إسلام ويب

فقه العبادات - الصلاة [8]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ستر العورة واجتناب النجاسة شرطان من شروط الصلاة، ولكل منهما أحكام تخصه ينبغي معرفتها حتى تصح صلاة العبد. وقد ذكر العلماء بعض ما يكره لبسه في الصلاة، وذكروا الأماكن المنهي عن الصلاة فيها كالحمام والحش وغيرها.

    1.   

    أحوال انكشاف العورة في الصلاة وحكمها

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

    اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. إخوتي المشاهدين والمشاهدات!

    أسعد الله مساءكم بكل خير، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.

    كنا قد شرحنا في درس سابق بعض مسائل ستر العورة -وهو الشرط الثاني من شروط الصلاة- وتحدثنا عن عورة الرجل وعورة المرأة، إلا أن ثمة بعض المسائل التي تحدث عنها أهل العلم وهي متعلقة بما يكره في الصلاة من الثياب، وكذلك بعض مسائل من انكشفت عورته وهو في الصلاة، ولعلنا نشرع بما كنا قد توقفنا فيه.

    فالمسألة الأولى: حكم من انكشفت بعض عورته.

    نقول: لا يخلو من انكشفت عورته من خمسة أحوال:

    الحال الأولى: من انكشفت عورته وكان الكشف والظهور فاحشاً، وقد طال الزمان -يعني: طال زمن الكشف- وكان ذلك متعمداً، فقد أجمع أهل العلم على أن صلاته باطلة؛ لأنه كشف عورته وهو متعمد وطال الزمان.

    والمقصود هنا عورة الصلاة؛ وهي للرجل ما بين السرة والركبة، والمرأة عورتها كل جسدها إلا وجهها وكفيها وقدميها.

    فلو كشفت عورتها في الصلاة متعمدة وطال الفصل وقد فحش -مثل: من خلعت جلبابها وخمارها- فإن صلاتها لا تصح.

    الحال الثانية: من انكشفت عورته عمداً وكان الكشف يسيراً، فإن جماهير أهل العلم قالوا: إن الصلاة باطلة؛ لأنه كشف شيئاً واجباً عليه تغطيته، وهو متعمد.

    الحال الثالثة: أن يظهر شيء من عورته وهو فاحش؛ ولكن الوقت قصير، مثل: أن تصلي المرأة وولدها بجانبها فيجر ثيابها، فيخرج شعرها، فتأخذ ثيابها ثم تغطيه، أو شخص يصلي وعليه سروال مثلاً، وانحل سرواله فرفعه بعد أن ظهر شيء من خلفه، فإن الراجح والله أعلم أن صلاته صحيحة؛ لأنه جاهل لم يتعمد؛ ولأننا نقول: الراجح أن ستر العورة ليس مثل شروط الصلاة كالوقت؛ فإنه يعذر في حال الجهل والنسيان، وهذا هو مذهب أحمد و أبي حنيفة ، على خلاف ما هو الذي يكشف عرفاً، كما سوف يأتي.

    الحال الرابعة: إذا انكشف شيء من عورته جاهلاً أو ناسياً وكان يسيراً وطال الفصل، فإن بعض أهل العلم قال: إن الصلاة باطلة، كما هو قول أحمد في رواية، وقول مالك و الشافعي في إحدى قوليه.

    والذي يظهر والله أعلم أنه إذا طال الفصل وكان يسيراً مع الجهل والنسيان من غير تعمد فإن الصلاة صحيحة؛ وذلك لما جاء عند البخاري من حديث عمرو بن سلمة في قصة صلاته حينما صلى بقومه، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( فليؤمكم أكثركم قرآناً. قال: فنظروا فلم يجدوا أكثر قرآناً مني، فكأنما يقر القرآن في قلبي، فأممتهم وأنا ابن ست أو ابن سبع سنين، فكنت إذا سجدت خرج شيء من استي -يعني دبري- قال: فكان النساء يقلن: واروا سوأة صاحبكم، قال: فاشتروا لي بردةً، فما فرحت بعد الإسلام فرحي بمثل هذه البردة ).

    وجه الدلالة: أنه قد انكشف شيء من عورته، وكان يسيراً، وطال الفصل؛ لأنه كلما سجد يظهر، فدل ذلك على أن اليسير الذي يكون حال الجهل والنسيان يعفى عنه ولو طال الفصل، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الحال الخامسة: اليسير الذي لم يطل الفصل ولم يكن متعمداً، فالذي يظهر أنه إذا كان يسيراً جداً مثل أن تقوم المرأة فترفع وتحك رأسها، ثم ترجعه، فإن الصلاة صحيحة لكنها لا ينبغي لها أن تصنع ذلك.

    وقلنا: هذا اليسير أيضاً مثل بعض الناس في الحج الذين يصابون بالتخمة -شفانا الله وعافانا وإياهم- فإذا لبسوا الرداء أو الإزار، فربما حال الركوع والسجود ينحل شيء من ذلك، فهم يرفعون، وأحياناً ينزله ثم يرفعه، فهذا خرج شيء من عورته ولكنه يسير، فالراجح والله أعلم أن هذا لم يكن متعمداً، وهذا لحاجة، والله أعلم.

    1.   

    ما يكره لبسه في الصلاة

    السدل في الصلاة

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن أهل العلم تحدثوا عما يكره لبسه في الصلاة.

    فمما ذكروه: السدل في الصلاة، فإن جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة قالوا: يكره للإنسان أن يسدل في صلاته، على خلاف في تفسير السدل.

    والأظهر في تفسير السدل هو أن يضع ثوبه على كتفيه، ثم يرخي طرفيه ولا يرفع الآخر، ويضع غترته مثلاً من الخلف، وهذا مثل الرداء يضعه هكذا، ويظهر شيء من بطنه، فهذا مكروه إذا قلنا: إنه لم يظهر شيء من عورته.

    وقد فسره الإمام أحمد: أن يضع رداءه على كتفيه، ثم يسدلهما من غير أن يذهب بطرف على طرف، وقالوا: إن هذا مكروه؛ لورود الحديث في ذلك -والحديث سوف نتحدث عنه- ولأن ذلك من فعل اليهود، وهذا هو مذهب الحنابلة هذا التفسير الثاني للسدل.

    وقال بعضهم: إن السدل هو إسبال الإزار، وهذا قول عند الشافعية، وهو قول لبعض الحنابلة كـالآمدي وغيره، وقد غلط أبو العباس بن تيمية هذا القول، وقال: إن تفسير السدل بالإسبال غلط، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم وهذا التفسير الثاني للسدل.

    وأما التفسير الثالث للسدل: فهو أن يلتحف بردائه، ويداه داخل الرداء، بحيث يشق عليه أن يفك يديه، فيكون كالذي يصلي وهو معقوص -يعني مربوط- فهذه هي التفاسير الواردة في معنى السدل.

    واعلم -رعاك ربي- أن جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة كرهوا الصلاة في السدل، قالوا: لما جاء في الحديث الذي رواه عسل بن سفيان ، و الحسن بن ذكوان، فيرويه عسل بن سفيان ، عن عطاء ، ويرويه الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول ، عن عطاء ، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسدل الرجل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه )، وهذا حديث الحسن بن ذكوان ، ورواه عسل بن سفيان من غير ذكر الفم، إذاً يرويه عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة )، ورواه أيضاً أبو داود من حديث الحسن بن ذكوان ، عن سليمان الأحول ، عن عطاء ، عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه ).

    والحديث بمجموع طرقه ضعيف؛ فإن عسل بن سفيان رجل ضعيف، و الحسن بن ذكوان ليس بالقوي، وقد ضعفه غير واحد من أهل العلم، فدل ذلك على أن النهي ضعيف.

    وذهب مالك رحمه الله إلى أنه لا بأس أن يسدل الإنسان في صلاته، مثل: أن يضع رداءه على منكبيه ويسدلهما، وقال: رأيت أهل العلم يصنعونه، وكلهم قد رخص فيه. وقد روي عن ابن عمر وغيره، يقول ابن المنذر رحمه الله يقول: والكراهة والنهي لا يثبت إلا بدليل صحيح، ولا دليل على النهي.

    والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن الأولى بالمصلي ألا يتشبه بفعل اليهود، ولكن هذه الأولوية إنما دخلت في عموم حديث ابن عمر : ( من تشبه بقوم فهو منهم )، فهو لم يقصد التشبه، ولكن وجود مثل هذه المحاكاة الأولى تركها، ولا نقول: إنه مكروه؛ لأن الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي؛ ولهذا نقول: الأولى بألا يصنع ذلك، وإن كان ليس ثمة حديث صحيح يصار إليه كما هو مذهب مالك ، وقد فعله ابن عمر رضي الله تعالى عن الجميع.

    اشتمال الصماء

    الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: اشتمال الصماء.

    وقد جاء في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبستين، واللبستان هما: اشتمال الصماء، وكذلك أن يحتبي في ثوب واحد ليس على فرجه منه شيء ).

    قالوا: اشتمال الصماء هو أن يضطبع بأن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، ثم يضع طرفيه على منكبه الأيسر، ثم يأخذ الطرف الأدنى ثم يرفعه على منكبيه، قالوا: فإن ذلك منهي عنه خوفاً من كشف عورته.

