اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , جوانب من عقيدة المرأة المسلمة للشيخ : عبد الله بن علي الجعيثن
أما بعد:
فإن الحديث في هذه المحاضرة معظمه يتناول أموراً تخص الرجل والمرأة على حدٍ سواء، وسيكون معظم الحديث في هذه المحاضرة عن الجانب الاعتقادي؛ وذلك لأهميته؛ ولأنه ينبني عليه سائر الأعمال، ويتحدد به مسيرة الإنسان وسعيه في هذه الدنيا، إذ أن سعي الإنسان في هذه الحياة مبنيٌ على الاعتقاد، وكلما كان الاعتقاد صحيحاً سليماً كانت خطوات الإنسان صحيحةً وسليمة، وسار على هديٍ مستقيم.
المرأة المسلمة تؤمن بأن لها رباً قد انفرد بالخلق، والملك، والتدبير :-
فتؤمن بأنه لا خالق إلا الله، ولا مدبر لهذا الكون إلا الله، فليس حركة، ولا سكونٌ، ولا تصرفٌ يقع في هذا الكون على مستوى الأمم والشعوب والدول وعلى مستوى الأفراد إلا وهو تَحت تدبير الله عز وجل، وتنفيذ حرفي لقضاء الله سبحانه وتعالى، وقدَره، وإرادته، ومشيئته، وأن كل تدبيرٍ يقع من البشر ما هو في الحقيقة إلا تدبير الله سبحانه وتعالى، وما البشر إلا أداةٌ لتنفيذ تدبير الله سبحانه وتعالى.
ولذلك يقول الله عز وجل: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26] فلا مالك إلا الله، فالمُلك لله رب العالمين، هو الذي يملك الخلق، والكون، والأشياء، والأحياء، والجمادات، فالمالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
كل مُلْكٍ سوى مُلْك الله عز وجل، فهو مُلْكٌ ناقص، مُلْكٌ محدودٌ بقدر معين، وفي زمنٍ معين، وفي مكانٍ معين، أما مُلْك الله عز وجل فلا يحده شيء، فهو غير محدودٍ بزمانٍ، ولا مكانٍ، ولا قدْرٍ معين، بل لا مُلْك في الحقيقة لأي شيءٍ من الأشياء، لا الأموال، ولا البقاع، ولا غير ذلك إلا ما ملَّكه الله عز وجل للعبد، وما أعطاه له.
فلا يستطيع الإنسان أن يتملك إلا ما مَلَّكه الله إياه، وكما أشرتُ إلى الآيات السابقة: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:26].
إذاً: المسلمة تؤمن بأن الرب سبحانه وتعالى قد انفرد بالخلق، وانفرد بالتدبير، وانفرد بالمُلْك سبحانه وتعالى، وتعلم أنه لا يقع في الأرض من الأحداث والأمور إلا ما قدَّره الله عز وجل، وأراده سبحانه وتعالى.
وأنه لا يجوز صرف شيءٍ من العبادات إلا له سبحانه وتعالى، لا يجوز أن تصلي إلا له، ولا أن تقدم قربةً أو تنفق نفقةً إلا له سبحانه وتعالى.
فتؤمن بانفراد الرب سبحانه وتعالى بالألوهية والعبادة، وهذا ما يسمى عند أهل العلم بـ(توحيد العبادة)، ولذا فهي لا تدعو إلا ربها، لا تدعو فلاناً الولي، ولا فلاناً صاحب القبر الفلاني، ولا تدعو رسولاً، ولا ملكاً، وإنما تدعو ربها سبحانه وتعالى، وتفرده بالدعاء والعبادة.
أرحم بها من الوالدة بولدها، أرحم بها من والدتها، فهو أرحم الراحمين، وهو الذي كتب على نفسه الرحمة، كما قال سبحانه وتعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:54].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة جزء، فأنزل منها رحمةً واحدة، بها يتراحم الخلائق، وادخر عنده تسعة وتسعين بها يرحم عباده يوم القيامة).
وإذا كنا نشاهد ونرى أثر هذه الرحمة المنْزَلة في الأرض بالرحمة التي نلاحظها؛ رحمة الأم بولدها، والأب بابنه، والدابة بولدها؛ فإننا نعلم كم قدْر هذه الرحمة حينئذٍ إذا كانت هذه الرحمة التي بين البشر هي جزء يسير من رحمةٍ واحدة أنزلها الله سبحانه وتعالى!
فإذا عملت المؤمنة حسنةً واحدة كتبها الله تعالى لها بعشر حسنات، وضاعَفَها أضعافاً كثيرة؛ لكن الحد الأدنى للتضعيف هو مضاعفتها بعشر حسنات، وتزداد المضاعفة بحسب الإخلاص والتجرد وإحسان العمل؛ لكن الأصل أن كل حسنة تضاعف كحدٍ أدنى بعشر حسنات.
وعلى هذا فإذا قرأت المرأة المؤمنة حرفاً من كتاب الله، فإن هذه حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، فيكون كل حرفٍ تقرؤه محسوباً بعشر حسنات.
وهكذا إذا سَبَّحت لله تسبيحةً واحدة فهي حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وإذا أنفقت نفقة فإن هذه النفقة حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، وهكذا تُضاعف كل حسنةٍ بعشرة أضعافها، وهذا من تمام رحمة الله سبحانه وتعالى.
مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا [غافر:40]؛ لكن قد يغفرها الله سبحانه وتعالى.
فتأملي كيف أن الحسنة تضاعف بعشرة أمثالها، وأن السيئة لا تكتب إلا مثلها، أو يغفرها الله سبحانه وتعالى.
هذا كله يدل على رحمة الله الواسعة، حيث تضاعف الحسنة بعشر أمثالها، وأما السيئة فلا تكتب إلا سيئةً واحدة، أو يغفرها الله سبحانه وتعالى.
فلا يضيِّع عليه قصده، بل يعدُّه كالعامل لها تماماً.
ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] هذا الذي خرج يريد الهجرة إلى الله ورسوله؛ لكنه مات في الطريق، هل يضيع الله عليه هذه النية؟
كلا! فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] فهذا من رحمة الله تعالى؛ أن يعطي مَن همَّ بالحسنة فعجز عنها ثواب الفاعل لها.
ولهذا لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك ، واقترب من المدينة ، وكانت هذه الغزوة من أشد الغزوات على النبي صلى الله عليه وسلم إذ لَقِي فيها أشد الأذى، وواجه فيها الحر الشديد، والجوع الشديد، والعَنَت الشديد، ومع ذلك لما رجع، وقارب المدينة قال: (إن بـالمدينة أقواماً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) وفي لفظٍ: (إلا شاركوكم في الأجر حبسهم المرض).
فتأملي كيف أن الله سبحانه وتعالى ساوى بين المعذورين الذين لم يجدوا زاداً وراحلة، أو كانوا مرضى، فلم يتمكنوا من الخروج إلى الجهاد، وبين من خرج إلى الجهاد، وواجه الحر الشديد، والجوع، والخوف، والتعب، وما ذلك إلا لأن أولئك الذين بـالمدينة يريدون هذا الخير؛ لكنهم قد حال بينهم وبينه مانعٌ شرعي.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم فيصلي من الليل، فغلبته عيناه، كُتِب له ما نوى، وكان نومه صدقةً عليه من ربه) قد تنام الواحدة وهي ناويةٌ أن تقوم من آخر الليل بإحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة؛ لكنها ما استيقظت إلا لصلاة الفجر، أو غلبها النوم حتى طلعت الشمس، فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيِّع هذه النية الصالحة، وإنما يكتب الله لها ثوابها كاملاً، وكأنما أحيَت الليل بإحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة.
