إسلام ويب

نهاية التاريخ [1-2]للشيخ : نبيل العوضي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • العالم اليوم يشهد تغيرات كثيرة، والمتصفح لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس اليوم يرتقبون نهاية التاريخ، وزوال العالم. وفي هذا الدرس المبارك يذكر الشيخ حفظه الله بعض العلامات التي تدل على أن الساعة قد أوشكت على القيام، مضمناً إياها تحذيرات للمبادرة بالتوبة وعمل الصالحات.

    1.   

    احذر الغفلة .. الزمن الأخير

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

    أيها الإخوة الكرام: يقول الله جل وعلا: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1]العالم اليوم يشهد تغيرات كثيرة، وإننا ننظر اليوم إلى من حولنا فنرى بعض الأمور التي نستنكرها، والتي لم نكن نراها من قبل، بل القارئ منا والمتصفح لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن الناس اليوم يرتقبون نهاية التاريخ وتوقف الزمان، ونهاية هذا العالم، بل لم يجتمع المسلمون والنصارى واليهود على شيءٍ مثلما اجتمعوا اليوم على أن الساعة قد اقتربت، وأن العالم سينتهي، وأن التاريخ يوشك على أن يتوقف، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [فاطر:5].

    لقد اقتربت الساعة منذ أن بعث النبي صلى الله عليه وسلم، واقتربت الدنيا من نهايتها.

    وقد بعث الله عز وجل إلى هذه الأرض أنبياء ومرسلين بالألوف، من آدم عليه السلام أول نبي، ونوح عليه السلام أول رسول وجعل آخر الأنبياء والمرسلين الذي به يختم وتختم الأمم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام.

    فنحن جئنا -أصلاً- في نهاية الدنيا، وفي نهاية الزمان. وقد مضى على بعثة النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من ألف وأربعمائة عام، ماذا نقول نحن في هذه الأيام؟ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1].

    وسوف أذكر لكم في حديثي هذا بعض العلامات التي تدل على أن الساعة قد أوشكت على القيام، وأن التاريخ قد أوشك على الانتهاء، وأن الزمن قد أوشك أن يقف.

    سوف أذكر لكم علامات وعلامات وأدع بعضها اختصاراً للوقت، ولكن العجيب ليس هذا، لكن العجيب حال الناس اليوم، قال الشاعر:

    إلى الله تب قبل انقضا زمن العمر     أخي ولا تأمن مساورة الدهر

    لقد حدثتك الحادثات نزولهـا     أخي ولا تأمن مساورة الدهر

    تنوح وتبكي للأحبة أن مضوا     ونفسك لا تبكي وأنت على الإثر

    اعلم -يا عبد الله!- أن الدنيا قد اقتربت من زوالها ونهايتها، فماذا فعلت؟ وماذا قدمت؟

    سوف أذكر لك علامات إياك أن تمرن عليك هذه العلامات هكذا، كأنك لا تسمع شيئاً، وكأنك لا تنتبه لها، هذه العلامات التي سوف أذكرها هذه الساعة اعلم -يا عبد الله- أنها خرجت من نبيٍ صادق صدوق قال الله عز وجل فيه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

    واعلم -يا عبد الله!- أننا ربما ندرك العلامات الكبرى؛ لأن هناك علامات للساعة صغرى، وهناك علامات كبرى هي في نهاية العالم، وفي الزمن الأخير وفي اللحظات الأخيرة سوف تكون العلامات الكبرى، ولكن ربما نراها وربما لا نراها، لكن إن مات الإنسان فقد قامت قيامته أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56].

    تعرف -يا عبد الله!- لما أقول لك: علامات الساعة .. علامات الطامة الكبرى .. علامات وقوع الصاخة والقارعة .. علامات يوم الحسرة .. يوم مقداره خمسون ألف سنة .. علامات يوم التغابن .. علامات يوم القارعة .. يوم الصاخة .. الطامة .. الواقعة .. الحاقة .. كل هذه الأسماء التي سمعتها وسمعت أوصافها يومٌ تتشقق فيه السماء، وتتزلزل فيه الأرض، وتدك فيه الجبال، وتحترق فيه البحار، هذه علاماتها يا عبد الله! لا تظن أن الأمر هين، وأن القضية سهلة، وأننا سنموت وينتهي الأمر، يا ليت الأمر يقف عند موتنا.

    يوم القيامة لو علمت بهوله     لفررت من أهل ومن أوطان

    يوم تشققت السماء لهوله     وتشيب منه مفارق الولدان

    يوم عبوس قمطرير شره     في الخلق منتشر عظيم الشان

    1.   

    علامات الساعة الصغرى

    ها هي الدنيا قد أدبرت، وها هي أيامها الأخيرة، وها نحن نعيش الآن في الزمن الأخير، ولعلنا ندرك فيه العلامات الكبرى، وأشراط الساعة الكبرى.

    واعلم -يا أخي الكريم- أنني أحدثك من هذا المكان محذراً، ومنذراً؛ لأن هناك بعض العلامات إذا وقعت لا تنفع معها توبة، مهما صنعت، هناك بعض علامات الساعة إذا وقعت وجاءت والله لو بكيت دماً، ولو ظللت طوال يومك وليلتك تبكي وتتوب وتستغفر وتخر راكعاً وساجداً لله عز وجل فإن الله عز وجل لا يقبل توبة تائبٍ: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].

    لهذا أذكرك بهذه العلامات، وأنا أرجو أن تنتبه، وكل علامة وكل حادثة سوف أذكرها قربتنا أكثر إلى هذا اليوم العظيم، أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:4-6].

    بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

    أتعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث كما قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين) وفرق بين السبابة والوسطى.

    وقال: (بعثت في نسم الساعة) أول الريح قبل أن تأتي الريح يسمى نسيماً، يأتي هبوب خفيف قبل أن تأتي الريح، هذا النسم أو النسيم هو بداية الريح، فكأن بداية الساعة بعثة النبي عليه الصلاة والسلام.

    بل أخبر بعض الصحابة أنه إذا حصلت أمورٌ ستة، ووقعت فاعددها ثم انتظر الساعة، منها: قال: (موتي) موت النبي عليه الصلاة والسلام الذي به أظلمت المدينة .. الذي به أنكر الناس قلوبهم .. الذي بعده صار الناس كالشاة في ليلة مطيرة .. الذي به ضج الناس وحزنوا، وأعظم مصيبة مرت على وجه الأرض هي موته عليه الصلاة والسلام: أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران:144].

    نعم. مات النبي عليه الصلاة والسلام لكنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة، ما ترك خيراً إلا وأمرنا به، ولا شراً إلا نهانا عنه عليه الصلاة والسلام، وأخبر الصحابة عن الست التي تقع قبل قيام الساعة: (ثم فتح بيت المقدس ) وقد فتح في عهد عمر بن الخطاب ، وانظروا كم بيننا وبين عهد عمر ، وأخبر عن الطاعون: (ثم موتان يأخذ فيكم كعقاص الغنم) ومات كثير من الصحابة في ذلك الطاعون، وقد أخبر به عليه الصلاة والسلام، وأخبر أن هذا علامة من علامات قرب الساعة.

    ظهور الفتن

    وأخبر أنه ستكون هناك فتن، ألا ترون الفتن يا عباد الله؟! ألا تخرجون إلى الشوارع؟! ألا تقرءون الجرائد؟! ألا تسمعون الأخبار؟! (فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً) في الصباح كانت عقيدته سليمة، وكان مؤمناً، ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين، لكنه يمسي كافراً، ولاؤه لغير الله، وحبه لغير المؤمنين، وعقيدته غير الإسلام، ألا ترونهم وتسمعون بهم؟ (يصبح مؤمناً ويمسي كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل).

    هذه كلها علامات من علامات انتهاء هذه الدنيا وخرابها وزوالها ونهايتها.

    قام النبي عليه الصلاة والسلام يوماً من الأيام من نومه فزعاً فقال: (سبحان الله! ماذا أنزل الله من الفتن، ثم قال عليه الصلاة والسلام: من يوقظ صواحب الحجرات كي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:1-2].

    وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (سوف تأتي فتن يرقق بعضها بعضا) كلما جاءت فتنة أنستنا ما قبلها، فُتن المسلمون في الأندلس ، حيث قتلوا على أيدي الصليبيين الحاقدين، وضاعت حضارة بكاملها، وأصبنا بحزن وبغم وهم شديدين ثم مرت السنون، فإذا بها تجيء فتنة أخرى فتنسينا ما قبلها، حتى في هذا الزمن، في الزمن المعاصر المتلاحق المتسارع، وأنتم تذكرون هذه الفتن.

    أتذكرون حرب الشيوعيين الملحدين لإخواننا المسلمين في أفغانستان ؟ كم قتلوا؟! كم سفكوا من الدماء؟! كم جرحوا؟! كم اغتصبوا؟! كم سلبوا من الأموال؟! وهبَّ المسلمون لنجدتهم، لم تكن مصيبة مثلها، لكن تمر الأيام وننسى، نسينا في حادثة أفغانستان ما قبلها من احتلال المسجد الأقصى، وقتل المسلمين في فلسطين، وحرق المسجد الأقصى.

    مصيبتنا أن الفتنة ترقق ما قبلها، وتنسينا ما قبلها، بل ما بعد أفغانستان أتذكرون يوم ذبح وقتل المسلمون في البوسنة، وذبح الناس كالشياه حتى كانوا جثثاً منتاثرة وأشلاء في الشوارع والطرقات، وسالت الدماء من الأطفال والنساء، واغتصب الفتيات على أيدي الصليبيين الحاقدين، ولكننا نسينا وسرعان ما ننسى.

    جاءت الشيشان ، وكل الدول والشعوب والجمهوريات استقلوا عن الدولة الشيوعية الماركسية الحاقدة، ولما أراد المسلمون هذا قُتلوا وسُفكت دماؤهم، واغتصبت نساؤهم، وتيتم أطفالهم وإلى اليوم يسامون الهوان، لكن:

    رب وامعتصماه انطلقت     ملء أفواه الصبايا اليتم

    لامست أسماعنا لكنها     لم تلامس نخوة المعتصم

    وبعد الشيشان هكذا ننسى الحروب واحدة بعد الأخرى، ننسى مآسينا، مأساة بعد أخرى، جاءت أفغانستان لتسام الهوان مرة أخرى فسفكت فيها الدماء، قرية بأجمعها (300) طفل وامرأة وشيخ ورجل قتلوا في لحظة واحدة، صواريخ لا تبقي ولا تذر، فإذا بها تحرق الناس في بيوتهم، وتقتلهم في منازلهم، وتحرق البيوت والمساجد على رءوس أهلها، مسلمون يصلون التراويح تنزل الصواريخ على رءوسهم فتجعلهم رماداً يباباً، لكننا سرعان ما نسينا، فتن كقطع الليل المظلم.

    وها نحن الآن نرى إخواننا المسلمين في العراق بين طفلٍ وامرأة وشيخ ينامون تحت الأرض في الخنادق ولكنه قبرهم، احترق الأطفال .. قطعت الجثث .. شوه الناس .. أحرقت المصاحف .. هدمت المساجد .. فتن يرقق بعضها بعضا، حتى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف: (يأتي يوم يكثر فيه الهرج -يعني: القتل- فلا يعرف القاتل لم قُتل، ولا يعرف المقتول لم قتل، حتى إن الرجل ليمر على القبر فيتمرغ فيه، فيقول: يا ليتني كنت مكانك) ماذا نفعل إذاً؟

    يقول عليه الصلاة والسلام في هذه الفتن: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر) .. يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187] استعد يا عبد الله! فالهرج كثير، والقتل كثير، والفتن عظيمة.

    يأتي على الناس زمان القابض فيه على دينه كالقابض على جمر، للصابر على دينه أجر خمسين من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام .. أكثر من العبادة .. أكثر من قراءة القرآن .. أكثر من الذكر .. من طلب العلم .. من الدعوة إلى الله، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم -وهو في المدينة - أن هذه الفتن ستكون من قبل المشرق.

    خروج نار من أرض الحجاز

    أيضاً من العلامات التي تدل على أن الساعة قد اقتربت: أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنها ستخرج نار عظيمة من الحجاز، فقال: (لن تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل بـبصرى ) يعني أهل الشام يرون هذه النار وهي تخرج من الحجاز عند المدينة! وهذه أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام في حياته.

    فهل هذا حصل أو أنه سيحصل؟ هل سننتظر هذا اليوم أو أنه قد أتى؟

    في القرن السابع الهجري قبل تقريباً أكثر من (700) عام خرجت هذه النار، ووقعت وكان بعض أهل العلم قد عاصر هذه الأيام، خرجت نار عند المدينة، وسبقت هذه النار زلازل، ارتجف فيها الأرض وخاف الناس: ما هذا الزلزال؟ وخرجت أصوات لا يعرف الناس ما سببها، ينظرون إلى الأرض ترجف تحتهم أياماً، قيل: سبعة أيام والأرض تتزلزل من تحتهم.

    ثم فجأة تخرج النار عندهم في الحجاز وهم في المدينة يرونها، والنار بالقرب من المدينة تخرج من الأرض، ثم ترتفع ثم تسير في الأرض كالأنهار، نار وحمم وجحيم، تخرج النار من الأرض والناس يتذكرون هذا الحديث، وعلموا أن الساعة قد اقتربت، فذهب أهل العلم إلى الأمراء والحاكم ينصحونه في الله، ويذكرونه ويأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر، وإذا بالناس يبكون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تجمع الأولاد والنساء والشيوخ والرجال في مسجد النبي عليه الصلاة والسلام حتى الأمراء والحكام، حتى الأغنياء كل الناس قد تجمعوا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بين تائب وعابد ومصلٍ وخاشع وذاكر وساجد، أرجعوا للناس مظالمهم وتحللوا من المظالم، أرجعوا للناس حقوقهم، وتابوا إلى الله جل وعلا، حتى إن أحد العلماء كتب شعراً يصف فيه حال المسلمين، يقول:

    يا كاشف الضر صفحاً عن جرائمنا     لقد أحاطت بنا يا رب بأساء

    نشكو إليك خطوباً لا نطيق لها     حملاً ونحن بها حقاً أحقاء

    زلازل تخشع الصم الصلاب لها     وكيف يقوى على الزلزال شماء

    أقام سبعاً يرج الأرض فانصدعت     عن منظر منه عين الشمس عشواء

    بحر من النار تجري فوقـه سفن     من الهضاب لها في الأرض أرساء

    كأنما فوقه الأجبال طافية     موج عليه لفرط الوهج وعثاء

    ترمي لها شرر كالقصر طائشة     كأنها دمة تنصب هطلاء

    تنشق منها قلوب الصخر إن زفرت     رعباً وترعد مثل السعف أضواء

    (لن تقوم الساعة حتى تخرج نارٌ من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل بـبصرى ) وهذا حصل -يا عبد الله!- قبل أكثر من سبعمائة عام، ماذا ستصنع الآن؟ ماذا ستفعل الآن يا عبد الله؟ أنت الآن ترى أن العلامات كثيرٌ منها قد ظهر، وكثير منها قد انقضى.

    يا عبد الله: إن كنت قد فرطت في الصلاة فاستعد من الآن، واجتهد من الآن، إن كنت قد هجرت القرآن فابدأ بتلاوته فإن الساعة قد اقتربت، إن كنت ممن لا يزال مصراً على بعض الذنوب والمعاصي فنصيحتي لله -إي وربي! أنصحك لله جل وعلا- من الآن تب منها، تذكر ذنوبك، تذكر بعض المعاصي، تذكر بعض الآثام التي تصر عليها وقل لنفسك: ماذا تنتظرين؟ وماذا ترقبين؟ هل تنتظرين أن تقوم الساعة على رأسك لتتوبي، فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [محمد:18].

    ألا ترى ما حولك من علامات الساعة يا عبد الله؟

    ضياع الأمانة

    ضياع الأمانة، (يأتي على الناس سنون خداعة) والله أنا أجزم وأنا على يقين أن هذا الزمن هو الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، كيف لا والخداع نراه حولنا في كل مكان؟! الكاذب صار صادقاً، والصادق صار كاذباً.

    انظر في الإعلام: بدأنا لا نثق في أحد من الناس، يصورون لك صوراً وهي كاذبة، وترى بأم عينيك رجلاً هو كاذب، لم يكن هذا هو الرجل، سبحان ربي! (يأتي على الناس سنون خداعة، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن).

    ألا ترى -يا عبد الله!- ما الذي يحصل اليوم؟ كل ما تراه من حولك كثير منه علامات، وأمارات، وأشراط، تدل على أن الساعة قد آذنت بالقدوم، وأن هذه الدنيا قد أوشكت على الزوال.

    وقد أخبر النبي أنه سيظهر ثلاثون مدعياً للنبوة، كلهم يزعم أنه رسول الله، وظهر منهم كثيرون.

    ارتداد بعض المسلمين عن دينهم

    هذه الأمة بعد أن دخلت في الدين أفواجاً أخبر النبي عليه الصلاة والسلام قائلاً: (إن الساعة لن تقوم حتى تلحق فئام من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام، لحق كثيرٌ من هذه الأمة، بل ومن العرب، بل ومن أهل الجزيرة العربية مهبط الوحي -بالمشركين، وانتسبوا إلى الشيوعية ، واعتنقوا الليبرالية، وإذا بهم يدعون إلى العلمانية ، لحقوا بالمشركين، بل عبد كثير منهم الأوثان وعبدوا الأصنام، وعبدوا القبور، وعبدوا الأحجار، وعبدوا الخيوط، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الذي: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

    بل حدد النبي عليه الصلاة والسلام -انظر التفصيل!- أنكم سوف تتبعون اليهود والنصارى، وتحذون حذوهم، وتقتدون بهم، قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قال الصحابة: اليهود والنصارى؟! قال: فمن؟!) يعني: من غيرهم آخر الزمان تتبعونهم، وتحذون حذوهم، وتقتدون بهم، وتتمسكون بهديهم؟! وقد حصل ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام.

    قبض العلم

    أخبر أنه سوف يأتي يوم يقبض فيه العلم، كيف يقبض العلم؟ يقبض العلم بقبض العلماء، بل سوف ينتشر الجهل بين الناس كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن من أشراط الساعة: (أن يرفع العلم ويثبت الجهل).

    وأخبر أن الأمر سوف يزداد ويدرس الإسلام كما يدرس الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا صدقة، فيصبح الناس لا يعرفون شيئاً، لا يعرفون شيئاً عن الصلاة، ولا عن الصيام، ولا عن الصدقات، قال: (ويسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى منه في الأرض آية).

    لا إله إلا الله! يا عبد الله! أدرك أمرك، يا عبد الله! تدارك الأمر، عليك بالقراءة، عليك بالمدارسة لكتاب الله جل وعلا الذي يثبت أهل الإيمان، سوف يأتي يوم يقبض فيه هذا الكتاب من الأرض، بل سوف يأتي يوم على الناس لا يعرفون حتى كلمة: (الله) بل بعضهم يقولون: لا إله إلا الله ولا يعرفون معناها، يقول: أدركنا آباءنا يقولون: لا إله إلا الله. لا يعرفون حتى معناها، وصار في الأرض اليوم بعض القبائل التي تنتسب إلى الإسلام لا تعرف من الإسلام إلا كلمة لا إله إلا الله! لا يعرفون حتى معناها، ولا شروطها، ولا مقصدها.

    يا عبد الله: ماذا تنتظر؟ يا عبد الله! ماذا ستفعل الآن وقد علمت أن العلامات التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أكثرها قد ظهر، بل إني أظن أن العلامات الصغرى كلها قد ظهرت، وربما البقية الباقية النادرة لن تظهر إلا مع الكبرى، والعلم عند الله جل وعلا، هل تطمع بعد هذا في الحياة؟

    إن كنت تطمع في الحياة فهات     كم من أب صار في الأموات

    ما أقرب الشيء الجديد من البلى     يوماً وأسرع كل ما هو آت

    الليل يعمل والنهار ونحن عن     ما يعملان بأغفل الغفلات

    يا ذا الذي اتخذ الزمـان مطيةً     وخطى الزمان كثيرة العثرات

    ما ذا تقول وليس عندك حجة     لو قد أتاك منغص اللذات

    كثرة الشُرط الذين يخدمون الظالمين

    سوف يأتي على الناس زمان تكثر فيه الشُرط، العساكر الذين يخدمون الظالمين، جيوش وشُرط وعساكر يكونون أعواناً للطغاة وللظالمين، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن معهم سياطاً كأذناب البقر، وهذا قد وقع قبل قرون، وأخبر العلماء أنه جاء شُرط أعوان للظالمين والطغاة وكان معهم سياط يضربون بها الناس، قال عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر الزمان شرطة يغدون في غضب الله، ويروحون في سخط الله) فإياك أن تكون من بطانتهم!

    هؤلاء صنف منهم يمسكون هذه الأسواط، ولكن ربما اليوم أعوان الظالمين والطغاة يحملون السلاح، ويركبون المدرعات، وربما عندهم بعض الدروع، والعصي، وعندهم ما يكهرب الناس، والأسلحة، وعندهم القنابل المسيلة للدموع، وعندهم وعندهم... لكن إياك أن تكون من بطانتهم إن كانوا من الظالمين، إن كانوا مع الطغاة يا عبد الله! (صنفان من أهل الناس لم أرهما: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها عباد الله).

    انتشار الزنا

    من علامات الساعة التي وقعت -وخاصةً إن وقعت في بلاد المسلمين فاعلم أن الأمر قد اقترب- انتشار الزنا، هل يوجد اليوم في بلاد المسلمين زنا؟ هل انتشر الزنا؟

    أنا أخبرك من على هذا المنبر أن الزنا في بعض بلاد المسلمين يصرح له بالأوراق الرسمية، مصرح له بالقانون، فلانة وظيفتها: زانية .. مومس .. عاهرة .. وبيوت يمنع الناس عنها فالقانون يحميها، وهي بيوت خصصت للزنا.

    بل الربا انتشر في كل مكان، ليس فقط الربا، فالذي لم يأكل الربا حقيقة أصابه من غباره، بل يأتي على الناس زمان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام لا يبالي المرء من أين أخذ المال: أمن حلال أم من حرام. فتجده يقول: يا شيخ! كل الناس يأكلون الربا، فهل أتركه أنا فقط، كل الناس مثلي، وبدأ الربا ينتشر في أفضل البلاد، وانتشر الربا، بل علا بنيانهم في السماء يحاربون به دين الله عز وجل.

    وانتشار الزنا يقول النبي عليه الصلاة والسلام عنه: (خيارهم يومئذٍ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط) يعني: يفترشها في الطريق، ويزني بها أمام الناس، وأفضل الناس من يقول له: اختبئ بها وراء هذا الحائط .. لا تزن بها أمام الناس، مع أن الرب جل وعلا يقول: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]، بل يروى في الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (لتؤخذن المرأة فليبقرن بطنها -اسمع للحديث وانتبه- قال: فليبقرن بطنها -يعني: بطنها يشق- ثم ليؤخذن ما في الرحم فلينبذن ... ) أي: يخرج الجنين ويرمى من بطنها، لماذا؟ (... مخافة الولد) تجهض المرأة إجهاضاً، يشق البطن سواءً من قبل الرحم أو غيره ثم يخرج الولد فيرمى، أي: سيأتي اليوم الذي تجهض فيه المرأة طفلها وابنها وولدها وتلقيه وترميه وربما تقتله وتدفنه، لمه؟ قال: (مخافة الولد) إنا لله وإنا إليه راجعون!!

    ظهور المعازف والقينات وشرب الخمور

    هل سمعت في بلاد المسلمين أغاني ومعازف وموسيقى؟ أنا أقول: بدأنا نسمع هذا حتى في المساجد، وأصبحت الهواتف المحمولة اليوم تدخل الموسيقى والمعازف حتى في الحرم.

    هل سمعت في بلاد المسلمين بمغنيات؟

    إذا سمعت بهذا فانتظر الساعة، أنا أقول: إن المغنيات وصلن إلى كل بيت اليوم إلا ما ندر، بشاشات التلفاز وصلن إلى جميع البيوت، إلى غرف النوم، على صفحات الجرائد والمجلات وفي الطرقات، بل صارت الأموال والكرامة والشرف والعز والرفعة للمغنيات الساقطات، يقول عليه الصلاة والسلام: (سيكون في آخر الزمان -يعني: آخر شيء قبل أن تقوم الساعة- خسف وقذف ومسخ، قالوا: متى يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقينات) إنا لله وإنا إله راجعون.

    هل شُرب الخمر في بلاد المسلمين؟ فكر وابحث فيمن حولك، ليس الخمر فقط، بل الآن المخدرات تنتشر حتى في جزيرة العرب ، هذه الأمور يا عبد الله! اعلم أنها من الخبث الذي يؤذن بزوال الأرض ونهايتها، وإهلاك الناس ولو كان فيهم الصالحون.

    الساعة قد اقتربت فماذا أنت صانع؟ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً [المعارج:6-7] الله يقول: الساعة قريبة، والناس يظنونها بعيدة، هل فكرت؟ هل استعد الواحد منا؟ هل تجهز لهذا اليوم؟ يا أخي كلما قرأت لك علامة من علامات آخر الزمان نجدها وقعت، ولأستمر معك إذا كنت لم تقتنع أن الساعة قد أوشكت، وأننا ربما نرى نهاية الدنيا ونهاية التاريخ فاسمع ما سأقول لك.

    التباهي بزخرفة المساجد وتطاول الناس في البنيان

    حتى المساجد لم تسلم، الناس بدءوا يزخرفون المساجد، ويباهي بعضهم بعضاً بها، وكل منهم يجمل مسجده بالزخرفة والألوان والبنيان، (لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد) وصدق النبي عليه الصلاة والسلام.

    تطاول الناس في البنيان وزخرفوه، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يشبهونها بالمراحل) وتأتي بعض الروايات لتوضح معاني بعض الأحاديث: أنها تكون كالثياب المنقوشة، ألا ترى البيوت؟ إي والله كألوان الثياب صفراء وحمراء وخضراء وزرقاء، بل صارت البيوت الآن جميلة وزخرفتها بديعة، كل هذا علامةٌ من علامات الساعة.

    تطاول الناس في البنيان

    تطاول الناس في البنيان وزخرفوا البنيان، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتاً يشبهونها بالمراحل) وتأتي بعض الروايات توضح معاني بعض الأحاديث: أنها تكون كالثياب المنقوشة، ألا ترى البيوت؟ إي والله كألوان الثياب صفراء وحمراء وخضراء وزرقاء، بل صارت البيوت الآن جميلة وزخرفتها بديعة، كل هذا علامةٌ من علامات الساعة.

    كثرة الهرج .. وتقارب الزمان

    كثرة الهرج، أي: القتل، ألا ترى اليوم هذه الأسلحة التي ألقيت على المسلمين في كل مكان، أسلحة فتاكة، بدقائق معدودة تقتل مئات الألوف من البشر، هذا كله -يا عبد الله!- علامةٌ على نهاية التاريخ، وعلى زوال هذه الدنيا.

    ألا ترى ما الذي يحصل، السنة كأنها شهر، ألا تذكر العام الماضي؟ من العام الماضي إلى اليوم كأنه شهر واحد، سبحان ربي! كم مضى من رمضان إلى اليوم؟ كأنه بالأمس، ما الذي يحصل؟ يبدأ الشهر فينتهي كأنه أسبوع، اليوم أنت لا تستيقظ في الصباح إلا ويحل عليك الليل وينتهي اليوم، ما الذي يحدث؟ إنها نهاية الدنيا، (يتقارب الزمان فتصبح السنة كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كيوم، واليوم كساعة، والساعة كحرق السعفة) فاستعد يا عبد الله!

    تقارب الأسواق .. وعلامات أخرى

    ومن علاماتها قبل أن تقوم الساعة: تتقارب الأسواق، اليوم تستطيع وأنت في بيتك من خلال جهاز الكمبيوتر أن تشتري وتبيع في العالم كله فقد صار العالم كأنه سوق واحد.

    الفحش، والقطيعة، وعقوق الوالدين، وسوء الجوار، كل هذا من علامات الساعة.

    أن يتشبب المشيخة، الشيوخ وكبار السن، كل منهم الآن يريد أن يرجع إلى الصبا، يريد أن يرجع إلى الشباب، وحمى الرجوع إلى الشباب انتشرت بين الرجال والشيوخ وكبار السن، بل صار الناس يبحثون عن صبغ اللحى بالسواد، بل حلقوا اللحى وصارت اللحية كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (كحواصل الحمام) وهذا في آخر الزمان يكون، ما معنى: حواصل الحمام؟ هذه اللحية البسيطة التي تكون تحت الفم، يحلق العارضان ولا يبقى إلا شيء يسير تحت الشفتين، هذا الذي أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام قد وقع.

    ذهاب الخشوع .. وكثرة موت الفجأة

    (يذهب الخشوع آخر الزمان، ويكثر موت الفجأة) أتسمع بموت الفجأة؟ فلان وهو جالس مات، فلان وهو يلعب سقط ومات، فلان فحصه الطبيب فقال: أنت سليم (100%) ذهب إلى بيته فمات، سبحان ربي! الموت كثر، موت الفجأة قد انتشر، صار الناس يموتون بلا سبب، احتار الأطباء، يقولون: لماذا؟ وكيف مات؟ لا ندري له سبباً، لا نعرف كيف مات، ما الذي يجري؟ ما الذي يحدث؟ عبد الله! انتبه حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100] كثر الموت وقل التائبون، وقل النادمون، كن -يا عبد الله!- مستعداً، فإننا نعيش في زمان يموت فيه الناس بلا سبب وبلا مقدمات.

    كثرة الزلازل

    من علامات قرب الساعة ونهاية الدنيا: كثرة الزلازل.

    والحاصل أن الزلازل تكثر، وما نراه اليوم ونسمعه من زلزال كل فترة وكل زمن، هذا كله علامات على قرب الساعة، بل سيقع بين يدي الساعة مسخٌ وقذفٌ وخسفٌ، وقد قال أهل العلم: إن هذا قد وقع في كثير من البلاد، خسف في الأرض، وربما القذف ما نراه اليوم، وربما يكون المسخ معنوياً أو حقيقياً.

    قبض العلماء والصالحين

    ثم اعلم يا عبد الله! أنه كلما اقتربت الساعة قبض الله عز وجل الصالحين: يقبض الله العلماء، ويقبض الله الدعاة، ويقبض الله الصالحين، حتى تبقى حثالة، وتبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، بل يصبح الرويبضة يتكلم في الناس، ويقودهم ويسير أمورهم، (قالوا: ومن الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة) رجل تافه، رجل سفيه يقود الناس ويتكلم في أمورهم وفي شئونهم.

    يأتي على الناس زمان لا يسلم إلا على من يعرف، أما الذين لا يعرفهم فلا يسلم عليهم، فاحرص -يا عبد الله!- أن تسلم على من عرفت ومن لم تعرف.

    ظهور الكاسيات العاريات

    أن يظهر في الناس الكاسيات العاريات، فهل هذا وقع؟ هل ظهرت في بلادٍ إسلامية متبرجات؟ هل خرجت النساء كاسيات عاريات، رءوسهن كأسنمة البخت؟ فكر في هذا يا عبد الله! وكن صادقاً مع نفسك، واعلم أن الله جل وعلا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام ببعض هذه العلامات لينتبه الناس، وليحذروا من هذه الأمور، بل أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أنه سيكون في آخر الزمان، يعني: في آخر أمته: (رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال) أي: يركبون على دواب تشبه دوابنا لكن ليست مثل دوابنا، ليست إبلاً، أو خيولاً، أو بغالاً، هم يركبون لكن على رحال تشبه رحالنا، على المياثر، يعني: يركبون على أشياء كأنها منازل، كأنها بيوت، ألا يوحي لك هذا بشيء يا عبد الله؟

    وأخبر النبي أنه (لتتركن القلاص) في آخر الزمان هذه الإبل والدواب يتركها الناس، طبعاً يتركونها لأي شيء يا عبد الله؟

    قال: (وينـزلون -هؤلاء الرجال- على أبواب المساجد -أي: يدخلون المسجد- قال: نساؤهم كاسيات عاريات).

    عبد الله: انتبه فنحن في آخر الزمان.

    عبد الله: تجهز فنحن نوشك أن نرى قيام الساعة.

    عبد الله: استعد وتب إلى الله جل وعلا. (لا تكاد رؤيا المؤمن في آخر الزمان تكذب) رؤيا المؤمن في آخر الزمان تصدق، وبين يدي الساعة ظهور القلم، كل الناس يكتبون، بل الطباعة قد انتشرت، والناس تكتب، الشيء الآن في بلدك وينتشر في الأرض جميعاً.

    كثرة النساء وقلة الرجال

    وفي آخر الزمان تكثر النساء ويقل الرجال، وذلك بسبب الحروب كما قالوا، وبسبب القتل وسفك الدماء وقتل الرجال، فيكثر النساء حتى يبقى للخمسين امرأة القيم الواحد.

    وهذا حذيفة رضي الله عنه كان بظهر الكوفة، وكان يمشي في ومعه رجل، فالتفت إلى جانب الفرات، وقد كان بجواره، فقال لصاحبه: [كيف أنتم يوم تراهم يخرجون منها؟ -أي: أهل العراق يخرجون من العراق أو يخرجون منها، ويجبرون على الخروج منها- لا يذوقون منها قطرة -لا يستطيعون حتى الشرب من هذه الماء- قال الرجل: وتظن ذلك يا أبا عبد الله ؟ -تظن هذا سيحصل؟- قال: ما أظنه لكنني أعلمه] أي: سوف يأتي هذا اليوم، وسوف تحاصر هذه البلاد، بل سوف تقذف من السماء. فقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام عن مدينة تسمى البصرة وما أدرى النبي صلى الله عليه وسلم عن البصرة ؟ أخبر أنه سيكون في آخر الزمان فيها خسف وقذف، وسوف ترمى من السماء، بأي شيء ستقذف؟ العلم عند الله، ولا أظنك -يا عبد الله!- غافلاً عما يحصل، تقول لي بعد هذا: لم الناس لا ينتبهون؟ لم الناس لا يستعدون؟ أقول لك: غفلة وأية غفلة، اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:1-2].

    انحسار نهر الفرات عن جبل من ذهب

    سمعت في الأخبار ورأيت برنامجاً أن الناس في نهر الفرات بدءوا يبحثون عن الذهب، وبدءوا يجدون فيه ذهباً كثيراً، ينتشر الذهب في نهر الفرات اليوم، وأنا أحدثك في هذه الساعة -ونحن الآن في عام 1424هـ- بأن الناس بدءوا يجدون ذهباً في نهر الفرات، وقرأنا تقارير كثيرة أن الفرات بدأ يتناقص، وبدأ يقل، فاسمع الحديث الصحيح: يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب).

    لا إله إلا الله! عبد الله! انتبه فنحن ربما نرى علامات الساعة الكبرى، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر أصحابه من رؤية الدجال، وقال: إذا رأيتم الدجال فافعلوا كذا وكذا، ماذا نقول نحن اليوم بعد أكثر من ألف وأربعمائة عام؟

    عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً

    ستعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً، وسوف يخرج في هذه الجزيرة كنـز، ولا أظن العالم اليوم إلا يتصارع على كنـزنا وخيراتنا، قال عليه الصلاة والسلام: (أعطيت مفاتيح خزائن الأرض) ما الذي كان في أرض المدينة ؟ ما الذي كان يتكلم عنه النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض العربية، وفي هذه الجزيرة المباركة، في مهبط الوحي؟ ماذا كان يقصد النبي صلى الله عليه وسلم؟ مما خزن في الأرض وفي باطنها.

    عبد الله: أظنك الآن تعلم وقد رأيت هذا بأم عينيك، العالم كله يتقاتل على خزائن أرضنا، وعلى كنوزنا، يقول عليه الصلاة والسلام: (لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً).

    أخي الكريم: اسمع هذا الحديث، وقبل أن أذكر لك هذا الحديث، هل رأيت في مكة المكرمة بعض الأنفاق؟ هل رأيت في مكة أنفاقاً حفرت؟ بل هل رأيت في مكة عمارات شاهقة، وبنياناً عالياً حتى بدأ يعلو رءوس الجبال؟ هل رأيت هذا؟

    إن حصل فاعلم أن الساعة قد أوشكت، اسمع الحديث: حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، ولا أظنه يذكره إلا أنه سمعه من النبي عليه الصلاة والسلام يقول لأحد أصحابه: (إذا رأيت مكة قد بعجت كظائم -يعني: حفرت فيها قنوات، وما أدرى عبد الله بن عمرو بهذا؟- قال: ورأيت البناء يعلو رءوس الجبال فاعلم أن الأمر قد أظلك) أي: اعلم أن الساعة قد اقتربت، يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187].

    ظهور المعادن المختلفة

    عبد الله: سوف تخرج معادن مختلفة، معدن منها قريب من الحجاز : (قريب من أرض الحجاز أرض يخرج منها معدن) ربما يكون ذهباً، وربما يكون غيره، قال: (يأتيه من شرار الناس يقال له: فرعون -رجل يكون على هذه الأرض يسمى فرعون- قال: فإذا هم يعملون فيه إذ حسر عن الذهب، فأعجبهم معتمله إذ خسف به وبهم) إذا سمعت بهذا فاعلم أن الساعة لم يبق عليها شيء، وأننا على أبواب علامات الساعة الكبرى.

    أخي الكريم: أخي المستمع! أنا أقول لك هذا الكلام لتتشبث بدينك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول آخر الزمان: (فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر) قال: (ليخرجن الدجال عاث فيكم يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا! القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ، لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة وكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم بما أنزل الله، وآخرهن نقضاً الصلاة) لأن الصلاة إذا تركت لم يبق من دين الناس شيء.

    إذاً: ماذا ننتظر؟ وكما ذكرت لك -يا عبد الله!- لم يبق من العلامات الصغرى إلا النادر، وهذا النادر ربما لن يكون إلا مع العلامات الكبرى، كهدم الكعبة، وكخروج الريح، وكغيرها من العلامات، فربما لن تكون هذه إلا مع العلامات الكبرى، بل نجزم بهذا.

    كثرة الحروب والملاحم

    سوف تكون هناك حروب وملاحم، وقتال شديد، ويكثر الروم، ويتقاتل المسلمون معهم، ثم يغدرون، وبعد أن يغدروا تكون هناك فتن وملاحم بين المسلمين وبين النصارى الصليبيين الحاقدين، وينتشر فيها الجهاد في سبيل الله.

    وسوف يكون كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: أنه يكون هناك اختلاف عند موت حاكم من الحكام، خليفة من الخلفاء يموت، فيحصل بين الناس اختلاف وتناحر ونزاع، فيخرج رجلٌ من أهل المدينة هارباً إلى مكة ، انتبه وضع عينيك على هذا الرجل وتتبع أخباره، قال: (فيأتيه ناسٌ من أهل مكة ، فيخرجونه وهو كاره -يدفعونه دفعاً، الناس يعرفونه: أهل العلم .. الدعاة .. الصالحون .. أهل الدين .. يعرفون أن هذا الرجل هو المقصود وهو المعني، وهو الذي سيبدأ به الرب جل وعلا علامات الساعة الكبرى- فيخرجونه وهو كاره) أي يدفعونه للبيعة: قم يا رجل .. قم بايع الأمة .. الأمة تحتاج إلى القائد .. الأمة تحتاج إلى من يقودها للجهاد في سبيل الله .. النصارى يقتلون .. اليهود يسفكون .. قم يا رجل .. والمسلمون مختلفون على الكنوز وعلى الثروات، وعلى الأموال، قال: (فيبايعونه بين الركن والمقام، ثم يبعث إليه بعث من الشام -جيش يخرج إليه ليقاتله- فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة ).

    إذا سمعت بجيش خسف به بين مكة والمدينة، ورجل يبايع الناس عند الكعبة فأسرع يا عبد الله! قال عليه الصلاة والسلام: (فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه، ويأتي من قبل المشرق قوم معهم رايات سود، يخرجون ليقاتلون في سبيل الله) يخرج إليه أهل مصر وأهل الشام وأهل العراق وأهل اليمن ، والمسلمون المجاهدون المخلصون الصادقون، يخرجون من الدنيا بأجمعها، كلهم يلبون: لبيك اللهم لبيك، يخرجون يريدون الجهاد في سبيل الله، وبهذا تبدأ علامات الساعة الكبرى.

    1.   

    علامات الساعة الكبرى

    أيها الإخوة الكرام: ذكرنا فيما تقدم بعضاً من علامات الساعة الصغرى وشيئاً من أشراطها، وذكرنا أن هذا كله دليلٌ على أن العالم سينتهي، وأن الساعة ستقوم، أما وقتها فالعلم فيه عند الله جل وعلا، لا يجليها لوقتها إلى هو، يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].

    وذكرنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الساعة قريبة، ودللنا بعلامات كثيرة وقعت، وتركنا بعضها اختصاراً للوقت، وهذا العلامات التي ذكرناها هي العلامات الصغرى، أما الكبرى فلم يقع منها شيء حتى الآن، فإذا بدأت العلامة الأولى من العلامات الكبرى توالت ما بعدها، كالمسبحة إذا انقطعت توالت خرزاتها، وقد تأتي بعض العلامات الكبرى فينقطع باب التوبة، وتنتهي التوبة إلى الله جل وعلا، ولا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].

    يا عباد الله: انتبهوا، واستعدوا، فإنا لم نذكر هذه العلامات من باب العبث أو زيادة المعلومات، أو ذكر بعض الأمور من باب التسلية أو غيرها، لكننا ذكرنا هذه الأمور ليستعد العبد، فإن الناس في غفلة، وكلما ازداد ومر الزمان فإن الغفلة تزداد، وإن الجهل يكثر، والعلم يقل، حتى يأتي على الناس زمان -كما ذكرنا لكم- يرفع فيه القرآن، وترفع فيه المصاحف، ولا يقرأ في الأرض القرآن ولا تجد حتى آيةً تقرؤها، بل يأتي على الناس زمان لا يقال في الأرض: الله الله .. إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس:7-8] فمن رضي بهذه الدنيا ولم يستعد للقاء الله عز وجل، فهو -والعياذ بالله- من الغافلين الذين توعدهم الرب جل وعلا بالنار.

    نحن الآن ما زلنا نعيش في علامات الساعة الصغرى التي كلما مر زمان اقتربنا فيه من اليوم الآخر، وهذه العلامات التي ظهرت دليلٌ على خراب هذا العالم، مثل الميت الذي يحتضر، تمر به علامات، ربما يصاب ببعض الأمراض، ربما تتوقف بعض أجهزته، ربما تتغير بعض قوانين جسمه، ربما تختل بعض أعضائه، هذا أكبر دليل على أن هذا الرجل بدأ يحتضر، وهكذا العالم بدأ يحتضر، والدنيا قد آذنت بالزوال، والعالم سوف يخرب، والتاريخ سوف ينتهي.

    وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه العلامات ليستعد العبد، وليتجهز للقاء الله عز وجل، قال الرب جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    سوف تكون هناك حروب قبل بداية العلامات الكبرى، وهذه نهاية الدنيا حقيقةً، قبل أن تظهر العلامات الكبرى سوف تكون هناك حروب وفتن ملاحم، ملاحم كبرى، وسوف يكون بين المؤمنين -أولاً- وبين النصارى بني الأصفر معاهدة وهدنة، فيقاتلون مع النصارى الروم عدواً من ورائهم، ولم يسم النبي عليه الصلاة والسلام من هذا العدو، هل سيكون هذا العدو هم الشيوعيون، هم الهندوس، هم الصينيون، هم الملحدون، الله أعلم من العدو الذي سنقاتله مع الروم، ثم بعد أن ينهزم هذا العدو يغدر النصارى، وهذه عادتهم، وهذه طريقتهم، فإذا غدروا يكون بين المسلمين وبين النصارى مقتلة، وملحمةٌ كبيرة، يأتي النصارى بجيش يقرب من المليون، جيش يقول عليه الصلاة والسلام: (يأتونكم تحت ثمانين غاية) أي: راية، ربما تكون ثمانين دولة أو ثمانين سرية، الله أعلم، قال: (تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً) ولو حسبتهم سوف يكون ما يقارب المليون.

    إذاً: نهاية العالم قتال في سبيل الله، وجهادٌ لنصرة الإسلام والدين (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سيبل الله) فأولئك الذين يزعمون أن الجهاد قد انتهى، وأن الإسلام ليس فيه جهاد، وأن القتال والجهاد هذا مما مضى عليه الدهر وعفا، وأننا الآن يجب أن نعيش بسلام مع الحضارات ومع الأديان كلها، نقول لهم: هم مساكين، هم يخالفون سنن الله الكونية والشرعية، وهم ربما ما قرءوا هذه الأحاديث، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من لم يغز أو لم يحدث نفسه بالغزو فقد مات على شعبة من نفاق).

    ظهور المهدي

    فيبدأ القتال، وتبدأ المعركة وفي هذه الأزمنة وفي ذلك الوقت يظهر رجلٌ اسمه كاسم النبي عليه الصلاة والسلام، واسم أبيه كاسم أبي النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: اسمه محمد بن عبد الله، وهذا الرجل من نسل الحسن بن فاطمة يعني: ابن علي فهو حسني فاطمي علوي من آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام، وليس كل من ادعى أنه المهدي في هذا الزمن نصدقه ونتبعه، لا. بل له علامات، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: (يخرج في زمن ملئ ظلماً وجوراً) ظلم ينتشر في الأرض.

    أسألكم بالله يا من تسمعوني الآن: هل الأرض اليوم ملئت عدلاً وقسطاً، أو ملئت ظلماً وجوراً؟ والله! ربما يكون هذا الزمن، والعلم عند الله جل وعلا، وربما -والعلم عند الله- يكون الدجال الآن موجوداً، وربما يكون المهدي مولوداً، ربما هذه الأمور مجهزة، لا تقل: يا شيخ! أنت تبالغ، أنا أقول لك: كان النبي عليه الصلاة والسلام يشك أن ابن صياد هو الدجال في زمنه، وقد أخبر الصحابة: (إن يعش -يعني: إن يخرج الدجال- وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم) يعني: ربما يخرج الدجال وأنا حي.

    إذاً: ماذا نقول اليوم؟ ربما تكون علامات الساعة الكبرى الآن ليس بيننا وبينها إلا قاب قوسين أو أدنى، والعلم عند الله عز وجل وحده.

    يخرج هذا الرجل المهدي ويبدأ الناس يبايعونه، وكما ذكرت لكم يخرج على إثر موت خليفة، ويختلف على الحكم وعلى الملك ثلاثة كلهم أبناء خليفة، ويبدأ الناس يختلفون، فيخرج هذا الرجل وهو المهدي، (لا تقوم الساعة حتى يملك رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً) وهذا الرجل أجلى، يعني: ينحسر شعره عن مقدم رأسه، هذا شكله إذا أردت أن تعرف المهدي، وأقنى يعني: احدودب أنفه.

    يعيش هذا الرجل في الأرض سبع سنين أو ثمانياً، ويكثر في عهده الخير، ويتوافد الناس إليه.

    المسلمون في العالم الآن يبحثون عن الجهاد في سبيل الله، ويتمنون القتال في سبيل الله، لكن ينتظرون قائداً يقودهم، نحن لا نقول: ننتظر المهدي، ولكن نقول: في زمن المهدي الناس يقدمون من الأرض كلها يريدون الجهاد في سبيل الله، فيتوافدون إليه يبايعونه على القتال، فهو الرجل الذي يقود الناس، ويقاتل النصارى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (في آخر الزمان تقاتلون الروم قتالاً شديداً يوم لا يقسم ميراث، ولا يفرح بغنيمة) .. (ويجتمع الروم في الشام -يجمع النصارى جيشهم في الشام ليقاتلوا أهل الإسلام- يقول: وتكون عند ذلك القتال ردة شديدة) يعني: الناس يكونون في ذلك اليوم فسطاطين، إما فسطاط إيمان لا نفاق فيه، أو فسطاط نفاق لا إيمان فيه، يعني: حتى النبي صلى الله عليه وسلم سمى تلك الفتنة: (الدهيماء، لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقضت تمادت) يعني: الناس تقول: انتهت الحروب، وانتهت الفتنة، وكلما قالوا هذا ازدادت الفتنة، واشتد القتال، نسأل الله العافية.

    في ذلك الزمان يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، في ذلك اليوم لا يتخلف عن الجهاد إلا معذور، يعني: أعمى أو أعرج أو مريض أو غيره، أو يكون من أهل النفاق والعياذ بالله.

    والمسلمون يقاتلون حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام: (فيشترط المسلمون شرطة للموت لا ترجع إلا غالبة، فيقتتلون حتى يحجز بينهم الليل -يعني: بين المسلمين والروم النصارى- وهؤلاء كل غير غالب -يعني: يصير قتال شديد وما أحد يغلب، ثم مرة ثانية، ثم مرة ثالثة ثم هكذا كلما يصير قتالاً شديداً- يقول: حتى إذا كان اليوم الرابع نهد إليهم بقية أهل الإسلام -يعني: أهل الإسلام ينهدون كل ما عندهم ويخرجونه- يقول: فيجعل الله الدبرة عليهم) يعني: يهزم أهل الروم النصارى، ويتقدم المسلمون، وربما يكون في ذلك الزمان فتح القسطنطينية - اسطنبول - مرة ثانية.

    ثم يتقدم أهل الإسلام ويدخلون أوروبا -الله أكبر!- وتتقدم وتتقدم حتى يصلون إلى إيطاليا، أتعرفون ما إيطاليا ؟ هي مقر الفاتيكان، أي: مقر النصارى، علماؤهم وأحبارهم ورهبانهم ورؤساؤهم في إيطاليا روما، فيفتحها المسلمون، الله أكبر! إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].

    يتقدم المسلمون، ويدخلون أوروبا، في ذلك الوقت يخاف الشيطان؛ لأن أوروبا كلها تفتح، ويدخل الناس في دين الله فيصرخ فيهم: إن المسيح الدجال قد خلفكم في أهليكم.

    تخيل المنظر! المقاتلون خرجوا للجهاد في سبيل الله، تركوا من؟ تركوا نساءهم، وأطفالهم، وأهاليهم، والضعفاء والمساكين هم الذي بقوا في بلادهم، والشيطان يصرخ أن الدجال قد خرج، خرج الدجال وزوجتك في بيتها، أولادك لوحدهم، أطفالك هم الذين بقوا.

    وطبعاً الآن سرايا المسلمين وطلائعهم توقفت، فقد خرج الدجال، والآن وقت ذهاب كل شخص إلى بيته، فهذه أعظم فتنة على وجه الأرض، وهي الفتنة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع بها فلينأ عنها) أي: يهرب.

    ففي هذا الوقت كل شخص خائف على أهله وأولاده وبيته، فيرسل المسلمون طليعة تتأكد من الخبر، هل صحيح أن الدجال خرج أو لم يخرج، فيبعثون عشرة فوارس طليعة ليتأكدوا من الخبر، يقول عليه الصلاة والسلام: (إني لأعرف أسماءهم، وأسماء آبائهم، وألوان خيولهم، هم خير فوارس على ظهر الأرض يومئذٍ) الله أكبر! هم خير الناس في ذلك الزمان، والشيطان ذكر هذا ليوقف الجهاد، ويوقف الفتوحات.

    ظهور المسيح الدجال

    فيرجع المسلمون إلى الشام ويتأكدون من الخبر، فإذا بالدجال يخرج في ذلك الزمان، يخرج من غضبة يغضبها. كيف تفتح البلاد؟! وكيف يقبل الناس على الدين؟! وكيف ينتشر الجهاد في سبيل الله؟! فيغضب الدجال غضبةً فيخرج والعياذ بالله، أعظم فتنة على وجه الأرض، إنه من؟ إنه الدجال نسأل الله أن يعيذنا وإياكم منه، من الذي سيثبت؟ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27].

    إنه من ابن آدم، يدعي أولاً النبوة، ثم تظهر على يديه كرامات ثم ينتشر صيته في الأرض، ثم يدعي أنه هو الرب والعياذ بالله، رجلٌ قصير أفحج، متباعد الفخذين، جعد كثير الشعر، أعور وإن ربكم ليس بأعور، لا ولد له، ولا ذرية له، رجل جسيم أجلى الجبهة، أي: واسع الجبهة، عريض النحر، يخرج من بلدة تسمى: أصبهان، يخرج معه سبعون ألفاً من اليهود، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه نحو المشرق) لما جاءه تميم الداري، وأخبر أنه رآه في جزيرة من الجزر، قال النبي صلى الله عليه وسلم أولاً: (إنه من قبل اليمن ، ثم قال: لا. إنه من قبل الشام، ثم قال: لا. ثم قال: ألا إنه نحو المشرق، إلا إنه في بحر العراق) وأنا أسألك: أين يقع بحر العراق؟ العراق المقصود به: مشرق المدينة ، وأي بحرٍ يكون في مشرق المدينة.

    أتعرف متى يخرج الدجال؟

    يخرج الدجال والناس في ذهول عن ذكره، الناس ليسوا في خبر الدجال، ولا يتذاكرون الدجال، ونسوا قضية الدجال وفتنة الدجال، حتى يترك ذكره على المنابر -نسأل الله العافية- وذلك في الفتنة التي ذكرناها، فتنة الدهيماء والناس في فسطاطين: فسطاط إيمان وفسطاط نفاق، والجهاد قائم، والناس يقاتلون في سبيل الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم: (فانتظروا الدجال من يومه أو من غده) نسأل الله أن يعافينا وإياكم.

    تظنون الدجال قضية سهلة؟ النبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة: (من سمع به فلينأ عنه) ليهرب من الدجال، ولا يواجهه، ولا يزعم أنه قوي الإيمان، وأن عنده علماً، وأنه يعرف أن هذه فتنة، فإنه لن يستطيع عليه.

    إن سمعت به في بلد فخذ أهلك وخذ أولادك واهرب إلى أي بلد تريد، اهرب من الدجال، والمصيبة الكبرى: (أنه يسير في الأرض كلها بأربعين يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كأسبوع، وسائر أيامه كأيامكم، ولا يدع أرضاً في الأرض إلا وطئها، إلا مكة والمدينة ) وقيل: وجاء في الحديث: (والمسجد الأقصى ومسجد الطور ) لا يستطيع أن يدخلها، يسير في الأرض معه فتن لا يعلم بها إلا الله عز وجل، من خوف الناس في ذلك الزمان وخوف أهل الإيمان يفرون من الدجال إلى الجبال، فاهرب يا عبد الله! إلى الجبال، وادخل في شعابها، وخذ أهلك.

    الناس في ذلك الزمان الرجل يربط أهله .. امرأته .. زوجته، يربط نساءه في سارية في بيته يخاف أن يتبَّع أهله الدجال -نسأل الله أن يعافينا وإياكم- تقول أم شريك : (يا رسول الله! فأين العرب يومئذٍ؟ -أين المقاتلون؟ أين المجاهدون؟ أين أهل الإيمان؟- يقول عليه الصلاة والسلام: هم يومئذٍ قليل) نسأل الله أن يعافينا وإياكم، نسأل الله ألا يفتنا بفتنة الدجال.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع به في أرض فلينأ عنه) لكن لو قدر الله وواجهني الدجال، لو رأيته، لو هربت منه وإذا بي أجده أمامي، ماذا أصنع؟ وماذا أفعل؟

    اثبت يا عبد الله! واسمع هذا الحديث: (الدجال خارج فيكم) وهو أول ما يظهر أمره في طريق بين الشام والعراق وينتشر صيته، وربما تسمع في الأخبار، وتتناقل الصحف، وربما تنتشر الأخبار بين الناس: الدجال خرج .. الدجال خرج، لكن لو واجهته، قال عليه الصلاة والسلام: (فعاثٍ يميناً، وعاثٍ شمالاً، يا عباد الله! فاثبتوا) اثبت على الإيمان، والله عز وجل تعرف صفاته يا عبد الله! والدجال أعور، فعلم أولادك من الآن، وأخبرهم صفات الدجال، وأخبرهم أنه سوف يظهر، وليس هناك فتنة في الأرض كفتنته، فإذا واجهته فاستعذ بالله من الشيطان، ثم ابدأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ [الكهف:1-2] اقرأ أنت وأولادك وأهلك سورة الكهف: اقرأ أوائلها، واقرأ أواخرها، واستشعر الآيات وأنت تقرؤها فإن الله سيعصمك منه يا عبد الله!

    ثم اعلم أن الدجال عنده فتن، لا تقل: سوف أذهب له وأتصدى، يا عبد الله! عنده فتن عظيمة، وانظر إلى بعض فتنه:

    من فتنه والعياذ بالله: أن من آمنوا به رزقوا بالخيرات والثمار وأمطرت السماء، فهذه فتنة، ومن كفر به أجدبت أرضهم، وأمسكت السماء، وأصيبوا بالفقر والجوع والعطش، وطبعاً الناس تتداول هذه الأخبار، فتجدهم يقولون: من آمن بالدجال رزق بالخيرات، ومن كفر به حرم من هذه الخيرات، اليوم فتنة الناس ما هي؟ فتنة الناس بالدنيا، يريدون فقط الخيرات والأموال والثمرات، لا يفكرون بالإيمان بالله عز وجل أو بغيره، فكيف بأيام الدجال؟!! نسأل الله العافية.

    وعنده فتنة أخرى: عنده جنة ونار، ناره جنة وجنته نار، والآن أنت تسمع كلاماً، وربما تقول: أنا أعرف إن شاء الله أن جنته نار وناره جنة، لكن لو رأيت أمام عينيك النار بيده، نهرٌ من نار ماذا ستفعل يا عبد الله؟! نار تلتهب، جحيم يا عبد الله! من كفر به ألقاه في النار، ومن آمن به دخل هذه الجنة.

    ماذا ستصنع يا عبد الله لو رأيت هذه الفتنة؟!

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من رأى هذا فليأت ناره، قال: وليغمض -أغمض عينيك يا عبد الله! لأنك لن تتحمل- ثم ليطأطئ رأسه ثم ليشرب ماءً بارداً) الله أكبر! من يستطيع أن يتحمل هذا؟ من يستطيع أن يثبت في ذلك الموقف إلا من ثبته الله جل وعلا، استعن بالله، واصبر يا عبد الله! اثبتي يا أمة الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

    بل عنده فتنة ثالثة -وهو عنده فتن كثيرة- والعياذ بالله وهي: أنه يأتي إلى الإنسان فيقول له: تؤمن بي؟ فيقول له: لا. أنا لا أؤمن بك، أنت الدجال، فيقول له: أرأيت إن أحييت أمك وأباك؟ طبعاً الدجال ليس لوحده بل معه عشرات الألوف، جيوش تسير معه، وهو يسير كالغيث إذا استدبرته الريح، كالسحاب والريح ترسلها، ويسير في الأرض كلها ليس أرضاً إلا يطؤها، فالأمر عظيم، والفتنة كبيرة.

    يقول للرجل: أرأيت لو أحييت أباك وأمك أتؤمن بي؟ فيقف الرجل: هل صحيح يستطيع أن يحيي أبي الذي مات منذ سنين طويلة، وأمي التي ماتت منذ سنوات طويلة؟ فجأة تخرج أمه من قبرها، ويخرج أبوه من قبره، فتقول له أمه ويقول له أبوه: يا بني! قد رأينا ما لم تر، اعبده فإنه ربك -نسأل الله العافية- وهما شيطانان يتمثلان بصورة أمه وأبيه، فيقولان للرجل: يا بني! أطعه فإنه ربك، تدارك نفسك يا بني! (يا عباد الله! فاثبتوا).

    فتنة في الأرض لا تمر على الأرض مثلها، والناس يتحصنون بالجبال، تقول لي: أين المجاهدون؟ لم لا يقاتلونهم؟ تقول لي: أين المؤمنون المرابطون؟ إما أنهم متحصنون بالجبال أو اختبئوا في بيوتهم، أو تحصنوا بـمكة أو بـالمدينة .

    بل يذهب الدجال يريد أن يدخل المدينة -والعياذ بالله- لكنه لا يستطيع، فيقف عند جبل من جبالها، وشعب من شعابها، فيرى المسجد النبوي، واليوم المسجد النبوي بني يا عبد الله! كأنه قصر من القصور، فمن رأى التوسعة الجديدة يراه قصراً أبيض، هذا الوصف هو الذي سوف يذكره الدجال، يقول لأصحابه وجنوده: (أترون هذا القصر الأبيض؟ هذا مسجد أحمد).

    لا إله إلا الله! إنا لله وإنا إليه راجعون! طبعاً يريد أن يدخل المدينة لكن لا يستطيع، تستقبله الملائكة بالسيوف وتمنعه، فيخرج شاب من أهل المدينة من خير الناس، فيقول للناس: هذا هو الدجال الذي حذرنا منه النبي عليه الصلاة والسلام، فيأتي إليه فيضربه بالسيف جزلتين، يقطعه نصفين، فيمشي الدجال بين هذين النصفين، ثم يقول له: قم، فيقوم مرة أخرى، طبعاً هذا كله بإذن الله عز وجل، يختبر الناس بذلك، فيقول له الدجال: أتؤمن بي الآن؟ فيقول: لا. والله أنت الدجال، ما ازددت بك إلا بصيرة، أنت الدجال الذي حذرنا منه النبي عليه الصلاة والسلام، فيريد الدجال أن يقتله مرة أخرى فلا يسلط عليه.

    نزول عيسى بن مريم

    ويسير الدجال في الأرض، ويفتن الناس، ويقتل من يقتل، ويحرق من يحرق، ويفتن من يفتن، والناس معه جيوش، يعني: تخيل الأرض في ذلك الزمان! هل يهنأ الناس بعيش؟ هل الناس في ذلك الزمان يبحثون عن أموال أو عن تجارات؟ لا والله، إما مؤمن يحفظ إيمانه وإما كافر قد انغمس في كفره، ليس بين هذا وذاك شيء.

    فيتبع الناس إلى فلسطين ، يريد أن يقتلهم، فيتحصن المؤمنون في بيت المقدس ويحصرهم فيه، فيزلزلون زلزالاً شديداً، وهو يريد أن يدخل بيت المقدس لكن لا يستطيع، والناس قد زلزلوا وخافوا وارتجفوا، ماذا يفعلون؟ وماذا يصنعون؟ واليهود قد تجمعوا مع الدجال في فلسطين ، يريدون أن يقتحموا بيت المقدس ، والمؤمنون فيه، كل قد حافظ على دينه، يريدون القتال في سبيل الله، وهم في ذلك الوقت قد تجمع بعضهم هناك وكثيرون منهم قد تجمعوا في دمشق، يفكرون بالجهاد، ويريدون القتال، ويريدون أن يتحصنوا مع بعضهم بعضاً، ماذا يصنعون؟ ماذا يفعلون؟ والمهدي في ذلك الزمان معهم، وفي ليلة من الليالي وقد أُذن لصلاة الفجر وهم يريدون أن يصلوا عند المنارة الشرقية في الجامع كما قال بعضهم: في الجامع الأموي الذي هو موجود الآن بـالشام، وقد توافدوا إلى صلاة الفجر، والمؤذن قد أذن: الله أكبر الله أكبر.

    في ذلك الزمان إما أنت من أهل صلاة الفجر وإما أن تكون من أتباع الدجال والعياذ بالله، أو ربما تكون من أهل النفاق والضلال.

    فيتوافدون إلى صلاة الفجر فإذا بهم يسمعون: إن الغوث قد جاءكم، إن الغوث قد جاءكم، يا أيها الناس! يا أيها الناس! أتاكم الغوث، أتاكم الغوث، فيقول الناس: ما الخبر؟ فإذا بعيسى بن مريم ينزل على أجنحة ملكين -الله أكبر!- والناس تنظر، من هذان الملكان؟ ولم ينـزلان الآن علينا؟ إن على أجنحتهما عيسى بن مريم، قال الله جل وعلا: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً [النساء:159].

    أين الدجال؟ في فلسطين هو واليهود وأتباعه من الضلال المشركين الكفار، وبعض المسلمين يزلزلون متحصنين في بيت المقدس، وجيش من المسلمين في الشام في دمشق ، ومعهم المهدي وعيسى بن مريم قد نزل، وأقام الناس صلاة الفجر، فإذا بعيسى بن مريم يدخل في الصلاة، فيقول المهدي لعيسى: تقدم يا نبي الله! فيقول عيسى بن مريم: لا، أنت صلِّ بالناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإمامكم منكم، ينزل عيسى بن مريم، رجل إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ).

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إني لأرجو أن يطال بي العمر فألقى عيسى بن مريم، قال: فإن عجل بي موتي -يعني: إذا مت قبل أن أجد عيسى بن مريم- فمن لقيه منكم فليقرئه مني السلام) الله أكبر! من هذا؟ إنه عيسى بن مريم يا عباد الله! الناس الآن كلهم فرحون، كلهم مستبشرون بعد الخوف الذي أصابهم، بعد الرعب الذي نزل، بعد الفتنة العظيمة التي جاءتهم من الدجال، ومرة هذه الفتنة أربعون يوماً، والمهدي لا يمكث في الأرض إلا سبع سنين أو ثمانياً، وكذلك عيسى بن مريم، كلها سنوات قليلة معدودة.

    وبعد أن يصلي المؤمنون الفجر ماذا يصنع عيسى بن مريم؟ يقوم عيسى بن مريم في الناس فيأخذ حربته، أي: يبدأ القتال في سبيل الله، من يقودهم؟ إنه نبي الله، إنه عيسى بن مريم روح الله وكلمته، فإذا به يبدأ القتال.

    عيسى بن مريم لا يحل لكافر يراه إلا ويموت، يذوب كما يذوب الملح في الماء، لا يحل لرجل كافر يجد نفسه إلا ويموت، إنه نبي الله.

    فيخرج المؤمنون يكبرون، ويبدأ الجهاد في سبيل الله، ويبدأ القتال، فيذهب عيسى بن مريم إلى فلسطين ، وإذا بالدجال يسمع بالأمر، وإذا باليهود يريدون القتال، لكنهم لما يسمعون أن عيسى بن مريم مع المؤمنين، يختبئون خلف الأحجار، ويختبئون خلف الأشجار، ويبدأ المسلمون يقتلون فيهم، حتى يقول الحجر والشجر: (يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله).

    الله أكبر! إنه الجهاد في سبيل الله، إنه القتال، وفي النهاية يرى عيسى بن مريم الدجال من بعيد، فيبدأ الدجال يذوب، يهرب ويريد الخلاص، ولكنه يبدأ يذوب ويذوب، ويسلط الله عز وجل عيسى على الدجال، فيضربه ضربة برمحه فيقتله، الله أكبر! الله أكبر! وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81].

    ربما تكون يا عبد الله! في جيش عيسى، ربما تقاتل مع المهدي، ربما تقاتل في سبيل الله، ويكتب الله عز وجل نصر الإسلام على يديك، لم لا يا عبد الله؟! تجهز، (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق).

    خروج يأجوج ومأجوج

    وبعد أن ينتصر المسلمون، ويقتلون اليهود في مقبرتهم، وينتشر الخير بين الناس، إذا بالله عز وجل يقول لعيسى: (يا عيسى! إني قد أخرجت عباداً لا يدان لأحد بقتالهم -لا تستطيع أنت يا عيسى ولا غيرك قتالهم- يا عيسى! حرز عبادي إلى الطور ).

    يا عبد الله: آيات ربما نراها، وربما نشاهدها، إلى متى -يا عبد الله!- ما تعتبر؟ إلى متى تنتظر؟ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] أشراط الساعة كلها تقريباً قد وقعت يا عبد الله! لم يبق إلا هذه الكبرى التي أقولها لك.

    الآن تصور ذكرنا الدجال، وذكرنا المهدي، وذكرنا عيسى بن مريم، عيسى لا يمكث في الأرض إلا سبع سنين، لما رفع كان عمره ثلاثاً وثلاثين سنة، ثم يمكث في الأرض سبع سنين، أي: يموت وعمره أربعون عاماً، وفي زمن عيسى يخرج يأجوج ومأجوج ويموتون.

    إذاً كل هذه العلامات في سنوات قليلة يا عبد الله! ثم ماذا تنتظر؟ تنتظر اليوم الذي لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً.

    فإذا بعيسى يخبر الناس: أيها الناس! هلموا معي، اذهبوا معي، سيروا معي، إلى أين؟ يخرجون إلى رءوس الجبال، يذهبون إلى الجبال يجلسون فيها، يتعبدون الله جل وعلا، يصلون ويسجدون ويركعون، ويستغيثون بالله جل وعلا، تعرف من الذي خرج؟ إنهم قوم يأجوج ومأجوج، خرجوا ليفسدوا في الأرض فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ [الكهف:98].

    السد الذي بناه ذو القرنين بدأ يأجوج ومأجوج منذ أيام النبي صلى الله عليه وسلم يحفرونه، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج قدر هكذا، وحلق السبابة والإبهام) أي: بدءوا بالحفر، وبدءوا بهدم السد.؟

    في ذلك اليوم وعيسى في الأرض وقد انتصر على الدجال يخرج الله عز وجل يأجوج ومأجوج، حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء:96-97].

    يخرج يأجوج ومأجوج في الأرض فلا يدعون فيها أخضر ولا يابساً، ولا إنساناً ولا حياً إلا سفكوا دمه، فيقتلون من يقتلون، ويأكلون من يأكلون، حتى يأتوا على بحيرة كاملة فيشربونها، فيأتي آخرهم لا يرى في البحيرة شيئاً.

    أين المؤمنون؟

    يستغيثون الله عز وجل على رءوس الجبال، تخيلوا! الرجال والنساء والأطفال كلهم قد تجمعوا على رءوس الجبال، وعيسى بن مريم معهم يدعون الله جل وعلا، ويستغيثون ربهم جل وعلا، ولا يعرفون ما الذي يحصل في الأرض، وما الذي يحدث، ويأجوج ومأجوج يفسدون في الأرض، لا يدعون شيئاً إلا أفسدوه.

    ثم يظن يأجوج ومأجوج أنهم قد قضوا على أهل الأرض جميعاً، فيقولون: بقي الآن آهل السماء، فيرمون سهامهم ونشابهم إلى السماء، فترجع السهام عليهم قد ملئت دماً، ثم يبتليهم الله جل وعلا بدود يسمى النغف، وهو دود يرسله الله عز وجل عليهم، فيقتلهم جميعاً، فرسى صرعى كنفس واحدة، كل يأجوج ومأجوج يموتون كموت رجل واحد، بأي جندي؟ لم يرسل الله عز وجل عليهم جيشاً، ولا ملائكة، ولا جنوداً من السماء، بل يرسل عليهم دوداً وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31].

    فإذا بهم يموتون، الآن عيسى بن مريم لا يدري ما الذي حصل، ولا يدري ما الذي جرى، فيقول للناس: من ينزل فيأتينا بالخبر، فيخرج رجل من خير الناس يومئذٍ، فينزل من الجبال ويأتي إلى الأرض، فيرى الجثث متناثرة، ويرى الجيف، وقد أنتنت الأرض بجيف يأجوج ومأجوج، فيرجع مرة أخرى فيبشر عيسى بن مريم، ويبشر المؤمنين فينزل المؤمنون مرة أخرى إلى الأرض فيرون الجثث، فيحمدون الله جل وعلا، ثم يدعو عيسى بن مريم ربه، يعني: يا رب! خلصنا من هذه الجيف .. من هذه الجثث .. من هذا النتن .. من هذه الرائحة .. فيرسل الله جل وعلا طيراً أعناقها كأعناق الإبل تحمل الجثث -تخيلوا المنظر- أمام المؤمنين، فترميها في البحار، ثم يرسل الله عز وجل مطراً من السماء يغسل الأرض، ثم تخرج الأرض كنوزها وخيراتها، وينتشر الخير في الأرض ويحكم فيهم عيسى بن مريم.

    في ذلك الزمان يكسر عيسى بن مريم الصليب، ويقتل الخنزير، ولا جزية في ذلك الزمان، إما الإسلام وإما القتل، ويحج عيسى بن مريم إلى بيت الله، المسجد الحرام، وإذا الخير ينتشر، ثم يموت عيسى بن مريم.

    خروج الدابة وظهور الدخان

    ثم ماذا يحصل للناس؟ يرجع الشر مرة أخرى، وينتشر الشر مرة ثانية، فجأة والناس يعيشون ويلتهون بدنياهم، يسمع الناس بأن هناك دابة قد خرجت عند الحرم في مكة ، ما قصة هذا الدابة؟ دابة تتكلم، حيوان يكلم الناس، ومعها خاتم سليمان وعصا موسى، تأتي هذه الدابة فإذا رأت كافراً فتخطمه بالخاتم فيتبين فيه علامة بين عينيه أنه كافر، وإذا رأت مؤمناً جلت وجهه بالعصا، فإذا الناس يعيشون ويقولون للرجل: يا كافر! ويقولون للرجل: يا مؤمن! يا ويله من ختمت عليه بأنه كافر، ويا حسن الرجل وسعادته الذي جلت وجهه على أنه مؤمن.

    أي دابة هذه؟ وماذا يحصل في الكون؟ وأي نواميس يعيشها الناس؟ ما الذي يحصل؟ ما الذي يجري؟ وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ [النمل:82] الدابة تتكلم وتقول للناس: إنهم بآيات الله لا يوقنون، فتختم على هذا، وتجلو وجه هذا، ومن سرعتها أنها تجوب الأرض بلمح البصر -نسأل الله أن يعافينا وإياكم-.

    أما العلامات التي سنذكرها الآن، فهي سوف تكون على خراب العالم، وسوف تكون في النهاية الأخيرة، وهذه العلامات تكون قريباً من النفخ في الصور، وهذه لا نعلم ترتيبها، ولكنني سوف أسردها لكم سرداً.

    فجأة الناس ينظرون في السماء ما الذي يحدث؟ ما الذي يجري؟ حيوان يتكلم، بل الجماد يتكلم في آخر الزمان، ما الذي يحصل بين الناس؟ العلم قد ارتفع، المصحف قد ارتفع، بل أكثر من هذا وذاك يا عباد الله! يأتي على الناس زمان تهدم فيه الكعبة حجراً حجراً، بل هذا المسجد النبوي الذي ترونه اليوم يعج بالمصلين وبالمعتكفين يأتي عليه زمان لا يدخل فيه إلا الكلاب والسباع، حتى يمر الرجل فيقول: قد كان في هذه حاضر من المسلمين.

    ما الذي يحدث في الأرض؟ ما الذي يجري؟

    يا عبد الله: تدارك الأمر، يا عبد الله! أسرع إن لم تحج فحج، إن لم تعتمر فاعتمر، إن لم تزر المسجد الحرام فزره يا عبد الله! إن لم تحفظ شيئاً من القرآن فاعتكف على القرآن، واقرأ القرآن، لا تكن كمن قال الله عز وجل فيهم: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء:1] الكعبة ستهدم، وكنـزها سيخرج، والمدينة ستهجر، والمسجد النبوي يأتي عليه زمان لا يصلي فيه أحد، ويخرج على الناس في السماء دخان فيه عذاب شديد، فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11].

    إذا رأى الناس هذا الدخان، فكلهم سوف يؤمنون، لكن هل ينفع الإيمان في ذلك اليوم، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12].

    تدارك نفسك يا عبد الله! علامات الساعة الكبرى إن ظهرت واحدة فإن البقية تتلوها بسرعة، (بادروا بالأعمال، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا).

    طلوع الشمس من مغربها

    يوماً لم يمر على الدنيا يوم مثله، أتعرف أي يوم هذا؟ يوم يصبح فيه الناس في الأرض وقد طلعت الشمس من مغربها، لا إله إلا الله! أي يوم هذا طلع على الأرض؟ والله لو بكى الناس دماً، ولو خروا سجداً، ولو فعلوا ما فعلوا فإن الله عز وجل قد أغلق باب التوبة عليهم، يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].

    إذا رأى الناس هذا المنظر، ربما تكون الدابة في اليوم نفسه، ربما تكون الدابة أو طلوع الشمس أو هذه الأمور في اليوم نفسه في يوم واحد، ربما يقع هذا كله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا رآها الناس -أي: رأوا الشمس طلعت من مغربها والحياة مستمرة- آمنوا جميعاً) لكن هل ينفع نفساً إيمانها، والله لو بكى الزناة، ولو تاب أهل المخدرات، ولو دمعت أعين أهل الربا، ولو سجد تاركو الصلاة فإن الله لا يقبل توبة أحد منهم، قال الله: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158].

    الثلاثة الخسوفات وقبض أرواح المؤمنين

    عبد الله: بادر بالتوبة من الآن، لا تقل: إذا رأيت هذه العلامات فسوف أتوب، أقول لك: علامات الساعة الكبرى والله لن يثبت فيها إلا الصادقون، إلا المؤمنون حقاً، إلا الذين دخل الإيمان في قلوبهم، إلا الذين خالط الإيمان نفوسهم، إلا الذين قرءوا القرآن، وحفظوا السنة.

    يا عبد الله: من الآن استعد، سوف تسمع في آخر الزمان بخسوفات، نعم قد وقعت خسوفات كثيرة في الأرض، لكن في آخر الزمان سوف تقع ثلاث خسوفات عظيمة منها: خسف بالمغرب، وخسف بالمشرق، وخسف بـجزيرة العرب ، ما الذي يحدث؟ نواميس الكون تختل، ما الذي يجري؟ القوانين بدأت تختل يا عبد الله! ما الذي يحدث؟ الأرض تتبدل، الشمس تخرج من مغربها، الحيوانات تتكلم، الجماد ينطق، الدخان يخرج في السماء، الأرض تنخسف، الزلازل تكثر، الكعبة هدمت، المصاحف رفعت، الأرض لا يوجد فيها حتى من يقول: الله الله، المؤمنون قبضت أرواحهم (تخرج ريح من اليمن تقبض أرواح المؤمنين) لم يبق في الأرض إلا شرار الناس، يا ويل من لم تقبض روحه، إذاً بقي مع شرار الناس، إذاً بقي مع الذين سوف تقوم الساعة عليهم، بقي مع الشرار الذين لا يقبل الله منهم صرفاً ولا عدلاً.

    يا عبد الله: تجهز من الآن، يا أخي الحبيب! أدرك نفسك من الآن، احرص على التوبة، احرص على القرآن، أكثر من الأذكار، استغث بالله، علم أولادك، علم أهلك، ذكرهم بما ذكرتك به الآن، أخبرهم أن الساعة قد اقتربت، أخبرهم أن القيامة قد أوشكت، أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم:57-58].

    عبد الله: أخبرهم أن الساعة قريبة: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب:63].

    خروج النار من أرض اليمن

    ثم فجأة تخرج على شرار الناس نار من اليمن ، نار عظيمة تخرج ثم تسير في الأرض، ثم تجري في الأرض -نار- تحشر الناس، وتخوفهم، والناس ينقسمون على طرق وأفواج، فوج راغبون طاعمون راكبون كاسون عندهم دواب يسرعون ويهربون من هذه النار، إلى أي جهة؟ طبعاً النار تخرج من الجنوب من اليمن ، وتحشر الناس إلى الشام ، تأكلهم أكلاً وتحشرهم وتخوفهم إلى الشام ، منهم من عندهم المراكب والدواب، ومنهم فوج يمشون تارة ويركبون تارة، اثنان على بعير وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، هذا تارة يمشي وهذا يركب ويهربون، ربما يصيبهم شيء من النار لكنهم ينجون، وصنف تحشرهم النار فتحيط بهم من ورائهم فتأكلهم النار، ثم يسيرون إلى الشام .

    وفي ذلك اليوم لا صلاة، ولا عبادة، ولا أهل إيمان، ولا يقال في الأرض حتى كلمة (الله) (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) فيهرب الناس، ويهربون ويسيرون، وإذا بهم يجتمعون في أرض الشام ، وفي ذلك اليوم يأذن الله عز وجل بنهاية هذه الدنيا، وبنهاية التاريخ بأن يقف الزمن وبأن ينتهي كل شيء، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ [الرحمن:26-27].

    يا ويل من كان مع شرار الناس، وشرار القوم فتقوم الساعة على رأسه.

    عبد الله: يقول عليه الصلاة والسلام: (كيف أنعم ونافخ الصور قد التقم القرن -يعني: مستعد- متى يؤذن له فينفخ في الصور؟!) يقول: كيف أنعم بعيش، وكيف يهنأ لي بال، وكيف يقر لي قرار، ونافخ الصور الآن مستعدٌ لأن ينفخ في الصور؟!

    1.   

    ضرورة المبادرة بالتوبة والعمل الصالح

    عبد الله: هذه ذكرى، وهذه موعظة، أنا أجزم بأن الساعة قريبة، وأنا أعلم أن الساعة قد اقتربت، فالقمر قد انشق، وأكثر العلامات الصغرى قد وقعت، وربما بعض العلامات الصغرى لن يقع إلا مع العلامات الكبرى، ونحن الآن نستعد لنهاية التاريخ، ولزوال هذا العالم، لا تجلس وتقول لي: إذاً أنتظر الساعة ولن أفعل شيئاً، بل اجتهد، بل كما علم النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه، قال: (إذا كان بيد أحدكم فسيلة وسمع نافخ الصور ينفخ فليغرسها) أي: ليفعل العمل الصالح، وبادروا بالأعمال، وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ [هود:121].

    اعمل -يا عبد الله!- ولا تقل: أنتظر قيام الساعة، اعمل بطلب العلم .. بالدعوة إلى الله .. بالصلاة .. بالعبادات .. واستعد لقيام الساعة بالعمل الصالح .. بطلب العلم .. بنشر الخير .. بل اعلم أنه من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، لا تقل: إذاً بعد هذه المحاضرة ماذا نفعل وماذا نصنع، ولمَ نعمل، ولمَ نتكسب، ونجتهد، ونطلب العلم، ولم ندرس، ونفعل، أقول لك يا عبد الله: بادر بالعمل حتى ولو كانت الساعة ستقوم الآن اعمل يا عبد الله! واجتهد، وتب إلى الله جل وعلا، إياك إياك أن تأتي هذه العلامات ولم تستعد لها، فإن أهل الجهاد ليسوا هم أهل الغناء والطرب، ليسوا هم الذين يتركون الصلاة، ويهجرون القرآن، وقل ذكرهم لله، ليسوا هم أهل الربا والزنا والخمور والفواحش، أهل الجهاد في سبيل الله هم الذين جاهدوا أنفسهم في سبيل الله جل وعلا، ثم قاموا ينصرون دين الله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

    وأنصحك ختاماً: أن تعلم أولادك وأهلك وأحبابك والناس تعلمهم ما قلته لك من هذه العلامات، ومن هذه الأشراط حتى يكون الناس على علمٍ ويتجهزون، وإذا رأوا هذه الآيات وهذه العلامات ازداد إيمانهم، وازداد يقينهم بالله جل وعلا، وازدادوا إيماناً بربهم تبارك وتعالى، ويستعد الناس من الآن بالتوبة وبالاستعداد للقاء الله جل وعلا.

    أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا على ديننا، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

    أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا وإياكم بما ذكرت، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756620787