    قالوا: فلربما لو سجد ظهر شيء من عورته، وأما إذا كان قد لبس شيئاً على عورته، بحيث لا ينكشف شيء، فإن هذا لا يدل على الكراهة، وأنت ترى أن اشتمال الصماء النهي عنه ثابت، ولكن الراجح أنه لأجل الخوف من كشف العورة.

    إذا ثبت هذا فإن النهي عن كشف العورة ليس مختصاً بالصلاة، بل هو في الصلاة وخارج الصلاة، لكن في الصلاة يجب على المصلي أن يحتاط ولا يخرج شيئاً من ذلك، فدل ذلك على أن اشتمال الصماء يختلف عن السدل في الصلاة؛ لأن السدل جاء النهي عنه في الصلاة، وأما اشتمال الصماء فإن النهي عنه في الصلاة وخارج الصلاة، كما هو في الاحتباء.

    فقد نهي عن لبسة الاحتباء؛ وهي أن يلف على نفسه وليس على فرجه شيء، فربما لو ارتفع لخرج شيء من عورته، والواجب على المسلم أن يستر عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه معاوية بن قرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    إذا ثبت هذا فإن اشتمال الصماء مكروه إذا كان يؤدي إلى كشف العورة، وأما في الصلاة فواجب عليه أن يصلي ولا يكشف شيئاً من عورته، فاشتمال الصماء في الصلاة إذا كان سوف يؤدي في الغالب إلى كشف العورة فإنه حرام؛ لأنه يجب عليه أن يؤدي الصلاة بيقين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    تغطية الوجه

    الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: تغطية الوجه.

    وتغطية الوجه كرهها جماهير أهل العلم، كأن تلبس المرأة البرقع، أو تلبس اللثام، أو يغطي الرجل وجهه، فهذا مكروه إلا لحاجة، كما لو كان مريضاً ويخشى من زيادة مرضه.

    وأما غير المعذور فإن السنة أن يسجد الإنسان من غير حائل، وأن يظهر وجهه كما كان صلى الله عليه وسلم يصنع، ولم ينقل واحد من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجهه، ولو ثبت ولو بدليل ضعيف لنقل، ولما لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغطي وجهه دل ذلك على أن السنة هو عدم التغطية.

    وأما ما جاء في الحديث الذي يرويه الحسن بن ذكوان، عن سليمان الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يغطي الرجل فاه )، فإن الحديث ضعيف، ولكن العمل عليه عند أهل العلم كما ذكر ذلك الترمذي و الخطابي ؛ لأن المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ووجه ظاهر، وعلى هذا فيكره للإنسان أن يتلثم من غير حاجة، وأما الصلاة فهي صحيحة بإجماع أهل العلم.

    كفت الثوب

    الشيخ: كذلك مما نهي عنه في الصلاة: أن يكفت الإنسان الثوب.

    والمعنى كفت الثوب والكم، مثل: أن يكفت ثوبه أو يكفت كمه، فإن السنة ألا يكفتهما؛ لأنه إذا سجد فوقع شيء من ثوبه أجر على ذلك.

    ومن ذلك أيضاً: أن يرفع ثيابه ويربطها بحزام، أو يأخذ الثوب من الوسط ثم يربطه، مثل ما يفعله الشباب حال اللعب، فنقول: السنة أن يرخي ثيابه، ولا يكفت ثوباً ولا شعراً، وهذا مكروه عند جماهير أهل العلم، وهو ثابت في حديث ابن عباس كما في الصحيحين، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نهينا أن نكفت الثوب والشعر )، وفي رواية: ( وألا نكفت ثوباً ولا شعراً )، يعني: أن هذا مما نهينا عنه.

    أما المشالح التي توضع على الكتف، فأحياناً إذا أراد أن يسجد يأخذ بكميه ويضمهما إليه ويسجد، فالظاهر والله أعلم أن ذلك لا بأس به لأمور:

    أولاً: لأن النهي هو أن يلبس اللبس خارج الأمر المعتاد، ولبس المشلح بهذه الطريقة هو الأمر المعتاد والسائد، ولو سجد من غير جمع لأدى ذلك إلى أذية من بجانبه.

    ثانياً: أن العمامة تكفت عند لبسها، فهي جائزة؛ لأن لبسها هكذا، وعلى هذا فالذين يقومون بالوضوء ثم يصلون وهم قد لبسوا فإننا نقول: الأولى أن تزيلوا هذه الثياب التي كففتموها، وتصلون من غير كفت، وأما صلاة من كفت فهي جائزة؛ لما جاء من حديث أبي جحيفة عند البخاري ، قال: ( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء مشمراً )، قال بعض أهل العلم: التشمير هو رفع الثوب، وقال بعضهم: إن النبي عليه الصلاة والسلام رفع ثوبه، والصحيح والله أعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما رفع ثوبه مشمراً، يعني: أنه لم يكن مسبلاً، بل كان قد رفع -بأبي هو وأمي- ثوبه شيئاً قليلاً، وهذا يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام كان أحياناً يلبس الثوب الذي هو مرتفع، وأحياناً يلبس الثوب الذي يلبسه الناس في العادة، وهو أرفع من المنكبين كما كان الخلفاء الراشدون يصنعونه، كما قال أبو بكر : ( إلا أن ثوبي يسترخي )، وهذا يدل على أن أبا بكر كان غير مشمر، وهذا يدل على جواز ذلك.

    ومما يدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام ليس ذلك لبسه دائماً ما جاء في حديث عمران بن حصين : ( فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر إزاره )، فكونه خرج يجر إزاره دليل على أن الإزار فيه نوع من الاسترخاء؛ لكنه لم يشده على حقوه، بأبي هو وأمي، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس أحياناً الثياب التي هي قريبة من الكعبين، ويلبس الثياب التي أعلى من الكعبين، لكنه -بأبي هو وأمي- لم يكن يلبس ثوباً مسبلاً، ولا قريباً من ذلك؛ عليه الصلاة والسلام.

    إذا ثبت فهل السنة في الغترة في الصلاة أن يبقيها هكذا، أم أن يقول بها هكذا، أم يرفعها إلى الأعلى؟

    نقول: الغترة لم تكن موجودة في عهد الصحابة، ولهذا فكل بلد يلبسونها على حسب اعتيادهم، فنقول: بعض مشايخنا يقول: السنة ألا يكفت الغترة، وهذا رأي شيخنا ابن باز وشيخنا محمد بن عثيمين يقول: إن صلى وقد كفت فلا حرج، لكنه إن صلى وقد أرخاها فلا يرفعها لأجل ألا ينشغل، وهذا قوي؛ لأن الغترة حكمها كحكم العمامة، والعمامة عادة ما يلبسها الناس مكفوتة، فهي على حسب العادة، لكن السنة هو عدم الانشغال في الصلاة.

    ومع الأسف الشديد نلاحظ بعض الإخوة في الصلاة يبالغون في حركتهم، فمرةً يرفع غترته هكذا، ومرةً يرفعها هكذا، ومرةً يرفعها هكذا، ومرةً يتلثم، ومرةً يتلعثم، ومرةً يفعل ويفعل، كل ذلك بسبب أنه لم يدرك، ولهذا تسمع بعضهم حينما يقرأ الفاتحة يتلعثم فيها وهو وحده بسبب حركته، فهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الحركة، وأن يكون كما أمر الله بذلك: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام، قال أهل العلم: فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي أن يكون خاشعاً في صلاته ولا ينبغي له أن يتحرك.

    1.   

    أحكام الطهارة من الخبث

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن أهل العلم رحمهم الله ذكروا الشرط الثالث من شروط الصلاة، وهو اجتناب النجاسة، وهو ما عبرنا عنه بالطهارة من الخبث.

    والطهارة من الخبث هي طهارة الثوب، وطهارة البقعة، وطهارة البدن.

    التطهر من النجاسة في الصلاة

    الشيخ: والإنسان في الصلاة مأمور أن يطهر بدنه، ومأمور أن يطهر ثوبه، ومأمور أن يطهر البقعة التي يسجد عليها، وقد استدل العلماء على ذلك بقول الله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4].

    والراجح أن هذا ليس ظاهراً في الدلالة؛ وذلك لأن هذه الآية هي من أوائل ما نزل، ولم يجب على النبي صلى الله عليه وسلم وقتها أن يصلي ولا أن يتوضأ ولا أن يفعل شيئاً من ذلك، والمقصود بتطهير الثياب هو أن يطهر قلبه حتى يدخل فيه الشيء النظيف الطيب وهو كتاب الله سبحانه وتعالى، لكن العلماء رحمهم الله استدلوا بهذه الآية على وجوب الطهارة.

    ومما استدل به على الطهارة في الصلاة ما ثبت عند أبي داود من حديث أبي سعيد الخدري : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوماً فخلع نعليه، فخلع الصحابة نعالهم، فلما سلم قال: ما شأنكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن بهما أذى، فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد بهما أذى فليدلكهما بالتراب؛ فإن التراب لهما طهور ).

    فقوله: (أذى) يدل على أنه يجب على الإنسان أن يزيل ما به من نجاسة.

    وقد ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أن اجتناب النجاسة شرط من شروط الصلاة، على خلاف بينهم في تخفيفها.

    وذهب مالك رحمه الله إلى أن اجتناب النجاسة واجب، والواجب ليس كالشرط، وعلى هذا فلو صلى بالنجاسة جاهلاً أو ناسياً أو معذوراً، فإن صلاته صحيحة، وهذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وأما إذا صلى متعمداً حمل النجاسة فإن صلاته لا تصح على الراجح؛ لأنه خالف المأمور وهو متعمد، وأما الجاهل والناسي فإن الراجح أن صلاته صحيحة.

    وبعض الحنابلة يقول: إن الطهارة شرط، ومع ذلك يخفف حال الجهل والنسيان، وهذا يدل على أنهم لا يعتبرونها كغيرها، ولكنهم يقولون: هي شرط من باب أنها خارج ماهية الصلاة، فهذا نوع من التقسيم كما ذكر ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

    من صلى وهو يحمل النجاسة

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن الإنسان لا يجوز له أن يصلي وهو متعمد في ثوب نجس، وما تقولون فيمن يحمل النجاسة ما حكمه؟

    العلماء قالوا: (فمن صلى في نجاسة أو لاقاها أو حملها)، فجعلوا حمل النجاسة ممنوعاً، ومثلوا لذلك قالوا: يحمل نجاسة مثل أن يحمل ثوباً فيه نجاسة، ولكن اليوم الإنسان يصلي وهو حامل للنجاسة لمرض وغيره، مثل الذي به مرض الكلى، فإنهم يضعون له كيساً بحيث يتبول فيه ويصلي وهو حامل له، أو الذي فيه فتحة بالمثانة فهو معذور.

    ولهذا نقول: إن حمل النجاسة ينقسم إلى قسمين: أن يكون معذوراً أو ليس بمعذور فأما المعذور فإن الراجح أن صلاته جائزة، ومن المعذور ما قيل فيه عند الدارقطني : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في صحن المسجد، فجاءت قريش فأتوا بسلا الجزور فوضعوه على ظهره، فجاء عبد الله بن مسعود فأخبر فاطمة ، فجاءت وهي تبكي، فأزالتها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لم يقطع صلاته )، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

    وهذا يدل على أن هؤلاء الكفرة الفجرة لا يريدون من المسلمين أن يؤدوا عباداتهم كما أمرهم الله، فهم يريدون أن يؤذوهم، واليوم الذين يريدون أن يتحدثوا عن الإسلام، ويسبوا المسلمين، وإذا قيل لهم: هكذا هو الدين، قالوا: لا، تفسير الإسلام ليس بمعناكم أنتم، فيحاولون أن يفسروا الدين بمفاهيم مخالفة لمفاهيم أهل العلم، ومخالفة لمفاهيم الصحابة، ومخالفة لمفاهيم أئمة السلف والخلف، فهؤلاء لا يستطيعون أن يقولوا: نحن نحارب القرآن، أو نحن نحارب السنة، أو نحارب ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لو قالوا ذلك لعلم الناس خبيئة سريرتهم، وأنهم يريدون إفساد الدين، ولكنهم أتوا بما يسمى تجديد الخطاب الديني، بما يفسر لهم معنىً آخر ليس هو المعنى الذي حمله أهل العلم خلفاً عن سلف، ولأجل هذا نقول: إن هؤلاء يحاربون المسلمين لأجل أنهم مسلمون، ولأجل هذا يجب علينا أن نتفقه في هذا الأمر، وألا نغتر بالشعارات، ولا بالعبارات، ولا تأسرنا المصطلحات؛ لأن ذلك أحياناً يؤثر كما يؤثر المنافقون الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حينما قال الله تعالى: وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة:47]، يعني: من الصحابة من هو سماع للمنافقين، فإذا كان تأثير المنافقين إنما هو بالشعر والبيان، فما بالك بالإعلام الذي يغير الحقائق، ويقلب الأمور، ويجعل الإنسان في حيرة من أمره، فلأجل هذا يجب على الإنسان أن يعلم أن دين الله منصور، وأنه محارب ولكن لا يضيره ذلك؛ لأنه سوف ينتصر الإسلام بعز عزيز، أو بذل ذليل.

    إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإننا نقول: إن الراجح والله أعلم أن صلاة المعذور في حمل النجاسة جائزة، وأما غير المعذور فإن الراجح والله أعلم أن صلاته لا تصح.

    من صلى ناسياً أو جاهلاً أنه يحمل نجاسة

    الشيخ: المسألة الأخرى: لو صلى جاهلاً أو ناسياً وهو حامل للنجاسة. فما حكمه؟

    مثال: شخص صلى وثيابه الداخلية عليها نجاسة، وانتهت الصلاة فما حكمه؟ ذهب الحنابلة إلى أن من صلى وثوبه نجس حتى انتهت صلاته أنه يجب عليه أن يعيد الصلاة، وهذا مذهب الشافعي في أحد قوليه.

    والراجح والله أعلم هو مذهب مالك و أحمد في رواية، و الشافعي في قوله الآخر: أن ذلك لا يجب، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله؛ لأن ثمة فرقاً بين اجتناب المحظور وفعل المأمور، أما فعل المأمور -كالطهارة من الحدث- فإن الإنسان لو صلى مع عدمه فإنه مأمور أن يعيد صلاته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ).

    وأما اجتناب المحظور فإنه يعفى عنه حال الجهل والنسيان، ودليل ذلك ما ثبت عند أهل السنن من حديث أبي سعيد : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، وفي أثناء صلاته تذكر أن نعليه بهما أذى فخلعهما )، وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم لم يقطع صلاته؛ لأن أول الصلاة كان على نعله نجاسة، فيعلم من ذلك أنه لا يجب إبطال شيء من ذلك حال الجهل والنسيان، ولا فرق أن يعلم بذلك أثناء الصلاة، أو أن يعلم بعد انتهائها؛ لأنه لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يكمل صلاته ولا يستأنفها دل على أن الصلاة بالثوب النجس حال العذر والجهل صحيحة، بدليل أنه أكمل صلاته، وهذا هو الراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    من تذكر أثناء الصلاة أن عليه نجاسة

    الشيخ: أما إذا تذكر أثناء الصلاة فإنه لا يجوز له أن يصلي، ولهذا ينبغي أن يعلم الإمام إذا كان يصلي فتذكر أن ثيابه الداخلية نجسة فاستحيا من الخلق فلم يخرج، فنقول: يجب عليك أن تستحي من الله، وأن تخرج وتجعل الناس يتمون صلاتهم، على الخلاف هل يصلي كل واحد وحده، أم يتقدم أحدهم فيكمل صلاتهم كما هو مذهب الشافعي ، ورواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية ، وهذا هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، وسوف نتحدث عنه إن شاء الله في درس لاحق.

    صلاة من وضع مصلاه أو سجادته فوق بقعة نجسة

    الشيخ: من المسائل أيضاً: لو صلى في أرض نجسة، لكنه وضع عليها سجادة، أو سجد على شيء طاهر.

    وذلك مثل ما لو كان هناك بول على مكان، ثم وضع مصلى فصلى فيه، فالصحيح أن الصلاة صحيحة؛ لأن البقعة طاهرة، ولا أثر لما تحت ذلك.

    ومن هذا نعلم أن الصلاة صحيحة فوق سطح الحمام، أو فوق سطح الحش إذا كانت البقعة طاهرة، ولا كراهة في ذلك، خلافاً لبعض الحنابلة الذين صححوا الصلاة مع الكراهة، فالراجح والله أعلم ألا كراهة في ذلك، وإن كان الأفضل أن يصلي في غير ذلك المكان؛ لأنه قد ينشغل بالتفكير: هل تصح صلاتي أو لا؟ فهذا الانشغال مدعاة إلى أن يحرك عقله بغير طاعة الله، فلأجل هذا ينهى عن هذا إذا كان يحرك أمراً من أموره التي تشغله عن الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عائشة : ( أنه صلى بخميصة لها أعلام، ثم قال: اذهبوا بهذه الخميصة وائتوني بإنبجانية أبي جهم ؛ فإن هذه ألهتني آنفاً عن صلاتي )، فهذا يدل على أن الإنسان ينهى أن يصلي فيما يشغله عن صلاته.

    ومن المؤسف أن بعض الناس ينشغل في أمور لو تركها لكان أفضل، مثل: أن يصلي وبجانبه شخص قد فعل مكروهاً، كأن رأى شخصاً يتلثم، فتجد أنه ينشغل لأجل هذا، ماذا يقول له؟ وكيف ينصحه؟ فصلاته ليس فيها خشوع؛ لأنه منشغل بمن على جانبه، والواجب عليه أن ينشغل بصلاته، فنقول: فعله مكروه، وأنت انشغالك بهذا الأمر مكروه، ويجب عليك أن تقبل على صلاتك ولا تحرص على الآخرين إذا كان ذلك لا يبطل صلاتهم؛ هذا هو الأفضل في حقك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    1.   

    الأماكن التي ينهى عن الصلاة فيها

    المقبرة

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن أهل العلم رحمهم الله ذكروا بعض الأماكن المنهي عن الصلاة فيها، ومنها الصلاة في المقبرة.

    والصلاة في المقبرة تنقسم إلى قسمين:

    الأول: الصلاة على الميت، الثاني: التطوعات أو الفرائض المعتادة.

    فأما القسم الأول وهو الصلاة على الميت، وما تسمى صلاة الجَنازة، فالصحيح أن صلاة الجنازة في المقبرة جائزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( دلوني على قبرها، فصلى عليها، وصلى الناس خلفه )، كما ثبت ذلك في الصحيحين في قصة المرأة التي كانت تقم القمامة من المسجد.

    وأما القسم الثاني وهو صلاة التطوع أو الفريضة في المقبرة، فذهب عامة أهل العلم -بل حكى بعضهم الإجماع- إلى حرمة أن يصلي الإنسان التطوع أو الفريضة في المقبرة.

    فأجمع أهل العلم -ولا عبرة بالمخالف- على أن صلاة التطوع والفريضة في المقبرة محرمة، ولو لم تكن إلى قبر.

    والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها )، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث مرثد بن أبي مرثد الغنوي .

    وهل النهي عن الصلاة فيها لأجل النجاسة -كما يقول الشافعي- أو حفاظاً على العبادة وخوفاً من الشرك والاقتراب منه؟

    قولان لأهل العلم أصحهما هو القول الثاني: أن النهي إنما هو خوفاً من العبادة والتعبد لغير الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، وهذا هو مذهب الحنابلة وأكثر السلف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، أولئك شرار الخلق عند الله )، ولا يتخذون مسجداً إلا للصلاة والدعاء وغير ذلك، وهذا كله محرم، فإذا نهي عن الدعاء في المقبرة خوفاً من أن يكون ذلك لأجل أن يقال: ما دعوت واستجيب لي إلا لأجل أني في المقبرة، تعالى الله عما يقولون! فإن ذلك منهي عنه في الصلاة من باب أولى، ولهذا فإن الصحيح أن الصلاة في المقبرة ولو كانت البقعة طاهرة لا تصح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، والنهي يقتضي الفساد؛ لأنه لا ينفك عن البقعة في ذلك، لأجل أنه مخالف لمقصود العبادة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    معاطن الإبل ومرابض الغنم

    الشيخ: أيضاً من الأماكن التي تكلم عليها العلماء الصلاة في معاطن الإبل ومرابض الغنم.

    فأما مرابض الغنم فإن الصلاة صحيحة؛ لأن بعرة الحيوان مأكول اللحم طاهرة، وهذا قول عامة أهل العلم، وعلى هذا فالصلاة في مرابض الغنم جائزة؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث جابر بن سمرة أنه قال: ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أنصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم ).

    أما مبارك الإبل، فالمقصود بمبارك الإبل مأواها التي تنام فيه، أو تجلس فيه حينما تشرب عللاً؛ لأن الإبل تشرب ثم تجلس في مكان، ثم يذهبون بها إلى الشربة الثانية، فيقولون: شربت نهلاً بعد علل! فكل ذلك من مبارك الإبل.

    وجماهير أهل العلم على النهي عن الصلاة في مبارك الإبل، على اختلاف بينهم في علة ذلك، فذهب بعضهم إلى أنها لأجل النجاسة، وهذا قول عند الشافعية؛ لأنهم يرون أن روثة مأكول اللحم نجس.

    والصحيح وهو قول جماهير أهل العلم: أن روث وبول مأكول اللحم طاهر، ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس بن مالك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذين جاءوا فأسلموا فاجتووا المدينة -يعني مرضوا-: ألا تذهبون إلى راعينا فتشربون من ألبانها وأبوالها، فذهبوا، فشربوا من ألبانها وأوبالها، فصحوا، فقتلوا الراعي.. ) الحديث، فهذا ينص على أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يشربوا من أبوالها، وهو يدل على طهارة بول الإبل، وعلى أن النهي عن الصلاة ليس لأجل النجاسة.

    والقول الثاني في علة النهي عن الصلاة في مبارك الإبل: قالوا: إن النهي عن الصلاة في مبارك الإبل لأجل أنها مأوى الشياطين، ولأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الإبل خلقت من الجن، أرأيتم إلى نفورها إذا نفرت )، فهذا يدل على أن الإبل خلقت من الجن، ومعنى (من الجن) يعني: أنها لها أثراً بحال الجن، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش )، وهذا هو الظاهر والله أعلم، أعني: أن الحكمة في ذلك إنما هي لأجل أنها مأوى الشياطين، والشارع ينهى عن الاقتراب من الأعراب الأجلاف ومشابهتهم، وكذلك عن مشابهة الجان، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء بالعتمة، وإنها تعتم بحلاب الإبل )، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم -كما يقول أبو العباس- عن مشابهة الأجلاف من الأعراب الغلاظ الأجفاء، وكذلك النهي عما يقترب من الوحوش والجان وغير ذلك مما هو معلوم.

    والعلة الثالثة وهو قول عند الحنابلة قالوا: إن العلة تعبدية.

    والراجح والله أعلم هو القول الثاني: أنها مأوى الشياطين.

    ولكن لو أنه صلى في مبارك الإبل فهل تصح الصلاة؟

    اختلف العلماء في ذلك، فذهب الشافعية وغيرهم إلى أن الصلاة صحيحة مع النهي.

    وبعضهم ذهب إلى أن الصلاة باطلة؛ لأنها مأوى الشياطين؛ لأن ذلك يخالف مقصود العبادة، والقول الثاني أحوط وإن كان قول الشافعي هو الأقوى دليلاً. فالأحوط للعبادة هو القول الثاني الذي اختاره أبو العباس بن تيمية رحمه الله؛ لأن الطهارة ثابتة، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فيكون النهي إنما هو لأجل التحريم، أو الكراهة، والقاعدة في ذلك أن النهي إذا كان ليس عائداً على ماهية العبادة أو على وصفها الذي لا ينفك عنها، فإن النهي يقتضي التحريم، ولكن لو قيل: إن الصلاة لا تنفك عن البقعة فهذا يدل على وصفها الذي لا ينفك عنها، وعلى كل قول فالابتعاد أحوط، وهو أبرأ لذمة الإنسان، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الحمام

    الشيخ: أيضاً من الأماكن المنهي عن الصلاة فيه: الصلاة في الحمام.

    والمقصود بالصلاة في الحمام هي مواضئ الناس، وليس أماكن قضاء الحاجة؛ لأن أماكن قضاء الحاجة هي الحشوش، فإن الحش هو الذي يقضى فيه الناس الحاجة، وأما مواضئ الناس فهذه تسمى الحمامات، والسبب في ذلك أن ذلك ورد فيه نهي من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت عند الترمذي بسند صحيح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ).

    فهذا يدل على أن الحمام لا تصح الصلاة فيه؛ لأنه ليس بمسجد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( فأينما أدركتك الصلاة فصل، فإنما هو مسجد )، فدل ذلك على أنه إذا لم يكن مسجداً فلا تصح الصلاة فيه.

    فالراجح أن الصلاة في الحمام منهي عنها ولو لم يكن لأجل النجاسة، ولا تصح، فيجب على الإنسان أن يعيد صلاته.

    وهذا مثل ما يفعله بعض الإخوان في الحرم إذا كثرت الصفوف، ودخل الناس في أماكن المواضئ، فإنهم يفرشون أرديتهم أو بعض إحراماتهم، فيصلون في أماكن المواضئ، وهذا منهي عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في أرض الحمام، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الحشوش

    الشيخ: أما الحش فإنه من باب أولى، فإذا نهي عن الصلاة في الحمام فإن الصلاة في الحشوش من باب أولى؛ لأن الجان يمكثون فيها، ولهذا جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في حديث علي : ( ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول: بسم الله )، وهذا الحديث روي مرفوعاً، والصواب أنه ضعيف، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    الأرض المغصوبة

    الشيخ: ومن الأماكن أيضاً: الصلاة في الأرض المغصوبة.

    فعند الحنابلة وقول عند مالك : أن الصلاة في الأرض المغصوبة لا تصح؛ لأنهم يرون أن النهي يقتضي الفساد.

    والقول الثاني في المسألة وهو قول جماهير أهل العلم: أن الصلاة في الأرض المغصوبة تصح مع الإثم؛ لأن النهي ليس عائداً على ماهية العبادة ولا على وصفها الذي لا ينفك عنها؛ لأن الإنسان منهي أن يجلس في الأرض المغصوبة حتى خارج الصلاة، فدل ذلك على أن النهي في الأرض المغصوبة ليس عائداً على ذات الصلاة، ولكنه إلى خارج الصلاة.

    وأما الحمام فإن النهي عائد على ذات العبادة؛ لأنك يجوز لك أن تدخل الحمام، فدل ذلك على الفرق بين الأمرين، وهذا يدل على قوة القول بأن الصلاة في مبارك الإبل يدل على البطلان، كما هو مذهب الحنابلة و أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

    المجزرة

    الشيخ: من الأماكن أيضاً: الصلاة في المجزرة.

    فقد جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن من حديث ابن عمر : ( سبعة لا تجوز الصلاة فيهن، وذكر: المقبرة، والمجزرة، وقارعة الطريق، وفوق بيت الله تعالى )، وهذا الحديث ضعيف ولا يصح، وسوف نكمل بقية هذه المسائل في درس لاحق إن شاء الله، ولعل الوقت لا يكفي، فإذا كان هناك سؤال أو سؤالين، وإلا نختم درسنا إن شاء الله.

    1.   

    الأسئلة

    الصلاة في الأماكن المهجورة

    السؤال: بالنسبة للصلاة في الأماكن المهجورة -مثل: سكن مهجور- ما حكمها؟

    الجواب: الصلاة في الأماكن المهجورة لا حرج فيها، ولم يرد دليل على المنع، فلا بأس إن شاء الله، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    لعل في هذا الأمر كفاية، وإن شاء الله نكمل في درس لاحق بإذن الله الأماكن التي يكره الصلاة فيها.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756233238