إسلام ويب

أصول التربية [1]للشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بُعث النبي عليه الصلاة والسلام ليتمم مكارم الأخلاق، فكانت دعوته تزكية لهذه الأمة، وتربية لها على الأخلاق الفاضلة، ولما تخلق المسلمون بهذه الأخلاق سعدوا في الدنيا والآخرة، وفي الأزمنة المتأخرة تنكب المسلمون عن هذه الأخلاق، فحصدوا الذل والهوان والشقاء.

    1.   

    أهمية التربية الإسلامية وأسباب الحث عليها

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله هذه الأنفس، وشرح الله هذه الصدور، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! هذا هو لقاؤنا الأول مع هذه السلسلة المنهجية الجديدة، والتي عنونت لها: بأصول التربية في سورة لقمان، واسمحوا لي أيها الأحبة الكرام! قبل أن نبدأ حديثنا عن هذه الأصول الواردة في السورة الكريمة أن نقدم بمقدمة ضافية في أصول التربية بين يدي حديثنا عن هذا الموضوع الهام الكبير، وأستطيع أن ألخص لحضراتكم أهم عناصر هذه المقدمة التي سأتكلم فيها إن شاء الله جل وعلا عن النقاط التالية: أولاً: أسباب اختياري لهذا الموضوع. ثانياً: تأصيل الموضوع وتقعيده بالوقوف مع المعنى اللغوي لمفرداته. ثالثاً: مصادر التربية الإسلامية، وهي: القرآن الكريم، والسنة المطهرة، ومنهج السلف باعتباره يمثل التطبيق العملي للقرآن والسنة. رابعاً: خصائص التربية الإسلامية، وتتمثل فيما يلي: أولاً: الربانية. ثانياً: التكامل والشمول. ثالثاً: الاعتدال والتوازن. رابعاً: التميز والمفاصلة. خامساً -من عناصر المقدمة-: وسائل التربية، وتتمثل أهم هذه الوسائل فيما يلي: التربية بالقدوة، والتربية بالعبادة، والتربية بالقصص القرآني والنبوي، والتربية بالأحداث الجارية، والتربية بالموعظة، وأخيراً: التربية بالعقوبة. سادساً -من عناصر المقدمة-: صفات المربي ومسئوليات المربين، وأهم صفات المربي هي: ربانية الهدف، الإخلاص، الصدق، الصبر، التزود بالعلم، العدل، وعي الاتجاهات الفكرية والتربوية العالمية المعاصرة، ومدى تأثيرها على العقول. أما عن أهم مسئوليات المربين فهي تتمثل فيما يلي: أولاً: مسئولية التربية الإيمانية. ثانياً: مسئولية التربية الخلقية. ثالثاً: مسئولية التربية النفسية. رابعاً: مسئولية التربية العقلية. خامساً: مسئولية التربية الجسمية والجنسية. وأخيراً -من عناصر المقدمة-: الهدف من التربية. هذه هي أهم عناصر المقدمة التي سأقدم بها إن شاء الله جل وعلا بين يدي هذا اللقاء الهام الخطير، ألا وهو أصول التربية في سورة لقمان، وأستهل هذه السلسلة في هذا اللقاء المبارك إن شاء الله تبارك وتعالى بأهم الأسباب التي أدت إلى اختياري لهذا الموضوع. وبداية أضرع إلى الله جل وعلا أن يجعل هذه السلسلة مباركة نافعة، وأن يرزقني وإياكم الإخلاص والقبول، وأن يجنبني وإياكم الزيغ والزلل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    الانفصام بين المنهج والواقع

    أما عن أول عناصر المقدمة التي ستحتاج منا إلى أكثر من لقاء، إن قدر الله البقاء واللقاء، فهي أسباب اختياري لهذا الموضوع. والسبب الأول أيها الأحبة الكرام هو: الانفصام بين المنهج والواقع. أحبتي في الله! إن المجتمع الذي بنى القرآن الكريم صرحه الشامخ، وأرسى لبناته العظام، على يد مربي البشرية الأعظم، الذي رباه الله على عينه ليربي به الدنيا صلى الله عليه وآله؛ إن هذا المجتمع كان مجتمعاً فريداً بكل ما تحمله الكلمة من معان، ولم تشهد البشرية له نظيراً إلى يومنا في تاريخها الطويل، إنه مجتمع رباه النبي صلى الله عليه وسلم على العبودية الكاملة لله وحده لا شريك له، وتمثلت هذه العبودية الكاملة بالعقيدة الصافية الخالصة امتثالاً عملياً لقول الله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، ولقول الله جل وعلا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]. وتمثلت هذه العبودية الكاملة في العبادة الصحيحة بركنيها: من كمال الذل وكمال الحب لله عز وجل، وبشرطيها من إخلاص لله واتباع لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، امتثالاً عملياً لقول الله جل وعلا: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]. وتمثلت هذه العبودية -ثالثاً- في تحكيم الشريعة امتثالاً عملياً لقول الله عز وجل: إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:40]، وتطبيقاً حرفياً لقول الله جل وعلا: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65]. وتمثلت هذه العبودية -رابعاً- بالجانب الأخلاقي والسلوكي، امتثالاً عملياً لقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90]، وامتثالاً عملياً لقول الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الشعب، وصحح الحديث شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق). إنه مجتمع فريد في كل شيء: في عقيدته، في عبادته، في شريعته، في أخلاقه وسلوكه ومعاملاته، إنه مجتمع رباه القرآن، وطهر باطنه وظاهره، وأخلاقه ومشاعره، وحاطه بسياج من التربية الفذة الفريدة الكاملة، فعاش أفراد هذا المجتمع في واحة من الود الندي، والتسامح الجياش، والحب والإخاء، كأنهم جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، إنه مجتمع رباه النبي صلى الله عليه وآله وسلم تربية فذة كريمة شاملة كاملة، رباه المصطفى عليه الصلاة والسلام تربية حولت كل هذه الأطر النظرية الإسلامية إلى واقع متحرك، وإلى مجتمع مرئي ومنظور ومحسوس، نقله النبي عليه الصلاة والسلام من أجواء الكفر والحقد والكراهية والعنصرية والقبلية البغيضة، إلى واحة التوحيد، وإلى واحة الحب في الله والإخاء والمساواة وعدم التفرقة، فلا تميز في هذا المجتمع لمن ارتفع على من اتضع، ولا لمن اغتنى على من افتقر، ولا لمن حكم على من حُكِم، لا فضل لأحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، كما قال ربنا جل وتعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13]. وظل هذا المجتمع -أيها الخيار الكرام- هكذا يطاول كواكب الجوزاء في عنان السماء، ظل متمسكاً بكتاب رب الأرض والسماء وسنة النبي عليه الصلاة والسلام، ظل هذا المجتمع هكذا حتى أخذ يبتعد رويداً رويداً عن هذا النبع الكريم، وعن هذا الأصل العظيم، عن نبع عزه ومصدر شرفه، وأصل كرامته وسيادته وقيادته، وراح هذا المجتمع يطرح بين يديه أصل الكرامة والسؤدد؛ ليلهث وراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى، فحدث في هذا المجتمع هذا الخلق العجيب، وهذا الانفصام النكد بين المنهج المنير والواقع الحنظل المرير. ففي الجانب العقدي نرى العقيدة اليوم تذبح شر ذبحة على أيدي أبنائها الذين ابتعدوا كثيراً عن حقيقتها ومقتضياتها، وعن مفهومها الشامل ومقتضاها الشامل، ودخل الفكر الإرجائي في جسد الأمة، فابتعد الناس كثيراً -إلا من رحم ربك- عن صفاء هذه العقيدة الخالصة. وفي الجانب التعبدي: صرف كثير من أبناء الأمة العبادة لغير الله جل وعلا، وسمعنا بآذاننا من أبناء الأمة الكبار من يقول: إنني ممن يعتقد أن للكون أقطاباً وأوتاداً وأبدالاً تنظم شئونه وتدبر حياته! صرفت العبادة لغير الله، ذبح لغير الله، ونذر لغير الله، وطاف المسلمون بغير بيت الله، وحلف المسلمون بغير الله جل وعلا، وقدمت العبادة في كثير من صورها وأجزائها إلى غير الله جل وعلا، إلا من رحم ربك. وفي الجانب التشريعي: وقع ما لم يكن يخطر لأحد على بال، وقع المنكر الأعظم، والفساد الأخطر الأكبر بتنحية شريعة الله جل وعلا، وتحكيم القوانين الوضعية الفاجرة، التي هي من صنع المهازيل من البشر من شيوعين، وعلمانيين، وديمقراطيين، واشتراكيين، وبعثيين، وعفلقيين وغيرهم، ونحى المسلمون شريعة الله! وقدموا شريعة المهازيل من البشر! الذين تتحكم فيهم الأهواء والشهوات والنزوات، والله جل وعلا رب الأرض والسماوات يقول: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50]، إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:40]. وفي الجانب النفسي: نرى هزيمة نفسية مدمرة، ونرى الساحة تعج بمسخ مشوه للهوية، وبأغاليط تشوه الفكر وتمسخ التاريخ، وبزعزعة تميت الانتماء في القلوب والعقول. أما في الجانب الأخلاقي والسلوكي فحدث ولا حرج، فهذا التخلف في الأخلاق، وهذه الانتكاسة في السلوك وفي المعاملات، وهذا الانفصام النكد بين العبادات والمعاملات: في المتاجر والمصانع والمزارع والشوارع والحقول والتجارات وغيرها، هذا الانفصام النكد إنما هو نتيجة حتمية للتخلف العقدي والتعبدي والتشريعي والنفسي مع غياب التربية الإسلامية الصحيحة، مع نسيان قول رسول الله: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق). وهكذا أيها الأحبة نرى انفصاماً بين المنهج المنير والواقع المرير، ولكن في دياجير هذا الظلام، شاء الله تبارك وتعالى أن يبسط في الأفق نوراً -سأتحدث عنه بعد قليل بإيجاز شديد- فهذا هو أول سبب من الأسباب التي دعتني للحديث عن أصول التربية، وعن الإطالة في المقدمة عن عمد وعن اختيار؛ لأننا نرى هذا ولا ينكر ذلك أحد إلا إذا كان يعيش في برج عاجي! أو جلس ينظر لحال المسلمين من مكتب مكيف مغلق لا يحتك بواقع الناس في شيء. هذا هو السبب الأول الذي دعاني للإطالة في هذه المقدمة لأصول التربية، ألا وهو الانفصام بين الواقع والمنهج، أو بين المنهج المنير والواقع الحنظل المرير.

    الذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية

    السبب الثاني الذي دعاني للحديث بمقدمة طويلة في أصول التربية هو: الذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية. أيها الأحبة الكرام! لقد هزمت الأمة المسلمة هزيمة نفسية منكرة يوم أن تخلت عن موكب الهدى، وركب النور، وتنكبت الصراط، وتركت أصل العز والشرف، وراحت تلهث وراء الشرق تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى. تخلفت الأمة في وقت تقدمت فيه الحضارة المادية المذهلة تقدماً يأخذ العقول ويبهر العيون! ثم أفاقت الأمة بعد هذا التقدم العلمي المذهل، ونظرت إلى هذا التطور العلمي نظرة الملهوف الذي فقد كل شيء، وغدا مستعداً للذوبان في أي بوتقة، لا سيما في بوتقة هذا التقدم المادي المذهل! فراحت الأمة تحاكي هذه الحضارة الغربية الكافرة، ولا تفرق على الإطلاق بين الحضارة المادية العلمية الصناعية، وبين الحضارة التربوية الأخلاقية، وراحت الأمة تحاكي وتقلد دون تفريق إلا من رحم الله جل وعلا، وصدق فيها قول من لا ينطق عن الهوى كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن!) أي: من غير اليهود والنصارى؟! راحت الأمة تحاكي الكفار محاكاة عمياء، وصرخت أصوات المحررين، وأصوات المجددين، وأصوات المطورين، وأصوات المصلحين، هكذا سماهم أعداء ديننا للي أعناق الناس إلى أفكارهم لياً، ولإرغام أنوف الناس إلى مناهجهم التربوية الخبيثة، فراحوا يصرخون في الأمة بالذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية الدخيلة على عقيدتنا وديننا وإسلامنا، باعتبار أن هذه المناهج هي إكسير السعادة وسر الحياة وبلسم الشفاء لهذه الأمة التي تعثرت في هذا الموقف الخطير! فراحت الأمة تحاكي الكفار دون تفرقة بين الحضارة المادية والحضارة التربوية الأخلاقية. وبعد تجربة طويلة مريرة، جاءت الأمة في وقت الحصاد لتحصد الفشل الذريع في الجانب التربوي والأخلاقي في كل صوره، وأصبح الذين كانوا ينافحون ويدافعون بالأمس القريب عن المناهج التربوية الغربية أصبحوا يعلمون يقيناً أنهم حصدوا سراباً، وزرعوا شوكاً وحنظلاً، وقطفوا شقاء وتعاسة، فنحن بحق وبكل ثقة -وأقولها برأس يناطح السماء- نحن بحق نملك المنهج التربوي المتكامل الفذ الفريد؛ لأننا نملك الإسلام الذي يملك وحده -بلا منازع- المنهج التربوي المتكامل لكل جزئيات الحياة، نملك هذا المنهج العظيم، وما زال الإسلام شامخاً يعرض نفسه على الإنسانية كلها على أنه وحده هو المخلص للإنسانية من هذا الضيم، ومن هذا الشقاء، بعد أن أحرقها لفح الهاجرة القاتل، وأضناها طول المشي في التيه والضلال، يعرض الإسلام نفسه كمخلص لهذه الإنسانية كلها؛ لأنه ابتداء وانتهاء منهج الله الخالق الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. أيها الخيار الكرام! وفي دياجير هذا الظلام لا أنكر على الإطلاق، كما لا ينكر ذلك على الإطلاق أحد يتابع أحوال الأمة، لا ننكر أن الأمة الآن بفضل من الرحيم الرحمن بدأت تنتقل من أخطر مراحلها، من حالة أزمة الوعي إلى وعي الأزمة، وهانحن نرى أصدق دليل عملي على كلامي هذا، ألا وهو هذه الصحوة الإسلامية الكريمة المباركة، التي بدأت تنقل الأمة حقيقة من تلك المرحلة التعيسة إلى هذه المرحلة الوضيئة المشرقة، فهانحن نرى بفضل الله جل وعلا صحوة كريمة مباركة بدأت تتنزل بفضل الله في كل بقاع الدنيا كتنزل حبات الندى على الزهرة الضمأى والأرض العطشى، أو كنسمات ربيع باردة عطرتها وطيبتها أنفاس الزهور، هانحن نرى ثلة كريمة مباركة من شباب في ريعان الصبا، وفتيات في عمر الورود، هذه الكوكبة الكريمة التي جاءت لتسير على طريق الدعوة الطويل الضارب في شعاب الزمان من لدن نوح على نبينا وعليه الصلاة والسلام، جاءت هذه الكوكبة لتمضي على ذات الطريق، مستقيمة الخطى، ثابتة الأقدام، تجتاز الصخور والأشواك والحجارة، تسيل دماء، وتتمزق أشلاء هنا وهناك، ولكن الركب الكريم في طريقه لا ينحني، ولا ينثني، ولا يحيد؛ لأنه على ثقة مطلقة، ويقين متكامل أن معه الحق الذي من أجله خلق الله السماوات والأرض، والجنة والنار، ومن أجله أنزل الله الكتب، ومن أجله أرسل الله الرسل، إنه والله لصبح كريم عظيم جليل مبارك، صبح هذه الصحوة الكريمة المباركة: صبح تنفس بالضياء وأشرق والصحوة الكبرى تهز البيرقا وشبيبة الإسلام هذا فيلق في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا وقوافل الإيمان تتخذ المدى درباً وتصنع للمحيط الزورقا وما أمر هذي الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا هي نخلة طابت ثرى فنما لها جذع قوي في التراب وأعذقا هي في رياض قلوبنا زيتونة في جذعها غصن الكرامة أورقا فجر تدفق من سيحبس نوره أرني يداً سدت علينا المشرقا يا نهر صحوتنا رأيتك صافياً وعلى الضفاف رأيت أزهار التقى قالوا تطرف جيلنا لما سما قدراً وأعطى للطهارة موثقا ورموه بالإرهاب حين أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أوكان إرهاباً جهاد نبينا أم كان حقاً بالكتاب مصدقا أتطرف إيماننا بالله في عصر تطرف في الهوى وتزندقا إن التطرف أن نذم محمداً والمقتدين به ونمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا من صانع الكفر اللئيم وأطرقا إن التطرف أن نبادل كافراً حباً ونمنحه الولاء محققا إن التطرف وصمة في وجه من حولوا البوسنة جمراً محرقا شتان بين النهر يعذب ماؤه والبحر بالملح الأجاج تدفقا يا جيل صحوتنا أعيذك أن أرى في الصف من بعد الإخاء تمزقا لك في كتاب الله فجر صادق فاتبع هداه ودعك ممن فرقا لك في رسولك أسوة فهو الذي بالصدق والخلق الرفيع تخلقا يا جيل صحوتنا ستبقى شامخاً ولسوف تبقى بالتزامك أسمقا هذه الصحوة الكريمة أيها الأحبة! سبب وأصل عملي لانتقال الأمة من مرحلة أزمة الوعي إلى وعي الأزمة، وهذه الصحوة هي السبب الثالث من أسباب اختياري لهذا الموضوع، وأفصل هذا السبب في وقت وجيز بعد جلسة الاستراحة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

    الصحوة الكريمة المباركة

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة! أقول: إن السبب الثالث الذي دعاني لاختيار هذا الموضوع هو هذه الصحوة الكريمة المباركة، فإن هذه الصحوة من أجل أن تكون قوية بنّاءة مثمرة راشدة، فإنها في حاجة إلى منهج تربوي دقيق، يحميها من الانسياح والذوبان في أطر ومناهج مشوشة وملوثة، هذا المنهج التربوي الدقيق المنبثق من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة هو وحده الكفيل -بإذن الله جل وعلا- أن يحفظ لهذه الصحوة ثمرتها، وأن يحفظ لهذه الصحوة جهدها، وأن يحفظ لهذه الصحوة عملها، هذا المنهج التربوي الدقيق المنبثق من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة هو الذي يحفظ جهد الصحوة من أن يضيع كما يضيع ماء الأمطار بين الوديان والشعاب، وهو الذي يحمي الصحوة من الوقوع في أي تعامل خاطئ مع النصوص العامة أو الخاصة، بالاستشهاد بها في غير موضعها، أو في غير محلها، أو بدون تحقيق المناطات الخاصة والعامة التي لابد منها حتماً للربط ربطاً صحيحاً بين دلالة النصوص وحركة الواقع. هذه الصحوة تحتاج إلى هذا المنهج التربوي المتكامل؛ لتستفيد منها الأمة، وليجعل الله تبارك وتعالى خيرها عاماً نافعاً، حتى لا ينطلق فرد أو جماعة أو أي فصيل حركي بعيداً عن هذا المنهج التربوي، فيخطئ ويحسب خطؤه على الحركة بصفة عامة. إن قدر الله عز وجل لنا البقاء واللقاء فسوف يكون حديثنا في الأسبوع المقبل بإذنه تبارك وتعالى عن مصادر التربية الإسلامية، وهي: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، ومنهج السلف باعتباره يمثل التطبيق العملي للقرآن والسنة. أسأل الله جل وعلا أن يتقبل مني وإياكم صالح الأعمال، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وانصرنا على القوم الكافرين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756588614