إسلام ويب

هناك عوامل كثيرة تؤثر في البيت والأسرة سلباً وإيجاباً، فينبغي للمسلم أن يسعى إلى تحقيق العوامل التي تعود على البيت والأسرة بالإعمار والخير، وفي المقابل عليه أن يسعى جاهداً إلى إبعاد العوامل التي تعود على البيت والأسرة بالدمار والفساد.

من العوامل المؤثرة في البيت: الأسرة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أيها الأحبة! أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الحديث عن البيت حديث ذو شجون، فالبيت عموماً يعد مؤسسة مستقلة، له منهجه الاقتصادي، والاجتماعي والإداري، فهو مؤسسة مستقلة لها مدير، وفي هذه المؤسسة أعضاء يديرون هذا الصرح؛ ليسير إلى خط يريده مدير هذه المؤسسة.

والبيت عماد الأسرة التي تتكون من الأب والأم والذرية والأحفاد، وتتكون من الجد والجدة، والإخوة والأخوات إن كانوا موجودين، هذا البيت إذا أردنا أن نتحدث عنه من ناحية العمار لا بد أن نسلك خطاً مستقلاً، وإن أخذنا الجانب السيئ الذي قد يحصل في بعض البيوت فلا بد أن نأخذ جانباً آخر.

لا تكاد تجد بيتاً إلا وفيه شيء من هذا العمار وشيء من ذاك الدمار، لا تكاد تجد بيتاً إلا وعليه ملاحظات إلا ما رحم الله وقليل ما هم، وكلما صفا البيت وارتقى في جو السماء ليقترب من الملائكة كان ذلك بيتاً ملائكياً إن صح التعبير، وكان ذلك البيت بيتاً سماوياً مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، وكلما انحدر في براثن الفساد وأسرع إلى دمار نفسه اقترب من الشيطان، حتى صار بيتاً شيطانياً، وبين هذا البيت وذاك البيت بيوت كثيرة على درجات متعددة.

أيها الأحبة! رب البيت هو ملك البيت، فإن صلح صلح هذا البيت، وإن فسد فسد هذا البيت، وهو القائد الأعلى الذي يتحكم في شئون البيت ويدير دفته، ويوجهه الوجهة التي يريد، فإن كان يسير بالأسرة السير السليم كانت النهاية سليمة، والعكس هو الصحيح، يقول الشاعر:

إذا كان رب البيت بالطبل ضارباًفلا تلم الصبيان فيه على الرقص

ويقول آخر:

رأيت صلاح المرء يصلح أهله ويعديهم داء الفساد إذا فسد

يعظم في الدنيا بفضل صلاحه ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد

أيها الإخوة! لقد ركز ديننا الإسلامي تركيزاً شديداً على مسألة الأسرة، وأعطاها أهمية قصوى، ولو تتبعنا النصوص الشرعية في القرآن والسنة لوجدنا الشيء الكثير الذي يطرق ذا أو ذا بشكل موسع، ولو أردنا أن نستقصي الآيات والأحاديث والقصص المرتبطة بالبيت لكان ذلك أمراً عسيراً؛ لأن الإسلام ما جاء إلا لإصلاح الفرد الذي هو جزء من الأسرة، وما جاء إلا لإصلاح الأسرة التي هي جزء من المجتمع، وما جاء إلا لإصلاح المجتمع الذي هو جزء من الأمة.

إذاً: فالإسلام هو دين الأمة، وتلاحظون أن الفرد هو الأساس، فإذا صلح الفرد صلحت الأسرة وصلح المجتمع وصلحت الأمة، وإن كان العكس فإن مآل الأمة إلى الضياع والتشتت والتفرق والفساد.

هذه وقفات مع بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول البيت وما يتعلق به، ترد علينا تباعاً خلال هذا اللقاء الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعني به أولاً وينفعكم به بعد ذلك.

أيها الأحبة! هذه المحاضرة ستطرق جوانب وعوامل من مؤثرات البيت، فالبيت يتأثر بعدة عوامل:

العامل الأول: الأسرة.

العامل الثاني: الأطفال، وركزنا على الأطفال؛ لأنهم حيوية الأسرة، فإذا فقدت الأسرة الأطفال أو لم ترزق بأبناء كان هذا البيت بيتاً يشبه المقابر، والذين ابتلاهم الله بعدم وجود الأطفال يحسون بذلك، وهذا ابتلاء يحتاج إلى صبر وجزاؤه الجنة إن شاء الله.

العامل الثالث: من العوامل المؤثرة في البيت: الخادم أو السائق أو كلاهما.

العامل الرابع: الأجهزة التي تعمل في البيت ليل نهار أياً كان نوعها.

العامل الخامس: تصميم البيت وشكله ومظهره وداخله وما يتعلق بذلك.

العامل السادس: جيران صاحب المنزل وما يتعلق بهم.

العامل السابع: الأسواق والمحلات المحيطة بالمنزل.. وهكذا.

إذاً: تجدون أن البيت لكي يصبح بيتاً عامراً بالخير والنصح وبالتربية السليمة فلا بد أن يأخذ بالعوامل الإيجابية المؤدية إلى الخير والإعمار، أما إن كان بيتاً فاسداً يسير إلى الدمار فلا بد أن يكون متأثراً بالعوامل السلبية المؤدية إلى الدمار، ولذا سنتعرض لهذه العوامل عاملاً عاملاً أو واحداً واحداً، ثم نقف معها وقفات مختصرة مركزة، ونربط ذلك بالواقع المعايش وبالأمثلة المحسوسة الملموسة.

أولاً: الأسرة، الأسرة كما تعرفون هي نواه المجتمع، فكلما تجمعت أسرة صالحة طيبة كان ذاك مجتمعاً سليماً متجهاً إلى الخير، وكلما كان العكس كانت هذه الأسرة نواة لمجتمع فاسد وضال، وهذا أمر تشاهدونه بأنفسكم، فإن الأسر تختلف والمجتمعات تختلف، والمجتمعات تختلف بحسب صلاح الأسرة وفسادها، ولذلك في هذا اللقاء ركزنا على موضوع الأسرة، فلكي تكون أسرتي أنا وأنت وأخي وأخوك أسرة صالحة لا بد من التركيز على القضايا التالية، حتى يكون بيتاً عامراً بالحق، وإن فقدنا هذه النقاط أو بعضاً منها أدى ذلك إلى أن يكون البيت عامراً بالفساد ويشرف على الدمار، وهناك نقاط إذا أخذ بها كان ذلك علامة خير وعمار، وإن تركت وفرط فيها كان ذلك بداية شر ودمار.

البناء العقدي السليم للأسرة المسلمة

أول نقطة في هذه المسألة: البناء العقدي للأسرة أي: بناء العقيدة السليمة داخل الأسرة، وهذه قضية التركيز فيها بالنسبة لنا نادر أو ضعيف أو غير موجود، فمثلاً: من منا يحدث أولاده وزوجته وإخوانه عن عظمة الله سبحانه وتعالى؟ من منا جمع أولاده وبدأ يحدثهم عن قوة الله وعن رحمة الله وعن كرم الله، وأخذ أسماء الله وصفاته وبدأ يبحث عن آثار هذه الأسماء على ذاته وعلى أولاده؟ لا أحد إلا ما رحم الله.

من منا جلس مع أولاده أو مع إخوته وبدأ يحدثهم عن أهوال يوم القيامة وعن اليوم الآخر وعن الموت وعن عذاب القبر وما فيه، وعن حياة البرزخ وعن حسن الخاتمة وسوئها؟ من منا فعل ذلك مع أولاده؟ لا أدري.

من منا حدث أولاده بأمور يفقهونها عن عظمة خلق الله في جسد الإنسان، قال سبحانه: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21] ؟!

من منا حدث أولاده عن قلب الإنسان وكيف يعمل؟ وعن الكلية وكيف تعمل؟ وعن الدم وما هي وظائفه؟ لا تحدثه بطريقة طبية، لكن اربط ذلك بقوله تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21].

عندما تقول لهذا الطفل: إن جسد الإنسان ينتج في الثانية الواحدة خمسة وعشرين مليون كرة دم حمراء ويهلك في نفس الثانية خمسة وعشرين مليون كرة دم حمراء.

عندما تقول لهذا الابن هذا الكلام تحسسه فعلاً بعظمة الله.

والإنسان لا يستطيع أن يزيد هذه الكمية كرة دم واحدة ولا أن ينقصها كرة دم واحدة، بل إذا زادت أصيب الدم بالثقل، وإذا نقصت أصيب الدم بالتكسر، أي: أن الكريات فيها تعادل وتوازن عجيب جداً، وكل ذلك ينطبق عليه قول الله تعالى: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11] وينطبق عليه كذلك صنع الله الذي أتقن كل شيء.

وأعطيتك هذا المثال لكي تحسس هذا الابن بهذه العظمة، من خلال ما يستطيع أن يتصوره من أشياء معايشة مرئية مشاهدة، وهي الدم.

إذاً: البناء العقدي من المهمات التي ينبغي أن يركز عليها دائماً وينتبه لها دائماً، وينبغي أن تربط هذا البناء العقدي بالعمل، فأنت عندما تأمر طفلك بأداء الصلاة تأمره أن يصلي لله الذي حدثتهم عن عظمته وعن كرمه ورحمته ومغفرته وجوده، وعن عذابه وعظيم عقابه.

فإذاً: سيستشعر الابن عندما يقف في الصف ليصلي أنه يقف أمام الله، وهذه مسألة للأسف الشديد قد لا يشعر بها حتى الكبار.

الوسطية في بناء الأسرة وإصلاحها

النقطة الثانية من الأمور المعايشة التي ينبغي أن يزرعها رب الأسرة وملك الأسرة في أسرته: قضية الوسطية في كل شيء.

الوسطية أيها الإخوة من الأمور المفقودة في الأسرة، الوسطية في التعامل مع الآخرين، الوسطية في التربية، الوسطية في معاملة الزوجة، الوسطية في الزيارات والخروج والذهاب والإياب، كل ذلك لا بد أن يأخذ طابع الوسطية، كذلك الوسطية في الإنفاق، فلا يكثر الإنسان من الصرف والبذخ في الأكل مثلاً وهو لا يجد إلا الشيء القليل من المال، ولا يقصر على نفسه في الأكل والشرب ولديه الملايين، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143] في جميع الأمور، إذا أنفق الإنسان لم يسرف ولم يقصر، وإذا ربى الإنسان لم يسرف ولم يقصر في التربية، أي: لم يضغط ولم يتساهل.

إذاً: ستجد أن التعامل الوسطي سيؤدي بك في نهاية المطاف إلى التوازن، فتجد أنك تعامل أبناءك معاملة حسنة؛ لأنك استخدمت الجانب الوسط.

الفراغ الأسري وطرق علاجه

النقطة الثالثة، وهذه نقطة في غاية الأهمية فيما يتعلق بالأسرة: ألا وهي الفراغ، أي: الفراغ الأسري، انتبه كلما وجدت الأسرة فراغاً كان ذلك مدخلاً شيطانياً عظيماً أو عجيباً أو مخيفاً أو رهيباً للتأثير؛ لأن الأسرة إذا وجدت الفراغ فإنها ستتجه إلى إشغال هذا الفراغ بكل ما فيه فساد، فهناك مجموعة من العوامل التي تجعل المرء يشغل فراغه بما يضر: كالشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى، والدنيا، وأقران السواء، كل ذلك سيجعله يملأ هذا الفراغ بما يضر، فالولد يعيش مع الفراغ في ملل، فكيف يتخلص من هذا الملل؟ إذاً: في جهاز التلفاز إذهاب الملل، أو سماع أشرطة معينة أو زيارة الأصدقاء أو غير ذلك، كذلك زيارة الأسواق بالنسبة للنساء، أو استخدام الهاتف.. وهكذا.

وهذا الفراغ إذا لم يكن هناك تربية ولا بناء عقدي ولا خوف من الله صرف إلى المسلك السيئ، وإن كان هناك بناء عقدي فهذا الفراغ صرف إلى المسلك الحسن.

إذاً: فعلى كل إنسان ألا يوجد فراغاً عند أولاده أو أهله أياً كان، حتى لو كان يغلب على ظنه أن هذه الأسرة ستمضي هذا الفراغ في الأمور الخيرة، لا، بل لا بد أن تكلفهم بقراءة كتيب وتختبرهم فيه وتعطيهم عليه جوائز، بهذا تشغل الفراغ الموجود لديهم بشيء يستفيدون منه.

أثر الصراع داخل الأسرة وكيفية الحد منه

النقطة الرابعة: الصراع داخل الأسرة، هذه مسألة موجودة في كل الأسر، سواء كان ذلك على مستوى الصراع بين الأبناء الصغار، أو الصراع بين الأبناء الكبار، أو الصراع بين البنين والبنات، أو الصراع بين الأب والأم، أو الصراع بين الإخوة الكبار المتزوجين، فهذه عوامل ستولد آثاراً سيئة فيما يتعلق بالتربية.

إن مسألة الصراع داخل الأسرة شر، وهو موجود في كل أسرة، ولكن تختلف الأسر في وجوده قلة وكثرة، ومن الأسباب الأساسية في وجوده: الفراغ، ولو أن كل واحد في الأسرة منشغل بأعمال متتابعة وارتباطات مفيدة متتابعة فلن يجد وقتاً ليتكلم مع هذا أو ذاك أو المشادة أو حتى التضارب أو غير ذلك.

لعل هذه المسألة قد يفهما البعض بأنها مسألة اعتيادية أو مسألة طبيعية، لا، هذه لها ردات فعل ليست باليسيرة، خاصة إذا مال الأب إلى أحد الأبناء وأيده، فإن الابن الآخر أو البنت الأخرى ستحاول أن تنتقم، ولكنها لا تستطيع فماذا تصنع يا ترى؟ تتجه لتنفيذ ما في نفسها أو يتجه الطفل لتنفيذ ما في نفسه مع الأقران، ثم يبدأ أهل الشر بالتقاط هؤلاء الذين يعيشون هذه الحالة النفسية، ثم يبدأ الفساد.

لذلك ينتبه لهذا الجانب، ويحاول كل أب أن يضيقه شيئاً فشيئاً ويحاول ألا يجعل له امتدادات لا من هنا ولا من هناك.

ضرورة التوازن بين عمل رب الأسرة وبين اهتمامه بأهله وأبنائه

من ضمن النقاط التي ترتبط بالأسرة حتى تكون أسرة عامرة: قضية التوازن بين العمل وبين الأسرة، فبعض الآباء نتيجة للكبر والتعب وتحصيل لقمة العيش تجده يذهب منذ الصباح ولا يعود إلا في المساء، ثم بعد أن يأتي في المساء يجد هؤلاء الأبناء قد ناموا، أو يجلس معهم ساعة نصف ساعة ربع ساعة ثم الذهاب إلى المنام، أو تجد الأب يدخل إلى البيت وهو في حالة من الإعياء الجسدي والإرهاق النفسي، فلا يكون لديه أي قابلية للتفاهم من الأبناء بمحبة وود، والأبناء يحتاجون إلى الحنان، والأبناء يحتاجون إلى من يقف معهم ومن يجالسهم، فإن لم يجدوا هذا الحنان في الأب، فإنهم سيبحثون عنه في أي مكان آخر.

أذكر لكم مثالاً حول هذه القضية: كان هناك طفل في المدرسة التي بجوار البيت في الخامسة الابتدائية تعرف على بعض الأطفال الذين معه في الفصل، وكانوا يسكنون بجوار المدرسة، أما هذا الطفل فمكانه بعيد وأمه مطلقة، ويسكن مع زوجة أبيه، وكانت تعامله بقسوة، والأب يصدق هذه الزوجة ويقسو على الطفل، فهذا الطفل عندما آلف بعض الأولاد صار يدخل معهم إلى بيتهم، فرأى أمهم تعطف عليهم وتعاملهم بحنان زائد، فكان يلحظ هذا الحنان من هذه الأم، ويفتقده تماماً، فهو لا يجد شيئاً منه أبداً في بيته، فكان يجلس معهم في البيت، فإذا طلبوا منه أن يذهب إلى بيتهم قال: لا، أبي وزوجته غير موجودين ذهبا في زيارة، مع أنهما موجودان في البيت، وإذا وصل إلى البيت وسئل عن سبب تأخره قال: أنا جالس مع فلان أحل أنا وإياه الواجبات، فبقي على هذه الصفة، حتى إن الأب لاحظ أن الابن يتأخر كثيراً، فصار يضغط على هذه الأسرة ألا تستقبل الطفل، فكان الطفل يأتي إلى باب هذه الأسرة وهو مغلق ويطرقه ولا يفتحون له، وإذا ما فتحوا الباب جلس يبكي عند الباب، تقول أم الأطفال: أحياناً يجلس من حين يخرج من المدرسة حتى أذان العصر، يرفض أن يعود إلى بيته، ما هو السبب في ذلك؟ السبب في ذلك أن هذا الابن ما وجد الحنان فقد الحنان، فأراد أن يبحث عنه في مكان آخر، ولذلك ينتبه الإنسان لهذا الناحية أو هذه النقطة، فيعطي العمل وقتاً محدداً ويعطي البيت وقتاً محدداً: (إن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً) الأهل هم الأبناء والأم والزوجة لا بد أن يأخذ كل حقه، (أعط كل ذي حق حقه) هذا هو الأصل وهذا هو التوازن في قضية الداخل والخارج.

الاهتمام بمسألة الدخول والخروج ومن يزار ومن لا يزار

النقطة الأخيرة المتعلقة بمسألة الأسرة: مسألة الدخول والخروج وفق قضايا الدخول والخروج، من نستقبل في بيوتنا؟ من الأشخاص الذين نزورهم؟ إننا لا نعطي بالاً لذلك، وهذا عامل تربوي مهم يؤدي إما إلى العمار أو الدمار، إذا قالت لي الزوجة مثلاً: نريد أن نذهب إلى آل فلان، فإذا بالزوج يذهب بزوجته وأولاده إلى ذلك البيت ويتركهم العصر والمغرب والعشاء إلى الساعة الحادية عشرة، وبعد أن ينهي أعماله وسهرته يأتي ويأخذهم، نقول لهذا الزوج: هل عرفت من هم آل فلان هؤلاء؟ قد يقول: نعم أعرفهم هم أقربائي، نقول: نسألك ما هو منهجهم الحياتي؟ ما هي أساليبهم في تربية أولادهم؟ قد يكونون ممن يملكون أجهزة التلفاز وأجهزة الدش، وأولادهم الكبار يدخنون، وسهرتهم بعد العشاء لعب ورق، وأولادك يمكثون عندهم ويحتكون بهم وينظرون إليهم ويجالسونهم ويشاهدون التلفاز معهم، فأنت تربي في البيت من جهة وتهدم ما بنيت من جهة أخرى، كأنك لم تفعل شيئاً، بل ربما يكون الهدم أشد وأكثر من البناء.

وفي المقابل من الذين تستقبلهم؟ إذا جاء أحد الأقرباء لزيارتك، أنت تعرف أن أولاد هؤلاء غاية في السوء والفسق والفساد وغير ذلك، فما هو الحل في هذه المسألة؟ هل تترك أولادك معهم سبع ثمان ساعات يأخذون جوانب تربوية فاسدة منهم، خاصة إذا كان الأبناء صغاراًً والمؤثرون كباراً، وفي هذه الحالة تكون قد هدمت ما بنيت، لذا لا بد من ضبط مسألة الدخول والخروج، من الذي سيدخل ومن الذي سيخرج؟ كما قال نوح عليه السلام وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا [نوح:28] فقد ركز عليه السلام على قضية الذي يدخل البيت مؤمناً وطلب له المغفرة والرشد.

لذلك أقول: إن من عوامل تربية الأسرة أو إفساد الأسرة عماراً أو دمار مسألة وقت الدخول والخروج، ثم هناك عامل جانبي آخر وهو أن يفرغ المؤمن من وقته للأسرة لتربية الأولاد، أن تكون له جلسات تربوية وهدوء نفسي، وهذا بدوره سيؤدي إلى خلق جو تربوي سليم، أو إنشاء جو تربوي صحيح يؤدي في النهاية إلى قطف الثمار عندما يكبر المؤمن.

من العوامل المؤثرة في البيت: الأطفال

العامل الثاني: الأطفال، والأطفال هم جزء من الأسرة، ولكننا نركز عليهم؛ لأنهم هم أبناؤنا أكبادنا أحبابنا فلذات قلوبنا، هم عماد الأمة وعماد المستقبل، فنحن نبذل ونتعب ونجتهد في سبيل أن نؤمن لهم جواً أسرياً سليماً وتعليمياً سليماً، فالأب إذا نقصت درجات ولده درجة أو درجتين يتضايق؛ لأنه يشعر بعاطفة الأبوة.

إذاً: أنت أيها الأب تبذل كل شيء وكل غال ونفيس في سبيل هؤلاء الأطفال، لذلك جعلنا لهم تركيزاً خاصاً؛ لأهمية مراعاة جوانبهم سواء كانت عماراً أو دماراً.

وكما تعلم أيها الأب أن ابنك يمر بمراحل متعددة، وأنت تعايشها مرحلة مرحلة، فكثيراً منا يخطئ في مسألة عدم التفريق بين المراحل فتجده يعامل الابن ذا الخمس عشرة ربيعاً كما يعامل الابن ذا الست سنوات، أو يعامل الابن الذي بلغ مبلغ الرجال معاملة الابن الذي يدرس في السادسة أو السابعة، لا، لا بد من مراعاة جانب السن في تقدير الاحتياجات وفي تقدير التربية، وفي الاهتمام بالحاجات الفطرية عند هؤلاء، كما قال العلماء: لاعبه سبع سنين وأدبه سبع سنين، وبعد أن يبلغ عمره أربع عشرة سنة صادقه سبعاً، ثم بعد ذلك هو عدو أو صديق.

هذه الأمور التي ترد علينا كثيراً يعرفها كثير منا، ولكنها على بساط الواقع صعبة التنفيذ، أو ربما تجد الأب مثلاً عندما يخطئ ابنه الصغير ذو الست السنوات يضربه ضرباً مبرحاً، كذلك عندما يخطئ الابن ذو الستة عشر عاماً يضربه كما يضرب الصغير، لا، هذا بلغ مرحلة الضرب، فيحفر في ذاته حفرة ربما لا تندفن وجرحاً لا يندمل، والسبب في ذلك أنه يشعر ويحس بقسوة المعاملة، وبالتالي قد يحمل في قلبه أموراً أنت لا تعلمها، ويكون في ذلك ردة فعل في المستقبل.

تحذير الآباء من جعل الطفل مع قرين السوء

من الجوانب التي أحب في الحقيقة أن أنبه عليها فيما يتعلق بالأولاد:

مسألة التربية، وأركز على مسألة التربية وأبينها بشكل موجز ومختصر، لأن الوقت لا يكفي لعرض كل القضايا، ولكن عبر نقاط مركزة رئيسية حول هذه المسائل تجعلنا نفهم المقصود.

فأول مسألة هي: جعل الابن مع قرين السوء، قد يقول قائل: لماذا ركزت على هذه النقطة كنقطة أولى؟ أقول: مع العلم أنها مسألة لا تأتي لاحقاً عندما يبلغ عمر الطفل ثماناً أو تسعاً أو عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة راقبناه، لا، بل إن الطفل يتأثر من القرناء منذ الطفولة منذ السنة الأولى، وسأضرب لكم مثالاً على ذلك: هذا طفل صغير عمره سنة أو سنة ونصف أو سنتين كان يلعب مع طفل آخر عمره سنتين أو قريب من ذلك، وأحد هذين الطفلين كان قد رأى منظراً وموقفاً في أحد الأفلام، فأراد أن يطبقه مع هذا الطفل الآخر، فطبقه، ثم هذا الصغير بعد أن ذهب صاحبه كان يذهب إلى إخوته ويعرض نفسه وعمره سنتان أو سنة ونصف، كان يعرض نفسه ويطلب منهم فعل كذا وكذا، انظروا إلى قرين عمره سنة ونصف مع طفل عمره سنة ونصف، وكانت النتيجة أن وقع في هذه القضية التي تستغرب أن تحصل.

إذاً: هذه مسألة كان يركز عليها العلماء ولذلك قيل لـمالك بن نبي أحد المفكرين الذي عليهم بعض المآخذ، لكن له بعض الجوانب الحسنة، روي عنه أن رجلاً جاءه وقال: إنني رزقت بابن وعمره الآن شهران أو ثلاثة أشهر، وأريد منك أن تدلني على منهج تربوي أطبقه مع هذا الطفل، قال: يا أخي تأخرت في الاستشارة.

لاحظ ماذا قال له: تأخرت في الاستشارة، يعني: كان ينبغي عليك أن تستشير قبل ذلك، قد يقول قائل: إن هذا فيه مبالغة، نقول: ليس هناك مبالغة، وإنما الذي ينبغي للمرء أن يهتم بالجانب التربوي من حين اختيار الزوجة الصالحة.

يقول مصطفى السباعي في كتابه (هكذا علمتني الحياة) جنب ولدك قرين السوء كما تجنبه المرض المعدي، وابدأ ذلك منذ طفولته، وإلا لم ينفع الدواء، ولعل قضية التربية من القضايا التي تنمو مع الطفل وتترعرع معه شيئاً فشيئاً، فهو كلما كبر سنة أخذ هذه الجوانب التربوية وطبقها معه؛ لأنها تزرع في قلبه وتثبت في كيانه فلا تزول، ولذلك يقول الشاعر:

علم بنيك صغاراً قبل كبرتهمفليس ينفع بعد الكبرة الأدب

إن الغصون إذا قومتها اعتدلتولن تلين إذا قومتها الخشب

من واجبات الآباء تجاه الأبناء إخفاء المعاصي والابتلاءات عن الأولاد

الجانب الثاني: إخفاء الابتلاء عن الأولاد، أحياناً يكون الأب مبتلى بمصيبة معينة كشرب الدخان ويظهرها عند الأبناء، فيتأثر الأبناء، يقول أحد الإخوة: إن طفلاً صغيراً عمره أربع سنوات كان مع والده، والأب يقود السيارة ومعه السيجارة في يده، فسأل الوالد الابن الصغير: ماذا تتمنى أن تصير إذا صرت كبيراً؟ قال: أتمنى إذا كبرت أن أتعلم قيادة سيارة وأمسك سيجارة بيدي، كلام الطفل طبيعي؛ لأنه تأثر بالابتلاء الذي كان قد وقع من والده، يقول الذي روى هذه القصة: إن الأب أصيب بصدمة فترك من بعدها شرب الدخان.

أذكر كذلك أحد الجيران هداه الله كان له أبناء صغار، فكنت أذكره وأقول له: يا أخي إن أبناءك الصغار سيتأثرون بك في شرب الدخان، قال: لا ما يتأثرون، وأنا سوف أحاول أن أربيهم تربية سليمة، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن أولاده صاروا يدخنون؛ لأن الأب قدوة، والابن يقتدي بوالده، فنقول: إذا كان الأب إذا كان مما أبتلي بهذه المشكلة أو هذه القضية، فليحاول أن يبعدها عن الأبناء، وأن يمنع نفسه أولاً، فإذا لم يستطع فعليه على الأقل ألا يجعل المرض يستشري إلى أبنائه من شرب دخان أو تفريط في صلاة أو غير ذلك، لكن إذا كان مبتلى ويريد أن يبحث عن علاج فليعالج نفسه، وفي نفس الوقت لا يجعل المرض الخطير يستشري في أبنائه.

من واجبات الآباء تجاه الأبناء الحنان والعطف على الأبناء

من ضمن الجوانب فيما يتعلق بتربية الأبناء: الحنان الذي ينبغي أن يعطيه الأب للأبناء، فالأب عندما يربي ابنه فأنه يؤمن له الملبس والمأكل والمشرب، ويؤمن له الأدوات المدرسية، ويؤمن له وسائل الرفاهية، لكن هل تنتهي العملية عند هذه الأمور الحسية؟ لا، بل لا بد أن يهتم بالجوانب الروحية التي يحبها الطفل، فأنت أيها الأب عندما تأتي لابنك وتضمه إلى صدرك ولو كان كبيراً فثق تمام الثقة أنه سيشعر بحنان عجيب جداً، أضرب لك مثالاً: افترض أن لديك ابناً مشاكساً لا يحل الواجبات أولاً بأول، ثم عرضت عليه أن يحل الواجبات بالتهديد فرفض أو تملص، أو أنك أعطيته عشرة ريالات ليحل الواجب ربما لا يقيم لذلك نظراً؛ لأن المبلغ قليل أو الواجب كثير أو أو إلى آخر، لكن لو أنك انتقلت إلى جانب آخر ربما أنت لا تستخدمه مع الابن إلا قليلاً، وذلك بأن تأخذ الطفل إلى حضنك وتحدثت معه وطلبت منه أن يقبلك ثم قبلته وضممته ثم قصصت عليه قصة بسيطة ثم ربت على شعره، وكل ذلك على انفراد، ثم بعد ذلك اطلب منه أن يحل الواجب، انظر ماذا تكون النتيجة؟ ستكون عجيبة فعلاً؛ لأن الحنان الذي في قلبك قد صب في قلبه، فكانت النتيجة التقارب بين قلبيكما، مما أدى إلى أن يطيعك بسرعة، وهذه الأشياء التي يفتقدها الإنسان في أبنائه إذا لم يركز على جانب الحنان، فإن هذا الابن سينحرف ويتحول البيت إلى دمار، وأنت ترغب في أن يكون بيتك عامراً.

مثال على ذلك: أحد الآباء كان له ابن عمره ثلاث عشرة سنة وكان يهتم اهتماماً كبيراً جداً بالأشياء الفنية المرتبطة بالآلات وإصلاح الآلات كالسيارات والساعات والراديو هات، إلى غير ذلك، وكان والده يقسو عليه قسوة شديدة، ويفضل ابنه الصغير على هذا الأكبر، فهذا الأكبر كنت أرى عليه نوعاً من أنواع الكآبة عجيبة جداً، فكان يحبني باعتباري أني قريب له جداً، فيعطني بعض ما يشعر به، فكان يقول لي: إنه في بعض الأحيان يدخل دورة المياه بقصد قضاء الحاجة فيبقى فيها الساعة ويبكي؛ لينفس عما في قلبه، ثم بعد ذلك يخرج ولا يريد من أحد أن يشعر بالذي يحصل له، وقال لي في يوم من الأيام: أتمنى أن يموت أبي أو أنني أموت؛ لأن الأمر عنده واحد وجود أبيه وعدمه، بسبب قسوة أبيه عليه، فهو يتمنى أن يعيش يتيماً؛ لعله يشعر على الأقل ببعض الحنان من الآخرين، فما كان مني إلا أن أخذت الأب جانباً ثم قرعته قرعاً بالكلمات المتتابعة المتلاحقة، وأشعرته بخطئه في حق ولده، فقلت له: هذا الابن الذي أنت تسعى ليكون بيتك عامراً قد يحول بيتك إلى دمار؛ لأن هذا الطفل عمره ثلاث عشرة سنة يفتقد الحنان تماماً، ووالدته مريضة، وأنت قد تركته وضيعته، وربما إذا كبر قليلاً تلقفه أهل الشر فسقط في الفسق والفساد والمخدرات، ومن سجن إلى سجن ومن مصيبة إلى بلية، وأنت الذي تعيش الهم والغم، فصار بيتك دماراً، أتريد ذلك؟ قال: لا، فرجع إلى ولده وبدأ يعطف عليه ويحن عليه، وفعلاً صار الابن الآن يحب أباه محبة شديدة، صار يجالسه ويتحدث معه، ولو طلب منه شيئاً لم يتردد في تنفيذه برغبة ومحبة.

من واجبات الآباء تجاه الأبناء متابعة الأبناء وتفتيشهم

هذه نقطة سأوردها بسرعة فيما يتعلق بقضية الأطفال، ألا وهي: متابعة الأولاد من ناحية الواجبات المدرسية، وهذا أمر مهم، لكن هل ركز أحد منا على تفتيش أولاده ومتابعتهم من ناحية الحقائب وما تحتوي جيوبهم من أمور قد تخل بالأخلاق والآداب؟ قد لا يفعل ذلك أحد من باب الثقة، وأنا أقول: لا؛ فأن الأمور تتغير بين يوم وليلة، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) .

لذلك أقول: إن الإنسان الكبير العاقل يخشى على نفسه من الانحراف والفتنة، فما بالكم بالصغير الذي قليل العلم وقليل الخبرة، لذلك فمتابعة الابن بالتفتيش بطريقة لبقه مهمة وضرورية، ومتابعة البنت كذلك، وهذا سيعطيك نوعاً من التصور عن علاقة الابن مع زملائه، وما هي أرقام التلفونات التي لديه؟ وما هي الأسر أو البنات أو الأبناء الذين يتصلون به؟ وبهذا تستطيع أن تتصور بنفسك تصوراً كاملاً عن العلاقة الجانبية لابنك أو بنتك مع بقية أفراد المجتمع.

من العوامل المؤثرة في البيت: الخادمة والسائق

العامل الثالث: الخادمة أو السائق، وقضية الخادمة أو السائق الآن من القضايا التي انتشرت في جميع المجتمعات إلا من رحم الله، ولعلي أخبركم أن الخادمة أو السائق من الأمور التي انتقلت من الكماليات إلى الضروريات عند بعض الناس، وهذا بحجم ذاته يعد جانباً مهماً لطرح هذه القضية، على اعتبار أنها عامل مؤثر من عوامل تحويل البيت إلى عمار أو دمار، فقضية الخادمة أو السائق لو دققنا النظر فيها لوجدناها عبارة عن دواء مر لا يحتاجه الإنسان إلا عند الضرورة القصوى، ولكننا وللأسف استمرأنا هذا الدواء، وصرنا نرجع إليه في كل وقت ونشرب.

إذاً: الخادمة أو السائق ما هي عوامل الدمار العمار التي تنشأ بسببها في البيت: أقول لكم: إن عوامل العمار نادرة وقليلة، والمشهور والمعروف والمتواتر أن الخادمة أو السائق عامل من عوامل دمار البيت وإفساد الأسرة.

ولعل الأمثلة كثيرة وكثيرة، ربما يضيق الوقت عن ذكرها.

من الآثار المترتبة السلبية على وجود الخادمة انتشار الأمراض الحسية

وهذه بعض النقاط الأساسية أو القواعد التفصيلة في هذا المسألة: يقول أحد الأطباء في مستشفى الملك خالد في الرياض لقد لاحظنا في الخمس السنوات الأخيرة انتشار أمراض السكر والضغط عند النساء بنسبة عالية في منطقة الرياض، يقول: والسبب في ذلك يرجع إلى الخدم؛ لأن المرأة تنام إلى قريب الضحى ثم لا عمل لا طبخ لا غسيل ثياب لا كنس لا كذا لا كذا إنما هو نوم وجلوس، إما مع صاحبتها أو على التلفون، أو عند الأجهزة، فكانت النتيجة انتشار الأمراض مثل: الضغط والسكر والسمنة إلى غير ذلك، هذا سبب والعامل الأساس في وجوده هو وجود الخادمة، فلو لم يأتينا من الخادمة إلا هذا لكان أمراً يدعونا إلى مراجعة الأنفس، ولكن الأدهى والأمر أن الخادمة انتقل مرضها ودمارها إلى الجوانب الأخلاقية والإفسادية، فيما يتعلق بالعرض، وهذه مسألة ذات شجون وذات توسع عجيب، لو أردت أن أستعرض بعضاً من آثار الخادمات التي خارج نطاق التأثير الأخلاقي لأخذ منا ذلك جزءاً كبيراً من الوقت، لكن خذوا بعض الأشياء الأخرى بالإضافة إلى أمراض الضغط والسكر، فالآن البنات عندما يتزوجن ربما لا تعرف البنت كيف تطبخ، وهذا أمر محسوس ومشاهد، والسبب أن البيت فيه خادمة ومربية، وبالتالي العمل يترك عليهن والبنت مشغولة بدراستها وبواجباتها وبزميلاتها وزياراتها، وهذه البنت مقبلة على بيت وعلى زوج وعلى أسرة وعلى أبناء وهي لا تعرف شيئاً من ذلك، بل والبعض يتعلل بأن هذه البنت عندما تتزوج ستجلب معها خادمة، وبالتالي تقوم هذه الخادمة بأداء المهمات كما كانت تؤديها من قبل في بيت أبيها،لكن من الذي يضمن لك بقاء هذه الخادمة على طول؟ هل الحياة مضمونة؟ لا، الأمور تتغير وتتبدل فما نحن فيه من نعمة قد نبتلى بزوالها وتنتهي هذه النعمة إلى أمور أخرى، وهذا أمر قد يحصل بسبب ذنوبنا وآثامنا، ولذلك فعلى الإنسان أن ينتبه لهذا الجانب ويركز عليه.

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة نشر العقائد الفاسدة في الأسرة

من ضمن الأمور التي تؤدي الخادمة إلى نشرها داخل المنزل: قضية نشر العقائد الفاسدة، فكم من طفل أو طفلة بدأ يصدق ما تلقاه من عقائد تجاه بعض الأصنام أو الأوثان أو غير ذلك من الخادمة، حتى إنه ذكر ذلك في جريدة من الجرائد أن طفلاً كان يقف أمام الفرن وقد وضع يديه على جبهته، فخافت أمه أن يكون ممن يعبث بالفرن فقالت: ماذا تفعل؟ قال: أعبد إلهي؛ لأن الخادمة كانت ممن يعبد النار، أو أنها كانت ممن يريد نشر عقيدة فاسدة داخل هذه الأسرة، وعلمت الطفل هذا المنهج المنحرف.

من ضمنها كذلك أن بعض الأطفال يعبدون أوثاناً أو أصناماً، وأذكر أن إحدى الأمهات كانت تقول: إن لها طفلة صغيره كانت لها لعبة على هيئة صورة، وكانت تضعها أمامها وتقف عندها بخشوع وسكون وخضوع، فكانت فيما بعد تلحظ هذا ويتكرر منها، فسألتها: لماذا تفعلين ذلك؟ قالت: أعمل مثل ما تعمل الخادمة مع لعبتها، فذهبت الأم إلى هذه الخادمة وبحثت عن لعبتها هذه وإذا هي تقف أمام صنم بوذا وتصلي له، فانظروا إلى التقليد من الأطفال للخادمة، ونحن عن هذا غافلون، والذي ينتبه منا لهذه الأشياء قليل، وكثير منا قد لا ينتبه لهذه الأمور.

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة ابتذال الأطفال واستغلالهم

من آثار وجود الخادمة: يقول أحد الإخوة: إنه كان يسير في ضحى أحد الأيام في سوق من أسواق الرياض، وإذا بالخادمة معها بنت تشحذ من الآخرين، والبنت عليها ثياب ممزقة وحالتها مزرية، يقول: فنظرت إلى هذه البنت وإذا بها لا تشبه الخادمة، بل بينهما فرق، يقول: فبدأت أدقق النظر في البنت وإذا هي قريبة الشبه من بنت أحد زملائي، يقول: فانتظرت قليلاً إلى أن حان رجوع الخادمة إلى البيت وتابعتها وإذا بها تدخل بيت أحد زملائي، يقول: فلقيت زميلي فأخبرته بالقصة أو بالحادثة، وحقق المسألة وتابع، وإذا بالخادمة كانت تخرج في الصباح بالبنت الصغيرة، باعتبار أن الزوج في العمل والزوجة في المدرسة وتشحذ بها.

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة نشر الرذيلة في البيوت

أما الجوانب الأخلاقية فحدث ولا حرج، فالفساد الأخلاقي الذي تنشره الخادمة مع الأبناء أو مع البنات أو مع الرجال الأجانب يعني على أشده، يعني: أنا سأضرب لكم مثالاً حصل معي: ففي ليلة من الليالي كنت نائماً في حدود الساعة الثانية بعد منتصف الليل فاتصلت بي امرأة فرديت على الهاتف، وإذا بالمرأة يبدو لي على ما أعتقد أنها فلبينية أو اندونيسيه، وإذا هي تتحدث باللغة الإنجليزية فبدأت أحدثها بما أستطيع، فكانت تطلب مني أن آتي في نفس بيت الأسرة الذي تعمل فيه، فهي تتصل بأي واحد ليأتي في بيت الأسرة، فتعجبت وكان بالإمكان أن أقطع الخط وأتكلم عليها وتنتهي القضية، لكن، لا، هنا مصيبة، هذه المرأة الآن تريد أن تحول هذا البيت إلى دمار، فبدأت أكلمها وألين لها القول شيئاً فشيئاً ثم وعدتها أن آتيها بعد قليل، لكن بشرط أن تخبرني باسم الأب واسم الأم واسم البنات والأبناء واسم كذا، وما هو وضع البيت وماذا كذا، وهي كانت تتكلم معي لمدة نصف ساعة، فأخذت المعلومات هذه ثم وعدتها أن آتي بعد نصف ساعة، يعني في الساعة الثانية والنصف أو الثالثة، ثم إني اتصلت بصاحب البيت، ويرد صاحب البيت فقلت: يا أخي اسمك فلان بن فلان؟ قال: نعم، قلت: وزوجتك اسمها فلانة؟ قال: ماذا تقول؟ ثم قال: نعم، ماذا تريد؟ قلت: وبناتك أسماؤهن فلانة وفلانة وفلانة؟ قال: نعم، وهو يحاول أن يعبر بطريقة تنم عن انفعالات متعددة، لماذا يتصل بي رجل غريب ويعرض هذه الأسماء بهذه الصورة، قلت: يا أخي اطمئن أنا فلان بن فلان بن فلان أعمل في المكان الفلاني، وأخبرته بقصة الخادمة وماذا تريد به وبأهله، وأقول: ليس في كل مرة تسلم الجرة، فبدأ يشكر ويثني علي إلى آخره، ثم قال: لا بد أن نتخلص من وجود الخادمة ولا حاجة للخادمة هذه.

من العوامل المؤثرة في البيت: وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة

العالم الرابع: الوسائل الإعلامية، والوسائل الإعلامية من أهم الأمور التي تجعل البيت من البيوت التي تنتقل من الدمار إلى العمار أو العكس، فهناك أمور لا يمكن أن يتحكم فيها الإنسان ولو ادعى أنه يستطيع أن يتحكم فيها، فلو جلب تلفازاً يستقبل البث العادي أو البث المباشر أو غير ذلك، وقال: أنا أتحكم فيه وأنا أشرف عليه، فإن هذا بصراحة يكذب؛ لأنه لا يستطيع، فلو تحكم فيه اليوم أو بكرة أو بعده فلن يتحكم فيه بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة.

أثر الدش على الأطفال والمراهقين في الأسرة

لعلي أمثل على ذلك بمثال: أحد الرجال جاء إلى مدير مدرسة ثانوية وقال لمدير المدرسة: أريدك على إنفراد، فقال المدير: إذا انتهى الطابور إن شاء الله أجلس معك، يقول المدير: دخلت الإدارة وإذا بالأب ومعه ابنه، وابنه في أولى ثانوي وهو شاب نشيط في الدراسة وهادئ ليس عليه أي ملاحظات، فقال الأب: أريد أن تعطيني ملف ابني، فقلت: عجيب لماذا؟ وكيف تنقل ولدك من المدرسة ولم يبق على الاختبار إلا شهر واحد، لكن بعد ما يختبر وينجح إن شاء الله نعطيك الملف، قال: لا، أريد أن آخذ الملف؛ لأني سأسافر به خارج البلاد، قلت: لماذا سلامات ماذا حصل؟ قال: والله هذا الولد يفعل كذا وكذا بإخوانه، أعوذ بالله، والابن جالس ما يتكلم، قلت له: حسناً أريد أن أسأل الابن بمفرده، قال: فأخذت الابن إلى غرفة مجاورة فقلت: صحيح الذي يقوله أبوك؟ قال: صحيح، قلت: بإخوانك، قال: بإخواني، كلهم؟ قال: كلهم، قلت: لماذا؟ قال: إن أبي اشترى لنا دشاً قبل ثمانية أشهر، وفي ليلة من الليالي فتحت الجهاز ونظرت كذا وكذا وكذا وكذا أشياء إباحية، وأنا مراهق، فأريد أن أطبق ولم أجد إلا هؤلاء إخوتي، وبالأمس رأيت كذا وكذا فذهبت إلى أختي وهي أصغر مني بسنة، فحاولت وحاولت وبذلت وهي تصرخ، وفي النهاية سمع أبي وأمي الصراخ فجاءوا وضربوني، وقرر والدي طردي من البلد بأكمله بل من المملكة، يقول المدير: فسألت الأب: أنت عندك دش؟ قال: نعم، قلت: لماذا اشتريته؟ قال: من أجل المباريات والأخبار، قلت: بس؟ قال: بس، قلت: إن فساد ابنك كان بسببك، بل وفساد أبنائك الصغار أنت السبب فيه، بل أسرتك كلها، فبيتك صار دماراً وأنت السب فيه؛ لأنك فعلت وفعلت وفعلت وادعيت أنك تتحكم، قال: نعم أنا أتحكم بالجهاز ولا يستطيع أحد أن يطلع عليه إلا وأنا موجود، قلت: نعم، تتحكم فيه أول شهر أو أول شهرين ثم تضعف الرقابة، وعين الرقيب تنام، وكانت النتيجة ما حصل، خذ هذا ملف ولدك بحفظ الله.

إذاً: قضية ادعاء التحكم في أجهزة الأعلام غير صحيحة، ولذلك الحذر الحذر الحذر من وسائل الإعلام الفاسدة.

من الوسائل المهمة لمواجهة خطر وسائل الإعلام وجود البديل السليم

النقطة الثانية فيما يتعلق بالوسائل الإعلامية لا بد أن تعلم أيها الأخ الحبيب أن الأطفال لهم حاجات فطرية ولهم غرائز، لا بد أن يحقق أهدافاً معينة لإشباع هذه الغرائز، فوجود البدائل أمر مهم، والبحث عنه ودفع الأموال الكثيرة في سبيله هذا أمر مهم جداً، قد تقول: هذه السلعة صعب أن أشتريها بهذا السعر، أقول: في مقابل هذا الجهاز الإفسادي ينبغي عليك أن تدفع ولو كان السعر مضاعفاً، ولكنه سيكون إن شاء الله بديلاً سليماً في إشغال وقت فراغ ابنك، حتى لا يبحث عن البدائل الضارة عند الجيران أو عند أصدقاء السوء.

من العوامل المؤثرة في البيت: تصميم البيت وما يتعلق به

العامل الخامس: من العوامل التي تحيل البيت إلى إعمار أو دمار: ما يتعلق بتصميم البيت، تصميم البيت التصميم العمراني، أنتم تلحظون الآن الفلل الموجودة حالياً أو البناء حالياً، تلحظون أنه تصميم غير إسلامي، المبنى داخل السور أو الحوش، ثم بعد ذلك بجانب الفلة إذا قام واحد من أبناء الجيران وطل من الشباك على الحوش فسيرى الذين يجلسون في الحوش من نساء وبنات وغير ذلك، وفي المقابل أنت لو فعلت ذلك سترى جارك بنفس الصورة، وأنتم تعرفون أن البيوت القديمة المبنية من الطين قديماً أو حتى البيوت المسلحة الحديثة المبنية من الخرسانة في بعض الدول كما في سوريا بالذات تبنى على التصميم الإسلامي، تكون النافورة والمزرعة والاستراحة والجلسة داخل البيت، وباقي الغرف تطل عليها، فيكون البيت مستوراً لا يطلع عليه أحد، فهي خصوصية خاصة لا يمكن أن ينظر إليها أحد.

إذاً: تصميم البيت له دور مهم في مسألة جعل البيت عماراً أو دماراً.

وكثير من وسائل الفساد التي تحدث بين الأسر أو بين الجيران يتم بهذه الصورة، فالابن المراهق ينظر من الشباك إلى بنت الجيران فتعجبه ويميل قلبه إليها، ثم يتجه إلى الهاتف، ثم شيئاً فشيئاً تتطور العلاقة إلى ما لا تحمد عقباه، والبنت كذلك قد تفعل شيئاً من ذلك فتكون المسألة دمار لهذا البيت، لكن لو كان البيت مستوراً لكان ذلك عاملاً مساعداً في إبعاد هذه المفاسد عن الأسرة.

كذلك النوافذ، بعض الأشخاص يضع نافذة إلى درجة أن الجميع ينظرون إلى بيته بسهولة، والبعض الآخر لا يركز على أن يضع النافذة في أعلى الجدار، فيكون بذلك قد حمى أبناءه من أن ينظروا إلى الجيران فيتأثروا بما عندهم، وهذا مسألة قد تغيب عن الذهن، وقد يقول قائل: أنا سأضع شباك من درجة معينة، وسأحاول أن أضغط على جاري حتى يرفع شباكه، لكي لا يراني أو لا يرى حرمي، أقول: أنت في المقابل لا بد أن تعامل جارك بنفس المعاملة.

الآثار المترتبة على وجود الهاتف عند الأبناء والبنات

كذلك مسألة وضع الهواتف، كثيراً من المشاكل والمصائب تحصل بانفراد الابن أو البنت بهاتف مستقل في غرفتها أو في غرفته، فتراه يغلق على نفسه الباب أو تغلق على نفسها الباب، فالبنت تكون نائمة في الساعة الثانية عشر أو الواحدة أو الثانية فيرن الهاتف وأنت لم تسمعه، فسمعت البنت الهاتف وأخذته، ثم ذئب بشري على الخط يكلمها برقة وبلطف وبكلام معسول، ثم البنت بعاطفتها تلين شيئاً فشيئاً ثم يكون الدمار بعد ذلك؛ لأنك وضعت لها هاتفاً مستقلاً، لكن لو وضعت هاتفاً عاماً داخل الصالة وهاتفاً عندك أنت أو في مكتبك أو غير ذلك، هنا تستطيع أن تضبط هذه العملية، حتى لا يترتب على ذلك شيء من هذا الضرر.

كذلك الابن قد يتصل بأي رقم من باب العبث ثم تكون النتيجة أن تجيبه بنت أو غير ذلك فيستخدم معها أسلوباً معسولاً، فيوافق ذلك منها هواه فتكون الطامة.

هناك نقطة مهمة أختم بها قضية تصميم البيت، وهي حقيقة أتمنى من كل إنسان يريد من بيته أن يكون بيتاً إسلامياً، أن يضع في وسط البيت دولاباً، ثم يملؤه بمجموعة من الكتيبات الصغيرة ومسجل ومجموعة كبيرة من الأشرطة ويضع بجانب هذا الدولاب لوحة مثل اللوحات التي تستخدم في بعض الوزارات لوحة من الفلين المغطى ببعض القماش، ثم يطلب من أفراد الأسرة الأبناء والبنات، من كل واحد منهم أن يعمل صحيفة في كل شهر أو كل شهرين صحيفة يعملها بنفسه، يبحث في الكتب ويكتب ويخطها ويرسمها ثم يعلقها في هذه اللوحة ويكتب اسمه عليها، وأحسن واحد يسوي لوحة له مكافأة معينة، ستجد أن هذا يضفي على البيت نوعاً من إشغال الوقت بما فيه فائدة، ثم التعلم الذاتي، أي: أن الطفل يشغل نفسه بنفسه، ثم الزوار إذا جاءوا إلى هذا البيت وقرءوا هذه الصحيفة قد يستفيدون منها، فيكون ذلك خيراً منه.

من العوامل المؤثرة في البيت: الجيران

أختم هذه المسائل بالحديث عن العامل السادس ألا وهو: الجيران، فالجيران من العوامل المهمة جداً في إعمار البيت أو دماره، فكما قيل: الجار قبل الدار، وكما روي أن أحد الأشخاص أراد أن يبيع منزله، فحرج عليه بأربعة آلاف دينار، فقيل له: إن هذا المنزل لا يساوي إلا ألفين فقط، قال: نعم، هو لا يساوي إلا ألفين دينار، لكن ألفي دينار قيمة البيت وألفي دينار قيمة جار البيت، الذي هو أبو دلف العجلي المشهور، فعندما سمع أبو دلف بهذه الحالة أعطى صاحب هذا البيت مبلغاً من المال؛ لأنه أراد أن يبيعه بسبب دين عليه.

إذاً: الاهتمام بالجار هنا عامل مهم جداً في تحويل البيت إلى عمار أو دمار، ولذلك كثير من الأسر يتساهلون في مسألة اختلاط أبناء الجيران مع بعضهم البعض، ولا يدري الجار عن هذا الجار ما هي حالته وما هي أحواله، فيترتب على ذلك انتشار عوامل سيئة أو حسنة بدون أن يعلم هذا الأب أو هذه الأم أو تلك الأسرة، ولذلك على الإنسان أن يراعي دائماً ويركز دائماً على مسألة جاره، وينتبه لذلك انتباهاً شديداً.

فالذي ينبغي للمسلم أن يوجه الجيران دعوياً؛ لأنهم عوامل مساعدة في جعل بيتك بيتاً عامراً بالخير، فعندما تدعو هذا الجار وترسل له هدية وتعطيه مثلاً شيئاً حسناً ليستفيد منه، فإن ذلك يؤثر في تربية هذا الجار وتربية أولاده الذين سيتأثرون به لا محالة، وهذه الهدايا من الأمور التي حث عليها شرعنا الإسلامي الحنيف، فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا) .

والله سبحانه وتعالى الموقف والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

طرق الوقاية من العوامل الجانبية المفسدة لأخلاق الأبناء

السؤال: ما رأيكم فيمن يسير مع أطفاله ببرنامج تربوي معين، ولكن إذا أتى إلى أهله أو أهل زوجته ولو ساعة واحدة أفسد ما كان يجني، بسبب الجهل خصوصاً من الكبار كالوالدين، وأنا أربي أولادي تربية حسنة جادة، ولكن هذه التربية يفسدها الأقارب، وأنا لا أستطيع أن أمنع أبنائي من الذهاب إليهم؟

الجواب: نعم، ذكرت وأشرت إلى أن قضية تأثر الأبناء بالعوامل الجانبية هذه مسألة عامة وشاملة، والانفكاك عنها قد يكون صعباً، لكن هناك مسألة إصلاح ما أفسدوا، فأنت الآن تسير على برنامج تربوي منظم ومرتب له بطريقة أو بأخرى، ثم حصلت ثغرات معينة إلزامية بسبب الاحتكاك بأقربائك أو أنسابك أو أهل زوجتك أو أخوال أولادك أو غير ذلك أو حتى أبيك أو أمك فأقول: إن هذه الثغرات ضعها في حسبانك أثناء وضع البرنامج التربوي، بمعنى أنك عندما تذهب بأبنائك إلى هؤلاء الناس ثم ترجع بهم فإنك تقوم بجمع المعلومات عما حصل، وبناءً عليه تستطيع أن تتخذ القرارات المناسبة فيما بعد.

وأذكر لكم مثالاً: هذا أحد الإخوة يقول: أذهب إلى خالي في كل أسبوعين إلزاماً من والدتي، وخالي هذا عنده أجهزة تلفاز في كل مكان، وأمي فيها صلاح وتقوى ولا تحب التلفاز، فقلت لأمي: أنا ما عندي مانع أن أحب خالي وأقبله لكن تعرفين أن أبنائي وعيالي يتأثرون بهذا التلفاز، وبعد ذلك قد يطلبون مني أن أشتري لهم تلفازاً فأنا لا أريد أن أذهب بهم إلى بيت خالي من أجل ذلك، قالت: لا، ليس معقولاً إنه أخي، قال: قلت: يا أمي أنا عندي رأي وهو إذا ذهب أبنائي معي إلى بيت خالي لا يفتح التلفاز، فوافقت أمي، فطلبت من خالي إغلاق التلفاز، وفعلاً حصل أنها إذا ذهبت إلى هناك أُطفئت الأجهزة بأكملها، يقول: وهذا مكسب ليس باليسير فيما يتعلق بالجانب التربوي، وصحيح أنا أتمنى ألا يذهبوا، لكن لا أستطيع، وبالتالي حاولت أن أحل بعض القضية، وحل القضية كاملة لعله يتيسر فيما بعد.

فأقول لكم: إن على الإنسان أن يسدد ويقارب، وإن شاء الله إذا كان ممن يتقي الله سبحانه وتعالى فإنه سيوفق في إيجاد الحلول تجاه هذه المشاكل التي تدخل عليه أو تفسد عليه ولو جزءاً يسيراً من برنامجه التربوي.

ضرورة التدرج في إزالة المنكر من البيوت

السؤال: يقول شخص: إني محافظ على الصلاة والحمد الله وأولادي كذلك، لكن الأولاد يرغبون بمشاهدة التلفاز، فكانوا يشاهدونه عند الجيران أو عند أصدقائهم، فذهبت واشتريت لهم تلفازاً خوفاً عليهم من الخروج من المنزل والمخالطة بالغير فما توجيهكم؟

الجواب: وجود الأجهزة الإعلامية بهذه الصورة في داخل الأسرة جانب تربوي خاطئ، وهذه مصيبة، وعلاجها يحتاج إلى صبر ومصابرة، فلو أخذت الجهاز منهم فجأة فإن هذا سيحدث لهم صدمة، وقد لا يتحملون هذه الصدمة، لكن تستطيع أنت بطريقة أو بأخرى أن توجد البدائل لهم فمثلاً تقول: انظروا يا أولادي إذا ما شغلتم التلفاز اليوم وبكرة أبداً فسوف أوصلكم إلى المكان الذي يحبونه كثيراً، مثلاً: حديقة الحيوان، ألعاب معينة، طلعة بر، أو أشتري لكم من المطعم الفلاني المشهور شيئاً أكلة معينة، ففي هذه الحالة تكون قد أبعدتهم عن الجهاز بطريقة تدريجية، ثم توجد لهم بدائل، فمثلاً: تشتري لهم جهاز الكمبيوتر ويعمل على التلفاز، ومعنى هذا إما أن تشغل التلفاز أو جهاز الكمبيوتر، فتكون قد سحبت جزءاً من الوقت ووجهته إلى هذا الجهاز، فتحتاج المسألة إلى صبر ومصابرة، وبالتدرج ستجد أنك قد سحبت منهم الجهاز من تحت أقدامهم وهم راضون عن عملك هذا.

لكن تحتاج المسألة مثل ما قلت إلى أن تدرس نفسية أولادك ووضع البيت، وبعد ذلك تتخذ القرار البطيء التنفيذ، لكنه أكيد النتيجة.

نصيحة تبين خطر اقتناء الدش وحكم تأجير المحلات على الفاسدين

السؤال: لقد انتشرت أجهزة الدش في هذه البلدة بكثرة فهل من كلمة في هذا الأمر ونصيحة إلى أولئك الذين يؤجرون الاستراحات لهؤلاء الفاسدين من الناس؟

الجواب: ذكرت لكم القصة قبل قليل عن ذلكم الطفل الذي في أول ثانوي الذي كان يفعل الفاحشة في إخوانه بسبب الدش، وأنا أقول لكم جميعاً: أبلغوا هؤلاء وناصحوهم أن السعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، وإذا وقع الفأس بالرأس لم ينفع العلاج إلا بصعوبة، ولذلك فالإنسان يحتاط كل الاحتياط ألا تكون العظة فيه، وألا تكون التجربة فيه، وألا تكون المصيبة فيه وفي أولاده.

يعني: دعوني أذكر لكم قصة موجزة صغيرة: استدعت الهيئة أحد الآباء - وهو أب صالح فيه خلق، ولكنه غني واشترى لأبنائه جهاز الدش، على أساس أنه نوع من التطور، والرجل الأب لو جالسته لرأيت فيه خلقاً دمثاً وصلاحاً بيناً، ففي يوم من الأيام يقول أحد أعضاء الهيئة: اتصلنا به وقلنا له: نريدك في حاجة ضرورية جداً، فجاء وقلنا له: لقد قبضنا على بنتين من بناتك في وضع مسيء للغاية، يقول: وقبل أن يأتي حققنا مع البنات فذكرن أن سبب وقوعهن في هذا الفساد هو مشاهدة الأفلام في جهاز التلفاز الذي يستقبل البث المباشر، المهم جاء الأب فقيل له بتلطف: الوضع كذا وبين له الوضع فسقط مغمياً عليه، ثم بعد أن استيقظ من الإغماء صار يبكي كالطفل، ويقول: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23] فضيحة.

إذاً: فإذا كنا سعداء فعلاً فعلينا أن نتعظ بغيرنا ونجعل غيرنا عظة لنا، نعم.

أما قضية تأجير الاستراحات لهؤلاء الفاسدين فأقول: إن تأجير الإنسان لاستراحة أو لمحل أو لدكان أو غير ذلك وهو يعلم قطعاً أنهم سيستخدمونه لفساد، فإن هذا المال الحاصل لهذا الإنسان حرام، ويكون بذلك قد أكل حراماً وأكّل أولاده حراماً، وصار سحتاً، وقد جاء في الحديث: (أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به) والإنسان عندما ينمي جسده من الحرام يأكل الحرام ويلبس الحرام كان ذلك أدعى في عدم إجابة دعائه، فتجده كلما رفع يديه إلى السماء: يا رب اغفر لي، يا رب ارحمني، يا رب أرزقني، يا رب أعطني، قيل له: لا لبيك ولا سعديك؛ لأن ملبسك حرام ومشربك حرام وغذاءك حرام، ومعنى هذا أن دعاءك لن يستجاب لك؛ بسبب هذا الحرام الذي أكلته، فلذلك يحتاط الإنسان في هذه المسألة: نعم.

أثر الخلاف بين الأبوين على الطفل

السؤال: هذا شاب يقول: إنني ملتزم والحمد الله، وأمي مطلقة من صغري، فقدت حنان الأب وبعض حنان الأم، فإذا جلست عند أمي غضب أبي، وإذا جلست عند أبي غضبت أمي، فيضيق صدري، وأتمنى لو أمت لكي أتخلص من هذه المأساة، فما قولك في مشكلتي بارك الله فيك؟

الجواب: نعم، هذه مأساة أضيفها إلى كلامي الذي ذكرته فيما يتعلق بالحنان وأثره في الطفل، لكن أقول لهذا الشاب: أعانك الله وصبرك الله، ورزقك الله سبحانه وتعالى الصبر، وأتمنى أن تذهب إلى شخص موثوق وصالح وأكبر منك في السن، وتعرض القضية عليه، ثم بعد ذلك تطلب منه أن يذهب إلى والدك ويحدثه بمصيبتك التي تعيشها؛ لأن المشاعر الداخلية لا يطلع عليه الأب ولا تطلع عليها الأم؛ ولأن البعض لا يتعامل حقيقة إلا بالأمور المادية الحسية، ثم يحاول هذا الشخص أن يتصل بأمك عن طريق وسيط إما زوجته أو أمه أو غير ذلك، فتحاول هذه الأم كذلك أن تعالج المسألة، ويحاول أن يجعل هناك نوعاً من التوافق بين أمك وأبيك فيما يتعلق بمكوثك عند هذا أو ذا.

بيان متى يتم التفريق بين الأبناء الذكور والإناث في المضاجع

السؤال: نريد من فضيلتكم أن تبينوا لنا متى يتم العزل بين الأطفال عند النوم؛ لأنك ذكرت في أثناء المحاضرة أن الطفل في السنة الأولى ونصف السنة يطبق ما يرى؟

الجواب: نعم، أنا قلت: يطبق ما يراه إذا كان يشاهد شيئاً؛ لأن الطفل مقلد كما هو معروف، ولذلك طفلك الآن عندما يتحدث أو يتكلم هل تراه يتكلم من ذات نفسه؟ لا، هو يقلدك عندما تقول له: بابا يقول لك: بابا، وعندما تقول له كلمة معينة يقول لك نفس الكلمة، فهو يقلدك ولا يفهم معنى ما تقوله، ولذلك عندما تأخذ طفلك الصغير إلى مربية أجنبية سيتعلم منها من لغتها وسلوكها وحركاتها وسكناتها وغير ذلك.

فأقول: إن الطفل يقلد ما يشاهده، لكن إذا ألغينا مسألة التقليد وهذه تعتبر مسألة طارئة فيما يتعلق بالحركات السيئة أو غير ذلك، فإن الأطفال الذكور والإناث يفرق بينهم منذ السابعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع) قال العلماء: معنى قوله: (وفرقوا بينهم في المضاجع) إنها تعود إلى العشر، وقال البعض: لا، بل تعود إلى السبع، واستنبطوا ذلك من نصوص أخرى في هذا المسألة، فالأولى أن نأخذ بالأحوط في هذه المسألة، وهو التفريق بين الأولاد في سن السابعة، وإذا أردنا أن نجمع بين بعض النصوص في هذه المسألة وشروح الحديث، فإننا نقول: يفرق بين الأبناء في العاشرة ويفرق بين البنات والأبناء في السابعة.

حكم ضرب الطفل دون سن العاشرة

السؤال: ورد في الحديث: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) هل نفهم من ذلك أن الأطفال دون سن العاشرة لا يضربون من ناحية تربوية بارك الله فيكم؟

الجواب: مسألة الضرب من المسائل التربوية التي في الحقيقة أغفلنا النظر عنها، يقول أحد الشعراء قولاً جميلاً حول مسألة ضرب الأولاد:

لا تأسفن على الصبيان إن ضربوافالضرب يبرا ويبقى العلم والأدب

الضرب ينفعهم والعلم ينفعهملولا الإخافة ما خطوا وما كتبوا

فقضية وجود الضرب من القضايا التربوية، لكن لا بد من استخدامها الاستخدام المناسب، فإذا لم يضرب الابن ولم يستخدم معه أسلوب الضرب، فإنه قد لا يلقي بالاً فيما بعد للمناصحة أو الكلام العنيف أو غير ذلك.

فالضرب هو أسلوب تربوي ورد ذكره في القرآن الكريم وفي السنة النبوية: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح) فهناك الضرب فيما يتعلق بالذنوب كجلد الزاني البكر مائة جلدة، أو الجلد في القذف ثمانون جلدة، لكن لا يضرب في غير الحد أكثر من عشرة أسواط.

فإذاً: إذا بدأ الابن ودخل سن السابعة فإنه يأمر بالصلاة ويركز على قضية الصلاة ويحاول معه بالترغيب بالهدية والشكر والثناء، والترهيب بالمقاطعة وغير ذلك، فإذا وصل سن العاشرة ورفض الصلاة في يوم من الأيام فعلى الأب أن يبين له أنك إذا ما صليت فسوف أضربك، ترى العصا قريبة، وإذا أصر على تركها فإنه يضربه ضرباً خفيفاً، وإذا أصر مرة أخرى فإنه يضربه ضرباً أشد حتى ينصاع؛ لأن الضرب يعد جانباً تربوياً مهماً غفلنا عنه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , البيت عمار أو دمار للشيخ : إبراهيم الفارس

https://audio.islamweb.net