إسلام ويب

الحب في الله والبغض في الله [1]للشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، ولقد ركز الشيخ في هذه المادة على الحب في الله، وذكر طرفاً من الأحاديث التي ترغب في الحب في الله؛ مبيناً أنه لا يكمل إيمان العبد إلا بإيثار النبي صلى الله عليه وسلم بالمحبة ذاكراً علامات محبته صلى الله عليه وسلم، ثم ختم هذه المادة ببيان أن الحب في الله سبب للمغفرة.

    1.   

    أوثق عرى الإيمان

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, أرسله الله بشيراً ونذيراً, وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيراً, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه على نهجه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل, وأحبوا أهل طاعة الله, وأبغضوا من عصى الله, ولو كان أقرب قريب, فإن الحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان, يقول ربكم جلَّ وعلا: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] اللهم اجعلنا منهم, اللهم اجعلنا من حزبك المفلحين يا رب العالمين!

    أحاديث ترغب في الحب في الله

    أيها المسلمون: الحب في الله رغب فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره في أحاديث متعددة إليكم طرفاً منها، قوله صلى الله عليه وسلم: {سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله -وذكر منهم- رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه} يا عبد الله! إذا أحببت في الله يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, يوم تنزل الشمس مقدار ميل على رءوس الخلائق, يوم يلجم الناس بالعرق إلجاماً.

    أحب في الله؛ يظلك الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله, روي عن نبيكم صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن لله عز وجل عباداً ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم النبيون والشهداء على منازلهم وعلى قربهم من الله. فقام رجل من الأعراب من قاصية الناس وألوى بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ناس من الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء تغبطهم الأنبياء والشهداء على مجالسهم وقربهم من الله؟! صفهم لنا يا رسول الله؟ فسر وجه النبي صلى الله عليه وسلم بسؤال هذا الإعرابي فقال صلى الله عليه وسلم: هم ناس من أفناء الناس وموازع القبائل لم تصل بينهم أرحام متقاربة، تحابوا في الله وتصافوا, يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسون عليها, فيجعل وجوههم نوراً وثناياهم نوراً, يفزع الناس يوم القيامة ولا يفزعون, وهم أولياء الله لا خوف عليهم ولاهم يحزنون}.

    الحب في الله عباد الله! الحب في الله يا أمة الإسلام! ثم يقول صلى الله عليه وسلم: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار} رواه البخاري ومسلم. وفي رواية للبخاري ومسلم: {ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب في الله ويبغض في الله} ويقول صلى الله عليه وسلم: {إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي} رواه مسلم. فهذه أحاديث صحيحة فيها الخير الكثير لمن أحب في الله.

    هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يخبر أن ربنا جلَّ وعلا أرصد ملكاً من ملائكة السماء لعبد من عباده يخبره أنه يحبه, بأي شيء حصل ذلك؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً -مدرجته أي: طريقه- فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أخاً لي في هذه القرية -أخ له يحبه في الله- قال: هل لك عليه من نعمة تردها؟ قال: لا. غير أني أحبه في الله, فقال الملك: فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه} رواه مسلم.

    عن أبي مسلم رحمه الله قال: قلت لـمعاذ رضي الله عنه: [[والله إني لأحبك لغير دنيا أرجو أن أصيبها منك، ولا قرابة بيني وبينك, قال: فبأي شيء؟ قلت: لله, قال: فجذب حبوتي ثم قال: أبشر إن كنت صادقاً، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله يغبطهم بمكانهم النبيون والشهداء} قال أبو مسلم: ولقيت الصحابي الجليل الثاني عبادة بن الصامت رضي الله عنه فحدثته بحديث معاذ فقال عبادة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن ربه تبارك وتعالى: {حقت محبتي على المتحابين فيَّ, وحقت محبتي على المتناصحين فيَّ, وحقت محبتي على المتباذلين فيَّ, هم على منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء والصديقون}]].

    ثم يقول أنس رضي الله عنه: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: {متى الساعة يا رسول الله؟ قال: وما أعددت لها, قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله, قال: أنت مع من أحببت. قال أنس رضي الله عنه: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت. قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم, وأحب أبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم, بحبي إياهم} رواه مسلم.

    عباد الله! إن في هذا الحديث بشارة عظيمة سارة لمن أحب الله ورسوله وأحب صحابته وأحب عباد الله المؤمنين واقتدى بهم.

    حب النبي صلى الله عليه وسلم وعلاماته

    عباد الله! الحق وقول الفصل أنه لا يتم ولا يكمل إيمان الإنسان إلا بإيثار النبي صلى الله عليه وسلم بالمحبة والتكريم على سائر خلق الله، في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: {والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين} رواه البخاري.

    ومن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم:

    إيثار رضاه صلى الله عليه وسلم, والعمل بشريعته, ونصر سنته, والتأسي به في شمائله وسيرته الكريمة المنيرة, وتنحصر في: طاعته فيما أمر, وتصديقه فيما أخبر.

    أما من ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤثر العمل بشريعته فتلك دعوى باطلة، وعملة مزيفة، وتبجح كاذب؛ لأن صاحبها لم يكن حجة على صحة دعواه، وحقيقة ما ادعاه, والله جلَّ وعلا يقول: وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59] فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم تقبل طاعته, ومن أطاع الرسول ولم يطع الله لم تقبل طاعته, بل وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [النساء:59].

    تلكم المحبة في الله يا عباد الله! اسمعوا إلى من أحب في الله وأبغض في الله يقول الله فيهم: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف:67] الذين اجتمعوا في الدنيا على غير محبة الله تنقلب محبتهم يوم القيامة عداوة، إلا المتقين الذين تحابوا في الله يقول الله لهم: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ [الزخرف:68] من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف:69] ماذا تقول لهم يا ربنا؟ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف:70].

    اللهم وفقنا لمحبتك, ومحبة رسولك وأوليائك, وعبادك الصالحين, اللهم اجعلنا متحابين فيك, نحب بحبك من أحبك، ونعادي أعداءك إنك على كل شيء قدير, اللهم انفعنا بالقرآن العظيم, وبما صرفت فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    أقول قولي هذا. وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    الحب في الله سبب للمغفرة

    الحمد لله الذي منّ علينا بالإيمان والإسلام, وتفضل علينا ببيان الشرائع والأحكام, وأحلَّ الحلال وحرّم الحرام, ووعد من أطاعه بالثواب في دار السلام، وتوعد من عصاه بالعقاب في دار الهوان والانتقام, نحمده على ما أفضى علينا من الإنعام, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وتمسكوا بأوثق العرى وهو الإسلام, وبشرائعه الحسان, وصفوا قلوبكم من الغش، والخداع والخيانة، والتباغض والتحاسد, واحرصوا على باب الإسلام, واحمدوا ربكم على نعمة الإسلام.

    اسمعوا إلى الصحابي الجليل وهو يروي لكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً إذا سمعته القلوب اشتاقت إلى الحب في الله, عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما كما تتحات الورق من الشجرة اليابسة في يوم ريح عاصف, وإلا غفر لهما ذنوبهما ولو كانت مثل زبد البحر).

    وقال أبو عمرو الأوزاعي: حدثني عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد قال: [[لقيته فأخذ بيدي فقال: إذا التقى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه تحاتت خطاياهما كما تحات ورق الشجر, قال عبدة: فقلت له: هذا يسير, فقال: لا تقل ذلك فإن الله يقول:

    لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ [الأنفال:63] ]].

    عباد الله! اعلموا أن أحسن الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة, ومن شذَّ شذَّ في النار.

    صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أسألك بأنا نشهد أنك أنت الأحد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد: أن تعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, اللهم اشدد وطأتك عليهم يا رب العالمين!

    اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا, وأئمة وولاة المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها يا رب العالمين.

    اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين يا رب العالمين, اللهم أقر أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين!

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت, أنت الغني ونحن الفقراء, يا ربنا! يا الله! ارحم ضعفنا, وأسق بلدنا, وأحيي بلدنا الميت يا رب العالمين, وجميع بلدان المسلمين، اللهم أغثنا, اللهم اسقنا سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق إنك على كل شيء قدير، أنت أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين, وأجود الأجودين, فضائلك ملأى، ويداك مبسوطتان تنفق كيف تشاء لا إله إلا أنت سبحانك.

    ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين, اللهم اسقنا, اللهم أحيي بلدك الميت، اللهم انشر رحمتك على العباد, يا من له الدنيا والآخرة, اللهم لك الحمد وإليك المشتكى, وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان, ولا حول ولا قوة إلا بك، اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد.

    عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755959561