إسلام ويب

الحياء خلق عظيم من أخلاق الإسلام، وهو صفة من صفات الصالحين الصادقين، وهو مما أدركنا من كلام النبوة الأولى. وما انتشرت الفواحش والمعاصي والذنوب إلا بسبب نزع الحياء من قلوب الخلق.

رقابة الله على عباده توجب الحياء منه سبحانه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وسلم، وبعد:

أخي! اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك، واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه، وخضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه.

فالحياء على قدر حياة القلب، وكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم.

وأشد آية باعثة على الحياء قول الله عز وجل: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].

وقول الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] أي: وملائكتنا أقرب إليه من حبل الوريد، وهذا بإجماع علماء التفسير.

ويقول الله عز وجل: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80].

ويقول الله عز وجل: أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ [فصلت:54].

وقال الله عز وجل: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة:6].

وقال الله عز وجل: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:52].

وقال الله عز وجل: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [الملك:13].

وقال الله عز وجل: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].

ومن أسماء الله عز وجل الرقيب والعليم والخبير والحكيم والمحصي والشهيد، وكلها خاصة بعلم الله عز وجل.

فالعليم: الذي يعلم جميع المعلومات.

والحكيم: الذي يعلم دقائق العلم.

والشهيد: الذي يعلم ما غاب وما حضر، والمحصي: الذي لا تغيب عن علمه غائبة.

والخبير: الذي يعلم دقائق العلم، ويعلم الكليات كما يعلم الجزئيات، وكلها خاصة بصفة العلم لله تبارك وتعالى.

وعلم الله عز وجل ليس كعلم المخلوقين، فالله تبارك وتعالى يعلم ما كان وما هو كائن وما لم يكن لو كان كيف يكون.

وهو العليم أحاط علماً بالذيفي الكون من سر ومن إعلان

وكذاك يعلم ما يكون غداً وما قد كان والموجود في ذا الآن

وكذاك أمر لم يكن لو كان كيــف يكون ذا الأمر ذا إمكان

فعلم المخلوقين قاصر، مبدوء بجهل ويعتريه النسيان، وأما علم الله عز وجل فهو علم كامل.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طعم بهن طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وعلم أنه لا إله إلا هو، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط اللئيمة، ولكن من أواسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره)، وزاد البيهقي في روايته التي صححها الشيخ الألباني قال: (وزكى نفسه، فقال رجل: وما زكى نفسه يا رسول الله؟! قال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان).

وقال سيدنا عبد الله بن عمر : لا يجد عبد صريح الإيمان حتى يعلم أن الله عز وجل معه، ويعلم أن الله تعالى يراه، فلا يعمل سراً يفتضح به يوم القيامة.

والحياء رؤية آلاء الله تبارك وتعالى عليك، ورؤية التقصير منك في حق الله عز وجل، فيتولد منهما وبينهما خُلق يبعث على ترك القبيح.

فرؤية الآلاء والتقصير يتولد منهما خُلق يسمى الحياء، يبعث على ترك القبيح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

وفي الرواية الأخرى: (آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

وهذه الجملة: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) تندرج تحتها ملايين الأمثلة.

كريمان حمزة كانت مذيعة تلفزيونية، وكانت تقدم البرامج الدينية، ولخصت تجربتها مع التلفاز في كتاب سمته: لله يا زمن. و(لله يا زمن) هو مثل، فقد كان رجل موسيقار يقف أمام كل بيت يعزف، فتخرج المرأة وتعطيه شيئاً، وفي يوم من الأيام وقف أمام جامع، وهو يظنه قصراً كبيراً لرجل غني، فقال: سأمكث هنا أعزف حتى الصباح، فمكث يعزف طول النهار فلم يعط شيئاً، فقال له شخص: ما هذا؟ قال: أليس هذا قصر كبير من الكبراء؟ قال له: يا عم! إن هذا مسجد! فقال: لله يا زمن، يعني: تعبه ذهب على قلة الصيد مثلما يقولون.

فهي تقول: إنها كانت تعد برنامجاً عن العشرة المبشرين بالجنة، فقال لها رئيس التلفاز السابق الذي ذهب إلى الحضيض: هذا البرنامج لن يمر إلا على جثتي إن مر.

ثم سألها: لماذا تعملين العشرة المبشرين بالجنة كلهم من الصحابة، اعملي خمسة من هنا وخمسة من العشرة، وقد كان هذا أيام عاطف صدقي رحمه الله رئيس الوزراء السابق، فسألنا: لماذا لا يكون وزير الإعلام منهم؟ بل إن هناك مصدراً صحفياً أبلغ الوزير أن العشرة هؤلاء كلهم كانوا من الإرهابيين المتطرفين؛ من أجل ألا تصل هذه المعلومات إلى الناس، وقد سجلت هذا بخطها في كتابها: لله يا زمن.

قال صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وهذا مثلما يقول بعض الناس: إن اليهود أبناء عمومته، في حين أن هؤلاء اليهود جاءوا من الاتحاد السوفيتي، ومن الحبشة، وهم ليسوا من بني إسرائيل، وقد كانوا يقولون: إن لنا حقاً تاريخياً في القدس، فإذا سئلوا: لماذا؟ قالوا: نحن بنو إسرائيل -أي يعقوب- وبنو يعقوب قد انقرضوا، أما هؤلاء اليهود فنصفهم أو ثلاثة أرباعهم جاءوا من الاتحاد السوفيتي، ومنهم من أتى من أواسط أفريقيا وأوربا، وليس هناك أي صلة تجمع بينهم وبين نبي الله يعقوب، فهؤلاء ليسوا بني إسرائيل من الناحية التاريخية.

وأما من الناحية الدينية: فيعقوب بريء منهم، فقد قالوا عنه ما قالوا، قالوا: إن يعقوب سرق مواشي حميه وهرب بها ليلاً.

وقالوا: إن رهابيل بن يعقوب الأكبر زنى بامرأة أبيه، وإن يعقوب علم بذلك وسكت.

وقالوا: إن يهوذا بن يعقوب زنى بامرأة ابنه بعد موته، يعني: جعلوا من بيت يعقوب نبي الله بيت دعارة وزنا بالمحارم!

ونحن أولى بيعقوب منهم، قال تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]. فسيدنا يعقوب وذريته من بعده مسلمون خلص، وهم أبعد الناس عن يهود هذا الزمان.

وأجمع علماء المسلمين على أن اليهود والنصارى الآن كافرون مشركون، وهذا هو القول الفصل، وفي سورة النساء في الآية مائة وواحد وخمسين حكم فاصل في هذه المسألة ونص واضح صريح جلي.

فضل الحياء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً وإن خلق الإسلام الحياء).

وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء خير كله).

وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء لا يأتي إلا بخير).

وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء والإيمان قرنا جميعاً، إذا رفع أحدهما رفع الآخر).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شعبه، والحياء شعبة من شعب الإيمان).

وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار).

وقال صلى الله عليه وسلم: (الحياء والعي) والعي: سكوت الإنسان كثيراً وعدم نطقه كثيراً؛ خشية الوقوع في الخطأ والمعصية. (الحياء والعي شعبتان من شعب الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من شعب النفاق).

وقال صلى الله عليه وسلم: (ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، وما كان الحياء في شيء قط إلا زانه).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي ستير يستحي أن يرفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين).

وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حيي ستير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر).

فالحياء صفة من صفات الله تبارك وتعالى، وحياء الله تبارك وتعالى لا تكيفه الأفهام ولا تحيط به العقول، فالله حيي ستير، يستحيي أن يعذب عبده المؤمن بعدما شاب في الإسلام، ويستحي من عبده الذي يرفع إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين، ويستر على العاصي والجاني ولا يفضحه.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: من وافق الله في صفة من صفاته قادته تلك الصفة إلى الله عز وجل بزمامه، وأدخلته على ربه، وأدنته وقربته من رحمته، وصيرته محبوباً له، فإن الله حيي يحب أهل الحياء، جميل يحب الجمال، رحيم يحب الرحماء، كريم جواد يحب الجود، قوي يحب المؤمن القوي.

أقسام الحياء

والحياء يا إخوتاه! على عشرة أقسام:

حياء الجناية، وحياء التقصير، وحياء الإجلال، وحياء الكرم، وحياء الحشمة، وحياء استصغار النفس، وحياء النفوس الكبيرة، وحياء المحبة، وحياء العبودية، وحياء المستحيي من نفسه، وسنشرح هذه الأقسام العشرة قبل أن نتكلم عن الحياء.

حياء الجناية

أما حياء الجناية فهو ناشئ عن المعصية، فإذا عصى العبد ربه وعلم أن الله ناظر إليه ومطلع عليه استحيا من ربه، مثل حياء آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة وفر في الجنة، فقال له الله عز وجل: يا آدم! أفراراً مني؟ قال: لا، بل حياء منك يا رب!

ومن هذا القسم حياء الأنبياء في عرصات القيامة، كما جاء في الحديث الصحيح عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يجمع الله الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، قال: فيأتون آدم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، اشفع لنا عند ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي منها).

وهنا لنا وقفة: فقد أخطأ الشيخ طارق حينما نفى النبوة عن آدم، وتكلم في ذلك علماء السعودية الأجلاء الكبار أهل العلم؛ وفي الصحيح أنه سئل صلى الله عليه وسلم: (أنبياً كان آدم يا رسول الله؟! قال: نبياً مكلماً)، يعني: اختصه الله بالتكليم كما اختص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما اختص موسى عليه السلام بالتكليم.

قال صلى الله عليه وسلم: (فيذكر خطيئته التي أصاب فيستحيي منها)، وفي هذا الحديث أن كل نبي يذكر خطيئته، فقال عن سيدنا نوح عليه السلام: (فيذكره خطيئته التي أصاب فيستحيي منها، فيقول: لست هناكم اذهبوا إلى إبراهيم، ويذكر خطيئته التي أصاب).

مذهب أهل السنة في وقوع المعاصي من الأنبياء

ومن قواعد أهل السنة والجماعة في العقيدة: جواز الصغيرة على الأنبياء بعد النبوة، ولكنهم إذا فعلوها أقلعوا عنها في الحال، وكان حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : هذا مذهب السلف لا يعرف لهم مذهب سواه.

فلا تجوز الكبيرة أو الكفر على الأنبياء بعد النبوة، ولكنهم تجوز عليهم الصغيرة، والفرق بينهم وبين البشر: أنهم إذا فعلوا الصغيرة تابوا منها في الحال وأقلعوا عنها، وكان حالهم بعد التوبة أكمل من حالهم قبل التوبة؛ لقول الله عز وجل: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121]، والغواية لا تكون إلا عن معصية.

الفضيل بن عياض وهو من سادات أهل السنة والجماعة وكان سيدنا سفيان بن عيينة إذا لقيه يقبل رأسه ويده، وكان صاحب الكلمة الطيبة في هضم النفس، ولما أخذ بيد سفيان بن عيينة إلى خارج الحرم قال له: إن كنت تظن أنه قد بقى على وجه الأرض من هو شر مني ومنك فبئس ما تظن، يعني: أنا وأنت شر اثنين في المسلمين. هكذا كانت أخلاق السادة، وكان يقول: لو خيرت بين أن أبعث فأدخل الجنة وبين ألا أبعث لاخترت ألا أبعث، فقيل لـمحمد بن أبي حاتم : مم هذا؟ قال: من الحياء، يعني: حياء من الله عز وجل، وحياء من مقابلته عز وجل.

وشهد الفضيل بن عياض عرفات وإذا بدموعه تتساقط على وجنتيه، وكان يقول طيلة اليوم: واسوءتاه منك وإن عفوت!

يا خشية العبد من إحسان سيدهيا حسرة القلب من ألطاف معناه

فكم أسأت وبالإحسان قابلنيواخجلتي واحيائي حين ألقاه

يا نفس كم بخفي اللطف عاملنيوكم رآني على ما ليس يرضاه

يا نفس كم زلة زلت بها قدميوما أقال عثاري ثم إلا هو

و الأسود بن يزيد عندما احتضر بكى وجزع، فقيل له: لم الجزع؟ قال: ومن أحق بالجزع مني، والله لو أتيت بالمغفرة من ربي لأهمني الحياء منه، إن الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعلم أنه قد عفا عنه فيستحيي منه عند لقائه.

وقال الحسن البصري : لو لم يكن البكاء إلا من هذا لكان حرياً أن يطول بنا البكاء.

والإمام أحمد دخل عليه أبو حامد القلقاني فقال له: ما تقول في الشعر؟ قال: مثل ماذا؟ قال: مثل قول القائل:

إذا ما قال لي ربيأما استحييت تعصيني

وتخفى الذنب من خلقيوبالعصيان تأتيني

فما قولي له لمايعاتبني فيقصيني

فجر الإمام أحمد ثوبه وأخذ نعله، ثم أغلق عليه باب الدار وسمع نحيبه من خلف الباب، وهو يقول:

إذا ما قال لي ربيأما استحييت تعصيني

وتخفي الذنب من خلقيوبالعصيان تأتيني

فما قولي له لمايعاتبني ويقصيني

يا من تمتع بالدنيا وزينتهاولا تنام على اللذات عيناه

أفنيت عمرك فيما لست تدركهتقول لله ماذا حين تلقاه؟

حياء التقصير

والنوع الثاني من الحياء: حياء التقصير، كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك! ما عبدناك حق عبادتك.

وكذلك حياء الصالحين من الله عز وجل ورؤيتهم لتقصيرهم في حقه، وأن جنابه عزيز كريم.

وما قدروا الله حق قدره. من هذا الباب نظروا في أحوالهم بعين الدعاوى، وفي أعمالهم بعين التقصير، وكان إمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي عمره ويجعل أنفاسه وقفاً على الدعوة إلى الله عز وجل، حتى إذا قرب الموت منه قال له الله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].

وهذا إعلام من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم بقرب وفاته وأمر له بالاستغفار.

ونوح عليه السلام بعد أن قضى في الدعوة ألف سنة إلا خمسين عاماً يقول: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [نوح:28].

وكان دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم بعد التحلل من الصلاة: (غفرانك، غفرانك)، يعني: كأن هذه العبادة قاصرة عن مقام الله العظيم.

وكان إذا توضأ قال: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين).

وقال تعالى لمن انصرف من الحج: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].

وقد كانوا يمدون صلاتهم طيلة الليل، فإذا كان السحر وقرب الفجر أنزلوا أنفسهم منزلة العصاة وكأنهم أسرفوا طيلة ليلهم في الجرائم، يقول الله تبارك وتعالى: الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ [آل عمران:17]، بل إنهم يستغفرون بعد الموت في عرصات القيامة حين مرورهم على الصراط، حين يكون دعاء النبيين والمرسلين والمؤمنين: الله سلم سلم، فهم يقولون: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا [التحريم:8].

والمؤمن أسير الحق لا يزول عنه خوفه، ولا يسكن اضطرابه حتى يخلف جسر جهنم وراءه، ومن ربك الفضل والكرم.

حياء الإجلال

حياء الإجلال، وهذا يكون على قدر العلم والمعرفة، كحياء سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال رضي الله عنه: والله إن كنت لأشد الناس حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما ملأت عيني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا راجعته بما أريد حتى لحق بالله عز وجل؛ حياء منه.

ويقول أيضاً في رواية: إنه لم يكن شخص أبغض إلي من النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أسلمت لم يكن شخص أحب إلي منه ولا أجل في عيني منه، ولو سئلت أن أصفه لكم ما استطعت؛ لأني لم أكن أملأ عيني؛ إجلالاً له.

وهذا كما قال الشاعر:

أشتاقه فإذا بدا أطرقت من إجلاله

لا خيفة بل هيبة وصيانة لجماله

الموت في إدباره والسعد في إقباله

وأصد عنه إذا بدا وأروم طيف خياله

فلم يكن يرفع نظره إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ إجلالاً لمقام النبوة، وحياء من النبي صلى الله عليه وسلم.

وكذا فعل سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن شجرة تشبه المسلم، فوقع الصحابة في شجر البادية، وقال سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت لمقام كبار الصحابة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي . فهذا حياء الإجلال.

ومنه حياء سيدنا عبد الرحمن بن مهدي -أمير المؤمنين في الحديث- من شيخه سفيان الثوري ، فقد كان عبد الرحمن بن مهدي يحضر درسه تسعون ألفاً ومعهم المحابر، وكان إذا لقي شيخه سفيان الثوري لا يستطيع أن يرفع نظره إليه؛ هيبة وإجلالاً له.

فهذا الذي كان يحضر له تسعون ألفاً ما كان يستطيع أن يرفع نظره في وجه شيخه سفيان الثوري ، مع أن سيدنا سفيان الثوري قال عنه يحيى بن أبي غنية : كان أصفق الناس وجهاً في ذات الله عز وجل، يعني: كما يقولون: وجهه منزوع منه الحياء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يعرف فيه حتى أباه.

ودخل مرة على الخليفة المهدي وهو من هو، فأغلظ له القول، وأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر، فقال له وزير الخليفة أبو عبيد الله : لقد شققت على أمير المؤمنين بمثل هذا؟ فقال: اسكت، فما أهلك فرعون إلا هامان ، وبعد أن انصرف سفيان الثوري قال الوزير أبو عبيد الله : يا أمير المؤمنين! ائذن لي أن أضرب عنقه، قال: اسكت، وهل بقي في الأرض من يستحيا منه غير هذا؟

يقول: كلما جاءنا رجل أو عالم يعظنا ويزهدنا في دنيانا إذا ما قدمنا له شيئاً من دنيانا قبله، إلا سفيان فإنه ما أخذ من دنيانا شيئاً، فهو أجرأ الناس علينا من أجل هذا.

حياء الكرم

وحياء الكرم، كحياء النبي صلى الله عليه وسلم لما صنع وليمة في عرس زينب وأتى الناس إليه وأطالوا عنده الجلوس، فاستحيا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بالانصراف حتى عاتبهم الله عز وجل بقوله: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ [الأحزاب:53].

وتجد بعض الإخوة مثلاً يعلمون حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا سمر بعد العشاء إلا في حضرة ضيف أو عرس). ومع ذلك يحضر إخوانه على الشاي والكركديه والحلوى، وإن كان عنده عشاء عشاهم، ونريد أن يترك وقتاً هكذا للتهجد وللخلوة بالله تبارك وتعالى.

وأنت لا تستغل كرم أخيك وتضيع له عمره، كما أتى جماعة إلى عابد من العباد وطولوا عنده الجلوس فقال لهم: إن ملك الشمس يسوقها، فمتى تريدون القيام.

وأتى عابد إلى أخ له فوجد عنده قوماً قد أطالوا الجلوس، فقال له: صرت مناخ البطالين لا أجالسك أبداً!

فهذا الوقت جواهر تملأ بها خزائنك يوم القيامة، والتسبيحة الواحدة تغرس لك بها نخلة في الجنة، ولو أن أحداً منعك من نخلة ذهب أو جلس معك خمس دقائق وضيع عليك مثلاً عشرة مليون جنيه، فإنك ستأخذه من يده ورجله وتقول له: اخرج، تضيع علي عشرة مليون جنيه في ربع ساعة؟! فما ظنك بنخل الجنة وهي بتسبيحة واحدة؟ والتسبيحة الواحدة بنفس، فمن قال: سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة. فداوم على هذا كل يوم، ولا تنفض عنها، فالدنيا كلها عمل.

والعلم موقوف على العمل، والعمل موقوف على الإخلاص لله، والإخلاص لله يورث الفهم عن الله تبارك وتعالى. فلا تقل إن هذا الأخ أراد أن يتعشى أو يشرب شاياً، وإنما قل له: أنا أعطيتك ما تريد، ثم اذهب فأنا مشغول.

حياء الحشمة

حياء الحشمة، وهذا ارتفع تماماً من دنيا الناس إلا من رحم الله؛ بسبب التلفاز، ومن حياء الحشمة حياء سيدنا علي بن أبي طالب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (كنت رجلاً مذاء فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فسأله فقال: فيه الوضوء).

يعني: الشيء المتعلق بأمر النساء والجماع لا تسأل نسيبك عنه، فلا يجلس الرجل يتكلم مع نسبه ويحكي النكت أو يتحدث في الكلام المتعلق بالفراش، فما ظنك بالذي يحضر ابنته بجانبه وهو يشاهد فيلم السهرة! ثم بعد ذلك يظهر منظر خادش للحياء فيقول لها: انهضي حتى لا تشاهدي هذا المنظر، أنت قليلة أدب، وإنما هو قليل الأدب؛ فهي ستقوم وتترك المكان ولكنها ستراه لا زال جالساً، أفلا يستحي هو؟

وقديماً قبل أن تعرف النساء الحجاب أو النقاب كانت الواحدة لا تستطيع أن تمشي في الشارع إلا وهي واضعة للطرحة على رأسها؛ من أجل أن عمها في أول الشارع ومعه بعض الرجال، وفي هذا الوقت من تمام الإيتكيت أن العريس يأخذ عروسه إلى المسرح ويرقص معها، فارتفع حياء الحشمة نهائياً من دنيا الناس إلا من رحم الله تبارك وتعالى.

حياء استحقار النفس

حياء الاستحقار واستصغار النفس، وهو أن الإنسان إذا كانت له نفس علية يستحي أن يصدر منه الشيء الصغير، مثل الرجل الذي قدم له غني من أبناء الدنيا مالاً فقال: إني والله أستحي من ربي أن أسأله الدنيا وهو خالقها ومالكها، فكيف أسألها من غير مالكها؟!

ويأتي إليك شاب طويل وعريض وهو مكروب مهموم، فتسأله: ما لك يا أخي! هل أنت تعد خطة حربية مثلاً للاستيلاء على مدينة وضاعت منك في آخر لحظة؟ فيقول لك: لا، وإنما في هذا اليوم يمكن أن إبراهيم حسن لن يلعب مع الزمالك.

وهناك إخوة كثيرون يستيقظون الصبح وليس همهم غير المباريات، وسيدنا أبو موسى الأشعري قال لما رأى الناس قد بدت عوراتهم: لأن أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر خير لي من أن أرى عورة رجل أو يرى رجل عورتي.

وقد اختلف العلماء في حد العورة: هل هي من السرة إلى الركبة أو العورة المغلظة فقط؟ والذي لا يهتم إلا بالمباريات هو الرجل الصفر، وكما يقول الشيخ إبراهيم الدويش : الرجل الصفر ليس له مكانة، سواء وضعته على اليمين أو على الشمال، فهو الصفر موضوع على الشمال، وهو ليس مثل أم الشيخ محمد رشيد رضا ، فقد كانت إذا لقيت ابنها مهموماً تقول له: ما بك يا محمد! هل مات اليوم أحد من المسلمين في الصين أو فلسطين؟!

ومن حقارة النفس أن يشغل الإنسان نفسه بتوافه الأمور، والدنيا تصب جام غضبها على المسلمين في كل مكان:

بيروت في اليم ماتت قدسنا ذبحتونحن في العار نسقي وحلنا طينا

أي الحكايا ستروى عارنا جللنحن الهوان وذل القدس يكفينا

القدس في القيد تبكي من فوارسهادمع المنابر يشكو للمصلينا

وعظائم الأمور عندما تحل بالأمم تجعلها تفيق من غفلتها ومن نومها الثقيل، والإنسان عندما يجد بيته قد انهدم واحترق وأولاده في الشارع يصحو، فما باله إذا رأى أن أخوته يقتلون ويذبحون كل يوم لا يحرك ساكناً؟ وإن الرجل يقول: لو فتح باب الجهاد فكلنا سنخرج، وربما خانتك نفسك بسبب المعاصي، ولا تقدر أن تخرج بسبب الذنوب، فاتق الله عز وجل.

حياء المحبة

وحياء المحبة بالنسبة لمحبة المبشر مثل شخص عاقد ينظر إلى زوجته أول مرة، ويجلس معها بعد العقد، فهي زوجته ورغم هذا تلقى وجهه أحمر ورجليه تضرب في بعضها وينسى الكلام، فتسأله: ما اسمك؟ فيخرج البطاقة وينظر، وهي زوجته! فهذا يسمى حياء المحبة.

يقول الشاعر:

فما هي إلا أن أراها فجاءةفأبهت حتى ما أكاد أجيب

وإني لتعروني لذكراك هزةلها بين جلدي والعظام دبيب

أعاذنا الله عز وجل وإياكم من المحبة المحرمة.

والمحبة في الله عز وجل لون آخر يليق بقدر الله عز وجل، فمن علم أن الله قريب منه يستحيي منه أن يراه ساكناً إلى خلقه، فيبغض إليه كثرة المخالطة للخلق ويحبب إليه الخلوة بالله تبارك وتعالى وألذ الأوقات عنده أوقات المناجاة وساعات التنزل الإلهي، وقد خلا كل حبيب بحبيبه، وغلقت الملوك أبوابها، وباب ملك الملوك مفتوح لمن دعاه، فمن ذا الذي أملك لنائبة فقطعت به دونها؟ أم من ذا الذي رجاك لعظيم جرمه فلم تغفر له؟

يا مؤنس الأبرار في خلواتهميا خير من حطت به النزال

قيل لعابد: ما أطيب شيء؟ قال: سرداب أخلو به فيه، وكان ابن تيمية رجلاً ربانياً من هذا الطراز، فكان إذا صلى الفجر خرج إلى الصحراء، ويقول:

وأخرج من بين البيوت لعلنيأحدث عنك القلب بالسر خاليا

وأحلى أوقات المناجاة جوف الليل الآخر، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مؤمن يسأل الله عز وجل شيئاً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه، وذلك في كل ليلة) فبعد ما ينام الخليون يقوم العابدون إلى محاريبهم تتقاطر دموعهم على خدودهم، ويشرف الجليل من السماء ويقول كما في الأثر عن الفضيل بن عياض : يا جبريل! بعيني من تلذذ بكلامي، واستراح لذكري، لم لا تنادي فيهم يا جبريل! ما هذا البكاء؟ هل رأيتم حبيباً يعذب أحبابه، أم كيف يجمل بي أن آخذ قوماً إذا جنّهم الليل خلوا بمناجاتي؟ والله لأكشفن لهم عن وجهي وأنظر إليهم يوم القيامة.

فإذا علمت بقرب الله عز وجل منك فيدفعك هذا القرب إلى الاستيحاش من البعيد عنك، ويبغض إليك كثرة المخالطة للخلق، ويحبب إليك الخلوة والمناجاة بمولاك تبارك وتعالى.

حياء العبودية

وحياء العبودية هو حياء يجمع ما بين المحبة والخوف ومشاهدة عدم صلاح عبوديته لمعبوده، فيرى أن عبوديته ناقصة قاصرة عرجاء، كالذي كان يقوم الليل حتى تتورم قدماه ولا يأتي فراشه إلا زحفاً، ثم يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوء! وهل رضيتك لله طرفة عين؟!

زين القراء محمد بن واسع لما قال: واشوقاه إلى إخواني، قيل له: أليس قد نشأ شباب يعلمون السنة؟ فتفل ثم قال: أفسدهم العجب، ضيعهم الكبر الذي عندهم. ومثقال ذرة من كبر تحول بينك وبين دخول الجنة.

حياء الشرف والعزة

وحياء التلوم والشرف والعزة:

فالنفوس الكبيرة إذا صدر منها ما هو أقل من قدرها تأنف، مثل رجل اعتاد أن يعطي لإخوانه مثلاً من (100 جنيه)، ثم مر على إخوانه فأعطى كل رجل منهم ذات يوم قرشاً فإنه يخجل؛ لأنه قد عودهم على الشيء الكبير العظيم، فكيف يعطيهم التافه؟ فيخجل وكأنه هو الآخذ لا المعطي، فتجده عندما يعطي إخوانه يستحيي منهم، ولا يستطيع أن يرفع نظره إلى إخوانه، فهذا حياء شرف النفس وعزتها.

الحياء من النفس

وحياء المرء من نفسه، فالرجل الشريف القدر العظيم النفس يجعل من نفسه نفسين: نفساً تفعل الشيء، ونفساً تحاسبها وتعاتبها وتراقبها:

كأن رقيباً منك يرعى خواطريوآخر يرعى مهجتي وجناني

فاجعل من نفسك رقيباً على نفسك، وقل لها: قومي يا مأوى كل سوء! وهل رضيتك لله طرفة عين؛ فاجعل من نفسك على نفسك مخبراً ورقيباً، وراقب الله عز وجل، مثل عمرو بن عبد قيس كان ينام في البرية، فقيل له: أما تخشى الأفعى وأنت نائم في الفلاة هكذا؟ قال: إني أستحي من الله أن أخشى شيئاً غيره وأنا في سلطانه، أي: هذا سلطان الله وملكه، وأنا عبده، والمخلوق لا يملك له ضراً ولا نفعاً.

ومثل عمرو بن عتبة بن فرقد كان يقوم الليل وهو في الجيش فلا يتحارس الجيش؛ لكثرة صلاة عمرو بن عتبة بالليل، فجاء السبع مرة فولى الجيش إلا عمرو فلم ينصرف من صلاته، فلما صلى قال للسبع: انصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ قال: إني أستحيي من الله عز وجل أن أخشى شيئاً غيره وأنا بين يديه.

وسقطت حديدة عند مسجد العزيز في جمعة الشيخ محمد حسان ، وهذه الجمعة يحضرها اثنا عشر ألفاً أو عشرون ألفاً، فعندما سقطت ظنوا أنها قنبلة، فصاح الذين في المسجد وخرجوا منه، وسقطت الموبايلات، والمحافظ، وجرى من جرى وهرب من هرب، وخرج البعض من المسجد وطلب ماكنة حلاقة من أجل أن يتخلص من لحيته حتى لا يتهم، والشيخ محمد واقف يتعجب منهم، أهؤلاء خلاصة الخلاصة؟ فإذا كان حال هؤلاء هكذا فكيف بغيرهم؟! فالعملية تريد مراجعة كبيرة جداً، والإخوة الذين حضروا هذا لن ينسوه أبداً، والإخوة هم الذين صاحوا وهربوا، وأما الأخوات فلا أخت صاحت، فكانت النساء في هذا الموقف أشجع، وأما الرجال فخمس دقائق ولم يبق منهم أحد.

كان أبو الحسن بنان الحمال شيخ الإسلام عابداً، ذهب إلى ملك مصر أحمد بن طولون فأمره ونهاه، فجوع سبعاً وألقاه إليه، وبعد أيام فتحوا عليه فوجدوا السبع بجانبه يشمه، فقالوا له: أين كان قلبك والسبع يشمك؟ فقال: كنت أفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع، أهو نجس أو طاهر؟

وقد ينكر بعض الناس مثل هذه الحكايات؛ لأنها متعلقة بالأسود، والأسود جبلت على الوحشية، ولكن نقول: هي ثابتة مذكورة في تواريخ الإسلام، مثل: سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي ، ولها أثر من السلف عن سيدنا سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه.

وقد حسن الإمام الألباني عليه رحمة الله حديث جابر بن عبد الله من رواية محمد بن المنكدر: أن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقع في الأسر، ففر من الأسر، فبينما هو في الطريق إذ طلع عليه الأسد فتقدم منه، وقال له: يا أبا الحارث! -كنية الأسد- أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أمري كيت وكيت فحكى للأسد الذي حصل له من أنه وقع في أسر الروم وفر منهم، فبصبص الأسد، يعني: حرك ذنبه يميناً ويساراً احتراماً له، وكأنه يقول: أنا أمام رجل كبير القدر، وسار معه حتى أوصله إلى مأمنه.

فإذا علمت أن الله قريب منك مطلع عليك عالم بحالك وأنك في سلطانه فلا تخش شيئاً غيره.

مقامات الحياء

إن مقامات الحياء مقامات عظيمة، ولذلك كان الحياء خلق الإسلام، والدرجة الأولى منه: أن تبغض إليك المعصية، فإذا علمت أن الله قريب منك فسيحملك هذا على استقباح الجناية، فتنظر إلى أدنى ذنب بأنه كبير في حق الله عز وجل؛ لأنك تعلم أن الله ناظر إليك في كل لحظة، وأنت مقيم على معصيته وعلى مخالفة أمره دق أو جل، صغر أم كبر، فقل:

يا رب! أتراك ترحم من لم تقر عيناه بالمعاصي حتى علم أن لا عين تراه غيرك!

فلا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته بها.

فالدرجة الأولى من الحياء تبغض إليك المعصية، وتحملك على استقباح الجناية، وتمنعك عن الشكوى لغير الله عز وجل، إلى درجة أن إحدى العابدات عندما جاءت إلى الإمام أحمد تسأله الأسئلة التي لا يسأل عنها العلماء اليوم، فقالت له: يا إمام! أنين المريض شكوى؟ قال: ما سمعت مثل هذا السؤال من قبل، ونرجو ألا يكون كذلك، قالت: يا إمام! إذا مرت الظاهرية -وهم أناس من الأمراء الظلمة- غزلنا غزلنا على ضوئها، فهل نبينه للناس، قال: افعلي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم قال لابنه عبد الله: تتبعها إلى أي البيوت تدخل، فقال له: دخلت في بيت بشر ، قال: من بيتهم خرج الورع.

فالإمام أحمد غابت عنه هذه المسألة، حتى كان في مرض الموت، فقيل له: إن طاوساً يقول: أنين المريض شكوى، وفي البداية كان الإمام أحمد يقول: نرجو ألا يكون كذلك، فغابت عنه هذه المسألة، ثم فهمها الإمام عند الموت، فما أنَّ ابن حنبل حتى مات، ولذلك تجد العباد يقولون: تفقهوا في مذاهب الإخلاص.

وأشرف العلوم علم الأسماء الحسنى، فتعرف على كل اسم، وكيف تتعبد لله عز وجل بهذا الاسم والصفة، وانظر الصفات في المخلوقات، فتجد نفسك في وادٍ والناس في وادٍ آخر، فعندما تعرف مثلاً اسم المقيت من أسماء الله عز وجل، وتعرف أن المقيت هو الذي يعطي كل مخلوق قوته الضروري، وتعرف مثلاً أن عدد أنواع النمل 12000 نوع، وتحت كل نوع آلاف الملايين، وهذا صنف واحد، ثم الحشرات أكثر من ألف نوع، والطيور والأسماك كذلك، والنجوم لا يحصى عددها؟ والمجرات مائة ألف مليون مجرة، هذا في الجزء المرئي من السماء فقط، وعدد النجوم في كل مجرة ما يقرب من مائة ألف مليون نجم، وهذه تحتوي على نواة ونوية، وكل شيء حي يحتوي على خلايا حيه، والخلايا فيها سيتوبلازم وجدار للخلية ونواة ونوية، فمن الذي يعطي لكل مخلوق من هذه المخلوقات قوته الضروري في وقت واحد؟ وكم أمات وأحيا في وقت واحد؟ فإذا علمت هذا استحييت أن يراك الله راكناً إلى بعض خلقه، وهو ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، ومن له ملك الدنيا والآخرة، وملك السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى:

ورب عليم بذات الصدوريدين لعزته الكابر

يدين له النجم في أفقهيدين له الفلك الدائر

تدين البحار وحيتانهاوماء سحاباتها القاطر

تدين النجاد تدين الوهاديدين له الزاحف الناشر

فكل عبيد له، وكل له قانتون، قهرهم بحكمه وبملكه، وأمره ومشيئته نافذة في خلقه.

إذا علمت أنه قريب منك فيقبح بك الشكوى إلى غيره:

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، والشكوى إلى الله ليست بشكوى.

الدرجة الثانية: علمك بقرب الله عز وجل فتبغض إليك كثرة المخالطة.

الدرجة الثالثة: وهي التي يقول عنها الإمام ابن القيم : شهود الحضرة وانجذاب القلب والروح من الكائنات وعكوفه على رب البريات.

وهناك درجات في القرب من الله عز وجل لا تحيط بها الأفهام، فتطير القلوب إلى الله عز وجل وتسجد تحت العرش، فمثلاً: بالله عليك هل حال قلبك هذا اليوم كحاله وأنت في أيام الاعتكاف وعكوف القلب وجمعيته على الله عز وجل في العشر الأواخر من رمضان؟ وأنت تريد أن تختم المصحف كل يوم؟ ويجوز لك العلماء الوصال إلى قبل أكلة السحور بقليل، فتجمع ما بين السحور والإفطار وأنت في أيام جمعية القلب وعكوفه على رب البريات.

فعندما يكون القلب عاكف على رب البريات في كل لحظه، في رمضان وشوال، وكل الأيام عنده ليلة القدر كيف يكون هذا الراجل!

ولو أن شخصاً سمع سيدنا الشيخ المنشاوي يقرأ الزمر أو آل عمران أنه يريد أن يطير طيراناً، فما ظنك إذا كنت كل لحظات حياتك هكذا، فإنك تجد معاني في القرب لا تكيفها الأفهام ولا تحيط بها العقول، وفي الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) فهذه لا تحيط بها الأفهام:

ما زلت أنزل من ودادك منزلاًتتحير الألباب كيف نزوله

تضيق بنا الدنيا إذا غبتمُ عناوتزهق بالأشواق أرواحنا منا

فكيف بالله عز وجل!

بعادكم موت وقربكم حياةولو غبتمُ عنا ولو نفساً متنا

يقول القائل:

أما تبصر الطير المقصص يا فتىإذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى

ففرج بالتغريد ما في فؤادهوهيج أرباب القلوب إذا غنى

كذلك أروح المحبين يا فتىتهدهدها الأشواق للعالم الأسنى

وهل يسجد القلب لله عز وجل؟ قال الإمام ابن القيم : يسجد تحت العرش سجدة لا يقوم منها إلا يوم القيامة، فهذه درجات الحياء الثلاث.

من يستحيا منهم

إن مقامات الحياء مقامات عظيمة، ولذلك كان الحياء خلق الإسلام، والدرجة الأولى منه: أن تبغض إليك المعصية، فإذا علمت أن الله قريب منك فسيحملك هذا على استقباح الجناية، فتنظر إلى أدنى ذنب بأنه كبير في حق الله عز وجل؛ لأنك تعلم أن الله ناظر إليك في كل لحظة، وأنت مقيم على معصيته وعلى مخالفة أمره دق أو جل، صغر أم كبر، فقل:

يا رب! أتراك ترحم من لم تقر عيناه بالمعاصي حتى علم أن لا عين تراه غيرك!

فلا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته بها.

فالدرجة الأولى من الحياء تبغض إليك المعصية، وتحملك على استقباح الجناية، وتمنعك عن الشكوى لغير الله عز وجل، إلى درجة أن إحدى العابدات عندما جاءت إلى الإمام أحمد تسأله الأسئلة التي لا يسأل عنها العلماء اليوم، فقالت له: يا إمام! أنين المريض شكوى؟ قال: ما سمعت مثل هذا السؤال من قبل، ونرجو ألا يكون كذلك، قالت: يا إمام! إذا مرت الظاهرية -وهم أناس من الأمراء الظلمة- غزلنا غزلنا على ضوئها، فهل نبينه للناس، قال: افعلي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم قال لابنه عبد الله: تتبعها إلى أي البيوت تدخل، فقال له: دخلت في بيت بشر ، قال: من بيتهم خرج الورع.

فالإمام أحمد غابت عنه هذه المسألة، حتى كان في مرض الموت، فقيل له: إن طاوساً يقول: أنين المريض شكوى، وفي البداية كان الإمام أحمد يقول: نرجو ألا يكون كذلك، فغابت عنه هذه المسألة، ثم فهمها الإمام عند الموت، فما أنَّ ابن حنبل حتى مات، ولذلك تجد العباد يقولون: تفقهوا في مذاهب الإخلاص.

وأشرف العلوم علم الأسماء الحسنى، فتعرف على كل اسم، وكيف تتعبد لله عز وجل بهذا الاسم والصفة، وانظر الصفات في المخلوقات، فتجد نفسك في وادٍ والناس في وادٍ آخر، فعندما تعرف مثلاً اسم المقيت من أسماء الله عز وجل، وتعرف أن المقيت هو الذي يعطي كل مخلوق قوته الضروري، وتعرف مثلاً أن عدد أنواع النمل 12000 نوع، وتحت كل نوع آلاف الملايين، وهذا صنف واحد، ثم الحشرات أكثر من ألف نوع، والطيور والأسماك كذلك، والنجوم لا يحصى عددها؟ والمجرات مائة ألف مليون مجرة، هذا في الجزء المرئي من السماء فقط، وعدد النجوم في كل مجرة ما يقرب من مائة ألف مليون نجم، وهذه تحتوي على نواة ونوية، وكل شيء حي يحتوي على خلايا حيه، والخلايا فيها سيتوبلازم وجدار للخلية ونواة ونوية، فمن الذي يعطي لكل مخلوق من هذه المخلوقات قوته الضروري في وقت واحد؟ وكم أمات وأحيا في وقت واحد؟ فإذا علمت هذا استحييت أن يراك الله راكناً إلى بعض خلقه، وهو ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، ومن له ملك الدنيا والآخرة، وملك السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى:

ورب عليم بذات الصدوريدين لعزته الكابر

يدين له النجم في أفقهيدين له الفلك الدائر

تدين البحار وحيتانهاوماء سحاباتها القاطر

تدين النجاد تدين الوهاديدين له الزاحف الناشر

فكل عبيد له، وكل له قانتون، قهرهم بحكمه وبملكه، وأمره ومشيئته نافذة في خلقه.

إذا علمت أنه قريب منك فيقبح بك الشكوى إلى غيره:

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم

قال تعالى: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، والشكوى إلى الله ليست بشكوى.

الدرجة الثانية: علمك بقرب الله عز وجل فتبغض إليك كثرة المخالطة.

الدرجة الثالثة: وهي التي يقول عنها الإمام ابن القيم : شهود الحضرة وانجذاب القلب والروح من الكائنات وعكوفه على رب البريات.

وهناك درجات في القرب من الله عز وجل لا تحيط بها الأفهام، فتطير القلوب إلى الله عز وجل وتسجد تحت العرش، فمثلاً: بالله عليك هل حال قلبك هذا اليوم كحاله وأنت في أيام الاعتكاف وعكوف القلب وجمعيته على الله عز وجل في العشر الأواخر من رمضان؟ وأنت تريد أن تختم المصحف كل يوم؟ ويجوز لك العلماء الوصال إلى قبل أكلة السحور بقليل، فتجمع ما بين السحور والإفطار وأنت في أيام جمعية القلب وعكوفه على رب البريات.

فعندما يكون القلب عاكف على رب البريات في كل لحظه، في رمضان وشوال، وكل الأيام عنده ليلة القدر كيف يكون هذا الراجل!

ولو أن شخصاً سمع سيدنا الشيخ المنشاوي يقرأ الزمر أو آل عمران أنه يريد أن يطير طيراناً، فما ظنك إذا كنت كل لحظات حياتك هكذا، فإنك تجد معاني في القرب لا تكيفها الأفهام ولا تحيط بها العقول، وفي الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) فهذه لا تحيط بها الأفهام:

ما زلت أنزل من ودادك منزلاًتتحير الألباب كيف نزوله

تضيق بنا الدنيا إذا غبتمُ عناوتزهق بالأشواق أرواحنا منا

فكيف بالله عز وجل!

بعادكم موت وقربكم حياةولو غبتمُ عنا ولو نفساً متنا

يقول القائل:

أما تبصر الطير المقصص يا فتىإذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى

ففرج بالتغريد ما في فؤادهوهيج أرباب القلوب إذا غنى

كذلك أروح المحبين يا فتىتهدهدها الأشواق للعالم الأسنى

وهل يسجد القلب لله عز وجل؟ قال الإمام ابن القيم : يسجد تحت العرش سجدة لا يقوم منها إلا يوم القيامة، فهذه درجات الحياء الثلاث.

الحياء من الله تعالى

والاستحياء يكون من الله عز وجل ومن الناس ومن الملائكة ومن النفس.

فأما الاستحياء من الله تبارك وتعالى، فكما جاء في حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! استحيوا من الله عز وجل، قالوا: يا رسول الله! إنا لنستحيي من الله عز وجل، قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله عز وجل فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا).

وأركان الحياء من الله تبارك وتعالى: (فليحفظ الرأس وما وعى)، فالرأس وما فيه من جوارح تحفظها لله عز وجل، حتى الخطرات وحديث النفس تحفظه لله عز وجل، وأول خيانة الصديقين حديثهم مع أنفسهم، فاحفظ حديث النفس لله عز وجل، يقول بعضهم: ظللت عشرين سنة حارساً لنفسي من الخطرات، أي: يحاسب نفسه على الخطرات.

فيا أخي! إذا مرت بك الوساوس والخطرات فاضبطها بضابطين من الكتاب والسنة.

فيحفظ الرأس وما وعى، فلا يتأثر بأفكار الصحف الصفراء التي هي من ضمن الثقافات الضرار.

(والبطن وما حوى) يعني: لا يدخل في بطنه وفي جوفه إلا الحلال، فيبحث عن الحلال ويدقق في هذه المسألة.

(وأن يذكر الموت والبلى)، فمن ذكر الموت هانت عليه شهواته.

(ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا)، فيستحي من الله عز وجل أن يراه مرابطاً على مفسدة، مقيماً على جيفة، عاكفاً على دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضه، فيستحي من الله عز وجل أن يراه ملتفتاً إلى الدنيا، والدنيا لعب ولهو، واللعب واللهو لا يليق بمن شبوا عن الطوق وتركوا دنيا اللعب للصغار، فيعلم أن الملك يدعوه إلى جواره في أرض غرس غراسها الرحمن بيده، فكيف يراه منشغلاً بالدنيا وقد عكف قلبه على محبتها؟

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره).

قبل سنة (1981م) كنت تجد الأخ يساوي 1000 أخ من هذا الوقت، كنت تجد عشرة فقط في مدينة أو في محافظة أقاموا دعوة، لكن في هذا الوقت نقول: الله المستعان على ضعف الهمم وموت القلوب، فابك على موت قلبك.

فاستح أن يسبقك غيرك إلى الله عز وجل، وأن يدعوك الملك إلى جواره وأنت بعيد بهمك عن مولاك:

يا من يشير إليهم المتكلموإليهمُ يتوجه المتظلم

وشغلتم قلبي بكم وجوارحيوجوانحي أبداً تحن إليكم

وإذا نظرت فلست أنظر غيركموإذا سمعت فمنكم أو عنكم

وإذا نطقت ففي صفات جمالكموإذا سألت الكائنات فعنكم

وإذا رويت فمن طهور شرابكموبذكركم في خلوتي أترنم

يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي عامر الألهاني : (يأتي أناس بأعمال مثل جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباء منثوراً، فقالوا: يا نبي الله! جلهم لنا، صفهم لنا ألا نكون منهم ولا نعرف، قال: أناس من جلدتكم لهم حظ من الليل، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)، فاحذر أن تكون ولياً لله في العلانية عدواً له في السر، وأن تكون حالك مثل حال كنيف مزين بالسراميك وباطنه وحشوه القاذورات، فلا تتجمل للناس وتطلع الله على القبيح من أمرك، فلم جعلت الله أهون الناظرين إلك؟ أفكان الله عز وجل أهون عليك من بعض خلقه؟ لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته به.

وموقف لك لا تنساه أبداً وإن نسيت نفسك، وهو موقفك بين يدي الله عز وجل، كما جاء في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم أحد إلا سيخلو بربه ليس بينه وبينه ترجمان).

فهذا الموقف لن تنساه أبداً، فليكن ولاؤك المطلق وخوفك المطلق وحياؤك المطلق من الله عز وجل، فاعمل لهذا اليوم حتى لا يموت القلب، وحتى لا يموت الورع، يقول الجراح قائد الجيوش الأموية: تركت الذنوب أربعين سنة حياء من الله عز وجل، ثم أدركني الورع. أي: بعد أربعين سنة من علي بالورع في النظر، وفي الشم، وفي الكلام.

فهذا المقام إن ذكرته وجعلته منك على بال فلن تقرب المعصية أبداً، ومثلما تميت الذنوب الحياء فكذلك الحياء لا يأتي إلى فاسق أو فاجر أبداً.

يقول ابن دقيق العيد : والله ما تكلمت كلمة ولا فعلت فعلاً منذ أربعين سنة إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله عز وجل.

ولذلك كان من مقام المراقبة أن تقول: الله ناظر وشاهد ومطلع علي، وهذا درجة من درجات الحياء، وهذا مثل المرأة التي راودها رجل على الفاحشة، فقالت: انظر هل يرانا من أحد؟ فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، قالت له: فأين مكوكبها؟

ورجل خلا بامرأة بعد أن نام أهل القافلة وكانت في طريقها إلى الحج، وقال لها: ما أتيت في هذه القافلة من أجل حج ولا غيره، وإنما أتيت فيها لتخرجي فيها فأخلو بك، فقالت: انظر هل نام أهل القافلة جميعاً؟ فقال لها: نعم، قالت: انظر فهل نام الله؟ ثم صعقت المرأة وغشي عليها، فولى الرجل هارباً.

الحياء من الملائكة

ثم بعد ذلك الاستحياء من الملائكة ومن أخلاقهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحيا أمتي عثمان) رضي الله عنه.

وانظروا إلى التنويريين من اليساريين والشيوعيين، فهذا عبد الرحمن الشرقاوي كتب عن الخلفاء الأربعة، فكتب في سيرة سيدنا عثمان أنه لما تزوج نائلة بنت الأحوص بن الفرافصة الكلبية تكلم مع الصحابة بما كان بينه وبينها يوم البناء بعد أن خلعت تكة سروالها! فيا رجل! خل عندك دم، ومثل ما يقال: الناس تكذب كذباً معقولاً، وأنت كذبك غير معقول، فهلا كنت تقول هذا عن غير سيدنا عثمان؟

فسيدنا عثمان كان يغتسل في ثيابه حياء من الله عز وجل، وما يقيم صلبه إلا وثوبه عليه.

فانظروا مقام الصحابة ومقامنا، فنحن مطالبون أن نستحيي من الملائكة، قال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ [الانفطار:10] أي: فاستحيوا منهم. كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:11] يعني: لا ألأم ممن لا يستحي من الكرام.

وقد تلقى رجلاً كبيراً عظيم القدر من الصالحين لا يقدر العاصي أن يعمل عيبه أمامه، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك).

وقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ [الانفطار:10-11].

ويقول ابن أبي ليلى : ما على أحدكم إذا خلا بنفسه أن يقول: أهلاً بملائكة ربي، والله لا أعدمكم اليوم خيراً، خذوا على بركة الله، سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر.

وكان الرجل يستشعر إذا خلا بنفسه أن معه الملائكة، فيقول: يا ملكاي! ادعوا الله لي، فأنتما أطوع لله مني.

وهؤلاء السلف كان عندهم رقة، يعرفها من قرأ كتب التراجم، وأما نحن فخشب مسندة، لا ذوق ولا أدب ولا رقة شعور ولا علم ولا جهاد ولا شجاعة ولا أي شيء.

ذهب الرجال الصالحون وأخرتنتن الرجال لذا الزمان المنتن

وكان يقول مالك بن دينار :

ذهب الذين يعاش في أكنافهموبقيت في خلف كجلد الأجرب

فنريد أن نرتفع إلى مقام الاستحياء من الملائكة، وما ظنك بالرجل الذي تستحيي منه الملائكة؟! وما ظنك بأناس تشتاق إليهم الجنة؟! فإذا قيل لك: إن الجنة تشتاق لناس، وناس يشتاقون إلى الجنة، فإن بينهما درجات كبيرة، وفي الحديث: (إن الجنة لتشتاق إلى علي وعمار وسلمان) وهو حديث صحيح حسنه الشيخ الألباني .

وهناك أناس يشتاقون للجنة، وأناس لا يشتاقون لها بالمرة.

الحياء من الناس

والموقف الآخر الذي لن تنساه إن نسيت نفسك وقوفك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام حوضه يسألك عن ميراثه، هل حفظت شيئاً منه أم ضيعته؟ فلا يعقل أن تكون حافظاً لاحتياطي فريق الكروم وناسياً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تحرم عليهم النار وأول من يدخلون الجنة، ودرجات القرب من الله عز وجل، والعشرة المبشرين بالجنة، وغافلاً عن كل شيء في حياتك وفي تاريخ الإسلام، وأهم المعارك التي خاضها المسلمون، طالما أن كل حياتنا كرب وانكسار وخيبة أمل، ولم يبق إلا رحمة الله عز وجل.

فاقرأ أيام الرجال العظام مثل معركة الزلاقة وقائدها ابن تاشفين الذي صنع هرماً من رءوس الكفرة، ثم أذن المؤذن من فوقه، واعرف فتوحات المسلمين في أوروبا إلى حدود بودابست في شرق آسيا، واعرف الرجال العظام الذين فجروا معركة ذات الصواري، وفتح الفتوح نهاوند، وكيف أن المسلمين سيطروا على العالم وكيف ضيعوه، وهل يعيد التاريخ نفسه أم لا؟

فهذه أمور كثيرة لابد أن تعرفها، وقف مع نفسك واعرف ما هي علوم القلب، فربما تلطخت بكبيرة أشد عليك من الزنا والسرقة وأنت لا تعرف، واعرف العجب والكبر والفرق بينهما؛ لئلا يكون قلبك متلطخاً بالعجب أو بالكبر وأنت لا تدري.

وتعرف علوم القرب من الله عز وجل، وعلوم القلب من الإخلاص والخشية والرجاء والتبتل والثقة بالله عز وجل والتفويض والتوكل؛ لعل القلب يشيح بصيصاً من نورها.

فاستحي من الرسول صلى الله عليه وسلم إن كنت سادراً في غيك في الدنيا، هملاً مع الرعاع لا تعرف شيئاً، أينما برز إليك بارز من الدنيا طرت إليه زرافات ووحداناً.

فتعرف على رسولك صلى الله عليه وسلم وعلى سنته وسيرته، وتجنب البدع؛ حتى لا يعاتبك النبي صلى الله عليه وسلم عتاباً يقطع نياط القلوب الطاهرة.

وكان السلف ربما رأى أحدهم رؤيا في المنام فتجبه عن المعاصي، فقد كان رجل جاراً للإمام أحمد وكان يفعل السيئات والكبائر، ثم أتى يوماً إلى الإمام أحمد فرآه معرضاً عنه، فقال: لم تعرض عني يا إمام! وقد تركت ما كنت فيه من المعاصي لرؤيا رأيتها؟ قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علو من الأرض وحوله ناس كثير أسفل منه جلوس، فيقوم الرجل منهم إليه، فيسأله ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق في القوم غيري، فأردت أن أقوم فاستحييت من قبيح ما كنت أصنع، وخجلت من أن أقوم بين يدي رسول الله أسأله وأنا قد فعلت ما فعلت، قال: فقال لي: يا فلان! لم لا تقوم إلي فتسألني مثلما سألني الناس فأدعو لك؟ فقلت: يا رسول الله! يقطعني الحياء منك، لا أستطيع أن أقوم؛ لقبيح ما أنا عليه، قال: فإن كان يقطعك الحياء فقم، فسلني أدعو لك، فإنك لا تسب أحداً من أصحابي، قال: فقمت فدعا لي، فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه، فقال الإمام أحمد : يا جعفر ! يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه؛ فإنه ينفع.

وربما استحيا الرجل منهم من الصالحين حتى يموت من الحياء، قال أبو الفتح بن مخرق : تعلق رجل بامرأة من أهل الشام فتعرض لها وبيده سكين، ولم يستطع أحد أن يقرب منه، وكلما اقترب منه رجل عقره، والمرأة تصيح ولا يستطيع رجل أن يقرب منها، فتقدم منه رجل شيخ، فحك كتفه بكتفه، فسقط الرجل وهو يتصبب عرقاً مغشياً عليه، وولت المرأة هاربة، ثم لما أفاق الرجل قالوا: ما الذي جعلك تسقط مغشياً عليك؟ قال: اقترب مني رجل فقال: اتق الله! فإن الله ناظر إليك، فخررت من كلمته، فقالوا: أما تعرف هذا الرجل؟ قال: من هو؟ قالوا: بشر بن الحارث الحافي ، قال: أوقد رآني بشر على المعصية، فحم من وقته، ومات في اليوم السابع.

فقراءة التراجم تؤدبك في وقت غاب فيه المؤدب والقدوة، ومن أهم وسائل التربية أن تقرأ سير أعلام النبلاء، فتتأدب وتتربى وتعرف مقامك جيداً، وتعرف أين أنت من علوم الناس ودرجاتهم، وكم من العلوم حصلوا وفاتتك، وكم من الآداب تجملوا به وفاتتك، فتعرف قدرك.

أفضل الحياء وأكمله

ونهاية الحياء وكماله ألا تستحيي من الحق، وقدم الحياء من الله عز وجل على الحياء من الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه أو شهده أو سمعه) فيؤثر الحياء من الله عز وجل على الحياء من الناس.

فالحياء الشرعي لا يمنعك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما الذي يمنعك شيء آخر غير الحياء، وهو الجبن والخوف والهلع، فتركك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياء من الناس ليس من الحياء في شيء، بل هو من الخور والهلع والجبن.

نماذج من الحياء

وانظروا إلى فهم أبي أيوب الأنصاري للحياء، عندما أعرس سالم بن عبد الله بن عمر فصنع أبوه وليمة ودعا الناس، قال: وكان فيمن دعا أبو أيوب الأنصاري ، فأتى ورأى بيتنا قد سترناه بنجاد أخضر، أي: جعلنا فيه ستائر وبسطاً، فنادى أبي وقال: يا عبد الله! أتسترون الجدر؟ يعني: المفروض أن تقولوا: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ستر الجدران) فلا تستر إلا على قدر النافذة فقط، وليس مثل الإيتكيت الذي تغطى فيه الجدران الأربعة بالستائر، فستر الجدران منهي عنه شرعاً.

وانظر إلى حياء كليم الرحمن سيدنا موسى عليه السلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء).

وانظر إلى حياء النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء عن بعض الصحابة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً كرهه عرفناه في وجهه).

وقد استحيا من ربه بعد أن سأله التخفيف أكثر من مرة، فقال له موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فقال: (لقد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم).

ومن حياء الصحابة: حياء سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد قال: أيها الناس! استحيوا من الله، فوالله ما خرجت لحاجة -يعني: لقضاء حاجة- منذ أسلمت إلا وأنا مقنع رأسي حياء من الله عز وجل.

فانظر إلى نفسك وأنت في هذه الحال، تحمل أمعاءك الغليظة ودورة المياه، فأنت كنيف متحرك، أفلا تستحي من الله عز وجل أن تعصيه، فقد خلقك من ماء مهين فاستحي منه، فما زال يخرج منك الغائط وأنت تأنف من رائحته، هذا حياء سيدنا أبو بكر الصديق .

وانظر إلى حياء محمد بن سيرين قال: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم حتى في المنام غير أم عبد الله ، وإني لأرى المرأة في المنام، فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري.

فهو متحكم في نفسه في المنام. فيا ليتنا في يقظتنا كـابن سيرين في المنام، فهو في منامه إذا رأى المرأة لا تحل له يصرف بصره، وأنت في يقظتك أتصرف بصرك؟

و سفيان الثوري كان يبكي وهو في النوم، أفلم يكفه البكاء وهو في اليقظة حتى يبكي وهو نائم؟

فأي حال غلب على هؤلاء الرجال حتى تحكموا في لحظات نومهم؟ وانظر إلى حياء المرأة في قوله تعالى: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ [القصص:25] وكأن الأرض حياء وهي تمشي عليها.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء وسط الطريق) فالنساء يمشين على جنب.

وحياء سيدتنا فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيها، حين جاءت تسأله خادماً فاستحيت، فقال: (ما جاء بك يا بنية؟! قالت: جئت أسلم عليك، فاستحيت من أبيها مرة واثنتين وثلاثاً، وربما أتاها وهي في مخدعها وعلي وقد أوشكا على النوم، فتدخل رأسها في المتاع حياء من أبيها رضي الله عنها).

وأما حياء الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين فكان كمال الحياء في النساء، تقول: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فكانت تتخفف من بعض ثيابها، قالت: فلما دفن عمر رضي الله عنه كنت أدخل مجموعة معدودة علي الثياب حياء من عمر رضي الله عنه بعد موته. فهذا هو الحياء في أكمل صوره.

فلا والله ما في المرء خيرولا الدنيا إذا ذهب الحياء

أنا العبد الذي كسب الذنوباوصدته الخطايا أن يتوبا

أنا العبد الذي أضحى حزيناًعلى زلاته قلقاً كئيبا

أنا العبد الذي سطرت عليهصحائف لم يخف فيها الرقيبا

أنا الغدار كم عاهدت عهداًوكنت على الوفاء به كذوبا

أنا العبد المخلف عن أناسحووا من كل معروف نصيبا

أنا العبد المفرط ضاع عمريولم أرع الشبيبة والمشيبا

أنا العبد الغريق بلج بحرأصيح لربما ألقى مجيبا

أنا العبد السقيم من الخطاياوجئت الآن ألتمس الطبيبا

أنا العبد الشريد ظلمت نفسيوقد وافيت بابكم منيبا

أنا المضطر أرجو منك عفواًومن يرجو رضاك فلن يخيبا

أنا العبد الفقير مددت كفيإليكم فادفعوا عني الخطوبا

فوا أسفى على عمر تقضىولم أكسب به إلا الذنوبا

وأحذر أن يعاجلني مماتيحير هول مطلعه اللبيبا

ويا ذلاه من حشري ونشريبيوم يجعل الولدان شيبا

تفطرت السماء به ومارتوأصبحت الجبال به كثيبا

ويا ذلاه من قبح اكتسابيإذا ما أبدت الصحف العيوبا

وذلة موقف وحساب عدلأكون به على نفسي حسيبا

ويا خوفاه من نار تلظىإذا زفرت أقلقت القلوبا

تكاد إذا بدت تنشق غيظاًعلى من كان ظلاماً مريبا

فيا من مد في كسب الخطاياأما آن الأوان لأن تتوبا

وكن للصالحين أخاً وخلاًوكن في هذه الدنيا غريبا

إذا ما قال لي ربيأما استحييت تعصيني

وتخفي الذنب من خلقيوبالعصيان تأتيني

فما قولي له لمايعاتبني ويقصيني

يا من تمتع بالدنيا وزينتهاولا تنام عن اللذات عيناه

أفنيت عمرك فيما لست تدركهتقول لله ماذا حين تلقاه؟

بارك الله في أيامكم وفي أموالكم وفي مسجدكم هذا وفي جلستكم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ومعذرة إن كنت قد أطلت عليكم.

والسلام عليكم ورحمة وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الحياء للشيخ : سيد حسين العفاني

https://audio.islamweb.net