إسلام ويب

شرح فتح المجيد شرح كتاب التوحيد [119]للشيخ : عبد الله بن محمد الغنيمان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حمى النبي عليه الصلاة والسلام جناب التوحيد حماية عظيمة؛ لئلا يقع المسلمون في أي نوع من أنواع الشرك، ومن ذلك أنه نهى عن قول السيد لمملوكه: عبدي أو أمتي؛ لأن العبودية لا تكون إلا لله وحده.

    1.   

    شرح حديث: (لا يقولن أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: لا يقول: عبدي وأمتي.

    في الصحيح: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقولن أحدكم: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: سيدي ومولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي) ].

    هذا من باب الأدب مع الله جل وعلا، ومن باب تعظيم حق الله جل وعلا، واجتناب الألفاظ التي فيها منازعة لله جل وعلا، وفيها نوع من المشاركة له؛ تعظيماً له وتحقيقاً للتوحيد؛ لأن العبودية هي صفة المخلوقين كلهم، والربوبية هي صفة الرب جل وعلا، هو الرب الذي ربى الخلق بإيجادهم، وبدفع المكروهات عنهم، وجلب المصالح لهم من كل وجه، فلا يكون العباد أرباباً لبعضهم بعضاً، وإن كان يوجد منهم المملوك الذي يملك، ولكنه في الواقع متعبد لله، وملكه لا يجوِّز أن يكون في ذلك ميزة لبعضهم على بعض في العبادة.

    ويجب أن تكون عبوديتهم كلهم ظاهرة لله، وليس لأحد على أحد عبودية، والرق الذي كان واقعاً سببه الكفر، وقد يقع لبعضهم، وإذا كان واقعاً فالإنسان يتأدب مع ربه جل وعلا في هذا، فلا يسميه عبداً فيقول: هذا عبدي إذا كان ذكراً، وإن كان أنثى يقول: أمتي؛ لأن النساء كلهن إماء الله، والذكور كلهم عبيد الله، أحرارهم وملوكهم.

    فهذا من باب حماية التوحيد، ومن باب التأدب مع الله جل وعلا، فيجب أن يحمى اسم الله جل وعلا، وألا يكون فيه مشاركة للمخلوقين، وأن يقال: هذا رب فلان وفلان وهذا بالنسبة للعقلاء المكلفين.

    أما غير العقلاء من بهائم وجمادات وغيرها فإنها ليست معبدة التعبيد التكليفي الشرعي، وإن كانت معبدة التعبيد القدري، لكن التعبيد الشرعي التكليفي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه ليس هذا من شأنها، وليس موجهاً إليها، ولهذا يجوز أن يقال: هذا رب هذه الدابة! رب الناقة! رب الشجر؛ لأنها ليست عاقلة ولا مكلفة، وإنما هذا في المكلفين من الذكور والإناث، وقد يشكل على هذا ما جاء في بعض الآيات، مثل قول الله جل وعلا في قصة يوسف عليه السلام: إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، ومقصوده أنه ربه الذي ملكه، فلما قالت امرأة العزيز: هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23].

    والجواب عن هذا: أن هذا كان في شرع من قبلنا، وشرعنا جاء بالنهي عن ذلك.

    وبعضهم أجاب قائلاً: يكون النهي في هذا الحديث من باب الأدب وباب الكراهة والآية تدل على الجواز، يعني: أن هذا جائز ولكن خلاف الأولى، وهذا جواب خلاف الأولى، بل هذا ليس في شرعنا، وإنما هو في شرع من قبلنا، بدليل أن يوسف عليه السلام سجد له أبواه وإخوته لما دخلوا عليه وهو على كرسيه، فهذا لا يجوز في شرعنا، وقد ذكره الله جل وعلا، ويكون هذا مثله.

    وأما الحديث الذي في الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة: (أن تلد الأمة ربتها)، هذا لا محذور فيه لأن (ربتها) مؤنث بحيث لا يمكن أن يوصف الله جل وعلا به، تعالى وتقدس، فهذا ليس فيه محذور.

    فعلى هذا لا يجوز للإنسان إذا كان له عبد أن يقول: عبدي، فهو بنفسه وغيره كذلك، لا يقول هو، ولا يقال له، فلا يقول أحد: أجب ربك، أجبه أو أطعمه أو اذهب إليه أو ما أشبه ذلك، يعني: لا المخاطب ولا المخاطب يقول ذلك، كلاهما منهي عن هذا، فلا يدعوه بلفظ العبد، ولا يدعو العبد سيده بلفظ الرب فيقول: يارب، ولهذا قال: (لا يقولن أحدكم: عبدي وأمتي، ولا يقل: أطعم ربك، وضئ ربك، وليقل: فتاي وفتاتي)، والفتى: هو الغلام النشيط، والفتاة كذلك.

    فأرشد إلى الشيء الجائز بدل الممنوع الذي فيه مشاركة لاسم الله جل وعلا، ومنازعة فيه، وأما ما يأتي فيما جاء في رواية مسلم أنه قال: (وليقل: سيدي ومولاي) فإنه جاء النهي كما سيأتي أيضاً عن إطلاق لفظ السيد، وهو سيد في الواقع، ويقال هذا على من كان له تقدم في السيادة، ولكن في الحديث الذي سيأتي أنه قال: (السيد الله)، فهذا لأنه ليس من الأسماء المشهورة التي تختص بالرب مثل اسم: الرب، فالرب جل وعلا لا يطلق إلا على الله، ولا يستعمل لأحد إلا إذا كان مضافاً، مثل أن يقول: رب الدار! رب الكتاب.

    أما أن يقول هكذا: رب، ربك، أو ربي، فالرب خاص بالله جل وعلا، فلا يكون مثل إطلاق لفظ السيد، وإن كان جاء في الحديث الذي سيأتي أنه قال: (السيد الله)، وأما المولى فإنه يطلق على القريب في النسب كالأخ وابن العم وما أشبه ذلك، ويطلق على الناصر، ويطلق على المقدم الذي له تقدم، وله فضل على غيره، ويطلق على غير ذلك.

    ومثل هذا منهي عنه، والمحذور فيه هو هذه الإطلاقات، ويجب أن يكون للمخلوق ما يليق به.

    حماية النبي صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد

    قال الشارح رحمه الله تعالى: [هذه الألفاظ المنهي عنها وإن كانت تطلق لغة، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها تحقيقاً للتوحيد، وسداً لذرائع الشرك؛ لما فيها من التشريك في اللفظ؛ لأن الله تعالى هو رب العباد جميعهم.

    فإذا أطلق على غيره شاركه في هذا الاسم، فينهى عنه لذلك، وإن لم يقصد بذلك التشريك في الربوبية التي هي وصف الله تعالى، وإنما المعنى أن هذا مالك له، فيطلق عليه هذا اللفظ بهذا الاعتبار، فالنهي عنه حسماً لمادة التشريك بين الخالق والمخلوق، وتحقيقاً للتوحيد، وبعداً عن الشرك حتى في اللفظ، وهذا أحسن مقاصد الشريعة؛ لما فيه من تعظيم الرب تعالى، وبعده عن مشابهة المخلوقين، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يقوم مقام هذه الألفاظ، وهو قوله: سيدي ومولاي، وكذلك قوله: (ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي) لأن العبيد عبيد الله، والإماء إماء الله؛ قال الله تعالى: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا [مريم:93].

    ففي إطلاق هاتين الكلمتين على غير الله تشريك في اللفظ، فنهاهم عن ذلك تعظيماً لله تعالى، وأدباً وبعداً عن الشرك، وتحقيقاً للتوحيد، وأرشدهم إلى أن يقولوا: فتاي وفتاتي وغلامي، وهذا من باب حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، فقد بلغ صلى الله عليه وسلم أمته كل ما فيه نفع، ونهاهم عن كل ما فيه نقص في الدين. فلا خير إلا دلهم عليه، خصوصاً في تحقيق التوحيد، ولا شر إلا حذرهم منه، خصوصاً ما يقرب من الشرك لفظاً وإن لم يقصد به، وبالله التوفيق.

    1.   

    مسائل باب: لا يقول: عبدي وأمتي

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [فيه مسائل:

    الأولى: النهي عن قول: عبدي وأمتي.

    الثانية: لا يقول العبد: ربي، ولا يقال له: أطعم ربك ].

    المقصود بهذا حماية جناب التوحيد، وتعظيم الله جل وعلا، فلا يشاركه المخلوق ولو في الألفاظ، هذا المقصود، ألا يشارك المخلوق ربه جل وعلا حتى في الألفاظ التي يختص بها الله جل وعلا، فيجب أن تكون خاصة به مثل الرب، لا يجوز أن يكون مشاركاً المخلوق له، ولهذا عدل عن الشيء الذي يعطي المعنى، ولا يكون فيه مشاركة.

    [ المسألة الثالثة: تعليم الأول قول: فتاي، وفتاتي، وغلامي.

    المسألة الرابعة: تعليم الثاني قول: سيدي، ومولاي.

    الخامسة: التنبيه للمراد، وهو تحقيق التوحيد حتى في الألفاظ ].

    تحقيق التوحيد حتى في الألفاظ، والمراد: تخليصه وتصفيته من الشوائب التي قد تشوبه من عمل أو قول؛ لأن هذا هو تحقيقه، وحتى في الألفاظ يجب أن يكون الرب جل وعلا واحداً فيها، ليس له فيها مشارك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755978453