[كتاب النكاح:
يسن مع شهوة لمن لم يخف الزنا, ويجب على من يخافه.
ويسن نكاح واحدة حسيبة دينة أجنبية بكر ولود, ولمريد خطبة امرأة مع ظن إجابة نظر إلى ما يظهر منها غالباً بلا خلوة إن أمن الشهوة, وله نظر ذلك، ورأس وساق من ذوات محارمه ومن أمة.
وحرم تصريح بخطبة معتدة على غير زوج تحل له، وتعريض بخطبة رجعية, وخطبة على خطبة مسلم أجيب.
وسن عقده يوم الجمعة مساء بعد خطبة ابن مسعود].
ذكر بعضهم أن النكاح تتعلق به الأحكام الخمسة، فيكون على بعض الناس واجباً، وعلى بعضهم حراماً، وعلى بعضهم مكروهاً، ولبعضهم مستحباً، ولبعضهم مندوباً.
فيكون واجباً إذا خاف على نفسه الزنا، وقدر على مئونة النكاح، وقدر على العدل وإعطاء الزوجة حقها، ففي هذه الحال يكون واجباً؛ لأنه إذا لم يتزوج خيف على نفسه إما الضرر، وإما الوقوع في الزنا ونحوه، والشيء الذي يقي عن الحرام يكون واجباً؛ فلذلك جعلوه واجباً على من يخاف على نفسه الزنا.
كذلك أيضاً بعد خروج الإنسان إلى الدنيا يلقي الله في قلوب أبويه رقة وشفقة عليه؛ ليربياه إلى أن يترعرع، وإلى أن يكون إنساناً قوياً.
ثم ورد في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج) فخاطب الشباب؛ وذلك لأنهم غالباً عندهم قوة الغلمة والشباب، ولأنهم غالباً لا يحجزهم قوة إيمان عن الوقوع في المحرم، فإذا تزوجوا حصلت لهم هذه المصلحة المذكورة: (أغض للبصر، وأحصن للفرج).
وقد وردت الأدلة في النهي عن التبتل، كما في حديث سعد في الصحيح أنه قال: (رد النبي صلى الله عليه وسلم على
ومن الأحاديث التي تحث على ذلك، وتنهى عن ضده: (أن ثلاثة سألوا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في السر فتقالوها، فقال بعضهم: أنا أصوم دائماً، وقال بعضهم: أنا أقوم دائماً، وقال الآخر: أنا لا أتزوج النساء؛ فرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني) ، وهذا وعيد، فالذي يترك الزواج تقشفاً يُعتبر راغباً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يفضل فعله على فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وكذلك أيضاً ثبت قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة حق على الله عونهم.. -وذكر منهم- المتزوج يريد العفاف) ، فإذا تزوج الإنسان يريد أن يعف نفسه عن الحرام، فإن حقاً على الله تعالى -يعني: مما جعله على نفسه- أن يعينه، وأن يسدده، وأن يخفف عنه ما قد يتحمله، وهذا مشاهد، ونعرف كثيراً من الذين كانوا فقراء لما تزوجوا أغناهم الله تعالى؛ ولذلك قال الله تعالى: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:32] أي: إذا كانوا فقراء فتزوجوا للتعفف فتح الله عليهم، ورزقهم ووسع عليهم، وكذلك جاء في الحديث المشهور: (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ، فما ذكر إلا: (ترضون دينه وأمانته)؛ وذلك لأنه إذا أخذ الزوجة فهو مأمون عليها؛ ولذلك جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً؛ فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله..) إلى آخره، فهن أمانة، فإذا كان المتقدم أميناً موثوقاً ديناً فإنه لا يرد، إلا إذا كان هناك أسباب أخرى.
فإذا قلت: متى يكون مباحاً؟
الجواب: يكون مباحاً إذا كان لا شهوة له، يعني: ليس له شهوة تدفعه، ولكن إذا تزوج قدر على أن يعف زوجته؛ لأن عنده قدرة على المباشرة، ولكن ليس هناك شهوة تدفعه أو يندفع بها؛ لأن أمر الشهوة يتفاوت الناس فيه:
فمنهم من لا يكون له شهوة، ولكن إذا تزوج قدر على أن يعف امرأته بالوطء ولو كل شهر أو نحوه.
ومنهم من يكون معه شهوة، ولكنه يقدر على أن يملك نفسه، فالشهوة تدفعه، ولكنه يستطيع أن يملك نفسه.
ومتى يكون النكاح واجباً؟
الجواب: يجب على من عنده شهوة قوية يخشى إذا ترك النكاح أن تدفعه شهوته إلى فعل فاحشة الزنا أو نحوه، ويشترط: أن يكون قادراً على المئونة، وعلى إعطاء الزوجة حقها من العشرة بالمعروف ونحو ذلك.
ومتى يكون مكروهاً؟
إذا علم بأنه يقصر في حقوق المرأة، ولو كان يعطيها ولكنه يظلمها أو يعطيها دون حقها.
ومتى يكون حراماً؟
إذا كان يتحقق بأنه لا يعطيها شيئاً من حقها، فيظلمها فلا يعفها، ولا ينفق عليها، ويضر بها بأنواع من الضرر، بمعنى: أنه يؤذيها ويفتنها.
فالحاصل: أن النكاح يكون مسنوناً لمن أمن على نفسه، ومباحاً لمن لا شهوة له، وواجباً لمن خاف على نفسه فاحشة الزنا، ومكروهاً لمن خاف التقصير في حق الزوجة، وحراماً لمن علم أنه يظلم المرأة ولا يعطيها حقها.
واختلف: هل الأصل في النكاح التعدد أو الإفراد؟
فالذين قالوا: الأصل التعدد، قالوا: إنه الذي أمر الله به في قوله: فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3] ، فإن هذا أمر بأن ينكح أكثر من واحدة، ولكن بشرط وهو قوله: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا [النساء:3] ، فهذا دليل من يقول: الأصل التعدد.
دليل من يقول: الأصل الإفراد قوله تعالى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، فهذا دليل على أن الإنسان غالباً لا يستطيع العدل بين الزوجات إلا بصعوبة، وسوف يأتينا في باب العِشْرَة أنواع العدل، إن شاء الله.
وقوله: (يسن أن تكون حسيبة) يعني: من قوم ذوي شرف، واختلف في حقيقة الشرف:
فمن الناس من يقول: إن الشرف هو: الكرم والسخاء والجود، والشجاعة والشهرة والإقدام، وإنه بذلك يكون شريفاً، ولكن هذا أيضاً ليس بمطرد، ولا ينتفع به الخلف، فلا ينتفع خلف بشرف آبائهم وأسلافهم، ولذلك ورد النهي عن الافتخار به، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام عن فخرهم بآبائهم الذين ماتوا أو ليكونن أهون على الله من الجعلان) يعني: أنهم يفتخرون بآبائهم وأسلافهم، وفي حديث آخر: (إنما هو مؤمن تقي، أو فاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب) ، وفي حديث أخر أنه قيل: يا رسول الله! من أكرم الناس؟ فقال: (أكرمهم عند الله أتقاهم...) إلى آخر الحديث، فيكون الحسب هو: التقوى والديانة.
ولا شك أيضاً أن من الحسب شرف النسب، وقال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: أن أكثر الناس إنما يسألون عن هذه الأربع، فمنهم من يسأل عن شرف الآباء، فهذه أهلها أوفياء وشجعان وكرماء وأمراء وقادة وسادة؛ فلها شرف ولها نسب رفيع، ثم يذكرون أن هذا الشرف قد يحملها على صيانة نفسها، وصيانة عرضها، وصيانة زوجها، وحفظ نفسها، فلا تتعرض لما يقدح في شرفها، ولما يجلب السمعة لأهلها، فيكون ذلك مما يجلب لها سمعة سيئة، فيذكرون أنها إذا كانت ذات نسب وذات شرف حفظت نفسها عن الدناءات، وعن الأقذار، وترفعت عما لا يستحسن، فتتخلق بالأخلاق الرفيعة، وتتخلى عن الأخلاق الدنيئة التي تقدح في شرفها، والتي تجلب لأهلها سمعة سيئة، فهذا لا شك أنه يقع، ولكن ليس بمطرد دائماً؛ وذلك لأن كثيراً من الناس ذكوراً وإناثاً آباؤهم أهل صيانة وأهل حسب وأهل شرف، ومع ذلك لا يكونون مثلهم ولا قريباً منهم، فلا ينفعهم شرف آبائهم، كما يقول الشاعر:
إذا افتخرت بأقوام لهم شرف قلنا صدقت ولكن بئس ما ولدوا
أي: أنك ما وافقتهم على شرفهم، بل صرت مخالفاً لهم خلافاً ظاهراً، فحسب الإنسان هو فعله، وكما قال بعضهم أيضاً:
كن ابن من شئت واكتسب أدباً يغنيك محموده عن النسب
فالحاصل: أن هذا مقصد من المقاصد، وهو كونها حسيبة.
وقوله: (دينة) أي: ذات دين، ولا شك أن هذا من المقاصد الحسنة؛ لقوله في الحديث: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) ، وهذا أيضاً مقصد من المقاصد.
وأما مقصد الجمال فهو أيضاً بلا شك من المقاصد المعروفة، فإن الكثير يقصدون جمال المرأة وحسنها، فإذا كانت دميمة الخلقة فإن النفس تنفر منها، ولأجل ذلك أبيح النظر إليها قبل العقد، فالجمال من دوافع ومن دواعي النفس، ولكن مع ذلك قد لا يكون مقصداً مقصوداً؛ لأنها قد تفتخر عليه إذا كانت جميلة، وقد تترفع عليه، وتقول: لست كفئاً لي، أنا أجمل النساء، وأنا وأنا، فلا يكون هذا مقصوداً أساسياً.
أما قصد المال فهو أيضاً مقصد لكثير من الناس، فهناك من يتزوج المرأة لأجل أنها ذات ثروة وغنىً وكثرة مال، وفي هذه الأزمنة قد يتزوجها لكونها موظفة تتقاضى مرتباً قد يكون مثل مرتب زوجها، أو قد تكون أكثر منه دخلاً، فيتزوجها لذلك، وهذا أيضاً ليس مقصداً أساسياً؛ وذلك لأنها قد تفتخر عليه، وتمنّ عليه وتقول: أنا الذي كفلتك، وأنا الذي أعطيتك، وأنفقت عليك، وقضيت دينك، وأنفقت على ولدك، وأعطيتك، وكذا وكذا، فذلك مما يوقعه في امتنانها عليه، وهذا مما يضجره ويمله، فلذلك لا يكون هذا أيضاً مقصداً أساسياً، إنما المقصد الأساسي أن تكون دينة.
فقيل: إن ولدها يكون نجيباً، هكذا قالوا، ولكن ليس ذلك مطرداً.
والأكثرون عللوا بمخافة قطع الرحم؛ لأنه إذا ساءت العشرة بينهما فحصل الطلاق أو الشقاق حصل بذلك التهاجر، وقطيعة الرحم، فيقطع أعمامه أو أخواله أو عشيرته، فيحصل التهاجر والتباغض فيما بينهم، وهذا فيما إذا كان أحد الزوجين معروفاً بشراسته وحقده، وحنقه وغضبه، وعدم أمانته، أما إذا عرف كل منهما بالصيانة والديانة، فإن القريبة تكون أحنى عليه وأشفق عليه وعلى ولده؛ لأنها تحبه لقرابته قبل أن يكون زوجاً، وتزداد في محبته ومؤانسته بعد أن يكون زوجها وعشيرها في حياتها، فليس مطرداً كونها أجنبية دائماً، بل بحسب الحالات والمناسبات.
وإذا قيل: النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته كلهن ثيبات إلا عائشة ، فلماذا اختار هؤلاء الثيبات؟
الجواب: ذكر العلماء: أنه صلى الله عليه وسلم ما تزوجهن لأجل الشهوة، وإنما تزوجهن لأجل أن يتودد إلى آبائهن، وإلى أقاربهن، أو نحو ذلك، فتزوج حفصة بنت عمر مع كونها ثيباً؛ ليحصل الوداد بينه وبين أبيها، وكذلك تزوجه لـميمونة ولـزينب ، وغيرهن، كان ذلك لأسباب ثبوت المودة، وثبوت الآثار الحسنة، فإنه لما تزوج جويرية بنت الحارث حصل أن الصحابة أعتقوا من عندهم من الإماء، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان في ذلك مصلحة، ولأن أباها كان من أشراف قومه، فأراد أن يتودد إليه، وغير ذلك، وإلا فالبكر أولى؛ لأنها تكون متوددة متحببة إلى زوجها.
الجواب: إذا عرف أمهاتها وجداتها بكثرة الولادة، ولكن هذا أيضاً من الغيب، فإذا كانت بكراً فكونها ولوداً من أمر غيب، ولكن هذه هي العادة المطردة، وقد تكون عقيماً عاقراً لا تلد، وذلك مما يخلقه الله تعالى في بعض النساء كالرجال، ولكن يُستحب أن تكون ولوداً.
روي أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إني أعجبت بامرأة، وأريد خطبتها، ولكنها لا تلد، فأعرض عنه، ثم سأله مرة ثانية وأخذ يمدحها، ولكنها لا تلد، فقال له: دعها، تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) ، الودود يعني: المتحببة إلى زوجها، والولود يعني المعروفة بالولادة، أي: أنها ليست عاقراً بل تلد، وعلل بقوله: (إني مكاثر بكم الأمم) يعني: أحب أن تكثروا ويكثر أولادكم؛ حتى يكون أتباعي أكثر من أتباع غيري.
الخِطبة بالكسر خطبة النساء، والخُطبة بالضم خُطبة الجمعة ونحوها، فإذا أراد أن يخطب امرأة وغلب على ظنه أنها تجيبه وأهلها يجيبون، لما عرف من أهليته وكفاءته، فإن له أن ينظر إلى ما يظهر منها غالباً، وقد وردت في ذلك أحاديث، كحديث المغيرة : أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً) ، وفي حديث آخر أنه قال: (إذا خطب أحدكم امرأة فلينظر إليها؛ فإن ذلك أدعى إلى أن يؤدم بينهما) يعني: إلى أن يؤلف بينهما، وإلى أن تحصل المودة بينهما.
واختلف: هل هذا النظر سر أو علانية؟
الأكثرون على أنه يكون سراً وخفية، كما في حديث جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا خطب أحدكم امرأة فاستطاع أن ينظر إليها فليفعل)، قال جابر: (فخطبت امرأة فكنت أتخبأ لها، حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها)، فقوله: (إن استطاع) دليل على أنه يكون بغير علمها، وقوله: (أتخبأ لها) يعني: أختفي لها، وراء حائط أو نخلة أو نحو ذلك، قال: إلى أن رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها.
وينظر إلى ما يظهر منها غالباً، والذي يظهر غالباً وجهها وشعرها وكفاها وقدماها، هذا الذي يظهر منها غالباً، وليس المراد أن ينظر إلى بدنها كاملاً، وأن يتحين كونها مثلاً قد تجردت للاغتسال ونحوه فينظر إليها، أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك لا يجوز.
وإذا قيل: إنه ينظر إليها علانية، فيكون ذلك في غير خلوة، وذلك بأن تحضر ومعها أحد محارمها كأبيها أو أخيها، فينظر إليها قائمة، وينظر إليها مقبلة أو مدبرة، ولا يكون هناك خلوة، وتظهر له وجهها وكفيها وشعرها، وينظر إلى هيكلها طولاً وقصراً، وضخامة أو نحافة أو ما أشبه ذلك، فإذا نظر إليها في غير خلوة كان ذلك من الأسباب التي تدفعه إليها.
أما إذا غلب على ظنه أنه لا يُجاب، فليس له أن يتعمد النظر، ولا يطلب ذلك، وكذلك أيضاً أهلها إذا غلب على ظنهم أنه لن يعزم على النكاح فلا يجوز لهم أن يمكنوه من النظر إليها.
وذكروا أنه ينظر إليها بشرطين: نفي الخلوة، ونفي إثارة الشهوة، أي: أن يأمن الشهوة، وقد يقع أن بعضاً من الشباب إذا خطب امرأة يكثر الاتصال بها هاتفياً، ثم يعقد معها مواعيد، ثم يخلو بها، وربما يخرج بها في سيارته خارج البلد، وهذا لا يجوز لما فيه من الخلوة، وكثيراً ما يحصل أنه يقع بها، ويطؤها في الحرام -والعياذ بالله-؛ لأنها لا تحل له إلا بعد العقد، ولو أنهم استجابوا له وقبلوه فحرام عليه الخلوة بها، سيما إذا لم يأمن الشهوة، ومعلوم أنه إذا خلا بها، وكان شديد الغلمة، وكذلك هي قد تكون شديدة الشهوة، فيندفع كل منهما إلى الآخر، فيقعا في فعل الفاحشة، فلذلك اشترطوا: ألا يكون هناك خلوة، وألا يكون هناك إثارة شهوة.
والمرأة لا يجوز لها أن تتبذل أمام النساء، ولا أن تظهر شيئاً مما يخفيه اللباس ويستره، وإنما يجوز لها أن تبدي وجهها وعنقها، وكذلك أيضاً صدرها لإخراج الثديين لإرضاع الطفل؛ لأنها تحتاج إلى إرضاع طفلها عند النساء أو عند المحارم، وكذلك تنظر المرأة من المرأة إلى ساعديها أو ساقيها، فأما ما تستره غالباً كالبطن والظهر والمنكبين والإبطين والجنبين فلا، فهذا مما يُعتاد ستره، ولا يجوز التفسخ والتعري ولو لم يكن عندها إلا نساء.
وأما المعتدة البائن مثل المطلقة ثلاثاً، فلا تحل لزوجها إلا بعد زوج، وكذلك المتوفى عنها، فهي معتدة، وعدتها ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض، أو بوضع الحمل، فهذه لا يحل له أيضاً أن يخطبها تصريحاً، ويحل له أن يعرض لها، والتعريض أن يقول: إني في مثلك لراغب، أو إني أريد أن أتزوج، أو أتمنى أن تحصل لي زوجة مناسبة، أو ما أشبه ذلك، فلا يجوز التعريض بخطبة الرجعية، وإنما يجوز التعريض بخطبة البائن.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر