السلم هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد هكذا عرّفه صاحب (زاد المستقنع)، ويُعرِّفه بعضهم بأنه ما عُجل ثمنه وأُخر مثمنه، وفي حديث ابن عباس : قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يُسلمون في الثمار السنة والسنتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أسلف في شيء فليُسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم)، وأكثر ما كانوا يُسلفون أو يسلمون في الثمار والزروع ونحوها، يحتاج صاحب النخل أو صاحب العنب إلى نقود، فيأتي إلى التاجر -مثلاً- ويقول: أبيعك في ذمتي مائة صاع من التمر أعطيكها بعد خمسة أشهر أو بعد سنة، وكل صاع بريال لتسلم لي الثمن الآن، ولو كان التمر موجوداً الآن لكان كل صاع بريالين، ولكن أنا أبيعه رخيصاً لأني محتاج إلى الثمن. فينتفع صاحب النخل حيث يأخذ الدراهم مقدمة ليشتري بها -مثلاً- علفاً لدوابه، أو يُعطي منها أجرة العمال، ويُنفق منها على عياله، فإذا صرم النخل أعطى ذلك التاجر مائة صاع، وصاحب التجارة يبيع الصاع بريالين فيحصل له ربح.
وكذلك مثلاً صاحب الزرع، كإنسان يريد أن يزرع وليس عنده مال فعنده البئر وعنده الأرض، وعنده -كما في هذه الأزمنة- الماكنة أو الآلة التي يسقي بها، لكن عنده بعض الأدوات دون بعض، وهو في حاجة -مثلاً- إلى بذور، وبحاجة إلى أجرة عمال، وبحاجة إلى نفقة على عياله، فيأتي إلى التاجر ويقول: أبيعك مائة صاع بر في ذمتي مؤجلة إلى وقت الحصاد بعد خمسة أشهر أو بعد سنة كل صاع بريالين، ولو كان البر موجوداً لكان سعر الصاع بأربعة، ولكن للحاجة أبيعه برخص فيربح المشتري حيث إنه بعد الحصاد إذا قبضها يبيع الصاع بأربعة وقد اشتراه بريالين، وينتفع البائع بتعجيل الثمن، فكل منهما له فائدة، هذا هو حقيقة السلم.
الشرط الأول: أن يكون مما يمكن ضبط صفاته، كمكيل وموزون ومعدود ومزروع يمكن ضبط صفاته، وأخرجوا ما لا ينضبط بالصفات، وعرفوه بأنه الذي تدخله الصناعات اليدوية، وذلك لأنه يختلف، فقد كانت الصناعات اليدوية قديماً تختلف، فالذي يصنع السكاكين لا يجعلها متساوية، بل هذه أكبر من هذه، وهذه أقطع وأمضى من هذه، وهذه فيها حديد قوي وهذه حديد ضعيف، وكذلك الذي يصنع القدور تختلف، فيكون بعضها أكبر من بعض وبعضها أقوى، وهكذا الذي يخيط الثياب، فعادة أنها لا تتساوى، ويكون هذا أطول أو هذا أوسع وما أشبه ذلك، فيقولون: لا يصح السلف فيما تدخله الصناعة اليدوية.
أما في هذه الأزمنة فقد أصبحت الصناعة بالماكنة، وأصبح الاختلاف يسيراً أو ليس هناك اختلاف، فالمصنوعات الآن تصنع بالماكنات، والتجار الآن يسلمون فيها، فيتفقون مع الشركات المنتجة، ويقدمون لها الثمن أو نصف الثمن، ويحدد لهم مدة يسلمون البضاعة فيها، وأصبحت هذه الأدوات كلها يصح السلم فيها؛ لأنها لا تختلف، فيسلمون -مثلاً- في القدور، ويعرفون أرقامها مثلاً، فرقم كذا سعره كذا، ويقول التجار: نشتري منكم -أيها الصناع في المصانع- القدر رقم كذا -مثلاً- بعشرين ونقدم لكم الثمن، ويأتينا بعد نصف سنة. وتكون القدور معروفة، فالذي بثلاثين يعرف برقم كذا، ورقم كذا بعشرين، ورقم كذا بعشرة، ورقم كذا بخمسة، وكذلك أيضاً الأباريق أصبحت معروفة منوعة تنضبط بالصفة، ويصح السلم فيها، وكذلك الصحون أصبحت أيضاً معروفة، وكذلك كل شيء تدخله الصناعة أصبحت الصناعة تضبطه، وهم يسلمون فيها الآن، فيسلمون -مثلاً- في الملاعق مائة ألف كلها بريالين، وكذلك يسلمون في السكاكين الصغيرة أو الكبيرة، حتى في الأمواس والإبر وما أشبهها، يسلمون في الصغير والكبير، فجاز ذلك لأنها أصبحت تنضبط بالصفات، وكذلك أيضاً سائر المصنوعات، فيسلمون الآن في الأحذية، ومن قبل كان الخراز يشقق أحذيته ثم يخرزها بيده بمخراز فيقع فيها اختلاف، فتكون هذه أثقل، وهذه أكبر، وهذه أصغر، ولا يجوز السلم فيها لأنها تختلف، وأما الآن فأصبحت أرقاماً محددة، وليس بينها اختلاف أصلاً، وكذلك أيضاً الثياب أصبحت تصنع بالماكنات بمقاسات معينة، أما التي يفصلها المفصلون ويخيطونها فإنها من الصناعات اليدوية، فأما التي تخاط بالماكنة تفصيلها وعملها فهذه يصح السلم فيها لعدم الاختلاف فيما بينها، فأصبحوا الآن يسلمون حتى في الماكنات الكبيرة مثل مضخات الماء والسيارات مع كبرها إذا كانت تنضبط بالصفة، فمثل هذا جائز لعدم المحذور، وقديماً منعوا من ذلك لكونه يختلف، والآن أصبح الاختلاف فيه يسيراً، وهذا الشرط الأول.
فكلمة (التمر) جنس، والبرني والخضلي والسكري نوع من جنس، فإذا أسلم في تمر فلا يقل: في تمر بل يذكر الجنس بأنه تمر، ويذكر النوع بأنه خضلي أو نيفي أو عجوة، فيذكر النوع حتى لا يختلف النوع، وكذلك الحنطة جنس تحته أنواع، فنوع يسمى الصمع، ونوع يسمى الشارعي، ونوع يسمى الحباب، وأنواع أخرى، فإذا أسلم في الحنطة فلابد أن يذكر الجنس بأنه بر، ويذكر النوع بأنه شارعي -مثلاً- أو أنه صمع أو ما شابهه.
إذاً يجب ذكر الجنس والنوع وكل وصف يختلف به الثمن، فإذا كان هناك أوصاف فلابد أن يذكرها، فمثلاً الأرز جنس، وتحته أنواع، فنوع مصري، وآخر هندي، وآخر باكستاني، وقد يسمى باسم بلده مثل (بشاور) أو نحوها، ولا شك أنه لابد من ضبط كل وصف يختلف به الثمن، وكذلك الحداثة والقدم لابد أن يذكرهما، فالتمر مثلاً يختلف سعره بالحداثة وبالقدم، فيفضل الجديد من التمر، والأرز مثلاً قد يفضل القديم منه، فلابد أن يذكر هل هو جديد أم قديم، فتذكر الحداثة والقدم حتى لا يكون هناك اختلاف.
وهكذا لو اتفقت مع القصاب الذي يبيع اللحم، يبيع الكيلو من لحم الغنم بعشرة ريال، فتقول: أنا أشتري منك مائة كيلو، وأنقدك الثمن الآن كل كيلو بثمانية ريال أسلم لك المال حالاً، وآخذ منك كل يوم كيلو إلى أن أتم مائة يوم فمثل هذا يجوز، ويسمى سلماً مؤجلاً، ولكن الأجل متعدد.
يأتون يجلبون البر، فيقال لأحد التجار: أشتري منك في ذمتك مائة صاع تأتيني بها بعد شهرين أو ثلاثة أشهر ويستلم التاجر الثمن ثم يذهب، فهذا النبطي -وهو من الزارعين- يشتري منه الصاع بريال، وهو هناك يشتري الصاع بنصف ريال، ثم يأتي إليك بها في بلدك، وتبيع الصاع بريالين، فأنت اشتريت بريال، وهو اشتراه بنصف ريال، وأنت بعت بريالين، فكل منهما منتفع، ولو قال -مثلاً-: لا أشتري منك إلا من ثمرة هذه النخلة فلا يجوز؛ لأنها قد يفسد ثمرها، وقد لا تنبت، وكذلك لو قال: لا أقبل إلا من ثمر هذا البستان أو من زرع هذه الأرض، لا يجوز، بل يقول: في ذمتك لي مائة صاع من البر سواء زرعت أو لم تزرع، وإذا حل الأجل فإنك تحضر لي مائة صاع تشتريها أو تحصدها أو ما أشبه ذلك، هذا معنى قولهم: إنه لا يصح في عين ولا في ثمرة شجرة معينة، مخافة أنها لا يصلح منها ثمر.
الجواب: غير صحيح، وذلك لأنه بيع مال بمال متفاوتاً، دراهم حاضرة بدراهم غائبة أقل منها، فيقول -مثلاً-: أعطوني ثلاثة آلاف وخمسمائة وأعطيكم بعد يومين ثلاثة آلاف وخمسمائة وخمسين فيربحون خمسين ريالاً في يومين، ولا شك أن هذا ربا، وهذه زيادة دراهم بدراهم أكثر منها، فيكون هذا ربا، فيصبر الإنسان ويتحمل يومين أو يقترض بقدر حاجته حتى يسلم من الربا، ويأتيه راتبه كاملاً.
الجواب: كلمة (إلا الخشب فلا) جملة معترضة، وأما قوله: (يشتركان فيها)، فيريد به: يشتركان في الزيادة، فإذا باع -مثلاً- البطيخ وهو صغير ثم تركه المشتري ولما تركه زاد فإنهما يشتركان في هذه الزيادة، وأما الخشب فإن زيادته يسيرة.
الجواب: لا يخالفه، وما ذلك إلا لأنه ملزم بسقي شجره، فيقول: الشجر لي وسوف أسقيه، وأنت اشتريت مني الثمرة، فإن شئت فاستلمها في الحال، وإن شئت فاتركها حتى يتم نضجها، فكوني أتضرر لمصلحتك فهذا عليّ فيه ضرر فالشجر إذا لم يسق تضرر وضمر.
الجواب: أدلتهم عموم المبايعات، فإن النبي عليه السلام رخص في بيعه، ونهى أن يباع الثمر حتى يبدو صلاحه، فهذا دليل على أنه دخل في ملك المشتري، وفي الحديث: (نهى أن تباع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع)، فدخلت في ملك المشتري، فإذا أصابتها هذه الجائحة ذهبت على المشتري، والمشتري قد قبضها بالتخلية، والبائع قد استلم الثمن وانقطعت علاقته بها، هذا دليل كل منهم.
الجواب: إذا كان لك الخيار في تلك الأيام بتجربتها، ثم كان تعطلها بسبب آفة داخلية فيها، فإنك تردها على البائع، وأما إذا كان التعطل بسبب منك أنك -مثلاً- خاطرت بها أو أسرعت، أو انقلبت بك، أو حدث منك تهور أو تفحيط أو ما شابه ذلك حتى حصل هذا الخلل فأنت الذي تضمنه ولو رددت السيارة.
الجواب: أحسنت هذه المرأة بما فعلت من الامتناع، ولاشك أن السفر إلى تلك البلاد التي يكثر فيها التبرج وتباع فيها الخمور وتكثر فيها المنكرات وسيلة من وسائل الانحراف، فأولاده إذا رأوا هذه المنكرات تخلقوا بها، وهان أمرها عندهم ذكوراً وإناثاً، ففي هذه الحالة نرى أنها على خير إذا عصته؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعليها نصحه، وعلى من يعرفه أن ينصحه وأن يحذره من هذه الأسباب، وفي بلاده من المنتزهات ما يغنيه عن السفر الذي يكلفه أموالاً ويسبب الضرر له ولأولاده.
الجواب: إذا لم يطالبك به وقال: مباح لك أن تتصرف فيه إلى أن يتوفر لديك فلك أن تتجر به، وربحه وخسرانه عليك، واعتبره كدين في ذمتك، فأما إذا اتفقت معه على أن يكون مضاربة ويكون له جزء من الربح فاعتبره كمضاربة، واعتبر أن خسرانه عليكما وربحه بينكما.
الجواب: ما أرادوا بذلك إلا اجتلاب أموال الناس، فجعلوا في واحد -مثلاً- خمسة ريالات، وأرادوا بذلك أن يشتري هذه الكراتين حتى يحظى بواحد منها، وربما لا تكون النقود إلا في واحد أو اثنين، فنقول: إن هذا خطأ من هذه الشركة التي جعلت نقوداً في داخل هذه المناديل، وعليها ألا تتسبب في اجتلاب أموال الناس بمثل هذه الحيل، والإنسان الذي بحاجة إلى شراء هذه المناديل يشتريها على حالتها.
الجواب: معلوم أنهم ما قصدوا إلا مصالحهم الخاصة، ولم يقصدوا نفع الشعوب، ولا نفع الأفراد، ولو أرادوا ذلك لتصدقوا بهذه الهدايا ونحوها ولأنفقوها في أوجه الخير، ولكن أرادوا بذلك أولاً أن يشتهر متجرهم، وأن يتحدث الناس به، ويكون ذلك كالدعايات التي يُعلن عنها، وأرادوا ثانياً أن الناس إذا تسامعوا بهذه الهدايا ونحوها تهافتوا من كل مكان وتكلفوا وتجشموا المشقة، وبذلوا أموالاً حتى يحصلوا عليها، فيحصلون من الناس أموالاً كثيرة يربحون بها عشرات أمثال تلك الهدايا، فنحن نقول: لا تشجعهم على هذه الدعايات، وعليك أن تشتري ممن تيسر لك، ولا تتكلف الشراء بتشجيعهم، فربما كانت هذه الهدايا لا تحصل لك، وتكون قد تكلفت تكلفاً زائداً بمجيئك من بعيد، فاقنع بما ترزق، واقتصر على ما تيسر.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر