إسلام ويب

لقد أصبحت قضية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية من القضايا المهملة في حساب كثير من المنتسبين إلى الإسلام في عصرنا الحاضر، مما جعل كثيراً منهم يضع يده في أيدي الكفار، ويمنحهم غاية الحب والمودة والمناصرة. لذلك أصبحت حاجة المسلمين اليوم إلى أن يعودوا إلى رشدهم، وأن يحققوا الموالاة بينهم، والمعاداة مع أعدائهم أكثر من ذي قبل، حيث تداعت عليهم قوى الكفر والظلم والطغيان من كل حدب وصوب.

ضرورة الاهتمام بعقيدة الولاء والبراء

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن قضية الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية، وإن شئت فقل: الولاء والبراء قد أصبحت من القضايا المهملة في حساب كثيرٍ من المنتسبين إلى الإسلام في عصرنا الحاضر، شحاً في الدنيا وطمعاً بالعرض الفاني، أو ظناً منهم أن تلك القضية ليست من قضايا العقيدة والعبادة.

لذلك وضع كثير منهم أيديهم في أيدي الكفار، ومنحوهم غاية الحب والمودة والمناصرة، ودافعوا عنهم بأموالهم وألسنتهم، في الوقت الذي خذلوا فيه أهل الإسلام، وأذاقوهم ألواناً من العذاب.

ولذلك فإن حاجة المسلمين اليوم إلى أن يعودوا إلى رشدهم، وأن يحققوا الموالاة بينهم والمعاداة مع أعدائهم أكثر منها من قبل، حيث تداعت عليهم قوى الكفر والظلم والطغيان من كل حدبٍ وصوب، وتنادى الجميع للقضاء على هذا الدين بوسائلهم المختلفة، تحت غطاء حرب الإرهاب، أو التطرف والغلو.

ولن يقف في وجه هذا التحالف الصليبي المتواطئ مع المرتدين والمنافقين، ورعاع البشر من سفهاء المسلمين، سوى تلاحم المسلمين واتحادهم، وتناصرهم على ما جاء في محكم التنـزيل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ [الصف:4] وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وجاء في الصحيحين وغيرهما من طريق زكريا، عن الشعبي، عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) وفي رواية عند مسلم في صحيحه : (المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله) وروى البخاري ومسلم من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).

وحيث إن هذا الموضوع كبير القدر، عظيم الأمر، ويحتاج إلى دروسٍ كثيرة ومحاضرات متعددة، وواقع المسلمين ملحٌ ببيان هذا الأمر وتجليته، والصدع به في دنيا الواقع.

وفي نفس الوقت يتعذر الحديث عن كل مسائل هذا الباب، فإنني في هذه الجلسة، وهذا اللقاء القصير، أشير إلى أصولٍ مهمةٍ في هذا الباب، وكلمات ضرورة المعرفة، فإن هذا الباب متعلقٌ بالتوحيد، وهو من أهم أبوابه، وقد قال بعض العلماء: "ليس في كتاب الله تعالى حكمٌ فيه من الأدلة أكثر ولا أبين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده".

عقيدة التوحيد وأثرها

قد خلق الله الخلق، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، لعبادته وتوحيده، قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] قال ابن عباس وطائفة من المفسرين: إلا ليوحدون، وقال جماعة: إلا لآمرهم وأنهاهم، وأعظم الأوامر هو الأمر بالتوحيد، وأعظم النواهي هو النهي عن الشرك.

ولهذا كان أول أمر في القرآن على حسب ترتيب السور هو الأمر بالتوحيد، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] وأول نهي في القرآن على حسب ترتيب السور في المصحف المعروف هو النهي عن الشرك، فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22] وقال سبحانه: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

وقد بُعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمةٍ كانت تعيش في جاهلية وضلالةٍ عمياء، الشرك دينها، والأوثان أربابها وسادتها، فجاءهم بالتوحيد الخالص، ونهاهم عن الشرك بأنواعه وأجناسه.

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا أبو النضر، قال: حدثنا شيبان النحوي، عن أشعث بن أبي الشعثاء قال: حدثني شيخٌ من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوق ذي المجاز يتخللها، يقول: (أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) وهذا سنده صحيح.

وهذه الكلمة هي التي قامت بها الأرض والسماوات، وفطر الله عليها جميع المخلوقات، وعليها أسست الملة، ونصبت القبلة، وجرِّدت سيوف الجهاد، وهي محض حق الله على جميع العباد، وهي الكلمة العاصمة للدم والمال والذرية في هذه الدار، والمنجية من عذاب القبر وعذاب النار، وهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، وبها انقسم الناس إلى شقيٍ وسعيد، ومقبولٍ وطريد، وبها انفصل دار الكفر عن دار الإسلام، وتميزت دار النعيم من دار الشقاء والهوان.

وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل دعوة الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك أذىً كثيراً، فصبر وصابر، حتى أتم الله نوره، ونصر عبده، وهزم عدوه، ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فقد جاء في مسند الإمام أحمد بسندٍ صحيح من طريق حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد أوذيت في الله وما يُؤذى أحد، وأخفت في الله وما يُخاف أحد، ولقد أتت عليَّ ثلاث ما بين يومٍ وليلة، وما لي ولعيالي طعام إلا ما يواري إبط بلال).

وحين عرف الصحابة رضي الله عنهم الجاهلية ثم عرفوا الإسلام، خرجوا نتيجةً للتربية القرآنية، والعناية النبوية، وهم أعظم جيل عرفه التاريخ، وكان الشخص منهم إذا دخل في الإسلام خلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية، وانتقل من عالمٍ مظلم، وتصورٍ قاصر، ومفاهيم كليلة، وعبوديةٍ للشجر والحجر والعبيد، إلى حياةٍ رحبة فسيحة، إلى عبودية الله، والانقياد لأمره ونهيه.

إن سر النجاح، وسر تلك العظمة، هو نقطة البدء التي بدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي كلمة: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) هذه الكلمة التي مزقت كل رابطةٍ، وأهدرت كل وشيجةٍ، إلا وشيجة العقيدة، ورابطة الحب في الله، والمؤاخاة الإيمانية، التي يتهاوى دونها كل لون، أو لغة، أو عرفٍ، أو ترابٍ، أو إقليمٍ، أو حرفة، أو جنسٍ.

إن رابطة الإسلام تغنينا عن جميع الروابط الجاهلية، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات:13].

علاقة التوحيد بالولاء والبراء

فمن أجل ذلك جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الأخوة في الله هي الأساس والرابطة، التي جمع عليها أفئدة أصحابه، حيث إن العقيدة الإسلامية التي جاء بها من عند الله، تضع الناس كلهم في مقام العبودية لله دون أي اعتبار لفارق اللون، أو الوطن، أو النسب، أو غير ذلك من الفوارق القائمة في المجتمعات الجاهلية.

وقد جاء في سنن أبي داود من طريق ابن وهب، عن هشام بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أذهب عنكم عُبِّية الجاهلية، وفخرها بالآباء، مؤمنٌ تقي، وفاجرٌ شقي، أنتم بنو آدم وآدم من تراب، ليدعن رجالٌ فخرهم بأقوامهم إنما هم فحمٌ من فحم جهنم، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن) أي: الرائحة الكريهة، وعبية: أي العصبية.

وقد جاء في مسند الإمام أحمد من طريق إسماعيل حدثنا سعيد الجريري ، عن أبي نضرة ، حدثني من سمع خطبةً النبي صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق، فقال: (أيها الناس! ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلَّغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم) وإسناده جيد، والذي قبله يتقوى به.

وقد أدرك الصحابة رضي الله عنهم أن التآخي في الله، ليس مجرد شعارٍ في كلمةٍ يجرونها على ألسنتهم، وتتناقلها أفواههم، وإنما هو حقيقة عملية يتصل بواقع الحياة، وبكل أوجه العلاقات القائمة من تعاونٍ، وتناصرٍ، وتناصحٍ، وإيثارٍ، ومحبة.

والأدلة على هذا كثيرة والأمثلة متعددة، قال تعالى: وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [الحشر:9] قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: [كان أحدهم يشق إزاره لأخيه مناصفةً بينهما] وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا يزيد، أخبرنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قال المهاجرون: يا رسول الله! ما رأينا مثل قومٍ قدمنا عليهم أحسن مواساة في قليل، ولا أحسن بذلاً في كثير، لقد كفونا المئونة، وأشركونا في المهنة، حتى لقد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله، قال: لا، ما أثنيتم عليهم، ودعوتم الله عز وجل لهم) ورواته ثقات.

وإن من لوازم الإيمان بالله: الحب في الله.

والحب في الله يورث الموالاة والمناصرة، وهذا فرضٌ على كل مسلم، فإن: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يسلمه) ويجب عليه القيام بحقه، وحفظه في حضرته وغيبته، وقد قال البراء بن عازب رضي الله عنه: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع، ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصرة المظلوم، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام) وهذا الحديث متفقٌ على صحته.

وهذه الأمور من أسباب تحقيق الموالاة في الله، وتقوية أواصر المحبة بين المسلمين.

فالبدار! البدار! في تطبيقها في واقع الحياة.

أقسام الناس في الولاء والبراء

من جميل كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنه قال: "والمؤمن عليه أن يعادي في الله، ويوالي في الله، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه، فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية، قال تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الحجرات:9].. وقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] فجعلهم إخوةً مع وجود القتال والبغي وأمر بالإصلاح بينهم.

وليعلم أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك، فإن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه، والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه، والعقاب لأعدائه.

وإن اجتمع في الرجل الواحد خيرٌ وشر، وفجورٌ وطاعة، وسنةٌ وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم، فلم يجعلوا الناس إلا مستحقاً للثواب فقط، أو مستحقاً للعقاب فقط، وأهل السنة يقولون: إن الله يعذب بالنار من أهل الكبائر من يعذبه، ثم يخرجه منها بشفاعة من يأذن له في الشفاعة بفضله ورحمته، كما استفاضت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم".

ويمكن تقسيم الناس في باب الحب والبغض والولاء والبراء إلى ثلاثة أقسام:

من يحب جملة

الأول: من يحب جملة، وهو من آمن بالله ورسله، وقام بوظائف الإسلام، ومبانيه العظام علماً وعملاً، وأخلص أعماله لله تعالى، وانقاد لأوامره، وانتهى عما نهى الله عنه، ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، وأحب في الله، وأبغض في الله، وقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد كائناً من كان، وأولى الناس بذلك بعد الرسل والأنبياء صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، فهم خير الناس للناس، وأفضل تابع لخير متبوع، وهم الذين فتحوا البلاد بالسنان، والقلوب بالإيمان.

ولم يعرف التاريخ البشري منذ بدايته تاريخاً أعظم من تاريخهم، ولا رجالاً دون الأنبياء أفضل منهم ولا أشجع، وحين ضن غيرهم بالنفس والمال، واستثقلوا مفارقة الأهل والولدان، استرخصوها في إقامة الدين، وتمكين الأمم والشعوب من العيش في أمنٍ ورغد تحت حكم الإسلام، فلا كان ولا يكون مثلهم، فهم غيظ الأعداء، وأهل الولاء والبراء، وأنصار الدين، ووزراء رسول رب العالمين.

وإن من الأمور الضرورية، والأصول المقررة في الإسلام حبهم، واعتقاد فضيلتهم وصدقهم، والترحم على صغيرهم وكبيرهم، وأولهم وآخرهم، وصيانة أعراضهم وحرماتهم، ومناصرتهم من ألسنة المجرمين وأقلام الحاقدين.

ويلي هؤلاء بالولاء والنصرة والمحبة أهل العلم من أهل السنة العاملون بعلمهم، المتقون لربهم، وهؤلاء ورثة الأنبياء، وأئمة الدين، والطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وليس معنى هذا عصمتهم أو تقليدهم مطلقاً، كلا. فهم بشر يخطئون ويصيبون، ولكن يجب إحسان الظن بهم، والتماس الأعذار لهم، دون إهدارٍ للنصوص، وتقديم قول الواحد منهم عليها لشبهة أنه أعلم بها منك، ومن عرض أقوال العلماء على النصوص، ووزنها بها، وخالف ما خالف النص، فإنه لم يؤثر أقوالهم، ولم يهضم جانبهم، بل اقتدى بهم، فإنهم كلهم أمروا بذلك، ومن جميل الشعر في هذا الباب:

وقول أعلام الهدى لا يعمل>>>>>بقولنا بدون نصٍ يقبل

فيه دليل الأخذ بالحديث>>>>>وذاك في القديم والحديث

قال أبو حنيفة الإمـام>>>>>لا ينبغي لمن له إسلام

أخذ بأقوالي حتى تعرض>>>>>على الحديث والكتاب المرتضى

و مالك إمام دار هجرة>>>>>قال وقد أشار نحو الحجرة

كل كلامٍ منه ذو قبول>>>>>ومنه مردود سوى الرسول

و الشافعي قال إن رأيتم>>>>>قولي مخالفاً لما رويتم

من الحديث فاضربوا الجدار>>>>>بقولي المخالف الأخبار

و أحمد قال لهم لا تكتبوا>>>>>ما قلته بل أصل ذلك اطلبوا

فاسمع مقالات الهداة الأربعة>>>>>واعمل بها فإن فيها منفعة

لقمعها لكل ذي تعصب>>>>>والمنصفون يقتفون بالنبي

صلى الله عليه وسلم.

من يحب من وجه، ويبغض من وجه

الثاني: من يحب من وجه، ويبغض من وجه، وهذا المسلم الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فهذا يحب ويوالى على ما معه من الإيمان، ويبغض ويعادى على قدر معصيته أو بدعته، وهذا الصنف لا تجوز محبته مطلقاً، ولا معاداته وبغضه مطلقاً، وكثير من الناس يخلط بين هذا وبين مجالسة أهل البدع والفسق والدعاة إلى ذلك، ومخالطتهم دون الإنكار عليهم.

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "يجب هجر من كفر أو فسق ببدعة، أو دعا إلى بدعةٍ مضلة أو مفسقة، على من عجز عن الرد عليه، أو خاف الاغترار به والتأذي"، وقيل: يجب هجره مطلقاً، وقيل: بالتفريق بين طالب العلم الذي يعلم من نفسه أنه لا يتأثر، ولا يلبس الحق بالباطل وينكر، وبين العامي الذي لا يفرق بين الحق والباطل، وقيل: يراعى في ذلك المصالح وتدرأ المفاسد، ويفرق بين شخصٍ وآخر.

من يبغض جملة ويعادى مطلقاً

الثالث: من يبغض جملةً ويعادى مطلقاً، وهو الكافر الأصلي، أو المرتد بعد ثبوت البينة الشرعية، والأدلة اليقينية على المدعى عليه، كأن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، أو يثبت عليه دعاء غير الله، أو الذبح والنذر لغير الله، أو يترك الصلاة بالكلية، وذلك في أصح قولي العلماء، وهو إجماعٌ من الصحابة، أو يسب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم سباً صريحاً، أو يلقي المصحف في القاذورات -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- أو يجحد أسماء الله وصفاته، أو يستهزئ بالدين استهزاءً صريحاً، قال تعالى: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66] أو يحكم بالأنظمة الكفرية، أو يفرضها على الناس، أو يدعي علم الغيب، أو يتعاطى السحر، فهؤلاء كلهم محادُّون لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فتجب البراءة منهم، قال تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22].

بعض أحكام التعامل مع الكفار

حكم التعامل مع الكفار بالبيع والشراء والاقتراض

وليس من موالاة الكفار التعامل معهم في البيع والشراء والاقتراض، فالحلال ما أحله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والحرام ما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد دلت الأدلة الصحيحة على جواز البيع والابتياع منهم، ويراعى في ذلك الشروط الشرعية في البيع والشراء وإباحة السلعة ونحو ذلك، وبشرط ألا يبيع عليهم شيئاً يستعينون به على حرب المسلمين، ولا سيما في وقت الحرب، فلا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً، وفي هذا الباب تفاصيل يطول ذكرها، والمقصود الإشارة إلى كليات المسائل، والتفاصيل لها موضعٌ آخر.

حكم العمل لدى الكفار

وهناك مسألةٌ مهمة يحتاج إليها الإخوة المستمعون، حيث يعيشون في دول الغرب، وهي حكم العمل لدى الكفار، فقد منع من ذلك طائفة من العلماء لما فيه من إذلال المسلم، وإهانةً له تحت يد الكافر، وهذا قولٌ في مذهب الإمام أحمد، وقال به طائفة من فقهاء الشافعية.

والقول الثاني: أنه لا بأس بالعمل عند الكفار، وذلك بشرطين:

الأول: أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله.

الثاني: ألا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين.

وهذا هو الصواب، غير أن الأفضل أن يستقل المسلم بنفسه، أو يعمل عند مسلم ويدع العمل عند الكفرة، ومثل ذلك مشاركتهم في التجارة ومضاربتهم، وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله عن الرجل يشارك اليهودي والنصراني، قال: يشاركهم -أي: لا مانع من ذلك- ولكن يلي هو البيع والشراء، وذلك أنهم يأكلون الربا، ويستحلون الأموال، وإذا وثق من صاحبه أنه لا يتعامل بالربا في هذه التجارة المشتركة، فلا حرج من مشاركته كما تقدم أيضاً أنه لا حرج من العمل عنده بالشرطين السابقين.

حكم الإقامة في ديار الكفر

وهذا الكلام يدفعنا إلى الحديث عن حكم إقامة المسلم في ديار الغرب والكفر، وهذا يختلف من شخصٍ إلى آخر، ويختلف باختلاف النيات والمقاصد، فالذي يسافر إلى ديار الكفر، بقصد الدعوة إلى الله، وتعلّم ما هو وسيلةٌ إلى مرضاة الله وخذلان أعدائه، فهذا مشروع وأدلة هذا كثيرة.

وقد سافر النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، وكانت ديار كفر وشرك، وذلك بغرض دعوتهم، والحديث في الصحيحين من حديث عائشة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالرسل والعلماء والمصلحين إلى بلاد الكفار لدعوتهم، وهذا أمر متواتر، فلا يكابر فيه أحد.

وقد اشترط العلماء في هؤلاء الذين يذهبون إلى ديار الكفار للدعوة أو تعلم ما فيه مصلحة للإسلام والمسلمين، أن يكونوا عارفين لدينهم بأدلته الشرعية، متمسكين بعقيدتهم، مأموناً عليهم في ظاهر حالهم من الوقوع في الفتنة، وأن يكون القصد من السفر هو إظهار دين الله والدعوة إليه. هذا هو القسم الأول من أقسام الإقامة في ديار الكفار.

القسم الثاني: من كانت إقامته في بلاد الكفار بقصد التجارة، أو العلاج فهذا مباح، بشرط أن يكون عارفاً للواجب معرفته بتعامله مع الكفار، وما يجوز من ذلك وما يمتنع.

القسم الثالث: من سافر وأقام في ديار الكفر وهو جاهلٌ بدينه، أو عالمٌ لكنه يخاف الفتنة على نفسه، أو لا يستطيع إظهار دينه، وتأدية شعائر الإسلام من الواجبات وترك المحرمات، فهذا عاصٍ لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم.

القسم الرابع: المكره على البقاء في ديار الكفر، وهم أعدادٌ غير قليلة في عصرنا هذا، حيث لا يستطيعون للخروج حيلة ولا يهتدون سبيلاً، ولو خرجوا من دار الكفر لما وجدوا دار إسلام تؤويهم أو تدافع عنهم، وهؤلاء مستضعفون معذورون، وقد جاءت الأدلة بعذرهم، وهؤلاء يجب علينا مناصرتهم، ومساعدتهم، وتسهيل مهمتهم، وهم يجب عليهم: تطبيق الشرع بقدر الإمكان، ويجب عليهم عداوة الكفار وبغضهم.

القسم الخامس: من أقام بديار الكفر، وأظهر لهم الموافقة على دينهم، ومدح ما هم عليه من الكفر وسب الإسلام دون إكراه فهذا مرتدٌ عن الدين، سواءً حمله على ذلك الطمع في الرياسة أو غير ذلك، ولا يقبل قوله ولا دعواه: أكرههم باطناً؛ لأنه لم يكره على الظاهر، وقد قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل:107]، فلم يحملهم على الكفر بغض الدين، ولا محبة الباطل وأهله، وإنما هو أن لهم حظاً من حظوظ الدنيا فآثروها على الدين فكفروا بذلك، قال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] وقد قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140] والذي يدعي الإسلام ويكون مع المشركين، أو اليهود والنصارى في اجتماعاتهم، ويظهر لهم النصرة بحيث يعده الكفار واحداً منهم، فهو كافرٌ مثلهم، وإن زعم أنه مسلم.

حكم مظاهرة الكفار على المسلمين

وهذا يستدعي الحديث عن حكم مظاهرة الكفار على المسلمين، فقد قام في هذا العصر الغريب كثيرٌ من المفتونين بتبرير مواقف الحكومات بمظاهرة أمريكا على المسلمين في أفغانستان، وقد أصبح هؤلاء خصماء لأهل الحق في الدفاع عن أهل الباطل والمرتدين، وأبواقاً للأعداء، قال تعالى: وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً [النساء:107] ويدخل في هذه الآية الإعلام الخبيث، وعلماء السوء الذين همهم وديدنهم المجادلة والمخاصمة عن الخونة في تزييف الحقائق وتضليل الشعوب.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطانٌ أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطانٌ ناطق، وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين، فخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه، أو ماله، بذل وتبذل، وجد واجتهد، واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء مع سقوطهم من عين الله، ومقت الله لهم قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون لهم وهم لا يشعرون، وهو موت القلب، فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله صلى الله عليه وسلم أقوى، وانتصاره للدين أكمل".

حكم مناصرة أمريكا وحلفائها على المسلمين في أفغانستان

والآن أتحدث عن حكم مناصرة أمريكا وحلفائها على المسلمين المستضعفين في أفغانستان، ونحن نعلم أن الرئيس الأمريكي أعلنها حرباً صليبية، والحرب القائمة الآن توحي بذلك ولو لم ينطق بما تكنه نفسه، قال تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217] وقال تعالى: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّاً وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:8].

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: "من تولى الكفار، ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض، وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه، وصار حكمه حكمه".

وقال العالم ابن حزم رحمه الله تعالى: "صح أن قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] إنما هو على ظاهره؛ لأنه كافرٌ من جملة الكفار، وهذا حقٌ لا يختلف فيه اثنان من المسلمين".

وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في نواقض الإسلام: "الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين". أقول: وليس من شروط الكفر أن تكون مظاهرته للكفار محبةً لدينهم ورضا به، فهذا قول أهل البدع من المرجئة وغيرهم؛ لأن محبة دين الكفار والرضا به كفرٌ أكبر دون مظاهرتهم ومعاونتهم على المسلمين، فهذا مناطٌ آخر في الكفر، وقد قال تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:52] فقوله: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي: شكٌ ونفاق، (يُسَارِعُونَ فِيهِمْ) أي: يبادرون إلى موالاة الكفار، وطاعتهم ومودتهم، (يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ) أي: يتأولون في طاعتهم وموالاتهم، أنهم يخشون يقع عرض من ظفر الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أيادٍ عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك.

وقال تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً [النساء:138-139] وقال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ [المائدة:81].

حقيقة عداوة الكفار للذين أسلموا

وهنا حقيقة لا بد أن يفهمها المسلم، وهي أن عداوة الكفار للذين أسلموا وآمنوا عداوةٌ متأصلة، فلا يرضيهم إلا فناء الإسلام والمسلمين، قال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة120].

فصفة العداوة أصيلة فيهم، تبدأ من نقطة كراهيتهم للإسلام ذاته، مروراً بصدهم عنه، وينتهي بهم الأمر إلى الوقوف في وجهه، وتربصهم بالمؤمنين الدوائر.

فهم عندما يتمكنون من المسلمين يفتكون بهم بلا شفقةٍ ولا رحمة؛ لأن الرحمة لا تعرف إلى قلوبهم سبيلاً.

والعالم اليوم كله يشاهد حقيقة هذا الأمر، في أفغانستان وفلسطين، والعراق، وبلادٍ كثيرة من بلاد المسلمين، والمتتبع للتاريخ القديم والحديث يجد أن عداوة الكفار لن تنقطع عن المسلمين، فخلال القرون الماضية شن النصارى بضع حملات صليبية، وبعد أن توقفت تلك الحملات تلتها حملات استعمارية، احتلوا غالب أراضي المسلمين سنين طويلة، وأفسدوا فيها، ولما توقفت تلك الحملات الصليبية الحديثة أو الاستعمار كما أسموه ظلماً وزوراً، بدأت الحملات الأممية تحت مظلة الأمم المتحدة، فضربوا المسلمين في كل مكان، وحاصروهم تنفيذاً لقرارات الأمم المتحدة، فضربوا العراق وحاصروه أكثر من عشر سنين، أهلكوا خلالها الحرث والنسل، والحصار إلى الآن قائمٌ ولا ندري إلى أي مدى ينتهي، وهكذا صنعوا في السودان، وليبيا والصومال وأفغانستان، فشردوا الملايين منهم، وقتلوا الملايين.

حقيقة الحملة على أفغانستان

والناظر في واقع العالم، والعارف بتاريخ الغرب لا يشك أن الحملة القائمة الآن على أفغانستان تحت غطاء حرب الإرهاب هي في حقيقتها حملةٌ صليبية ضد الإسلام، ولقد أنطق الله الرئيس الأمريكي بذلك، وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] وصرح بذلك رئيس وزراء إيطاليا، وقال الرئيس الروسي النصراني بوتين في آخر اجتماع له أمام دول الكومنولث من عام (1421)هـ: إن الأصولية الإسلامية هي الخطر الوحيد الذي يهدد العالم المتحضر اليوم، وهي الخطر الوحيد الذي يهدد نظام الأمن والسلام العالميين، والأصوليون لهم نفوذ، ويسعون إلى إقامة دولةٍ موحدة تمتد من الفلبين إلى كوسوفو، وينطلقون من أفغانستان التي تعتبر قاعدة لتحركاتهم، فإذا لم ينهض العالم لمواجهتها فإنها ستحقق أهدافها، وروسيا تحتاج إلى دعمٍ عالمي لمكافحة الأصولية في شمال القوقاز. هذا كلامه.

النصر للإسلام والمسلمين

ونحن -معاشر المسلمين- نعد هؤلاء الكفرة بإذن الله تعالى بالخزي والبوار، والانهيار العسكري والاقتصادي، فالله ناصر دينه وكتابه وأولياءه، والوعد من الله بأنه ينصر دينه ورسوله وحزبه المؤمنين، ويخزي الكافرين وعدٌ محقق لا محالة، والأوضاع القائمة على الشرك والكفر والتشريع الجاهلي، واغتصاب الديار وانتهاك الأعراض، والحجر على الأفكار الشريفة، لن تدوم مهما تمهدت سبلها، وقويت شوكتها، وطال مكثها في الأرض، وهذه حقيقة يجب الإيمان بها، وبذل الطاقات وراء تحقيقها، والشرط في ذلك أن نقوم بالإسلام، ونحرك به الأجساد والقلوب، وأن نعمل لله صادقين موقنين، قال تعالى: وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47] وقال تعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:172-173].

فالنصر للمؤمنين وعدٌ من الله، وما من شك في تحققه في واقع الحياة، وإن تأخر عن حساب بشر واستبطئوا ذلك، فقد خلق الإنسان من عجل، قال تعالى: أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214] وقال تعالى: وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6].

وروى الإمام أحمد في مسنده بسندٍ صحيح من طريق صفوان بن مسلم قال: حدثني سرير بن عامر عن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، فلا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، أو ذلاً يذل الله به الكفر) وكان تميم الداري رضي الله عنه يقول: [قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية].

والمبشرات في عودة الإسلام وظهور أهله، واتصال حاضرهم بماضيهم كثيرة، وهي متحققة لا محالة بعز عزيز أو بذل ذليل، وما سرى إلى نفوس فئةٍ من المسلمين من اليأس، والعجز، مما يرون من الحاضر الأليم، والتعتيم الإعلامي جهالةٌ لا قرارة لها، فمهما فشت الضلالة، واستحكمت الغواية، واستشرى الفساد، وانتهكت الأعراض، فسيبقى الإسلام، وتمتد رقعته، ويبلغ ما بلغ الليل والنهار، بصدق العلماء، وجهود الدعاة، ودماء الشهداء، فلا مجال للتخاذل والبطالة والقعود مع الخالفين.

الإسلام يتحقق بالجد لا بالهزل، وبالأعمال لا بالآمال، وبالقلوب الصادقة لا النفوس الخائنة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التوبة:38-39].

ضرورة مناصرة المسلمين في كل مكان

وفي الختام أتوجه بمخاطبة الحاضرين والمسلمين في كل مكان، بضرورة مناصرة المسلمين في حكومة طالبان وفلسطين، والشيشان، وغير ذلك من بلاد المسلمين، والذب عن حرماتهم وأعراضهم، وكلٌ على قدر طاقته، لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

فأهل الأموال والدثور يساهمون في قيام الجهاد بصدقاتهم وزكواتهم، قال تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:195] وأهل القدرة على القتال يمنحون الدين أرواحهم، ويبيعون الحياة الدنيا بالآخرة، ويشاركون إخوانهم في الذب عن حرماتهم وأعراضهم، والدفاع عن أراضيهم، وتخليصهم من أيدي الكفرة المعتدين، والأمريكان الظالمين، قال تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً [النساء:75] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أبو داود من طريق حماد بن سلمة عن حُميد الطويل عن أنس، وسنده صحيح.

وقد اتفق العلماء على وجوب قتال الكفار المعتدين على بلاد المسلمين وعلى حرماتهم، فإن اندفع شرهم وكيدهم بأهل البلاد المظلومة سقط الفرض عن غيرهم، وإن لم يحصل دفع العدو الكافر وطرده عن بلاد المسلمين، فإنه يجب حينئذٍ على من يقرب من العدو من أهل البلاد الإسلامية الأخرى مناصرة إخوانهم، وصد عدوان الكافرين، ودفع بغيهم وظلمهم، وقد قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلمٍ كربة فرج الله عنه بها كربةً من كرب يوم القيامة) رواه البخاري ومسلم عن طريق الزهري، عن سعد بن عبد الله، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً) وجاء في الصحيحين أيضاً من طريق زكريا عن الشعبي عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).

ولا ريب أن المقتول في سبيل الله في جهاد الكفار ومناصرة المؤمنين والدفاع عن بلادهم وحرماتهم ينال أجر الشهداء الصابرين، والمجاهدين الصادقين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد) رواه مسلم في صحيحه من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه. وهذا دليلٌ على أن المقتول في سبيل الله شهيد، ودليلٌ على أن من مات في سبيل الله من المرابطين والمقاتلين بدون قتل فإنه شهيد.

وأسأل الله جل وعلا أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، وينفعنا بما سمعنا، ويرزقنا الإخلاص في أقوالنا وأعمالنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

حكم القتال في صفوف الجيش الأمريكي ضد المسلمين

السؤال: فضيلة الشيخ! ما حكم من يقاتل في صفوف الجيش الأمريكي أو أي جيش كافر ضد المسلمين، سواءً في بلاد الأفغان أو غيرها من بلاد المسلمين؟ مع الإشارة أن بعض المشايخ قد أجاز لهم القتال بنية الإكراه، فما تعليقكم؟

الجواب: تقدم في كلامي الحديث والإشارة إلى هذه القضية، والتحذير من مناصرة الكفار على المسلمين بأي نوع أو وسيلة من وسائل النصرة، فهذا من التولي وهو كفر ونفاق، ومرض في القلوب وفسق، وتقدم أنه ليس من شروط الكفر أن تكون مظاهرته للكفار محبةً لدينهم ورضا به، فهذا مذهبٌ ضعيف، يعني: محبة دين الكفار والرضا بالكفر كفر أكبر دون مظاهرةً على المسلمين، فهذا مناطٌ آخر في الكفر، ولا بد على المظاهر محبة الدين وبغض الكافرين، فإن كثيراً من الكفار لن يتركوا الحق بغضاً له، ولا كراهيةً للدين، وإنما لهم طمع دنيوي، ورغبة في الرياسات فآثروا ذلك على الدين، قال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل:107] وقال تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] وذلك لأنهم دخلوا في طاعتهم، ونصروهم، وأعانوهم بالمال والرأي على المسلمين.

ومن ذلك مشاركة الجنود المسلمين أو المحسوبين على المسلمين الموظفين في الحكومة الأمريكية، في قتال الأفغان المجاهدين في سبيل الله، فهذا من أكبر الذنوب، وأعظمها منافاةً لأصل الإيمان، وتجويز هذا العمل بدليل الإكراه غير صحيح، فإن للإكراه ضوابط وشروطاً، وهي غير متوفرة في هذه الصورة.

فإن هؤلاء العسكريين يسعون لمصالحهم، وتثبيت مناصبهم، وكسب الأموال في سبيل قتل الأبرياء من المسلمين، وهدم ديارهم، وهذا لا يجيزه عقل، وقد يهددون بالقتل، وهذا غير مسوغ للمشاركة؛ لأنه لا يجب شرعاً أن تبقي نفسك في سبيل هلاك الآخرين وقتل المظلومين، فليست دماؤهم بأرخص من دمائكم، ولا دماؤكم بأغلى من دمائهم، قال تعالى: وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الأنعام:151] وقال تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]. فهذا تعليقي على هذه القضية.

وهناك مسألة مهمة أخرى وهي تتعلق بالتحالف الشمالي وحكم هذا التحالف، فإن العمل القائم الآن في التحالف الشمالي من موالاة الكفار، ونصرتهم على المسلمين، وتسهيل المهمة في قتال المسلمين، حيث إنهم حين يقبضون على مسلم يسلمونه إلى دول الكفر، ونحن نعلم أن دول الكفر تفتنه عن دينه وتعذبه ونحو ذلك، هذا يعتبر ناقضاً من نواقض الإسلام، لكن لا نستطيع الحكم على أعيان هؤلاء إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة؛ لأن لهؤلاء شبهةً تختلف عن غيرهم، وهؤلاء مراتب: منهم الشيوعي، كـرستم وطبقة كثيرة في التحالف الشمالي، وإن شئت فقل: التحالف الصليبي، فهؤلاء معروف حكمهم ولا إشكال فيه.

النوع الثاني: هناك من المنافقين ومن أعداء الدين، فهؤلاء كفرة فجرة.

القسم الثالث: فيهم بعض الجهال، وبعض من له سابقة في قتالهم السنين الماضية ضد السوفيت، فهؤلاء حكم عليهم بعض الإخوان العلماء بالردة، وبعض طلبة العلم لا يرى هذا؛ لأن لهم شبهة، ولأنهم يقاتلون بزعمهم -ولكن لا نقرهم على هذا، وكلامهم باطل- البغاة، الذين خرجوا عليهم في الجملة. فهم يتصلون بالكفرة ضد بغاة بدافع أن هناك مذهباً فقهياً في هذه المسألة، وهذه كلها أشياء لا حقيقة لها في الحقيقة؛ لأنهم لم يتصلوا بالكفار من قبل، وإنما الكافر فرض عليهم أن يجاهدوا معه ضد مسلمٍ، وهذا هو الواقع الذي نعرفه من واقع هؤلاء، غير أن هذه الشبهة قد تجعلني أحجم عن تكفير أعيانهم، ولا سيما أن مذهب أهل العلم أنهم يحكمون على النوع دون العين، حتى تقوم الحجة، لكن من خالفها كان كافراً تارة أو فاسقاً أخرى. فأنا أقسم هذا التحالف إلى ثلاثة أقسام:

قسم من الأصل هو كافر.

وقسم من المنافقين والمرتدين، هم عباد القبور والأوثان ونحو ذلك.

وقسم له شبهة، قد نتوقف عن تكفير أعيانهم، لكن في الجملة نقول: إن هذا العمل القائم عمل كفري، ونحكم على هؤلاء بأنهم كفار.

لكن حين نتحدث عن أعيانهم لا نسمي أحداً بأن هذا كافر دون الآخر، إلا بعد إقامة الحجة عليه، وإزالة الشبهة، وهذا مجرد اجتهاد مني. والله أعلم.

خذلان الله عز وجل لمن استعان بكافر على مسلم

السؤال: فضيلة الشيخ! الأخبار الواردة هذا اليوم أن مؤتمر بون قد عارض ورفض برهان الدين رباني وعدم قبوله رئيساً لـأفغانستان ، فأود أن أقول لفضيلة الشيخ: أليس في هذا درس أن من تعاون مع الكفار فإن ذله في الدنيا قبل الآخرة؟ فما تعليقكم يا شيخ؟

الجواب: هذا صحيح، فإن من استعان بكافر أو تقوى به على مسلم، أو ركن إليه، أو لجأ إليه، فإن الله تعالى يخذله في الدنيا ويخزيه في الآخرة، وقد جرت سنة الله جل وعلا في ذلك، وقد يتأخر هذا عن حساب البشر، ولكن يأتي فيما بعد أن الكافر يستعين به في هذه الفترة ثم بعد ذلك يقلب عليه الميزان ويقتله أو يسجنه أو يهينه؛ لأن الله جل وعلا: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].

فالكفرة الآن يستعينون بهذا التحالف الشمالي بقتال طالبان باعتبار معرفتهم للتضاريس الجغرافية في أفغانستان ، ثم فيما بعد لا يمكنونهم، بل قد يقتلونهم، ويهينونهم، وقد بدت الآن بوادر ذلك، فهم يقدمون شخصاً ويؤخرون الآخر، على قدر ولائه للغرب يقدمونه، وعلى قدر تعقله أو إنصافه في بعض القضايا فإنهم يعادونه وينبذونه، وقد يستعينون به في مهمة، ثم بعد ذلك يلفظونه، وهذا هو الواقع.

وقد تقدم في حديث تميم بن أوس الداري شاهدٌ على ذلك حين قال تميم بن أوس رضي الله عنه: [قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية] والله أعلم.

أسباب الحرب الأمريكية على أفغانستان

السؤال: فضيلة الشيخ! صرح سياف لقناة الجزيرة مؤخراً، وذكر أن التحالف مع أمريكا لم يقم به التحالف، وإنما هو عدم فقه طالبان بالسياسة جعل أمريكا تتدخل، فهل هذا التبرير صحيح؟

الجواب: هذا غير صحيح، ولا أساس لهذا من الصحة، وهذا تبرير للموقف المخزي الذي ظهر به سياف مع رباني ومجموعة كبيرة ممن تخلف عن نصرة إخوانهم المسلمين، وإن كانوا يختلفون معهم في بعض المسائل لكن كان الأولى بهم مناصرة إخوانهم، وترك الخلاف إلى ما بعد ذلك؛ لأنه تقدم أن أمريكا وحلفاءها أعلنوها حرباً صليبية ضد الإسلام والمسلمين.

والحقيقة أن أمريكا قد أعدت عدتها، وأخذت أهبتها في قتال طالبان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهذا قد قرأته بنفسي في بعض التقارير الصادرة من الصحف الغربية، ولكن جاءت هذه مواتية لذلك، بسبب أن حكومة طالبان على قدر طاقتها تمثلت فيها حقيقة الإسلام من تطبيق شرع الله، وتطبيق مبدأ الأخوة وإيواء المؤمنين في العالم كله، وعدم الدخول في نظام هيئة الأمم، وعداوة الكفار، وآخر الأحداث تحطيم الأصنام، ثم أتى التحالف الصليبي الآن تحت غطاء مسمى حرب الإرهاب، وحرب الغلو، وحرب التطرف لقتال المسلمين، وهذا مما لا ينبغي أن ينطوي على المسلم، بل عليه أن يدرك حجم القضية، وأن المعركة بيننا وبينهم هي حرب صليبية.

ولكن! نذكر أمريكا وحلفاءها بأن الشعوب المستضعفة لن تبقى كذلك، فإن التفنن في إهانتها واستذلالها، وفرض سيطرتها وقوتها، والحصار القائم على بلاد كثيرة متعددة من بلاد المسلمين هو الذي سوف يحييها بإذن الله سبحانه وتعالى، كما قال الشاعر:

وإذا الذئاب استنعجت لك مرةً>>>>>فحذارِ منها أن تعود ذئابا

والحقيقة أن هذه النقطة تحتاج إلى تعليق أطول، ولكن أختصر لضيق الوقت: حرب أمريكا لطالبان حرب صليبية، وحرب عداء للإسلام والمسلمين، ولكن أمريكا تستغل هؤلاء في التعمية الإعلامية، وفي قلب الحقائق وفي غير ذلك مما هو معروف.