فمن ترك سيئةً خوفاً من الله بعد أن هَمَّ بها، فإنه لا يؤاخَذ بها، بل تُكْتَب له حسنة؛ لأن تركه إياها لله عملٌ صالحٌ يؤجر عليه، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى أن الإنسان قد يعزم على السيئة ويجزم على فعلها، ثم يتذكر ربه فيترك المعصية خوفاً من الله سبحانه وتعالى، فلا يؤاخَذ حينئذٍ بهمه بالسيئة، ويُثاب على ذلك بأنه تركها خوفاً من الله فتكتَب له حسنة.
وهذا بخلاف مَن هَمَّ بحسنةٍ فتركها هكذا من غير سبب، مجرد أنه هَمَّ بالحسنة، ثم عدل عن ذلك من غير عذر شرعي، فإن الله عز وجل لا يضيع عليه هذه النية، بل يكتبها له حسنة.
بل مهما أسرف العبد، ومهما تمادى في المعصية، ومهما انغمس في الخطيئة، فإن باب التوبة أمامه مفتوح، وخط الرجعة مفتوحٌ أمامه، قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53] يخاطب الذين وصلوا إلى حد الإسراف على النفس، بالمعاصي، والخطايا والذنوب: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
وقال سبحانه وتعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:110].
وتأملي كيف أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر صفات المتقين الذين لهم الجنة التي عرضُها السماوات والأرض ذكرها بقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] ثم بدأ بتعداد صفاتهم -صفات المتقين الذين هم أهل الجنة التي عرضها السماوات والأرض- فذكر منها: أنهم قد يذنبون، وقد يقعون في الخطأ؛ لكنهم يعودون إلى ربهم ولا يصرون على ما فعلوا، حيث قال سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].
فمن رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعل هناك مجالاً للرجعة، وميداناً للتوبة، وأن الإنسان قد يذنب، وقد يفعل الذنب العظيم؛ لكنه يتذكر ويتوب ويعود، ولا يصر على ما فعل، ومن ثَمَّ يرحمه ربه ويتوب عليه.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنكم لو أذنبتم حتى تبلغ ذنوبكم السماء، ثم تبتم لتاب الله عليكم).
وهذا لا شك من رحمة الله سبحانه وتعالى أن الإنسان قد ينغمس في الخطايا والسيئات، قد ينهمك في كبائر الذنوب, ويتلطخ بها، ومع ذلك أمامه فرصة للتصحيح، واستدراك ما فات، وإصلاح الخلل، وترقيع النقص.
كيف تكون هذه الأطنان من السيئات حسنات لولا رحمة الله سبحانه وتعالى؟!
واسمعي إلى قول الله سبحانه وتعالى، وهو بصدد الحديث عن شر الذنوب، وأعظم الذنوب، وأخطر الذنوب، وهي:
الشرك بالله عز وجل.
والزنا.
وقتل النفس بغير الحق.
قال سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68-69] ثم استثنى سبحانه وتعالى بقوله: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] فهي دعوةٌ للمذنبين، ودعوةٌ للمقصِّرين، دعوةٌ للمنغمسين في الشهوات والملذات المحرمة أن يتوبوا إلى ربهم، وأن يعودوا إلى رحابه سبحانه وتعالى، فتستقبلهم التوبة، وتُبَدَّل سيئاتهم حسنات إذا هم تابوا وعملوا صالحاً.
إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر:49].
يقول الله سبحـانه وتعـالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ [التوبة:51] فهي تؤمن بأنه لا يصيبها شيءٌ في نفسها، ولا في الكون من حولها، وأنه لا يجري في الكون إلا ما كتبه الله، وقضاه، وقدَّره، وأن ما يجري في الكون هو تنفيذٌ حرفيٌ للقضاء والقدر، ليس غيره.
ويقول سبحانه في آيةٍ أخرى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22-23].
إذاً: تؤمن المؤمنة أن كل ما يجري عليها وعلى مَن حولها قد فُرِغ من كتابته عليها، بل قد كُتِب عليها قبل خلقها، بل ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة).
وقال عليه الصلاة والسلام: (إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى الأبد).
ولهذا فإنه لن يصيب العبد إلا ما كتبه الله عليه، كل ما يجري عليه من مرضٍ أو صحة، أو غنىً أو فقر، أو سعادةٍ أو شقاوة، أو توفيقٍ أو عدمه، كل ذلك تقدير رب العالمين، والخلق كلهم لو اجتمعوا على أن ينفعوا الإنسان بشيءٍ لم يكتبه الله له لم يقدروا على ذلك.
وفي المقابل: لو أن الخلق كلهم جميعاً اجتمعوا على أن يلحقوا الضرر بأحدٍ لم يكتب الله عليه ذلك، لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً.
ولهذا فإن من المهم أن تحفظ المرأة المسلمة هذا الحديث العظيم الجليل الذي وصى به النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس وهو غلامٌ راكبٌ معه، حيث يقول له عليه الصلاة والسلام: (إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرِفْك في الشدة، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله، قد جف القلم بما هو كائن، فلو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك بشيءٍ لم يكتبه الله لك لم يقدروا عليه، ولو أن الخلق كلهم جميعاً أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه) وفي روايةٍ: (رفعت الأقلام وجفت الصحف، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً).
هذا الحديث لو حفِظَتْه المسلمة وتفهَّمَتْه، وترَسَّمَت ما فيه من معانٍ ودلالات، لو صنَعَتْ ذلك لسَعِدَت في دنياها وأخراها، ولحصل لها الاستقرار النفسي، واستقامة السلوك، وصحة العمل.
إن المؤمنة وهي تؤمن بقضاء الله وقدره، وأنه لا يجري عليها شيءٌ إلا مِن أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين سبحانه، ترضى بما يصيبها من أمراض، وما يجري عليها من أسقام، وما يحل بها من مكاره في نفسها، وفي مَن حولَها، ترضى إذا تأخر زواجها، فترضى بقضاء الله وقدره، وتنتظر الفرج، وتستعف حتى يغنيها الله من فضله: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33].
فالفتاة المؤمنة تؤمن بأن الزواج قضاءٌ وقدر، وأنه قد كُتِبَ في اللوح المحفوظ زوجُها، وكُتِبَ في اللوح المحفوظ زمان ذلك الزواج، ومكانه، فهي تنتظر هذا المكتوب في اللوح المحفوظ، ولا تستبطئ ذلك، وتستعف حتى يأتيها ذلك المقدور.
فتستعف بغض البصر، وبحفظ السمع، حفظ اللسان، وحفظ الفرج، حتى يغنيها الله من فضله.
إن عدم صبرها، وعدم قيامها بأمر الله، والاستعفاف حتى يغنيها الله من فضله، دليلٌ على جزعها من قضاء الله وقدره، وعدم رضاها وتسليمها بما كتب الله لها، وحريٌ بمن جزع من قضاء الله وقدره أن يعاقبه الله عز وجل في الدنيا والآخرة، وحريٌ بأنه لا يوفَّق، ولا يُعان، ولا يسدَّد.
أما من صبر فإنه حريٌ بالمعونة من الله سبحانه وتعالى، أوَلَمْ تسمعي قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46]؟! مع الصابرين بالنصر، والتوفيق، والتيسير، والإعانة، فمن صبر كان الله معه.
