إسلام ويب

آيات كثيرة في كتاب الله الكريم تشير إلى أن المستقبل للإسلام، وأن الله ناصر جنده ولو بعد حين، كما يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، وأخبر أنه لن تقوم الساعة حتى ترفع راية الإسلام في كل مكان. وإذا نظرنا في تاريخ المسلمين فسنجد أن الأيام دول، وأن بعد الهزيمة والذل نصراً وتمكيناً.

أهمية تبشير الناس بأن المستقبل للإسلام

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [الأنعام:134]، أما بعد:

فإن الرائد لا يكذب أهله في مثل هذه الأوقات العصيبة، وعملاً بقول رسولنا صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة).

فسرور تدخله على مسلم بالتبشير بأن المستقبل المضيء للإسلام وللإسلام وحده ينور قلوباً ربما قد يعتريها الجفاف فتنتعش بعد ظمأ، وتسقي ساحات العمل الإسلامي المبارك، نبشر ليعقل ساذج، وليتململ كسلان راقد، وينافس هابط قاعد، ويفرح هامد يائس بائس.

نبشر بمستقبل الإسلام ليسكن القلب، ويسلو الحزين البائس، نجاةً من وهدة، وتوجيهاً في ساعة حيرة، وأذاناً في نيام، ونبلاً عندما يسهل الواقع، وسمواً إذا نطق الإغراء، ووفاء في ساعة النكوص، واقتحاماً في مواطن الانخذال، ودفعاً للانزواء الذي كلكل على اليائسين القانطين؛ لتدخل القلب برودة السكن بوعد الله عز وجل للمؤمنين بعد حرارة القلق، ولذعات الحيرة، ومرارة اليأس، وصداً لكل مأجور غريق تائه لا يجد له طريقاً.

عندما نعيش للإسلام فإن حياتنا تبدو طويلة عميقة تبدأ من حيث بدأت البشرية، وتمتد بعد الأرض، فنعيش حياة مضاعفة بقدر ما يتضاعف إحساسنا بالمسلمين..

لإسلامي أعيش أنا بتوحيدي وذا ديني

نقشت حروفه تعلوعلى كل العناوين

بخط الباب أن يسموعلى كل الميادين

لإسلامي ولو حتى إلى الجدران شدوني

لإسلامي ولو حتىإلى النيران زفوني

لإسلامي لإسلامي ولو في السوق باعوني

وثارات لإسلامي تعايشني تغذيني

تبث النور في روحي وتنبض في شراييني

وإسلامي له أعطي له نفسي وتكويني

أنا ماذا أكون أنا بلا ربي بلا ديني

أنا ماذا أكون أنا أجيبوني.. أجيبوني

نحن لا نقول للناس: إن الإسلام جميل وطيب فاتركوا له فرصة؛ لأن هذا فعل اليائس، وإنما نقول: إننا بحاجة لأن نعلو حتى نصل إلى مستوى الإسلام النظيف، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ [البقرة:128]، هذا قول خليل الرحمن إبراهيم أعلى البشرية بعد رسولنا صلى الله عليه وسلم، يريد أن يبقيه الله تبارك وتعالى على الإسلام وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101]؛ أدباً مع الله عز وجل، ومعرفة لقدر النعمة التي لما حدنا عنها حاد عن أرجلنا طريق المجد.

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت ذات ليلة فيما يرى النائم كأنا في دار عقبة بن رافع فأتينا برطب من رطب ابن طاب) وهي رطب معروفة في المدينة لرجل يسمى: ابن طاب ، قال: (فأولت ذلك الرفعة لنا في الدنيا، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب).

نحن نتكلم عن الإسلام من منطلق الرد على الصليبية بأن المستقبل للإسلام، وأن حضارة الإسلام هي الحضارة العظمى، ونرد عليهم بقول علماء الأرض ممن حصلوا على أعلى الجوائز كجائزة نوبل، من عقلاء الغرب الذين يقولون: إن مجتمعاتهم مجتمعات خنازير، كما قال أفلاطون .

قال صلى الله عليه وسلم: (عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال، فطوبى لمن جعله الله مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر، وويل لمن جعله الله مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير)، وقال صلى الله عليه وسلم: (بشر هذه الأمة بالتيسير والسناء والرفعة في الدين، والتمكين في البلاد، والنصر).

حال الأمة في هذه الأيام مثل حال النبي صلى الله عليه وسلم، فأثناء الهجرة وهو مطارد وحيد إلا من رفيقه الطريد مثله يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـسراقة الذي يريد أن يلحق به: (يا سراقة : كيف بك وسواري كسرى ؟)يعني: الإسلام سينتصر وسيأخذ بيت كسرى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تغدو عصابة من أمتي البيت الأبيض بيت كسرى).

فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف بك يا سراقة وسواري كسرى ؟)، فتمثل ذلك الواقع حينما تقول للناس: إن المستقبل للمسلمين.

والحال كما هو معلوم إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:10-11].

وفي يوم الأحزاب كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحفر الخندق على ضربات المعاول يبدو نور المستقبل، فيقول: (الله أكبر أعطيت خزائن كسرى ، أعطيت ملك قيصر ، أعطيت خزائن اليمنوَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22].

وأما المنافقون فيمثلهم معتب بن قشير يقول: إن محمداً يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب ليقضي حاجته.

قال تعالى: وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87].

وكم لله من لطف خفي يدق خفاه عن فهم الذكي

المبشرات بالنصر والتمكين

مبشرات من القرآن

إن المستقبل للإسلام، وهذه مبشرات من القرآن الكريم، ومن السنة المطهرة، ومن السنن الربانية، ومن تاريخ المسلمين ومن خصائص الإسلام، ومن واقع هذه الأمة، ومن شهادات عقلاء الغرب بأن المستقبل للإسلام.

لا تهيئ كفني يا عاذلي فأنا لي مع الفجر مواثيق وعهد

قال الله عز وجل: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:32-33].

وقال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9]، هل رأى الناس إلا ديناً يضيء للدنيا كالمصابيح؟ فعصفوا عليه بأفواههم كما تعصف الريح، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ [الصف:8]، وأين سراج النجم من نفخة ترتفع إليه كأنما تذهب لتطفيه؟! وأين نور القمر من كف يحسب صاحبها أنه سيرفعها إليه ليطفئه؟! هيهات.. هيهات! دون ذلك درج الشمس -وهي أم الحياة- في كفن وإنزالها بالأيدي -وهي روح النهار- في قبر من كهوف الزمن!

إن المصباح السماوي الذي أوقده رسول الله صلى الله عليه وسلم تألب عليه بعضهم من يوم أبي لهب ، ومن يوم حيي بن أخطب -وزال هؤلاء وذهبوا إلى مزابل التاريخ وبقي الإسلام شامخاً.

فالإسلام كالشمس لا يغرب مطلقاً، فانظر -مثلاً- حينما سقطت غرناطة -دولة المسلمين بالأندلس- في نفس الوقت كان سليمان القانوني يدق أسوار فينا ويصل إلى الميدان الرئيسي في فينا، واحتل بلغراد ودخلها في يوم الجمعة 25 رمضان، وأعلى الأذان في معابدها، ووصل خير الدين بربروس وهو قائد البحرية التركي الذي أنشأ دولة الجزائر، وصد الأسطول البرتغالي الأسباني ثلاث مرات ودحرهم، وأنقذ (70000 أسيرة مسلمة)، وأراد أن يعبر جبال البرانس بفرنسا، بل وصلت قوات المسلمين إلى مدينة سانت جنوب باريس بثلاثين كيلو متر.

وحينما سقطت دولة الخلافة العباسية -في نفس الوقت- قامت دولة الإسلام الفتية في الهند.

قال الله تبارك وتعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55]، وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].

فكلمة تكون بها عوالم، وتخلق بها نواميس، وكلمة تذهب أدراج التاريخ، يقول الله تبارك وتعالى: إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ * يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:51-52]، وذكر الله تبارك وتعالى لنبيه عيسى أن أتباعه من المسلمين فوق الذين كفروا، قال: وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [آل عمران:55]، وكذلك كل متبع للنبي ولمن سبقه من الأنبياء كما قال ابن كثير .

وقال تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139].

إن الله أبتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56]، وقال الله تبارك وتعالى عن حزب الشيطان: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [المجادلة:19]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار)، فهما طريقان أيهما أخذتم أدركتم ثمرته.

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:20-21]، وقال تعالى: إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [الأعراف:128]، وقال تعالى: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83]، وقال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا [الطلاق:8-9].

والعاقبة النتنة لأجيال البشرية الضالة المنكوبة الكافرة البعيدة عن طريق الله وطريق رسوله، قال الله عز وجل مبشراً للمؤمنين: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ [القصص:5].

وقال الله تبارك وتعالى مبيناً معيته للمؤمنين: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19]، وقال تعالى: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ [محمد:35]، وقال تعالى: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:249].

وبين الله عز وجل أنه ولي الذين آمنوا فقال: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257]، وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11].

قال أبو سفيان في غزوة أحد: اعل هبل، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يردوا ويقولوا: (الله أعلى وأجل)، فقال: لنا العزة ولا عزة لكم، فقالوا له: (الله مولانا ولا مولى لكم).

قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، وهو ناصرهم قال تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وقال تعالى: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]، وقال تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110].

والله عز وجل يمكر لدينه دائماً قال تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]، وقال جبريل لـأم إسماعيل: لا تخشي الضيعة إن الله لا يضيع أهله.

قال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا [الطارق:15-17].

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36]، وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5].

وقال تعالى: جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الأَحْزَابِ [ص:11]، وقال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران:12]، وقال تعالى: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ [الرعد:17].

كل هذه مبشرات من كتاب الله عز وجل ومن أصدق من الله قيلاً، ومن أصدق من الله حديثاً، فليس بعد قول الله قول.

مبشرات من السنة

وهناك مبشرات من السنة في انتشار الإسلام في أرض البسيطة، فقد بشر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (والله ليتمن الله هذا الأمر) أي: الإسلام، (حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)، وراوي الحديث هو خباب بن الأرت الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ولكنكم تستعجلون) كانت سيدته تلقي عليه الحديد المحمى فوالله ما يطفأ الحديد إلا بما يسيل من شحمه.

وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذلك ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر).

وبشر النبي باتساع رقعة الإسلام، فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها).

وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -الذي أخرجه الإمام أحمد - قال: (بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً)، ومدينة هرقل هي القسطنطينية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد فتحت القسطنطينية في يوم الثلاثاء 20 جماد الأول سنة 857 هجرية الموافق 29 مايو سنة 1453 ميلادية على يد السلطان محمد الفاتح ، وهو ابن 23 سنة، ففتحت القسطنطينية وستفتح روما.

هذه بشارة نبينا صلى الله عليه وسلم في عودة الخلافة الراشدة كما جاء في حديث حذيفة : قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عضوضاً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت).

ومن المبشرات بمستقبل الإسلام السائر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً)، ومن المبشرات بأن المستقبل لهذا الدين ظهور المجددين لهذا الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة الذي رواه أبو داود ، والحاكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها).

ومن المبشرات على أن شمس الإسلام لن تزول: بقاء الطائفة المنصورة إلى يوم القيامة، كما جاء في حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة).

وفي حديث المغيرة بن شعبة : (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون)، وفي حديث معاوية : (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).

وحديث أبي هريرة : (لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله لا يضرها من خالفها)، وحديث عقبة : (لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك).

وحديث سلمة بن نفيل : (ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله).

وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر لا يدري أوله خير أم آخره)، وهذا يدل على وجود الخيرية في هذه الأمة في كل زمن.

وقال صلى الله عليه وسلم: (عصابتان من أمتي أخرجهما الله من النار) أي: لا يدخلان النار أبداً، (عصابة تغزو الهند، وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم).

وقال صلى الله عليه وسلم: (بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي).

ومن المبشرات لهذه الأمة نزول المسيح عيسى ابن مريم آخر الزمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها).

وفي حديث آخر صححه الشيخ أحمد شاكر قال: (سيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس إلى الإسلام، ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال ، ثم تقع الأمانة على الأرض حتى تركع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات فلا تضرهم).

وكما قال صلى الله عليه وسلم: (طوبى لعيش بعد المسيح، يؤذن للسماء بالقطر، ويؤذن للأرض بالنبات، حتى لو بذرت حبة على الصفا لنبتت، وحتى يمر الرجل على الأسد فلا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليقتلن ابن مريم الدجال ببيت لد).

ثم من المبشرات أيضاً: ظهور المهدي في آخر الزمان، قال صلى الله عليه وسلم: (لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلاً من أهل بيتي يملؤها عدلاً كما ملأت جوراً).

ومن المبشرات: الانتصار على اليهود، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله! هذا يهودي خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد).

وجيش محمد سيعود في عز وفي غلب

وأن الغرقد الملعون مقطوع بلا سبب

وأن السامري سيوقد النيران فوق مفاوز العرب

ويمضي مثلما ولت جميع كتائب الإفرنج من حقب

ويبقى تائهاً في الأرض يعبد عجله الذهبي

وفي آخر الزمان ستفتح القسطنطينية مرة ثانية بعد عودتها إلى الكفر، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تكون بينكم وبين بني الأصفر هدنة، فيغدرون بكم فيسيرون إليكم في ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً)، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم -أي: الصليبيون- بالأعماق، فيخرج إليهم جيش من المدينة -أي: من مدينة دمشق- هم خير أهل الأرض يومئذ، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث هم خير الشهداء عند الله، ويفتح الله عز وجل على الثلث الباقي، وبينا هم يقتسمون الغنائم وقد علقوا سيوفهم بأشجار الزيتون إذ صاح فيهم الصائح -وفي رواية: الشيطان-: إن المسيح قد خلفكم في أهليكم وذراريكم -وهذا باطل-، فيبعثون من يتقصى الخبر).

مبشرات من سنن الله في الكون

وهناك مبشرات من سنن الله عز وجل ومن نواميس الله عز وجل في الكون، التي لا يحيد عنها حائد، ومن هذه السنن سنة التغيير وسنة التداول، قال الله تعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140].

فقد كانت الغلبة لهم ثم انتقلت الدولة والحضارة إلى المسلمين، ولما غفل المسلمون عن دينهم انتقلت الحضارة إلى الغرب، ويوماً من الأيام ستعود إلينا، وقد سقطت حضارة روسيا الأولى، وبعد سقوط حضارتهم تعود إلينا مرة ثانية.

وسنة التغيير؛ قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ [الأنفال:53-54].

وهذه سنة الله عز وجل في الذي يعرض عن هداه، ولا ريب أنهم في الغرب قد أعرضوا عن طريق الله عز وجل، قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:36-37]، وقال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:124].

وأما سنة الله عز وجل في المترفين: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112].

وأما سنة الله في الظالمين: إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21]، فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنعام:45]، هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:47]، وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [يونس:13]، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

فأين كان العالم يوم أن بكى الأطفال وماتوا وقتلوا، كانوا 700000 طفل بإحصاءات الأمم المتحدة؟! وأين كان العالم وأطفال العراق يموتون من الجوع؟! ولا شيء أشد على النفس من موت طفل وأنت تستطيع أن تنقذه.

وأين كان ضمير العالم وفلسطين تئن من الذبح والقتل والتشريد ونسف البيوت؟! وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].

إن حضارة الغرب حضارة عوراء لا تنظر إلا بعين واحدة وهي عين المادة، وتكيل بمكيالين دائماً، وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ [الفجر:9]، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:12-14].

وسنة الله في الكفار واحدة، فليس هناك كافر يكفر هو أحسن من كافر آخر، قال الله عز وجل: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ [القمر:43]، فكما أخذ عاد وثمود، وقوم لوط التي تمثلت فيها حضارة الشذوذ فسيأخذ حضارة الشذوذ في أي زمان، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [هود:83]، أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا [محمد:10]، وقال الله عز وجل: وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:211]، وقال الله عز وجل: فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا وَمَضَى مَثَلُ الأَوَّلِينَ [الزخرف:8].

إن سنن الله عز وجل لا تحيد أبداً، فانظر إلى الغرب حين انتشرت فيه المخدرات، والبطالة، والقتل، والإجهاض، تقول الإحصائيات: إن ثلاثة وخمسين مليون طفل هم حصيلة الإجهاض، فالجريمة كل دقيقة، والاغتصاب مستمر، كما انتشرت الخمور، وكثر نكاح المحرمات، ونكاح الأقارب.

وهناك بنوك للحيوانات المنوية تأخذ منها المرأة ما تشاء فيولد الطفل من غير أب، فيباع الأطفال، وانتشرت البطالة، والديون والتردي، كل هذا موجود في حضارة الغرب.

يقول الكاتب الإنجليزي أسبورن : نحن موتى مخدرون مضيعون، نحن سكيرون مجانين حمقاء، نحن تافهون.

وهذه كانت في مسرحية حضرها ستة مليون وسبعمائة وثلاثة وثلاثين ألف في الغرب.

وانظر إلى كتاب جيمس بادرسن ، وديسر جيم : يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة. وهذا الكتاب صدر في نيويورك عام 1991م وترجمه الدكتور محمد سعود البشر، وهناك كتاب آخر: نحن القوة الأولى.. أين تقف أمريكا؟ وأين تسقط في النظام العالمي الجديد؟ لـأندرو شابيرو ، صدر عام 1992م بعد حرب الخليج. ثم الكتاب الثالث: السقوط التراتيبي أمريكا عام 2020 ميلادية للجنرال هوف قائد السلاح الجوي السابق الأمريكي، وقائد قوات الأمم المتحدة في كوريا ومستشار وزارة الدفاع، صدر هذا الكتاب عام 1992م، يقول: إن ديون الولايات المتحدة الأمريكية عام 1992م كانت أربعة ألف مليون دولار، وستصل في عام 2020م إلى عشرة واثنين من عشرة ترليون دولار.

يقول: إنه في كثير من الأوقات يراودهم شك بأنهم دجالون ومحتالون ومنافقون. معنى هذا: أن هناك ثمانين مليون دجال ومنافق ومحتال في بلادهم.

وانظر إلى كتاب: سقوط الحضارة لـ كولن ولسن ، وانظر إلى ما كتبه الشاعر الألماني بروشرت يقول:

نحن جيل بلا رابط ولا عمق

عمقنا هو الهاوية

نحن جيل بلا دين ولا راحة

شمسنا ضيقة

حبنا وحشية

شبابنا بلا شباب

إننا جيل بلا قيود ولا حدود ولا حماية من أحد

وانظر إلى ما كتبه العالم ألكيس كارتل صاحب كتاب: الإنسان ذلك المجهول، والحاصل على جائزة نوبل ، أو انظر إلى كتاب إنسانية الإنسان لـرنيه روبو الفرنسي الحاصل على جائزة نوبل، أو انظر إلى ما كتبه لوبات سكرتير وزارة الداخلية الأمريكية في بحث له بعنوان: هل تستطيع أمريكا التغلب على خلاصة النمو؟ يقول: إنه من السهل اعتبار أمريكا التي صنعها الإنسان كارثة.

وانظر إلى ما كتبه جون ديوتي : إن الحضارة التي تسمح للعلم بتحطيم القيم المتعارف عليها لهي حضارة تضر نفسها بنفسها.

وانظر إلى كتاب سقوط الحضارة لـكولن ولسن الذي يصف فيه المجتمعات بأنها مجتمعات الخنازير أو كما قال.

مبشرات من التاريخ

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

هذه مبشرات من التاريخ، ففي أشد الظروف التي مرت بالأمة الإسلامية حيث تكون الأمة أحوج ما تكون إلى النصر يأتي نصر الله، قال تعالى: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]، حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ [يوسف:110].

فقد نصر الله المؤمنين يوم بدر، ونصرهم الله عز وجل يوم الأحزاب، وليس ذلك في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم بل انظر إلى الأيام التي أعز الله عز وجل فيها المسلمين ودك شأن الصليبين، وانظروا إلى سيف الله خالد بن الوليد في معركة نهر الدم، حيث كانت هذه المعركة بين المسلمين وبين جيوش الفرس، وكان عددهم 150000 ومعهم بعض نصارى العرب، وكان جيش خالد عدده 18000، فقال جابان قائد جيش الفرس: استعدوا للقاء خالد . فمن عدم احتفالهم بسيدنا خالد نشروا البسط وأرادوا أن يأكلوا الطعام وهم يرون جيش خالد أمامهم، فأجبرهم خالد بخيوله على ترك الطعام حتى قال لهم قائدهم جابان: والله لكأنكم أعددتم الطعام لـخالد.

