إسلام ويب

سلسلة منهاج المسلم - (71)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من الصفات الذميمة والأخلاق المشينة التي تودي بصاحبها المهالك صفة العجب، وكفى بها على صاحبها وبالاً، وقد جاء الكتاب والسنة بالتحذير من صفتي العجب والغرور والتنفير منهما حتى يجتنبهما الإنسان ويخافهما، ومظاهر العجب والغرور متعددة منها: الإعجاب بالعلم، أو بالعمل، أو بالقوة، أو بالشرف أو بالمنصب وغيرها من المظاهر، والعلاج في التزام هدي القرآن ومنهاج الإسلام في التواضع والأخلاق النبوية والآداب الشرعية.

    1.   

    العجب والغرور

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات، إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء، ندرس كتاب منهاج المسلم، الكتاب الشامل للعقيدة والآداب والأخلاق والعبادات والأحكام الشرعية، وقد انتهى بنا الدرس إلى خلق العجب والغرور، بعد أن درسنا جملة من الأخلاق السيئة: كالظلم والرياء والحسد والغش، نسأل الله أن يعافينا منها، وأن ينجينا من محنتها، وأن يطهرنا من هذه الأخلاق الهابطة.

    [المسلم يحذر العجب والغرور، ويجتهد أن لا يكونا وصفاً له في حالة من الحالات] فالمسلم الحق يحذر العجب والغرور، ويجتهد أن لا يكونا وصفاً له في أي حال من الحالات [إذ هما من أكبر العوائق عن الكمال، ومن أعظم المهالك في الحال والمآل، فكم من نعمة انقلبت بهما نقمة، وكم من عز صيرّاه ذلاً، وكم من قوة أحالاها ضعفاً].

    فكفى بهما داءً عضالاً، وكفى بهما على صاحبهما وبالاً] والعياذ بالله [فلذا حذرهما المسلم وخافهما، ولهذا جاء الكتاب والسنة بتحريمهما والتنفير والتحذير منهما، قال الله تعالى: وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14] ، وقال: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار:6] ، وقال: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [التوبة:25] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث مهلكات: شحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه ).

    وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك )] أي: الزم نفسك؛ حتى لا تنتقل الفتنة إليك [وقال صلى الله عليه وسلم: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني )] فهذه آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، تنتزع من قلوبنا مرض العجب والغرور.

    أمثلة للعجب والغرور

    [مثلات لذلك] ومن الأمثلة على ذلك [ أولاً: أُعجب إبليس -لعنة الله عليه- بحاله، واغتر بنفسه وأصله، فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين! فطرده الله من رحمته ] أعجب إبليس بحاله، واغتر بنفسه وأصله قائلاً: خلقتني من نار وخلقته من طين فأنا أشرف منه، فطرده الله من رحمته بهذا العجب والتكبر [ومن أنس حضرة قدسه] أي: بعدما كان في الجنة.

    [ثانياً: أعجبت عاد بقوتها] وهي قبيلة معروفة كانت في جنوب الجزيرة [واغترت بسلطانها وقالوا: من أشد منا قوة! فأذاقهم الله عذاب الخزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

    ثالثاً: غفل نبي الله سليمان -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- فقال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة ولداً يجاهد في سبيل الله، غفل فلم يقل: إن شاء الله] مغتراً بقوته [فحرمه الله سبحانه ذلك الولد] وولدت واحدة من نسائه طفلاً مشلولاً أي: نصف ولد؛ تأديباً له لأنه لم يقل: إن شاء الله، والعامة قلّ منهم من يقول: إن شاء الله، وهذا خطأ فاحش، إذ كان نبي الله سليمان معاقب بهذه العقوبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: (أعطيك السيف غداً، ولم يقل: إن شاء الله) عاقبه الله وأدبه قائلاً له: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] .

    [رابعاً: أعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين بكثرتهم، وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة! فأصيبوا بهزيمة مريرة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت] فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبوا بقوتهم فأصيبوا بهزيمة من ربهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت [ثم ولوا مدبرين] أي: مهزومين، فالإعجاب ممقوت، فلا تعجب بحالك أبداً [إلى أن عادوا إلى الله فنصرهم الله].

    مظاهر العجب والغرور

    [ومن مظاهر الغرور ما يلي:

    أولاً: في العلم، قد يعجب المرء بعلمه، ويغتر بكثرة معارفه، فيحمله ذلك على عدم الاستزادة] فلا يستزيد علماً [وعلى ترك الاستفادة، أو يحمله على احتقار غيره من أهل العلم، واستصغار سواه، وكفى بهذا هلاكاً له!] فقد يعجب المرء بعلمه، ويغتر بكثرة معارفه، فيحمله ذلك على عدم الاستزادة، وترك الاستفادة؛ فلا يستفيد أبداً، أو يحمله على احتقار غيره من أهل العلم -وهذا أسوأ- واستصغار سواه، وكفى بهذا هلاكاً له.

    [ثانياً: في المال: قد يعجب المرء بوفرة ماله، ويغتر بكثرة عرضه فيبذر ويُسرف، ويتعالى على الخلق، ويغمط الحق فيهلك] فالاغترار بالمال ووفرته وبكثرة عرضه داعٍ إلى التبذير والإسراف، والتعالي على الخلق والتكبر، فلا يعترف للناس بحق من كبريائه.

    [ثالثاً: في القوة: قد يعجب المرء بقوته، ويغتر بعزة سلطانه، فيعتدي ويظلم، ويقامر ويخاطر، فيكون في ذلك هلاكه ووباله] والتاريخ شاهد بهذا.

    [رابعاً: في الشرف: قد يعجب المرء بشرفه، ويغتر بنسبه وأصله، فيقعد عن اكتساب المعالي، ويضعف عن طلب الكمالات] لأنه مغرور [فيبطئُ به عمله، ولم يسرع به نسبه، فيحقَّرُ ويصغَّرُ ويذلُ ويهونُ] والعياذ بالله.

    [خامساً: في العبادة: قد يعجب المرء بعمله، ويغتر بكثرة طاعته، فيحمله ذلك على الإدلال على ربه] أصبح يدل على الله [والامتنان على منعمه] كأن له الفضل على الله [فيحبط عمله، ويهلك بعجبه، ويشقى باغتراره] فالاغترار في العبادة يحمل المرء على الإدلال على ربه، والامتنان على منعمه عز وجل، فيحبط عمله ويهلك بعجبه ويشقى باغتراره.

    علاج العجب والغرور

    [علاج] لهذا المرض [وعلاج هذا الداء] داء العجب والاغترار [في ذكر الله تعالى بالعلم بأن ما أعطاه الله اليوم من علم، أو مال، أو قوة، أو عزة، أو شرف، قد يسلبهُ غداً لو شاء ذلك] فالعلاج هو ذكر الله تعالى بالعلم بأن ما أعطاه الله من علم أو مال أو قوة أو عزة أو شرف قد يسلبه غداً لو شاء الله ذلك.

    [وأن طاعة العبد للرب مهما كثرت لا تساوي بعض ما أنعم الله على عبده] ولا نعمة البصر فقط [وأن الله تعالى لا يدل عليه بشيء؛ إذ هو مصدر كل فضل وواهب كل خير، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لن ينجي أحد منكم عمله )] أي: الصالحات [قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )] فلا تغتر بصلاتك وعبادتك.

    1.   

    العجز والكسل

    والآن مع العجز والكسل!

    [المسلم] المسلم بحق الكامل الإسلام [لا يعجز ولا يكسل، بل يحزم وينشط، ويعمل ويحرص؛ إذ العجز والكسل خلقان ذميمان] فلا عجز ولا كسل لدى المسلم بل حزم ونشاط وعمل وحرص؛ إذ العجز الكسل خلقان ذميمان [استعاذ منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكثيراً ما كان يقول: (اللهم! إني أعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والهرم، والبخل)] ولو لم يكونوا شراً ما استعاذ منهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

    [وأوصى صلى الله عليه وسلم بالعمل والحرص، فقال: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز )] أي: اعمل ولا تعجز [(وإذا أصابك شيء، فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان )] فاحرص على العمل، واستعن بالله ولا تعجز، وإذا أصابك فشل فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان والعياذ بالله.

    [فلهذا: لا يرى المسلم عاجزاً ولا كسولاً، كما لا يرى جباناً ولا بخيلاً، وكيف يقعد عن العمل أو يترك الحرص على ما ينفعه وهو يؤمن بنظام الأسباب، وقانون السنن في الكون؟] والأسباب مثل أنك تشرب لتروى، وتضع على رأسك غطاءً حتى لا تضرك الشمس [ولمَ يكسل المسلم وهو يؤمن بدعوة الله إلى المسابقة في قوله: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]] فكلمة المسابقة فيها شدة في الطلب [ويأمره بالمنافسة في قوله: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26].

    ولمَ يُجبن المسلم أو يُحجم، وقد أيقن بالقضاء وآمن بالقدر، وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه بحال من الأحوال؟] فلهذا لا إحجام ولا تأخر أبداً.

    [ولمَ يقعد المسلم عن العمل النافع وهو يسمع هاتف القرآن به: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ [آل عمران:115] .. وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا [المزمل:20]؟].

    مظاهر العجز والكسل

    والآن: [مظاهر العجز والكسل:

    أولاً: أن يسمع المرء نداء المؤذن للصلاة] مظهر من مظاهر العجز والكسل أن يسمع الفرد المسلم نداء المؤذن للصلاة [ويتشاغل عن الإجابة بنوم أو كلام أو عمل غير ضروري حتى يكاد يخرج وقت الصلاة، ثم يقوم فيصلي منفرداً في آخر وقت الصلاة] فهذا كسل وعجز، ومن كانت حاله هذه فهو كسول وعجوز.

    [ثانياً: أن يقضي المرء الساعة والساعات على مقاعد المقاهي وكراسي المنتزهات أو متجولاً في الشوارع والأسواق، ولديه أعمال تتطلب الإنجاز فلا ينجزها] فأن يقضي المرء الساعة والساعات على مقاعد المقاهي وكراسي المنتزهات والحدائق، أو متجولاً في الشوارع والأسواق، ولديه من الأعمال ما يتطلب الإنجاز ولم ينجزه فهو كسول وعاجز.

    [ثالثاً: أن يترك المرء العمل النافع كتعلم العلم، أو غراسة الأراضي، أو عمارة المنازل وبناء الدور، وما إلى ذلك من الأعمال النافعة في الدنيا أو الآخرة، يتركها بدعوى أنه كبير السن، أو أنه غير أهل لهذا العمل، أو أن هذا العمل يتطلب وقتاً واسعاً وزمناً طويلاً، ويترك الأيام تمر والأعوام تمضي، ولا يعمل عملاً ينتفع به في دنياه أو أخراه] هذا كله من العجز والكسل.

    [رابعاً: أن يعرض له باب من أبواب البر والخير كفرصة حج] أتيحت له [وهو قادرٌ عليه فلم يحج، أو كوجود لهفانٍ، وهو قادر على إغاثته فلم يغثه، أو كفرصة دخول شهر رمضان فلم يغتنم لياليه بالقيام، أو كوجود أبوين كبيرين عنده عاجزين، أو أحدهما وهو قادر على برهما وصلتهما والإحسان إليهما ولم يبرهما ولم يحسن إليهما عجزاً وكسلاً، أو شحاً وبخلاً، أو عقوقاً] والعياذ بالله.

    [خامساً: أن يقيم المرء بدار ذل أو هوان، ولم يطلب له عجزاً وكسلاً داراً أخرى يحفظ فيها دينه، ويصون فيها شرفه وكرامته] أن يقيم المرء بدار ذل أو هوان عجزاً وكسلاً أن يطلب داراً أخرى يحفظ فيها دينه ويصون فيه شرفه وكرامته.

    اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من كل خلق لا يرضي وعمل لا ينفع.

    وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    757015582