى يحاولون نشر الصليب فتجد الصليب -مثلاً- مرسوماً على ورقة أو كتاب أو ثوب أو على بطاقة أو سيارة أو على أية بضاعة تصدر أو تخرج من عندهم، أو أحياناً عبارات صليبية مثل: (صلوا من أجل يسوع) أو تكون مرسومة على بعض الملابس الداخلية والثياب، وبعض السيارات، والكتب، والبطاقات وغيرها.

    وبالمقابل تجد عندهم امتهاناً للألفاظ الإسلامية الشرعية كلفظ الجلالة (الله) أو لفظ محمد صلى الله عليه وسلم، أو لفظ الإسلام أو حتى المسلمين، وهذا ليس غريباً منهم، فهم من قبل قالوا كما أخبر الله عز وجل عنهم: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ [المائدة:73] وقالوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17] وقال اليهود: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ [آل عمران:181] فهؤلاء الذين انسلخوا من أهل الكتاب عن الاتباع للنبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم لم يبق عندهم تعظيم لله عز وجل ولا توقير؛ لهذا لا تجد غرابة أنهم يضعون اسم الله تعالى -أحياناً- على بعض إطارات السيارات -مثلاً- أو على بعض ما يسمى بالنسافات -فقد جاءني عدد من الشباب بمثل هذه الأمور، وهذا في الواقع ينم عن يقظة جيدة، وكوننا منتبهين ويقظين- أو على بعض الأحذية -أحياناً- أو على بعض الملابس الداخلية للرجال أو للنساء؛ بل وجدت آيات قرآنية كتبت على بعض الملابس.

    وكوننا يقظين ومنتبهين لذلك هذا أمرٌ يرشد وينبئ عن خيرٍ كثير، وأن هذه الأمة -إن شاء الله- لا يمكن أن تمر عليها مؤامرتهم وخططهم، فهذا أمر جيد، لكنني أقول لبعض الإخوة: ينبغي أن يكون هذا في حدود الاعتدال، فبعض الإخوة يتكلف النظر أحياناً، فيصنع من لا شيء شيئاً، ويفتعل من الكلمة التي قد تعني لفظاً معيناً أو قد تعني صليبا أو غير ذلك، فيحصل من جراء ذلك مشقة كبيرة.

    وهناك أمر آخر وهو: أنه ينبغي أن يكون اهتمامنا بهذا بنسبة (10%) من جهدنا، لكن بنسبة (90%) من جهدنا ينبغي أن نصرفه إلى اهتمامنا بمقاومة تخريبهم لعقائدنا، وإفسادهم لأخلاقنا، وجهودهم في صرف شبابنا عن دينهم إلى غير دين الإسلام، أو إلى -على أقل تقدير- عدم الحماس لهذا الدين وعدم الغيرة عليه، فهذا هو الأمر الأكبر والأخطر الذي يجب أن تصرف إليه جهودٌ أكثر.

    المكر الكبّّّّار

    أما فيما يتعلق بالمكر الكُبَّار، فقد حدثني أحد الإخوة وقد جاء من بعض مخيمات اللاجئين، فيقول: جهود النصارى كبيرة عند اللاجئين، ويقول: لا يجد الواحد منهم لقمة العيش له ولأطفاله، وربما يجد صعوبة في الحصول على الماء ويقول: وجدنا عندهم أشرطة مسجلة تدعو إلى النصرانية بكل اللغات، قلت له: سبحان الله! وكيف يسمعون هذه الأشرطة؟!

    هل عندهم كهرباء في المخيمات؟!

    هل عندهم بطاريات أو أجهزة تسجيل؟!

    قال: يأتي هذا النصراني كالشيطان ومعه جهاز تسجيل من أغرب ما يكون، وهذا الجهاز مصمم خصيصاً للمخيمات يشتغل على الكهرباء في المكان الذي توجد فيه الكهرباء، ويشتغل على البطاريات في المكان الذي توجد فيه البطاريات، لكن إذا لم يوجد كهرباء ولا بطاريات فإنه يشتغل عن طريق التحريك باليد وهو ما يسمي بـ (الهندل) فيضع الشريط على جهاز التسجيل، ثم يحركه بيده فيشتغل هذا الجهاز، ويستمع هذا الإنسان إلى دعوات للتنصير بكافة اللغات.

