فصل:
وإذا باع داراً شمل البيع أرضها وبناءها وسقفها وباباً منصوباً وسلماً ورفاً مسمورين، وخابية مدفونة؛ لا قفل ومفتاح ودلو وبكرة ونحوها.
أو أرضاً شمل غرسها وبناءها، لا زرعاً وبذره إلا بشرط، ويصح مع جهل ذلك، وما يجز أو يلقط مراراً فأصوله لمشتر، وجزة ولقطة ظاهرتان لبائع ما لم يشرط مشتر]
ذكر المؤلف أن الربا نوعان، وتقدم ربا الفضل، وأشرنا أيضاً إلى ربا النسيئة، وأنه كان ربا الجاهلية، يقول: (يحرم ربا النسيئة فيما اتفقا في علة ربا الفضل) أي: في كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ولو لم يكونا من جنس واحد، فيحرم فيهما النسأ، صورة ذلك: لا تبع صاع تمر بصاعين زبيب نساء، ويجوز يداً بيد، أو صاع زبيب بصاعين تمر، ويجوز يداً بيد، وذلك لاختلاف الجنس، ولكن لا يجوز نساء؛ لأن في حديث عبادة : (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يداً بيد) فيعم بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، أي: إذا كانا مكيلين، البر مكيل والشعير مكيل، اتفقا في العلة وهي الكيل، فلا يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، وإذا بيع بر بشعير يشترط شرط واحد، وهو: التقابض، ولا يشترط التماثل، فيجوز أن تبيع خمسة آصع بر بعشرة آصع شعير، ولكن يداً بيد، ولا يجوز النسأ، لا يجوز أن تقول: أعطيك الآن خمسة آصع بر، وتعطيني بعد عشرة أيام عشرة آصع شعير، لا يجوز ذلك؛ لأن العلة واحدة، وهو أن هذا مكيل وهذا مكيل، وكذلك بقية المكيلات، مثل صاع من الهيل بخمسة آصع من القهوة، يجوز، ولكن يداً بيد، ولا يجوز أن تقول: أعطيك الآن صاعين وتعطيني بعد عشرة أيام أو عشرين يوماً خمسة آصع من القهوة، لا، لابد أن يكون يداً بيد، وهكذا بقية المكيلات، حتى ولو لم تكن من القوت، فمثلاً: الفل أو الشونيز -الذي هو الحبة السوداء- مكيل عندنا، ومطعوم عند الشافعي ، فهو ربوي، فإذا قلت -مثلاً-: أعطيك الآن صاعاً من الحبة السوداء، وتعطيني بعد خمسة أيام صاعين من الحلف -الذي هو الرشاد- أو مما يسمى بالحب الحار أو ما أشبه ذلك، فلا يجوز؛ لأن العلة واحدة، وهي: أنه مكيل بمكيل.
وكذلك أيضاً إذا اتفقا في الوزن، إذا كان هذا موزوناً وهذا موزوناً، وكان هذا جنساً وهذا جنساً، فمثلاً اللحوم موزونة، فإذا قال: أعطيك الآن كيلو لحم غنم، وتعطيني غداً أو بعد غد كيلوين لحم إبل لا يجوز، أما إذا كان يداً بيد كيلو بكيلوين فيجوز، إذا كان يداً بيد ولو تفاوت؛ لأن هذا جنس وهذا جنس، وهكذا -مثلاً- إذا قال: أعطيك كيلو لحم سمك بكيلوين لحم دجاج غداً أو بعد غد لا يجوز إلا يداً بيد، يجوز فيه التفاضل، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك إذا قال: عشرين جراماً ذهباً بمائة جرام فضة يجوز يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، وكذلك حديد بنحاس يجوز فيه التفاضل ولا يجوز فيه النسأ، إذا بعت -مثلاً- كيلو حديد بكيلوين نحاس يجوز يداً بيد، ولا يجوز أن يكون نساءً؛ لأن العلة واحدة، وكذلك القطن بالصوف، فإذا بيع كيلو قطن بكيلوين صوف أو بالعكس، يجوز يداً بيد، ولا يجوز نساءً ولو بعد المجلس بنصف ساعة.
فهذا معنى قوله: ربا النسيئة يحرم فيما اتفقا في علة ربا الفضل.