وكذلك تصبر على ما يجري عليها من فَقْد الأحباب، كالمصيبة في الأهل:
بل ومن جملة ما ترضى به: ما قد يحصل في بيتها، أو في أقاربها من مشكلاتٍ وتشَتُّتٍ وقطيعةٍ؛ ألا تجزع من ذلك، وتسعى لرأب الصدع، وإصلاح ما فسد، وتتقي الله عز وجل بقدر استطاعتها؛ لكن أن تجعل ظروفها العائلية -إذا كان هناك شيءٌ من التشتت، أو المشكلات بين والدها ووالدتها، أو نحو ذلك- والاجتماعية السيئة مسوغاً لها للوقوع فيما حرم الله عز وجل، وفي الجزع، والتنفيس عن نفسها بزعمها بالخروج عن خط الاستقامة إلى خط الانحراف، هذا كله لا يجوز، وهو منافٍ للصبر والرضا بقضاء الله وقدره.
فتعلم يقيناً ما الغاية التي أوجدت على هذه الدنيا من أجلها، وتعلم لماذا هي تدب على هذه الأرض، فالصورة أمامها واضحة، فهي تدرك أنها تعيش في هذه الدنيا اختباراً وامتحاناً، وتشعر أنها في قاعة اختبارٍ وامتحان حتى تنتقل عن هذه الدنيا، فهي تقرأ قول الله عز وجل: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2].
ويقول سبحانه وتعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].
فهذا حصر من الخالق سبحانه للغاية من الخلق بأنه تحقيق العبودية له سبحانه وتعالى، وحتى تتبين حقيقة العبودية جعل الله تعالى الحياة فتنة وابتلاء، ولهذا يقول سبحانه في صدر سورة العنكبوت: ( الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [العنكبوت:1-3] لماذا؟ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].
وهذا الاختبار في هذه الدنيا هو في كل شيء، وفي كل شأنٍ من الشئون، وفي كل جارحةٍ من الجوارح، وفي كل موقفٍ من المواقف، وفي كل لحظةً من اللحظات، الامتحان قائمٌ على أشُدِّه؛ لكن لو أردنا إرجاع دائرة الابتلاء إلى أقسامٍ محددة لاستطعنا أن نعيدها إلى ثلاثة أقسام:
فمن هذه الواجبات:
الصلاة.. الزكاة.. الصيام.. الحج.. بر الوالدين.. صلة الأرحام... وغير ذلك.
وهذه من أكثر ما يحصل فيها الخلل، ويتطرق فيها الضعف إلى الإنسان، فالناس في ميدان الشهوات والمحرمات أكثر تهافتاً من غيرها، ولا سيما في مثل هذه المرحلة التي تعيشها الأمة، حيث إن فتن الشهوات على أشُدِّها، بل ربما لم يمر بتاريخ البشرية حالٌ أسوأ من الحال التي نحن عليها في ميدان فتنة الشهوات، ولهذا فإن هذه الدائرة -دائرة الشهوات والمحرمات- تحتاج منا إلى يقظة، وإلى حذر وصبرٍ وبذل.
فهو مطالَبٌ بالصبر عليها.
فهذه الأقسام الثلاثة هي أقسام الابتلاء في هذه الدنيا، وكل دائرةِ ابتلاء، وكل أمرٍ يُبْتَلى فيه العبد في هذه الدنيا يرجع إلى واحد من هذه الأقسام الثلاثة.
فالمؤمنة والمؤمن مطالبان:
بالصبر على فعل المأمور.
والصبر على ترك المحظور.
والصبر على القَدَر المكروه.
فمَنْ نجح في الصبر على فعل المأمورات، وترك المحظورات، والصبر على الأقدار المؤلمات، فإنه قد نجح في هذا الامتحان.
ويُخْفِق في هذا الامتحان بقَدْر ما يُخْفِق فيه من هذه الأمور، وما أكثر الإخفاق!
المهم أن المؤمنة تؤمن بالغاية التي خُلِقَت من أجلها، وأن الغاية ليست مجرد الأكل والشرب والدراسة والنوم، وتتبُّع الموضات والعناية بالزينة، أو مقاساة ومعاناة شدائد الدنيا، ثم النتيجة أن توضع في قبرها، وبعد أيامٍ قلائل تتبدد في التراب، وتصبح عظاماً نخرة، تأكل الهوام والديدان جسمها! وينتهي الأمر عند هذا الحد؟!
كلا. إن المؤمنة تؤمن بأن غايتها في هذه الدنيا أسمى من هذه الأشياء، وأرفع وأجل، فهي تسعى لتحقيق الغاية التي خُلِقَت من أجلها، ولهذا فهي كثيراً ما تسأل نفسها -تجاه كل موقفٍ تقفه، أو تصرُّفٍ تتصرفه- هل هذا يحقق الغاية التي خُلِقْتُ من أجلها؟! هل هذا يعني النجاح في الامتحان الذي أعيشه؟!
فإن وجدت نفسها قد حققت الغاية فإنها تستبشر بذلك وتستزيد، وإن وجدت نفسها قد خرجت عن الغاية التي خلقت من أجلها، فإنها تعيد النظر في تصرفها، وتسلك مسلك الاستقامة.
فلئن كانت في امتحان الدنيا تحت رقابةٍ بشرية، قد تتطرق إليها الغفلة، ويصيبها النوم، أو التساهل، فإنها في امتحانها مع الله سبحانه وتعالى تحت رقابة الله نفسه، الذي لا يغفل، ولا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يعلم ما يتردد في الصدر، وما يدور في خلجات الضمير قبل أن ينتقل إلى حركات الجوارح، فهي تقرأ قول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] فالله تعالى يعلم ما توسوس به النفس، وما يخططه الإنسان في قلبه قبل أن يظهر على حركات جوارحه، فهموم الإنسان، وهواجسه وخواطره كلها يعلمها سبحانه وتعالى، فضلاً عن حركات الجوارح، وكلمات اللسان، فإن ذلك معلومٌ للرب سبحانه وتعالى.
إنها تعرف قصة تلك المرأة، وهي خولة بنت ثعلبة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو زوجها، وكان ذلك في غرفة عائشة ، وهي غرفةٌ صغيرة، ومع أن عائشة يخفى عليها بعض كلام المرأة، إلا أن الله تعالى ينزل من فوق سبع سماوات قوله: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1] فهي تؤمن بسمع الله تعالى وبصره، وقربه، وإحاطته جل وعلا.
إنها تقرأ قول الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [المجادلة:7].
إنها تؤمن بقول الله عز وجل: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].
وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ>>>>>والنفس داعيةٌ إلى الطغيانِ
فاستحي من نظر الإله وقـل لها>>>>>إن الذي خلق الظلام يراني
***
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل>>>>>خلوت ولكن قل عليَّ رقيبُ
ولا تحسبن الله يغفل ساعةً>>>>>ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ
إن إيمانها بأن الله تعالى هو الرقيب، وهو السميع العليم، يدفعها إلى أن تغض بصرها عن النظر إلى ما حرم الله، وأن تحفظ سمعها عن الاستماع إلى ما حرم الله، ويدعوها إلى أن تحفظ لسانها عن أن تتحدث بما حرم الله، أو تتحدث إلى رجلٍ أجنبي من غير ما حاجة، وتعلم أنها وإن اختفت عن عين رقيبٍ، أو ابتعدت عن مسمع الأم أو الأب أو يد العدالة؛ فإنها ليست ببعيدةٍ عن ربها، فهي على مرأى ومسمعٍ منه.
إنها تقرأ قول الله عز وجل: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً [النساء:108].
إنها حينما تسمع هذه الآية ترتجف يدها حينما تمدها إلى سماعة الهاتف لتتحدث في معاكسةٍ هاتفية، لعلمها أن رب البرية يعلم ما توسوس به نفسها، ويعلم ما تتحدث به، وأنهما وإن كانا اثنين فإن الله تعالى هو الثالث سبحانه وتعالى؛ ولذا فهي تعظم ربها وتستحي منه، وتخافه أكثر مما تخاف البشر.
فلئن كانت في امتحان الدنيا، وفي قاعة الاختبار بالكلية تدري متى تُسْحَب ورقة الامتحان منها، وتعلم المدة التي ستقضيها في امتحان المادة الفلانية، وتسمع الجرس بنهاية فترة هذا الامتحان، فإنها تؤمن بأن امتحانها مع الله عز وجل مجهول الانقضاء، لا تدري متى تسحب ورقة الامتحان منها، ولا تدري متى يسحب بساط الحياة من تحتها.
إن الموت في عقيدة المؤمن مجهول الانقضاء، فليس الموت معلوماً، وليس له علاماتٍ، ولا قرائن، ولا دلائل، ولا إرهاصات، فإن الإنسان يتنفس في اليوم والليلة أربعاً وعشرين ألف مرة، فمتى ما تم عدد أنفاسه -وعمره محددٌ بالأنفاس- حل به ملك الموت، وقبض روحه، لا يفرق بين صغيرٍ ولا كبير، ولا شابٍ ولا شيخٍ هرم، ولا غنيٍ ولا فقير، ولا شقيٍّ ولا سعيد، ولا يفرق بين من تخرج الساعة ولم يتوظف وبين من أحيل إلى التقاعد.
وكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ>>>>>وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهرِ
وكم من فتى يمسي ويصبح ضاحكاً>>>>>وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
***
كم من عليلٍ قد تخطاه الردى>>>>>فمضى ومات طبيبه والعُوَّدُ
: فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34].
إن إيمان المرأة المؤمنة بأن الموت يأتي بغتة، يدعوها إلى عدم تأجيل التوبة، وإلى المسارعة، والرجوع إلى ربها، وإعلان التوبة من ذنبها وخطئها.
إن إيمانها بأن الموت يأتي بغتة يدعوها إلى ترك التسويف، والتأجيل، فليس ثمة شيءٌ مؤجَّل.
كم من فتى أو فتاة أجَّل توبته من الخطأ إلى ما بعد الزواج، ثم مات قبل أن يتزوج!
وكم من إنسانٍ أجَّل التوبة إلى أن يأتي وقت رمضان -مثلاً- فمات قبل أن يصل إلى رمضان!
وكم من إنسان أجَّل التوبة إلى بعد أن يتخرج، فمات قبل التخرج.
وكم وكم..!!
فهذا يدعو المؤمنة إلى أن تقرر قراراً لا رجعة فيه، أن تسابق إلى الخير، وتشمر إليه، وأن تتخلى عن كل خطأ، وعن كل ذنب، وتقصير؛ لأنها مهددة بهذا الموت الذي يجثم عليها في لحظةٍ ما كانت تحتسبها.
كم من إنسانٍ كان في أوج صحته فمات في سكتةٍ قلبية!
وكم من إنسانٍ كان في قوة شبابه، فأصيب بمرضٍ خبيثٍ مفاجئ مات على إثره بعد أيام!
وكم من إنسانٍ مات في حادثٍ مروري!
وكم وكم..!
تذكري تلك الفتاة التي خرجت من المدرسة وركبت مع عشيقها -كما تزعم- وبعد دقائق من ركوبها تصاب السيارة بحادثٍ مروري فظيع، تموت هي وعشيقها على إثره، وهي مضرجةٌ بدمائها، ودماؤها تغطي ملابس المدرسة، وتغطي كتبها، بئست الخاتمة! وبئست الحال!
فتعلم أنها لا بد منتقلة إلى دارٍ ثانية، ليس ثمة فيها إلا جنةٌ أو نار، فلئن عاشت ما عاشت فمصيرها إلى إحدى الدارين، إنها تلتفت إلى التاريخ، فتنظر إلى قرونٍ كثيرةٍ سلفت ومضت من لدن آدم إلى اليوم، تنظر إلى هذا التاريخ البشري الطويل: دولٌ وشعوبٌ وأفرادٌ كلها أصبحت تحت التراب، وهي تنتظر نهايتها، فهي تؤمن بأنه ليس أمامها إلا إحدى الدارين: إما نعيمٌ أبدي، وإما عقاب سرمدي.
فمن صميم عقيدة المرأة أنها تؤمن بالجنة والنار، وأن الجنة دار المؤمنين الطائعين القانتين، وأن النار دار الكافرين المجرمين الفاسقين، فهي في كل لحظة، وفي كل خطوة، وكلمة تسعى إلى أن تحقق بنفسها هذا الخير العظيم بأن تكون من أهل الجنة، هذه الجنة التي يقول الله سبحانه وتعالى عنها: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21] هذا في سورة الحديد، وأما في سورة آل عمران فقوله: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
اقرءوا إن شئتم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى منادٍ: أن يا أهل الجنة! إن لكم أن تحيَوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً).
إنها تؤمن بهذه الجنة، ولذا فهي توَّاقة كل وقت إلى بلوغ هذه الجنة، لا يغيب عنها هذا المعنى، وتفكيرها وهاجسها في الليل والنهار، والسر والجهر في هذه الجنة، ومرضاة الله سبحانه وتعالى، ولذا فهي مشغولةٌ ومشغوفةٌ بالعمل والاستعداد لهذه الدار.
إنها تخشى عقاب الله، وتخاف ناره التي قال الله سبحانه وتعالى عنها: وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ [الكهف:29].
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ناركم هذه التي توقدون جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله! إنها لكافية -أي: هذه النار التي بين أيدينا - فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: فكيف وقد فُضِّلت عليها نار جهنم بتسعةٍ وستين جزءاً كُلُّهُن مثل حرها).
إنها تشعر بالألم حينما تصيبها نار الغاز سهواً وهي تطبخ طعاماً، فتتذكر بهذا الألم ألم نار جهنم، وأن هذا الألم اليسير الذي أصابها من جراء هذه النار الدنيوية هو جزءٌ يسير جداً من ألم نار جهنم، ولذا فهي تتقي ربها، وتخشى عقابه، وتتخلص من كل ذنبٍ يكون سبباً في دخولها النار.
إنها تحفظ لسانها عن أن تتكلم بما حرم الله من الاستهزاء بهذا الدين، أو بشيءٍ مما جاء به، أو الاستهزاء بالمؤمنين، أو الغيبة، أو غير ذلك؛ لأنها تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالاً يهوي بها سبعين خريفاً في جهنم).
تسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (وهل يكبُّ الناسَ في النار على مناخرهم -أو قال: على وجوههم- إلا حصائدُ ألسنتهم؟!) لذا فهي تحفظ لسانها عن أن تتكلم بما حرم الله، وتحفظ سمعها عن أن تستمع إلى ما حرم الله، وتحفظ بصرها عن أن تنظر إلى ما حرم الله، وتحفظ فرجها عن أن تقارف ما حرم الله خشيةً من عقاب الله، ورجاءً في ثواب الله سبحانه وتعالى.
والله تعالى لا يهب السعادة لمن بارزه بالمعصية، وحاربه بسلوك طريق الغواية، إنما يهبها لمَن أطاعه وتقرب إليه بما يرضيه.
إنها تؤمن إيماناً لا شك فيه أن كل معصية وإن صغرت تباعِدُها من طريق السعادة، وأن كل طاعةٍ مهما صغرت تقربها من السعادة، ذلك أنها تقرأ قول الله سبحانه وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].
إنها تقرأ قول الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً [الطلاق:2-3].
إنها تقرأ قول الله عز وجل: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].
ولهذا فمهما ضاقت عليها الدنيا بأسرها، ومهما واجهت من صعوباتٍ وشدائد؛ فإنها تؤمن بأن الله تعالى لا بد أن يحقق لها من أمرها فرجاً، وأن ييسر لها أمرها طالما أنها التزمت بتقوى الله عز وجل، وقامت بما يجب عليها.
وتؤمن بأنها مهما وجدت من لذةٍ وراحةٍ وأنسٍ في سلوك طريق الانحراف، سواءً بمشاهدة ما حرم الله، أو الاستماع إليه أو مقارفته، أن ذلك لا يعدو أن يكون تلَذُّذاً وقتياً تعقبه الحسرات، والندامات والعقوبات.
تفنى اللذاة ممن نال صفوتها>>>>>مِن الحرام ويبقى الإثمُ والعارُ
تبقى عواقبُ سوءٍ في مغبتها>>>>>لا خير في لذةٍ مِن بعدها النارُ
إنها تؤمن بأن اللذة التي تجدها مشوبةٌ بالسم الفتاك.
إنها تؤمن بأن المعصية وإن لاح لها بريقُها وطعمُها، إلا أن في داخلها السم الزعاف، الفتاك المهلك، كما أن مرارة الطاعة ومشقتها كمرارة الدواء الذي يتناوله الإنسان بطوعه واختياره لعلمه؛ بأن عاقبته العافية والصحة والسلامة، فهي تصبر على مرارة الطاعة ومشقتها لما لها من العاقبة الحميدة في الدنيا قبل الآخرة، وتصبر عن لذة المعصية لما ترى خلالها من السموم الفتاكة المهلكة.
إنها تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يعاقب مَن عصاه في الدنيا قبل الآخرة، وتعلم أن أشقى الناس هم العصاة، ذلك أنها تقرأ قول الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي [طه:124] أي: عن كتابي، قراءةً، وتعلُّماً، وعملاً، وتطبيقاً، وعلى قدر الإعراض عن هذا القرآن، والعمل به، فإن الإنسان يصيبه من الضنك والضيق بقدر ذلك.
إنها تقرأ قول الله عز وجل: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125].
ولهذا فإن الواقع يشهد بذلك، فها نحن نرى الكفار مع ما أغدق الله عليهم من رفاهية الدنيا، وكثرة الأموال، وحسن الطبيعة، والحرية المطلقة التي أتاحوها لأنفسهم في الأخذ من الشهوات كما يريدون من غير ضابط، ولا خلق، ولا دين، ومع ذلك يعيشون أشقى الخلق، حتى إن نسبة الانتحار لديهم تتفاقم وتزداد يوماً بعد يوم، فها هي بلدة السويد وهي من أثرى بلاد العالم، وفيها رَغَدُ العيش، ودخل الفرد فيها أكبر من دخل أي فرد في العالم، ومع ذلك نسبة الانتحار فيها أكبر من أي نسبة للانتحار في العالم، وهناك دراساتٌ أوروبية تعكف على التعرف على أسهل السبل وأيسر الطرق للتخلص من الحياة للراغبين في ذلك، وهم عندهم كثير، وفي الصين -خلال ست سنوات فقط- عدد الذين انتحروا من الرجال والنساء مليونا شخص. إن هذا مؤشر على القلق والضيق الذي يعيشونه في أنفسهم.
نعم، أخذوا من الشهوات ما يريدون، وتعاطوا ما يريدون، وفعلوا ما يريدون، وتحقق لهم كل شيء من الناحية المادية الشكلية؛ لكن السعادة تنبع من داخل الإنسان لا من خارجه، فليست مكتسبةً من الخارج، وإنما هي مكتسبة من داخل الإنسان، فمتى ما سعد الإنسان في داخله عاش عيشةً رضيةً هنيئة، ومتى ما شقي في داخله فلا تزيده الماديات والشهوات إلا شقاءً إلى شقاء.
وقَعَ في كتابٌ اسمه: لماذا انتحر هؤلاء؟ هذا الكتاب تضمَّن العديد من الشخصيات اللامعة البارزة من الرجال والنساء على مستوى العالم.
فمنهم: أصحاب رءوس الأموال الطائلة.
ومنهم: أصحاب الأسماء اللامعة من أصحاب القَدَم الرياضية -كما يقولون-.
أو البارزون في الفن، والطرب، أو البارزات في الرقص، والتمثيل، والغناء.
جميعهم ممن تتصدر صورهم وأسماؤهم وأخبارهم الصحف العالمية وأجهزة الإعلام، ترمقهم الأعين، وتشير إليهم الأصابع، وتتطلع إلى ما عندهم الأفئدة، ومع ذلك كانت نهاية أولئك الانتحار.
فهذه الفنانة ترمي بنفسها في البحر حتى الموت.
وتلك ترمي نفسها بمسدسٍ فتموت.
وثالث يصعد إلى مكانٍ مرتفع فيرمي بنفسه منه.
ورابع يتعاطى السم المهلك فيموت.
مع أن أولئك هم المثل الأعلى لدى الكثيرين والكثيرات من السذج والساذجات، إنهم ممن تحتفظ بعض الفتيات بصورهم، وتتابع أخبارهم، فها هي أخبارهم تنبيك عن حقائقهم، أخبارهم أنهم ضاقوا بالحياة ذرعاً، فلم تحقق لهم الشهرة كسباً، ولم تحقق لهم سعادةً ولم تجلب لهم الأموال ولا الشهوات السعادة، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، فكانت النتيجة هي: الانتحار والتخلص من الحياة، وما أدراك ما بعد هذا الانتحار من عقوباتٍ ربانية لا تتناهى!
الإخلاص.
والمتابعة؛ أن تأتي بالعبادة على وفق ما جاء في الشرع.
أما الإخلاص فهو: أن تعمل الطاعة تريد بذلك وجه الله عز وجل، فتتكلم بالكلمة، وتفعل العبادة، وتصلي الصلاة، وتنفق النفقة، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، كل ذلك تريد به وجه الله عز وجل، لا تلتمس به ثناءً، ولا شكوراً، ولا مَحْمَدةً، ولا شهرةً، ولا مالاً، وإنما تجرِّد القصد لله رب العالمين، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتُغِي به وجهه).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله سبحانه: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، مَن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركتُه وشركه) وفي لفظٍ: (فأنا منه بريء، وهو للذي أشركني).
وتسمع الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم في الثلاثة الذين هم خير الناس من حيث الصورة والظاهر، وهم: رجل جاهد وقاتل في المعركة حتى قُتِل، وثانٍ: تعلم القرآن وعلَّمه، وتعلم العلم وعلَّمه، وثالث: أنفق الأموال الطائلة في سبيل الله عز وجل، ومع ذلك كل هؤلاء لم تنفعهم هذه الأعمال، بل رُدَّت عليهم، بل عوقبوا عليها بالنار، لما خلت مِن لُبِّها وروحها، فإن الأول إنما جاهد ليقال: هو جريء، والثاني إنما تعلم وعلَّم ليقال: هو عالم، والثالث إنما أنفق ليقال: هو جواد، فقد قيل فكانت هذه الأعمال على حسنها من حيث الصورة والظاهر، وعلى ضخامتها مردودةً على أصحابها، بل ومتوعدون عليها بنار جهنم والعياذ بالله.
فهذا يدعو المؤمنة إلى أن تصحح قصدها، وتجرد غايتها في كل عملٍ تعمله، وفي كل قربةٍ تتقرب بها إلى الله بأنها لا تريد بها إلا وجه الله سبحانه وتعالى.
وأما الأمر الثاني وهو: المتابعة: فهي تشعر بأنه لا بد من أن تتعلم العلم الشرعي حتى تأتي بالعبادة على وجهها، ولذا فهي تقرأ في كتب العلم، وتدرس العلوم الشرعية، وتسأل أهل العلم عما يُشْكِل عليها، ولا يُخالِجُها الخجل أو الحياء من أن تسأل عما تحتاج إليه في دينها، ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: [نِعْمَ النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين].
وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسلٍ إذا هي احتلمت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا هي رأت الماء) فبيَّن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة كالرجل إذا احتلمت في منامها فإن استيقظت فوجدت ماءً فإن عليها الغسل، وإن لم تجد ماءً -أي: رطوبة المني- فإنه لا غسل عليها، ولو وجدت الماء ولو لم تتذكر احتلاماً فإن عليها الغسل.
إذاً: العبرة بخروج هذا الماء منها بعد استيقاظها إذا رأت ذلك، فإن عليها الغسل، ولو لم تتذكر احتلامها، وإن لم تجد هذا الماء فلا غسل عليها ولو تذكرت احتلامها.
ومحل الشاهد من الحديث أن هذه المرأة الصحابية الجليلة لم يمنعها الحياء من أن تسأل عن دينها، ولذلك قالت في بداية كلامها: (يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة من غسلٍ إذا هي احتلمت؟) مع الأسف أنك تجد كثيراً من النساء لا تستحيي من رجل الشارع أن تحدثه في البيع والشراء، وتماكسه، وتكاسره، وإذا جاءت إلى مسألةٍ شرعية تقول: أستحي أن أتصل هاتفياً بأحد طلبة العلم أسأله عن شيءٍ يتعلق بالدين، هذه مفارقةٌ عجيبة؛ أنها لا تستحي من أن تتكلم مع رجل الشارع وهي تواجهه وجهاً لوجه، وتماكسه، ولا تخجل، وإذا جاء أمر الدين قالت: أستحي أن أتصل فأسأل عن أمر ديني.
ولهذا فإني أرشد إلى أن تحرص المرأة على أن يكون لديها أرقام هواتف العلماء والمشايخ لتتصل بهم عما يشكل عليها في دينها، وطهارتها، وصلاتها، وعبادتها، كما عليها أن تقرأ في كتب العلم والدين؛ لتتفقه في دينها، وسأذكر طائفة يسيرة من الكتب في الفنون الشرعية ما يكون معيناً للفتاة في التفقه في الدين:
هناك تفسير للشيخ عبد الرحمن السعدي ، تفسير سهل ويسير وواضح، وهو: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ، وهذا الكتاب طبع طبعات متعددة؛ ومنها طبعة طبع على حواشي المصحف -أي: في مجلدٍ واحد- وهناك طبعة في مجلدين، وهناك طبعة في خمسة مجلدات، وهناك طبعة في سبعة مجلدات؛ لكن هناك طبعة مع المصحف في مجلدٍ واحد.
وهناك تفسير أبي بكر الجزائري ، واسمه: أيسر التفاسير ، تفسير سهل في معاني الكلمات، والشرح الإجمالي في الآيات، وذكر الفوائد والأحكام المأخوذة من الآية، وهو كتاب طيب وسهل.
- وفي كتب السنة النبوية:
هناك كتاب: الجامع بين الصحيحين ؛ لـصالح بن أحمد الشامي ، ويقع في أربعة مجلدات، وهو كتابٌ قيمٌ وطيب، جمع فيه بين كتابين هما أصح الكتب بعد كتاب الله، وهما: صحيح البخاري ، وصحيح مسلم .
وهناك كتاب: رياض الصالحين ، من أنفع الكتب وأنفسها، وأحقها بالقراءة، فأنصح الفتاة المسلمة أن يكون هذا الكتاب دائماً بين يديها تقلبه، وتنظر فيه، وتقرأ فيه، وتقرأ فيه على أهلها، ومع زميلاتها، وأن تترسم ما فيه من آداب وأخلاق وسنن، فإنه كتابٌ مباركٌ قيمٌ طيب.
- ومن كتب العقيدة أيضاً أرشد إلى كتابين:
الكتاب الأول: العقيدة الواسطية ؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية .
والكتاب الآخر: عقيدة المؤمن ؛ لـأبي بكر الجزائري .
- وفي الفقه أيضاً أرشد إلى بعض الكتب منها:
كتاب السلسبيل في معرفة الدليل ؛ للشيخ صالح البليهي .
وكتاب فقه السنة ؛ للسيد سابق .
وكتاب منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين؛ للشيخ عبد الرحمن السعدي.
- وفي السيرة النبوية أرشد إلى:
كتاب الرحيق المختوم في سيرة النبي المعصوم، وهو كتابٌ عظيم وطيب ومرتب وجامع، وهو للشيخ صفي الرحمن المباركفوري ، وهو كتابٌ قد فاز بالجائزة الأولى من بين أكثر من مائة وواحد وسبعين بحثاً، قُدِّمت لـمؤتمر الرابطة الإسلامية لعام: (1396هـ)، فكان صاحب هذا الكتاب هو الفائز الأول من بين الذين تقدموا بمثل هذا البحث، فكتاب الرحيق المختوم من أفضل ما كتب في السيرة النبوية، وهو مرتب وبأسلوبٍ جميل وكتابٌ جامع.
- وهناك من الكتب العامة:
كتاب شخصية المرأة المسلمة كما يصوغها القرآن والسنة المطهرة ؛ للدكتور محمد بن علي الهاشمي ، وهو كتاب جيد تحدَّث فيه عن علاقة المؤمنة بربها، وعلاقتها بوالديها، وزوجها، وضَرَّتها، وأقاربها، وجيرانها، ومع عموم المسلمين، وأمور كثيرة تناولها في هذا الكتاب، وهو كتابٌ قيمٌ أنصح باقتنائه وقراءته.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقني وإياكن لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا وإياكم جميعاً وإياكن من أهل الجنان، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.
اللهم إن تلك النسوة قد اجتمعن وأنصتن واستمعن، يلتمسن العلم النافع الذي ينفعهن في دينهن ودنياهن، ويلتمسن العفو والمغفرة، اللهم فحقق لهن ما أردن.
اللهم فاغفر لهن ذنوبهن، ويسر لهن أمورهن، واهدهن الصراط المستقيم، وحبب إليهن الإيمان وزينه في قلوبهن، وكره إليهن الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا وإياهن من الراشدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
أكرر الشكر والثناء لإدارة هذه الكلية، ولمركز الدعوة والإرشاد في مدينة الزلفي .
كما أني أشكر الأخوات الطالبات والمدرسات المحاضرات والإداريات على إتاحتهن الفرصة، وعلى إنصاتهن.
وأشكر الجميع.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
ولكم مني خالص الدعاء بالخير، ووافر الجزاء والثواب.
الجواب: وجود التبرم والتسخُّط من حال الإنسان وسلوكه هذا مؤشر خير، فبداية العلاج أن يحس الإنسان بالخطأ، وأنه بحاجة إلى التصحيح، والإصلاح.
فأنتِ بحمد الله، كونكِ تشعرين بالخطأ، وتبحثين عن العلاج فأبشري، ثم أبشري، واعلمي -إن شاء الله تعالى- أنكِ وضعتِ قدمكِ على الصراط المستقيم بإذن الله تعالى.
نعم، أنتِ بحاجة إلى مجاهدة وصبر؛ ولكن الله سبحانه وتعالى يقول: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن يتصبر يصبِّره الله، ومن يستغنِ يُغْنِه الله، ومن يستعفَّ يعفه الله) رواه البخاري.
فاعلمي أنكِ بالصبر والمجاهدة سيعينك رب العالمين، أنتِ تحتاجين إلى خطوات من الصبر حينئذٍ تتلقاكِ معونة الله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].
وأنتِ بحاجةٍ إلى الإكثار من التطوُّعات والنوافل، فإنها من أسباب حفظ الله تعالى للعبد، ومن أسباب تقوية الإيمان، ومن أسباب حفظ هذه الجوارح عن الاستماع أو النظر أو ممارسة ما حرم الله، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله سبحانه وتعالى: وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).
فأبشري أنكِ إذا أكثرتِ من النوافل فإن الله تعالى سيتولى بنفسه معونتكِ على غض البصر، وحفظ السمع، وحفظ الفرج، فإن الله تعالى يقول: (كنتُ سمعه الذي يسمع به) أي: كنتُ معه حافظاً له في سمعه، وفي بصره، وفي كل جارحة من جوارحه، ومسدداً، وميسراً، ومعيناً.
وعلى هذا فأنا أنصحكِ بالإكثار من التطوُّعات التي منها:
السنن الرواتب، وهي في اليوم والليلة اثنتا عشرة ركعة، أربع ركعات قبل صلاة الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من حافظ على ذلك بنى الله له بيتاً في الجنة).
- وأنصحكِ أيضاً بسنة الضحى، وقد ثبت في صحيح مسلم أنها تعدل ثلاثمائة وستين صدقة، فالتي تصلي سنة الضحى ركعتين فإنه يُحْتَسب لها ذلك بثلاثمائة وستين صدقة، والحمد لله الفرصة موجودة، فإن وقت سنة الضحى طويل جداً، يبتدئ وقتها من بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح -أي: بعد طلوع الشمس بنحو اثنتي عشرة دقيقة إلى ربع ساعة- ثم يمتد هذا الوقت إلى قبل أذان الظهر بنحو عشر دقائق، فكل هذا الوقت يتسع لسنة الضحى، فيستطيع ذلك الرجل والمرأة، وسواءً كان موظفاً أو طالباً أو معلماً، وتستطيع الطالبة أن تصلي هذه السنة بين المحاضرات، وكذلك المعلمة، وكلٌّ بمستطاعه أن يأتي بهذه السنة؛ لأن وقتها متسِّع بحمد الله عز وجل.
- كذلك تحافظين على أذكار الصباح والمساء، فإن الأذكار حصانة من الشيطان، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال في يومٍ مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيءٍ قدير؛ كتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكان في حرزٍ من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، وكانت له عدل عشر رقاب، ولم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به، إلا رجلٌ قال مثلما قال، أو زاد على ما قال) فلاحظي قوله: (وكان في حرزٍ من الشيطان) فالذكر حرز من الشيطان، ولذلك ورد عند الترمذي من حديث الحارث الأشعري يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وآمركم بذكر الله كثيراً، فإن مَثَل ذلك كمَثَل رجلٍ سار العدو في أثره سراعاً، فوجد حصناً، فدخله، فأحصن نفسه منه، فكذلك العبد لا يحصِّن نفسه من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل) فهذا الذكر حصانة من الشيطان، ومحافظة على العبد.
وهناك بحمد الله كتيبات كثيرة في الأذكار مؤلفة، منها:
كتاب الأذكار؛ للنووي .
وكتاب الكلم الطيب ؛ لشيخ الإسلام ابن تيمية .
وصحيح الكلم الطيب ؛ للألباني .
وكتاب الوابل الصيِّب ؛ لـابن القيم .
وهناك كتاب حصن المسلم ؛ للقحطاني ، وهو كتيب صغير.
وهناك -بحمد لله- بطاقات كُتِبَت فيها أذكار الصباح والمساء.
وكتيبات صغيرة فيها أذكار الصباح والمساء منها: كتاب أذكار طرفي النهار ؛ لـبكر بن عبد الله أبو زيد ، وهي موجودة لدى مركز الدعوة والإرشاد بـالزلفي ، وتوزع مجاناً لمن يريدها.
والمهم أنني أنصح أنه لا يُسَوِّل لكِ الشيطان أنكِ عاجزة عن التصحيح والإصلاح، بل استمري وجاهدي واعلمي أنكِ ستُعانين بإذن الله عز وجل، ومهما تكرر الخطأ فإنه تُكَرَّر معه التوبة، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).
بل قول الله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً [النساء:110].
هذا دليل على أن العبد يطالب بالاستغفار كلما تكرر منه الذنب، فإنه يستغفر الله ويتوب إليه، فيتوب الله عليه، وفي الحديث الذي رواه مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله سبحانه وتعالى: يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم).
الجواب: أما الرؤية فلا مانع من أن ترى خطيبها ويراها، إذا كانا عازمَين على النكاح، والموافقة متحقِّقَة؛ لكن بشرط عدم الخلوة، فلا يجوز أن يخلو بها؛ لأنها امرأة أجنبية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأة إلا ومعها ذو محرم) فهي أجنبية عنه، وهو أجنبيٌ عنها، فلا يجوز أن يخلو بها، ولا أن تركب معه، بل ولا يجوز أن تتحدث معه، ولا عبر الهاتف في غير ما حاجة، فهو أجنبي، وطالما أنه لم يعقد عليها فإنها هي وامرأة الشارع سواء؛ لكن الرؤية تجوز لأجل أن يطمئن كل شخصٍ على صاحبه، وأحرى أن يؤدَمَ بينهما، وأن تأتلف قلوبُهما؛ لكن بحضرة محرم، ومن غير إطالةٍ أيضاً.
الجواب: الذي يدفع هذا التشاؤم هو التوكل على الله عز وجل، والإيمان بقضاء الله وقدره، فعلى قدر الإيمان، والتوكل على الله عز وجل، والإيمان بقضاء الله وقدره يزول عن النفس التشاؤم، ويكون الإنسان مستشعراً أن كل أحواله على خير، فإذا سمعتِ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له، إن أصابته سراء شكر، فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر، فكان خيراً له، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن) حينئذٍ يزول من القلب القلق والتشاؤم، وحينئذٍ تفسِّرين كل ما يصيبك -ولو كان مكروهاً إلى النفس- على أنه خيرٌ لكِ.
فأقول: إن سبب هذا التشاؤم هو الغفلة عن اعتقاد أن كل شيءٍ يجري بقضاء الله وقدره؛ لكن متى ما آمنتِ بأن كل ما يجري هو بقضاء الله وقدره، وأن كل قضاء الله في حق المؤمن والمؤمنة خير له، دعاكِ ذلك إلى زوال التشاؤم، وإلى اطمئنان القلب، وانشراح الصدر، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في سورة التغابن: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11].
قال علقمة : [هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم].
فعلى قدر رضا العبد بقضاء الله وقدره ينشرح صدره، وتزول منه الوساوس ويزول منه التشاؤم.
الجواب: مع الأسف الشديد أن يكون موجوداً بين أيدي بعض الفتيات رواياتٍ هابطة، قد أتت من خارج هذه البلاد تتحدث عن العشق والغرام والهيام، وعن مغامراتٍ في الحب، وتتحدث عن الحب قبل الزواج، وأنه طريقٌ إلى النجاح، وكل ذلك على النقيض مما قَصَدَ أصحاب تلك الروايات.
إنه مع الأسف أن تُتَداوَل مثل هذه الروايات، وأن توجَد بين بعض الطالبات، ومع الأسف أن بعض الطالبات لا تكتفي بجلب الشر إلى نفسها، بل تسعى حاملةً راية الشر إلى غيرها، فتكون من دعاة الضلالة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه من غير أن ينقص من آثامهم شيء).
هذه الروايات من المعلوم أنها تتحدث عن مجتمعات غير مجتمعاتنا، تتحدث عن مجتمعات الكفر والضلال، وعن مجتمعات لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا يغبطها خلقٌ، ولا دين، ولا فضيلة، فكيف تتيح الفتاة المسلمة لنفسها أن تقرأ مثل هذه الأشياء؟!
إن من الطبيعي جداً أن تتأثر الفتاة بما تقرأ من هذه الروايات الهابطة، وأن توجِّه مسيرتها، بل أن تهز قناعتها بهذا الدين، وأن تؤثر في عقيدتها فضلاً عن تأثيرها في سلوكها.
