إسلام ويب

نجاة أهل الصدقللشيخ : خالد الراشد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الصدق منزلة عظيمة ومرتبة عالية، فهي أدنى من مرتبة النبوة وأعلى من مرتبة الشهداء، وإن أمراً بهذه المنزلة جدير بأن يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق إليه المتسابقون. ولا يمكن أن يصل إلى تلك المنزلة الرفيعة إلاّ من عرف حقيقتها حق المعرفة، فالصدق ليس محصوراً في الأقوال فحسب، بل يتعدى ذلك، فمفهوم الصدق أوسع وأشمل مما يظنه كثير من الناس.

    1.   

    الحث على الصدق

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    معاشر الأحبة! منذ فترة مضت مر بي هذا الموقف ولعله موقف يتكرر هنا وهناك: في ضحى أحد الأيام بينما أنا على طريق الدمام الساحلي متجهاً إلى مدينة الخبر، إذا برجل على جانب الطريق يشير إلي باستحياء، فاستحيت أنا وتوقفت، فقال: أنا ليلة البارحة أطلت السهر واستيقظت متأخراً فما وجدت من يوصلني إلى مكان وظيفتي، قلت: أين تعمل؟ قال: أنا أعمل في ميناء الدمام، قلت: الأمر هين وأنت على طريقي.

    ركب الرجل، ثم دار بيني وبينه هذا الحديث:

    قال: ماذا سأقول لرئيسي الآن؟ كيف سأبرر له تأخري؟

    قلت: الأمر هين، قل له كما قلت لي تماماً، أطلت السهر، واستيقظت متأخراً، ولم تجد أحداً يوصلك إلى مكان الوظيفة، قال: لن يقبل مني.

    قلت: مصيبة! نتحدث بالصدق ونقول الحقيقة ثم لا يقبل منا!

    وهذا هو واقعنا اليوم، فنكذب ونلفق بالأيمان الكاذبة حتى نعد من الصادقين، وإن صدقنا وقلنا الحق لم يقبل منا، فماذا نفعل؟ أليست هذه من علامات آخر الزمان؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من ورائكم أياماً خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة) هذه أشراط الساعة ظهرت فينا والله المستعان فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:18-19].

    قلت -والحديث لا زال بيني وبينه مستمراً-: أنت تريد رضا من؟ إن أنت تحدثت بالصدق فسترضي الله تبارك وتعالى، وإن أنت كذبت فستسخط الله تبارك وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من ابتغى رضا الله في سخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن ابتغى رضا الناس في سخط الله سخط الله عليه، وأسخط الناس عليه).

    لسان حال الصادق:

    فليتك تحلو والحياة مريرة

    وليتك ترضى والأنام غضاب

    وليت الذي بيني وبينك عامر

    وبيني وبين العالمين خراب

    إذا صح منك الود فالكل هين

    وكل الذي فوق التراب تراب

    من الذي يملك الضر والنفع؟ أليس هو الله؟!

    أنت تبتغي رضا من؟ رضا الله أم رضا المخلوق؟!

    أحبتي! كثير اليوم من يجامل، ويتنازل عن دينه، ويتنازل عن مبادئه، ويتنازل عن قيمه في سبيل عرض من الدنيا قليل، لما تنزل قول الحق تبارك وتعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59] قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: (أتضيع أمتي الصلاة؟) أتضيع أمة محمد الصلاة! تعجب بأبي هو وأمي، هل يعقل أن أمة محمد تنام وتتخلف عن الصلوات؟ فقال جبريل عليه السلام: (يا محمد! يأتي أقوام من أمتك يبيعون دينهم كله بعرض من الدنيا قليل) نسأل الله أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    هذا موقف يمر بي وبك في كثير من الأحيان، يمر بنا في متاجرنا.. في أماكن وظائفنا .. في شوارعنا.. في كل مكان، أصبح الكذب سمة بارزة في المجتمع، الجميع يكذب إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وقل أن نرى الصادقين.

    1.   

    عاقبة الصدق حميدة وعاقبة الكذب وخيمة

    اعلم -بارك الله فيك- أن الصدق امتحان وابتلاء، ولكن عواقب الصدق دائماً حميدة، والكذب -والعياذ بالله- وبال وشر على صاحبه، وعواقبه دائماً وخيمة، وحبل الكذب قصير مهما طال، والبضاعة النادرة إذا قلت في الأسواق غلا ثمنها، وزاد طلب الناس عليها، والبضاعة التي نحتاجها اليوم بضاعة الصدق.

    قال ابن القيم رحمه الله: من منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] منزلة الصادقين، المنزلة التي فرقت بين المؤمنين وبين المنافقين، المنزلة التي فرقت بين أهل النيران وبين أهل الجنان، الصدق الذي صرع الباطل وطرحه، من صال به لم ترد صولته، ومن جال به لم ترد جولته، وهو باب الدخول على الرحمن، قال الله: هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ [المائدة:119]، وقال: لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب:8]، مرتبة الصادقين أدنى من مرتبة النبوة وأعلى من مرتبة الشهداء، قال الله: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].

    الصدق من مراتب الأنبياء كما قال الله عن أنبيائه: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا [مريم:41]، وقال عن إسماعيل: إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا [مريم:54]، وقال عن يوسف: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ [يوسف:46].

    سبب بلوغ الصديق مرتبة الصدق

    بلغ مرتبة الصدق من هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، لكن السؤال: كيف بلغها؟ وكيف وصل إلى تلك المرتبة العالية؟

    وصلها بالأفعال لا بالأقوال، والمواقف هي التي تبين طبيعة الرجال، أما في الرخاء فالجميع يدعي، لكن يأبى الله إلا أن يمتحن هذا ويمتحن ذاك، ليظهر كل إنسان على حقيقته، وهذه سنة ماضية في الأولين وسنة ماضية في اللاحقين: الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا [العنكبوت:2-3] وما أقلهم! وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3] وما أكثرهم!

    عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة:43].

    الصدق مرتبة رفيعة بلغها الصديق رضي الله عنه وأرضاه بأفعاله، قالها وصدق الأقوال بالأفعال، والأفعال أبلغ أثراً من الأقوال، جاء أهل مكة إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه في أول البعثة يقولون له: إن صاحبك -يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم- يدعي أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، ثم رجع من ليلته.

    القلوب التي لم ترض بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً لم تستطع أن تتصور هذا، فقالوا: يا أبا بكر ! صاحبك يدعي أنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عرج به إلى السماء، ثم رجع من ليلته، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: أوقد قال؟ قالوا: نعم، قال: صدق! بكل صراحة وبكل ثقة ويقين، وبلا أدنى تردد ولا ريب، وهذه من علامات الإيمان: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]، ما عنده شك أن قدرة الله مطلقة، وأن علم الله مطلق، وأن الله على كل شيء قدير.

    قالوا: إنه يقول: أسري به وعرج به في ليلة واحدة، والمطايا لا تقطع هذه المسافة إلا في شهور طويلة، ثم ترجع في شهور أطول بعد تعب وعناء، وصاحبك من ليلة واحدة أسري به ثم عرج به إلى السماء، قال: أوقد قال؟ قالوا: نعم، قال: صدق، نصدقه فيما هو أعظم من هذا، نصدقه في خبر السماء صباح مساء، أفلا نصدق أنه أسري به ثم عرج به إلى السماء؟! فـ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1] فسمي أبو بكر من بعدها بـالصديق ، وجاء بالصدق وصدق به.

    والمواقف التي تثبت أن الصديق أهل لهذه الكلمة كثيرة، يوم الهجرة يوم امتحان عظيم، فيه تغير مجرى حياة البشرية، وانتقلت قوة الإسلام من مكة إلى المدينة، ومن هناك انطلقت كتائب الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها؛ لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، فكان يوم الهجرة يوماً عظيماً، والذي حدث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالهجرة، وبدءوا بالخروج آحاداً وفرادى وجماعات، وبقي -بأبي هو وأمي- ينتظر الأمر من السماء حتى يخرج إلى المدينة، وأبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه- يعد العدة لمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم، إنها رحلة من أخطر الرحلات، خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مطلوب حياً أو ميتاً، تخيل رجل تطلبه استخبارات الجزيرة كلها، رجل مطارد من القاصي والداني، من يأتي به حياً أو ميتاً فله مائة ناقة من أطيب أموال العرب، فمن الذي يجازف في مرافقته؟ وماذا تعني مرافقة هذا الرجل في تلك الرحلة الصعبة؟ تعني الموت، لا معنى لتلك الرحلة والمرافقة إلا الموت والهلاك.

    فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يخبره بأن الله قد أذن له بالهجرة؛ بكى الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وأخذ يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: الصحبة الصحبة، أسألك بالله الصحبة الصحبة!

    أتعي ماذا تعني الصحبة؟ أتعي ماذا تعني تلك المرافقة في تلك الرحلة؟ إنها الموت والهلاك، يقول عمر رضي الله عنه وأرضاه: ما غبطت الصديق على شيء كيوم الهجرة. فهو يوم غير الله فيه مجرى البشرية.

    وفي طريق الهجرة أظهر الصديق العجب العجاب، أظهر من الصدق والتفاني في خدمة الدين ما الله به عليم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر : (تارة يسير عن يميني، وتارة عن شمالي، وتارة من أمامي، وتارة من خلفي، قلت: عجب أمرك يا أبا بكر ! قال: يا رسول الله! أتذكر الرصد فأخاف عليك، إن أنا هلكت يهلك رجل واحد، وإن أنت تهلك تهلك البشرية كلها) استحق الصديق أن يكون ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40].

    ثم المواقف تبين أن الصديق صادق في قوله وفي فعله، في الرخاء يدعي الجميع وصلاً لليلى وليلى لا تقر لهم بذاك، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم للنفقة، فقال عمر : والله لأتصدقن اليوم بصدقة ما تصدقها الصديق . منافسة على الطاعات، ومسابقة إلى مرضاة رب الأرض والسماوات، لا كما هو الواقع اليوم، سباق على الدنيا وعلى حطامها، انقلبت الموازين، فبدلاً من أن نتسابق إلى مرضاة الله، بدأنا نتسابق على حطام الدنيا الفانية، يقول عمر : والله لأسبقن الصديق اليوم. فأتى بنصف ماله، أتدري ماذا يعني نصف المال؟ أن تخرج نصف الرصيد الذي تملكه، وتنفقه بنفس طيبة راضية في سبيل الله، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنصف ماله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا أبقيت لأهلك يا عمر ؟ قال: أبقيت مثله) أي: أنفقت النصف وأبقيت النصف الآخر لأهلي. ثم ظل عمر يترقب قدوم الصديق رضي الله عنه وأرضاه، فجاء ووضع ماله كله في حضن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر ؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) فقال عمر : تباً لك يا عمر ! مثلك ينافس الصديق ؟

    ما غيرته الخلافة وما غيرته الإمارة، بل زادته تواضعاً وبذلاً للناس رضي الله عنه وأرضاه، يقول عمر : كنت أراه يصلي الفجر، ثم ينطلق من مصلاه مسرعاً، فقلت: إلى أين يذهب الصديق في مثل هذه الساعة، فتتبعته، فوجدته يدخل بيتاً من بيوت المسلمين، فيمكث فيه حيناً من الزمن، ثم يخرج، فقلت: سأرى ماذا يفعل الصديق في ذلك البيت؟

    يقول عمر : فلما خرج الصديق دخلت البيت، فإذا فيه امرأة عمياء معها صبية صغار، قلت: من أنت يا أمة الله؟! قالت: عمياء حسيرة كسيرة، قلت: ومن هذا الرجل الذي يدخل عليكم؟ قالت: ما نعرفه، ما تدري أن هذا خليفة النبي صلى الله عليه وسلم! ما تدري أن هذا هو أمير المؤمنين وقائدهم رضي الله عنه وأرضاه! قال عمر : وماذا يصنع عندكم؟ قالت: يحلب شاتنا، ويكنس دارنا، ويطعم صغارنا، ثم يمضي في سبيله!

    هذا الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ما غيرته الخلافة والإمارة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال عمر : لأسبقن الصديق غداً، قال عمر : فجئتها مبكراً قبل أن يأتيها الصديق في ذلك اليوم، فقالت لي: لقد سبقك صاحبك! جاءها أبو بكر في ذلك اليوم قبل الوقت المعتاد الذي كان يأتيها فيه! فقال عمر : تباً لك يا عمر ! مثلك ينافس الصديق ؟!

    سخروا أنفسهم وسخروا أموالهم وسخروا أوقاتهم كلها لمرضاة الله تبارك وتعالى، فقال الله عنهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب:23].

    1.   

    المواقف تبين حقيقة الرجال

    المواقف هي التي تبين حقيقة الرجال، أعظم مصيبة مرت على الأمة هي وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ما ابتليت الأمة ببلاء، وما أصيبت بمصيبة أعظم من فقد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن النبي صلى الله عليه وسلم حين مات ترك رجالاً يعرفون قيمة المسئولية، يعرفون أنهم مسئولون عن هذا الدين، وأنهم سيبذلون كل غالٍ وكل نفيس من أجل نصرة هذا الدين، لما مات النبي صلى الله عليه وسلم بدأت علامات النفاق وبدأت المصائب والآلام تهاجم المدينة الصغيرة من كل الجهات، ارتدت الجزيرة ولم يبق على الإسلام إلا مكة والمدينة، وبدأت الروم والفرس تتربص بالمسلمين الدوائر، فقيض الله للمرتدين أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، فشاور القوم: ماذا تقولون في هذه الأوضاع؟

    شتان بين حال الأمة بالأمس وحالها اليوم، في الأمس وجدت الأمة من ينصر دينها، ويصون أعراضها، ويحقن دماءها، ويحفظ مقدساتها في كل مكان، أين لنا بمثل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟!

    قال أبو بكر لمن معه: ما رأيكم؟ شاورهم في المرتدين، قالوا: هناك جيش صغير أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم لتأديب الروم بقيادة أسامة بن زيد الشاب الصغير ابن السابعة عشرة!

    اسمع يا ابن السابعة عشرة، قواد الجيوش من أبناء السابعة عشرة والثامنة عشرة، فماذا يقدم لنا أبناء السابعة عشرة والثامنة عشرة اليوم؟ بعث معاذ سفيراً إلى اليمن وهو ابن ثمان عشرة سنة، فماذا يقدم لنا الشباب اليوم؟

    النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته بارك لذلك الجيش ودعا له بالخروج، ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخرج الجيش، وارتد من ارتد، وجمع أبو بكر المهاجرين والأنصار يستشيرهم في الأمر، فقال عمر : نصبر على المرتدين ما داموا يقيمون الصلاة حتى تنجلي الأمور، وتذهب الأحزان، وتخف الآلام، ثم شاور عثمان وعلياً فقالا بمثل مقولة عمر رضي الله عنهم وأرضاهم، أما الصديق الملهم من ربه فكان له رأي آخر، قال: أما جيش أسامة فيمضي في طريقه، من يكون ابن قحافة حتى يخالف أمراً من أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبقية الباقية من الرجال تجتمع في المسجد استعداداً للخروج لمقاتلة المرتدين، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه. وقال مقولته التي لا زال التاريخ يشهد لها: أينقص الدين وأنا حي؟!

    فانظر إلى ديننا، وإلى بيوتنا وأسواقنا، وإلى كل مكان، من منا قال هذه المقولة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وبذل الغالي والنفيس من أجل نصرة هذا الدين؟

    خرج جيش أسامة وخرج أبو بكر رضي الله عنه بالرجال، فقاتلوا المرتدين، ومن أول معركة انتصر الصديق ، وعاد للمدينة واستعد للخروج مرة ثانية، فأشاروا عليه بالبقاء، وقالوا: يا خليفة رسول الله! لا تفتنا في نفسك، فجهز الجيوش، وانطلقت الألوية، حتى فاءت الجزيرة ورجعت إلى دين الله أفواجاً، من الذي أعادها؟

    أعادها الرجال، أعادها الذين صدقوا مع الله، فصدق الله معهم، بالمواقف يعرف الرجال، وفي الشدة يعرف الرجال لا في الرخاء.

    تريدين إدراك المعالي رخيصة

    ولا بد دون الشهد من إبر النحل

    مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179].

    1.   

    مجالات الصدق

    الصدق مع الله

    أعظم مجالات الصدق: الصدق مع الله تبارك وتعالى، لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، أسألك بالله العظيم: هل الصادق ينام عن الصلوات؟ أليس النوم وقت الصلاة من علامات المنافقين؟ أليس التخلف عن الصلوات والتكاسل في أداء الطاعات من صفات المنافقين والعياذ بالله؟ فأين صليت اليوم؟ وهل كنت صادقاً أم كنت من الكاذبين؟!

    ومن أعظم مجالات الصدق: أن نصدق مع أنفسنا، ومن صدق مع الله صدق مع نفسه.

    ومن أعظم مجالات الصدق: أن نصدق مع الآخرين، وأن نحب للآخرين ما نحب لأنفسنا.

    نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الصدق في التوبة

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه وإخوانه.

    أما بعد:

    أحبتي! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله عباد الله! اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.

    أتدرون من الصادق؟ الصادق هو الذي يصدق في توبته وفي رجعته وإنابته إلى ربه تبارك وتعالى، لذلك جاء في سياق سورة التوبة بعد أن ذكر الله أخبار الثلاثة الذين خلفوا: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [التوبة:118]، ثم قال الله في الآية التي تليها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] أي: كونوا مع الذين تابوا وصدقوا في توبتهم ورجعتهم وإنابتهم إلى ربهم تبارك وتعالى.

    كثير منا يتوب، ولكنه يكذب في توبته، ويتمادى في خطئه وزلته، وتناسى أن الله يمهل، وأنّ الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون.

    قال منصور بن عمار : كان لي صديق مسرفا على نفسه، ثم تاب، وكنت أراه كثير العبادة والتهجد، ففقدته أياماً، فقيل لي: هو مريض، فأتيت إلى داره، فخرجت إلي ابنته، فقالت: من تريد؟ قلت: قولي لأبيك: فلان، فاستأذنت لي، ثم دخلت، فوجدته في وسط الدار وهو مضطجع على فراشه، وقد اسود وجهه، وذرفت عيناه، وغلظت شفتاه، فقلت له وأنا خائف منه: يا أخي! أكثر من قول: لا إله إلا الله، ففتح عينيه فنظر إلى بشدة ثم أغمي عليه، ثم أفاق، فقلت له ثانية: أكثر من قول: لا إله إلا الله، ثم قلتها له ثالثة، ففتح عينيه وقال: يا أخي منصور ! هذه كلمة قد حيل بيني وبينها، فقلت: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قلت: يا أخي! أين تلك الصلاة؟ أين ذلك الصيام؟ أين التهجد والقيام؟ فقال: كان كل ذلك لغير الله، وكانت توبتي كاذبة، إنما كنت أفعل ذلك ليقال عني، وأذكر به، وكنت أفعل ذلك رياء للناس، فأبى الله إلا أن يطرحه، قال: فكنت إذا خلوت بنفسي أغلقت الأبواب، وأسدلت الستور، وشربت الخمور، وبارزت ربي بالمعاصي، ودمت على تلك مدة من الزمان، فأصابني مرض، وأشرفت على الهلاك، فقلت لابنتي هذه: ناوليني المصحف وأخرجوني إلى وسط الدار في الفناء، قال: فأخذوني إلى وسط الدار في الفناء، ومعي المصحف، فنظرت فيه وقرأت فيه، فقلت: اللهم بحق كلامك هذا في هذا القرآن العظيم إلا شفيتني، وأنا أعاهدك ألا أعود إلى الذنب مرة ثانية، ففرج الله عني، فلما شفيت عدت إلى ما كنت عليه من المعاصي والذنوب، وأنساني الشيطان العهد الذي بيني وبين ربي، فبقيت على ذلك مدة من الزمن، في شهوات ولذات ومعاص، أحارب رب الأرض والسماوات، فمرضت مرة ثانية مرضاً شديداً أشرفت فيه على الموت، فأمرت أهلي وقلت: أخرجوني إلى فناء الدار، وجيئوني بالمصحف، أفعل كما فعلت في المرة الأولى، فقرأت القرآن ثم رفعته إلى صدري وقلت: اللهم بحرمة هذا المصحف الكريم وكلامك إلا ما فرجت عني، قال: فاستجاب الله، لي وفرج عني، وعاهدت الله ألا أرجع إلى الذنب والعصيان مرة ثانية، لكني عدت وتناسيت وتغافلت، فوقعت في هذا المرض الذي تراني فيه الآن، فأمرت أهلي فأخرجوني إلى وسط الدار كعادتي وكما تراني، ثم قلت لهم: ائتوني بالمصحف لأقرأ فيه، فلما فتحت المصحف في هذه المرة، لم أر حرفاً واحداً من كلامه، فعلمت أن جبار السماوات والأرضين قد غضب علي، كم عاهدته وكم تبت وكذبت في توبتي، وكم وكم أمهلني وأعطاني من الفرص الواحدة تلو الأخرى! فعلمت أنه سبحانه قد غضب علي، فرفعت رأسي إلى السماء، وقلت: اللهم فرج عني، يا جبار الأرض والسماء، فسمعت كأن هاتفاً يقول:

    تتوب عن الذنوب إذا مرضت

    وترجع للذنوب إذا برئت

    فكم من كربة نجاك منها

    وكم كشف البلاء إذا بليت

    أما تخشى بأن تأتي المنايا

    وأنت على الخطايا قد دهمت

    قال منصور بن عمار : فو الله ما خرجت من عنده إلا وعيني تسكب العبرات، فما وصلت الباب إلا وقيل لي: إنه قد مات، وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ [سبأ:54].

    لذلك قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التحريم:8].

    يجب على الناس أن يتوبوا، ولكن ترك الذنوب أوجب، والدهر في مروره عجيب! ولكن غفلة الناس عنه أعجب، وكل ما ترتجي قريب، ولكن الموت دون ذلك أقرب.

    اتقوا الله -عباد الله- وكونوا مع الصادقين.

    الصدق طريق إلى الجنة

    الصدق طريق الجنة، والكذب طريق النار، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا زال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا زال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).

    أيبتلي الصادق؟

    نعم يبتلى.

    أيخذل؟

    لا والله.

    توجد عقبات كثيرة تعترض الصادقين فيتجاوزونها؛ لأنهم علموا ما هو الثمن المترتب على الثبات والصدق مع رب العالمين قال الله: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران:14-15].

    من هم؟ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران:16].

    ما هي صفتهم؟ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17].

    اللهم اجعلنا منهم ومعهم، اللهم أدخلنا مدخل صدق، وأخرجنا مخرج صدق، واجعل لنا من لدنك سلطاناً نصيراً.

    اللهم اجعلنا ممن يقولون الحق ولا يخافون فيك لومة لائم.

    اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا -يا ربنا- من الراشدين، واحشرنا في زمرة الصادقين المخلصين المنيبين يا رب العالمين!

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

    اللهم اغفر ذنوب المذنبين، واقبل توبة التائبين، وتحمل منا وتجاوز عنا يا أرحم الراحمين!

    عباد الله! إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90] فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755942256