عندنا -مثلاً- اللحم والقطن، ما العلة فيهما؟
الوزن، فلا يباع قطن بحديد إلا يداً بيد، ولا يشترط التماثل، وكذلك -مثلاً- الرصاص بالنحاس العلة فيهما ما هي؟
الوزن، فلا يباع رصاص بنحاس إلا يداً بيد، يجوز التفاضل ولا يجوز النسأ يعني: التأخير.
وإذا عرفنا أن الفلفل والزنجبيل العلة فيهما واحدة وهي الكيل، فيباع أحدهما بالآخر متفاضلاً، ولا يجوز التأخير والنسأ، لا بد أن يكون يداً بيد، مكيلاً بمكيل، فهيل مع قهوة لا يجوز إلا يداً بيد؛ لأنهما موزون بموزون، وحديد برصاص لا يجوز نَساءً، إلا إذا كان الثمن أحد النقدين فإنه يجوز، وذلك للضرورة.
ومن النقود الفلوس، وهي: قطع صغيرة من النحاس تسمى فلوساً، وهي أيضاً نقود يشترى بها الأشياء الرخيصة، وتشبه ما يسمى عندنا بالهلل، والهلل: قطع صغيرة من النحاس توجد في البنوك وعند الصيارفة، وهي أيضاً من النقود، وكانوا يتعاملون أيضاً بقطع صغيرة من النحاس اسمها دوانيق، واحدها دانق، والدرهم ستة دوانق، هذه هي النقود المضروبة.
واعلم أن الذهب أول ما يستخرج من الأرض يكون فيه أخلاط من نحاس ومن حديد ومن تراب، ويسمى قبل أن يصفى تبراً، وفي هذه الحال يجوز بيعه بفضة، ولا يجوز بيعه بذهب، وذلك لعدم تحقق المساواة؛ لأنه إذا كان ربع كيلو جرام من التبر لا ندري كم خلطه من النحاس، وكم خلطه من التراب، فلابد أن يصفى، وتسمى تصفيته سبكاً، والسباك هو الصائغ، الذي يصوغ أو يصفي، يقول الشاعر:
سبكناه ونحسبه لجيناً فألقى الكير عن خبث الحديد
السبك: هو التصفية، وتصفية التبر بأن يدخل في الكير، ثم يحمى عليه فيذوب الحديد في جانب ويتجمد، ويذوب الذهب ويتجمد، ويبقى التراب والحجارة لا تذوب، فيعرف بذلك مقدار ما فيه من النحاس، ومقدار ما فيه من التراب، وما فيه من الذهب، واللجين: اسم للذهب، والعرب تسميه (لجيناً) كما في قول الشاعر:
عيون من لجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك
فإذا صفي الذهب من هذا الخلط يسمى مسبوكاً، وقوله: (سبكناه ونحسبه لجيناً) يعني: أدخلناه الكير حتى نسبكه، فإذا صار قطعاً من ذهب سمي سبائك، يقولون: سبائك الذهب، يعني: قطع الذهب الخالصة من الخلط، ففي هذه الحال إذا كان مسبوكاً صافياً من الأخلاط، فإذا بيع بذهب فلابد أن يكون مثلاً بمثل، وإذا بيع بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، وكذلك إذا بيع وهو سبائك بحديد أو بقطن أو بنحاس فلابد أن يكون يداً بيد، وذلك لأن العلة واحدة، وهي كون هذا موزوناً وهذا موزوناً، فالصائغ يأخذ هذه السبائك ثم يصوغها، يجعلها صوغاً، والصوغ: هو ما يلبس، يصوغها خواتيم في الأصابع، أو يصوغها أسورة في الأيدي، أو يصوغها قلائد في الرقاب، أو يصوغها أقراطاً في الأذن، ففي هذه الحال إذا كان مصوغاً فإنه أيضاً -على المشهور- لا يباع إلا مثلاً بمثل، يعني: وزن ذهب بوزن ذهب، يعني هذا مصوغ وهذا مسبوك، لا يباع إلا مثلاً بمثل، وزناً بوزن، يداً بيد، وإذا بيع وهو مصوغ بدراهم فلابد من التقابض قبل التفرق، ولا يجوز فيه النسأ؛ وذلك لأن العلة واحدة، وهي أن هذا موزون وهذا موزون. وقد يضرب بعد ذلك دنانير أو يضرب جنيهات، وفي هذه الحال يسمى مضروباً، وتجدون مكتوباً على الريال: ضرب في مكة المكرمة أو ضرب في كذا وكذا، يعني: جعل على هذه الحالة التي هي كونه نقداً، فإذا كان مضروباً سمي نقداً، وأما إذا كان مصوغاً أو مسبوكاً أو تبراً فلا يسمى نقداً، فالنقد هو الذي ضرب دراهم إذا كان من فضة أو دنانير إذا كان من ذهب مثل الجنيهات الذهبية والريالات الفضية، فبهذا يعرف الفرق بينهما.
