إسلام ويب

الإجازات الصيفية وأحوال الشباب فيهاللشيخ : أحمد سعيد الفودعي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثيرة هي الأمانات والمسئوليات التي حملها الله الإنسان، ومن تلك الأمانات أمانة تربية الأبناء والبنات، وتربية الأبناء لها أسس وقواعد، إلا أن التربية بالتعويد تعتبر من أنجع الوسائل والأسباب في بناء الأجيال الصالحة، والله سبحانه يعين عباده إن صدقوا في تحمل المسئولية، ويبارك لهم فيما يبذلونه من جهود في تربية الأبناء.

    1.   

    حاجة الناس إلى العمل أكثر من الكلام

    الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

    إخوتي في الله! طلب منا في هذا اليوم أن نتحدث عن الإجازات الصيفية، وأحوال الشباب فيها، وقد سبق وأن تحدثنا عن هذا الموضوع مراراً.

    ونحن في الحقيقة إلى قليل من العمل أحوج منا إلى كثير من الكلام، الكلام كثير وسهل، ولكن الشأن كل الشأن في سماع القول والعمل به، والله عز وجل امتدح أقواماً بأنهم إذا سمعوا قولاً اتبعوا أحسنه.

    ويروى أن عثمان رضي الله تعالى عنه وقف على المنبر فخطب الناس بكلمات يسيرة، قال: أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال.

    نحن مشكلتنا في كثير من الأحيان الاستمتاع بسماع الكلام والجديد منه، ولكن مشكلتنا الكبرى التباطؤ عن العمل بما نسمع.

    1.   

    المبدأ التربوي في حديث بعث معاذ إلى اليمن

    بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وكان من المبادئ الدعوية المهمة التي أرساها في هذه الأمة، أنه لا ينبغي للإنسان أن ينتقل بالمدعوين من شيء هام إلى شيء دونه حتى يمتثلوا ما قبله، وهكذا كان يفعل عليه الصلاة والسلام حين يبعث الدعاة إلى الأمصار. ففي الصحيحين: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم )، ولاحظ في الحديث قوله: (فإن هم أجابوا لذلك فأعلمهم)، (فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم).

    قال العلماء: في هذا دلالة على أنه لا ينبغي للمتحدث والداعي أن ينتقل من شيء حتى يفعل الناس ما قبله، ولكن كم سنبقى إذا أخذنا بهذا المبدأ عند قضية واحدة، نحن بحاجة أن نستشعر المسئولية، أن نتعامل مع الأمور بجد، وأن نعلم يقيناً بأننا محاسبون، بأننا مسئولون، بأن هناك أمانات كلفنا الله عز وجل بالقيام بها، وأن التفريط فيها والإضاعة لها مغبته أليمة وعاقبته وخيمة، أمانات كلفنا الله عز وجل بحفظها وأمرنا بأدائها: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

    والأمانات هنا كل ما كلف الله عز وجل به الإنسان المسلم؛ فكل ما كلفك الله به في حق نفسك، أو في حق ربك، أو في حق زوجتك، أو في حق ولدك، وفي جميع الحقوق، هي أمانات أنت مكلف بأدائها والقيام بها، وإلا فإنك إنما تجني على نفسك، هذه الحقيقة ينبغي أن نستحضرها على الدوام.

    من اللطائف كنت أتحدث مرة عن الإجازة وضرورة توظيف الأبناء والبنات في الصيف بما ينفعهم، فقام بعض المصلين بعد الخطبة يقول لي: السنة كلها صيف!

    وهي حقيقة، السنة في حق كثير من الأبناء والبنات كلها صيف، كلها إجازة، الجد أصبح شبه معدوم، متى يعلم الأبناء والبنات خلال السنة حتى نتحدث عن الإجازة الصيفية؟ ومتى رأينا الأبناء والبنات مشغولين بالجد والتحصيل والعمل الدءوب في باقي السنة حتى نتحدث عن ضوابط الإجازة الصيفية؟

    نحن بحاجة أن نستشعر المسئولية تجاه أنفسنا، والمسئولية تجاه أسرنا، ونحن مسئولون عن ذلك كله.

    1.   

    مبادئ تربوية مهمة

    في هذه اللحظات أتحدث عن مبادئ تربوية مهمة ينبغي أن نستحضرها من باب تتميم الفائدة، ونحن نتحدث عن الصيف والأبناء والبنات، وكيف نقضي الإجازات الصيفية.

    حقيقة التربية

    علماء التربية يقولون: التربية تقوم على مبدأ التلقين والتعويد، فهناك ركنان أساسيان في تربية المتربي: التلقين: أن نلقنه نحن الأوامر والنواهي: افعل كذا، لا تفعل كذا، الله يحب كذا، وينهى عن كذا، نعلمه بالتلقين.

    وهناك جانب مهم جداً وهو جانب التربية بالتعويد, أن تعوده فعل هذه الأوامر، أن نعوده اجتناب هذه النواهي.

    هذا التعويد يحتاج إلى مرب ملازم لهذا المتربي، يعوده فعل الإيجابيات والحسنات، ويعوده ترك السلبيات والسيئات.

    فالتربية ما هي إلا تعزيز للجوانب الحسنة الإيجابية بالتشجيع عليها، والمدح للفاعل لها، فترى ولدك يفعل الشيء الحسن فتمدحه وتثني عليه في وجهه، فيتعزز هذا الجانب في شخصيته، وتراه يفعل الشيء القبيح والشيء السيئ فتنهاه عنه، وتذم له هذا الفعل، وتخبره بأنه ممقوت فيتقلل هذا الجانب في شخصيته، هذه هي التربية لا أقل من ذلك ولا أكثر؛ تعزيز للقيم الإيجابية، وتحذير من القيم السلبية، وهذا الفعل يحتاج إلى ملازمة للمتربي أن نصاحبه، أن نراقبه، أن نقضي معه أوقاته، وإلا فكيف سيتعلم هذه القضايا التربوية؟

    ونجد في القرآن والسنة العديد من المواقف التي توحي إلى المربي أب أو أم أو معلم أو ما كان، توحي إليه أن جانب التعويد من أهم الجوانب في تربية الأبناء والبنات، وكما قال الشاعر وهو يتحدث عن تليين هذا الإنسان، متى يمكن أن يلين، ومتى لا يمكن أن يلين؟ يقول:

    قد ينفع الأدب الأبناء في صغر وليس ينفعهم من بعده أدب

    إن الغصون إذا لينتها لانت ولن تلين ولو لينتها الخشب

    الإنسان إذا كبر وشب عن الطوق، وتجاوز مرحلة التعديل والتليين فإنك لن تستطيع تعديل أخلاقه، ولن تستطيع تليين طباعه، وحينها نشكو بعد ذلك من فساد الولد، حينها نشكو من انحراف الولد، حينها نشكو من عادات سيئة تربت وترسخت في الولد؛ لأننا لم نعدلها منذ صغره، نحن بحاجة أن نصاحبه في الصغر، ونعوده الأخلاق الحسنة.

    التعويد على غض البصر

    من هذه الأخلاق التي ينبغي أن يعود عليها الصغار: التعويد على غض البصر، التعويد على تجنب مواطن الشبهات، مواطن الإثارات، وهذه قضية في غاية الخطورة اليوم!

    فالله عز وجل يتكلم مع المجتمع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو مجتمع الحشمة، مجتمع الوقار، مجتمع الأدب، مجتمع الحجاب، مجتمع الطهر والعفاف، مجتمع الصحابة, يربيهم الله عز وجل على ضرورة تعويد أبنائهم غض الأبصار وإن كانوا صغاراً عما لا يجمل النظر إليه ولو في البيت.

    معلوم قطعاً أن الولد المميز في السابعة أو الثامنة لن تثور شهوته إذا رأى شيئاً يثير من أمه أو من أخته، ومع هذا شدد القرآن في هذه القضية على ضرورة أن يجنب الولد النظر إلى هذه المناظر، قال سبحانه في سورة النور، وهي السورة التي ذكرت فيها الآداب الاجتماعية في البيت، وكيف يتعامل الإنسان مع المجتمع حوله, قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النور:58]، ثم في الآية التالية قال: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:59] .

    قسم الأبناء إلى قسمين: قبل البلوغ وبعد البلوغ، أما الذين هم قبل البلوغ، وهذا يشمل مبلغ الطفل سن التمييز من السابعة فما فوق إلى ما قبل البلوغ، هؤلاء مهما صغر سنهم وهو ابن سبع، وهي بنت سبع لا يؤذن للولي، لا يؤذن للأب والأم أن يمكنوهما من الدخول في حجرات الآخرين إلا بعد الاستئذان في الساعات التي يمكن أن تنكشف فيها العورات: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58].

    لماذا هذا الاستئذان وهو صغير؟ القرآن يؤكد هذه الحقيقة، والتربويون والنفسيون اليوم يؤكدون هذه الحقيقة؛ أن الصغير مهما ظننت أنه صغير فإنه إذا رأى موقعاً من هذه المواقع، وإذا رأى منظراً من هذه المناظر لا يمكن أن يتناساه، ترتسم هذه الصورة في ذهنه، ويبقى يخالجه بعد ذلك الشهوات حب التمثل لتلك المناظر، حب أداء تلك المناظر التي فعلها، ويريد أن يتمتع بما تمتع به الناس حين يرى تلك المناظر، هذا وهو صغير ابن سبع سنين، هذا في البيت، فكيف إذا رأى عورات الآخرين؟

    نحن اليوم حينما نتحدث عن عصرنا وزماننا، نتحدث عن واقع مغاير تماماً للواقع الذي نزلت فيه هذه الآية.

    قبل سنوات أحد مراكز التقنية في المملكة نشر عن المواقع الإباحية تقريراً بأنه في كل ساعة يضاف إلى عالم النت مائتان وستة وستون موقعاً إباحياً، ويتوقع التقرير أنه بمطلع عام ألفين وعشرة ميلادي يصل عدد المواقع الإباحية إلى تسعة مليارات موقع، أي: أكثر من عدد سكان الأرض، بمعدل لكل واحد من سكان الأرض موقع ونصف الموقع أو يزيد. ولا يمكن أن نحصي عدد الذين يدخلون هذه الشبكة.

    نحن أمام موسوعة عريضة جداً لتعليم الإنسان، لتعليم الصغير والكبير ما يفحش في هذا الباب، من الذي سيتولى تربية الولد على تجنب النظر إلى هذه المواقع؟ من الذي سيتولى حفظ البنت من النظر إلى مثل هذه المناظر إلا الأب والأم في البيت؟

    نحن بحاجة أن نستشعر مسئوليتنا تجاه أبنائنا وبناتنا، التربية بالتعويد.

    مصاحبة الآباء والأمهات للأبناء والبنات

    نحن بحاجة أيها الإخوة! أن نصاحب الأبناء والبنات، يبلغ الواحد منا اليوم الثامنة عشرة والعشرين، ولا يعرف شيئاً من أخلاق الرجال، يبلغ العشرين وهو لا يزال يفكر بعقلية الصغار، ولا يزال يتخلق بأخلاق الصغار، في الثامنة عشرة وهو يمشي في الشارع مشي الصبيان الصغار أبناء السابعة وأبناء الثامنة؛ لأنه لم يكتسب أخلاقاً من صاحب، من هذا الذي صاحبه من الكبار حتى يكتسب منه أخلاق الرجال؟ من الذي تعود معه أن يصاحبه في مجالس الرجال حتى يتشبه بالرجال؟

    الأخلاق لا تكتسب بمثل المصاحبة، سواء في ذلك الأخلاق الصالحة أو الأخلاق الطالحة، هذه قضية مهمة، لأنه كما يقول الحكماء: الصاحب ساحب، والله عز وجل ورسوله أمرانا بكل ما يحثنا على الصحبة الصالحة، حذرنا الله عز وجل من صحبة الأشرار في كتابه، وأخبرنا بأن الإنسان يوم القيامة يعض أصابعه ندماً وأسفاً لكونه اتخذ رفقة سيئة: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:27-29].

    أما الأحاديث فما أكثرها في باب الحث على ضرورة اختيار الصاحب، يقول عليه الصلاة والسلام: ( المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل )، الولد والبنت على دين وأخلاق الصاحب، من هذا الذي يصاحبانه، من هذا الذي يقضيان معه الأوقات في الليل والنهار؟ أخلاقهما من أخلاقه.

    والنبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح ضرب مثلاً للجليس الصالح والجليس السوء فقال: ( فالجليس الصالح كحامل المسك، إما أن تبتاع منه، وإما أن يحذيك, وإما أن تجد منه ريحاً طيبة )، وبعكسه جليس السوء، وبعكسه الرفقة الخبيثة ( كنافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة ).

    فليسأل كل أب وأم من هم أصدقاء الأبناء والبنات؟ إذ هي قضية في غاية الأهمية.

    نحن بحاجة أن نعتبر أنفسنا أصدقاء لأبنائنا وبناتنا، نكسبهم من خبرات الكبار، فالولد بحاجة إلى أن يسمع تجارب أبيه، والبنت بحاجة إلى أن تسمع من أمها، بحاجة أن يكتسبوا تجارب الكبار في أعمالهم .. في وظائفهم .. في دراساتهم، في مشيهم مع الناس وتعاملهم مع الآخرين.

    الأبناء بحاجة أن يكونوا حاضرين في المسجد، بحاجة أن يكونوا حاضرين في المجالس، ها نحن يوم الجمعة كم عدد الأبناء من بعد السابعة في مساجد الجمعة؟ نحن في صلوات الفروض كم عدد الأبناء من بعد السابعة في مساجد الفروض؟ نحن ندخل المجالس فنرى عشرة من الرجال، كم نرى بجانبهم من أبناء السابعة فما فوق؟

    1.   

    تأثر الأبناء بالبيئة من حولهم

    نحن بحاجة إلى تصحيح هذا المفهوم الخاطئ، وأننا نعيش طبقة فوق طبقة أبنائنا، وأنه لا ينبغي لهم أن يكونوا معنا، هذا على خلاف ما فطر الله عز وجل عليه النفوس؛ لأن النفوس مفطورة ومجبولة على التأثر بمن يصاحبها.

    وكما يقول علماء الاجتماع: الإنسان مدني بطبعه، يتأثر بطبيعته, إما أن يتأثر وإما أن يؤثر لا محالة، الحيوان البهيم، الحيوان الذي لا يعقل ولا يتكلم يتأثر لا محالة بأخلاق من يجالسه؛ ولذلك نرى بأن الحيوان من الصنف الواحد يقسمه العلماء إلى حيوان أهلي وحيوان وحشي، هناك أبقار وحشية وأبقار أهلية، هناك حمار وحشي وهناك حمار أهلي، هناك قط أهلي وهناك قط وحشي.

    الفرق بين هذا القط وهذا القط الأخلاق التي اكتسبها من الذين يجالسونه، الحمار الأهلي ينقاد للصغير والكبير، فترى الولد ابن الخامسة يقوده، يذهب به حيث شاء، والحمار الوحشي لا يستطيع جماعة من الرجال أن يقبضوا عليه، ليس بين هذا الحيوان وهذا الحيوان من فرق إلا مقتضى الطبيعة التي يتأثر بها هذا المخلوق بمن يجالسه ويقضي أوقاته معه.

    وانظروا إلى هذا الحديث العظيم الذي يخبر فيه النبي عليه الصلاة والسلام بتأثر الإنسان بالحيوان، فضلاً عن تأثر الإنسان بالإنسان، فالإنسان يتأثر بالحيوان الذي يجالسه، هكذا يقرر النبي عليه الصلاة والسلام، صنف أخلاقاً لأهل الإبل وأخلاقاً أخرى لأهل الغنم، قال: ( السكينة في أهل الغنم )، أي: المسكنة والتواضع واللين والرفق والرحمة في رعاة الغنم؛ ولذلك كان الأنبياء كلهم رعاة غنم، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وهل من نبي إلا وقد رعى الغنم )، السكينة التواضع اللين فيمن يجالس هذا الحيوان؛ لأنه حيوان ضعيف، حيوان مسكين.

    وفي مقابله: ( الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر ), أي: الفخر والتفاخر والتكبر في رعاة الإبل، في أصحاب الإبل، ولذلك فيهم من القسوة والغلظة والجفاء ما ليس في رعاة الغنم، لا لشيء إلا لأنه اكتسب هذه الأخلاق من هذا الحيوان الذي يقضي معه أوقاته وساعاته.

    اليوم أبناؤنا يقضون الساعات الطويلة أمام النت، ويتصفحون المواقع، وينتقلون من موقع إلى آخر، ماذا ننتظر من أخلاق، ماذا ننتظر من أعمال وتصرفات؟

    وأصبح اليوم الناس يتحدثون في البرامج في الإذاعات وفي التلفزة وفي غيرها عن إدمان جديد وهو الإدمان على النت، ويتحدثون للأسف عن حالات وفاة بسبب الإدمان على النت، حالات وفاة بسبب المشاهدة؛ لأنه يقضي ساعات طويلة أمام النت، ويصاب بأنواع من الأمراض التي تؤدي إلى وفاته.

    نحن أمام مظاهر جديدة، كل يوم يطلع علينا العالم الجديد والتقنية الحديثة بآفات جديدة, بحاجة أن نكون على قدر من المسئولية، أن نستشعر وأن نستحضر عظم الأمانة التي كلفنا الله عز وجل القيام بها تجاه أنفسنا أولاً، وتجاه أبنائنا وبناتنا.

    أقول ما تسمعون, وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    التربية الدينية للأبناء

    الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    إخوتي في الله! من أهم مسائل التعويد للأطفال تعويدهم على حضور المساجد والمحافظة على الصلوات، وتعويدهم الوضوء والطهارات, فإن هذه الأعمال الإيمانية من شأنها أن تقوي في المتربي في الولد أو البنت استشعار مراقبة الله تعالى، استشعار ضرورة التقرب إليه بما يحبه سبحانه.

    وهذا ما أمرنا به عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي نحفظه جميعاً، وليست آفتنا من الحفظ، ليست آفتنا في العلم والمعرفة، آفتنا في العمل والتطبيق، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) .

    ابنك ابن السابعة أنت مأمور شرعاً بأن تعلمه كيف يتوضأ، أنت مأمور شرعاً بأن تعلمه كيف يصلي؟ أنت مأمور شرعاً بأن تحفظه التحيات، وتحفظه سورة الفاتحة، وتأمره كيف يتعلم الصلاة، وكيف تصح صلاته؟ أنت مأمور بهذا، وإن لم تفعل فأنت آثم, وواقع في معصية الله.

    والله لن تغني عنك هذه الأموال التي تجمعها شيئاً, فالله ما كلفك بهذا، الله ما أمرك بأن تجمع لهم أرصدة: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

    الرزق على الله، الرزق تكفل به الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات:56-58]، لن تغني عنهم أموالك شيئاً إذا مت وهم لم يعرفوا الصلاة، لن تغني عنهم أموالك شيئاً إذا مت وهم لم يتعودوا التقرب إلى الله والقيام بواجباتهم، ماذا تغني عنهم هذه الأموال إذا كان مصيرهم ومنقلبهم إلى جهنم وبئس القرار؟ ماذا ستغني عنهم هذه الدنيا؟

    أنت حينما تفرط في هذه الوظيفة مفرط في الوظيفة التي خلقت من أجلها، التي أوجد الله عز وجل من أجلها السماء والأرض، هكذا قال الله في الحديث القدسي، يقول سبحانه وتعالى: (إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة)، لا لتجمعوا الأرصدة، ولا لتبنوا به القصور الشاهقة، أنزلناه ليكون عوناً على إقامة الدين، أنزلناه ليكون وسيلة للتقرب إلى الله، أنزلناه ليكون باباً لدخول الجنات.

    إذا انقضى اليوم وغربت الشمس وأبناؤك لم يصلوا في ذلك اليوم فأنت مضيع لأمانة هذا اليوم، ولو كسبت لهم في هذا اليوم ما كسبت، أنت آثم خائن للأمانة مضيع للمسئولية، وعليك أن تستعد للجواب أمام الله تعالى، ( فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )، والله لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل.

    وعلى العاقل منا أن يعد للسؤال جواباً، أن يعد لكل سؤال جواباً وإلا فالموقف عسير، هذه حقيقة وأذني أقرب الأذان لهذا الكلام منكم, علينا أن نستذكر هذه المهمة، نحن بحاجة أن ننتقل من حالة العبث، من حالة الفوضى، من حالة اللامسئولية, من حالة التفريط والإهمال.

    نحن بحاجة أن ننصب أنفسنا قدوة لأبنائنا، كيف يمكن أن يصلي الولد والأب تشرق عليه الشمس ولم يصل؟ كيف يمكن أن يصلي الولد والأم يراها لا تعبأ بهذه الفريضة؟ كيف يمكن أن يتحفظ الولد من الممارسات القذرة من النظر إلى المشاهد القذرة، وهو يرى أباه وأمه في البيت يظلون الساعات الطويلة أمام الشاشات ينظرون إلى ما يقبح ولا يجمل النظر إليه؟ نحن بحاجة أن نعد أنفسنا لنكون أسوة صالحة أمام الأبناء والبنات.

    1.   

    إعانة الله لمن صدق في تحمل مسئولية الأبناء

    الله عز وجل بفضله ومنه وكرمه من علم منه الصدق، من علم منه الإخلاص، من علم منه الحرص على أن ينفع نفسه وينفع ولده لا بد وأنه سيعينه سبحانه، وسيتولى عونه وسيسير له السبيل, هكذا قال الله: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى [الليل:5-9].

    إذا أردت الخير وعزمت عليه وصدقت في التوجه إلى الله فإن الله عز وجل سييسر لك ذلك، نعم قد يكون في الأمر مشقة، قد يكون في الأمر ثقل, لكن ( الأجر على قدر النصب ), هكذا يقول عليه الصلاة والسلام، قالت أم المؤمنين عائشة لرسول الله وهي تريد أن تعتمر عمرة مستقلة غير العمرة التي دخلت في الحج، قالت: ( الناس يرجعون بنسكين وأنا أرجع بنسك واحد؟ فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تخرج إلى التنعيم )، نعم! ستعتمر من التنعيم على بعد كيلو مترات من الكعبة, لكنها لا يمكن أبداً أن تستوي في الأجر مع من أحرم من ميقات ذي الحليفة الذي يبتعد كثيراً. قال عليه الصلاة والسلام: ( لكن أجرك على قدر نصبك )، الأجر على قدر النصب، الأجر على قدر المشقة، كلما كثرت المغريات كثر الجد والاجتهاد في مقابلة هذه المغريات ومحاولة الإصلاح، والأجر للأب والأم على قدر هذه المشقة، فمن علم الله في نفسه خيراً يسر له ذلك.

    وقد قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى مقولة حقها أن تحفظ دائماً: أنت في خير ما دمت تنوي الخير.

    إياك والتفريط! إياك والإضاعة! فإنك تجني على نفسك، وتجني على ولدك.

    يا إخوان! ساعة واحدة في هذه الليالي والأيام يمكن أن تؤهل الولد للخسارة والدمار طوال عمره، ساعة واحدة يمكن أن يقع فيها في براثن رفقاء السوء، فيصاب بإدمان على شيء قذر كالمخدرات أو غيرها، فتنتكس حياته بقية عمره كلها، وساعة واحدة من النصائح والتوجيه .. ساعة واحدة من الصحبة الخيرة، ستكون سبباً لسعادته في بقية حياته كلها.

    نحن بحاجة أن نأخذ أنفسنا بالجد لنعمل بما ينفعنا، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز ).

    نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

    اللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

    اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

    اللهم اغفر لمن حضر هذه الجمعة ولوالديه، وافتح لسماع الموعظة قلبه وأذنيه, أنت ولي ذلك والقادر عليه.

    اللهم انصر عبادك المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين!

    اللهم عليك بأعداء الإسلام فإنهم لا يعجزونك يا قوي يا عزيز!

    رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755926480