واستمر فيهم القتل، ونزل خالد وقد كان عاهد الله إن منحه أكتاف القوم أن يجري النهر من دمائهم، ولما اقترب النصر صاح منادي خالد : الأسر الأسر، أي: لا تقتلوهم، وجعل يأتي بهم جماعات جماعات فيضرب أعناقهم على حافة النهر.

فأراد أن يبر بقسمه لله عز وجل، وقال له القعقاع بن عمرو التميمي : والله لو أنك قتلت أهل الأرض جميعاً ما وفيت بنذرك حتى تجري قليلاً من الماء في النهر؛ فتحمل المياه دماءهم حتى تبر بقسمك، ففعل خالد وتغير لون مياه النهر 20 يوماً.

ثم قال خالد بعد ذلك للمسلمين: اجلسوا للطعام.

وخطب سيدنا أبو بكر الصديق فقال: يا معشر قريش! عدا أسدكم على الأسد -أي: سيدنا خالد عدا على قوات الفرس- فغلبهم على خراجينه -أي: على اللحم الذي كانوا يأكلون منه-، عجزت النساء أن ينشئن مثل خالد.

وثاني معركة كانت بينه وبين صليبي العرب، واسمها: معركة عين التمر، وكان قائد قوات الصليبين عقة بن أبي عقة في وسط جيشه، وسيدنا خالد في وسط الجيش، ونظر خالد سيف الله عز وجل فقال: احموا مجلدتي بعشرة فرسان، أي: احموا ظهري بعشرة فرسان، ثم انطلق إلى جيشهم فمضى في صف الجيش المحارب ثم صاول عقة بن أبي عقة حتى اقتلعه عن فرسه وأمسك به ثم وضعه على فرسه، وانطلق به إلى جيش المسلمين وانتهت المعركة.

وفي معركة الفراض في 15 ذي القعدة سنة 12 هجرية كان أول مرة في التاريخ تجتمع فيها قوات الفرس وقوات الروم والصليبين وعددهم 150000، أما سيدنا خالد ومن معه فكان عددهم 38000، فقتل منهم سيدنا خالد 100000.

وبعث سيدنا أبو بكر إلى خالد أن يذهب إلى جبهة الروم بالشام، وقال: والله لأذهبن وساوس الروم بسيف خالد . وكانت معركة اليرموك وفتح دمشق، وكانت في 15 رجب سنة 12 هجرية، وكانت جيوش المسلمين خمسة جيوش: جيش شرحبيل بن حسنة ، ويزيد بن أبي سفيان ، وأبي عبيدة بن الجراح ، وعمرو بن العاص ، وجيش خالد بن الوليد ، فمكثوا أربعة أشهر كاملة لا يستطيعون فتح مدينة دمشق، حتى وصلت الأخبار إلى خالد الذي وصفه المؤرخون بأنه لا ينام ولا ينيم، أي: هو لا ينام والعدو الذي أمامه من شدة خوفه لا ينام، فعيونه ذكية، فبث مخابراته فقالوا له: إن نسطاس بن نسطور قائد الروم في دمشق قد ولد له مولود، وإنه سيوزع الخمر الليلة على جنود الحامية، فأعد خالد قرباً مليئة بالهواء ثم عبر عليها النهر سباحة حتى وصل إلى أسوار دمشق، وأعد سلالم من حبال الليف معلقة فيها خطاطيف في نهاية كل حبل، فجعلوا يلقونها على الأسوار فعلق حبلان، فصعد عليهما مذعور بن عدي العجلي ، والقعقاع بن عمرو التميمي ومعهما بقية الحبال، فعلقاها فوق أسوار دمشق، ونادى خالد : إذا سمعتم تكبيرنا من فوق الأسوار فانهدوا إليهم، وطيلة الليل يقتل خالد في الروم حتى قالوا: افتحوا الباب لجيش أبي عبيدة حتى لا يفنينا خالد .

وكانت معركة اليرموك هي التي أنهت وجود الروم في بلاد الشام، وكان عدد الروم فيها 300000 مقاتل، وعليهم قائدهم ماهان أقوى قادة الروم، ومعه القيقلان وبندارق أخو هرقل ، وكان جيش المسلمين 36000 مقاتل، فيهم 1000 صحابي، وفيهم 100 بدري.

وأرسل سيدنا أبو عبيدة لسيدنا عمر قال: إنه قد أتى المسلمين ما لا قبل لهم به إلا أن يمدهم الله بملائكة، فسيدنا خالد قال لـأبي عبيدة : إن كنا نقاتلهم بالقوة والكثرة فوالله ما تغني قلتنا أمام الناس شيئاً، وإن كنا نقاتلهم بالله ولله فإن قواتهم لا تغني عنهم ولو ملئوا جيوش الأرض لنا، ثم قال البطل خالد : أتطيعني فيما آمرك؟ قال: نعم، قال: ولني ما وراء ذلك واتركني والقوم فإني أدعو الله أن ينصرني عليهم، وكان على جيش المسلمين في القلب أمين هذه الأمة أبو عبيدة ، وعلى الميمنة أعلم الأمة بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وعلى الميسرة قباث بن أشيم بطل المسلمين وصنديدهم، وعلى الرجالة قاتل الأسود هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، وعلى الخيل خالد بن الوليد ، وبالتناوب مع أبي الأعور سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، حتى إن الروم كان كل 100 منهم يسلسلون بسلاسل، فقتل منهم 120000، منهم 80000 مسلسلين بالسلاسل، و40000 قتلوا في يوم المعركة، حتى إن القيقلان لما رأى ما حل بالروم من هزيمة منكرة قال: غطوا رأسي، فحز المسلمون رأسه وهو ملفوف.

وفي أيام الدولة الأموية كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان الجرادة الصفراء أفضل أخوته، وكان الروم يفزعون منه إلى آخر بلادهم، وكان معه قائد من قواد المسلمين اسمه: أبو محمد عبد الله البطال، فبلغ الذعر بقوات الروم من هذا البطل المسلم ما روي أنه قال له عبد الملك بن مروان : ما أغرب ما حدث لك يا بطال ؟ قال: توغلت في أرض الروم في ليلة بادية وإذا أنا بضوء خافت ينفذ من نافذة، وإذا بامرأة تريد أن تنيم ولدها فلا ينام، فتقول له: اسكت وإلا آتيك بـالبطال فأقول: خذه يا بطال ، ومدت يدها نحو النافذة قال: فأخذت الصبي منها.

وفي أيام المستعصم الخليفة العباسي بلغ خوف الروم من قائد جيش اسمه ابن فتحون أن الرجل الرومي كان يسقي فرسه من الماء فإذا امتنعت عن الشرب يقول لها: اشربي وإلا رأيت ابن فتحون في الماء.

وفي معركة من معارك المسلمين اسمها: معركة ملاذكرد سنة 653 ميلادية كانت بين السلطان المسلم ألب أرسلان وجيشه كان 15000 مقاتل، وبين أرانوس الرابع قائد وإمبراطور الروم وجيشه كان 600000 مقاتل، حتى إن ألب أرسلان خاف استئصال شأفة الجيش المسلم فعرض المال -وهذا جائز- على أرانوس الرابع فلم يقبل.

فأتى السلطان وقال: أيها الأمراء! من أراد أن يرجع فليرجع، فلا أمير ولا سلطان عليكم بعد اليوم، وإني ماض إلى الجنة، فمن أراد أن يتبعني فليتبعني، فلبس الجيش كله الأكفان، وكان يسمى: جيش الأكفان، ثم كانت الدائرة في نهاية الأمر على الروم، وأخذ أميرهم وإمبراطورهم أسيراً، ونودي عليه: من يشتري الكلب؟ فنادى أحد جنود المسلمين: لا اشتري الكلب إلا بكلب.

فقراءة التاريخ الإسلامي وما حدث فيه من انتصارات للإسلام والمسلمين مما يذهب الإحباط واليأس عن النفوس.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المستقبل للإسلام للشيخ : سيد حسين العفاني

https://audio.islamweb.net