    وقبل أيام عرفتم أن بابا النصارى خطب خطبة في ملايين من النصارى في مقره، وأذيعت في وسائل الإعلام العالمية كلها، وخطب فيها بكل اللغات بما في ذلك اللغة العربية، وتكلم عن تفاؤله بأن العرب أصبحوا يتقبلون الديانة النصرانية، وأصبحت تنتشر بقوة أكثر من ذي قبل، وهذا ينذر بالخطر الشديد.

    1.   

    رسائل عبر البريد والفاكس

    النقطة الثامنة: رسائل

    وصل إلي من الإخوة رسائل كثيرة جداً، خاصة بعد درس (من هنا وهناك) عبر البريد والفاكس، وأقول لجميع الإخوة: رسائلكم وصلت وجزاكم الله خيراً، وقد قرأت جميع هذه الرسائل، وإن كنت لم أجد وقتاً للرد على الكثير منها -أيضاً- وقد أقرأ الرسالة وأنا أشعر أنه يجب عليَّ كتابة الجواب حالاً، وأن الأمر لا يتطلب أي تأخير، وأن التأخير قد يضر بالمصلحة، لكن يأتيني غيرها فينسيني الرسالة الأولى، وهكذا، فإذا كثرت وجد الإنسان نفسه أمام صعوبة تتطلب بعض الوقت، وجهاز الفاكس -الذي ذكرته لكم- قد سهل المهمة للإخوة ليتصلوا أو يراسلوا، ولكنه صعب المهمة عليَّ أنا من جانبٍ آخر؛ خاصة أن فترة رمضان -كما تعلمون- فترة سفر لم يتسن لي فيها الاطلاع في وقتها -على كثير مما أرسل- لكني أعد الإخوة جميعاً أنني لن أهمل شيئاً من ذلك إنما أعطوني بعض الوقت.

    وأحد الشباب أرسل إلي كما يعبر هو: أربع مخطوطات -أي أربع رسائل- عبر الفاكس، وفيها أمور طيبة ومن ضمن ما في هذه الرسائل أنه يطلب مني أن أحضر إلى بلده، ويقول: إنه رآني في المنام وقد زرت ذلك البلد، وعلى سبيل الطرفة والنكتة أقول لذلك الأخ: يذكرون في كتب التاريخ أن أحد الشعراء دخل على الخليفة في بعض مدن العراق وسلم عليه، ثم قال:

    إني حلفت لئن لقيتك سالماً     بقرى العراق وأنت ذو وفر

    لتصلين على النبي محمـد          ولتمـلأن دراهماً حجـري

    فقال له الخليفة: أما الصلاة على النبي فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وأما الدراهم فليست عندي، واعتذر منه، فقال: لا تفرق بينهما لا فرق الله بينك وبين محمد صلى الله عليه وسلم في الجنة، فقال له الخليفة: أمهلني حتى أرجع، واستدان مالاً وأعطاه إياه.

    أما الثانية: فيقال: أن رجلاً جاء إلى أحد الناس وقال له: إني رأيتك في المنام، وأنت جالس مع فلان -وذكر له شخصاً يحبه ويتمنى لقاءه- وأنني جئتك فأعطيتني كذا وكذا من الدراهم، فقال له هذا الرجل: قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلامِ بِعَالِمِينَ [يوسف:44].

    وأقول للأخ: لا أقول كما قال هذان، ولكني أقول -إن شاء الله- هناك ترتيب لزيارة عدد من المدن والمناطق، ولكن هناك طلبات كثيرة، وكل شيء يأتي إن شاء الله في وقته.

    أيضاً هناك أسئلة فقهية كثيرة، وجاءت مشكلات اجتماعية، ومشاركات جميلة من بعض الإخوة نتجاوزها، وموضوعات مقترحة لهذه الدروس، وأشكر الإخوة الذين أرسلوا أكثر من أربعة أو خمسة موضوعات مفيدة ومبرمجة.

    وهناك اقتراحات أيضاً منها: أن بعضهم اقترحوا مشاركة بعض الشباب لمدة خمس دقائق في هذا الدرس تدريباً لهم، وهذا موضوع قيد الدراسة، وبعضهم اقترحوا توزيع أشرطة على كبار القوم من الوزراء والكبراء والأعيان والتجار، وكبار الناس وأصحاب الهيئات، وأن تُختار أشرطة وترسل إليهم بطريقة أو بأخرى، وأقول: هذا اقتراح جيد؛ خاصة أنه بلغني أن بعض خصوم الدعوة في هذا البلد إذا وجد شريطاً فيه شيء فإنه يبعث به إلى عدد من الناس ليسهل له مهمة الاطلاع عليه! فلماذا لا يكون هناك اجتهاد في محاولة إيصال بعض الأشرطة المفيدة النافعة إلى كبار القوم؟!

