إسلام ويب

أمة الإسلام أمة مليئة بالعظماء .. أمة تصنع الرجال، لا تعرف الذل والانكسار إلا لله، وما ذلك إلا لأنها عرفت حقيقة العبودية والتزمت بها، ومتى ما تنكبت عن طريق العبودية أصابها الذل والهوان فهانت على عدوها وتولى زمام أمورها أحقر الناس وأراذلهم، والله عز وجل لا يحابي أحداً من عباده، فمتى رأى من عباده صدق العبودية والتوبة والرجوع إليه؛ نصرهم ومكنهم من رقاب أعدائهم، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

فساد المرأة وأثره على الأجيال

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

روى البخاري رحمه الله في مطلع صحيحه حديث أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه، وقد رواه مسلم أيضاً في مناظرة أبي سفيان مع هرقل عظيم الروم.

وقد كانت هذه المناظرة في شأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في وقت ظهوره، فكان من جملة المحاورة قول هرقل لـأبي سفيان : كيف كان قتالكم إياه؟ قال: الحرب بيننا وبينه سجال، ننال منه وينال منا.

وفي صحيح البخاري أيضاً من حديث البراء بن عازب وهو يذكر طرفاً من واقعة أُحد، لما خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتركوا مواقعهم: (وصعد أبو سفيان على قمة الجبل وقال: أفيكم محمداً؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه؟ أفيكم أبو بكر ؟ قال: لا تجيبوه؟ أفيكم عمر ؟ قال: لا تجيبوه؟ حينئذٍ رفع عقيرته قائلاً: اعلُ هبل)، لعلمه أن قيام الإسلام كان بهؤلاء، وحيث أنهم لا يجيبونه إذاً فقد قتلوا، فحينئذٍ افتخر بآلهته ورفع صوته وقال: اعلُ هبل.

فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبوه، قالوا: وماذا نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل، فقال: لنا العزى ولا عزى لكم. قال: ألا تجيبوه؟ قالوا: كيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم، فقال أبو سفيان : يومٌ بيوم بدر، والحرب سجال).

الحرب سجال كما قال أبو سفيان : ننال منه وينال منا، وكما قال تبارك وتعالى: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران:140]، كانت الحرب سجالاً، فكيف صارت الحرب من طرف واحد؟

سجال. يعني: لنا الغلبة مرة ولهم الغلبة مرة أخرى، لكن تاريخنا المعاصر يشهد بأن الغلبة لأعدائنا في كل الجولات باستثناء جولة واحدة، وقد ذهبت أدراج الرياح أيضاً، والتاريخ المعاصر يشهد أن كل الهزائم بلينا نحن بها، ولم تعد الحرب سجالاً كما كانت، فما هو السبب يا ترى؟

السبب أن أجل صناعة عرفتها الدنيا والتي انفردنا بها أجيالاً وقروناً طويلة، قد جفت منابعها، ألا وهي صناعة الرجال.

إن الشخصيات الكبيرة التي يلمع أسماؤها في بلادنا اليوم هي شخصيات مصابة بالشذوذ الجنسي والعقد النفسية، وأعداؤنا يقدمون هذه الشخصيات لأمتنا على أساس أنها هي القدوة والأسوة.

أمة الإسلام أمة مليئة بالعظماء، فكيف جفّت هذه الصناعة وكيف عز الرجال فيها؟! وهذا واضح من كلام أبي سفيان : أفيكم محمداً؟ أفيكم أبو بكر ؟ أفيكم عمر ؟ هذه هي الشخصيات التي يقوم عليها دين، ونحن لا نعلم من لدن آدم عليه السلام إلى هذه اللحظة التي أتكلم فيها من شهر رجب من عام ألف وأربعمائة وواحد وعشرين هجرية لا نعلم جيلاً من الأجيال أقام دولة في عشر سنوات إلا هذا الجيل الفريد.

لقد جفت منابع هذه الصناعة بسبب فساد المرأة، فالمرأة هي المعمل الطبيعي الذي يخرج منه الأبطال، فالمرأة مهمتها أن تلد وتربي، ولذلك تجد أعداء الدين يدندنون حولها وما ملوا أبداً. وهناك قاعدة إعلامية معروفة تقول: (ما تكرر تقرر). فإذا أرادوا أن يقرروا شيئاً كرروه ليلاً ونهاراً، حتى لو كان شيئاً تافهاً ليس له قيمة. أذكر عندما جاءوا بقصة حسنين ومحمدين، كان العالم كله يضحك لتفاهة المضمون، لكن النتيجة ظهرت بعد أربع سنوات من استمرار العرض للقصة، فقد اقتنع العالم بفكرة تكوين أسرة صغيرة وأن فيها حياة أفضل، وقد انطوت هذه القصة بكل أسف على بعض رجال العلم مع فهمهم للفكرة ومصادمتها لنصوص قاطعة في الكتاب والسنة.

وبدأت المسألة بذهاب قاسم أمين إلى باريس، ليؤدي الدور المطلوب، ثم رجع إلى مصر، وكان بطبيعة الحال لا يستطيع أن يواجه المسألة مرة واحدة، فكتب كتاب: تحرير المرأة.

وقال: إنني لا أقصد بتحرير المرأة تحريرها من دينها، حاشا لله، لا، ولكن نريد أن تتعلم المرأة.

لقد استغل الأوضاع السيئة التي بالغ الآباء الجاهلون فيها في رفض تعليم المرأة حتى في البيت، فقال: أنا أريد أن المرأة تخرج لكن في حدود الدين، وتتعلم القرآن، وتقرأ سنة نبيها صلى الله عليه وسلم.

وقد كان محمد عبده من الذين تبنوا فكرة قاسم أمين ، ودافعوا عنه وأشادوا بعقله المستنير، وأن الذي يطلبه هو من صميم الإسلام، فقالوا: لذلك نحن نبني مدارس خاصة للبنات لا يدخلها رجال، لأن هذا مناقض لديننا، ونحن لا نقصد بتحرير المرأة أن تخرج من دينها، لا. نحن نريدها أن تتعلم حتى تستطيع أن تقرأ في الكتاب والسنة، فنحن نبني مدارس خاصة للبنات، ونشدد أن ولي الأمر هو الذي يصطحب ابنته من البيت إلى المدرسة، فكانت البنت تخرج من البيت على (الحنطور) ولا يراها أحد وتنزل داخل فناء المدرسة، وبدأت الفكرة النيرة تظهر وتتبلور، وبدأ الناس يقتنعون بها ويتبناها بعض العلماء.

لكن الواقع أن ولي الأمر بطبيعة الحال لا يستطيع أن يوصل البنت إلى المدرسة يومياً ولفترة زمنية طويلة؛ فأوجدوا سائقاً يوصلها إلى المدرسة يومياً، واستمرت لفترة حتى جاءت مشكلة زحمة الأشغال على السائقين وعدم قدرتهم على توصيل البنات يومياً إلى المدرسة، فقرروا أن البنت هي التي تذهب من البيت إلى المدرسة.

إذاً: بدأت المسألة شيئاً فشيئاً، فالأب ما عاد يستطيع أن يذهب كل يوم، والسائق كانت لديه أشغال كثيرة، وما يستطيع أن يوصل الحنطور إلى المدرسة، فجاءت فكرة أن البنت تخرج بنفسها من بيتها إلى المدرسة، قال تعالى: بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ [سبأ:33].

وما هي إلا فترة بسيطة حتى بدأ قاسم أمين يظهر منهجه وفكره خاصة في كتابه: المرأة الجديدة الذي ألفه بعد كتاب: تحرير المرأة، وأسفر فيه عن وجهه فعلاً.

لقد دعا فيه إلى ضرورة الاختلاط بين الرجل والمرأة، وأن الدنيا هذه كلها رجل وامرأة، وما المانع أن يخاطب الرجل المرأة وتكون نفسيته طاهرة، وأن تخاطب المرأة الرجل وتكون إنسانة عفيفة نبيلة.

لماذا نفترض سوء الظن، وأنه ما اجتمع رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما.. إن هذا سوء ظن!!.

من ذلك الوقت صار هم المرأة أن تتعلم، وأن تدخل في وسائل التعليم المختلفة وتأخذ الماجستير والدكتوراه، وأصبحت تنافس الرجل في كثير من المناصب والمراكز والأعمال.

كان أبو البنت يقول: كل هذا التعليم حتى تجلس في البيت!! لا. لا بد أن تحقق ذاتها، والمرأة هي نصف المجتمع، فتكون نصف طاقات المجتمع معطلة!!

كان ثلاثة أرباع الشباب جالسين على الأرصفة لا وظائف ولا أعمال وهم يقدمون المرأة.

من الأولى بالوظيفة؟ هل الشاب الجالس على الرصيف بلا وظيفة أم المرأة التي لا عمل لها بالحقيقة؟!

فمن هنا.. بحثنا عن الرجال الذين سيقفون لهؤلاء الأوغاد الجبناء الذين وصفهم رب العالمين بقوله: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14].

هذه الأمة ينتسب إليها مليار مسلم، لو بصق كل واحد منهم بصقة لأغرقوا خمسة عشر مليون يهودي، يتحكمون في اقتصاد العالم وزراعته وتجارته.

في سنوات الضعف والهزيمة، أصبح الضعف والاستسلام كياسة وحكمة، وهؤلاء لا يعرفون إلا منطق القوة.

أحد الشعراء أجاد في تصوير الضعيف والقوي من الأمم، فذكر قصة رمزية دارت بين طائر الشحرور الضعيف وبين الثعبان القوي، فقال

كان الربيع الحي روحاً حالماًغض الشبابِ معطر الجلبابِ

يمشي على الدنيا بفكرة شاعرٍويطوفها في موكبٍ خلابِ

فرآه ثعبان الجبـال فغمـهُما فيه من مرحٍ وفيضِ شبابِ

فانقض مضطغناً عليه كأنـهسوط القضاءِ وفرية الكذابِ

بُغت الشقيّ من هول الردىمتلفتاً للصائل المنتابِ

وتدفق المسكين يضرخُ قائلاًماذا جنيتُ أنا فحقَ عقابي

لا شـيء إلا أننـي متغزلٌبالكائنات مغردٌ في غابي

ألقى من الدنيا حناناً طاهـراًوأبثها نزو المحب الصابي

أيعّدُ هذا في الوجود جريمـةًأين العدالة يا رفاق شبابي

فالشرع المقدس ها هنـارأي القوي وفكرةُ الغلابِ

وسعادة الضعفاء جرمٌ ما لهعند القوي سوى أشد عقابِ

ولتشهد الدنيا التي غنيتهـاحلم الشباب وروعة الإعجابِ

أن السلام حقيقة مكذوبـةٌوالعدل فلسفة اللهيب الخابي

لا عدل إلا إن تعادلت القوىوتصادم الإرهابُ بالإرهابِ

فتبسم الثعبان بسمةَ هـازئٍوأجاب في سمتٍ وفرط إهاب

يا أيها الغر المثرثر إنـنيأُرثي لثورة جهلك التلآبِ

فاكبح عواطفك الجوامح إنهاشردت بلبك واستمع لخطابي

إني إلهٌ طالما عبد الـورىظلي وخافوا لعنتي وعقابي

وتقربوا لي بالضحايا منهـمُفرحين شأن العابد الأوابِ

أفلا يسرك أن تكون ضحيتيفتحل في لحمي وفي أعصابي

وتكون عزماً في دمي وتوهجاًفي ناظري وحدةً في نابي

فكر لتدرك ما أريـد وإنـهأسمى من العيش القصير النابِ

فأجابه الشحرور في غصص الردىوالموت يخنقه إليك جوابي

لا رأي للحق الضعيف ولا صـدىوالرأي رأي القاهر الغلابِ

فاصنع مشيئتك التي قد شئتهاوارحم جلالك من سماع خطابي

أصبح الضعيف لا يملك إلا الشجب والاستنكار، والقوي يفعل ما يريد، إننا في أمس الحاجة إلى هذا الصنف الذي رفع أبو سفيان عقيرته قائلاً: أفيكم محمداً؟ أفيكم أبو بكر ؟ أفيكم عمر ؟ وهذه أمة متفردة في صناعة الرجال.

فينبغي على المرأة أن تقوم بدورها في هذه المحنة، وأن ترجع مرة أخرى إلى بيتها، وأن تربي الأبناء؛ فإن اليهود جبناء ولو علموا أن بنا قوة أو أننا نستطيع أن نرد ما فعلوا بنا هذه الأفاعيل.

دروس من غزوة بدر

لقد تمت غزوة بدر على غير ميعاد، فقد خرج المسلمون من ديارهم بقصد إحراز العير، حيث كان المهاجرون قد خرجوا من ديارهم وأموالهم فقراء مختارين راضين، قال تعالى:وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ [النساء:66].

الخروج من الديار ليس أمراً سهلاً، ومع ذلك تركوا أموالهم أيضاً، منهم: صهيب الرومي خرج سراً في جناح الليل، من مكة إلى المدينة، فعلم كفار قريش بخروجه فأدركوه في الطريق، قالوا: جئتنا صعلوكاً لا مال لك، وتريد أن تخرج بالمال؟ قال: أرأيتم لو أعطيتكم مالي تخلو بيني وبين ذهابي؟ قالوا: نعم. فأعطاهم المال، فلما وصل إلى المدينة لقي النبي صلى الله عليه وسلم وحكى له ما جرى، فقال له : (ربح البيع أبا يحيى).

هذه الأنفس خالقها هو الله وهذه الأموال رازقها هو الله، يأخذها منا ويعطينا الجنة، فخرج هؤلاء من ديارهم وأموالهم، وكان لا بد من القصاص، قالوا: نعترض العير ونأخذ هذه الأموال عوضاً عن الأموال التي أخذوها منا.

أراد جماعة من الأنصار -وكانت بيوتهم في عوالي المدينة- أن يذهبوا ويأتوا بالعدّة ولأمة الحرب والخيول، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا لم نخرج لقتال، إنما لنحرز العير وهذا العدد كاف. كانت القافلة فيها أبو سفيان وبضعة عشر رجلاً، خرج لها ثلاثمائة وبضعة عشر مسلماً، لم يكن معهم غير فرسين: فرس الزبير بن العوام وفرس المقداد بن الأسود وكان معهم ثلاثون بعيراً، كل ثلاثة يتناوبون بعيراً.

لكن الحرب فرضت نفسها، فقد استطاع أبو سفيان أن يستأجر رجلاً ويأخذ ساحل البحر هارباً، وأرسل الأجير إلى قريش يطلب النجدة ويخبرهم أن العير أفلتت وأن المسلمين خرجوا للاعتداء عليها.

فقال أبو جهل للناس: لابد أن نرد بدراً وننحر ونشرب الخمر وتغني لنا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبداً، لكن الله عز وجل جمع بينهم على غير ميعاد.

فلما فرضت الحرب نفسها ولم يأخذ المؤمنون أهبة استعدادهم؛ تضرع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه وبالغ في رفع يديه وفي إظهار الذل له تبارك وتعالى: اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنهم عالة فقراء، اللهم إنهم جياع فأطعمهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض.

وبالغ في رفع يديه ذلاً واستكانة وانخلاعاً من الحول والقوة، حتى أمسك أبو بكر بمنكبه صلى الله عليه وسلم بعدما سقط رداءه من على منكبه وقال: يا رسول الله! كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك.

حينئذٍ تهلل وجه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا أبا بكر ! هذا جبريل نزل على ثناياه النقع وقد لبس لأمة الحرب.

وقال تعالى: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9] مردفين، أي: بعضهم يتبع بعض، فلماذا نزلوا؟ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ [الأنفال:10]، كان نزول الملائكة بشرى أن النصر قادم ولتطمئن القلوب بأن الملائكة في جوار المؤمنين، وهذا النصر هو من عند الله؛ ولذلك قال عز وجل: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الأنفال:10]، ما انتصر الملائكة وما نزلوا للنصر، إنما نزلوا للبشرى ولتثبيت الأقدام وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126]، عزيز لا يُغلب، ولا يذل جاره إذا استجار به.

ودارت رحى الحرب وكانت موقعة بدر الكبرى، وكانت فرقاناً كما قال الله عز وجل: يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [الأنفال:41]، فصارت شامة في جبين الدهر، حتى صار الذي حضرها يُنسب إليها ولا ينسب لأي غزوه من غزوات الإسلام، فيقال: فلان البدري، ولا يقال: الأُحدي ولا التبوكي ولا اليرموكي ولا أي غزوة من الغزوات، فنزلت فيهم بشارات عظيمة.

منهم حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطى امرأةً كتاباً بخروج النبي صلى الله عليه وسلم فوضعته في ظفيرتها يخبرهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل عليه السلام يخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب ، فأرسل علي بن أبي طالب والمقداد بن الأسود وقال: اذهبوا إلى روضة خاخ، حيث تجدون ضعينة، في ظفيرتها كتاب، ائتوني به.

فذهبوا إلى هناك، فوجدوا المرأة، فقال لها علي بن أبي طالب : أخرجي الكتاب. قالت: ما معي من كتاب، قال: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب، ففكت المرأة ظفائرها وأخرجت الكتاب، فأخذه علي بن أبي طالب ، ورجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان حاطب في المجلس لا يعلم شيئاً، ففتح الكتاب وقرأ: من حاطب بن أبي بلتعة إلى نفر من المشركين يخبرهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

لما قرئ الكتاب استشاط عمر غيظاً وقال: يا رسول الله! دعني أقطع عنق هذا المنافق. فقال حاطب الذي شهد بدر: يا رسول الله! لا تعجل عليِّ، فوالله ما فعلت هذا كفراً ولا رضاً بالكفر بعد الإيمان، ولكن لي قرابة في مكة.

كان حاطب ليس له نسب وليس له ظهر في مكة، فكان المشركون يؤذون قرابته أشد الأذى، فأحب أن يتخذ يداً عند المشركين يحمي بها قرابته، فكان هذا هو الذي دفعه إلى هذا الفعل، قال: ما فعلت هذا كفراً ولا رضاً بالكفر بعد الإيمان، ولكني كنت امرءاً ملصقاً في قريش، فأردت أن أتخذ صنيعة أحمي بها قرابتي ومالي).

فقال عمر : يا رسول الله! دعني أقطع عنق هذا المنافق. فقال لـعمر : (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم).

هذه خاصِّية ليست لأحد إلا لهذه الطائفة التي شرفها الله عز وجل بحضور هذه الموقعة، ففي الحديث الصحيح أيضاً أن حاطب بن أبي بلتعة كان قاسياً على غلامٍ له يضربه، فذهب الغلام يشتكي حاطباً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكان من جملة ما قاله الغلام للنبي صلى الله عليه وسلم: والله يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال صلى الله عليه وسلم له: كذبت إنه شهد بدراً إنه شهد بدراً. وقال: (لا يلج النار أحد شهد بدراً والحديبية) لأن بدراً كانت فتحاً وكانت الحديبية فتحاً أيضاً، ونزل في الحديبية قوله تعالى: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1]، مع الظلم الظاهر في بنود صلح الحديبية.

فاستغاث النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون بالله، وقد كان له صلى الله عليه وسلم عريش يصلي فيه طول الليل ويدعو الله تبارك وتعالى أن ينصره على هذه الطائفة.

مقومات النصر في غزوة بدر

إن المقومات التي كانت عمود النصر في بدر، أربع مقومات:

قال تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران:123]، أول مفتاح من مفاتيح النصر: ذل الإنسان وافتقاره إلى رب العالمين، فليس له قيمة إلا إذا نظر الله إليه، فيحقق العبودية؛ لأن العبودية معناها: الذل الكامل لله. ولذلك الحجر والشجر عندما يختفي يهودي خلفه يقول: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله.

فهل حققنا العبودية لله تباك وتعالى؟ بكل أسف لم نحققها على المستوى الجماعي، بل ولا حتى على المستوى الفردي، إلا طائفة من عباد الله هم الذين صبروا على اللأواء، وصبروا على التشريد وصبروا على الضرب.

ومن تمام العبودية لله: أنك لا تقدم شيئاً من الأحكام مطلقاً على حكم الله.

فهل يُعقل يا أخي أن يستفتى على تحريم الخمر؟

الخمر الذي حرمه الله بالنص القاطع الظاهر الذي لا يحتمل تأويلاً قط، تجدهم يعرضونه للتصويت، من كان حالهم مع دينهم هكذا فأنَّى ينصرون، لا والله لا ينصرون.

إن سنة الله الكونية لا تتخلف، ولا تحابي أحداً. إن الله لينصر الدولة الكافرة لو كانت عادلة، ويخذل الدولة المسلمة لو كانت ظالمة.

إن المظاهرات كلها لعب وضحك يتم فيها استفراغ شحنات الغضب: الموت لإسرائيل، يسقط اليهود. ثم بعد ذلك تنفد قوة المتظاهر ولا يستطيع أن يمشي على رجليه، فيذهب إلى البيت وينام على السرير.

هذه الأمة ينبغي أن يبقى بركان الغضب تأثراً في نفوس أبنائها، وأن تسير وفق برنامج عملي، منهجي يتم فيه تحقيق العبودية على وجهها كما أراد الله عز وجل، وكما سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بيوتنا اليوم تعج بالمخالفات.

وأنت ولي الأمر في بيتك، ما الذي يمنعك أن تنقي بيتك من المخالفات؟

ما الذي يمنعك أن تكون قيماً على من في بيتك؟

إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته).

يوم نكون عبيداً لله عز وجل سننتصر على أعدائنا برغم قلة عتادنا وعدتنا، كما نصر الله عز وجل الذين خرجوا لا بنية القتال، وكانوا يقتسمون التمرات، وكانوا يتناوب الثلاثة منهم على البعير الواحد نصرهم على الكفرة الذين كانوا يذبحون عشرة جمالٍ في اليوم ويأكلونها؛ لأن الله قد حسم القضية فقال: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:10]، (عزيز): لا يغلب جاره. (حكيم): لا يمكن أن يضع النصر في أيدي أناس لم يحققوا العبودية له.. حكمته تأبى ذلك.

هل يعطي الله النصر لرجل لا يحقق العبودية له تبارك وتعالى؟ هيهات .. هيهات فأول مفتاح من مفاتيح النصر: الذل لله تبارك وتعالى وإقامة العبودية على وجهها.

والعبودية (باختصار): أن لا تحرك ساكناً ولا تسكِّن متحركاً إلا إذا كان مأذوناً لك فيه.

العبودية: أن لا تخالف النص حتى لو ظننت أنه يضرُّك، طالما أنه مطلوب منك أن تفعل فيجب عليك أن تفعل.

العبودية: أن تسبح ضد مصالحك الشخصية إذا كان فيه إيصال الخير لأخيك المسلم، كما حدث لـجرير بن عبد الله البجلي ، فقد كان له غلام يفهم في البيع والشراء، فذهب إلى السوق واشترى بعيراً جيداً بثمن بخس، وكان البعير يثمن بثمانمائة درهم وقد اشتراه الغلام بأربعمائة، وجاء مغتبطاً متهللاً إلى جرير بن عبد الله فلما سمع جرير كلامه قال: ائتني بصاحب الجمل. فجيء به، وقال له: إن جملك يساوي ثمانمائة درهم وأعطاه الأربعمائة الباقية، فكان الغلام يقلِّب كفيه عجباً!! يقول: أنا اجتهدت واستطعت أن أربح في البيعة وآخذ البعير بأربعمائة، وإذا بك تعطيه ثمانمائة؟ قال: إني بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم، وليس هذا من النصح.

هناك من يبيعون الله ورسوله بلا مقابل لوجه الشيطان، وهناك من لا يفك البيعة بأموال الأرض فضلاً عن أربعمائة درهم.. العبودية تشمل الدين كله.

العامل الثاني: على قول الطائفة التي تعتقد أن هذه الآيات التالية نزلت في بدر: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا بقي العامل الثالث والرابع، إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:124-125]، (مُسَوِّمِينَ): عليهم سيما وعلامة.

ولا تعارض بين هذا العدد وبين العدد الذي ورد في سورة الأنفال: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ [الأنفال:9]، هنا ألف ثم ثلاثة آلاف ثم خمسة آلاف، فلا معارضة؛ لأن آية الأنفال تقول: بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9]، وفي قراءة نافع : (مُرْدَفِيْن) : أي سيأتي بعدهم آخرون، فبدأ الإنزال بألف ثم ثنى بثلاثة آلاف حتى وصل إلى خمسة آلاف، كل هذه دفعات متتابعة كما نزل القرآن منجماً؛ لأنه أوقع في تثبيت النفوس، ولو نزل دفعة واحدة لما كان له تأثير قوي، لكنه نزل منجّماً على حسب الوقائع، تحدُث حادثة فتنزل آيات على مقتضى الحادثة، فإذا نزل الشيء على مقتضى الحدث ينفعل المرء له.

القول الثاني أن هذا الإمداد كان في أُحد، وسياق الآيات جميعاً في غزوة أحد، وإنما جاء ذكر بدر مُعْتَرَضَاً بين الآيات للتذكير، قال تعالى: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ * وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ.. [آل عمران:121-124].

فقالوا: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ.. [آل عمران:124] هذه نزلت في غزوة أحد، وقد جعل الله عز وجل الإمداد مشروطاً بالتقوى والصبر، فلما خالفوا الشرط في غزوة أحد لم يحصل الإمداد فلهذا غُلبُوا آخراً، بعدما كانت الدولة لهم في الأول.

إذاً: مقومات النصر في غزوة بدر هي: ذلٌ، وصبر، وتقوى، واستغاثة: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ [الأنفال:9].

أما الهزيمة في أحد فقد ذكر الله عز وجل الخلل الذي وقع فيه المسلمون في آية واحدة: وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا [آل عمران:152] قال ابن مسعود : (لولا هذه الآية لقلت أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جميعاً يريدون الآخرة) حتى قال الله عز وجل: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا [آل عمران:152]، ولا يحل لأحد أن يعيِّر الصحابة بهذا؛ لأن الله عز وجل قال: وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:152].

أما في حنين، فقد قال الله عز وجل: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25]، وقالوا: (لن نغلب اليوم من قلة) فعوقبوا بالإدبار، وعوقبوا بالهزيمة حتى منّ الله عز وجل على المؤمنين ونصرهم لما نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- لما أدبر الناس يوم حنين نادى نداءين فصل بينهما، النداء الأول قال: (هلموا إلي)، والنداء الثاني قال: (أنا عبد الله ورسوله) فأنزل الله عز وجل نصره عليهم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

القدس لن تعود إلا بالجهاد والرجوع إلى الله

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أيها الإخوة.. إن الحق المسلوب لا يعود بالمظاهرات، ولا يعود بإحراق العلم الإسرائيلي، ولا يعود بالمفاوضات، القدس مسألة حيوية بالنسبة لليهود، تجمعوا كلهم في القدس؛ لأنها هي مقبرتهم، هم لن يتركوا القدس، والقدس لن تعود إلا بالجهاد، وعلى حكام المسلمين أن يرفعوا راية الجهاد في سبيل الله، وأن يتيحوا لهذه الأمة أن تثبت وجودها. إن الحجارة عذبت اليهود أكثر من عشر سنوات، على يد طفل صغير، فاليهودي جبان جبان، وأقوى الناس قلوباً وأشجعهم هم المسلمون، ولو واجه المسلم اليهودي مواجهة صريحة لغلبه.

إننا نريد برنامجاً عملياً نجمع فيه طاقات الشباب وطاقات الأمة لنسخرها في خدمة هذا الدين.

إن المظاهرات يدخل فيها أناس كثيرون ليس لهم في العير ولا في النفير، تجدهم يدمرون الممتلكات العامة والخاصة، والغوغاء إذا اتصلت بالفتنة؛ لا يستطيع أحكم الحكماء من البشر أنه يوقف هذا الزحف.

فلهذا.. ينبغي علينا أن نكون صرحاء، لا يقولن أحد: إن هذه دعوة إلى التخذيل، المظاهرات لا تغير القرار السياسي ولا الاقتصادي إلا أن يشاء الله، لكن هذه الأمة ينبغي أن ترجع مرة أخرى إلى الأصول العامة والضوابط التي وضعها أهل العلم.

ولا يتكلم في هذه المسائل إلا العلماء، فيأتي أنصاف المتعلمين يقولون: لا. المظاهرات مشروعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه سلم قام بمظاهرة في أول الإسلام، عمل صفين، جعل في الصف الأول عمر ، وجعل في الصف الثاني حمزة بن عبد المطلب ، نحن نقول: يا جماعة اثبتوا القصة أولاً، هل هذه القصة لها إسناد يُحتج به أم لا؟

ثانياً: لما خرجوا بهذا الوضع وهذه الصورة، خرجوا عن إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليرهبوا الأعداء. وهل المظاهرات ترهب الأعداء؟ وها هم أكثر من ثلاثمائة وخمسين فلسطينياً يموتون ويقتلون شر قتلة وماذا فعلت لهم المظاهرات.

ولما يقتل اثنين من اليهود تتعرض الأرض كلها للجحيم، ونضطر أن نعتذر عن مقتل اثنين من اليهود، أما ثلاثمائة وخمسين مسلماً شربت الأرض من دمائهم ليس لهم قيمة، نحن نناصر السلام، واليهود لا يعرفون السلام: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100]، هذه خاصية اليهود، قالها العلماء وتكلموا حتى جفت حلوقهم أن اليهود لا أمان لهم، وأنهم لا يعرفون السلام، والأيام كلها تثبت صدق المقالة. أفلا نرجع إلى الله؟! ويقولون: نحن لا نستطيع أن نرجع، لماذا؟ لأن اليهود معهم العتاد والرؤوس الذرية والقنابل النووية.

يا إخواننا! نحن نريد أن نرجع إلى الله، نريد أن نحقق العبودية لله، حينئذٍ هو الذي ينصرنا: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:10]، وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ [آل عمران:126].

وفي بعض الكتب الإسرائيلية أن الله عز وجل أوحى إلى موسى عليه السلام لما لقي فرعون، فأمتلأ قلبه خوفاً منه، فقال الله عز وجل له: ( لا تنظر إلى لباسه فإن قلبه بيدي ) لا تغتر بهذا اللباس فإن قلبه بيدي، ومقاليد الأمور جميعاً ترجع إلى الله: وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ [لقمان:22] أي: نهايات الأمور.

المطلوب منا أن نرجع إلى الله رجوعاً جاداً لا رجوعاً هزلياً كالذي نفعله، هذا كله لعب ليس له قيمة، إنما الرجوع الحقيقي أن نعود إلى الله، كذلك النساء يعدن إلى البيوت حتى يخرج الجيل المنشود الذي سيواجه اليهود.

حقيقة معركتنا مع اليهود

أيها الإخوة: إن المعركة بيننا وبين اليهود معركة عقيدة، وليست قتالاً على الأرض، فالذي يراهن على الأرض خاسر، والذي يستظل بلواء العقيدة لا ينهزم، وهذا هو الفارق الجوهري بيننا وبين اليهود.

رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما يلقي خطاباً في الكنيسة، يقرأ آية من التوراة توقيراً للتوراة، ويتلوها وهو معتقد أن هذا حق، ونحن نقاتل على تراب نريد أن نسترد أرضاً، اليهود يستطيعون استرداد الأرض التي أعطونا أياها في أسرع وقت.

ولقد صرح أكابر السياسيين اليهود أن باستطاعتهم طرد ياسر عرفات وأخذ فلسطين كلها.

لقد شرع الجهاد لإعلاء كلمة الله.

سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، وعن الرجل يقاتل حمية، هل ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله).

اليهود يتحركون عن عقيدة، والقدس تشكل بالنسبة لهم حجر الزاوية، فهم يعتقدون أنها أرض الميعاد، وأنهم الشعب المختار وهذه أرضهم، لقد جاءوا من كل بلاد الدنيا إلى هذه البقعة، والدول الكبرى كلها تدعم هذا الوجود، خاصة بعدما ظهر مصطلح الأصولية، والأصولية تعني: أن العهد الجديد التحم مع العهد القديم.

العهد الجديد: الإنجيل، والعهد القديم: التوراة، ومسألة أرض الميعاد قد هيأ لها اليهود من قديم، حتى أنهم استطاعوا أن يستقطبوا النصارى معهم في هذه المسألة، وأن يجدوا مساعدات بالمليارات لتحقيق الوعد الذي هو واردٌ عندهم في التوراة.

فهذه مسألة حيوية جوهرية، لن ترد القدس بالمفاوضات أبداً، لن يردها إلا الجهاد لكن بعد أن تكون الأمة قد خسرت كثيراً جداً.

في هذا الوقت يدخل شارون المسجد الأقصى؛ لأن هناك مفاوضات على القدس وإعلان الدولة الفلسطينية، فقال لك: نعمل أي حركة جانبية، نشغلهم بها عن الموضوع الأصلي.

هذه المفاوضات والقمم تقام لوقف الصلف اليهودي، والرجوع مرة أخرى إلى قرارات أوسلو، وفي هذه الفترة يشن اليهود غزواً ثقافياً واقتصادياً، فالإعلام والاقتصاد والمال بيد اليهود، وهم حريصون على إدخال الحشيش والمخدرات والأفيون إلى بلاد المسلمين، وهم على استعداد أن يخسروا مائة مليار دولار على أن تقفل كل المصانع في مصر، وكل هذا الكلام مدون في بروتوكولات حكماء صهيون، وأنا لا أدعو الجماهير إلى قراءة كتبهم، لا. الجماهير يجب أن تشتغل بالكتاب والسنة، إنما الذي يقرأ هذه الكتب هم الدعاة إلى الله؛ حتى يعرفوا كيف يكيد الأعداء لهذه الأمة. ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـزيد بن ثابت : (تعلم لغة يهود فإني لا آمنهم على كتابنا) فتعلم زيد بن ثابت لغة اليهود وأتقنها في ثمانية عشر يوماً؛ لأن هذا جهاد يرضي الله ورسوله.

وكما يقرأ العلماء في كتب أهل البدع، ليعرفوا كيف يؤسس أهل البدع أصولهم حتى يردوا عليهم ويحموا عقيدة أهل السنة، ويكشفوا التلبيس والتزوير، كذلك قراءة علما في كتب أهل الكتاب ومعرفتهم بالأناجيل والتوراة، وقد وجد من علمائنا من كانوا أفقه في دين النصارى من أعظم القساوسة، كـابن تيمية وابن كثير وابن القيم .

فيجب أن يحال بين الجماهير وبين هذه الكتب؛ لأنها مضيعة للوقت ولا فائدة منها بل خطرها على عوام الجماهير شديد.

وهناك شيء آخر وهو: أن بعض الدعاة يضخم إمكانات العدو ويحقر من إمكاناتنا، وهذا إذا جاز أن يقال: أنه يوضع كالملح في الطعام، فلا يجاز أن يدندن عليه بصفة دائمة، لأن ما ظنك برجل مهزوم كل يوم تقول له: لا فائدة الأقمار الصناعية تراقب دبيب النملة، هم عندهم أربعمائة إذاعة وخمسمائة مجلة، والعملاء بالألوف المؤلفة، فهذا معناه عند رجل مهزوم أن يزداد هزيمة، ولا يتحرك، فقد يكون من المصلحة أن تحجب إمكانات عدوك عن الجماهير التي لا تدرك شيئاً.. لكن عليك أن تضع الإمكانات الحقيقية بين أيدي أصحاب القرار، الذين يعرفون كيف تدار الأمور.

في بروتوكولات حكماء صهيون قالوا: نحن سوف ندعو إلى تحريم تعدد الزوجات، وقد كنت أستغرب كيف سيحرموه هل سيأتي شخص يقول لك: إن تعدد الزوجات حرام؟

لقد ظللت أفكر حتى دخلت في حيرة، ولم أصل إلى النتيجة إلا بعد فترة، وقد كانت النتيجة أن بثوا وزرعوا في عقول الناس اشتراطات وأسئلة ثلاثة، جعلوا الزوج والزوجة يفكران فيها قبل أن يقدما على الزواج:

السؤال الأول: هل توافق على أن تكون العصمة في يد امرأتك؟

فلو كان هناك رجل يحب امرأة ويموت في حبها، ويريد أن يتزوجها وشرطت عليه أن تكون العصمة بيدها لوافق.

وللأسف عندنا شريحة من الرجال مستعدة لهذا الأمر تلقائياً.

السؤال الثاني: هل توافقين أن يتزوج زوجكِ عليكِ؟

إن أي امرأة لو أتيت بها وخيرتها من قبل الزواج: هل توافقين أن يتزوج زوجك عليك؟ لقالت: لا.

ومعلوم لدينا أن المرأة إذا كانت من الطراز الذي يحمل هموم الأمة، ويعتقد أن التعدد نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله ستقول: نعم أوافق، لكنها سوف تجد ضغطاً من المجتمع .... كيف توافقين على هذا يا مجنونة، أنت مخدوعة، ما هذه المبادئ التي تتكلمين عنها.

إذاً: لا يوجد من النساء من سيوافق على هذه المسألة، وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر لو كتبته بيديك فإنه سوف يرفع بأمرك إلى المحاكم وتدخل في سؤال وجواب. هذه المرحلة الأولى.

المرحلة الثانية: استحداث عقوبات للمخالفات، فإذا أخللت بشرط من شروط العقد يحدد لك عقوبة.

وسيكون نتيجة تطبيق ما سبق من مراحل: أن تظهر شريحتان في المجتمع: شريحة ستجعل العصمة بيد المرأة، والشريحة الثانية: أن المرأة لن تسمح أبداً لزوجها أن يتزوج عليها بل تشترط ذلك في عقد الزواج.

السؤال الثالث: هل توافق أن تعمل امرأتك؟

هذه هي الثلاثة الأسئلة المكتوبة!! لماذا؟ لأن الفساد كله يتحقق بها أو بنفيها، فاليهود استطاعوا بدهاء ومكر أن يستخدموها، مثلما استخدموا الشيخ محمد عبده في الثناء على قاسم أمين .

كانت الماسونية العالمية تدعي إليها بعض العلماء ليتحدث في نواديها ومنتدياتها، ونتيجة للجهل والتغرير كان أحدهم يذهب ويقول: أنا أبلغ كلام الله في أي مكان. ومن هنا تكتسب التزكية والقبول.

هؤلاء جميعاً لهم أهداف وهم صناع القرار في العالم، إذا أرادوا تولية أحد قيادة أي بلد من البلدان أخذوه ووضعوه تحت المجهر من طفولته إلى أن يضعوه في المكان المناسب.

أذكر أنه كان هناك مسجد في القاهرة يراد توسعته، فقام الخطيب وقال: يا إخوان! نحن نريد أن نوسع المسجد بسبب ضغط المصلين، ونحن نحتاج إلى مائة ألف جنيه، وقد كان هذا الكلام عام (1976م)، فقام شخص بعد ما أنهى الخطيب كلامه وقال: أنا أنتمي إلى نادي (الروتاري) وسأتبرع بمائة ألف، فصاح الناس: الله أكبر، بارك الله فيك، والناس -طبعاً- لا يعرفون ما المقصود بكلمة (روتاري)، هم يعرفون أن الرجل محسن وأنه يريد الخير.

فقام رجل مسلم من جنوب الفلبين لما سمع الكلمتين وقال: اسمحوا لي بكلمة وأمسك الميكرفون وتكلم، فبين للناس أنه سيُكتب على لافتة الملحق الجديد للمسجد: أن هذا الملحق بناه نادي (الروتاري) وهذا يعطي سمعة حسنة لهذا النادي الماسوني. وبين للناس حقيقة هذا النادي وأهدافه.

فلما يقال: إن نادي (الروتاري) يحتاج إلى أعضاء جدد، فإن أي إنسان سيعلن انتماءه إليه مباشرة، وإذا وجدوا داعية أو عالماً استدرجوه بأن يذهب إلى النادي ليلقي محاضرة عن الأخلاق والقيم والمبادئ.

ثم يخرج الإعلان في الصحيفة في اليوم الثاني أن العالم والداعية الفلاني شرف نادي (الروتاري) وألقى فيه محاضرة.

فيتخذون من سمعة العالم أو الداعية ستاراً لمزيد من الإيهام، وينطبع في مخيلة الجماهير: لولا أن هذا النادي أهدافه عظيمة وحسنة ما جاءهم العالم الفلاني.

هذه الحقائق لابد أن يعرفها أهل العلم، وعليهم أن يبصروا الجماهير بها بالطريقة اللائقة، والحكمة والموعظة الحسنة.

نحن قلنا: إن اليهود لهم معنا حروب طويلة، وليس من حق أي مخلوق مهما كان قدره أن يقول: إن الحرب بيننا وبين اليهود الآن آخر الحروب، ليس من حقه أن يقول ذلك؛ لأن الله عز وجل قضى أن الحرب بيننا وبين اليهود لن تضع أوزارها إلا مع قيام القيامة.

فالحرب بيننا وبينهم دائمة مستمرة، ونحن لابد أن نكون مستعدين، ولا نضلل الجيل القادم، وأنا معتقد أن الجيل القادم سوف يكون ذا قيمة، وأن المواجهة مع اليهود ستكون مواجهة شاملة مع جيل أولادنا.

ولهذا ينبغي أننا نربي أولادنا على عقيدة الانتماء لله ورسوله، والعزة التي نقرأها في جيل الصحابة رضي الله عنهم وجيل التابعين من بعدهم، ونحدثهم عن المعارك التي انتصر فيها المسلمون من أهل الشام ومصر على التتار.

لقد قرأت أحداث لكل المعارك وأنا راجع من رحلة الإمارات إلى القاهرة في خلال ثلاث ساعات، لقد ضللت أبكي منذ بدأت القراءة حتى نزلت المطار؛ لأن التتار كانوا قد ملكوا الدنيا كلها، وكان اسم التتار يبعث على الرعب.

لقد بدأ التتار يجهزون الجيوش حتى دخلوا الشام، فبدأ أهل الشام يستنجدون بأهل مصر، وبدءوا يراسلون الخليفة ولقد كان لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله دور كبير في معركة شقحب التي يقول فيها ابن القيم رحمه الله: (ورأيت شيخ الإسلام يركب فرساً ويقاتل كأشجع الفرسان وما ركب فرساً قط)، وكان شيخ الإسلام يطوف على الجنود ويتكلم بقلبه، ويحلف أننا منصورون هذه المرة، وكانت المعركة في رمضان، وكان يذكرهم ببدر وأنها كانت في رمضان.

وكان يفتي الجنود بالإفطار ويقول: تقووا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفطروا، وكان يحلف بالله أننا منصورون هذه المرة، فقال له الخليفة: ( قل: إن شاء الله ) فقال: ( تحقيقاً لا تعليقاً ) إن شاء الله هي موجودة في قلوبنا حتى لو لم نتلفظ بها.

ودارت رحى الحرب بعدما قسّموا الجيش إلى ثلاث فرق: الميمنة والميسرة والقلب، وكان الخليفة والأمراء في الخلف، وهجم التتار على الميسرة في الليل، واستطاعوا أن يقتلوا أكثر من ثلاثة آلاف مسلم، وكاد المسلمون أن يهزموا لولا عناية الله تبارك وتعالى ورعايته بالمسلمين، ثم تدخل القلب والميمنة.

إنك عندما تقرأ عن هذه المعركة تشعر بالعزة، كان الخليفة طوال الليل في قيام يصلي، ويدعو الله أن لا يمكن التتار منا، وكان قد استصحب العلماء كلهم، فقد شجعوا الجند ورفعوا من الروح المعنوية لهم.

إن استصحاب العلماء مسألة مهمة في الالتقاء عند المعارك، فأهل العلم لابد أن يعظموا، لكن ما الذي حصل عندنا؟

لقد ذهب الفنانون وتجمعوا وأحضروا العلم الإسرائيلي، ثم أحرقوه، وخرجت علينا صفحات الصحف: الفنانون فلان وفلان وفلان يحرقون العلم الإسرائيلي، يا فرحتنا!! هل سترجع القدس السليبة بهذا الفعل؟

لا ينزل الله عز وجل النصر على أمة لاعبة، وهذه سنة كونية لا تتخلف، ولا تحابي المسلمين، إذا رجع المسلمون إلى حظيرة العبودية فعند ذلك ينصرهم الله عز وجل ولو بحجر.

أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما جهلنا.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , صناعة رجل النصر للشيخ : أبو إسحاق الحويني

https://audio.islamweb.net