وعلى هذا فإن قراءة الروايات المتضمنة مثل هذه الأشياء حرام، وتوزيعها حرام، وتداولها حرام.
الجواب: لا يجوز إهداء الموظف إلى رئيسه، ولا الطالبة إلى معلمتها، ولا المريض إلى طبيبه، ولا الرجل إلى مَن يعمل عنده، فإن هذه الهدية غير جائزة، ذلك لأن لها أثراً في نفس المهدى إليه، فربما يتنازل عن شيءٍ في قلبه نحو مَن أهدى إليه، وربما يضيق ويشدد على مَن لم يُهْدِ إليه.
ولهذا سئل الشيخ محمد بن عثيمين في سؤال على الهاتف قبل أيام عن الإهداء إلى الطبيب، أو المعلم، أو العامل، فحَكَمَ بأنه لا يجوز ذلك الإهداء، طالما أنكِ طالبة عند هذه المعلمة، أو أنكَ موظف عند هذا المسئول فلا يجوز لك أن تهدي إليه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً يجمع الزكاة، فقال الرجل: (هذا أهدي إليَّ، وهذا لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بال الرجل نستعمله على كذا وكذا، ثم يأتي ويقول: هذا أهدي إليَّ وهذا لكم، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهْدَى له أم لا؟).
فهذه المعلمة لو لم تكن معلمة لكِ وإنما هي معلمة في مدرسة أخرى ولا علاقة لكِ بها، فلا مانع من أن تهدي إليها؛ لكن أن تهدي إليها وهي معلمة لكِ، وما زالت معلمة لكِ، فإن هذا فيه ما فيه، وفيه تأثير في قلب هذه المعلمة نحوكِ، ونحو مَن لَمْ يُهْدِ إليها مِن غيركِ.
وعلى هذا فلا تصنعي شيئاً من ذلك.
الجواب: لعل هذا سببه الجهل، وإن شاء الله تعالى تكفي فيه التوبة.
الجواب: هذا ما أرجوه؛ أن تكون القلوب مفتوحة، والآذان صاغية، وهذا بإذن الله تعالى هو الظن الذي في محله إن شاء الله تعالى.
العباءة أيتها الأخوات! ماذا يُقْصَد بها؟
هل يُقْصَد بها ستر الزينة، أو إظهارها؟
الجواب معلوم، وهو أن العباءة يُقْصَد بها ستر الزينة والمفاتن.
فإذا خرجت عن هذا القصد وصارت في نفسها زينة، وسبباً في إظهار الفتنة، فحينئذٍ صارت من وسائل الزينة التي يجب المنع منها.
وعلى هذا فكل عباءةٍ تكون سبباً في لفت النظر إلى المرأة، أو إظهار شيءٍ من مفاتنها فإنه لا يسعها أن تلبس هذه العباءة، وإنما تلبس ما يكون ساتراً لها، وهذه قاعدة عامة؛ وهي: أن كل عباءةٍ إنما يُقْصَد بها ستر الزينة والمفاتن، فمتى ما كانت زينة في نفسها أو سبباً في إظهار المفاتن فإنه يُمْنَع منها.
الجواب: الحقيقة أنه من بدع هذا الزمان ما ظهر مما يسمى بظاهرة الإعجاب بين الفتيات، فتتعلق الطالبة بإحدى زميلاتها بمحبةٍ مفرطة، فتحاكي مَن أُعْجِبَت بها في كل شيء، في مشيتها، وفي شكلها، وفي ملبسها، وفي سلوكها، حتى ربما تحاكيها في أمورٍ محرمة، فإن شدة إعجابها بها تجعلها لا تفرق بين الحق والباطل، والحسن والسيئ، فهي لشدة الإعجاب تحب أن تحاكيها وتقلدها في كل شأن من شئونها، وكما أشرتُ قد تتابعها على أشياء محرمة، وهذه لا شك مفسدة كبيرة.
كذلك ربما يترتب على ذلك إضاعة الأوقات بتتبع أخبار هذه المرأة، والاتصال عليها، والسؤال عنها، والجلوس معها، وهكذا.. فكم تضيع من أوقات بسبب هذا الإعجاب المزعوم!
أيضاً قد تضايق -في الحقيقة- الفتاةُ المعجبة مَن أعجبت بها، فبسبب ملاحقتها لها بنظراتها، ومتابعتها، والسؤال عنها، وكثرة الاتصال بها، قد تنزعج، وتتضايق وتتبرم، وفي هذا أذية للآخرين.
كذلك قد تصاب المرأة -التي أُعْجِبَت الأخريات بها- بالإعجاب بنفسها، والإعجاب مرضٌ مهلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو لم تكونوا تذنبون لَخِفْتُ عليكم ما هو أشد منه؛ العُجْب! العُجْب!).
وقال: (ثلاثٌ مهلكات: شحٌ مُطاع، وهوىً مُتَّبَع، وإعجابُ المرء بنفسه) فربما تكوني سبباً في هلاك امرأةٍ بسبب إعجابكِ بها أن تُعْجَبَ هي بنفسها.
وعلى هذا فإني أقول: إن هذه الظاهرة ظاهرة سيئة، يجب التخلص منها في الحال، وألا تحاول الفتاة أن تقنع نفسها أن هذا الحب حبٌ في الله -كما تزعم بعض الفتيات- وأعطيكِ دليلاً على أنه ليس حباً في الله: أنكِ تتعلقين بمعلمة من المعلمات وتزعمين أنه لديانتها، وخُلُقها، واستقامتها، وربما يكون في نفس المدرسة معلمة أخرى مثلها في التدين، ومثلها في الخُلُق، أو أفضل منها، ومع ذلك أنتِ لا تتعلقي بها، ولم تحبيها كمحبتكِ لهذه الإنسانة مما يدل على أن هذه المحبة ليست محبةً طبيعية، أو محبةً شرعية، وإنما محبةً عاطفية ممقوتة.
وربما -والعياذ بالله- يترتب على هذه المحبة، أو الإعجاب بين الفتيات حصول بعض الأخطاء الأخلاقية كالسحاق، ونحو ذلك من الأشياء التي قد تترتب على هذا الإعجاب.
ولهذا فيجب محاربة هذه الظاهرة، وأن تنعتق الفتاة من هذا المرض العضال، وتخلِّص نفسها منه، وتسعى في ملء وقتها بالنافع المفيد، وكما قال أحد السلف: الوقت سيفٌ إن قطعته وإلا قطعك، ونفسك إن شَغَلْتَها بالحق وإلا شَغَلَتْك بالباطل.
كما أني أيضاً أنصح المعلمات أن يسعين إلى القضاء على هذه الظاهرة، وألا تمكِّن المعلمة طالباتها من المبالغة في التعلق بها، والإعجاب الشديد الذي يخرج عن حد الاعتدال، نعم أنا أقول للمعلمة: ينبغي أن تتودد إلى الطالبة، وأن تتحبب إليها، وتحاول التأثير عليها؛ لكن أن يصل الأمر إلى أن تتيح لها الفرصة أن تتعلق بها إلى حد الهيام والإعجاب فهذا خطأ.
ولهذا أنا أحمل جزءاً من المسئولية بعض المعلمات اللاتي يتساهلن في هذا الجانب.
أسأل الله تعالى لي ولكن التوفيق والسداد، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
أكرر الشكر، والثناء، والدعاء لجميع الأخوات من إدارياتٍ، ومحاضرات، وطالبات، أكرر الشكر، والدعاء بالتوفيق، والهداية، والسعادة في الدنيا والآخرة للجميع.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , جوانب من عقيدة المرأة المسلمة للشيخ : عبد الله بن علي الجعيثن
https://audio.islamweb.net