إسلام ويب

توجيه الشبابللشيخ : عبد الله حماد الرسي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن شباب الصحابة رضوان الله عليهم حين تربوا في مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، وتوجهوا التوجيه الصحيح؛ رفع الله بهم الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وكان همهم الوحيد هو نصرة الدين وإرضاء رب العالمين عز وجل؛ والناظر إلى شباب المسلمين اليوم وما صاروا إليه يتعجب أشد العجب، فقد تغيرت اهتماماتهم، وتحطمت أخلاقهم، وكل ذلك لأنهم لم يجدوا من يوجههم التوجيه الصحيح الذي سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    الفرق بين شباب السلف وشباب الخلف

    الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريكٌ في الملك، ولم يكن له وليٌ من الذل وكبره تكبيراً، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, يهدي من يشاء ويضل من يشاء.

    وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وخذوا بأسباب النجاة والسعادة، واحذروا من أسباب الشقاوة والهلاك.

    عباد الله: أرأيتم لو كان لكم أشجارٌ تتعاهدون سقياها، وتتعاهدونها بما يصلح لها، وتختارون لها التربة الطيبة, والمزارعين الفنيين في فن الزراعة، إذا حصل ذلك فسوف تؤتي الثمار اليانعة، ويعظم خيرها، ويكثر جناها.

    أجل -يا أمة الإسلام- هذا مثال لفلذات أكبادكم، مثال للشباب في عنفوانه ونضرة أيامه، إذا وجد له راعياً أميناً، وموجهاً مرشداً صالحاً ناصحاً، فسوف يثمر أطيب الثمار، ويكون عضواً صالحاً في المجتمع، وعنصراً هاماً لحماية الدين، ورعاية الأخلاق، ورفع راية الفضيلة.

    أمة الإسلام: إن مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم لما كانت تتمشى مع التعاليم السماوية والتوجيهات الربانية، خرجت شباباً كان لهم في أزهى عصور الإسلام جولات عظيمة، ومغامرات كريمة، كان فيها عز للإسلام، ونصر لشريعة سيد الأنام، ورفع لعلم الدين خفاقاً يحكي العزة، ويصور المجد، ويشعر بالقوة، إنهم تعلموا العلم لوجه الله، فنالوا به رفعةً ومجداً وسؤدداً، أولئك الشباب الناشئ في مدرسة الإسلام، غذاهم الإسلام بمبادئه وروضهم على تعاليمه، وقومهم برفيع توجيهاته، وجعل منهم في ميدان البطولة الفدائي, الذي لا يشق له غبار يخوض معركة الشرف لا يريد بذلك وطنية، ولا يريد قومية ، ولا جاهلية، ولكن لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

    ولقد كانوا رضي الله عنهم في ميدان العلم والمعرفة أئمة في الدين، وأعلاماً في الفقه, وفي مجالات العبادة والإخبات، فهم رهبان بالليل، أسود بالنهار: كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18] في ميادين البذل والبر والإحسان يبذلون الفضل لوجه الله طلباً للمثوبة والأجر، فهذه أوصاف أولئك الرجال، فإنها حميدة، لم تغلب عليهم السطوة، فكانوا رضي الله عنهم قدوة للشباب المسلم الصالح الذي رفع الله درجته، وأمن مخاوفه، ووعده أن يظله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ولقد أخبر إمام الأمة وقدوتها صلى الله عليه وسلم بقوله: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وعدّ منهم: الشاب الناشئ في عبادة ربه عز وجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] ولكن مع الأسف الشديد والحزن المرير أين تلك الأوصاف؟ أين تلك الأشباح؟ رحمة الله على تلك الأرواح، لقد تغيرت الأحوال، وانعكست الأفعال، وعمي الكثير عن الهدى واتباع الحق، وغرق البعض في التقليد الأعمى، ومالت به نفسه الأمارة بالسوء عن الصراط المستقيم، وقلد الكفرة في باطلهم، وقلّد الغرب في الانحلال والميوعة والإلحاد والرذائل، وأطلق لنفسه العنان في الشهوات المحرمة والنزوات الطائشة والرذائل، ونسي الله عز وجل, ولم يراقب الجزاء، ولم يحذر من بطشته وسطوته وأخذه الأليم الشديد، فهو ممن قال الله فيهم: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] وممن وصفهم الله بقوله: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف:103-104].

    1.   

    العامل الأساس للأخذ بأيدي الشباب

    إن العامل الوحيد للأخذ بأيدي الشباب وقيادتهم إلى الخير ليكونوا كما كان أسلافهم في عصر النور هو التوجيه الصالح الرشيد الذي يتظافر عليه البيت والمدرسة والإذاعة والصحافة والعلماء والقادة, كل أولئك يجب عليهم أن تتظافر فيهم جهود التوجيه، توجيه الشباب إلى الخير, وقيادتهم إلى أقوم السبل في الأقوال والأفعال والعزائم الصادقة.

    أما مجرد التوجيه بالأقوال بدون التصديق بالأفعال فلا كأن يقال: إليكم هذا الحديث، إليكم هذه التلاوة المرتلة، ثم يقال: تغني فلانة، ويغني فلان، ثم يأتي في الصحافة، ويقول: مجلة الفن تحل الأغاني وتحل الموسيقى، وهي حرام في الإسلام، فأين هذا التوجيه من التوجيه الإسلامي الصحيح؟! إذا لم تصدق بالأفعال، فذلك مما ينقضه الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].

    ومثل مدرس يشرح حديث (لعن رسول الله المتشبهين من الرجال بالنساء) فيقول له الطالب: كيف ذلك يا أستاذ؟ فيقول: في حلق اللحية، إذا حلق لحيته، فإنه يتشبه بالنساء، ومع الأسف الشديد كان الأستاذ الجليل حالق للحيته، فيقول له الطالب: فلماذا تحلق لحيتك يا أستاذ؟ فيقول: (هذا جَريٌ للمجتمع، وخوف من المعزبة) أو كما قال قولته الشنعاء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].

    كذلك الأستاذ يشرح الدرس، وثوبه يجر خلفه شبراً في الأرض، وهو يقول: إن الله لا ينظر إلى من جر ثوبه خيلاء، الله أكبر: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3].

    إن من شروط الداعي إلى الخير أن يكون قدوةً فيما يأمر به، أما الذي ينهى الأولاد عن شرب المسكرات والدخان، وهو مدمن عليها، فإنهم يهزءون به، لأنه بصفة المختل للعقل، لأنه لم ينه نفسه قبل ذلك.

    لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله      عارٌ عليك إذا فعلت عظيم

    كذلك المعلم إذا كان في أثناء الشرح فهو مرآة، فلينظر ماذا يلقي على أولئك النشء، فإنهم أمانة في عنقه.

    أما الذين يعلَّمون ولا يعملون فليسمعوا إلى هذا الوعيد الشديد، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه -أي: أمعائه- فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: يا فلان! ما شأنك؟ ألست كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر، وآتيه).

    اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم لا حول لنا ولا قوة إلا بك.

    فاتقوا الله عباد الله، وكونوا مع الصادقين في التوجيه وفي النصح والإرشاد وفي الدعوة إلى الله عز وجل, حتى يصلح بكم أولادكم، ويرتفع بكم المجتمع، وتكونوا قدوةً صالحة.

    وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3].

    اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم أصلحنا، وأصلح لنا، وأصلح بنا يا رب العالمين، اللهم أجرنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن أبداً ما أبقيتنا يا أرحم الراحمين.

    وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    إهمال تربية الأولاد

    الحمد لله ذي الكبرياء والعظمة والسلطان، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب المقام المحمود، وسيد ولد عدنان، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

    أما بعد:

    فيا عباد الله: اتقوا الله كما أمركم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] اتقوا الله في أولادكم، وفي أهليكم، وفي معاملاتكم، وفيمن تحت أيديكم.

    إنه ليحزن ويمرض أننا نرى الكثير من الآباء قد أهمل الأولاد، وترك لهم الحبل على الغارب! حتى صاروا شراً مستطيراً على المجتمع, وداءً عضالاً وعضواً لا خير فيه, كل ذلك بسبب الإهمال, حتى إن البعض من الآباء تحمل أوزاراً، وهو يعرف أنه فيها ظالم لنفسه ولأولاده، وهو أنه يعينهم على الأسفار إلى بلاد الكفر والفساد، ويدفع لهم الأموال، ويفتح لهم الاعتمادات حتى يفسدوا بها، وينفقونها في سبيل الشيطان، ويقول: نريد لهم الترفه، بل ظلمهم، وأعانهم على إغضاب الرب جلَّ وعلا، فسوف يسأل عن هذا كله إذا وقف بين يدي الله يوم ترتعد الفرائص من الخوف والوجل.

    أمة الإسلام: إنه من أكبر المنكرات أن يخرج الرجل من بيته إلى المسجد والأولاد في بيته إما يمارسون لعب الورقة، أو جالسون عند التلفاز، أو نائمون في فرشهم، وهو يأتي إلى المسجد، إنه من أكبر المنكرات -والعياذ بالله- من عمى البصيرة: فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

    أمة الإسلام: لننتبه من رقدتنا ونستيقظ ونستعد قبل أن نقف بين يدي الله ثم نسأل، فمن أين لنا الجواب؟ من أين لنا الجواب؟

    وصلوا على رسول الله كما أمركم الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين السابقين إلى الخيرات، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمّر أعداء الإسلام والمسلمين، اللهم اشدد عليهم وطأتك، وارفع عنهم يدك وعافيتك ومزقهم كل ممزق، اللهم اجعلهم غنيمةً للمسلمين، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا وإياهم اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه, إنك على كل شيء قدير.

    اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، واهدنا وإياهم لما تحبه وترضاه، وجنبنا وإياهم ما تبغضه وتأباه يا رب العالمين.

    اللهم ارفع عنا الغلاء والربا والوباء والزنا واللواط، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة، وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين.

    ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوفٌ رحيم.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا [النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756350288