الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب، وكذلك أيضاً غيرهم، كالحنابلة فإنهم يفرقون بين الركن والواجب، فالركن عندهم فرض ولا تتم الصلاة إلا به، والواجب يجبر بسجود السهو، فهذا الكاساني عدّ الطمأنينة والقرار في الركوع والسجود من الواجبات، ثم أجاب عن حديث المسيء صلاته لأنه وارد عليهم، يقول: أما حديث الأعرابي فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب، ولكن يصلح مكملاً، فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب، يعني أن قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (ثم ارفع حتى تعتدل قائماً، ثم ارفع حتى تعتدل جالساً) يحمل على الوجوب ويحمل نفيه الصلاة على نفي الكمال، أي في قوله: (فإنك لم تصل)، يعني أن الصلاة مجزئة ولكن فيها نقص.
وتمكن النقص الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه، وأمره بالإعادة على الوجوب؛ جبراً للنقصان أو على الزجر عن المعاودة إلى مثله.
بكل حال هذا دليل على أنهم ما عملوا بحديث المسيء صلاته وجعلوه من الآحاد، فلا يصلح ناسخاً للكتاب، وجعلوه مكملاً فيحمل الأمر بالاعتدال على الوجوب.
نحن ما قلنا: إن الحنفية يكرهون الطمأنينة، ولا أنهم يحرمونها، ولكنهم لا يرونها ركناً، أما غيرهم فإنهم يقولون إنها ركن، وإن من صلى بلا طمأنينة فإنها لا تصح صلاته؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع فصل فإنك لم تصل) كلمة: (لم تصل) دليل على الإبطال، لا على نفي الكمال كما يقوله الكاساني.
وبكل حال لعل هذا الحديث ما بلغ أبا حنيفة رحمه الله، وإلا فـأبو حنيفة كان ممن يطمئن في صلاته ويخشع فيها، بل كان يقوم الليل أو أغلب الليل، وليس عليه نقصان ولا عليه طعن.
فالحاصل أنه يقول: الطمأنينة في الركوع واجبة حتى لو تركها ساهياً يلزمه سجود السهو، الآخرون يقولون: إنها ركن والأركان لا تجبر بسجود السهو.
وأما الوتر فيرون أنه واجب، والواجب عندهم أقل رتبة من الفرض، فالواجب ما ثبت بدليل ظني، والركن ما ثبت بدليل قطعي، وأدلتهم مذكورة في كتبهم ولكلٍ اجتهاده.
ذكرنا وجوب صلاة الجماعة، أي: الاجتماع على الصلاة في المساجد على الرجال الأحرار القادرين، وعرفنا بأي شيء تدرك الجماعة، وبأي شيء تدرك الركعة؟ ومتى تجزئ الركعة تكبيرة واحدة، وما يتحمله الإمام عن المأموم وهي ثمانية أشياء، وحكم قراءة من خلف الإمام، وأنه يستحب أن يقرأ في سكتاته وفي السرية، وحكم التخفيف الذي استحبوه وأنه ليس هو النقر.
وكذلك ذكرنا أنه يقدم في الإمامة الأقرأ الأفقه، وحكم الصلاة خلف الفاسق ومتى تصح، وإمامة الأمي أو من يلحن لحناً يحيل المعنى، أو صاحب السلس أو العاجز عن الركوع والسجود أو القعود، أو العاجز عن القيام، ومتى يصلي المأمومون خلف الإمام جلوساً، وحكم إمامة المميز، والمرأة، والمحدث النجس، واللحان، والفأفاء، وأين يقف المأمومون من الإمام، وحكم صلاة المنفرد خلف الصف رجلاً كان أو امرأة، ومن صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه، ومتى يصح اقتداء المأمومين بالإمام، والفرق بين ما إذا كانوا خارج المسجد أو داخل المسجد، ومتى يشترط رؤية الإمام أو سماع صوته، وكذلك انصراف الإمام بعد السلام مباشرة، والصف بين السواري، وحضور المسجد بشيء فيه رائحة كريهة، ومن يعذر بترك الجمعة والجماعة، وصلاة المريض كيف يصلي قائماً ثم قاعداً، ومتى يصلي مستلقياً، وكيف يومئ بالركوع والسجود، وذكر بعض المحققين أنه تسقط عنه الصلاة إذا وصل إلى حالة لا يستطيع فيها الحركة إلا بطرفه؛ وذلك لعجزه، والجمهور على أنها لا تسقط ما دام العقل معه.
وكذلك قصر المسافر للرباعية وأن الصحيح أن السفر يقدر بالزمان لا بالمسافة، وتقدير الفقهاء بالزمان حيث قدروه بمسيرة يومين قاصدين، والذين قدروه بالمساحة؛ لأن تلك المساحة كانت لا تقطع إلا في يومين قاصدين، وحكم من نوى الإقامة إقامة مطلقة، أو عزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، أو ائتم بمقيم أن الجميع يتمون، وأما إذا حبس ظلماً ولم ينو إقامة فإنه يقصر، وحكم الجمع بين الظهرين والعشاءين، وكذلك جمع المسافر والمريض، وحكم الجمع في المطر، وكذلك للريح الشديدة في الليلة الباردة، وهل الأفضل أن يقدم أو يؤخر، وحكم الجمع في البيوت بلا ضرورة، ومتى يبطل الجمع بين الصلاتين بالفاصل بينهما.
وحضور أربعين بالإمام من أهل وجوبها، فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا جمعة إن أمكن وإلا ظهراً، فمن أدرك مع الإمام ركعة أتمها جمعة، وتقديم خطبتين من شرطهما: الوقت، وحمد الله، والصلاة على رسوله عليه السلام، وقراءة آية، وحضور العدد المعتبر، ورفع الصوت بقدر إسماعه، والنية، والوصية بتقوى الله، ولا يتعين لفظها، وأن تكونا ممن يصح أن يؤم فيها لا ممن يتولى الصلاة، وتسن الخطبة على منبر أو موضع عال، وسلام خطيب إذا خرج وإذا أقبل عليهم، وجلوسه إلى فراغ الأذان وبينهما قليلاً، والخطبة قائماً معتمداً على سيف أو عصا، قاصداً تلقاءه، وتقصيرهما والثانية أكثر، والدعاء للمسلمين، وأبيح لمعين كالسلطان.
وهي ركعتان يقرأ في الأولى بعد الفاتحة الجمعة والثانية المنافقين، وحرم إقامتها وعيد في أكثر من موضع ببلد إلا لحاجة، وأقل السنة بعدها ركعتان وأكثرها ست، وسن قبلها أربع غير راتبة، وقراءة الكهف في يومها وليلتها، وكثرة دعاء وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغسل وتنظف وتطيب، ولبس بياض، وتبكير إليها ماشياً، ودنو من الإمام، وكره لغيره تخطي الرقاب إلا لفرجة لا يصل إليها إلا به، وإيثار بمكان أفضل لا قبول، وحرم أن يقيم غير صبي من مكانه فيجلس فيه، والكلام حال الخطبة على غير خطيب، ومن كلمه لحاجة، ومن دخل والإمام يخطب صلى التحية فقط خفيفة.
فصل: وصلاة العيدين فرض كفاية، ووقتها كصلاة الضحى وآخره الزوال، فإن لم يعلم بالعيد إلا بعده صلوا من الغد قضاء، وشرط لوجوبها شروط جمعة، ولصحتها استيطان وعدد جمعة، لكن يسن لمن فاتته أو بعضها أن يقضيها وعلى صفتها أفضل، وتسن في صحراء، وتأخير صلاة فطر، وأكل قبلها، وتقديم أضحى وترك أكل قبلها لمضحٍ، ويصليها ركعتين قبل الخطبة يكبر في الأولى بعد الاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ستاً، وفي الثانية قبل القراءة خمساً، رافعاً يديه مع كل تكبيرة، ويقول بين كل تكبيرتين: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً، أو غيره، ثم يقرأ بعد الفاتحة بالأولى سبح، والثانية الغاشية، ثم يخطب كخطبتي الجمعة، لكن يستفتح في الأولى بتسع تكبيرات، والثانية بسبع، ويبين لهم في الفطر ما يخرجون، وفي الأضحى ما يضحون.
وسن التكبير المطلق ليلتي العيدين، والفطر آكد، ومن أول ذي الحجة إلى فراغ الخطبة، والمقيد عقب كل فريضة في جماعة من فجر عرفة لمحل، ولمحرم من ظهر يوم النحر إلى عصر آخر أيام التشريق.
فصل: وتسن صلاة كسوف ركعتين، كل ركعة بقيامين وركوعين، وتطويل سورة وتسبيح، وكون أول كل أطول، واستسقاء إذا أجدبت الأرض وقحط المطر، وصفتها وأحكامها كعيد، وهي والتي قبلها جماعة أفضل، وإذا أراد الإمام الخروج لها وعظ الناس وأمرهم بالتوبة، والخروج من المظالم، وترك التشاحن، والصيام، والصدقة، ويعدهم يوماً يخرجون فيه، ويخرج متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً متنظفاً لا مطيباً، ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ ومميزو الصبيان، فيصلي ثم يخطب واحدة، يفتتحها بالتكبير كخطبة عيد، ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به، ويرفع يديه وظهورهما نحو السماء، فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً .) إلى آخره.
وإن كثر المطر حتى خيف سُنَّ قول: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ.. [البقرة:286] الآية)].
في هذا حكم صلاة الجمعة وصلاة العيدين وصلاة الكسوف وصلاة الاستسقاء، أما الجمعة فمعروف أنها كل أسبوع، أي: في اليوم السابع من الأسبوع وهو يوم الجمعة، وأما العيد فإنه في كل سنة، عيد الفطر مرة في السنة، وعيد الأضحى مرة في السنة.
في العهد النبوي ما كان هناك إلا مسجد واحد هو المسجد النبوي، يأتي إليه أهل قباء وأهل العوالي وأهل الأماكن التي هي بعيدة عن المدينة، يأتون كلهم ويصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعضهم يأتي من الصباح، ويرجع إلى أهله فلا يصل إليهم إلا مساءً؛ ذلك لأن القصد جمع أهل البلد في مسجد واحد، ولذلك روي عن ابن عباس أو غيره من الصحابة قالوا: (الجمعة على من آواه المبيت إلى أهله)، ومعناه: أن الجمعة واجبة على الإنسان الذي إذا صلى الجمعة ثم رجع إلى أهله أدركهم قبل الليل، ولو سار ثلاث أو أربع ساعات، وهذا دليل على أنهم كانوا يسيرون قبل الصلاة نحو ثلاث ساعات أو أربع متوجهين إلى المسجد، وبعد الصلاة يتوجهون إلى أهليهم فيسيرون نحو ثلاث أو أربع ساعات؛ وذلك لأنه ليس هناك إلا مسجد واحد.
ثم ورد أنه صلى الله عليه وسلم لما اجتمع عيد وجمعة في يوم رخص لمن صلى العيد أن لا يرجعوا إلى صلاة الجمعة؛ وذلك للمشقة عليهم؛ لأنهم أتوا إلى صلاة العيد مبكرين، يمكن أنهم ساروا من آخر الليل، فقطعوا مسيرة ساعتين أو نحوها حتى وصلوا إلى مصلى العيد، ثم لابد أنهم يرجعوا إلى أهليهم بعد صلاة العيد، فيسيرون أيضاً مسيرة ساعتين حتى يصلوا إلى أهليهم، فلو كلفوا أن يأتوا إلى صلاة الجمعة لأتوا أيضاً مسيرة ساعتين قبل الزوال، ثم يرجعون بعد صلاة الجمعة أيضاً مسيرة ساعتين، فيتكلفون ثمان ساعات مشياً، ولا شك أن في ذلك مشقة، فأسقطت عنهم صلاة الجمعة إذا أدركوا صلاة العيد، حيث إنهم قد حصلوا على خير، فيصلون في أماكنهم ظهراً، والقريبون يصلون جمعة، ولذلك قال في الحديث: (وإنا لمجمعون) فالنبي صلى الله عليه وسلم صلى الجمعة بمن كان قريباً، فأما البعيدون فأسقطها عنهم لأجل المشقة، فهذا هو السبب.
إذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة عمن بينه وبين المسجد مسيرة ساعتين، فأما من كان دون ذلك فلا تسقط على الصحيح.
يتساهل كثير من الناس فيصلون ظهراً ويتركون صلاة الجمعة يوم العيد، وربما يصلون في بيوتهم، وليس بينهم وبين المسجد إلا عشر دقائق أو ربع ساعة على السيارات التي يسرها الله وسخرها، فنقول: إن هذا تفريط وإهمال، ما شرعت الجمعة إلا لمصلحة، شرعت لأجل الاجتماع، ولأجل التذاكر، ولأجل التعارف والتباحث في الأمور المهمة، وشرعت لأجل الفوائد التي يستمعونها من الخطباء، ولأنهم قد يكونون جهلة بالقراءة وجهلة بالأحكام، فيتعلمون القراءة ويتعلمون الأحكام التي يلقيها الخطباء عليهم فيرجعون بفائدة.
وتجب على مكلف، فلا تجب على الصغير الذي دون سن التكليف، ولا تجب على فاقد العقل كما لا تجب عليه الصلاة أصلاً.
وتجب على ذكر، فلا تجب على النساء، وإن حضر النساء أجزأتهن.
وتجب على حر، فلا تجب على المملوك؛ لأنه مشغول بخدمة سيده، ولأن الجمعة غير واجبة عليه بنص الحديث، فإذا كان بينه وبين المسجد ساعتين فوّت على سيده مثلاً خدمة أربع ساعات ذهاباًوإياباً، أما إذا كان قريباً ليس بينه وبين المسجد إلا ربع ساعة أو نصف ساعة فلا تسقط عن الرقيق.
وتجب على مستوطن، فلا تجب على أهل البوادي، وهم البدو الرحّل الذين يتنقلون من مكان إلى مكان وليسوا مستقرين.
ذكروا أن المستوطن لابد أن يكون مستوطناً ببناء، والصحيح أنه إذا كان ساكناً في مكان لا يذهب عنه فإنها لا تسقط عنه ولو كان في خيمة كالمرابط من العساكر ونحوهم، والذين في الحدود فإنها تجب عليهم، ولو كانوا يسكنون في صنادق أو في خيام أو بيوت شعر أو ما أشبه ذلك.
فيلزمه أن يصلي مع الإمام، فإن لم يفعل أعادها جمعة أو أعادها ظهراً، أما إذا فاتته صلاة الجمعة مع الإمام فإنه يصليها ظهراً، بعد صلاة الإمام، وإذا كان عاجزاً عن الإتيان إلى المسجد لمرض أو بعدٍ أو نحو ذلك فمتى يصلي الظهر؟
يتحرى فراغ الإمام من صلاة الجمعة فيصلي بعده، وإن صلى وقت صلاة الجمعة فلا بأس؛ لأن الخطباء قد يطيلون مثلاً فيفرغ الذي يصلي ظهراً وحده قبلهم.
أما السفر قبل الزوال فإنه مكروه إذا علم بأنه لا يصليها في الطريق، أما إذا تحقق بأنه سيدركها في الطريق فلا بأس؛ لأن بعض الطرق قد يكون فيها عدة قرى في كل قرية مسجد، فإذا سافر مثلاً إلى الحجاز فإنه يمر بعدة مساجد قبل صلاة الجمعة، لو سافر مثلاً في الضحى أو سافر في الصباح فقد يمر بعشرة جوامع أو أكثر، فعليه إذا مر وقت الصلاة أن يصلي في أحدها.
فالحاصل أنه إذا سافر يوم الجمعة قبل الزوال فسفره مكروه إذا لم يعلم أنه يؤديها في الطريق، وكان بعض المشايخ يقول: وجدنا بالتجربة أن المسافر يوم الجمعة حري أن لا يوفق، ويقول: من سافر يوم الجمعة قبل الصلاة فأصابه بلوى فلا يلومن إلا نفسه.
ويرخص له إذا كان تبعاً لرفقة بحيث إذا لم يسافر معهم بقي منقطعاً فيخشى فوت رفقته، ولو لم يكن في الطريق مساجد، فيسقط عنه إذا كان السفر قبل الزوال.
قوله: (إذا خرج قبل التحريمة صلوها ظهراً)، إذا خرج الوقت قبل أن يكبر التحريمة بقوله: الله أكبر، كما لو أطال الخطبة فخرج وقت الظهر ودخل وقت العصر فإنهم يصلونها ظهراً قضاءً، وأما إذا أحرم قبل أن يخرج الوقت فإنهم يصلونها جمعة.
الشرط الثاني: العدد واختلف فيه، فالمشهور عند الفقهاء الحنابلة اشتراط أربعين من أهل وجوبها، أي: من المكلفين الأحرار المسلمين المقيمين، واستدلوا بأن في حديث كعب بن مالك أن أول جمعة أقيمت في المدينة كان عددهم أربعين، وكان جمعهم أسعد بن زرارة صلى بهم بعض الصحابة، ولكن هذا ليس دليلاً على اشتراط هذا العدد، فلذلك ذهب المالكية إلى أنها تجزئ باثني عشر، واستدلوا بأن في حديث جابر في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا [الجمعة:11] ذكر أن أهل المسجد خرجوا لما سمعوا بتلك التجارة ولم يبق إلا اثنا عشر، والجواب: أنهم خرجوا ونظروا ثم رجعوا، لا شك أنهم رجعوا وأكملوا صلاتهم، ولكن خروجهم دليل على الاكتفاء بهذا العدد وهو اثنا عشر، وقد ذكر عن بعض العلماء أنها تصح بثلاثة، إمام ومؤذن ومستمع، وأن الثلاثة أقل العدد، وبكل حال الاحتياط والاجتهاد في إتمام العدد، فإن نقص عددهم وهم مقيمون في بلادهم عن هذا العدد فالصحيح أنها تجزئهم.
هنا يقول: (فإن نقصوا قبل إتمامها استأنفوا جمعة إن أمكن وإلا ظهراً) إذا نقصوا قبل إتمامها انتظروا حتى يجيء عدد يكملهم، فإذا علم بأنهم لا يتمون صلوها ظهراً، يعني: على هذا القول.
وأما الحديث الذي فيه: (إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه) فإن الطول والقصر نسبي، فيقال مثلاً لمن خطبته أربعون دقيقة: هذه خطبة قصيرة، ويقال لمن خطبته ساعتان مثلاً أو ساعة ونصف: هذه طويلة، فقصر خطبته يعني: أن طول صلاة الرجل وقصر خطبته بحيث يخطب مثلاً نصف ساعة ولا تكون خطبته أكثر من ساعة هذه هي الخطبة القصيرة. قوله: (مئنة) يعني: علامة من فقهه.
للخطبتين شروط: قيل إنها تشترط في مجموعهما، وقيل: في كل واحدة من الخطبتين.
الشرط الأول: الوقت، فلا يخطب قبل دخول الوقت، سواء قلنا: إن الوقت يدخل بدخول وقت صلاة العيد، أو بدخول وقت صلاة الظهر، لابد أن تكون الخطبتان بعد الوقت.
الشرط الثاني: حمد الله، لابد أن يبدأ الخطبة بالحمد لله؛ لأن هذا هو المعتاد من النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرط الثالث: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أُثر من أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أن الدعاء موقوف حتى يصلى عليه، ولعموم الآية وهي قوله تعالى: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، ولما ورد من أنهم قالوا: (كيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد...) إلخ.
وردت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة عليّ فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا: يا رسول الله؟ كيف تعرض عليك وقد أرمت؟ -يقول: بليت- فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، فهذا يؤكد أن يوم الجمعة أحق أن تكثر فيه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الخطبة أولى.
الشرط الرابع: قراءة آية من القرآن، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ آيات في خطبته، وربما قرأ سورة، فثبت أنه كان يقرأ سورة (ق) كاملة في خطبته، فأقل شيء آية، ولكن لابد أن تكون الآية طويلة، يعني: لها فائدة ولها عمل، فلا يجزئ آية تتكون من كلمة أو من كلمتين، ويستحب أن تكون الآية في الموضوع الذي يتطرق إليه في أثناء الخطبة، فإذا خطب عن التقوى قرأ آية تتعلق بالأمر بالتقوى، وإذا خطب عن الصلاة قرأ آية تتعلق بذكر الصلاة، وهكذا في كل المواضيع.
الشرط الخامس: حضور العدد المعتبر الذي هو الأربعون على قول الفقهاء، فلابد أن يحضر الأربعون فيها من أول الخطبة إلى آخرها.
الشرط السادس: رفع الصوت بقدر إسماعه، فالخطيب لابد أن يكون صيتاً بحيث يسمع المصلين، وبعد وجود المكبر لا يلزمه رفع الصوت؛ لأن المكبر يرفع الصوت ويدفعه.
الشرط السابع: النية، لابد أن ينوي لهذه الخطبة أنها الخطبة المشترطة، التي هي وظيفة هذه الصلاة.
الشرط الثامن: الوصية بتقوى الله، ولا يتعين لفظها، ولا يتعين أن يقول: اتقوا الله، ولكن يوصيهم بشيء يحرك القلوب، فيوصيهم بالخوف من الله، أو تقوى الله، أو عبادته، أو رجائه، أو التوكل عليه، أو دعائه، ويبسط القول في ذلك حتى يكون للخطبة معنى، يتوسع في ذكر الأدلة التي تتعلق بالموضوع الذي اختاره.
الشرط التاسع: (أن تكون ممن يصح أن يؤم فيها) وفي بعض النسخ: (أن يؤم فيما)، والصواب: (أن يؤم فيها) أي: أن تكون من الخطيب الذي يصح أن يكون إماماً فيها، أي: في هذه الصلاة، وهو الذكر الحر العاقل البالغ، فلا تصح من غيره.
والإقامة ليست شرطاً على الصحيح، فيجوز أن يصلي بهم المسافر إذا كان أفضل منهم.
قوله: (ممن يصح أن يؤم فيها، لا ممن يتولى الصلاة)، معناه: أنه يصح أن يتولى الخطبة واحد ويتولى الصلاة غيره، فإن الصلاة عبادة والخطبة عبادة أيضاً فلا يلزم أن يتولاهما واحد، ولكن لابد أن يتولى كلاً منهما من هو أهل ممن تنطبق عليه هذه الصلاة.
السنة الثانية: سلام الخطيب، إذا خرج فإنه يبدؤهم بالسلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يسلم إذا دخل سلاماً عادياً، ويسلم سلاماً عاماً إذا أقبل عليهم.
السنة الثالثة: الجلوس إلى فراغ الأذان؛ يجلس حال الأذان على كرسي أو نحوه، فإذا فرغ الأذان ابتدأ، وكذلك يجلس بين الخطبتين، يفصل بينهما بجلوس ليستريح فيه.
اختلف في خطبة القاعد هل تصح أم لا؟
كثير من العلماء يقولون: القيام سنة، لو خطب وهو جالس لأجزأ ذلك، فيذكرون أن عثمان رضي الله عنه كان يخطب جالساً، وكذا بعض خلفاء بني أمية، ولكن عذر عثمان العجز والكبر، لأنه كان قد تجاوز الثمانين من عمره، فكان يشق عليه إطالة القيام، وإلا فالصحيح القيام في الخطبة لقوله تعالى: وَتَرَكُوكَ قَائِماً [الجمعة:11].
ومن السنن أيضاً: أن يعتمد بيده على سيف أو عصا، يعني: أي شيء يعتمد عليه بجنبه، كانت عادة الخطباء أن يرتجلوا الخطبة، فيمسكون بأيديهم عصاً أو قوساً أو سيفاً أو نحو ذلك، فالأفضل أن يمسك عصاً معتادة، وكونه صلى الله عليه وسلم أمسك مرة سيفاً لعله لم يتيسر له إلا هو.
ومن السنن أيضاً: أن يقبل بوجهه على من أمامه، يقصد بتلقاء وجهه، لكن إذا احتاج إلى أن يلتفت يميناً ويساراً ليسمع من هاهنا ومن هاهنا، بحيث لا يكون هناك مكبر فلا بأس، وأما تقصيرهما فقد عرفنا أنه تقصير نسبي، والثانية أكثر تقصيراً، يعني: يطيل الأولى ويقصر الثانية، وتقصيره الخطبتين تقصيراً نسبياً.
ومن السنن أيضاً: أن يدعو للمسلمين، كان المجاهدون في تلك السنين يتحرون وقت الخطبة فيبدءون في القتال، ويقولون: هذا الوقت الذي يدعو فيه الخطباء للمجاهدين، فيدعو للمسلمين عموماً، ومن جملتهم المجاهدون.
وهل يباح الدعاء لمعين؟
أباحوا ذلك للسلطان؛ لأن صلاحه صلاح للرعية، ولو ذكر باسمه أو بصفته أو بكنيته أو بلقب يتميز به، أو بلفظه الذي يختص به كأن يقول: اللهم وفق سلطاننا أو إمامنا أو نحو ذلك، وذلك لأن صلاح الأئمة أمر مقصود للأمة، وفيه مصلحة عظيمة.
ويسن في يوم الجمعة كثرة الدعاء، فإن فيها ساعة الإجابة، وقد اختلف فيها على أقوال: ذكر ابن حجر في فتح الباري نحو أربعين قولاً في تحديد ساعة الإجابة يوم الجمعة.
ويسن أيضاً كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرنا الحديث: (فأكثروا فيه من الصلاة علي، فإن صلاتكم معروضة علي).
اختلف في حكم الغسل يوم الجمعة، وقد تقدم في باب الغسل أنه سنة مؤكدة، وقد ذهب بعض الظاهرية إلى أنه واجب، وفصل بعضهم فقال: إنما يجب على من كانت رائحة بدنه كريهة، كذلك التنظف والتطيب ولبس أحسن الثياب من البياض، الحكمة في ذلك لئلا يتأذى به المصلون، فيأتي بثياب نظيفة وينظف بدنه ويتطيب؛ حتى لا يؤذي المصلين ولا يؤذي الملائكة.
ومن السنة التبكير إليها ماشياً، حتى تكتب له خطواته؛ لحديث: (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ..) إلخ، والساعة الأولى هي أول ساعة من النهار بعد خروج وقت النهي، والساعة الثالثة هي التي يصلى فيها، أو تقام فيها الصلاة، وذلك بالنسبة إلى التوقيت الغروبي.
ويسن أن يدنو من الإمام؛ لأنه إذا تقدم أو بكر وجد فرجة أو وجد مكاناً قريباً من الإمام، وإذا تأخر فاته القرب.
ويجوز للإمام إذا لم يكن هناك مدخل أن يتخطى الرقاب لحاجة، كما يجوز للمصلي إذا رأى فرجة في الصفوف المتقدمة أن يتخطى الرقاب إليها، وذلك لأنهم فرطوا حيث تركوا هذه الفرجة، ولأنه لا يصل إليها إلا بالتخطي.
ويحرم الكلام حال الخطبة إلا للخطيب فيجوز له أن يتكلم، فقد ثبت أنه لما دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب قال: (قم يا فلان فاركع ركعتين..) وكذلك من يكلمه لحاجة؛ لقصة ذلك الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال: (يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله أن يغيثنا..) إلخ.
من دخل والإمام يخطب صلى التحية فقط وخففها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (صل ركعتين وتجوز فيهما).
من فاتته أو فاته بعضها سن له أن يقضيها وعلى صفتها أفضل، فإذا فاتته ركعة قضاها كما هي بتكبيراتها ونحو ذلك، فإذا فاتت جماعة قضوها وجهروا فيها.
يسن تأخير صلاة الفطر، أي: يؤخرها إلى ما بعد طلوع الشمس بربع ساعة أو نحوه ليبدءوا في الصلاة.
وأن يأكل قبلها تمرات وتراً ثلاثاً أو خمساً حتى يكون قد تحقق الإفطار، أما صلاة عيد الأضحى فيبكر بها بعد طلوع الشمس مثلاً بخمس أو عشر دقائق وأن لا يأكل قبلها حتى يأكل من أضحيته إذا كان عنده أضحية.
وبين كل تكبيرتين يقول: الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً، أو غيره، لو قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أجزأ ذلك.
ثم بعد هذه التكبيرات يقرأ الفاتحة، ويقرأ بعدها سبح في الأولى والغاشية في الثانية، وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من قراءة هاتين السورتين في الأماكن التي تجمع خلقاً؛ وذلك لأن في سبح التذكير في قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى [الأعلى:9-11] وفي سورة الغاشية التذكير أيضاً في قوله تعالى: فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] فكأنه يقول: إنما بعثت لأذكركم فتذكروا.
يقول: (كخطبتي الجمعة)، أي: يخطب خطبتين، واختلف هل تستفتح بالتكبير؟
أكثر الفقهاء على أنه يفتتح الأولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع، والتكبيرات تكون سرداً: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، وأنكر ذلك كثير من العلماء، وقالوا: إن الحديث الذي ورد في ذلك غير مقبول، وجعلوا عمل بعض الصحابة أو عمل بعض الخلفاء في كونهم يبتدئونها بالتكبير غير مسوغ، وقالوا: المعتاد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه كلها بالحمد، فعلى هذا يستحب أن يبدأها بالحمد، ويكون التكبير بعد الحمد وبعد المقدمة، واستحباب التكبير ليتحقق الأمر به، قال تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ [البقرة:185] ولذلك يسن التكبير في تلك الأماكن، ويستوي في ذلك المأمومون والمنفردون وغيرهم، فيستفتحها بالحمد ثم يكبر بعد الحمد تسع تكبيرات في الأولى وسبعاً في الثانية.
تشمل خطبة عيد الفطر على زكاة الفطر وبيان ما يخرجون، وعلى فضل ذلك اليوم، وعلى الوصايا والأعمال الصالحة التي يوصيهم بها، وفي خطبة الأضحى على ذكر الأضحية وبيان حكمها وما أشبه ذلك.
وقد روي أيضاً في صحيح مسلم: (أنه ركع في كل ركعة ثلاثة ركوعات)، وفي حديث آخر: (أنه ركع في كل ركعة أربعة ركوعات)، يعني: أنه قرأ ثم ركع، ثم رفع فقرأ ثم ركع، ثم رفع فقرأ ثم ركع، ثم رفع فقرأ ثم ركع، أربعة ركوعات في الركعة الواحدة، وروي أيضاً في سنن أبي داود وغيره: (أنه ركع خمس ركوعات)، وقد أنكر كثير من المحققين هذه الزيادات، وقالوا: إنه لم يقع الكسوف إلا مرة يوم مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول شيخ الإسلام : معلوم أنه لم يمت مرتين، وأنه لم يكن هناك إبراهيمان.
ولكن إذا نظرنا إلى الأحاديث التي فيها تكرار الركوع ثلاثاً أو أربعاً أو خمساًوجدناها بأسانيد صحيحة تقبل في الأحكام الأخرى، فكيف نردها؟
لا نردها بهذا الاحتمال، فيترجح أن صلاة الكسوف تكررت، إما كسوف شمس تكرر وإما كسوف قمر، لأن من العادة أنه يقع كسوف الشمس في كل سنة أو في كل سنتين، فلا بد أن يتكرر في العهد النبوي، وكذلك كسوف القمر قد يتكرر في السنة مرتين أو أكثر، فلابد أنه وقع في القصة أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى بهم انتهى وقد تجلت الشمس، وذلك دليل على أنه أطال فيها.
في بعض الروايات قرأ في الركوع الأول قدر سورة البقرة، وأن ركوعه قريب من قيامه، ثم الركوع الثاني يمكن أنه قدر سورة آل عمران، والركوع أقل من الركوع الثاني، فلابد أنها استغرقت صلاته نحو ثلاث ساعات أو أكثر، مما يدل على أنه أطال فيها؛ لأنه انصرف وقد تجلت الشمس، ثم اختلف هل خطبهم كخطبة الجمعة أم علمهم تعليماً، فالمشهور أنه علمهم مجرد تعليم، فأخبرهم بأن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته، وأنها آية يخوف الله بها عباده ولو كانت معلومة السبب.
وكذلك أيضاً حثهم على الفزع إلى الصلاة: (إذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة)، وكذلك ذكرهم بما رأى في صلاته تلك، فذكر أنه تمثلت له الجنة بينه وبين الحائط فتقدم إليها، يقول: (تناولت منها قطفاً لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، يقول: وعرضت علي النار وتقهقر لما رآها، ورأى فيها
يسن تطويل قراءة السورة وتطويل التسبيح، وكون الأول أطول من الثاني، فيكون كل ركوع أطول من الذي بعده، وكل قيام أطول من الذي بعده.
أما صفة صلاة الاستسقاء وأحكامها فكصلاة العيد، يعني: أنه يبدؤها بالتكبيرات في الركعة الأولى ست مرات بعد تكبيرة الإحرام، خمس مرات، وأنه يجهر فيها بالقراءة ونحو ذلك، وصلاة الاستسقاء الأفضل أن تصلى جماعة وتجوز فرادى عند المناسبة والحاجة.
يخرج كل واحد منهم وبالأخص الإمام متواضعاً متخشعاً متذللاً متضرعاً، يعني: أنه يتصف بصفة المسكنة، يخرج وهو منكسر القلب، في الحديث: (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي) هذا الانكسار وهذا التواضع وهذا التذلل وهذا التعبد من أسباب إجابة الدعاء، وهكذا يخرج كل واحد من المصلين، ويكون متطهراً نظيف البدن، إلا أنه لا يتطيب؛ لأن استعمال الطيب يحمل صاحبه على الفخر وعلى الخيلاء ونحو ذلك، فلا يناسب صفة المنكسرة قلوبهم.
على الإمام أن يخرج بأهل الدين والصلاح والشيوخ؛ لأنهم أقرب إلى إجابة الدعوة، ولا يخرج الفسقة والعصاة والعتاة وأهل الذنوب وأهل قلة العبادات، بل يختار الذين يخرجون من أهل الدين وأهل التدين وأهل الالتزام، وأهل الصلاح والإصلاح شيوخاً أو شباباً، ويخرج بمميزي الصبيان؛ وذلك لأنهم من أسباب إجابة الدعاء، يذكر في الحديث: (لولا شيوخ ركع وأطفال رضع وبهائم رتع، لصب عليكم العذاب صباً) يعني: أن الله تعالى يرفع العذاب بهؤلاء الضعفاء كبار السن، وصغار السن الذين هم أطفال، وأهل الصلاح الذين يديمون العبادة.
وأن يصلي بهم ركعتين كصلاة العيد ثم يخطب، ذكر بعض العلماء أنه يخطب قبل الصلاة، ولكن المشهور أنه يخطب بعدها لكن خطبة واحدة، اختلف هل يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد؟ الأكثرون على أنه يبدؤها بالتكبير، وذهب بعض المحققين إلى أنه يبدؤها بالحمد.
وأن يكثر فيها من الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر بالاستغفار، مثل قوله: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً [نوح:10-11] ومثل قوله: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود:3] ونحو ذلك.
يرفع يديه عند الدعاء يجعل ظهورهما نحو السماء؛ لأن من شدة الرفع تكون ظهورهما إلى السماء، يعني: يبالغ في الرفع، وما كان يبالغ في الرفع إلا في صلاة الاستسقاء، ويدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء قوله: (اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً..) إلى آخره فيقول: (مجلجلاً سحاً طبقاً دائماً، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والشدة والجهد ما لا نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، واسقنا من بركات السماء، وأنزل علينا من بركاتك، اللهم ادفع عنا الجوع والجهد والبلاء، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، فأرسل السماء علينا مدراراً، اللهم إنك أمرتنا بالدعاء ووعدتنا إجابتك، فقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدنا) هذه الأدعية ذكرها الشارح وذكرها أيضاً غيره ممن شرحوا هذه الأذكار.
إذا كثر المطر وخيف الهدم والضرر يدعو بقوله: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الظراب والآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر، ربنا لا تحملنا ما لا طاقة لنا به..) الظراب: هي الروابي والمرتفعات الصغيرة، والآكام: هي ما غلظ من الأرض ولم يبلغ أن يكون جبلاً، إذا ارتفع عما حوله كالتلال وغيرها، وبطون الأودية: هي مجاري السيول، ومنابت الشجر: أصولها.
يسن أن يكمل الآية، ويسن لمن أغيث بمطر أن يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته) ويحرم أن يقول: (مطرنا بنوء كذا وكذا) كما كان أهل الجاهلية يقولونه.
من رأى سحاباً أو هبت ريح شديدة فإنه يقول: (اللهم إنا نسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرها وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به) إذا سمع الرعد يقول: (سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته)، إذا رأى كوكباً انقض يقول: (ما شاء الله لا قوة إلا بالله)، إذا سمع نهيق الحمار أو نباح الكلب يقول: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، إذا سمع صياح الديك يقول: (أسأل الله من فضله).
تكلموا على ما يسمى بقوس قزح، وهو إشارة ممتدة في الأفق لونه أخضر، وقالوا: إنه حماية لأهل الأرض من الغرق، والصحيح أنه من آيات الله تعالى، أما الذين يقولون: إنه دليل الفتنة أو الدماء فإن ذلك ليس له أصل.
الآن انتهينا من كتاب الصلاة وبقي علينا كتاب الجنائز والزكاة والصوم والحج والجهاد لعلنا نكملها، والله أعلم.
الجواب: الأدعية الجماعية يظهر أنها بدعة إذا كان فيها رفع صوت، أما إذا كان هناك أناس لا يحسنون الدعاء، وأمروا واحداً أن يدعو وهم يؤمنون فلا بأس بذلك كالدعاء للقنوت، ولكن لا يتقيد بدعاء معين، ولا يتقيد بوقت معين كبين التراويح.
الجواب: هكذا ذكر المؤلف صاحب المتن كما ترون، وكأن المراد إذا كان هناك من هو خير منه، وكأن كلام شيخ الإسلام أن المراد إذا ابتلي أهل بلد وغلب عليهم أهل البدعة، ففي هذه الحالة ليس لهم إلا أن يصلوا خلف هذا المبتدع سيما الجمع والأعياد ونحو ذلك، فليس لهم مفر؛ لأنه متغلب عليهم، فالحاصل أنه إذا وجد رجل صالح لم يعين الفاسق الذي يعلن بفسقه، أما إذا لم يوجد إلا الفاسق والبقية لا يحسنون قراءة الفاتحة ولا يعرفون الأحكام فهم معذورون بهذا.
الجواب: الأصل أنه لا يجوز، أجازه بعض الأئمة كالإمام أحمد للضرورة، إذا خشي التشقق والمشقة، أو خاف الوقوع في الزنا فبعض الشر أهون من بعض، والصحيح أيضاً أنه إذا حصل في رمضان فإنه يبطل صوم ذلك اليوم، فلابد من قضائه إذا استمنى وهو صائم، وأنه يوجب الغسل؛ لأنه إخراج مني بدفق ولذة.
الجواب: نقول: إن هذا لا يجوز والحال هذه، يعني: كون الرجل يدخل ويجلس على منصة بين النساء إلى جانب زوجته ثم يخرجون هذه الكاميرا ويصورونه ويقولون: إن هذا للذكرى ونحو ذلك، هذا لا يجوز لهذه الحال، حتى ولو رخص في جنس التصوير بالفيديو ونحوها، فإنه على هذه الحال منكر فننهى عنه، ولا حاجة إلى مثل هذا، ولا ضرورة إلى ذلك، كون الإنسان يقول مثلاً: إن هذا للذكرى، تذكر حالته، ماذا تفيده هذه الذكرى ونحو ذلك؟ فيتوب إلى الله تعالى، ولا يجوز له إلزام زوجته بهذا، ولا يجوز أيضاً لولي الأمر إقرار مثل هذا، ويقتصرون على ما كانوا عليه من إدخال الزوجة إليه، وانضمام كل منهما إلى الآخر بخلوة لا بأس بذلك.
الجواب: قبل العقد لا يجوز له الخلوة بالمرأة، وأما بعد العقد فيجوز له أن يخلو بها؛ لأنه قد حلت له بمجرد العقد.
الجواب: هذا الحديث مروي في الصحيح، وهم كانوا في برية ولما جاءهم وفد وسمعوا منه أنه يؤمهم أقرؤهم؛ ولم يجدوا أحداً أقرأ من عمرو بن سلمة الجرمي ، فقدموه، يقول: قدموه وهو ابن ست أو سبع سنين، يعني: كان صغيراً، ويظهر أن هذا اجتهاد منهم، لم يكن ذلك عن أمر من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أنه بلغه ذلك وأقره، فهو اجتهاد منهم، ولم ينقل ذلك إلا في هذه القصة، فالصحيح أن الذي لم يبلغ لا تصح إمامته.
الجواب: تنصح بأن لا تقرب شيئاً فيه طيب، الزعفران لا شك أن فيه شيئاً من الطيب، ولو كان يشرب، وقد رخص فيه بعض العلماء، ولكن على الأقل أنه مكروه، إذا كان يكره لها أن تمسح به وجهها وخديها وأن تدهن به ذراعيها، فكذلك شربه في القهوة ونحوها، أما المشروبات الأخرى لعلها جائزة كالشاهي والنعناع وما أشبهه.
الجواب: صرح مشايخنا بأن ذلك لا يجوز، وأنكر الشيخ ابن باز في سنة ست عشرة وخمس عشرة على الذين جمعوا بين الجمعة والعصر في الرياض، وأمرهم بالإعادة، كذلك غيره من المشايخ، فهذا هو الأصل، لكن المسافر إذا سافر يوم الجمعة، ثم في الطريق مر على بلدة وصلى معهم الجمعة فينويها ظهراً مقصورة، ويجمع معها العصر ويواصل سيره، نرى أن هذا لا بأس به للذي هو في الطريق، ونختار أن الجمع يختص بالمسافر، وأن المقيم لا يجمع.
الجواب: غير صحيح، المرأة تصلي صلاة الظهر أربعاً، إن صلت مع الجماعة في المسجد صلت معهم ركعتين، وأما إذا صلت في بيتها فتصلي أربع ركعات.
الجواب: نعتذر في هذه السنة، ويمكن عندنا زيارة في أول شهر أربعة للمنطقة الجنوبية نقيم هناك نحو نصف شهر في أبها وفي الخميس، هناك يمكنهم أن يأتوا ويستفيدوا من هناك.
الجواب: ذنب كبير مع الإصرار عليه، فإذا كان كذلك فإن عليهم أن ينصحوه ويكرروا النصيحة له، أو يرفعوا بأمره لمن له ولاية، لعله أن يتوب، أو لعله أن يبدل بغيره، أما الصلاة خلفه فلا نقول بإعادتها، الصلاة خلف من أقام الصلاة كاملة صحيحة.
الجواب: قد سمعت بهذا ولكنه ضعيف، لم يثبت ثبوتاً يجزم به، الله تعالى أمر بالصلاة والسلام عليه ولم يذكر آله حيث قال: صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]، دائماً العلماء يقولون: صلى الله عليه وسلم ولا يذكرون آله، ذكر الآل في التشهد: (اللهم صل على محمد وآل محمد)، مع أن الآل فيهم خلاف هل هم الأتباع، أو أنهم أهل البيت، ولكل قول ما يرجحه.
الجواب: تصلي مع الإمام المعروف بالسنة، وتحتسب أجر الخطوات، والأبعد أفضل من الأقرب.
الجواب: لا يجوز، وذلك لأنهم جعلوه يوم عيد، فلا يجوز صيام اليومين: اليوم الذي جاءهم الخبر فيه إذا كانوا صياماً فإنهم يفطرون، واليوم الذي أدوا فيه الصلاة.
الجواب: يقدم إذا لم يوجد غيره، أما إذا وجد من هو محسن للقراءة وقائم بالصلاة وسالم من الفسوق فإنه الأحق.
الجواب: لا شك أنه مخطئ وأنه فوت على نفسه أجراً كبيراً وعملاً كثيراً، ولكن مع ذلك ما نقول: إنها بطلت صلاته، بل إنه أدرك الصلاة ولو ما أدرك إلا ركعة واحدة، فإنه يعتد بها كجمعة ولكنها ناقصة.
الجواب: هذه بدعة، ولا يجوز، ويظهر أن هذا من فعل بعض الرافضة الذين إذا صلوا الجمعة مع الجماعة قاموا وصلوا ظهراً؛ لاعتقادهم أن صلاتهم مع السنة باطلة، وأنها لا تصح الصلاة إلا خلف معصوم، فلذلك يعيدون الصلاة.
الجواب: ليلة الجمعة تبدأ من غروب الشمس يوم الخميس، هذه ليلة الجمعة، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس ليلة السبت.
الجواب: الصحيح أنها تبدأ في الساعة الواحدة بالتوقيت الغروبي، والتوقيت موجود تقرءونه كله.
الجواب: الصحيح أنه لا يلزمه الإعادة ولا نقول ببطلانها، ولكن الأحاديث فيها هذا الوعيد من باب الزجر عنه.
الجواب: خطأ، لابد إذا أراد السنة أن يقرأ السورتين، وليس القصد قراءة السجدة، وليس القصد أن يسجد، بل القصد سورتين كان يحافظ عليهما؛ لما فيهما من الوعد والوعيد، والثواب والعقاب والمبدأ والمعاد.
الجواب: ذكرنا أن فيها أحاديث ولو كان فيها ضعف، ولكن مجموعها يدل على فضل قراءة سورة الكهف سواء في ليلة الجمعة أو في صبحها أو في يومها، فيقرؤها الأفراد لما ذكر من ثوابها، وأما كون الإمام يقرأ بها في الصلاة فذلك غير مشروع، فإذا قرأ بها لمناسبة فلا بأس.
الجواب: ورد فيها أحاديث ولكنها ضعيفة، لم يروها الإمام أحمد ولم ترو في الصحيحين، وإنما رويت في سنن أبي داود والترمذي ، ولكن لفظها غريب وأسانيدها غريبة، فلا نستحبها.
الجواب: غير جائز، وإذا كانوا مثلاً خاطبوا المصلين بمثل هذا الذي يذكرونه على أنه سؤال، فعلى المأمومين أن لا يخاطبوهم وأن ينصتوا، ولا يجيبوهم بجواب، ولهم أن يجيبوا أنفسهم، وللخطيب أن يجيب نفسه.
الجواب: لا بأس بذلك إذا دخل مبكراً، أما إذا دخل متأخراً قرب وقت الصلاة فالأولى أن يدخل ويجلس على المنبر مباشرة.
الجواب: الأصل أنها لا تجوز، لكن إذا كانوا لا يفهمونها فتترجم، يخطب خطبة فيها أركان الخطبة وشروطها باللغة العربية ولو لم تستغرق إلا دقيقة أو ثلاثاً، ثم يكلمهم ويترجم لهم باللغة التي يفهمونها.
الجواب: يجوز عند الحاجة إذا كانوا لا يفهمون إلا تلك المصطلحات.
الجواب: غير جائز، وليس بمعذور، ويستحق التعزير؛ لأنه تعمد ترك الصلاة، ولا تسقط عنه الجماعة والحال هذه.
الجواب: ليس عليه إلا سجود واحد، ولو تكرر السهو.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر