معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:50]! هذا النبي هو محمد رسول الله، ذو الأسماء الخمسة، بل ذو الأسماء الستين أو السبعين. فهو نبي الله ورسوله، وقد ناداه بعنوان النبوة؛ لشرفها وكمالها، ولم يناده باسمه العلم يا أحمد! أو يا محمد! بل ناداه بعنوان النبوة؛ تشريفاً وتعظيماً، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:50]! إذ ما فوق النبي أحد أبداً. فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:50]! وأخبره وقال له: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50] اللاتي هن في بيتك، وهن تسع نسوة كما تقدم.
وقوله: أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ [الأحزاب:50]، أي: أعطيت أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]. وهو المهر. والإجماع على أن النكاح يتم بأربعة شروط أو أركان، وهي:
أولاً: الولي الذي يتولى العقد.
ثانياً: المهر الذي هو عدد من المال يزيد على ربع دينار.
ثالثاً: شاهدين عدلين أو شهود عدول.
رابعاً: الصيغة التي يتم بها العقد، كأن يقول: زوجني فلانة فيقول: زوجتكها، فيقول: قبلتها زوجة لي.
إذاً: قوله تعالى: اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50]، أي: عقدت عليهن وأعطيتهن أجورهن، أي: مهورهن، كبيرة أو كثيرة أو قليلة.
وقوله: وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب:50]، من الإماء التي يملكهن النبي، كما يملكهن فلان وفلان في الجهاد، وهن الأسرى اللاتي يأخذهن المجاهدون. وهذا مباح للمؤمنين مع رسولهم صلى الله عليه وسلم. والمملوكة تشتريها وتتزوجها ولا حرج، وكذلك المملوكة التي تعطاها في جهادك وتقسم لك من القسمة لك أن تطأها، وتكون زوجتك أو أمتك.
وقوله: مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ [الأحزاب:50]، من الجهاد والغنائم، من الأسرى.
وقوله: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً [الأحزاب:50]، بهذا القيد، فلو كانت كافرة .. يهودية .. مجوسية .. نصرانية فلا، بل مؤمنة.
وهذه الهبة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما غيره فلو وهبت له امرأة نفسها أو كل يوم امرأة فلا يحل لمؤمن أن يتزوجها إلا بالعقد الشرعي على أصوله وأركانه، ومعه المهر. ولو أن امرأة تقول: وهبتك نفسي، فقد علمنا أنك مجاهد وبطل وكذا، وقد أحببناك في الله، وزوجتك نفسي بلا شيء والله ما جاز، ولا يحل هذا أبداً، بل لابد من المهر؛ لتبقى هذه الخصوصية يمتاز بها المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ لعلم الله تعالى بكماله، وما يحويه قلبه من الرحمة والعطف والكمال. ومع هذا ما قبل، ولكن أذن الله له، فقال تعالى: إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا [الأحزاب:50]، أي: يتزوجها، خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، أي: خالصة لك يا رسول الله! من دون كل المؤمنين. فاعلموا هذا يقيناً. فلو أن امرأة طالبة جامعية أو غير ذلك قالت: أحببتك في الله، وأريد أن أزوجتك بلا مهر فهذا والله لا يجوز، والنكاح فاسد وباطل. ولو قالت: سأعطيك المال وأعطني إياه، فأنا غنية، وقالت: خذ خمسين ألف ريال وتزجني بأربعة آلاف والله ما يجوز؛ لأن هذا مكر وخديعة.
والمؤمنون -ونحن إن شاء الله منهم، فلا نشك في إيماننا أبداً-: كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على علم، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وعبد الله، فهو المؤمن بصدق وحق.
وكذلك لا يحل لمؤمن أن يتزوج فوق الأربع؛ إذ ذاك من خصائص المصطفى صلى الله عليه وسلم. فلا يحل للرجل منا أن يتزوج خمس نسوة أبداً، بل أربع، فإذا كان يقدر على القيام بالواجب فله ذلك، وإن لم يستطع فواحدة فقط، ولمن يقدر على أن يحسن بين الزوجات ويصلح ما بينهما فله أن يتزوج أربع فقط، وأما الخامسة فلا.
وهنا لطيفة فقهية، وهي: أنك إذا تزوجت أربع وماتت الرابعة أو طلقتها فلا تتزوج بعد ذلك حتى تنتهي عدة التي طلقتها أو ماتت، لأن العدة تبقيك مرتبطاً بها، فلا يحل أن تزيد الخامسة إلا بعد انتهاء العدة. هذا معنا قول الرب تبارك وتعالى: عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ [الأحزاب:50]. وقد بينه لهم، وأنت تعلمه يا رسولنا!
وأبناء الأمة يصبحون أولاد الزوج الذي وطأها.
هذا معنى قوله تعالى: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب:50] وضيق يا رسولنا!
أولاً: فرض الله تعالى على رسولنا قيام الليل، ولم يفرضه على أمته من المؤمنين، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل:1-4]. وأمته من المؤمنين ليس بفرض عليهم، بل هو مستحب ومندوب. هذه ميزة.
ثانياً: منع الله وحظر الله على المؤمنين أن يتزوجوا أكثر من أربع نسوة، وأذن لرسوله أن يتزوج أكثر من الأربع. وهذا خصوصية له صلى الله عليه وسلم. وهناك أمور أخرى اختص بها رسول الله؛ ميزة له، وأما الأمة فلم يخصها الله به، ومنها حرمة الصدقة، فالرسول حرم الله عليه أن يأكل الصدقة أبداً، فهو وآل بيته ولا تحل لهم، ولمؤمنون تحل لهم.
وليس للإماء عدد معين، فإذا كنت تقدر على الوطء فخذ واحدة أو اثنتين أو ما أردت، والعدد في الزواج الشرعي في المحصنات المؤمنات.
[ من هداية ] هذه [ الآية ] الكريمة:
أولاً: بيان إكرام الله تعالى لنبيه ] صلى الله عليه وسلم، وهو أهل للإكرام [ في التخفيف عليه رحمة به، فأباح له أكثر من أربع، وقصر المؤمنين على أربع، وأباح له الواهبة نفسها أن يتزوجها بغير مهر ولا ولي، ولم يبح ذلك للمؤمنين ] أبداً [ فلا بد من مهر وولي وشهود ] وهذه هي الكمالات المحمدية، والكرامات التي أكرمه الله بها. ثم ما ننسى أن غير رسول الله والله ما يستطيع أن يعدل بين خمس نسوة، ولا يقدر على ذلك، وأما الرسول فإنه والله ليقوى ويقدر على أن يعدل بين مائة، وليس تسع أو عشر.
[ ثانياً: تقرير أحكام النكاح للمؤمنين، وأنه لم يطرأ عليها نسخ بتخفيف ولا بتشديد ] فأحكام النكاح ثابتة، ما نسخت ولا تبدلت ولا تغيرت من يوم نزول القرآن إلى اليوم. فالنكاح لا يتم إلا بعقد شرعي. وأركان العقد:
أولاً: وجود ولي الزوجة أبوها أو أخوها أو عمها، أو القاضي إذ لا ولي لها.
ثانيا: المهر إذا سمي، وإن لم يسم فهو كمهر المثل.
ثالثاً: الشهود.
والرابع: الصيغة، مثل أن يقول: زوجتك. وهذه الأركان خالدة إلى يوم القيامة.
[ ثالثاً ] وأخيراً: [ بيان سعة رحمة الله ومغفرته لعباده المؤمنين ] ورحمته بهم، فقد قال: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:50]. فهو غفور للذنوب، يسترها ولا يطالب بها، ورحيم بالمؤمنين، وعلى رأسهم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر