الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
صفة الوضوء الشرعي على وجهين:
فهي غسل الوجه مرةً واحدة، ومنه -أي: من غسل الوجه- المضمضة والاستنشاق، وغسل اليدين إلى المرافق، من أطراف الأصابع إلى المرافق مرةً واحدة، ومسح الرأس مرةً واحدة، ومنه -أي: من الرأس إلى الأذنين- وغسل الرجلين إلى الكعبين مرةً واحدة، هذه هي الصفة الواجبة التي لا بد منها.
الشيخ: لا يلزم أخذ ماءٍ جديد للأذنين بل ولا يستحب؛ لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يأخذ ماءً جديداً لأذنيه، فالأفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي بقي بعد مسح رأسه.
المقدم: المسلم إذا لم يخرج من قبله أو دبره شيئاً فإنه لا يغسل الموضعين؟ البول والغائط.
الشيخ: لا يغسل.
مما تواترَ حديثُ من كَذَبْ وَمنْ بنى لله بيتاً واحتَسَبْ
ورؤيةٌ شفاعةٌ والحوضُ ومسحُ خفَّينِ وهذي بعضُ
بل دلّ عليه القرآن في قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6] على قراءة الجر وهي قراءة صحيحة سبعية، ووجه ذلك أن قوله: (وأرجلكم) بالجر معطوفٌ على قوله: (برءوسكم)، والعامل في قوله: (برءوسكم) قوله: (امسحوا)، وعلى هذا فيكون المعنى: امسحوا برءوسكم وامسحوا بأرجلكم، ومن المعلوم أن المسح مناقض للغسل، فلا يمكن أن نقول: إن الآية دالةٌ على وجوب الغسل الدال عليه قراءة النص: (وأرجكم) ووجوب المسح في حالٍ واحدة، بل تتنزل الآية على حالين، والسنة بينت هاذين الحالين، فبينت أن الغسل يكون للرجلين إذا كانتا مكشوفتين، وأن المسح يكون لهما إذا كانتا مستورتين بالجوارب والخفين، وهذا الاستدلال ظاهرٌ لمن تأمله.
وعلى كل حال المسح على الخفين وعلى الجوارب وهي الشراب ثابت ثبوتاً لا مجال للشك فيه، ولهذا قال الإمام أحمد : ليس في قلبي من المسح شيء، يعني: ليس عندي فيه شك بوجه من الوجوه.
الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة، ودليله: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتوضأ، فأهويت لأنزع خفيه، فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما).
فإن لبسهما على غير طهارة وجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ليغسل قدميه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علّل عدم خلعهما عند الوضوء ومسحه عليهما بأنه لبسهما على طهارة، (أدخلتهما طاهرتين).
الشرط الثاني: أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعاً، وهي يومٌ وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وتبتدئ هذه المدة من أول مرةٍ مسح بعد الحدث إلى آخر مدة، فكل مدة مضت قبل المسح فهي غير محسوبة على الإنسان، حتى لو بقي يومين أو ثلاثة على الطهارة التي لبس فيها الخفين أو الجوارب، فإن هذه المدة لا تحسب له إلا من ابتداء المسح أول مرة إلى أن تنتهي المدة، وهي يومٌ وليلة للمقيم، وثلاثة أيام للمسافر كما ذكرنا آنفاً.
مثال ذلك: رجل لبس الخفين أو الجوارب حين توضأ لصلاة الفجر من يوم الأحد وبقي على طهارته إلى أن صلى العشاء ثم نام، ولما استيقظ لصلاة الفجر ليوم الإثنين مسح عليهما، فتبتدئ المدة من مسحه لصلاة الفجر يوم الإثنين؛ لأن هذا أول مرةٍ مسح بعد حدثه، وتنتهي بانتهاء المدة التي ذكرناها آنفاً.
الشرط الثالث: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة، فإن كان في الجنابة فإنه لا مسح، بل يجب عليه أن يخلع الخفين ويغسل جميع بدنه؛ لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، ولكن من غائط وبولٍ ونوم).
وثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المسح يوماً وليلة للمقيم، وثلاثة أيامٍ للمسافر).
فهذه الشروط الثلاثة لا بد منها لجواز المسح على الخفين.
وهناك شروط أخرى اختلف فيها أهل العلم، ولكن القاعدة التي تبنى عليها الأحكام: أن الأصل براءة الذمة من كل ما يقال من شرطٍ أو موجب أو مانع حتى يقوم عليه الدليل.
الشيخ: ليس فيه شروط اللهم إلا أن يكون طاهراً، فإنه إذا كان نجساً لا يمسح عليهما، كأن يتخذ الإنسان خفاً من جلد نجس كجلد الكلاب والسباع فإنه لا يجوز المسح عليه؛ لأنه نجس والنجاسة لا يجوز حملها في الصلاة؛ ولأن النجس لا يجزئ مسحه.
الشيخ: القول الراجح: أنه يجوز المسح على ذلك، أي: على الجورب المخرق والجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة؛ لأنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون ساتراً؛ لأن الرِجل ليست عورةً يجب سترها، وإنما المقصود الرخصة على المكلف والتسهيل عليه بحيث لا نلزمه بخلع هذا الجورب أو الخف عند الوضوء، بل نقول: يكفيك أن تمسح عليه.
هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين، وهذه العلة كما ترى يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق والسليم والخفيف والسقيم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر