إسلام ويب

تفسير سورة الأحقاف [24 - 28]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يذكر الله تعالى هنا قصة قوم عاد الذين أرسل إليهم رسوله هوداً يدعوهم إلى الله وعبادته وطاعته، فقابلوه بالكفر والعناد والإعراض، ولم يغن عنهم ما سمعوا وما رأوا مما أصاب الأمم قبلهم من العذاب والنكال، ولم يعتبروا بذلك، فكان الجزاء من جنس العمل، حيث أرسل الله عليهم الرياح فاقتلعت بيوتهم وخيامهم، وخربت ديارهم، وجعلتهم عبرة وعظة وآية لكل الناس إلى يوم القيامة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم... )

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    أما بعد:

    قال الله عز وجل في سورة الأحقاف: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:24-27].

    ذكر الله عز وجل في هذه السورة قصة عاد الأولى، وكيف أن الله سبحانه وتعالى أهلكهم من حيث ظنوا أنهم آمنون، من حيث ظنوا أنهم يأتيهم الرزق (المطر)، فكان عذاباً أليماً، وريحاً شديدة تدمر كل شيء بأمر ربها، فقد أرسلوا وافدهم ليدعو ربه سبحانه وتعالى، فلما ذهب إلى جبال مكة ليدعو هنالك رأى سحابات في السماء، فقيل له: اختر، فاختار سحابة سوداء، فكانت هلاكاً ودماراً على قومه، وقيل له: خذها رماداً رمدداً لا تبقي من عاد أحداً، فكان فيها العذاب، وأرسل الله عز وجل عليهم الرياح الشديدة التي اقتلعتهم من الأرض، ورفعتهم ثم هوت بهم على رءوسهم، فكانوا كأعجاز نخل خاوية، فلم يبق الله لهم باقية سبحانه.

    من مظاهر قدرة الله تعالى

    قال سبحانه: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ أي: سحابات تعترض السماء، قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا أي: أن هذه السحابات ستمطرنا، فقيل لهم: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ أي: هو العذاب الذي استعجلتم به، هذا العذاب ريح فيها العذاب الأليم، وهي تدمر كل شيء، فأرسلها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7]، أي: لو كنت هناك لرأيت القوم فيها صرعى، كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ .

    وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [فصلت:18]، فأنجى الله سبحانه وتعالى هوداً والمؤمنين الذين معه، وهذا من الأمر العجيب، أن تأتي الرياح الذي فيها العذاب الأليم والشديد فتختار أناساً فترفعهم إلى السماء، وتهوي بهم إلى الأرض، فتشدخ رءوسهم وتتركهم جثثاً هامدة، وتدفنهم الرمال، وتترك أناساً لقوة إيمانهم وقوة يقينهم فلا تؤثر فيهم شيئاً، فالريح هبت على القوم جميعهم، فأنجى الله عز وجل الذين آمنوا وكانوا يتقون، فهذا هود عليه السلام اجتمع معه المؤمنون الأتقياء في مكان، والريح هبت فأهلكت من شاء الله عز وجل من هؤلاء.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (تدمر كل شيء بأمر ربها ...)

    قوله: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ وهذا من باب العام المخصوص، فهي لم تدمر كل شيء، فلم تدمر هوداً، ولم تدمر المؤمنين الذين معه، وهذا كما يقول الأصوليون: قد يأتي العموم ويراد به الخصوص، وقد يأتي العموم الذي يخصص إما بالنص، وإما بالإجماع، وإما بالعقل، وإما بالعرف ونحو ذلك، فهذا من العموم الذي يخص بما دل النص عليه، ويخص بالعقل أيضاً.

    فهنا الرياح دمرت كل شيء أراد الله عز وجل تدميره، أما ما لم يرد تدميره فلم يدمر، ولذلك في الآية نفسها يقول الله: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ فالمساكن لم تدمر، ولو أراد الله عز وجل لدمر كل شيء، ولكن دفن هذا كله بالرمال، فالرمال تؤمر لتدفن هؤلاء ولا تدفن المؤمنين، فالله عز وجل فعله عظيم، ومثل هذا الشيء شاهده أصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه في يوم الخندق، فكان الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في غاية الرعب والفزع من الكفار، وقد تجمع عليهم الأحزاب من كل مكان، فما كان من أهل المدينة إلا أن أخذوا برأي بعضهم في حفر خندق يمنع وصول المشركين إليهم؛ لأنهم لا يستطيعون مواجهة هذا العدد الضخم من الكفار، ويبقى اليهود من ورائهم يحمون ظهورهم، لكن اليهود نقضوا العهد مع المسلمين، فأصبح المؤمنون في غاية الخوف والرعب، وفي هذه الظروف الحرجة تأتي ريح شديدة، وبرودة شديدة، والصحابة ما زالوا يرتعشون ويرتجفون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يأتينا بخبر القوم؟ -وهو على يقين أن الله سينصره- فلا أحد يجيب من شدة البرد ومن شدة الخوف، ثم قال: قم يا حذيفة ! ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إليه لما قام أحد، فقام حذيفة وتوجه إلى جيش المشركين، فقال رضي الله عنه: فكأني أسير في حمام)، والحمام هو مكان الحميم، وهو الماء الساخن، فكان الفرق شاسع بين رياح جيش المسلمين ورياح جيش المشركين، فما إن وصل إلى معسكر الشرك وجد أمراً يخيف، فوجد الرياح تقتلع خيامهم، وتكفئ قدورهم، والعجب أن المكان واحد، فهنا المسلمين وهناك المشركين، والريح آتية على الجميع، لكن هنا صورة وهناك صورة أخرى، فسبحان مقلب الأمور، فيقلبها كيف يشاء، فأرسل الرياح ليقول لنا: قوم عاد فعلنا بهم كذا وكذا، وأنجينا المؤمنين منهم، كما أنجينا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه في يوم الأحزاب، وذلك عندما جاءت الريح على الجميع.

    وفي يوم بدر لما أنزل الله عز وجل المطر جعله تثبيتاً للمؤمنين، وتخويفاً لهؤلاء الكافرين، وجعله أمنة للمؤمنين ليطهر به قلوبهم، ويثبت به أقدامهم، ويذهب عنهم الرجز والآلام التي في أنفسهم، وأما الكفار فيخزيهم ويكبتهم سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فكل شيء راجع إلى أمره سبحانه، فهو الذي أمر الرياح بتدمير هؤلاء، فدمرت هؤلاء، فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ فأصبح الذاهب إلى هنالك لا يرى إلا المساكن، وأما الأقوام فقد دفنوا تحت الأرض.

    فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ [الحاقة:7] صُرع القوم، ثم دفنوا تحت الرمال هم وبيوتهم.

    قال سبحانه: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ أي: هذا حكمنا فيمن كذب رسلنا وخالف أمرنا، و(ذلك) اسم إشارة للبعيد، وقد يكون للشيء العظيم الذي حدث، وهو أن هؤلاء كانوا في غاية القوة فأهلكهم الله هلاكاً عظيماً، وكذلك هو إهلاكنا وعقابنا لكل مجرم يحاد الله ورسوله.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ...)

    قال تعالى: (( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ )) أي: مكنا لهؤلاء القوم، فأعطيناهم القوة العظيمة، والأبدان الصحيحة، والتمكين في الأرض، لكن عتوا في الأرض وأفسدوا فيها، (( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ )) و(إن) هنا تحتمل معانٍ كلها صحيحة، (( وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ )) فتحتمل أن تكون: صلة، فيكون التقدير: ولقد مكناهم في الذي مكناكم فيه، وأعطيناكم مثل ما أعطيناهم، وإن كان هناك فرق كبير بينكم وبينهم، فهم كانوا عمالقة وأقوياء.

    وتحتمل أن تكون: شرطية، فيكون المعنى: إن أعطيناكم مثل ما أعطيناهم من القوة وعظم الأجساد فإنكم ستفسدون وتعثون في الأرض مثل ما فعلوا، وأنتم الآن على ضعفكم تفسدون في الأرض، فكيف إذا كنتم مثلهم!

    وتحتمل (إن) معنىً آخر وهو: النفي، فيكون المعنى: (ولقد مكناهم فيما لم نعطكم مثله).

    فقوله: (فيما إن مكناكم فيه) أي: في الشيء الذي أعطيناكم مثله، وهذا صحيح، وتفسير: فيما لم نعطكم مثله أيضاً صحيح، فتفسير: (أعطيناكم مثله) أي: أعطيناهم أرضاً وأعطيناكم أرضاً، وأعطيناهم رزقاً وأعطيناكم رزقاً، لكن لم نعطكم ما كانوا فيه من قوة عظيمة، (( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ )) فكان هؤلاء الأقوام ذو طول وقوة في البدن، فكان أحدهم ينحت الجبل فيعمل منه بيتاً فارهاً له.

    إذاً: فقد أعطيناكم مثل ما أعطيناهم في بعض الأشياء، فأعطيناكم رزقاً وعقولاً تفكرون بها، ورسالة جاءتكم تدعوكم إلى الله سبحانه، وأعطيناهم شيئاً لم نعطكم إياه، فأعطيناهم القوة العظيمة التي لم نعطكم مثلها في أبدانكم، وإن كنا عوضناكم بشيء آخر مكانه، فأعطيناكم عقولاً تفكرون بها كيف تصنعون الطائرات والدبابات، والآلات التي تخرقون بها الأرض، والتي تبنون بها العمائر، وأما الأبدان فلم نعط أحداً مثل هؤلاء الأقوام.

    تمكين الله للأمم السالفة في الدنيا

    قوله تعالى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً ، وأنتم أيضاً أعطيناكم السمع والأبصار والأفئدة، فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ ؛ لأنهم كانوا يجحدون بآيات الله. وهناك فرق بين الجاحد والمنكر:

    فالمنكر: قد يظن في نفسه أنه صادق في ذلك، فتقول له: أنا أعطيتك حاجة كذا وكذا، فيقول لك: لا، ما أعطيتني، فلعله يكون ناسياً، لكن إذا نفى ذلك وكان ذاكراً فهو جاحد، فالجاحد هو الذي ينكر مع معرفته في نفسه وإقراره في قلبه أنه أخذ هذا الشيء.

    فهؤلاء جحدوا بآيات الله وكذبوا رسل الله عليهم الصلاة والسلام، فهم يعرفون أن هذا النبي حق ومع ذلك كذبوا، وهم مقتنعون وموقنون أنه على الحق، لكن جحدوا وكذبوا، فاستحقوا العقوبة الشديدة، ولذلك طبع الله على قلوبهم فلم تنفعهم النذارة، ولم يخافوا من عذاب الله عز وجل، حتى بغتهم العذاب فلم ينفعهم شيء.

    قال سبحانه: فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ وهنا نرجع لقضاء الله وقدره، فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فأولئك هم الغافلون، وأولئك هم الظالمون، فالله سبحانه تبارك وتعالى يهدي فضلاً منه سبحانه، ويضل بعدل منه سبحانه، فهؤلاء استحقوا أن يطبع الله على قلوبهم، وألا ينتفعوا بما يشاهدون من الآيات، وألا ينتفعوا بما يسمعونه من الحكم والعبر؛ لأنهم كانوا يجحدون بآيات الله، ويكذبون بالحق الذي يعرفون، فلا يستحقون أن يبصروا، ولا أن تنار قلوبهم، فلذلك طمس الله عليها وأظلمها، فقال: إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ أي: أحدق بهم ونزل بهم نزول إحاطة، فنزل العذاب نزولاً فظيعاً عظيماً محيطاً بهم، فلم يفلت منهم أحد.

    قال: وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون فحاق بهم نتيجة ما طلبوه، فهم طلبوا من رسولهم عليه الصلاة والسلام، فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [هود:32] ضحكوا منه، وسخروا به، فجاءهم العذاب من عند الله سبحانه.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى ...)

    ثم قال لمشركي مكة: تذكروا ما حدث لهؤلاء القوم، وكيف أصبناهم بالعذاب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الأحقاف:27] يعني: أنه قد أهلك الله الأمم المكذبة بالرسل ممن كانوا حول مكة، كثمود، وأصحاب الأيكة، وقوم لوط في الشمال، وقوم عاد في الجنوب، وفرعون وقومه في الغرب، وغيرهم ممن كذبوا وأعرضوا وجحدوا.

    قوله: (وصرفنا الآيات) أي: بيناها وأوضحناها بالحجج التي في القرآن، والتي يقولها الرسل، والدلالات، وأنواع البيانات والعضات من الله عز وجل، وقد بينا لكل قوم ولكل قبيلة ما ينذرون به، وما يخوفون به، ومع ذلك لم يرجعوا عن غيهم، قال: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ , فلم يرجعوا، فجاءهم عذاب رب العالمين سبحانه.

    انكشاف تدليس المشركين

    قال تعالى: فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً [الأحقاف:28] و(لولا) بمعنى: هلا، وهي للتحضيض والحث، أي: هل نصرتهم هذه الآلهة لما جاءهم عذاب رب العالمين! فأين الآلهة التي كانوا يدعونها دون الله؟! فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً أي: اتخذوهم آلهة يعبدونهم متقربين بذلك إلى الله، فقالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، وكذلك المشركون يدلسون ويفترون على الله الكذب، فحينما كانوا يعبدون الأصنام يتأولون لأنفسهم فيقولون: نحن نعبد هذه الأصنام من أجل أن تقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، فيكذبون ويفترون، والله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً له سبحانه، موافقاً لما يريده سبحانه.

    فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ [الأحقاف:28]، فالآلهة ضلت عن أقوامهم، والأقوام ضلوا عن آلهتهم، بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ ففي وقت الشدة والضيق، ونزول العذاب ما نفعتهم هذه الآلهة التي يدعونها من دون الله، فلم تكشف عنهم العذاب وقت مجيئه، ولم يقولوا: يا آلهتنا! وإنما قالوا: يا الله! فلم ينفعهم ذلك، قال: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ ، وضل بمعنى: تاه وبعد، والإفك: الكذب، وكأنه يقول: هذا إفكهم إن افتروا واتخذوا آلهة من دون الله، فكانت النتيجة عقوبة الله سبحانه، وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [الأحقاف:28]، فزعموا أن الآلهة تنفع وتضر مع الله، فلم تنفعهم شيئاً، وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [هود:8].

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756963731