فالحاصل أن العلة في الذهب والفضة كونهما موزوني جنس، فإذا بيع ذهب بفضة فلابد أن يكون يداً بيد، ولا يجوز فيه النسأ، والأدلة عليه كثيرة، منها ما في حديث عبادة أنه قال: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) ، وفي حديث: أن طلحة جاءه رجل ومعه دنانير، فعرضها عليه ليشتريها بدراهم، فتفاوضا واتفقا على أن يعطيه البعض وقال: الباقي آخر النهار إذا جاءتني جاريتي أو خادمي، وسمع ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: والله! لا تفارقه حتى تستلم، إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الذهب بالفضة إلا يداً بيد.
ومن الأدلة عليه أيضاً حديث عبد الله بن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا بأس، ما لم تفترقا وبينكما شيء) فإذا كان رأس المال من النقدين المضروبين جاز النسأ، والناس بحاجة إلى ذلك، فأنت -مثلاً- تشتري عشرة كيلو جرام من اللحم ، وليس معك ثمن، ومعلوم أن اللحم موزون، وأن الدراهم موزونة، فذلك موزون بموزون، ولابد أن يكون يداً بيد لأن العلة واحدة، ولكن لما كان أحد النقدين هو الثمن تسومح في ذلك، فجاز أن يكون الثمن غائباً، فجاز بمائة درهم تشتري بها عشرة كيلو جرام لحم، أو عشرة كيلو حديد أو قطن أو ما أشبه ذلك، مع التأخير.
ويأتينا أيضاً في السَلَم أنه يجوز ذلك في الموزنات، والسَلَم: هو كون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، فيجوز في الموزنات مع أن العلة واحدة، فتقول لإنسان -مثلاً-: أشتري منك في ذمتك مائة رطل حديد، كل رطل بخمسة، وأعطيك الثمن الآن، وتعطيني الأرطال بعد سنة أو نصف سنة، يسمى هذا سلماً، ومع ذلك الدراهم علتها الوزن، والحديد علته الوزن، وكذا القطن واللحم وما أشبه ذلك، فيجوز إذا كان أحد العوضين من النقدين.
وكذلك صرف ذهب بفضة، فالذهب جنس، والفضة جنس، ولكن العلة فيهما ما هي؟
العلة عندنا كونهما موزوني جنس، فصرف الدراهم بالدنانير أو بيع الذهب بالفضة اتفقا في علة واحدة وهي الوزن، فلا يجوز أن يباع أحدهما بالآخر إلا يداً بيد، ومعلوم أن الذهب أغلى من الفضة، فإذا صرفت -مثلاً- جنيه بمائة ريال فضة، فلابد من التقابض قبل التفرق؛ لأن العلة فيهما واحدة؛ وهي: أن هذا موزون وهذا موزون، وعند الأئمة الآخرين أن هذا ثمن وهذا ثمن، أي: نقد، فهما من النقود التي تستعمل قيماً للسلع، وتقدر بهما السلع.
فإذا كنت بحاجة إلى أن تشتري عشرين جراماً أو مائة جرام، وكل جرام بمائة، ولم تجد إلا نصف القيمة، فالباقي تكتبه عندك جرامات، فتقول: عندي لفلان عشرة جرامات من الذهب، فالذي لم يقبض ثمنه تعده أمانة عندك، فإذا أتيته غداً تحاسبه على سعر الغد، أي: على سعر وقت إحضار الثمن لا على سعرها بالأمس، هذا معنى قوله: بطل العقد فيما لم يقبض.
أما الذين يستبدلون الذهب القديم بذهب جديد فلابد في هذه الحال أن يبيعوا الذهب القديم بدراهم، ثم يشترون بالدراهم ذهباً جديداً، والعادة أن أهل الذهب يفرقون بينهما، فيشترون -مثلاً- الجرام من الذهب القديم بخمسة وأربعين، ويبيعون الجرام من الذهب الجديد بخمسين أو بخمسة وخمسين، وفي هذه الحال صاحب الذهب يشتري منك الذهب القديم، فيقول: هذا الذهب القديم اشتريته الجرام بخمسة وأربعين، قيمته أربعة آلاف، وأنت تريد ذهباً جديداً، عندي لك الآن أربعة آلاف، تشتري مني الجديد؟ فإذا قلت: نعم، أشتري منك هذا الذهب الجديد، فوزنه، وإذا قيمته خمسة آلاف، فحاسبك على الأربعة الآلاف التي في ذمته ثمن الذهب القديم، وتزيده الألف الذي هو ثمن الذهب الجديد، فتكون قد حاسبته على ما في ذمته من ثمن قديم وعلى ثمن جديد.
وأما أن يكون ذهب بذهب ومعه زيادة فلا يجوز، فإذا قال -مثلاً-: أنا أشتري منك هذا الذهب بهذا الذهب، مع ألف ريال زيادة، هذا -مثلاً- وزنه مائة جرام ولكنه مستعمل، وهذا وزنه مائة جرام ولكنه جديد، فيأخذ القديم ويعطيك الجديد، ويقول: أعطني زيادة مع الذهب ألفاً أو خمسة آلاف. هل يجوز هذا؟ لا يجوز، ذهب بذهب وزيادة لا يجوز، بل يشتري الذهب القديم بدراهم، إما أن يدفعها لك وتشتري منه أو من غيره، وإما أن يبيعك وتحاسبه على ما في ذمته لك من ثمن الذهب القديم، ويقع الناس في أخطاء في مثل هذا، والفضة لا يتعامل بها الناس الآن، وإنما يتعاملون بالأوراق النقدية.
أكثرهم على أنها أسناد وليست ذهباً، وإنما هي مثل الوثائق، ولذلك لا تخرجها الحكومات والدول إلا إذا كان عندهم لها رصيد، فإذا لم يكن لها رصيد فلا قيمة لها، فعرف بذلك أنها مثل الوثائق والأسناد التي تقوم مقام ما جعلت بدلاً عنه، وكان بعض المشايخ يجعلها نقوداً حتى في الزكاة، فيقول: إنها قائمة مقام الفضة، فإذا كان نصاب الفضة ستة وخمسين فنصاب الزكاة من الأوراق ستة وخمسون أيضاً، ومن كان عنده ستة وخمسون فإنه غني، لا تحل له الزكاة، ويعتبر النصاب ستة وخمسون ريالاً ورقاً، ومن ملكها عليه زكاة، كان يرى ذلك الشيخ عبد الرزاق العفيفي رحمه الله، ولكن الأكثرون على الفرق بين الأوراق النقدية، وبين الدراهم الفضية، وبين الدراهم المعدنية.
فبعض المشايخ تشددوا وقالوا: لا يجوز، ومنهم الشيخ عبد الرزاق رحمه الله، فيقول: هذه الريالات الورقية اسمها ريال ولو كانت أوراقاً، وهذه الريالات المعدنية اسمها ريالات ولو كانت معادن، وهذه اسمها ريالات ولو كانت من فضة، فمكتوب على كل واحد منها أنه ريال، هذه فضة، وهذه معدن، وهذه ورق، فلا يجوز أن يباع بعضها ببعض إلا متماثلاً مثلاً بمثل، عشرة بعشرة.
والذين قالوا: إن الريالات الورقية تعتبر أسناداً أجازوا المفاضلة بينها وبين الريالات المعدنية والريالات الفضية؛ وذلك لأنها أغلى عند العامة، فالعامة يفضلون الريالات الفضية على المعدنية، ويفضلون المعدنية على الورقية، وهذا معروف عند العامة، وسبب ذلك أن الريالات المعدنية تبقى أكثر من بقاء الريالات الورقية، فالورقية عرضة للتلف، كما يقول بعضهم في الحث على حفظ المتون وعدم الاعتماد على الكتب:
الماء يغرقها والنار تحرقها والفأر يخرقها واللص يتلفها
يعني: أن هذه الأوراق عرضة للتلف، وكثيراً ما يذكر عن بعض الذين خزنوا أوراقاً نقدية في زوايا ونسوها، فأكلتها الأرضة وتلفت، فتلف عليهم مئات الألوف لما تركوها في الزوايا، ولو كانت من الفضة أو من المعدن ما أتى عليها التلف، وما أكلتها الأرضة، ويشاهد أنه إذا بطل التعامل بالريالات الفضية صيغت حلياً خواتيم من فضة وأسورة من فضة، وكذلك أيضاً الريالات المعدنية إذا بطل التعامل بها أمكن أن تصاغ إما أواني وإما عملة أخرى، فينتفع بها، وأما الريالات الورقية فإذا بطل التعامل بها لا ينتفع بها بل تحرق، فمن هذه الوجوه فالراجح أنه يجوز المفاضلة في الصرف بينهما، يعني: إذا كان الإنسان يريد ريالات معدنية كعملات الهواتف ونحوها فيجوز أن يدفع زيادة للذي يصرفها، فيشتري تسعة بعشرة، وأيضاً فإن الريالات المعدنية لا توجد عند كل أحد، وإنما الذي يريدها يذهب إلى المؤسسة أو إلى بعض البنوك، وربما أنه يستأجر سيارة بعشرين ذهاباً وإياباً، أو بأربعين، ثم إذا كان معه -مثلاً- أربعة آلاف من الأوراق من فئة خمسمائة -مثلاً- قبضها بيده، فإذا حولها إلى معادن أصبحت في كيس، وربما لا يحمله إلا واحد قوي أو اثنان، فيكون لحملها مئونة، فتكون هذه المئونة وهذا التعب مبرراً في أن يبيع التسعة بعشرة، وأيضاً هناك حاجة، ليس كل واحد يستطيع أن يذهب لصرفها مثلاً.
وأما إذا أردت نقله إلى بلاد أخرى، أردت -مثلاً- أن ترسل عشرة آلاف ريال إلى باكستان أو إلى مصر، فباكستان عندهم الروبية، ومصر عندهم الجنيه، ففي هذه الحالة تجعلها عندهم وديعة، ويعطونك سنداً، وتأتي إلى فرعهم الذي في مصر، وتقول: إن عندكم لي عشرة آلاف ريال سعودي، أعطوني صرفها بسعر اليوم لا بسعرها في الرياض، فتتفق معهم على سعرها في ذلك المكان، ولهم أن يزيدوا عليك، وذلك لأنهم نقلوها لك من الرياض إلى مصر، أو إلى باكستان -مثلاً- ، ويجوز أن تصرفها -مثلاً- فتقول: هذه الريالات أريد تحويلها إلى جنيهات مصرية، أو إلى روبيات باكستانية، فيعطونك الصرف يداً بيد، يعطونك الجنيهات المصرية فتستلمها، أو الروبيات أو الدنانير فتستلمها، وإذا استلمتها تحولها عندهم أو عند غيرهم إلى مصر أو إلى الباكستان أو إلى الشام أو إلى اليمن، وتحويلها جائز ولو أخذوا عليك أجرة عن نقلها.
وكذا الخابية المدفونة، وهي عبارة عن شبه خزان أو شيء يحفر له في الأرض، ثم يجعل فيه شيء يخزن، يغلق بابه ثم يجعل فيه ماء لحفظه -مثلاً- أو نحو ذلك، قد تكون من طين أو من جلود وتجعل في جوف الأرض وتدفن، والضابط: أن كل شيء مسمر فإنه يدخل في البيع، ولو كان يمكن قلعه كما في هذه الأزمنة، ففي هذه الأزمنة يمكن أن يقلع الباب ويركب، ويمكن أن تقلع زجاج النوافذ وتركب، لكن الأصل أنها مسمرة، فيدخل في البيع الشيء الثابت والشيء المسمر، فمثلاً الأنوار الكهربائية تدخل في البيع؛ وذلك لأنها مسمرة ومثبتة، وكذلك المكيفات المسمرة أيضاً، أما إذا كانت تنقل من مكان إلى مكان فلا تدخل في البيع، ولا يدخل كل شيء يمكن نقله، فمثلاً الفرش والكنب تدخل في البيع؛ لأنه يمكن نقلها، وكذلك الثلاجة والغسالة وأدوات المطبخ والأواني وما أشبهها، هذه لا تدخل.
قالوا: القفل لا يدخل؛ وذلك لأنه يمكن نقله، وكان يستخدم قبل أن توجد المغالق هذه التي تعتبر مسمرة في الباب، وأما قديماً فالقفل يعلق كقفل الحقائب ونحوها، فيقولون: هذا لا يدخل؛ وذلك لأنه يمكن نقله، وأما المفتاح فإنه تابع للقفل، فإن كان القفل ينقل فالمفتاح تابع له، وإن كان القفل لا ينقل مثل هذه المغالق فإنه تابع للدار، ويدخل في البيع.
وكذلك قديماً كانت الأبواب فيها ما يسمى بالمجرى، والمجرى له مفتاح، والصحيح أن المفتاح تابع للمجرى.
وإذا كان هناك بئر وعليها دلو فالدلو ما يدخل؛ وكذلك البكرة، وهي شبيهة بالدراجة، توضع على أعلى البئر، وتسمى عند العامة (المحالة)، وعند أهل البوادي (الجارَّة)، وفي اللغة تسمى (البكرة)، يكون لها أسنان، ويوضع عليها الحبل، وتجر عليها الدلاء، فهذه أيضاً تنقل لأنها معقودة بحبال.
وإذا كان المبيع أرضاً فإنه يدخل في البيع قرار الأرض، وكذلك ما فيها من الغرس إذا كان فيها غرس، والغرس مثل الشجر الذي له ساق كالنخل والتوت والرمان والتين والأترج والتفاح والموز، ويدخل في ذلك أيضاً المباني إذا كان فيها حجرة مبنية مثلاً، أما إذا كان فيها زرع فلا يدخل في البيع إلا إذا اشترطه، وكذلك إذا كان فيها بذر، فهذا البذر للذي بذره وهو البائع، إلا إذا اشترط ذلك المشتري.
ولو كان البذر مدفوناً في الأرض فإنه يعفى عن جهالته، فإذا اشترطه المشتري دخل في البيع، أما إذا كان فيها شيء يجز مراراً مثل البرسيم فأصوله للمشتري، والجزة الظاهرة للبائع.
وكذلك إذا كان يلقط مراراً كالباذنجان والطماطم، فهذه اللقطة الموجودة التي قد نضجت للبائع يأخذها، والباقي للمشتري، فالجزة مثل جزة البرسيم، واللقطة مثل لقطة الطماطم أو لقطة الباذنجان أو الكوسة أو البامية، وغيرها من الأشياء التي تلقط إذا ظهرت، فإذا كانت ظاهرة فهي للبائع، إلا إذا اشترط ذلك المشتري؛ لحديث (المسلمون على شروطهم) فتدخل في البيع.
الجواب: لا يدخل في ذلك، والأصل أن الزوجين كبيت واحد يتسامح فيما بينهما، ولا شك أنها تساعد زوجها وتعطيه وتقرضه ونحو ذلك، ولا حرج إذا قالت: أقرضك على أن تصحبني كمحرم لي، أو أدفع الأجرة عنك، أو ما أشبه ذلك، فإذا كان لها دخل أكثر من دخل زوجها وقد تراضيا على ذلك، فلها أن تعطيه ولها أن تقرضه.
الجواب: كتب العلماء كثيراً فيما يتعلق بهذه العملات، ويوجد نشرات نشرت في مجلة البحوث وكذلك في غيرها، فقد أكثروا في ذلك، وذكروا ما فيها من الاختلاف، وهل هي أسناد أو هي نقود قائمةً مقام النقود، ومن تتبعها وجدها.
الجواب: كل شيء فيه كذب أو تزوير ننهى عنه، فكونه يستخرج هذه الشهادة وهو لا يريد أن يزرع، أو يراجع فيقول: أعطوني فإن عندي أرضاً أريد أن أزرعها، وهو لا يريد ذلك، فهذا يعتبر كذباً، فلا يجوز ذلك إلا لمن عزم على الزراعة، أو عنده ما يقدر به عليها وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189].
لدي بعض المحلات التجارية أبيع فيها الملابس، ولدي بعض التساؤلات حول زكاة هذه المحلات: أولاً: هل أحصي البضاعة وما تحصل من أموال أم البضاعة فقط لإخراج الزكاة؟
الجواب: لا شك إن كان له أموال أنه يزكيها إذا حال عليها الحول، وإذا كان تاجراً -مثلاً- فإن ربح التجارة داخل في رأس المال ولو لم يتم حول للأرباح، فمثلاً إذا كان متجره عند ابتدائه فيه عشرة آلاف، وعنده أموال أخرى ودائع في البنك أو في بيته مقدارها عشرة آلاف، والعشرة التي اتجر بها لما تمت سنة وإذا هو قد ربح في أشهر السنة عشرة آلاف أخرى -مثلاً-، فيزكي عن ثلاثين ألفاً، العشرة التي هي عنده من قبل كرأس مال، والعشرة التي قد أودعها، والعشرة التي هي ربح، يجمع هذا إلى هذا.
الجواب: عند تمام الحول يقدر السلع بقيمتها الإجمالية، فإذا تم الحول يقدر قيمة ما عنده من الأكياس، وقيمة ما عنده من الثياب، أو قيمة ما عنده من الأحذية -مثلاً- بسعرها الحالي، ثم يخرج زكاتها.
الجواب: بحسب ما تساويه الآن، سواء كان أقل من قيمته الشرائية أو أكثر، ما تساويه الآن، البيع المجمل.
الجواب: أهل الدين يزكون دينهم، وأنت تزكي ما عندك من المال، وتسقط قدر الدين من المال الذي عندك، وإذا كان أهله يعرفون أن عندك رأس مال فإنهم يزكون دينهم.
الجواب: لا شك أنك أخطأت حيث إنك لم تحول السيارة من مكانها، فقبضها يكون بنقلها، فقد نهي أن تباع السلع حيث تبتاع، فلابد أن تنقلها وتحوزها من مكان إلى مكان، ومن معبر إلى معبر، وحيث إنه لا يمكن ردها لا تعد لمثل ذلك.
الجواب: لا يجوز، وقصد البنوك من هذا تشجيع هؤلاء الذين يودعون عندهم أموالاً طائلة، فيقولون: أودع عندنا مائة ألف، أو ألف ألف، ونحن نتصرف لك في هذا الشيء الذي هو بيع العملات، مع أنه ليس هناك قبض، فيريدون بذلك إبقاء هذه الودائع عندهم حتى يستفيدوا منها، ويخشون منه أن يأخذها ويعطيها بنكاً آخر أو نحو ذلك، فيشجعونه -في نظرهم- على إبقائها حتى تستمر عندهم، ويأخذون أرباحها، ونقول في هذه الحال: لابد من القبض إذا صرفتها، لو قلت: عندي مائة ألف ريال، اصرفوها لي بدولارات، فلابد أن يكون يداً بيد، فيسلمون لك دولارات، وتسلم لهم الريالات، ثم إذا أردت أن تبيعها غداً بربح أو بخسران فلك ذلك، ويكون البيع يداً بيد. وهناك بعض المشايخ رخصوا في قبض ما يسمى بالشيكات، وجعلوا قبض الشيك قائماً مقام النقد، وكأنهم يقولون: إن هذا فيه تسهيل على الناس فيما إذا كان بحاجة إلى شيء كثير، ويكتفي أو يعجز عن حمل هذا المال معه، فيكفي أن يكتب شيك، مثال ذلك: إذا اشترى إنسان ذهباً بمائة ألف، فيقول: ليس من العادة أن أحمل مائة ألف معي وأسلمها لصاحب الذهب، فأعطيه شيكاً على رصيدي الذي في البنك، فيكون ذهباً بنقد أو ما يقوم مقام النقد.
وكذلك أيضاً في هذه المصارفة إذا أعطاهم الريالات التي هي مائة ألف، وأعطوه شيكاً فيه ثلاثون ألفاً من الدولارات أو نحو ذلك بقيمتها، فلعل هذا يكون قائماً مقام التقابض.
الجواب: ذكرنا أن قول الجمهور: إن الذهب والفضة العلة فيهما الثمنية، وعلى هذا فإن الموزونات التي ليست مطعومة ولا قوتاً لا تكون ربوية، فيجوز بيع الحديد بعضه ببعض متفاضلاً، وكذلك النحاس والقطن والغزل والصوف وما أشبه ذلك؛ لأنها ليست قوتاً وليست مطعومة، وإنما هي موزونة، وهذا على القول بأن العلة هي الثمنية، ولكل اجتهاده، ونحن نتورع أن نقول: إن هذه هي العلة؛ وذلك لكثرة الخلاف، وقوة الخلاف بين العلماء.
أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر