يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].
أما بعــد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة! سبق وأن ذكرنا في مرةٍ ماضية ما لتوحيد الأسماء والصفات من أهمية بالغة في حياة المسلم الذي يريد أن يسير إلى ربه عز وجل، سيراً حثيثاً مطرداً على ضوء من الكتاب والسنة، توحيد الأسماء والصفات أيها الإخوة أحد أنواع التوحيد الثلاثة التي ذكرها علماء الإسلام، وقسموها ليتضح المعنى ويتضح المقصود من أسماء الله عز وجل وصفاته التي طالما جهلها المسلمون في كثير من الأزمان.
واعلموا يا إخواني بأن معرفة صفات الله عز وجل من الأمور التي تصحح تصورات المسلمين ومن ثم أعمالهم، فمثلاً إذا نظرنا اليوم في حال المسلمين والهزائم المتكررة التي يعيشونها، والتقهقر الذي وصلوا إليه، واستعداء الشرق والغرب عليهم من كل جانب وتسلط الكفار على رقاب المسلمين حتى لم يعد لهم حول ولا قوة ولا طول، ولا تحكم في الأمور، ولا قيادة يسيرون خلفها كما كانت الخلافة الإسلامية في العصور الماضية، وهذا الظلام الحالك الذي يلف بلاد المسلمين يسبب نوعاً من اليأس والقنوط، ولا تلبث حركة تقوم في بلاد المسلمين إلا وتنطفئ، ولا جهد إلا وينتهي بالفشل، وفي وسط هذه الهزيمة النفسية قبل الهزيمة العسكرية التي يعيشها المسلمون تظهر الحاجة ملحةً لفهم صفات الله عز وجل وأسمائه، لأن فهم هذه الصفات أيها الإخوة يزيل هذه الظلمة الحالكة ويبرر ما وصل إليه المسلمون، ومعرفة أقدار الله الكونية والشرعية، ومعرفة سنن الله عز وجل التي يسير بها الكون والتي لا تتخلف، أيضاً من الأمور المساعدة على فهم حال المسلمين.
أيها الإخوة: هذا الفشل وهذه الهزيمة التي يعيشها المسلمون في أصقاع الأرض، لابد من التدبر في سببها، ولابد من تفكير في صنع الله عز وجل الذي قدر هذه الأمور، وكانت بإرادته سبحانه وتعالى، معرفة الأسماء والصفات من الأمور التي تساعد على تكوين الموازين الصحيحة، التي بواسطتها يستطيع المسلم أن يوجد له مواقف ثابتة من الأحداث الجارية في هذا العالم، فمثلاً من صفات الله عز وجل: أنه يدبر الأمر، فيقول الله تعالى في محكم تنزيله: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5] فهو سبحانه وتعالى يدبر الأمور ويصرفها كما يشاء بقدر منه عز وجل لحكم يعلمها سبحانه وتعالى، تسير أمور العالم كله وفق إرادته عز وجل لا تحيد يمنة ولا يسرة عما قدره الله سبحانه وتعالى وكتبه في اللوح المحفوظ، فإذاً ليس في هذا العالم وما يحدث فيه من خير أو شر، من نصر للمسلمين أو هزيمة، من رفعة لهم أو ضعةٍ عليهم، إلا وهي حادثة بتقدير الله سبحانه وتعالى.
إذاً -أيها الإخوة- من هو مالك الملك الحقيقي؟ من هو الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء؟ من الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء؟ إنه الله سبحانه وتعالى.
معرفة هذه الصفات لله عز وجل من الأمور المهمة التي تجعل المسلم يعرف من هو المسيطر الحقيقي على أزِّمة الأمور ومجريات الأوضاع في العالم، إن هذه الحقيقة أيها الإخوة قد غابت عن أذهان المسلمين، أو عن أذهان كثير منهم إلا من رحم الله تعالى، فكثير من المسلمين اليوم يشعرون من خلال قراءتهم وسماعهم لإخبار العالم وما يدور فيه أن المسيطر على مجريات أمور العالم وعلى حروبه، والمسير للأحداث الجارية أناس من الشرق أو الغرب، يشعر المسلم وهو يسمع أخبار القوى في العالم، ومَن الذين عندهم الصواريخ والطائرات والقنابل بأنواعها، يشعر بأنهم هم المسيطرون على الأمور، وهم الذين يسيرون دفة العالم، يغيب عن باله في هذا الخضم الهائج من التصارعات الدولية على شئون العالم أن هناك غير البشر من يسير الأمور، ولكن الحقيقة أيها الإخوة أن الآيات تثبت لنا بشكل لا يدع مجالاً للشك مطلقاً أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، يصرف الأمور كيف يشاء سبحانه وتعالى، فقد يرفع الله أقواماً من الكفار ويكتب الهزيمة على المسلمين، هذا شيء من تقدير الله عز وجل.
يا إخواني! يجب أن لا تغيب عن أذهاننا هذه الحقيقة في أي حال من الأحوال، وإذا أردت أن تعرف وتتصور أكثر، فتأمل وتذكر خارطة العالم ودويلات العالم في العصور السابقة، هل بقيت الخارطة لم تتغير؟ هل بقيت الدول كما هي منذ أن خلق الله العالم إلى الآن ما تغيرت؟ هل بقيت الغلبة لقوم معينين تناسلوها جيلا عن جيل يغلبون غيرهم حتى الآن؟! كلا -أيها الإخوة- إن أحوال العالم تتغير يوماً بعد يوم وشهراً بعد شهر، وسنةً بعد سنة، وعقداً بعد عقد، وقرناً بعد قرن من الزمان، والله سبحانه وتعالى بحكمته عز وجل وعلمه وقدرته وإرادته هو الذي يغير هذه الأمور وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] نزلت هذه الآية في معركة أحد، وكان المسلمون قد انتصروا قبلها في غزوة بدر انتصاراً مبيناً، فرقاناً بين الحق والباطل، وبعد ذلك في معركة أحد انهزم المسلمون وقتل منهم سبعون من خيارهم، وحصلت هزيمة عظيمة، وشج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت منه الدماء، ودفع المسلمون ثمن الهزيمة باهظاً من الأرواح والمعنويات التي فقدوها في تلك الغزوة، وأطلع النفاق رأسه واشتد النفاق بعد معركة أحد بالذات ما لم يشتد قبل ذلك، ومن هم أولئك المسلمون؟ إنهم الصفوة المختارة التي قادها أعظم نبي ظهر في البشرية على الإطلاق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، السبب طبعاً حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ [آل عمران:152] الفشل، والتنازع، والمعصية، وحب الدنيا، أربعة أسباب رئيسية ذكرتها الآية، أسباب لهزيمة المسلمين في معركة أحد، قبل فترة كانوا منتصرين، وبعد فترة أصبحوا منهزمين، وبعدها انتصروا في الأحزاب، وبعدها جاءت حنين، فانهزموا في البداية وانتصروا بعدها، ثم توالت انتصارات المسلمين تفتح بلاد العالم شرقاً وغرباً.
وساق ابن كثير في حوادث سنة (717 هـ) قال: لحق ستون فارساً من التتر قافلةً فيها أكثر من ألف من المسلمين، فمالوا عليهم فقتلوهم عن آخرهم، فقتل من تجار المسلمين في تلك القافلة ستمائة، ومن عامتهم ثلاثمائة، ولم يبق منهم سوى الصبيان وعددهم سبعون صبياً، فقال هؤلاء التتر: من يقتل هؤلاء؟ فقال واحد منهم: أنا بشرط أن تعطوني مالاً زائداً من الغنيمة، فقتلهم كلهم عن آخرهم سبعين صبياً وطفلاً، وردمت بهم خمس من الصهاريج الضخمة حتى امتلأت رحمهم الله، ولم يسلم من الجميع إلا رجل واحد عاش ليروي هول المذبحة.
وقد روى ابن أبي حاتم عن العلاء بن الزبير عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم، ثم رأيت غلبة الروم فارس، ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم في خمسة عشر عاماً، لأنه لما غلبت الروم فارس من الذي تغلب عليهم كلهم؟ المسلمون الذين فتحوا بلاد فارس والروم، انظروا -أيها الإخوة- تمعنوا في أحداث التاريخ كيف تنتصر دولة ثم تنهزم من الدولة التي هزمتها ثم يأتي أقوام آخرون ويهزمون الدولتين بقدر الله سبحانه وتعالى، كيف تتغير خريطة العالم في زمن وجيز جداً؟ من الذي يصرف الأمور؟! قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] اليوم تؤتيه الناس الفلانيين وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] وتنزع من أناس آخرين وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] فيغلبون وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران:26] فينهزمون بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] .. وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140] وتلك الأيام نداولها يوماً لهؤلاء ويوما لهؤلاء على قدرٍ من الله عز وجل، وهذه الهزائم والانتصارات سواءً كانت في المسلمين أو في الكفار يقول الله تعالى في شأنها: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4] من قبل الهزيمة والانتصار ومن بعد الهزيمة والانتصار الأمر لله عز وجل.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبصرنا وإياكم في دينه، وأن يرزقنا وإياكم التدبر في كتابه ومعرفة أحكامه وسننه، وأن يرسخنا على الإيمان وطريقه وصلى الله على نبينا محمد.
أيها الإخوة: هذه القضية التي تكلمنا عنها الآن نعود فنربط بين صفات الله عز وجل أنه يدبر الأمر، وأنه يداول الأيام بين الناس، وأنه يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وأن له الأمر من قبل ومن بعد، هذه الحقائق القرآنية لها التصاق وثيق بأحوال المسلمين اليوم، والسبب الذي من أجله نتحدث عن هذه القضايا: أن هذه الهزائم التي يعيشها المسلمون اليوم تسبب إحباطاً في نفوسهم ويأساً من نصر الله تعالى، فيقول المسلمون اليوم: كيف يمكن أن ننتصر؟ كيف يمكن أن ننتصر وحالنا من التشتت والانقسام ما هو معروف وواضح؟! كيف يمكن أن ننتصر والشرق والغرب من الشيوعيين والرأسماليين ومن بينهما من الطبقات الكافرة يملكون من القوى والأسلحة والعتاد العسكري والعدة ما يفوق المسلمين بأضعاف كثيرة؟ بل لا يمكن أن يقارن على المستوى المادي العسكري بين قوة المسلمين وبين قوة الكفار.
كيف يمكن أن ننتصر وكل يوم تتجدد المذابح، وتتجدد الهزائم المتوالية، وتحتل أراضٍ جديدة من أراضي المسلمين، والنكسات في داخل بلاد المسلمين وخارجها حاصلة، ودائرة التخطيط على المسلمين قائمة على قدم وساق؟
أولاً: أنها تفقد المسلم القدرة على إيجاد التصورات الصحيحة التي يستطيع أن يسير بها في حياته.
ثانياً: أنها تفقد المسلم القدرة على التفكير السليم، لأن من يعيش في أجواء الهزيمة -هذه نقطة مهمة أيها الإخوة- الذي يعيش في أجواء الهزيمة يفقد القدرة على الابتكار، وعلى العطاء، وعلى الإنتاج، وهذا من أسباب تخلف المسلمين اليوم، واستيرادهم لأتفه المنتجات من بلاد الكفرة، القدرة على الإنتاج بجميع أنواعه حتى في المجالات الشرعية، لذلك قل علماء المسلمين، وقل الإنتاج الحقيقي الذي له ثقل في مجال العلوم الشرعية كثيراً، وقل الدعاة والمصلحون، وانحصر الإسلام في نفوس الناس، وتشوهت الفكرة الإسلامية والعقيدة الإسلامية في نفوس كثير من المسلمين، فلم يعرفوا من القرآن إلا رسمه وكيفية كتابته، هذا إن قرءوه قراءة صحيحة، وجهلوا معانيه وما انطوى عليه من الحكم والأحكام.
كيف نقنع الناس اليوم بأن الشرق أو الغرب لا يملك شيئاً؟
كيف نقنعهم بأن الله لو أراد شيئاً هيأ أسبابه؟ وأن الله لو أراد شيئاً فلا بد أن يكون؟ لو أراد الله أن ينتصر المسلمون غداً على الكفرة في الشرق والغرب ويعم الإسلام الأرض، لكان ذلك لأن الله أراده، إذاً -أيها الإخوة- نحن نفقد معاني أسماء الله وصفاته التي تهيئ لنا الأجواء النفسية المطمئنة التي نستطيع من خلالها أن نتحرك وأن ننتج، هذه الهزائم التي يعيشها المسلمون اليوم، هل فكرت يا أخي كيف كان المسلمون إلى عهدٍ قريب قبل بضع مئات من السنين فقط؟ إليك هذه التواريخ والأحداث التي جرت فيها: في عهد آخر خلافة قامت للمسلمين الخلافة العثمانية في عام (1683م) -يعني قبل أقل من أربعمائة سنة- فتحت جيوش المسلمين بولندا والنمسا ، التي هي الآن من معاقل الكفرة ودول الكفر، قبل أربعمائة سنة تقريباً كانت جيوش الخلافة العثمانية قد دخلت داخل بولندا والنمسا وأصبحت على أسوار فيينّا عاصمة النمسا ورفع الأذان هناك.
وكان الاتحاد السوفيتي -بلاد الروس الآن- كلها تحت سيطرة الدولة العثمانية والخلافة الإسلامية، بلاد القوقاز وما وراءها وبلاد تركستان التي هي من دولة روسيا الآن كلها كانت تبعاً للخلافة العثمانية وكانت بلاد المسلمين.
إلى عام (1644م) كان المغول المسلمون يحكمون الصين ، انتهى حكم المسلمين للصين عام (1644م) قبل بضع من السنين فقط، ربما بعض المسلمين الآن لا يعرف أصلاً أن المسلمين قد حكموا الصين في يوم من الأيام، ولا يتصور أن الصين التي تدين اليوم بالشيوعية والإلحاد آلاف الملايين من الناس الذين فيها أو مئات الملايين كانوا يوماً من الأيام يحكمون من المسلمين.
عام (1526م) فتح المسلمون العثمانيون المجر وهنغاريا.
وفي عام (1537م) فتح المسلمون أجزاء من إيطاليا ودخلوا مدينة أترانتو الإيطالية، كانت الخلافة الإسلامية العثمانية موجودة هناك.
ووصلت جيوش المسلمين في عهد الخلافة العثمانية في عام (1543م) إلى فرنسا واحتلوا مدينة نيس وطولون في فرنسا ودخلوها وأقاموا فيها مسجداً ورفع شعار لا إله إلا الله في قلب فرنسا .
وأسبانيا التي بقيت قروناً من الزمان في أيدي المسلمين، وهذه شبه القارة الهندية استكمل المسلمون السيطرة عليها؛ بلاد عباد البقر والهندوس الآن كانت في يوم من الأيام في عام (1586م) تحكم بالإسلام.
إذاً: يمكن أن يحدث بعد هذه الهزيمة نصر بإذن الله عز وجل، ولله الأمر من قبل ومن بعد، أعداء الإسلام يخططون ويدبرون ولا شك في هذا، وعندهم جيوش جرارة لاشك في هذا، وكل يوم تحصل هزائم وانتصارات، لكن من الذي يدبر حقيقة؟ من الذي وراء الأحداث كلها؟ من الذي فوق كل شيء ذاتاً وصفات، وله علو الذات والصفات والقهر والغلبة؟ إنه الله عز وجل، كل الأشياء التي تحدث الآن في العالم لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4] كلمات تحتوي كل شيء يدور، كل الأشياء التي تدور ( لِلَّهِ الْأَمْرُ ) -أيها الإخوة- احفظوا هذه الكلمات لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الروم:4] من قبل حدوث الأحداث ومن بعد حدوث الأحداث، الأمور بيد الله عز وجل، الله عز وجل يؤتي من يشاء ويمنع من يشاء، هذا مفهوم مهم جداً أن يكون مرتكزاً في نفوسنا، وإلا فليس هناك أمل أن تتحسن الأحوال مطلقاً.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، اللهم وارزقنا معرفتك ومعرفة أسمائك وصفاتك وعبادتك بها يا رب العالمين! اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه، اللهم واجعلنا من الذاكرين لك كثيراً، ومن الشاكرين لك نعمك وإحسانك يا رب العالمين!
اللهم واجعلنا من جندك وأوليائك وأتباع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، اللهم وارزقنا النصر في العقيدة، اللهم وارزقنا النصر في القوة على أعدائك يا رب العلمين!
اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الزيغ والفساد، والبدعة والعناد، اللهم وانشر دين المسلمين في أصقاع الأرض يا رب العالمين!
اللهم وهيئ لهذه الأمة أمر رشد تُعز فيه أهل طاعتك، وتُذل فيه أهل معصيتك، اللهم واجعل يوم النصر قريباً يا رب العالمين!
وصلوا على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم الذي أمركم ربكم بالصلاة عليه، وأجزل العطاء: عشر صلوات لمن صلى عليه مرةً واحدة، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
يا إخواني! إن المسلم وإن كان يعيش الآن في هزيمة، فإنه كما يقول صاحب الظلال رحمة الله تعالى عليه: فإنه ينظر إلى غالبه من علٍ، وإن كنا مغلوبين فإنا ننظر إلى أعدائنا من فوقهم، كيف؟ الله عز وجل في الآية التي قرأناها في انهزام المسلمين في أحد قال قبلها مباشرةً: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا [آل عمران:139] نحن مغلوبون؟! نعم. نحن قد أُهِنَّا؟! نعم. قد علا الكفار علينا؟! نعم. يقول الله تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] لا تهنوا: لا تشعر بالمهانة ولا بالذلة يا أخي المسلم، بل اشعر بالعلو على الكفرة، انظر إلى من غلبك من الأعلى، لماذا؟! لأنك تستعلي عليهم بعقيدتك، العقيدة أغلى شيء تستعلي على الكفرة بالعقيدة، حتى يأتي يومٌ ينصر الله فيه الإسلام، فنحن والحمد لله عندنا هذه العقيدة الصافية النقية التي هي مصدر العز والاستعلاء في الأرض، التي إذا عملنا لها كما أراد الله، فلابد أن ننتصر: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ [الحج:40].
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر