إسلام ويب

هموم المخدراتللشيخ : محمد مختار الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • المخدرات نار تأكل الأخضر واليابس، تنشر العهر والفساد، وتفتح أبواب الشر، وتغلق أبواب الخير والصلاح. مع المخدرات وهمومها ومخاطرها كانت هذه المحاضرة للشيخ حفظه الله، حيث ناقش فيها ضرر المخدرات وأسباب السقوط في حمأتها، وكيفية علاج ذلك.

    1.   

    أضرار الخمر والمخدرات والتحذير منها

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وكشف بإذن الله عن العباد الغمة، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وصاحب رسالةٍ عن أداء رسالته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وفي بداية هذا اللقاء أزجي عاطر الشكر والثناء للجمعية الفيصلية الخيرية، ولمكتب الدعوة بمدينة جدة ، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجزي الجميع خير الجزاء، وأن يتقبل منا ومنهم ما يكون من خير في هذا اللقاء.

    أخواتي المسلمات! شكر الله مسعاكن، وثقل في موازين الحسنات خطاكن، إذ خرج النساء إلى الدنيا الفاتنة وخرجتن تبتغين الله والدار الآخرة، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يثيبكن على هذا الخير العظيم.

    أخواتي المسلمات! إن الله وعظكن فأحسن وعظكن، وأدبكن فأحسن تأديبكن، وعلمكن الخير وهداكن، هذا كتاب الله بين أيديكن؛ لا تنتهي مواعظه ولا تنقضي آياته وعبره، يقود المؤمنة بالله إلى صراط من الله ورضوان من الله، يقودها إلى محبة الله ومغفرة الله، إنه الكتاب الذي هدى الله به الأولين والآخرين، فيه ذكر الصالحات والقانتات والعابدات والصادقات والصابرات، فيه ذكر الخيرات والحسنات، أقبلت عليه المؤمنة ترجو به غذاء روحها، وسبيل ربها، والتقرب والتحبب إلى فاطرها، فكم قرب الله قلوباً منهن إلى الله! وكم أجرى منهن المدامع من خشية الله!

    إنه الكتاب الذي هدى الله به إلى الصواب، وأقام به على منهج السداد، وطريق الرحمة والرشد في الأولى والمعاد، هذا الكتاب العظيم فيه الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، والبشارة والنذارة، فيه النداءات إلى الطاعات والخيرات، أو ترك الفواحش وهجر المنكرات، ومن هذه النداءات التي تفتحت لها قلوب المؤمنين والمؤمنات نداء في سورة كريمة نادى الله عز وجل به القلوب المؤمنة الرحيمة، ناداها بذلك النداء لكي يكون سبباً في نجاتها من البلاء، إنه البلاء وأي البلاء! بل الشقاء وأي الشقاء! نادى الله عزوجل به المؤمنين فكسرت من أجله أواني الخمور، وهجرت به أسباب الغي والشرور، فأريقت في سكك المدينة قربة لله، وفراراً من الله إلى الله، هاتان الآيتان الموعظتان الكريمتان تنـزلتا من الرحمن لكي يفر بها المؤمن من سبيل الشيطان، ومن داعية الفجور والفسوق والعصيان إلى داعية الحب والطاعة لله الرحمن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91].

    سمعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الوقفة الأخيرة مع الشهوة التي مالت إليها النفوس، فأريقت من أجلها الدنان وكسرت الكئوس، وفرت إلى الله جل وعلا بقلوبٍ وعقولٍ سليمة لا يتسلط الشيطان عليها بالعواقب الأليمة والوخيمة.

    هذه الآية الكريمة أراد الله أن يرحم بها هذه الأمة، فلو كانت الأمة تشرب الخمور، ولو كانت الكئوس باقٍ حلالها فكيف يكون حال الأمة أم كيف مآلها؟!

    لو تصورنا بقاء حل الخمور كيف يكون حال الناس في الفسق والفجور؟

    إنها النعمة التي رحم الله بها هذه الأمة فكشف بها سبباً من أعظم أسباب البلاء والغمة، رحم الله هذه الأمة الطاهرة، هذه الأمة العابدة القانتة الصالحة، فأنقذها يوم حرم الخمور فأريقت في سكك المدينة خوفاً من البعث والنشور، إنها النجاة من ذلك البلاء العظيم والخطر العميم، إنها النجاة من الجحيم وأي جحيم؛ جحيم المسكرات، جحيم المخدارت الذي من أجله انتهكت الأعراض، وسفكت الدماء، وانتشرت الأسقام والأمراض، فيا لله كم من أم عذبت بهذا البلاء! ويا لله كم من آباء لقوا العناء! ويا لله كم فرق بين الأحبة والأصدقاء!

    إنها الكأس المهلكة والحبة المفنية، إنها الكأس والحبة التي تلتذذ بها النفوس ساعة وتتعذب دهوراً، إنه الجحيم الذي لم يرحم دموع الأمهات، ولم يرحم دموع الأبناء والآباء والبنات، إنه الجحيم الذي وقفت الأم تريق بسببه دموعها على صبيها أو صبيتها يوم أن فارقها في حوادث مؤلمة، إنه الجحيم الذي وقفت فيه الأم تريق دموعها وبينها وبين ابنها وفلذة كبدها قضبان السجون وقد أريقت الدموع على فراقه، إنه الجحيم الذي نظر فيه الأبناء والبنات إلى رب الأسرة وقد انتهك الحدود، وغشي المحرمات؛ فلا يرحم صغيراً لصغره ولا أرملة ضعيفة بين يديه، كم سهر من أجل هذا الجحيم؟ سهرت عيون تكابد شقاءه، وتعاني عناءه، فلا راحم إلا الله ولا مفر منه إلا إلى الله.

    إنه الجحيم والعذاب الأليم، كأس تقود إلى كئوس، وتعذب الأرواح والنفوس، وحبة تجلب الحبوب، وتنتهي إلى الهموم والغموم والكروب، فيا لله من قلوب سقمت، وأرواح تعذبت وحارت! ويا لله من عقولٍ ذهبت، وأجسادٍ خارت، وشباب غض طري طمس نور وجهه وذهب البهاء من رؤيته، كل ذلك عناء تعانيه الأمة، وويلات تجنيها من هذه الغمة.

    إنها الكئوس المهلكة، والحبات المردية القاتلة، إنها الحبة التي لعن الله حاملها والمحمولة إليه وبائعها، لعن الله مروجها، لعن الله آخذها ومتعاطيها، إنها الإبرة التي لعن الله حاقنها والمحقونة فيه، وواجد لذتها، وصانعها، وبائعها، وشاريها، وآكل ثمنها؛ كل أولئك لعنهم الله وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً [النساء:52].

    والله ما من حبة حملت في كفٍ إلا حمل حاملها وزرها، وما من حبة تسببت في ذهاب عقل إلا حمل صاحبها إثم ذلك العقل، وما من حبة تكون سبباً في ذهاب نفسٍ إلا حمل حاملها وزر تلك النفس التي هلكت بسببها، إنها الحبوب التي تجنى بها الأوزار وتوجب سخط الجبار، ونقمة القهار، وسطوة الواحد القهار، إنها الحبة المهلكة المردية المشقية.

    1.   

    المخرج من بلاء المخدرات

    أخواتي المسلمات! وقفة مع هذا العناء وهذا الجحيم وهذا البلاء، يوم تفشى بين قلوبٍ كانت بريئة، ونفوس كانت رحيمة أصبحت من بعده تعاني عناءه وتجد شقاءه وبلاءه، وما المخرج؟

    يوم أصبحت الأم ترى ابنها وقد تردى في مهاويها.

    ويوم أصبح الأب يرى الابن والابنة قد تعاطت كأسها وخارت قواها وتردت في بلائها.

    ما المخرج من هذا البلاء العظيم، وهذا الضنك الأليم؟!

    المخرج من ذلك: الفرار إلى الله بالتوبة الصادقة والدعوة الصادقة والإنابة إلى الله، المخرج الأول الذي إذا حققه الإنسان أنجاه من هذا البلاء وما فيه من وعيد: أن تنظر المؤمنة وينظر المؤمن إلى بعده عن ربه، وطول غيبته عن خالقه قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

    فيا أيتها النفس التي تعذبت بهذا البلاء! هذا نداء فاطر الأرض والسماء: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53] فأجيبـي النداء، وهلمي إلى طاعة الله جل في علاه، هلمي ولو نادت النفس سبحان الله! أيغفرها بعد كئوس شربت وحبوبٍ أخذت؟ أيغفر تلك الليالي المظلمة وما فيها من السيئات والخطيئات؟ أيغفر تلك الكئوس وما تبعها من الخطيئات؟ نعم والله: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر:53].

    الإنابة إلى الله، التوبة الصادقة إلى الله بقلب صادق منيب إلى الله، فما وقف عبد ولا وقفت أمة بباب الله فنحيت عن رحمة الله، إنها التوبة الصادقة التي تبدل بها سيئات الكئوس حسنات، وتغفر بها السيئات والزلات والهنات، التوبة الصادقة قبل أن يدهم الأجل وينقطع الأمل ويجد القلب الوجل، التوبة الصادقة إلى الله جل جلاله الذي يقبل توبة التائبين، ويمحو بفضله ذنوب المسيئين، فلتطو صحيفة الماضي، ولتطو دواوين الماضي، ولتودّع المؤمنة الصادقة زماناً ولى بسيئاته، ولتنب إلى الله جل وعلا منكسرة بين يديه.

    الوقفة الثانية: أن تصحح المؤمنة مسارها، وأن تكون خير معينة للنجاة من هذا البلاء والعناء، فتهدي إلى صديقاتها ومن بلي بعنائها وبلائها، الكلمات المؤثرة والنصائح الغالية الثمينة، فما أحوج كثير من المسلمات إلى النصيحة البالغة المذكرة بالله فاطر السماوات! ذكري بالله لعل الله أن ينظر إلى تلك الكلمات، لعل الله أن يسمع تلك العبارات فيوجب الحب والرضا والقرب منه جل وعلا، أن تحاول المؤمنة الصادقة أن تغفر زلة الماضي بإصلاح أخواتها وصديقاتها.

    الوقفة الثالثة مع تلك المرأة المهمومة المغمومة؛ مع ابن تربى في هذا البلاء، أو بنت عاينت هذا الشقاء، أو زوجٍ هوى في هذا البلاء: أن تقف المرأة الصادقة أمام الابن والبنت والأخ والأخت والزوج وغيره، أن تقف بالصبر والتحمل واحتساب الأجر، فيا أيتها الزوجة المظلومة! يا أيتها الزوجة التي تعاني عناء هذا البلاء في زوجٍ تردى فيه، أو ابن كان من متعاطيه! اصبري واحتسبي وذكري بالله جل جلاله، وإياك والضعف والخور، ابذليها كلمات صادقات من قلبك الصادق لعل الله أن يفتح بها القلوب، وينير بها السبل والدروب إلى رحمة الله علام الغيوب، اصبري واحتسبي الأجر، واعلمي أن الله يسمعك ويراك. إن هذه الهموم التي تعيشينها في ظلمة الليل أو ضياء النهار، إن هذه الهموم التي تجدينها بالعشي والإبكار يراها ويسمعها الواحد القهار.

    يا أمة الله! ابذلي النصائح، واستري الفضائح؛ استري زوجك إن كان مبتلىً بها، وحاولي أن تنتشليه من هذه الغمة، وأن تميطي عن عينيه اللثام فتنجلي الغمة، اصبري وذكري ولو طال الزمان فمن الله التوفيق وعظيم الأجر في الجنان.

    1.   

    أسباب تعاطي المخدرات وعلاجها

    الوقفة الثالثة: ما هي أسباب هذا البلاء الذي يتردى فيه الرجال والنساء؟ وما هو العلاج لهذا الداء؟

    ثلاثة أسباب إذا تهيأت فقد فتح للمخدرات والمسكرات الباب:

    أولها: الفراغ. وثانيهاً: قرين السوء. وثالثها: وجود الهموم والغموم؛ ثلاثة أسباب.

    السبب الأول: الفراغ

    أما الفراغ: فإنه السم القاتل الذي يدعو إلى السوء والرذائل، ما من امرأة يعظم فراغها إلا رأت بلاءً في دينها، ولذلك لا يأتي بلاء المسكرات والمخدرات إلا إذا فرغت المرأة وفرغ الرجل، حينما ترمي المرأة رسالة بيتها وراء ظهرها فتصبح خراجة ولاجة، حينما تنسى حقوق أبنائها وبناتها فتدمن الخروج إلى أسواقها ومتاجرها، إذا فعلت ذلك وأصبحت تجد الفراغ هنالك، هنالك تكون الحبة القاتلة أو الكأس المردية والعياذ بالله.

    علمت يا مجاشع ابن مسعده أن الفراغ والشباب والجده

    مفسدة للمرء أي مفسده

    ولقد عالج الإسلام هذا الفراغ فليس في حياة المؤمنة فراغ، ينبغي للمرأة الصالحة إذا وجدت فراغاً في وقتها أن تسخره في محبة ربها، فتكثر من ذكر الله وحسن الطاعة لله، الفراغ يقتل بالأعمال الصالحة كما قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمساً قبل خمس: فراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك ..) الحديث، الفراغ يقتل بالأعمال الصالحة، أو بالمنفعة التي تعود على المرأة في دنياها بالخير العظيم، تقتل المرأة فراغها إما بخصلة من خصال دينها أو دنياها.

    السبب الثاني: قرينات السوء

    أما السبب الثاني الذي يقود إلى هذه المخدرات، ويوجب الوقوع في هذه البليات: فالقرينات السيئات، من الذي زين كأس الخمر حتى شربت؟ من الذي زين حبة المخدر حتى أخذت؟

    إنها الكلمات المعسولة من ذلك الصديق أو تلك الصديقة التي لا تخاف الله، ولا تراقب الله في إماء الله، إنها الصديقة التي لا تصدق في مودتها، إنها القرينة التي كتب الله الشقاء لمن جاورها وصادقها، فينبغي للمرأة المؤمنة أن تفر من قرينات السوء إلى القرينات الصالحات، إلى مجالس الذكر مع الطائعات القانتات العابدات، أن تفر إلى هذا الرعيل الطيب الصالح فتعمر أوقاتها بالجلوس معهن والتواصي بطاعة الله، والشد على ذلك من أسرهن.

    السبب الثالث: وجود الهموم والغموم

    أما السبب الثالث الذي يقود إلى هذه المهلكات والمرديات: وجود الهموم والغموم.

    المرأة قد تجد زوجاً يؤذيها، أو ابناً يعذبها، فتلتفت هنا وهناك مهمومةً مغمومةً وقد أطبقت عليها الدنيا بالهموم والغموم، فتجد من لا خير فيه من تلك القرينات السيئات، تجد من يقول: حبة تنسي الهموم، حبة تنسي الغموم، حبة تزيل الكروب. وعندها تتناول تلك المرأة المهمومة المغمومة شعرت أو لم تشعر ذلك البلاء القاتل؛ لذلك فإن العلاج لهذا البلاء قد بينه الله جل جلاله.

    فيا أمة الله! إذا ضاقت عليك الحياة بهمومها، أو عضت عليك بأنيابها، إن وجدت الزوج يكفر النعم، إن وجدت الابن يجلب النقم ففري إلى الله بكفٍ ضارعة تشتكي إلى الله.

    يا أمة الله! إن البلاء يفرجه الدعاء.

    يا أمة الله! إن البلاء يزيله فاطر الأرض والسماء، فاصدعي بتلك الكلمات، واجأري بتلك الدعوات مع إيمان بالله فاطر الأرض والسماوات، فستجدين الله حليماً رحيماً، وتجدينه جواداً كريماً، فكم من هموم فرجها، وكم من غموم نفسها، وكم من مؤمنة صادقة رفعت كفها إليه فما خابت في دعائها ولا ظلت في رجائها، فاصدقي مع الله، واعلمي أنه لا يبدد الهموم والغموم أحدٌ سوى الله، ناديه وناجيه فللدعاء أثر في القدر، واصدعي بالدعوات بقلب يوقن بالله جل جلاله أنه مفرج الكربات، ناديه حتى تجدين المعونة وكفاية المئونة، ناديه فإنه يحب الدعاء ويجزي عليه عظيم الجزاء.

    إن الدعاء إيمان وتسليم وإذعان، الدعاء يدل على التوحيد وحسن الظن بالله الحميد المجيد، فاصدعي بالدعوات واجأري إلى الله بها في السجود وفي الصلوات، وخذي بالأسباب الموجبة لمغفرة رب الأرباب، أكثري من الصدقات، وأكثري من الإحسان إلى الأيتام والأرامل، إن أصابك الهم في الزوج والعشير فابذلي بيدك حسنة ترجينها في عورة تسترينها أو كربة عن مؤمن أو مؤمنة بإذن الله تزيلينها.

    إذا علم هذا فإنه ينبغي أن يعلم أن المخدرات والمسكرات من أعظم البليات، وأعظم المصائب التي تهتك بالأفراد والمجتمعات، ومن أراد أن يعرف خطرها، وأن يرى بأم عينيه عظيم بلائها فليزر دور المرضى، ولينظر إلى تلك العقول التي سلبت والأفهام التي أخذت، ولينظر إلى تلك العلل التي حلت بتلك الأجساد التي ظلمت، ولتأخذ المؤمنة عبرة من غيرها فتكون أبعد ما تكون عن هذا البلاء في نفسها وذرياتها.

    1.   

    وصية عاجلة للنساء

    الوصية الأخيرة: يا أمة الله! إن الله حملك المسئولية والأمانة، حملكِ المسئولية عن الأبناء والبنات، حملكِ المسئولية عن هذه الذريات كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها).

    الله الله يا نساء المؤمنات! الله الله في الأبناء والبنات! الله الله في هذه الرسالة العظيمة التي يُنتظر منكن أداؤها، ويُنتظر منكن القيام بعبئها! لا تتركي الابن والبنت إلى خادمة أو غيرها، أنت الأم، وأنت الحانية، وأنت المربية، وأنت المعلمة، وأنت الموجهة، إلى أين تخرجين؟ وأبناؤك لمن تتركين؟

    خذي بأسباب رحمة الله فلعلك أن تعرضي عن الأبناء والبنات فيفتح الله عليك بذلك الإعراض باب البليات، اتقي الله في الأبناء والبنات، واحملي رسالة البيت على أتم الوجوه وأكملها، تقربي إلى الله بغرس الإيمان، بغرس توحيد الرحمن في تلك القلوب البريئة حتى تنشأ على أحسن ما يكون التوحيد والإذعان.

    يا أمة الله! إن رسالة التربية في عنقك شئت أم أبيت، أخذت أو فررت، فلتقفن بين يدي الله، وليسألنك الله جل جلاله عن الأبناء والبنات، اتقي الله في الذريات، إياك وترك الأبناء والبنات دون تربية تحسين فيها بأداء الرسالة على أتم الوجوه وأكملها.