    وهناك كثير من الإخوة أبدوا استعدادهم للمشاركة؛ انطلاقاً من قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة:2] وقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] فجزاهم الله خيراً وشكر الله مسعاهم، ونسأل الله تعالى أن يبارك لهم في أنفسهم وأموالهم وأولادهم وأعمارهم إنه على كل شيء قدير.

    1.   

    أسئلة وتساؤلات

    النقطة التاسعة: أسئلة وتساؤلات:

    أرسل لي بعض الإخوة سؤالاً وجواباً منسوباً إليَّ فيه فتوى بتحريم العمل في بنك الراجحي وممهوراً باسمي وتوقيعي، ثم أرسل لي فتوى أخرى باسمي وتوقيعي بأن ذلك جائز ولا شيء فيه، وأنه لا بأس بذلك -إن شاء الله تعالى- واستخدم بعض العبارات الفقهية، ذكرتني بقصة ذكرتها لي بعض قريباتي أن امرأة اتصلت ببعض الشيوخ وغلطت في الرقم، فوجدت بيتاً آخر فسألته عن حكم اقتناء التليفزيون، وكان هذا الرجل ليس هو الشيخ لكنها أخطأت في الرقم فقال لها هذا الرجل وقد تقمص شخصية الشيخ: إن كان التليفزيون ملوناً فلا بأس بذلك، وإن كان أسود فإنه لا يجوز، وهذا من التقول على الله تعالى -ولو كان مزاحاً-: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ [النحل:116] وأقول: إنه مما يؤسفني أن يبلغ الجرأة ببعض الناس إلى هذا الحد، أن ينسب إليّ فتوى ويكتب اسمي ويوقع عني عن عمل واحد وبين الفتوى ساعات، الأولى تقول: إنه لا يجوز العمل، والثانية تقول: إنه جائز ولا بأس به، وهذه الفتوى منسوبة إلى إحدى المؤسسات الصحفية في المنطقة الشرقية، وقد بعثت إليها برسالة أطلب منها الإجابة عن ذلك فلم تجبني، فالآن أنا أقول: إن هذا الكلام مكذوب، وليس له أي أساس من الصحة، وإن هو إلا اختلاق، وإني في انتظار أن يأتي الجواب من هؤلاء الإخوة وإلا أكون مضطراً إلى أن أبوح باسمهم.

    ومن الأسئلة التي وصلت إلي -أيضاً- بالفاكس سؤال من الأستاذ الفاضل الداعية عبد الرحمن بن محمود السميط الأمين العام للجنة مسلمي إفريقيا، وله وللجنته جهود مذكورة مشكورة في الكويت جزاهم الله خيراً، والسؤال قديم في رمضان، لكن لا بأس من الإجابة عليه الآن، يقول: إنهم جمعوا أموالاً لوجبات لإفطار صائم في رمضان، ولم يتمكنوا من إرسال جميع هذه الوجبات في هذا العام، فما هو الحل في شأنها؟

    فأقول: الحل في شأنها هو أن تصرف هذه الوجبات في الأعوام القادمة في البلاد الإسلامية التي وجهت لها.

    والإخوة يسألون عن المحاضرات التي كان مقرراً أن تقام في الرياض الأسبوع الماضي، فقد كان مقرراً أن يقام لي في الرياض ثلاث محاضرات، الأولى كانت بعنوان: (مواقف من حياة شيخ الإسلام ابن تيمية) والثانية كانت بعنوان: (لماذا نخاف من النقد) والثالثة كانت بعنوان: (معالم تربوية من السنة النبوية) والواقع أن هذه المحاضرات لم تلغ؛ ولكنها أجلت بسبب بعض الظروف والملابسات والمناسبات، وسوف تقام -إن شاء الله- في وقت لاحق بإذنه تعالى.

    1.   

    أين الغيورون؟!

    أخيراً(أين الغيورون؟!) أشير إلىبعض المنكرات التي وصلت إلي، والتي يجب أن يكون هناك موقف واضح يشأنها.

    انتشار أقراص البث المباشر

    فمن المنكرات المشاهدة انتشار هذه الأطباق التي تستقبل البث المباشر في أكثر من بلد، أو أكثر من مدينة في هذا البلد، فقد رأيناها بأعيننا في الرياض وجدة ومواقع أخرى، وبعضها يستقبل عشرات المحطات الفضائية؛ بل أعلن عنها في جريدة الرياض بعنوان (العالم بين يديك) ويشير ذلك الإعلان في تلك الجريدة إلى أن هناك طبقاً قيمته ثلاثة آلاف وأربعمائة دولار يستقبل جميع المحطات الفضائية العالمية، ونحن نعلم أن هذه المحطات فيها شر، وفيها محطات تعرض الفساد والدعارة، والتنصير والإلحاد والكفر؛ إضافة إلى أنها محطات تخرب حتى البنيان الأمني لهذا البلد، فهي قد يتعلم منها الكثيرون أساليب غير مناسبة، وقد يطلع الكثيرون منها على أمور وتقارير وأخبار صحيحة أو مزورة، إلى غير ذلك من الأضرار الأمنية والسياسية، وقبل ذلك وبعده الأضرار الدينية، التي تتطلب أن يتنادى الغيورون إلى مقاومة مثل هذه الأطباق، والمطالبة بمنعها وعدم الإذن بوجودها، ولا بيعها ولا الإعلان عنها في الصحف ولا غير ذلك، وهذا خطر إذا لم نتداركه فإنه ينذر بشر كثير: فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ [هود:116].. إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال:73].

    النقاب في كليات الكويت

    المنكر الثاني وقد وصل إلي من بعض الإخوة في الكويت عن طريق الهيئة الشرعية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وخلاصته بعنوان: أفيقوا يا أهل الكويت! اليوم النقاب وغدا الحجاب!! وتعلمون أنه بالأمس أثيرت قضية ضد الطالبات اللاتي دخلن كلية الطب متحجبات، وقد انتهت هذه القضية سابقاً بحل وسط في هذا الموضوع، ولكن الناس فوجئوا أنه صدر قرار من العمادة بمنع أولئك الطالبات من دخول الامتحانات! وإحالة هؤلاء الطالبات للتحقيق! والسؤال: ما هو الجرم الذي ارتكبنه واستوجبن عليه مثل هذا العقاب؟!

    أكان ذلك لتلاعبهن -مثلاً- بالمال العام؟!

    أم كان ذلك لتعاطيهن الرشوة؟!

    أم كان ذلك بسبب التبرج الفاضح، والملابس المثيرة، والإخلال بأخلاقيات هذا البلد؟!

    أقول: كلا. بل لأنهن فتيات مؤمنات ملتزمات أبين إلا التمسك بالدين، وحفظ الكرامة والالتزام بالحجاب.

    أقول أيها الإخوة: لا يجوز أبداً أن تتم هذه الأمور في بلد مجاور، ونحن نسمع ذلك، ثم نعتبر أن هذه القضية لا تعنينا، فمثلما نغضب لإخواننا في يوغسلافيا أو أفغانستان أو الجزائر، أو أينما كانوا ينبغي أن نعلم أن هذا التضييق الذي حصل لبعض الفتيات في هذا البلد، أنه نكبة علينا نحن وعلى إخواننا وبناتنا، وينبغي أن نقوم بالواجب في إيقاف هذا الأمر عند حده، وأقل ما تملك أنك تتصل ولو بالهاتف على المسئولين هناك، وعلى المسئولين في الصحف، وفي الجامعة، وفي كلية الطب أو ترسل البرقيات، أو تخاطب بعض المسئولين هنا، وبعض العلماء هنا بضرورة إيقاف مثل هذه المهازل التي يطول منها العجب!! فنحن نعلم -الآن- أن بعض الصحفيين في الكويت ينادي بالسفور وبالتبرج، وينادي بالاختلاط، بل ينادي بمحاولة فرض أخلاقيات الغرب الفاسدة الديوثية على المجتمعات الإسلامية، وينادي بذلك علانية، ونجد في بعض الصحف أشياء سبق أن ذكرنا شيئاً منها، ومع ذلك لم نجد هناك مواقف واضحة من هؤلاء! فلماذا تتجه جهة رسمية حكومية إلى مضايقة بعض المتدينات بمثل هذه الصورة؟!!

    هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا المجلس مجلساً طيباً مباركاً، وأن يغفر لنا ولكم أجمعين، ويوفقنا لما يحب ويرضى إنه على كل شئ قدير.

    1.   

    الأسئلة

    أحداث أمريكا

    السؤال: ما أهمية ما يقع في أمريكا؟

    وما مدى تأثيره على هذه الدولة؟

    الجواب: أمريكا دولة راسخة ممتدة الجذور، فليس من السهولة بمكان أن تتزعزع، ولكن نقول: إن شاء الله تكون هذه بداية طيبة، وقد فرحنا وسرنا ذلك كثيراً، وجميع المسلمين فرحوا -أيضاً- لأنهم لا يملكون إلا أن يسروا بهذا الأمر الذي أصابهم وأزعجهم، فنقول: لعل الله أن يشغلهم بمثل هذه الأمور عن تدخلاتهم في بلاد المسلمين، فقد أصبحوا يتدخلون في الجليل والحقير من الأمور، ويتصرفون في كل القضايا، ويفرضون أنفسهم بشكل عجيب.

    وأقول: سنة الله ماضية عليهم وعلى غيرهم، وحقٌ على الله ألا يرتفع شيء إلا وضعه، ولكن نحن -بصراحة- مستعجلون، ونحن نتمنى أن تنهار أمريكا اليوم قبل غد، وإلا فنحن نعلم يقيناً لا شك فيه من دين الله تعالى أن الله تعالى لها بالمرصاد، وأنها إن لم تنهر وتتفكك بعد سنة، فسوق يحصل هذا بعد سنتين أو ثلاث أو خمس، ولكننا مستعجلون، ونريد شيئاً نراه بأم أعيننا ونسمعه بآذاننا، والغريب أن هناك بعض الغرب يتشفون، والمثل العربي عند العوام يقول: (إذا سقط الجمل كثرت سكاكينه) فالآن كثير من الناس يخطبون ود أمريكا؛ لهذا يسكتون عن أخطائها ويحالفونها، لكن لو ضعفت لظهرت حقائق الأمور، وكثر الذين يتبرمون منها؛ حتى إني قرأت أن أحد رؤساء الغرب وهو رئيس فرنسا يتشفى بـأمريكا، وقال:هذا ينم عن اضطراب وضعف في العدالة، واضطراب في البنيان الاجتماعي، وينم عن مجتمع محافظ، بمعنى: أنه أصبح يعلق علي هذا الأمر، وكأنه يشمت بما حصل وما جرى.

    تعاون المسلمين

    السؤال: لم أكره الدنيا كما كرهتها فجر اليوم، عندما سمعت قبض الكفرة على علي عزت في المطار، فأين هو الآن؟

    وما وضع قومه؟

    أرجو الإيضاح لكي يعلم الكل ما يتعين على المسلمين، خاصة حكوماتهم؟

    الجواب: المفروض على المسلمين حكاماً ومحكومين أن يتدخلوا لحماية المسلمين في كل مكان، والمسلمون يسعى في ذمتهم أدناهم، وهم يدٌ على من سواهم، لكن الله المستعان! أصبح المسلم على أخيه المسلم في كثير من الأحيان!!

    التفاؤل حول أخبار أفغانستان

    السؤال: يقول: سيخرج الكثيرون من هذه المحاضرة بخيبة أمل حول المجاهدين المسلمين، وأفغانستان عموماً والخلافات والحروب بينهم، فهلَّا ذكرت بشائر أو تفاؤلاً قبل نهاية المحاضرة وأنت تعلم أنه ليس كل ما يعلم يقال؟

    الجواب: يا أخي: لماذا نظل صفراً أو (100%)، أبيض أو أسود؟

    هناك شيء اسمه (50%)، وهناك شيء اسمه (40%)، وهناك شيء اسمه (60%)، وهناك شيء أسود، وهناك شيء أبيض، وهناك شيء بينهما لا هذا ولا ذاك.

    فأنا أقول: الذي حصل في أفغانستان خير كثير، والجهاد كان خيراً، والانتصارات كبيرة والحمد لله، ولن يستطيع الغرب أن يوجد حكومة تنفذ مطالبهم، وهذا معروف، وقد ذكرت شيئاً من ذلك في المحاضرة التي خصصتها لهذا الموضوع، ولكنني ذكرت اليوم الجديد فقط، وإلا فنحن نعلم أن الغرب لن يرضى لا بـسياف ولا بـرباني ولا بـحكمتيار ولا بـيونس خالص، ولكنهم موجودون رغم أنوفهم في الحكومة، وقد يكون لبعضهم دورٌ كبير.

