-
ما ورد في فضل سورة الواقعة
-
تفسير قوله تعالى: (إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة)
-
تفسير قوله تعالى: (خافضة رافعة)
-
تفسير قوله تعالى: (إذا رجت الأرض رجاً وبست الجبال بساً)
-
تفسير قوله تعالى: (وكنتم أزواجاً ثلاثة ... وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة)
-
تفسير قوله تعالى: (والسابقون السابقون أولئك المقربون)
قال تعالى:
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ *
أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11].
قال
القاسمي: أي: الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة بعد ظهور الحق، وأوذوا لأجله، وصبروا على ما أصابهم، وكانوا الدعاة إليه.
فإن قيل: لم خولف بين المذكورين في السابقين وفي أصحاب اليمين، مع أن كل واحد منهما إنما أريد به التعظيم لحال المذكورين؟ أي: لماذا (السابقون) كررها فقط ولم يقل: ما السابقون. مثلاً؟
فنقول: التعظيم المؤدى بقوله: (( السَّابِقُونَ )) أبلغ من قرينه، أي: من التعظيم في قوله:
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ، وذلك أن مؤدي هذا هو أن أمر السابقين وعظمة شأنهم لا يكاد يخفى.
وأما قوله:
فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ فإنه تعظيم على السامع بما ليس عنده منه علم سابق، ألا ترى كيف سبق وصف حال السابقين بقوله:
أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:11]، فأشار إليهم باسم الإشارة الذي يشار به إلى شيء معروف، إذ اسم الإشارة معرفة، فهو إشارة إلى أنهم من المعروفين.
ثم انظر إلى كلمة (الْمُقَرَّبُونَ)، فقد أشار إليهم بإشارة المعروف، وأيضاً جمع إلى ذلك الإخبار عن هؤلاء بقوله: (( الْمُقَرَّبُونَ )) معرفاً بالألف واللام العهدية، وليس مثل هذا مذكوراً في وصف حال أصحاب اليمين.
وقوله: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) الثاني إما خبر، يعني: السابقون هم الذين عرفت حالهم واشتهرت أوصافهم. على حد قول الشاعر: شعري شعري.
أو أنها تأكيد وإذا قلنا: إن التكرار للتأكيد فالخبر هو قوله تعالى:
أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ أي: الذين يقربهم الله منه بإعلاء منازلهم.
(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ).
-
تفسير قوله تعالى: (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين)
قال تعالى:
ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ *
وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:13-14].
قوله: ((ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ)) أي: هم جماعة كثيرة من الذين سبقوا، لرسوخ إيمانهم وظهور أثرهم في أعمارهم من العمل الصالح والدعوة إلى الله والصبر على الجهاد في سبيله، إلى غير ذلك من المناقب التي كانت ملكات لهؤلاء السابقين.
((وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ))، أي: من الذين جاءوا من بعدهم في الأزمنة التي حدثت فيها العبر وتبرجت الدنيا لخطابها ونسي معها سر البعثة وحكمة الدعوة، فما أقل الماشين على قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا جرم أنهم وقتئذ الغرباء لقلتهم.
يقول العلامة
الشنقيطي رحمه الله تعالى: قوله تعالى: (( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ )) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هم ثلة. والثلة: الجماعة من الناس. وأصلها القطعة من الشيء، ومن الثل. وهو الكسر.
وقال
الزمخشري : والثلة من الثل وهو الكسر، كما أن الأمة من الأم وهو الشج، كأنها جماعة كسرت من الناس وقطعت منهم. يعني: جماعة متميزة قطعت من الناس وكسرت عنهم فصارت متميزة.
واعلم أن الثلة تشمل الجماعة الكثيرة، ومنه قول الشاعر:
فجاءت إليهم ثلة خندفية بجيش كتيار من السيل مزبد
فقوله: (تيار من السيل) يدل على كثرة هذا الجيش الذي عبر عنه بالثلة.
اختلاف العلماء في المراد بثلة الأولين وقليل الآخرين
وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الثلة من الأولين وهذا القليل من الآخرين المذكورين هنا، كما اختلفوا في الثلتين المذكورتين في قوله: ((ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ)).
فقال بعض أهل العلم: كل هؤلاء المذكورين من هذه الأمة، والمراد بالأولين منهم الصحابة.
ويذكر بعض العلماء معهم القرون المشهود لها بالخير في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (
خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).
والذين قالوا كلهم من هذه الأمة قالوا: إنما المراد بالقليل (( وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ )) من بعد ذلك إلى قيام الساعة.
وقال بعض العلماء: المراد بالأولين في الموضعين الأمم الماضية قبل هذه الأمة.
أي: فهنا تفسيران: التفسير الأول: (( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ )) إما من الصحابة أو من القرون الخيرية الأولى.
(( وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ )) يعني: من غربة الإسلام في الآخرين يقل أهله، فيكون أهل الإيمان والاستقامة قليلين بالنسبة لمن يعيشون في وسطهم.
التفسير الثاني: (( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ )) يعني: من الأمم الماضية، أي: المؤمنون من الأمم الماضية قبل هذه الأمة المرحومة.
أما (( وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ )) فالمراد بالآخرين هنا أنهم من هذه الأمة.
كلام العلامة الشنقيطي في تفسير ثلة الأولين وقليل الآخرين
يقول العلامة
الشنقيطي رحمه الله تعالى: ظاهر القرآن في هذا المقام أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية. يعني قوله تعالى: (( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ )) في الموضعين، و(الآخرين) فيهما من هذه الأمة، يعني قوله: (وقليل من الآخرين) وقوله: (وثلة من الآخرين).
وأن قوله تعالى: (ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ) في السابقين خاصة؛ لأن هذا واضح من السياق.
فقوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ)) هذا في السابقين.
أما قوله:
ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ *
وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:39-40] فهو في أصحاب اليمين خاصة.
وإنما قلنا: إن هذا هو ظاهر القرآن في الأمور الثلاثة التي هي شمول الآيات لجميع الأمم، وكون قليل من الآخرين في خصوص السابقين، وكون ثلة من الآخرين في خصوص أصحاب اليمين لأنه واضح من سياق الآيات.
أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة؛ لأن قوله تعالى:
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1]، إلى قوله:
فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا [الواقعة:6] لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة، فالسياق في يوم القيامة، فدل على أن قوله تعالى:
وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً [الواقعة:7] عام في جميع أهل المحشر.
والأظهر أن السابقين وأصحاب اليمين منهم من هو من الأمم السابقة ومنهم من هو من هذه الأمة.
وعلى هذا فظاهر القرآن أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة، وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليسوا أكثر من أصحاب اليمين من هذه الأمة؛ لأنه عبر في السابقين من هذه الأمة بقوله: (( وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ ))، وقال قبلها: (( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ ))، أي فعدد كبير من الأمم الماضية هم السابقون.
وهناك عدد آخر، لكنه عدد قليل من السابقين من هذه الأمة، بدليل قوله: (( وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ )).
قال: ولا غرابة في هذا. أي: حينما يقول الله سبحانه وتعالى في السابقين: ((ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ)).
قال: لأن الأمم الماضية أمم كثيرة، وفيها أنبياء كثيرون ورسل، فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها؛ لأن السابقين هم الصفوة، فتعد إذاً صفوة الأمم من لدن آدم عليه السلام إلى محمد عليه السلام، فالسابقون منهم أكثر من السابقين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
أما أصحاب اليمين الذين قال فيهم: (
وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ) -أي: من هذه الأمة- فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم؛ لأن الثلة تتناول العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر مع أنهما كلاهما كثير.
وبهذا تعلم أن ما دل عليها ظاهر القرآن واختاره
ابن جرير لا ينافي ما جاء من أن نصف أهل الجنة من هذه الأمة، ففي الحديث: (
والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قالوا: الحمد لله، الله أكبر. فقال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة) يعني: نصف أهل الجنة. فهنا المقصود بالثلة النصف أو العدد الكبير، وهذه هي ثلة أصحاب اليمين التي قال الله فيها:
ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ *
وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:39-40].
فقوله: (( وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ )) دل ظاهر القرآن على أنه في خصوص السابقين؛ لأن الله قال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ).
ثم أخبر عن حال هؤلاء السابقين المقربين فقال: (( ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ )).
وأما كون قوله:
وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:40] في خصوص أصحاب اليمين فلأن الله تعالى قال:
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا *
عُرُبًا أَتْرَابًا *
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ *
ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ *
وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:36-40]، والمعنى: هم -أي: أصحاب اليمين-
ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ *
وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ [الواقعة:39-40]، وهذا واضح كما ترى. انتهى كلام
الشنقيطي ، والله تعالى أعلم.