-
تفسير قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين فئتين)
-
تفسير قوله تعالى: (ودوا لو تكفرون كما كفروا...)
قال تعالى:
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:89].
(ودوا لو تكفرون كما كفروا) هذا كلام مستأنف مسوق لبيان غلوهم وتماديهم في الكفر، وتصديهم لإضلال غيرهم، أي: أنه سبحانه بعدما بين كفرهم وضلالهم في أنفسهم بين تعالى هنا أنهم أيضاً ساعون في إضلال غيرهم، وصدهم عن سبيل الله.
(ودوا لو تكفرون كما كفروا) يعني: تمنوا أن تكفروا ككفرهم بعد الإيمان، (فتكونون سواء) في الكفر والضلال.
(فلا تتخذوا منهم أولياء) يعني: في العون والنصرة؛ لأنكم إذا واليتموهم فإن ذلك يؤدي ويئول بكم إلى الكفر؛ لأن موالاة الكفار من الكفر.
وإن أظهروا لكم الإيمان طلباً لموالاتكم، فلا تتخذوا منهم أولياء.
(حتى يهاجروا) يعني: حتى يهاجروا في سبيل الله من دار الكفر إلى دار الإسلام، فحينئذٍ تتحققون من صحة إيمانهم.
(فإن تولوا) يعني: عن الهجرة.
(فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) يعني: وإن أظهروا لكم الإسلام مع قدرتهم على الهجرة فافعلوا بهم ما تفعلونه بالكفار؛ لأنهم حينما ينحازون من المؤمنين إلى الكافرين وهم قادرون على الهجرة من وسط الكافرين إلى وسط المؤمنين، ومع ذلك يؤثرون الانحياز إلى معسكر الكافرين، فهنا خرجوا من صفة النفاق وأظهروا الكفر بتحيزهم للكافرين.
(فخذوهم) هذا أمر باتخاذهم أسرى.
(واقتلوهم حيث وجدتموهم) يعني: سواء كان ذلك في الحل أو في الحرم.
(ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً) يعني: لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ما داموا كذلك.
فهذه الآية تدل على أنه لا يجوز موالاة المشركين والمنافقين والمشتهرين بالزندقة والإلحاد، وهذا متأكد بعموم قوله تبارك وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [الممتحنة:1] والسبب فيه أن أعز الأشياء وأعظمها عند جميع الخلق هو الدين؛ لأن الدين هو الأمر الذي يتقرب به إلى الله تعالى ويتوسل به لطلب السعادة في الآخرة، وإذا كان كذلك كانت العداوة الحاصلة بسببه أعظم أنواع العداوة، فأعظم أنواع العداوة ما كان بسبب الدين، وإذا كان كذلك امتنع طلب المحبة والولاية في الموضع الذي يكون أعظم موجبات العداوة حاصلاً فيه، كأن يعادي دينك ويعادي الله سبحانه وتعالى ويعادي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومعروف معلوم أن أكثر مسائل الإيمان أدلة بعد التوحيد هي قضية الولاء والبراء، فهي أكثر قضايا الإيمان من حيث أدلتها بعد توحيد الله سبحانه وتعالى، وبلا شك فإن هذه القضية وثيقة الصلة بالإيمان والتوحيد.
-
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق..)
قال تبارك وتعالى:
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا [النساء:90].
(إلا الذين يصلون) يعني: الذين يلجئون.
(إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) يعني: عهد هدنة أو أمان، فاجعلوا حكمهم كحكمهم؛ لأن هذا سيؤدي إلى قتال من وصلوا إليه، فيفضي إلى نقض الميثاق.
وفي هذا احترام للعهود والمواثيق، يعني: الحكم السابق في قوله تبارك وتعالى: (فإن تولوا) أي: عن الهجرة وانحازوا للكفار مع قدرتهم على الهجرة إليكم.
(فخذوهم) يعني: بالأسر.
(واقتلوهم حيث وجدتموهم) في الحل أو الحرم.
(ولا تتخذوا منهم ولياً ولا نصيراً).
من الذي يستثنى من هؤلاء المذكورين؟! يستثنى من لجأ إلى قوم بين المسلمين وبينهم ميثاق، ففي هذه الحالة ينبغي عدم التعرض له، بل يعامل كمعاملة هؤلاء الذين لهم عهد ولهم هدنة ولهم ميثاق؛ لأنه إذا دخل هذا في جوار هؤلاء القوم الذين لهم عهد وميثاق، وحاول المسلمون أن يقتلوه وهو في جوارهم فهذا سيؤدي إلى قتال هؤلاء المعاهدين، وبالتالي تنقض العهود، ومن ثم أمر الله سبحانه وتعالى بأن هؤلاء يعاملون كمعاملة هؤلاء الذين بيننا وبينهم ميثاق.
(أو جاءوكم حصرت صدورهم) يعني: وهؤلاء الذين جاءوكم يستثنون مع هؤلاء اللاجئين.
(حصرت صدورهم) يعني: قد ضاقت وانقبضت نفوسهم.
(أن يقاتلوكم) لإرادتهم المسالمة فهم يريدون أن يكونوا سلماً لكم، ويكرهون وتضيق نفوسهم بأن يقاتلوكم.
(أو يقاتلوا قومهم) أي: معكم لمكان القرابة منهم، فهؤلاء لا يريدون أن يقاتلوكم، ولا يريدون أن يضموا إليكم ليقاتلوا قومهم وقبيلتهم، فهم لا لكم ولا عليكم.
إذاً المستثنى هنا من المأمور بأخذهم فريقان:
أحدهما: من ترك المحاربين ولحق بالمعاهدين.
الآخر: من أتى المؤمنين وكف عن قتال الفريقين.
(وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ) إشعار بقوتهم في أنفسهم، وأن التعرض لقتلهم فيه إظهار لقوتهم الخفية، فهذه الجملة جارية مجرى التعليل لاستثنائهم من الأخذ والقتل.
(ولو شاء الله لسلطهم عليكم فلقاتلوكم) يقول
القاسمي : فيها إشعار بأنه لديهم قوة كاملة هم يستطيعون أن يقاتلوكم، لكن الله هو الذي كف أيديهم عنكم، وأنتم إذا تعرضتم لقتلهم فستستفزونهم، وبالتالي سيأخذون موقفاً معادياً ويشرعون في قتالكم، هذا هو التعليل لسبب استثنائهم من الأخذ والقتل.
(فإن اعتزلوكم) يعني: إن تركوكم مع ما علمتم من تمكنهم من ذلك.
(فلم يقاتلوكم) مع أنهم متمكنون من قتالكم وقادرون على قتالكم، لكن الله سبحانه وتعالى كفهم عنكم.
(وألقوا إليكم السلم) أي: الانقياد والاستسلام.
(فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً) أي: ليس لكم حق في أن تأخذوهم بالأسر أو بالقتل، إذ لا ضرر منهم على الإسلام، وقتالهم يظهر كمال قوتهم.
-
كلام السيوطي في تفسير قوله تعالى: (فما لكم في المنافقين... فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً)
يقول
السيوطي رحمه الله تعالى: ولما رجع ناس من معركة أحد -وهم المنافقون- اختلف الناس فيهم، فقال فريق: نقتلهم، وقال فريق: لا، فنزل: (فما لكم) أي: ما شأنكم صرتم (في المنافقين فئتين) فرقتين، لذلك فإن إعراب كلمة فئتين يكون بتقدير كلمة صرتم.
(والله أركسهم) أي: ردهم.
(بما كسبوا) من الكفر والمعاصي.
(أتريدون أن تهدوا من أضل الله) أتريدون أن تهدوا من أضله الله، أي: تعدوهم من جملة المهتدين، والاستفهام في الموضعين للإنكار.
(ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً) أي: ومن يضلله الله فلن تجد له طريقاً إلى الهدى.
(ودوا) أي: تمنوا.
(لو تكفرون كما كفروا فتكونون) أنتم وهم (سواءً) في الكفر.
(فلا تتخذوا منهم أولياء) توالونهم وإن أظهروا لكم الإيمان.
(حتى يهاجروا في سبيل الله) هجرة صحيحة تحقق إيمانهم.
(فإن تولوا) يعني: عن الهجرة كما ذكرنا وأقاموا على ما هم عليه.
(فخذوهم) بالأسر.
(واقتلوهم حيث وجدتموهم ولا تتخذوا منهم ولياً) توالونه (ولا نصيراً) تنتصرون به على عدوكم.
(إلا الذين يصلون) يلجئون.
(إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) عهد بالأمان لهم، كما عاهد صلى الله عليه وسلم
هلال بن عويمر الأسلمي على أن لا يعين على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعينه، على أن من لجأ إليه لا يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم له.
(أو) الذين (جاءوكم) وقد (حصرت) ضاقت، (صدورهم) عن (أن يقاتلوكم) مع قومهم، (أو يقاتلوا قومهم) معكم، أي: ممسكين عن قتالكم وقتالهم فلا تتعرضوا إليهم بأخذ ولا قتل.
وهذا وما بعده منسوخ بآية السيف.
وسبق البيان أن معنى النسخ في مثل هذه المواضع من القرآن الكريم يتفاوت بحسب حال المسلمين، أما النسخ الآخر كنسخ الخمر والربا أو غير ذلك من الأشياء التي نسخ حكمها تماماً.
(ولو شاء الله) تسليطهم عليكم، (لسلطهم عليكم) بأن يقوي قلوبهم، (فلقاتلوكم) ولكنه لم يشأه فألقى في قلوبهم الرعب.
(فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم) الصلح أي: انقادوا.
(فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً) أي: طريقاً بالأخذ أو القتل.
-
تفسير قوله تعالى: (ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم...)
-
تفسير قوله تعالى: (وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً...)