موالاة جريدة الشرق الأوسط لأعداء الله

السؤال: فضيلة الشيخ! هل من نصيحة إلى جريدة الشرق الأوسط التي تتعرض في كتاباتها لأعراض وزوجات العرب الموجودين هناك، وأن موالاة هذه الجريدة لأعداء الله والدين صار يعرفه القاصي والداني؟

الجواب: لا ريب أن هذه الجريدة بوق لنشر المخزيات والأكذوبات والأساطير المفتعلة، وإشاعة الأكاذيب، وتحريض على الأبرياء، وإشادة بأهل الضلال والمنحرفين، ولا سيما في خضم هذه الأحداث، فترى في ثنايا هذه الصحيفة عناوين بالخط العريض، ومقالات متعددة، تحرض على طالبان، ولسان حالهم أن ما ينالها وما يصيبها الآن، بسبب أنهم أعراب لا يفهمون، أو أنهم متغطرسون، أو أنهم إرهابيون، أو أنهم يشكلون خطراً على البلاد المتحضرة، وبدوافع كثيرة.

لكن في الجملة هذه الجريدة فيها من النتن الشيء الكثير، وفيها من العداء الصريح وغيره على المتمسكين بدينهم ما لا يخفى على عاقل قرأ شيئاً من هذه الصحيفة، فهي حمالة الحطب.

ولهذا أقول: لا يجوز بيعها ولا ابتياعها ولا اقتناؤها، إلا لطالب علم يتصفحها ويقرؤها لكشف ما فيها، وبيان ذلك للناس، من أجل الحذر، ومن أجل الرد على هذه الأكاذيب، وعلى هذه الأسطورات، ولزعزعة الثقة في نقولها ومعلوماتها الإخبارية. والله أعلم.

ضرورة مناصرة المسلمين في كل مكان بكل الوسائل

السؤال: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لقد دعا الرئيس الأمريكي في الأسبوع الماضي شعبه للدعاء للقوات الأمريكية التي تحارب المسلمين في أفغانستان، بينما نجد أن أئمة المساجد في هذه البلاد ومعظم البلاد الإسلامية أصبحوا يتجنبون الدعاء للمسلمين في أفغانستان وفلسطين والشيشان وكشمير خوفاً من أمريكا، فهل من نصيحة؟

الجواب: تقدم أن المسلم يجب عليه مناصرة إخوانه المسلمين، ويجب عليه تطبيق مبدأ الأخوة الإيمانية لمناصرتهم بأموالهم وأنفسهم وألسنتهم في الدعاء والقنوت في الصلوات المكتوبات، والذب عن أعراض إخوانهم المجاهدين بالكتابات الجريئة في وجه الباطل والنفاق، وبذل الجهد بقدر الوسع كنصرة المظلومين في أفغانستان والشيشان وفلسطين والعراق الذي يعاني شعبه الجوع والأمراض منذ أكثر من عشرة أعوام، قال تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ [الأنفال:72] ولا أقل من الدعاء، ومن القنوت لهم في الصلوات.

والقنوت يشرع في كل الصلوات الخمس، فقد جاء في سنن أبي داود من حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر) وفي سنده اختلاف، ولكن ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في المغرب والفجر، وثبت أنه قنت في الظهر، وثبت القنوت في العشاء.

فيشرع للمسلمين في العالم كله أن يقنتوا في صلواتهم وأن يلحوا على الله تعالى بالدعاء للإسلام والمسلمين، وخذلان أعداء الإسلام والمسلمين من أمريكا وغيرها، إلا من يخاف على نفسه، فهذا قد يكون معذوراً، ولكن لا يعذر أن يدع الدعاء فيما بينه وبين الله جل وعلا، أو في موطنٍ لا يخاف فيه من أحدٍ من البشر.

وقد ذكر لنا الإخوة المجاهدون هناك بأنهم يرون أثر دعاء المؤمنين لهم في قتالهم وجهادهم، فإن الدعاء هو سلاح المؤمن، وفي نفس الوقت هذا يدل على كذب أمريكا في دعواها الديمقراطية، فهي من قبل تنادي الشعوب العربية والإسلامية بـالديمقراطية، وهي لا تحققها في واقعها، تنادي من قبل بـالديمقراطية على ذلك، وهم لا يقرون على هذا، ولكن يريدون عزل المسلمين عن دينهم، وقد كشفت هذه الأحداث كذب دعاوى أمريكا في كثير من مزاعمها: في دقتها في المعلومات، وفي الديمقراطية والحرية وغير ذلك.

فهم الآن يمنعون القنوات الفضائية والإذاعات من ذكر الأخبار الصحيحة في واقع طالبان، وأنهم قد حصدوا مجموعات كبيرة، وأنهكوا الأمريكان قتلاً، ويحاصرون البلاد الأخرى التي تدعم المسلمين في أفغانستان ، ويمنعونهم من الدعاء، ويحاصرونهم في الأقوال، فحتى الكلمة يمنعون من الصدع بها وقولها.

والعالم الذي له قدره وسمعته ومكانته في العالم الإسلامي لا يعذر بترك التبليغ الذي أوجبه الله عليه؛ لأن العلماء هم ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا هذا العلم.

وقد كان أئمة السلف يصدعون بالحق في المجامع، والمساجد، والمنتديات وغيرها، وقد جاء في سنن الدارمي بإسناد صحيح من طريق الأوزاعي، قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبي قال: [أتيت أبا ذر وهو جالسٌ عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس يستفتونه، فأتى رجل فوقف عليه وقال: ألم تنه عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه فقال: أرقيب أنت عليَّ؟ لو وضعتم الصنصانة على هذه -وأشار إلى قفاه- ثم ظننت أني أنكر كلمةً سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجهروا عليَّ لأنفدتها] وعلقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم، ولم يكن أحدٌ من أئمة السلف يجد أدنى حرج من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والفتوى بما يعلم أنه الحق، وما كانوا يقبعون في بيوتهم ينتظرون الإذن الرسمي بقول كلمة الحق والإنكار على أهل الباطل.

وبالجملة فينبغي للإخوة المسلمين في جميع الدول في العالم كله، أن يقنتوا ويلحوا على الله جل وعلا بالدعاء لنصر إخوانهم، ومن خاف على نفسه فيعذر في ذلك ما لم يكن عالماً له قدره ومكانته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الطريق فأين الرجال للشيخ : سليمان العلوان

https://audio.islamweb.net