إسلام ويب

صيانة الأعراضللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن من أجل المقاصد التي جاءت بها الشرائع السماوية بعد الأمر بتوحيد الله عز وجل صيانة الأعراض، وقد أطبقت جميع الديانات السماوية على حرمة جريمة الزنا، وجاء في شريعتنا تحريم هذه الفاحشة، وسدت كل الذرائع التي تؤدي إليها، ومن ذلك تحريم النظر إلى النساء، وتحريم سماع الغناء، وتحريم التبرج والسفور، وتحريم الخلوة بالمرأة، وغير ذلك.

    1.   

    اتفاق الشرائع السماوية على تحريم الفواحش

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

    وبعد:

    فإن من أجل المقاصد التي جاءت بها الشرائع بعد الأمر بتوحيد الله عز وجل صيانة الأعراض، ومن ثم قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، فاتفقت الشرائع كلها على تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وكان من أبشع هذه الفواحش فاحشة الزنا، جاء التحذير منها أيما تحذير، قال الله سبحانه: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، وقال الله سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون:5-7]، وقال سبحانه: وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ... [الفرقان:68-70]، وقال سبحانه: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:2-3]، وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ورأيت رجالاً ونساءً عراة على مثل التنور يأتيهم لهب من تحتهم فيحرق فروجهم، فقلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني يا محمد!)، هذا شيء من عقوبتهم ذكر على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يبين مدى الألم الذي يلحق بهذه الفروج، التي استمتعت بالحرام، وتلذذت بالفحش والعياذ بالله!

    1.   

    تحريم الوسائل المؤدية إلى الزنا

    فحرم الله سبحانه وتعالى الزنا، ولم يرد في أي شريعة من الشرائع التي نزلت من عند الله سبحانه شيء يبيح الزنا بحال من الأحوال، لا في الإسلام، ولا في اليهودية، ولا في النصرانية، ولا في أي شرع نزل من عند الله، بل اتفقت الشرائع كلها على تحريمه، ومن ثم جاء في شريعتنا مزيد من الاحتياطات.

    حرمة النظر إلى النساء

    جاء في شريعتنا تحريم كل سبيل يؤدي إلى هذه الفاحشة، سدت كل الذرائع التي توصل إلى هذه الفاحشة، ابتداءً من النظر إذ قال ربنا سبحانه: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:30-31]، فجاء تحريم النظر المحرم الذي يئول بصاحبه إلى هذه الفاحشة، وسواء كان النظر إلى أجساد العاريات، أو كان النظر إلى المجلات الساقطة الهابطة التي تنشر صور العرايا من النساء، مهيجة للناس على فعل الفواحش كما قال ربنا: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27].

    فالنظر إلى الصور العارية في المجلات، وكذلك إلى المناظر العارية في أجهزة الإعلام من تلفاز وإنترنت وفيديوهات كل ذلك محرم، النظر إلى المناظر العارية المهيجة للشهوات والمعينة على الفسق والفجور كل ذلك محرم وممنوع، وكذلك ما يفعله شرار الشباب الفساق الذين يتجولون على المحلات التي تبيع ملابس النساء الداخلية، فينظرون إلى قمصان النساء ويتغزلون فيها، فكل ذلك من النظر المحرم، إذ كان يثير الشهوات ويشجع عليها، وكذلك النظر إلى المردان الذي يئول إلى فعل الفواحش بهم ومعهم، كل ذلك حرمه جمهور العلماء؛ صيانة للإنسان، ودرءاً لهذه الفتنة العظمى والبلية الكبرى بلية الزنا، التي تفسد على الشخص حياته وتنكد عليه معيشته.

    فأول سبيل يؤدي إلى الفاحشة النظر، ولذا حرمه الله سبحانه بالآيات التي سمعتم، وقد سُئل نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام عن نظر الفجأة، فقال صلى الله عليه وسلم: (اصرف بصرك)، وأخرج الطبراني بإسناد فيه كلام أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه)، فهذا السبيل الأول، وهو النظر المحرم، وقد حرمه الله سبحانه وتعالى علينا درءاً لهذه الفتنة، ودرءاً لهذه البلية.

    حرمة خضوع النساء بالقول

    كذلك من السبل الموصلة إلى هذه الفاحشة الكبرى، خضوع النساء بالقول، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32] فالنسوة اللواتي يخضعن بالقول، ويرققن القول للرجال الأجانب مرتكبات للمآثم، ومرتكبات للحرام، فثم رجال في قلوبهم مرض إذا رقت المرأة في قولها له ظن أنها تريد منه الفاحشة قولاً واحداً، ولا يفكر فيما سوى ذلك، ومن ثم نهى الله سبحانه النساء عن الخضوع بالقول فقال: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا [الأحزاب:32]، وقال سبحانه: وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا [البقرة:235] فلا ينبغي لامرأة أن تخضع بقولها في الهاتف، ولا في حديثها مع الرجال الأجانب، فإن ذلك يدعو إلى الفاحشة ويزينها، ولكن كما قال القائل أيضاً:

    وما عجب أن النساء ترجلت ولكن تأنيث الرجال عُجابُ

    فثم رجل يتحدث في الهاتف أو مع الناس بأسلوب جافٍ وقوي، فإذا تحدث مع النساء خضع لهن بالقول كما تفعل النسوة، فيقع في حبائله نساء كثيرات يفتن بهن ويفتن به، فكل ذلك من السبل الداعية إلى هذه الرذيلة، وإلى هذه الفاحشة، فاحشة الزنا والعياذ بالله!

    حرمة سماع الغناء

    ومن السبل الموصلة إلى هذه الفاحشة سبيل الاستماع إلى الغناء المصحوب بالمعازف الذي يهيج الكامن ويثير الشر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)، فكل أغنية مصحوبة بالموسيقى أو بالمعازف حرام،فالمعازف حرام لما سمعتموه من نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام، وكذلك تلك الأغاني التي لم تصحب بالمعازف، ولكنها تزين الفحش وترغب في الفجور، كتلك الأغاني الساقطة الهابطة، التي تقول فيها امرأة: خذني بحنانك خذني، ونحو هذه الأغاني الهابطة الساقطة، التي لا تنم إلا عن فحش، ولا تدفع إلا إلى شر، فالاستماع إلى ذلك فيه نشر للفساد، والله يقول في كتابه الكريم: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة:205].

    حرمة التبرج والسفور

    وكذلك من السبل الموصلة إلى هذه الفاحشة، التبرج المزري الذي يُفعل الآن، تخرج النساء كاسيات عاريات، كأنه خفي عليهن قول نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما، نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)، فهذا التبرج المزري الذي نهى عنه ربنا في قوله: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33] من أعظم الدوافع إلى الشر، ومن أعظم الدوافع إلى الفساد، كيف يفعل هذا الشاب الممتلئ رجولة وفحولة إذا رأى امرأة تسير في الطريق بهذه المناظر القبيحة؟ كيف يفعل الشاب إذا نظر إلى فلم مؤداة كعموم الأفلام الهابطة الدعوة إلى الرذيلة ومضمونه قصة حب أو عشق تئول إلى زنا والعياذ بالله؟ كيف يفعل هذا الشاب إذا رجع إلى بيته ووجد أمامه في البيت أخته المتبرجة هي الأخرى؟ ألا يئول ذلك إلى فعل الفواحش حتى مع المحارم والعياذ بالله؟!

    إن التبرج نهى عنه ربنا ونهى عنه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام أيما نهي، بل قال نبينا عليه الصلاة والسلام حاثاً على ستر المرأة لجميع بدنها، قال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون المرأة من ربها وهي في قعر بيتها)، ومن ثم جاءت نصوص نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام تحث المرأة على القرار في البيت، إذ هي بخروجها تطمع الشريرين فيها، وتتسبب في الغواية بها: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وصلاتها في حجرتها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في حجرتها).

    وكذلك لا يخفى عليكم أن المرأتين اعتذرتا إلى موسى لما سألهما فقال لهما: مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص:23] أي: إنما ألجأتنا الضرورة إلى أن نخرج من بيوتنا وإلى أن نسقي الأنعام فأبونا شيخ كبير، فلم تكلن الفضليات يخرجن إلا للضرورات، وعند الحاجات، وعند الملمات، فالقرار في البيت من أفضل الوسائل للابتعاد عن جريمة الزنا، وعن الافتتان بالنساء، فإن الفتنة بالنساء من أعظم الفتن على الإطلاق، إذ قال ربنا: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ [آل عمران:14] فصدرت الشهوات بالنساء، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، فهذه سبل ذكرنا بها نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وحذرنا من كل سبيل يدعو إلى الوقوع في هذه الفاحشة.

    حرمة الخلوة بالمرأة الأجنبية

    ومن السبل الداعية إلى هذه الفاحشة والميسرة لها، الخلوة بالنساء الأجنبيات اللواتي لسن بمحارم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، قال رجل: أفرأيت الحمو يا رسول الله -أي: قريب الزوج-؟ قال: الحمو الموت) هكذا قال النبي عليه الصلاة والسلام، فالذين يتساهلون ويدخلون إخوانهم على زوجاتهم، والذين يتساهلون ويدخلون أبناء عمومتهم على نسائهم، عليهم أن يستمعوا إلى المذكور في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الحمو الموت)، فلا تتساهل -يا عبد الله- في إدخال رجل أجنبي بيتك، وتمكنه من زوجتك، وإن كان هذا الرجل قريباً لك، وإن كان هذا الرجل في ظنك تقياً، فإن رجالاً في زمن نبيكم محمد -وهو أفضل الأزمان- دخلوا على نساء فصدرت منهم الفواحش، جاء رجل إلى النبي محمد عليه الصلاة والسلام -كما في البخاري- وقال: (يا رسول الله إن ابني كان عسيفاً عند هذا الرجل -أي: أجيراً عنده- فزنى بامرأته) حدث هذا على عهد نبينا محمد، رجل أجير عند آخر زنى بامرأته.

    وقد يقع مثل ذلك الآن مع أقوام قلت غيرتهم، يدخلون المدرس الخصوصي البيت في غياب الرجال، فيدخل يعبث بالبنات، ويعبث بالنساء في غياب الرجل، وهذه خلوة محرمة، وكذلك لا يمكن طبيب من الخلوة بالمرأة، فالطبيب رجل والمرأة مرأة، وكذلك قد يتخذ الطبيب ممرضة في عيادته، ويدخلها على الرجال، أو هو نفسه يخلو بها، فكم من بلية حدثت بسبب هذه اللقاءات بين الرجال وبين النساء، فلم يبح الله لطبيب أن يخلو بممرضة، ولا لمدرس أن يخلو بطالبة، ولا لسائق أن يخلو بربة بيت ولا بامرأة، ولا لرجل أن يخلو بخادمة في بيته، ولا لمدير أن يخلو بسكرتيرة، كل هذا محرم، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان) .

    فجدير بك -يا عبد الله- أن تحرص على نفسك غاية الحرص من هذه الفتنة، فجريمة واحدة من هذه الجرائم، وفعلة واحدة تنكد عليك دنياك، وتنكد عليك أُخراك، قال النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وما فعل قوم الفاحشة إلا ظهرت فيهم الأوجاع التي لم تكن في الأمم من قبلهم) فالحذر الحذر -أيها الناس- من هذه الفتنة الكبرى، ومن مقدماتها، قال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32].

    حرمة سفر المرأة بدون محرم

    نهى النبي عليه الصلاة والسلام المرأة عن السفر بدون محرم، لماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المرأة عن السفر بلا محرم؟ منعاً من وقوعها في هذه الفاحشة، فالمرأة بجبلتها ناقصة الدين، وناقصة العقل، تخدع من المكرة، فمن ثم قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها محرم) .

    حرمة تطيب المرأة عند خروجها

    وكذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام المرأة عن التطيب عند خروجها، حتى لا تجذب إليها أنظار الرجال، قال عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة خرجت من بيتها متطيبة فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية)، والزنا مراتب كما لا يخفى عليكم، قال عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة شهدت معنا العشاء الآخرة، فلا تمسن طيباً، ولا تمسن بخوراً) كل ذلك حتى لا تجذب إليها الرجال، وقال تعالى: وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].

    التفريق بين الأولاد في المضاجع

    وأمر نبيكم محمد عليه الصلاة والسلام كذلك بالتفريق في المضاجع داخل البيوت، فلا تترك ابنتك المراهقة الشابة متبذلة في ثيابها أمام إخوانها الذين قد امتلئوا فحولة، وتتركهم ينامون في فراش واحد، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (علموا أولادكم الصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، هكذا أدبكم نبيكم محمد عليه أفضل صلاة وأتم تسليم، فالتمسوا سنته، واقتفوا أثره، واهتدوا بهديه، عسى الله سبحانه أن يلحقكم به في أعلى جنة الخلد التي أُعدت للمتقين.

    1.   

    وسائل الوقاية من فاحشة الزنا

    فمن السبل الواقية من هذه الفاحشة الكبرى، بل من أعظم السبل على الإطلاق للوقاية منها:

    مراقبة الله سبحانه وتعالى

    مراقبة الله سبحانه وتعالى، وقد قال ربكم سبحانه: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] فراقبوا الله، واعلموا وأنتم تنظرون هذه النظرات المحرمة أن الله سبحانه يعلم خائنة الأعين، ويعلم كذلك ما تكنه الصدور وما تعلن، فرأس الأمر مراقبة الله سبحانه، والخوف من عقابه جل وعلا، هذا رأس النجاة.

    الزواج

    ثم إن هناك سبيلاً آخر علمنا إياه وذكرنا به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، قال عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)، وكذلك عليك بالاستعفاف قال الله سبحانه: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33]، فرغبنا نبينا في الزواج دفعاً لهذه الفتنة العظمى، فإذا لم تجد من المال ما تتزوج به بكراً فتزوج ولو بثيب، امرأة مات عنها زوجها وترك لها أطفالاً وبُنيات صغيرات، عندها أثاث، وعندها بيت، لا تسأل إلا بعلاً يسترها، فتقدم لمثل هذه وتعفف بها، فإن نبيك محمداً عليه الصلاة والسلام سيد ولد آدم تزوج أول ما تزوج خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي تكبره بخمسة عشر عاماً وهي ثيب، وكانت من أحب نسائه إليه، ولما كان يكثر من ذكرها عاتبته عائشة في ذلك غيرة، فقال عليه الصلاة والسلام (إني رُزقت حبها) مع أنها كانت ثيباً وأكبر منه سناً.

    فإذا لم تستطع أن تتزوج ببكر فتزوج بثيب وتعفف بها، واكفل أيتامها، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وفرق بين أصبعيه)، وكذلك قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالصائم الذي لا يفطر، وكالقائم الذي لا يفتر) هكذا قال عليه الصلاة والسلام، لا تنتظر سنة كاملة متأخراً عن الزواج من أجل أن تجهز غرفة للسفرة، كل -يا عبد الله- على الأرض، وعجل بالبناء قبل سنة، كل على الأرض ولا يلزمك أن تؤجل عاماً من أجل أن تشتري بعض الكراسي وسفرة تأكل عليها، فكن عاقلاً وكن ذكياً في صنعك.

    كذلك لا تنتظر عامين آخرين حتى تجهز غرفة نوم كبرى، ولكن نم على الميسور، وإذا وسع الله عليك فوسع على نفسك، ووسع على أهل بيتك، فنبيك محمد كان ينام على الحصير حتى يؤثر الحصير في جنبه، إن نبي الله موسى عليه السلام آجر نفسه ثمانية أعوام، بل أتم أكمل الأجلين وأفضل الأجلين عشر سنوات أجيراً من أجل عفة فرجه، صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم.

    فبادروا إلى التعفف يا عباد الله! فيا دعاة الإسلام! كونوا من ذوي الغيرة على الأعراض، وكونوا من ذوي الغيرة على النساء، لا يسمح أحدكم لامرأته ولا لابنته أن تخرج مختلطة تزاحم في المواصلات، متبرجة ينظر إليها القاصي والداني، يا دعاة الإصلاح! من منكم يرضى أن تزني أخته؟ من منكم يرضى أن ينظر الشباب الشرير المفسد إلى أخته نظرة بها أذى وبها مكروه؟ فعفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم، ويعف الأجانب عن بناتكم.