    حتى الغرب لن يرضى باعتقادي بـأحمد مسعود، وربما لن يرضى بـمجددي، أيضا! إنما هو يبحث عمّن يعتقد أنه أهون الشرين عنده، وهو بالنسبة للمسلمين أقل الخير، فنحن نقول: نحن نتمنى أفضل من هذا، وليس الوضع الذي هو الآن في أفغانستان أسوأ وضع، وإنما كان ممكن أن تكون الأوضاع أسوأ بكثير جداً مما حصل الآن، فالآن الوضع جيد بالاحتمالات التي يمكن أن تقوم؛ خاصةً أن الغرب كان يخطط لإقامة حكومة لا علاقة للمجاهدين بها، والآن المجاهدون يهيمنون على معظم الوزارات، والمجالس القائمة لهم فيها دورٌ كبير.

    لكن الأمرين اللذين أزعجاني هما:

    أولاً: تعيين ذلك الرئيس لـأفغانستان.

    ثانياً: وجود تأثير للمليشيات.

    وأعتقد أنه من الممكن مع بذل الجهد والصبر أن تضعف هذه السلبيات، لكن لو نظرنا أن الوضع إيجابي وجيد، وأن كل شيء على ما يرام، ربما لا نقوم بعمل شيء، فالآن نحن نريد من إخواننا وطلبة العلم والمشايخ وغيرهم، أن يقوموا بعمل ما يستطيعون عمله لإخوانهم المجاهدين، ولن يعمل إلا الإنسان الذي يخاف، ومن خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنـزل.

    أما لو تصورنا -والحمد لله- أن الجهاد انتصر والحكومة في أفغانستان قامت، وعلينا أن نبحث عن مكان آخر ندعمه، وننظر ما هي أخبار الجهاد فيه، فمعنى ذلك أننا انصرفنا عن أفغانستان في أحلك اللحظات وأهمها وهي لحظة قطف ثمرات الجهاد، وقد يسطو عليها بعض الأعداء، وينادينا إخواننا ونحن مشغولون عنهم ولا ننصرهم، لكن ينبغي أن نهتم بـأفغانستان، ونواصل اهتماماتنا ومشاعرنا إلى إخواننا هناك، بأية وسيلة نستطيع أن نوصل بها مشاعرنا.

    مشاركة جماعة التوحيد في حكومة أفغانستان

    السؤال: جماعة التوحيد والجهاد أو جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة في أفغانستان ما هي آخر أخبارها، هل ستشارك في حكم أفغانستان أم أنها لن تشارك؟

    الجـواب: جماعة التوحيد -كما تعلمون- بعد وفاة الشيخ جميل الرحمن -رحمه الله- قام على رئاستها الشيخ سميع الله وهو أحد المشايخ الفضلاء، والجماعة هذه -والحمد لله- لها دور كبير في كنر -الولاية التي كانت تقوم عليها- ونشاط طيب هناك، وقد سمعت أن الشيخ سميع الله التقى بقادة المجاهدين، لكن لم يبلغني أي أخبار معتمدة عن مشاركات لهذه الجماعة في الحكومة القائمة، وهذه إحدى الأشياء التي ينبغي أن يطالب بها -أيضاً- بأن يكون لهؤلاء الإخوة نوع من المشاركة في الحكومة القائمة.

    محاولة اليهود هدم المسجد الأقصى

    السؤال: هل يحاول اليهود هدم المسجد الأقصى؟

    الجواب: هذا يلفت النظر إلى الفرق بين مسجد الصخرة الذي سوف يرمم عن طريق منظمة اليونسكو، وقد يفهم بعض المسلمين أنه المسجد الأقصى، ومن المعلوم أن اليهود يحاولون جاهدين إيهام المسلمين أن مسجد الصخرة هو المسجد الأقصى، لكي يتسنى لهم بعد عقدٍ من الزمن أن يهدموا المسجد الأقصى بعد أن يكون من يعرفون الفرق بينهما قد ماتوا وانتهوا، ولا يوجد أحد من المسلمين يحرك ساكناً؛ لأن المسجد الأقصى لم يهدم بعد.

    ثم هل السلطات اليهودية ستسمح بذلك؟

    الجواب: يمكن أن تسمح بهذا ما دام الأمر عن طريق دولي.

    اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755951233