    إن كثيراً من الأبناء والبنات إنما تردى في المسكرات والمخدرات بسبب غفلة الآباء والأمهات، ولذلك جعل الله عذاب الآباء والأمهات إذا وقع الأبناء والبنات في المخدرات عظيماً، وتجد الأب وتجد الأم يعاني عناء الابن والبنت حين يقع كلٌ منهما في هذا البلاء؛ لأنهما السبب، السبب الذي نشأ عن تفريطهما وتساهلهما في أداء رسالتهما.

    فاتقي الله يا أمة الله، واعلمي أنه لا بد من المصير إلى الله، واعلمي أن الله سيسألك عن هذه الأمانة العظيمة، فخذي بمجامع قلوب الصبية إلى محبة الله جل جلاله ومرضاته، كم من ابن وكم من بنت فرت عن هذه البليات بسبب وصية وقعت في القلوب من الآباء والأمهات! إن الأم الصالحة التي غرست في تلك القلوب البريئة المعاني السامية لن تجني من تلك الذرية إلا خيراً، وأبى الله لامرأة تربي صغيرها وتربي بنتها على طاعة الله إلا أن يقر عينها بذلك الخير الذي غرسته، فاحتسبي عند الله في القيام بهذه الرسالة على أتم الوجوه وأكلمها.

    أسال الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يسلمنا وإياكم من هذا البلاء العظيم.

    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترفع عن هذه الأمة بلاء المسكرات والمخدرات، اللهم ارحم العقول التي ذهبت، وارحم الأجساد التي سقمت، اللهم إنا نسألك أن يرتفع هذا البلاء، وأن يزول هذا العناء، ونسألك اللهم أن توفق من تسبب في إزالته، اللهم إنا نسألك أن تخذل من كان سبباً في نشره، اللهم اطمس على سمعه وقلبه وبصره، وخذه أخذ عزيز مقتدر يا ذا العزة والجلال والعظمة والكمال، ونسألك أن توفق كل من أراد قفل بابه لكل خير، وأن تعظم له الأجر في الدنيا والآخرة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين.

    1.   

    الأسئلة

    دور المرأة المسلمة في مكافحة المخدرات

    السؤال: ما دور المرأة المسلمة في مكافحة المخدرات؟

    الجواب: الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

    أما بعد:

    فإن مكافحة المخدرات والوقوف في وجهها من أعظم الحسنات، وإذا احتسبت المرأة المؤمنة فإن الله يعظم أجرها، ويثقل في الميزان ثوابها، واجب المرأة المؤمنة:

    أولاً: إسداء النصح والتوجيه، فإذا علمت أن هناك من يتعاطاها، أو أن هناك من يروجها من صديقاتها فإنه ينبغي عليها ويجب عليها أن تخوفها بالله جل جلاله، أن تذكرها بالله، إن كثيراً ممن يتعاطى المخدرات والمسكرات أو يروجها في غفلة تامة عن آخرته، فيحتاج من المرأة المسلمة أن تذكر تلك القلوب الغافلة بالله جل جلاله، ذكري تلك القلوب الغافلة بلقاء الله وسؤال الله عن كل ما ينشأ من هذه الأضرار، وما يكون من البليات والأخطار.

    أما الأمر الثاني: فإن ارتدع فالحمد لله وخير له من الله، وإن لم يرتدع فيجب على المرأة المسلمة أن تسعى في ردعه بالتبليغ عنه، ولا يجوز السكوت على من يروج المخدرات، وأيما إنسان ذكراً كان أو أنثى علم بمن يتعاطى المخدرات فسكت عنه فإن سكوته يعتبر معونة على الإثم والعدوان والعياذ بالله، فإن سكت عنه وعظم شره كنت مشاركاً له في الإثم؛ فينبغي التناصح، وقد قيض الله عز وجل رجالاً فيهم الخير الكثير، فقد قفل الله بهم أسباب الشر، وقفل بهم أسباب البلاء، وأسأل الله العظيم أن يعظم لهم الأجر في الدنيا والآخرة، وأن يكلل مساعيهم بالتوفيق والسداد.

    إن الوقوف أمام هذا البلاء فرض محتم على كل فرد من أفراد المسلمين كلٌ على قدر استطاعته، فينبغي النصح والتوجيه أولاً، وإذا كان الإنسان قد ردعته النصيحة فالحمد لله، وإذا لم يرتدع فسوط الله بخلقه لا شك أنه سيردعه عن حدود الله ومحارم الله.

    الوصية الثالثة من وصايا المرأة المسلمة تجاه هذا البلاء: أن تنصح أخواتها، فإذا رأت أختاً بريئة وقعت في براثن من يروج الحبوب والمخدرات فينبغي نصحها، ولتحاول أن تكون تلك المرأة المشفقة التي تنقذ الغريقة من غرقها، فتأخذ بذلك القلب البريء عن ذلك العناء العظيم، فلعل الله عزوجل أن ينقذ بك أختاً ترفع الكف إلى الله أن يعظم الأجر فيشكر حسنتك، إن الله شكر شربة ماء سقتها بغيٌ من بغايا بني إسرائيل لكلب فشكر الله لها فغفر ذنوب العمر، فكيف بامرأة تنتشل قلباً بريئاً من هذا البلاء العظيم؟!

    الوصية الرابعة التي ينبغي التواصي بها: الشعور بالمسئولية، وأن الخطر لا يقتصر على متعاطي المخدرات، بل إنه ينتشر عن اليمين والشمال، ويفتك بهذا وذاك.

    إن بلاء المخدرات لا يقتصر على من يتعاطاه بل يتعداه إلى غيره، فينبغي الشعور بهذا الخطر، فاليوم إذا سكت الإنسان عن ابن الجار وبنت الجار فلا يأمنن غداً إذا هتكت أستاره ودخل ذلك البلاء إلى أبنائه وبناته والعياذ بالله.

    فينبغي الشعور بهذا البلاء وهذا العناء، إن البعيد إذا تعاطى المخدرات لم تأمن أن يقتلك على قارعة الطريق، ولا تأمن أن ينتهك العرض على قارعة الطريق، فينبغي الشعور بهذا الخطر العظيم والبلاء العميم، وألا تكون المرأة أنانية في إحساسها، بل ينبغي أن تنطلق من منطلق الشعور بالمسئولية أمام الله جل جلاله، ولقد أمر الله المؤمنين والمؤمنات بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعل خيرية الأمة وهدايتها مقترنة بذلك، فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا للعمل بهذه الوصايا، والله تعالى أعلم.

    زوجي مدمن للمخدرات

    السؤال: هذه امرأة تشكو حالها وتقول: إن لها زوجاً يأتيها في آخر الليل وهو مدمن للمخدرات -والعياذ بالله- وإنها عانت العناء الشديد منه، فماذا ترشدها هل تترك بيتها وتطلب من القاضي أن يفرق بينها وبينه؟ أم بماذا تنصحها؟

    الجواب: أسأل الله العظيم أن يفرج همها وغمها ويفرج هموم كثير من النساء اللاتي بلين ببلائها، أسأل الله العظيم ذلك، وإن كان والحمد لله هذه تعتبر من الأمور اليسيرة أو الظواهر التي ليست متفشية، فالخير لا زال في المجتمع، ولا زال الخير كثيراً، وإنما يخشى على الثوب النقي من الدنس القليل.

    أختي المسلمة! أوصيك بالصبر واحتساب الأجر، احتسبي عند الله جل جلاله في إنقاذ زوجك من النار، وقد يأتيك الشيطان يخذلك عن هذا الصبر فاحتسبي الأجر عند الله جل جلاله، ألم تعلمي أن كل نصيحة تقولينها وكل كلمة تلفظينها أن الله يشكرها لك؟ احتسبي عند الله جل جلاله، فكما أنك تركعين وتسجدين قربة لله فكذلك صبرك على زوجك وأنت تخوفينه في الله وتذكرينه بالله في ميزان حسناتك.

    الوصية الثانية: كثير من النساء ينصحن الأزواج ولكن لا تنفع النصيحة، والسبب في ذلك -والله أعلم- ضعف الإخلاص، بعض النساء ينصحن الأزواج من وازع الغيرة أو وازع الشعور بالفضيحة، لكن لو أن المرأة انطلقت من وازع الإيمان واحتساب الأجر عند الرحمن فإن الكلمة تخرج من القلب والجنان، ولا شك أنها ستستقر في الآذان حتى يأذن الله بدخولها إلى ذلك القلب والجنان، الكلمة التي تخرج من القلب تقع في القلب، فلتصدق الأمر بالتذكير بالله جل جلاله، تحاول قدر استطاعتها أن تكون صادقة في تذكيرها بالله جل جلاله، لا تنظر إلى أنه زوج أو قريب أو أنها تخشى الفضيحة.. لا، إنما تنطلق من منطلق الإيمان، تتكلم وهي تشتري رحمات الله بكلماتها، وتعظ وتنصح وهي تشتري رحمة الله بنصائحها، ذكريه بالله جل جلاله وانصحيه على قدر الاستطاعة.

    الوصية الثالثة: انظري إلى أقرب الناس إلى الزوج، أو أقرب الناس إليك، إنساناً حليماً عاقلاً حكيماً، ومريه أن ينقذ هذا الحائر التائه من بلائه، تحاول المرأة أن تنظر إلى أقارب زوجها أو أقاربها الصالحين فتعرض عليهم مشكلتها وتحاول قدر استطاعتها أن تستحث هممهم لانتشال ذلك الغريق من بلائه.. هذه وصية ثانية.

    أما طلب الطلاق من القاضي فهذا فيه تفصيل:

    إذا كان هذا الزوج ضرره مقتصراً عليه ولا يتعدى إلى الغير فينبغي الحرص على الدعوة والتذكير والصبر ما دام أن شره بعيداً عنك، وأما إذا كان ضرره متعدياً إليك كأن يأتي سكراناً -والعياذ بالله- أو مخدراً أو مخموراً تخافين على نفسك، على أولادك، على بناتك، أو غلب على ظنك أن الذرية تتأثر به في المستقبل، أو غلب على ظنك أنه سيودي بالبيت إلى كارثة أو بلاء فحينئذٍ يشرع لك طلب الطلاق من القاضي، والله تعالى أعلم.

    حكم تعاطي القات

    السؤال: تقول الأخت السائلة: أريد أن أعرف هل القات محرم مع أنه غير مذهب للعقل، وما وجه التحريم فيه؟

    الجواب: أول مرة أسمع أن القات لا يذهب العقل، وقد يكون هذا إنساناً ليس عنده عقل فيشرب القات فيستوي ذهاب العقل ووجوده.

    أما القات فهو محرم لما جاء في الحديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه نهى عن كل مسكر ومفتر) والقات فيه الهزة والنشاط والطرب الذي يوجد في الخمر، وصاحبه إذا تعاطاه فإنه مستعد لأن يقوم بالأعمال التي تخرجه عن طوره، ولا يفعلها في حال يقظته وإفاقته، وهو محرم، وللعلماء رحمة الله عليهم كلام نفيس في القات وغيره من المخدرات أشار إليه غير واحد من العلماء رحمة الله عليهم من المتقدمين، وانعقدت الكلمة عند المحققين على أن القات في حكم المخدرات، ويعتبر ملعونٌ حامله، وملعون المحمول إليه، وبائعه وشاريه، وكذلك أيضاً آخذه ومتعاطيه، فلا يجوز حمله ولا بيعه ولا تعاطيه، وقد يقول القائل: لا شيء فيه كما ورد في السؤال، فلتتق الله المرأة وليتق الله القائل في مقالته، إن فيه أشياء كثيرة وذلك بشهادة أهل الخبرة، وقد تكلم الأطباء في بحوث قيمة ومن أنفسها ما كان في المؤتمر العالمي لمكافحة المسكرات والمخدرات، فقد اطلعت على بحوث قيمة للأطباء تدل على أنه في حكم الخمر والمخدرات، وأنه عظيم الأثر، ولذلك يكون صاحبه عصبي المزاج يثور عند أقل كلمة، وقد يبتلى بالصرع -والعياذ بالله- وقد يبتلى بأشياء مضرة.

    وهنا أقول: ينبغي للإنسان إذا نظر في الشيء فأراد أن يعرف أنه حلال أو حرام أن يتقي الله في نظرته، وأن يعلم أن الأحكام الشرعية لا تحكم بالأهواء، ولا تحكم بالتقاليد ولا بالأعراف، ولكنها تحكم بحكم الله الواحد الديان، ينبغي أن يعلم أن هذا البلاء -أعني القات- مضر بالنفوس، مضر بالعقول، ومفسد للدين، ويورث الأسقام والعلل، فمن قال: إنه حلال. فإنه يخشى عليه الفتنة، فينبغي أن يتقي الله الإنسان.

    ومن يأكل القات أو يتعاطاه وهو يعلم أو يعتقد أنه حرام ويتعاطاه ونفسه منكسرة ويقول: إني مسيء. أهون عند الله من الذي يتعاطاه مستحلاً له -والعياذ بالله- من يتعاطاه ويقول: ليس فيه شيء؛ فهذا والعياذ بالله على خطر، ومن دلائله الإدمان، فإن صاحبه إذا تعاطاه وأدمنه بمجرد أن يتركه تختل أعصابه، ويختل عقله، وقد يفقد العقل والعياذ بالله، أليست هذه الأمور كلها كافية في تحريمه؟!

    فالمقصود: أنه حرام، وهذا الذي ظهر بعد الاستقراء، وإن كان وجد من يقول بحله، ولكن الذي يظهر بعد قراءة بحوث العلماء ورسائلهم فيه أنه محرم ولا يجوز تعاطيه، والله تعالى أعلم.

    حكم شرب الدخان والصلاة خلف من يشربه

    السؤال: تقول الأخت السائلة: شرب الدخان والسجائر هل يجوز؟ وهل يجوز الصلاة وراء إمام يشرب الدخان؟ وما هو الدليل الشرعي في القرآن والسنة على التحريم؟ وما رأي فضيلتكم فيمن يبيعه في المحلات؟

    الجواب: أما بالنسبة لشرب الدخان فهو محرم، ودليل تحريمه من وجهين:

    الوجه الأول: أن الله تعالى وصف نبيه بقوله: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ [الأعراف:157] والخبائث: جمع خبيث، والدخان خبيث وليس من الطيبات.

    أما الدليل الثاني على تحريمه: فوجود الضرر فيه، فإن العلماء رحمهم الله يقولون: إن الشريعة جاءت بجلب المصالح ودفع المفاسد، ودفعت عن الناس أفراداً وجماعات مفاسد الدين والدنيا والآخرة، فهذا الدخان يفسد الإنسان فيؤذيه في قلبه، ويؤذيه في رئته وفي تنفسه، ويؤذيه ويؤذي من شم رائحته؛ وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان، فلو أنه لم ترد آية في كتاب الله بتحريم الدخان ووجدت هذه الدلائل لكانت كافية في تحريمه؛ لأن وجود الضرر فيه يشعر بحرمته؛ لأن الله لا يحل ما فيه ضرر على الناس، ولذلك لو لم تدل الآية على تحريمه لدل وجود الضرر فيه على حرمته فلا يجوز شربه.

    وأما الصلاة وراء إمام يشرب السجائر فالإمامة منصب شريف، ومقام عظيم منيف؛ ينبغي أن يتقلده الأخيار الذين يخافون الله جل جلاله وتكون فيهم القدوة الحسنة، والسيرة المرضية، والسريرة السوية، ينبغي أن يكون الإمام صالح العقيدة صالح الظاهر، مستقيماً على هدي الكتاب والسنة، وإذا تقلد الإمامة الأخيار انتشر الخير، وعظم النفع للناس في دينهم ودنياهم وآخرتهم، فلا يجوز للناس أن يقدموا إنساناً يعلمون أنه شارب دخان، ولكن لو تقدم وهو يشرب الدخان فالصلاة صحيحة، ولا يضر الإنسان إذا صلى وراء من يشرب الدخان؛ لما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يصلون لكم -يعني: الأئمة- فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم) أي: لكم صلاتكم كاملة وعليهم خطؤهم، فلا تزر وازرة وزر أخرى.

    وأما السؤال أو النقطة الثالثة من السؤال: من يبيعه في المحلات؛ كل شيء يضر الناس في دينهم ودنياهم وآخرتهم لا يجوز تعاطي الأسباب لنشره، ومن يتعاطى السبب في نشره فإنه يأثم على قدر ما يكون من ضرره، ولا شك أن بيعه محرم، ومن باعه فإنه يأثم، ولو أن هذه السيجارة بيعت فكانت سبباً في سكتةٍ قلبية لعبد حمل -والعياذ بالله- إثمها.

    وهكذا لو كانت سبباً في مرضه أو سقمه، فمن باع الخير يجني الخير من بيعه، ومن باع الشر يجني الشر من بيعه.

    وأما السؤال أو الجزئية الأخيرة: ما رأيكم فيمن يبيح شرب الحشيش على أساس أنه غير مسكر ولا يوجد تحريم عليه؟

    قال بعض العلماء: من استحل الحشيش فإنه يعتبر كافراً -والعياذ بالله- الحشيش محرمة باتفاق المسلمين، وقد نقل الإجماع على ذلك الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى، وكذلك نقله الحافظ ابن حجر الهيتمي في الزواجر، وأشار العلماء رحمهم الله إلى حرمته ودخولها في نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر، وللإمام الزركشي رحمه الله رسالة قيمة زهرة العريش في تحريم الحشيش ذكر فيها أكثر من مائة مفسدة دينية ودنيوية وأخروية في الحشيش، فلا يجوز للإنسان أن يقول بحلها، ومن أحلها فالله الموعد، وسيحمل وزر من تعاطاها، والله تعالى أعلم.

    حكم مرافقة المحرم الصغير

    السؤال: ما حكم مرافقة المحرم الصغير، مثلاً: عمره في الثانية عشرة؟

    الجواب: أما بالنسبة للمحرم فله حالتان:

    الحالة الأول: أن يكون في السفر، فينبغي أن يكون بالغاً يدفع عن المرأة لو حصل اعتداء عليها، وعلى هذا فلا يجتزأ بالصبي الذي في السن الثانية عشرة، وإنما ينبغي أن يكون على قدر يمكن معه أن يدفع عن المرأة لو كان لها ضرر.

    وأما بالنسبة للحالة الثانية: فهو يكون معها داخل البلد كأن يكون مانعاً للخلوة، كأن تركب في السيارة ويكون معها، فهذا إن شاء الله يعتبر رافعاً للخلوة إذا كان في هذا السن؛ لأنه سن التمييز؛ وسن التمييز تبتدئ في السنة السابعة لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) فدل هذا على أن سن التمييز هو السابعة من العمر.

    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن ترفع عن هذه الأمة بلاء المسكرات والمخدرات.

    اللهم ارحم العقول الذي ذهبت، وارحم الأجساد التي سقمت، اللهم إنا نسألك أن يرتفع هذا البلاء، وأن يزول هذا العناء، ونسألك اللهم أن توفق من تسبب في إزالته، اللهم إنا نسألك أن تخذل من كان سبباً في نشره، اللهم اطمس على سمعه وقلبه وبصره، وخذه أخذ عزيز مقتدر يا ذا العزة والجلال والعظمة والكمال، ونسألك أن توفق كل من أراد قفل بابه لكل خير، وأن تعظم له الأجر في الدنيا والآخرة.

    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه الأمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755953628