    1.   

    التحذير من مكر العابثين بالأعراض

    أيها العباد! أيها المسلمون! في هذه الأزمان صار الذئاب يفترسون الفتاة، ولا يرضون بافتراسها مرة، بل مرات ومرات متعددة، تكثر شكاوى النساء التائبات، فتيات كن غاويات في بعض أزمانهن، فعبث بهن عابث، وارتكب معهن الفاحشة مرتكب، ثم صورها على هذه الحال، وسجل كلامها وهي على تلك الحال من الفحش، ثم لما تابت إذا هو يطاردها وإذا هو يهددها، إما أن تمكنه ثانية من نفسها وإلا نشر الأشرطة، ونشر الصور، ونشر المناظر التي جرت بينه وبينها، فتذعن المرأة وتنتكس مرات ومرات والمعصومات من عصمهن الله.

    فجدير بكل فتاة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تتقي الله في نفسها، وأن تحذر أشد الحذر من هؤلاء الذئاب الذي لا يرقبون فيها إلاً ولا ذمة، جدير بكم أن تحذروا أخواتكم ونسائكم من هؤلاء الذئاب، الذئاب الذين يتلطفون في الحديث في الهواتف، كأنهم الحملان، يتلطفون في الحديث مع النساء في الهواتف إلى أن يوقعوا النساء في الحبائل والأشراك، ثم بعد ذلك لا يرقبون في الفتاة إلاً ولا ذمة.

    1.   

    مسئولية أولياء الأمور تجاه نسائهم وبناتهم

    فيا عباد الله! اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في بناتكم، ما معنى أن تخرج ابنتك قد لبست فستاناً وحسرته من المنتصف حتى قارب عورتها؟ ما معنى هذا إلا الدعوة إلى الفحش، ما معنى أن تخرج ابنتك وقد لبست ملابس ضيقة؟! ولم تكتف بضيقها بل شقتها من أسفل كي يرى الناس عورتها والعياذ بالله، فمن منكم يرضى لابنته أن تكون هكذا؟ إن أهل الشر والفساد سُئلوا سؤالاً: لماذا تصممون الأزياء مفتوحة من الخلف ولا تصممونها مفتوحة من الأمام؟ ليس السؤال سؤال إنكار إنما السؤال سؤال استفسار، قالوا: إنهم جربوا شق الثوب من الخلف فوجدوه أكثر إثارة من شق الثوب من الأمام، فلذلك شقوا ثوب المرأة من الخلف.

    وصنعوا عطوراً خاصة بالنساء كي تجذب الرجال إليهن، وصدق الهل إذ يقول : وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27].

    فإذا كان هناك دعاة للشر، فكونوا من أئمة الخير ومن الدعاة إليه، وإذا كان ثم دعاة إلى الفحش وإلى الرذائل، فهذه سنة لله جرت في الخلق أن يكون من العباد دعاة للشر والفساد، وفي المقابل دعاة للعفة والطهر والطهارة قال ربنا سبحانه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن:2]، فأهل الشر يريدون بكم وبنسائكم الشر، ولا يبرحون من نشر شرهم، ومن نشر فسادهم، بل يعكفون آناء الليل وأطراف النهار للتحضير لإفسادكم، ولإفساد نسائكم، ولنشر الدعارة والفسق والفجور.

    فكونوا -يا عباد الله- من ذوي الشهامات، ومن ذوي الكرامات، ومن ذوي الغيرة على أنفسكم وعلى بناتكم، ولكم جميعاً لقاء عند الله سبحانه يحاسبكم على ما قصرتم وعلى ما فرطتم، فقبل أن يأتي يوم تقول فيه نفس: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزمر:56-57] قبل هذا فانتبهوا لأنفسكم وانتبهوا لبناتكم، (فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).

    لا تترك ابنتك تقرأ المسرحيات، ولا تقرأ الصحف الداعية إلى الفسق وإلى الفجور، لا تترك ابنتك ساعات الليل والنهار تنظر إلى الأفلام الخليعة المهيجة للفواحش، لا تترك ابنتك مع خاطبها الذي خطبها ولم يعقد عليها بعد.

    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756469485