إسلام ويب

نعيم القبر وعذابهللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن كل الناس -وإن طالت حياة بعضهم- قادمون على الله جل وعلا، فلينظر كل واحد منهم ماذا قدم من عمل ينجيه من عذاب الله عز وجل، وخير دافع لذلك بأن يتذكر الإنسان قدومه على الله من ساعة الاحتضار إلى أن يقف بين يدي الله عز وجل، وقد بين الشيخ حفظه الله في هذا الدرس مرحلة من مراحل الانتقال إلى الله، وهي مرحلة القبر، وذكر ما يقع للمؤمن والكافر فيه.

    1.   

    تذكر اليوم الآخر

    الحمد لله الذي خلق الموت والحياة؛ ليبلو العباد أيهم أحسن عملاً، فقسمهم إلى قسمين: فمنهم شاكر، ومنهم كفور.

    أحمده وأشكره، وأسأله أن يوفقنا لصالح الأعمال والأخلاق، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله، اتقوا الله عزَّ وجلَّ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً [لقمان:33].. يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

    عباد الله: هل تعلمون ما هو ذلك اليوم؟ هو والله يوم القيامة، يوم الطامة الكبرى، يوم الصاخة، يوم تشقق السماء بالغمام، يوم تفتح السماء فتكون أبواباً، فينـزل من كل سماء ملائكتها، ينـزلون ليحيطوا بأهل الموقف، في ذلك اليوم الذي يتجلى فيه الرب لفصل القضاء بين الخلائق.

    عباد الله: إذا تحققنا من ذلك وآمنا به، علمنا حق اليقين أن هذه الحياة الدنيا لا بد لها من الزوال، وأنها دار ممر وعبور إلى الآخرة، وأن أهلها سوف ينتقلون منها إلى ما قدموه من الأعمال.

    فتذكروا عباد الله! تذكروا حالتكم عند حلول الآجال، ومفارقة الأوطان والأهل والعيال والجيران.

    تذكروا حينما تشاهدون الآخرة وهي أمامكم، وأنتم مقبلون إليها، وأنتم منتقلون إليها، وأنتم مدبرون عن الدنيا.

    1.   

    حالة الاحتضار

    تذكروا حالة الاحتضار، تذكروا نزول ملك الموت.

    خروج روح المؤمن

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم أكفان من الجنة، وحنوط من الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ويجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس المطمئنة! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج تسيل كما تسيل القطرة مِن فِيِّ السقاء، فيأخذها ملك الموت، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، فيجعلوها في ذلك الكفن, وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون على مَلَأٍ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة، فيقولون: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحوا له، فيُفتح له، ويشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، إلى السماء السابعة، فيقول الله عزَّ وجلَّ: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوها إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى.

    فتعاد روحه، فيأتيه ملكان فيُجلسانه، فيقولان له: ما دينك؟ ومن ربك؟ ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: ما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنتُ به وصدقتُه، فينادي منادٍ أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويُفسح في قبره مدَّ البصر، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، ويقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: يا رب! أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي}.

    اللهم اجعلنا من عبادك المؤمنين، يا أرحم الراحمين.

    خروج روح الكافر

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأما الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، ويقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتَفَرَّق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السَّفُّود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على مَلََأٍِ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يُسمى بها في الدنيا، حتى يُنتهى بها إلى السماء الدنيا، فيُستفتح لها، فلا يُفتح لها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف:40] ثم يقول الله عزَّ وجلَّ اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى مع الشياطين، فتُطرح روحه طرحاً، ثم قرأ: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].

    فتُعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه.. هاه.. لا أدري، فينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه في القبر حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءُك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: يا رب! لا تقم الساعة}.

    أقسام الناس في قبورهم

    عباد الله: هذا الذي يحصل بعد الموت في القبر.

    فقسم من الناس، توفاهم الملائكة طيبين، يقولون: سلام عليكم أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].

    وقسم من الناس توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال:50].

    أمة الإسلام: تذكروا إذا حُملتم إلى القبور، فانفردتم بها عن الأهل والأولاد والأموال والقصور، فارقتم الفلل، فارقتم الفرش، فارقتم الكنبات، جليسكم فيها الأعمال، موسَّدون التراب، مفترشون التراب، قد صُفت عليكم اللبنات، فإما خيرٌ تسرون به إلى يوم القيامة، وإما شرٌ تجدون به الحسرة والندامة.

    ثم تذكروا إذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى [الزمر:68] فإذا نحن قيام من القبور، ننفض التراب من رءوسنا، حفاة، عراة، غُرْلاً، في يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس:34-36] في يوم يُجمع فيه الأولون والآخِرون في صعيد واحد، في ذلك اليوم، يوم التغابن، ووالله يوم التغابن، ليس التغابن -يا عباد الله- في نيل عرض من الدنيا، أو توسيع الفلل وارتفاع القصور، فإنما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ [الحديد:20] تزدهر قليلاً، ثم تزول سريعاً.

    فتنافسوا -أيها المسلمون- في أعمال الآخرة، لتدركوا الأجر العظيم في يوم القيامة، فإن الدنيا مزرعة الآخرة، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:1-2].

    اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، اللهم هوِّن علينا سكرات الموت، واجعل القبر لنا بعد منازل الدنيا أفسح المنازل، وآمِن خوفَنا يوم الفزع الأكبر، واجعلنا ممن يأخذ كتابه بيمينه يا رب العالمين.

    بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    أٌقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه ثم توبوا إليه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    أقسام الناس يوم القيامة

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

    اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وسلِّم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ حق تقاته, واستعدوا لما أمامكم يوم العرض الأكبر على الله، حينما ينقسم الناس إلى قسمين: سعداء، وأشقياء.

    فأما السعداء: ففي روضات الجنات، لهم فيها ما تشتهي أنفسهم، ولهم فيها ما يدَّعون، لهم فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

    وأما الأشقياء: فمآلهم إلى النار، لهم فيها زفير وشهيق، يُطعمون الزقوم، ويُسقون فيها ماءً حميماً، يقطع الأمعاء والأوصال، ولا يُسمع لهم دعاء، ولا يُرحم لهم بكاء، ولا يزدادون من طول مكثهم فيها إلا عذاباً.

    فالحذر.. الحذر.. يا عباد الله، الحذر.. الحذر.. يا عباد الله من جميع المعاصي, ومن مُضلات الفتن، ومن اتباع الشهوات، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن عليكم، وتأهبوا للعرض الأكبر على رب العالمين.

    واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.

    وصلوا على رسول الله كما أمركم الله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

    اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم أعزنا بالإسلام.

    اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، من اليهود والنصارى والشيوعيين، إنك على كل شيء قدير. اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم عافيتك ويدك، اللهم مزقهم كل ممزق.

    اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في برك وبحرك. اللهم أيدهم بنصرك، اللهم أيدهم بنصرك. اللهم ثبت أقدامهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، يا رب العالمين.

    اللهم أصلح إمام المسلمين، وارزقه الجلساء الصالحين الناصحين، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، وحكم بكتابك وسنة نبيك يا رب العالمين.

    اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين. اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، اللهم أقر أعيننا بصلاحهم، وجنبنا وإياهم مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير.

    اللهم ارفع عنا الغلاء، والوباء، والربا، والزنا، واللواط، والزلازل، والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامة يا رب العالمين.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91]. واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755814945