إسلام ويب

إن كل أمة على وجه الأرض لا تقاد إلا بنجبائها، ولا تتقدم إلا بالموهوبين من أبنائها، فمتى ما وجد الرجل النجيب في بيئة معينة أو وسط ما فإنه لا يقول قولاً -سواء كان حقاً أو باطلاً- إلا ويهب الآلاف من البشر للعمل بقوله، واتخاذه منهجاً لحياتهم. وكما أن لكل خصلة آفات ولكل صفة سلبيات، فإن النجابة لا تخلو من هذا وذاك.

دعوة إلى التواضع والإخلاص في العمل الدعوي

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد:

ففي بداية هذا اللقاء أشكر الإخوة في المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بشقراء على إتاحة هذه الفرصة، وعلى حسن ظنهم ودعوتهم لي، ولكني أعتب كثيراً على أخي الذي قدم فأثنى علي ثناء أعلم من نفسي دون مبالغة ودون تواضع أني لا أستحق جزءاً منه.

ونحن في الحقيقة أيها الإخوة -وأقولها بكل صراحة- أحوج إلى أن نوصى بالتواضع، ونحن أحوج إلى أن ننهى ونحذر كثيراً من العجب والرياء عافانا الله وإياكم، فإن تصدر المرء لهذه المنابر مدعاة لأن يدخل الإعجاب إلى نفسه، وأن يعجب بعلمه، وهو لا يحصل ولا يدرك إلا أقل من القليل، ويعلم الله عز وجل أنه لولا شعورنا بالحاجة والأمانة لكان هذا الأمر -أعني خوف العجب والظهور عند الناس بمظهر لا نستحقه- عائقاً لنا، ولكنا نعلم أن هذا ليس عائقاً شرعياً، وأنه لا يجوز للمرء أن يتأخر أو يتوانى في أن يقول علماً علمه، أو ينشر خيراً رآه، أو يساهم في دفع مسيرة الصحوة بحجة أنه يخشى من الإعجاب والرياء، فإن أملنا بالله سبحانه وتعالى، وظننا بالله عز وجل -نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن يحسن الظن به- أن يعيننا على أنفسنا.

إنني أقول أيها الإخوة: إننا أحوج إلى أن نوصى بأن نعرف قدر أنفسنا أكثر من حاجتنا إلى الثناء، وخاصة أيضاً الحديث عن الإخلاص وعن المساهمة في أمور الدعوة، فهي أمور أظن أنها من قضايا الغيب مما لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، ولكني لا أملك إلا أن أقول: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما أعمل خالصاً لوجهه، وأن يجعلني خيراً مما يظن أخي، وأن يكتب لي ما لا يعلم.

بين يدي هذا الموضوع مدخل، ثم بعد ذلك العنصر الثاني: حاجتنا إلى النجباء، ثم آفات النجباء، وأخيراً: حتى لا نظلم النجباء.

من هم النجباء وما واجبنا تجاههم؟

نحن حينما نتكلم عن النجباء فإننا نعني بهم الذين يملكون قدرات خاصة، وطاقات خاصة من النبوغ والذكاء، أو قوة الشخصية، أو تحمل المسئولية، أو هو ما يسمى في مصطلح علم النفس المعاصر بالموهوب والمتفوق، ونحن نعيش ولله الحمد صحوة مباركة، ونعيش بداية شعور الأمة بانتمائها للإسلام وولائها للإسلام، وقد سارت هذه الصحوة ولن تتوقف بمشيئة الله تعالى، ولكننا بحاجة إلى بذل الجهد، وبذل العمل والوقت، وبالإضافة إلى ذلك نحن بحاجة إلى أن ندرس قضايانا، وأن نربي هذا الجيل الذي ينتمي إلى الصحوة تربية ناضجة، وأن نحرص قدر الإمكان أن نستغل الطاقات والمواهب ونوجهها الوجهة التي تجعلها بإذن الله قائدة ورائدة لهذه الصحوة، وأحسب أن هذا من تقوى الله سبحانه وتعالى، فإن الله عز وجل قال: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، فنحن نستطيع أن نخطط، ونستطيع أن ننظر إلى المستقبل بنظرة فاحصة، ونستطيع أن نتجاوز السطحية ونتجاوز العجلة والتخبط الذي كثيراً ما تتسم به أعمالنا وللأسف، فنستطيع أن نملك قدراً من العمق والبعد في عملنا وفي نظرتنا للمستقبل وفي اكتشافنا لأخطائنا وفي معالجتنا لها، وفي نظرنا إلى قضايا الصحوة جملة، والله سبحانه وتعالى قد أمرنا أن نتقيه بما نستطيع، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، ونحسب أيضاً أن هذا من إتقان العمل.

إننا أيها الإخوة نتحمل مسئولية عظيمة تجاه الجيل اللاحق، وهؤلاء الشباب الذين أصبحوا يسيرون في هذا التيار لم تعد القضية مسئولية تربيتهم وحدهم، وليست القضية حمايتهم وحدهم، بل إن إعداد هؤلاء الشباب والعناية بهم إنما هو في الحقيقة إعداد للجيل اللاحق، هؤلاء الشباب هم في المستقبل قادة الجيل، منهم المفكرون.. منهم العلماء.. منهم قادة الأمة، فنحن حين ندعو إلى تحمل المسئولية التربوية، وحين ندعو إلى العمق في التربية، إلى إدراك المسئولية تجاه هؤلاء الشباب فإننا لا ندعو إلى تحمل المسئولية تجاه هؤلاء الشباب لذواتهم -وإن كانوا يستحقون، وإن كان الفرد المسلم يستحق حتى ينهى عن منكر، وحتى ينقل للهداية أن يبذل له الجهد الكثير- ولكن القضية أبعد من هذا كله، إنها مسئولية إعادة صياغة الجيل، ومسئولية إعادة بناء المجتمعات الإسلامية التي تعاني من الخلل، فنحن عندما نعد هذا الجيل ونربيه التربية الصحيحة السليمة فإننا حينئذ نساهم بطريقة مباشرة في إعداد وتصحيح الجيل اللاحق.

إن أي جيل لا بد أن يكون له قادة، ولا بد أن يكون له موجهون، وهؤلاء القادة إما أن يكونوا من العلماء المخلصين والدعاة والمفكرين الناضجين، وإما أن يكونوا من علماء السوء وعلماء السلطة، وإما أن يكونوا من المنافقين، وإما أن يكونوا من الأدباء الساقطين، وإما أن يكونوا من أي طبقة تعتلي عرش الشهرة وتتبوأ مراكز التوجيه وهي لا تستحقها، فلا بد أن يكون للمجتمع قادة، ولا بد أن يكون للمجتمع موجهون، ونحن الآن نستطيع أن نملك زمام المبادرة، فنعد هذا الجيل الذي نؤمل أن يقود المجتمع في المستقبل بإذن الله وهو قادر على ذلك، ونحن وحدنا معشر جيل الصحوة القادرون على صنع القادة؛ لأننا نملك الرصيد، ونملك ما تحتاج إليه المجتمعات الإسلامية وتفتقر إليه، فالشعارات العلمانية، والشعارات الأرضية قد أفلست، والأمة الإسلامية قد تجرعت الهزائم والويلات من هؤلاء، وأصبحت تتطلع إلى الإسلام ليقودها، وليحل لها مشاكلها، وليعيدها إلى مكانها الطبيعي.

ونحن هنا نملك المنهج، ونملك ما تتطلع إليه الأمة، ولكن هذا كله مربوط بإعداد الجيل الذي يكون عند مستوى تحمل المسئولية، إن مجرد التزام الإنسان بالإسلام، ووجود قدر من العاطفة مع ذلك، يضاف إليه قدر من الفصاحة والبلاغة يصدره المنابر ليس وحده هو المؤهل للقيادة، وليس وحده هو المؤهل لتحمل أمانة ومسئولية المجتمع.

ونحن حين نتحدث عن موضوع النجباء والعناية بهم، فلسنا نتحدث حديث المختصين في علم النفس، وحين يتحدث المرء في غير فنه -كما يقال- يأتي بالعجائب، فلست من المختصين بل لست من العارفين بهذا العلم وما يعنيه، فحينئذ لست أعني في حديثي ما يعنيه علماء النفس بالموهوبين بمعنى أوسع، إنما أعني فئة خاصة، أعني أولئك الشباب المستجيبين لتيار الصحوة، والذين يملكون قدراً من النبوغ، والذين يملكون قدراً من قوة الشخصية، والذين يملكون مؤهلات -أياً كانت هذه المؤهلات- تؤهلهم أن يساهموا في قيادة المجتمع ويساهموا في بناء الأمة، فإننا في واقعنا نظلم هؤلاء كثيراً، ونعطل هذه الطاقات كثيراً، ومن هنا كنا بحاجة إلى أن ندرس حالنا مع هؤلاء حتى نستفيد منهم.

حاجتنا إلى النجباء

تمايز الناس واختلاف إمكاناتهم ومؤهلاتهم

أولاً: من سنة الله سبحانه وتعالى أن تختلف معادن الناس، فالله عز وجل جعلنا خلائف الأرض، ورفع بعضنا فوق بعض درجات: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [الأنعام:165] ، رفع الله سبحانه وتعالى الناس فوق بعض درجات في التقوى.. في العلم.. في الصلاح.. في المؤهلات الدنيوية: في العقل.. في الذكاء.. في قوة الشخصية.. في القدرة على القيادة.. في كافة ما يتميز به الإنسان عن أخيه الإنسان، بل إن حياة الناس لا تستقيم أصلاً إلا بهذا الأمر، ولهذا أخبر الله سبحانه وتعالى أن من حكمة رفعه بعضنا على بعض درجات أن يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً، أن يسخر بعضهم لبعض.

ويصور لنا النبي صلى الله عليه وسلم اختلاف الناس في تمثيل بليغ رائع، قيل له: (من خير الناس؟ قال: أتقاهم، قيل: ليس عن هذا نسألك، قال: نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله -يعني: يوسف عليه السلام- قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فعن معادن العرب تسألونني؟ الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا).

إذاً: فيشبه النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالمعادن، بعضهم كالذهب، وبعضهم كالفضة، وبعضهم كالمعادن التي هي دون ذلك، ولكن أيضاً المعادن الأخرى التي دون الذهب والفضة لها دور لا بد أن تؤديه ولا يمكن أن يستغني الناس عنه، ومهما بلغنا في التربية، ومهما ارتفع مستوى التربية التي يتلقاها الإنسان فإنها لا يمكن أن تصل إلى أن تحول المعدن من حديد إلى ذهب، ولا يمكن أيضاً أن تحول الحديد إلى فضة، ولا يمكن أن تحول الفضة إلى ذهب، فيبقى بعد ذلك معدن الإنسان؛ ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم في الجملة الثانية من الحديث: (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)، أي: أولئك الذين كانوا يملكون مقومات عالية في الجاهلية إذا هداهم الله عز وجل ووفقهم للإسلام سيكونون خيار الناس؛ نظراً لأنهم يملكون مقومات فهم، ويملكون قدراً من الذكاء، ويملكون قدراً من قوة الشخصية، ويملكون قدراً من قيادة المجتمعات وتوجيهها، ولكن هؤلاء إن بقوا في الجاهلية فسيبقون شراراً لا خير فيهم ما لم يدخلوا في دين الله سبحانه وتعالى.

إذاً: فمن القضايا التي يتفق عليها ويدركها العقلاء أن الناس يتفاوتون، فمنهم النابغ ومنهم الذكي ومنهم دون ذلك، ومنهم من هو كما قال الأول:

والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنى

الذين يقودون البشرية ويقودون المجتمعات هم بشر صحيح، ولكنهم على الأقل يملكون مؤهلات خاصة تؤهلهم لهذا الأمر، وهذه قضية -كما قلت- يدركها العقلاء، وهي قضية جاءت في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: (مثل ما بعثني الله به من العلم والهدى كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فسقوا وزرعوا، وكان منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).

وأيضاً دل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا [الرعد:17]، الماء الذي نزل من السماء واحد، ولكن الأودية تحتمل من الماء وتحتمل من هذا السيل بقدر ما تتسع إليه، فهذا واد يحتمل الشيء الكثير، وهذا لا يحتمل إلا القليل، ومثل ذلك ينطبق على الناس فتظهر فيهم الاستفادة على حسب ما في القلوب من استعداد وتوجه وإخلاص وتجرد من الشوائب، ولهذا يقول أيضاً صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

على كل حال لا أريد أن أطيل في هذه القضية التي -كما قلنا- يتفق عليها الجميع، لكن أقول: إذا كان من طبيعة الناس أنهم يتفاوتون وأن فيهم أصحاب القدرات العالية وفيهم من هم دون ذلك، فلا بد أن نعتني نحن بأولئك الذين ما خلقهم الله يملكون قدرات عالية إلا لحكمة يريدها سبحانه وتعالى، حتى يتأهلوا لقيادة البشرية، فإما أن يقودوا البشرية إلى الدمار والهلاك، وإما أن يقودوا البشرية إلى الصلاح والخير والاستقامة.

النبي كان يصنف أصحابه حسب مؤهلاتهم وإمكاناتهم

ثانياً: عندما نقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإننا نجده يولي الأمر عناية فائقة، بدءاً بقوله صلى الله عليه وسلم: (الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)، وحينما نتأمل سيرته صلى الله عليه وسلم نجده أنه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على أن يدعو أقواماً إلى الإسلام، ويسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام برجل مثل عمر بن الخطاب أو من في طبقته؛ لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن مثل عمر رضي الله عنه يحمل مؤهلات عالية لو هداه الله عز وجل للإسلام لنفع الله سبحانه وتعالى به، ولكان فيه الخير الكثير، وفعلاً ذاك الرجل الذي كان جباراً في الجاهلية، ذاك الرجل الذي كان يخشى المسلمون ويفرقون من بطشه وكيده، ذاك الرجل الذي كان يعيش في الجاهلية مرحلة من التخلف والضلال كما حكى عن نفسه، بعد أن مَنَّ الله سبحانه وتعالى عليه بالهداية ونوَّر الله بهذا الإيمان قلبه وبصيرته، أصبح لا يراه الشيطان سالكاً فجاً إلا سلك فجاً آخر، وأصبح فاروقاً يفرق بين الحق والباطل، وقاد هذه الأمة، وهو الذي أطفأ الله على يديه نار المجوسية ووثنيتها وقضى عليها، هو الذي خلف صاحب وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكثيراً ما كان يقول صلى الله عليه وسلم: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، وأتيت أنا وأبو بكر وعمر).

و مصعب بن عمير رضي الله عنه يذهب إلى المدينة فيكون مع أسيد بن حضير ، فيأتيه سعد بن معاذ رضي الله عنه وهو لما يسلم بعد، فيقول له أسيد : اتق الله فيه، فهذا رجل إن تبعك لم يتخلف من قومه أحد، فيتقي مصعب الله سبحانه وتعالى ويدخل سعد رضي الله عنه في الإسلام على يد مصعب بن عمير ، فماذا كان من سعد بن معاذ ؟ كم كان عمر سعد بن معاذ في الإسلام؟ إن سعد بن معاذ قتل بعد غزوة الأحزاب في بني قريظة، فعمره لم يتجاوز ست سنوات في هذا الدين، ومع ذلك كانت له المواقف المحمودة، لقد أطار الله بحكمه رءوس كثير من صناديد الكفر، أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:82]، سعد بن معاذ هو الذي حكم ذلك الحكم الجليل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: (حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سمواتسعد بن معاذ رضي الله عنه هو الذي قاد قومه وكانت له المواقف المشهودة في السيرة، حتى لما مات اهتز له عرش الرحمن، وهنا فعلاً كان ما قاله أسيد حق: هذا رجل إن تبعك لم يتخلف من قومه أحد، وعندما دخل في الإسلام فعلاً دخل قومه جميعاً في الإسلام، فهو رجل يملك مؤهلات خاصة، رجل من خيار معادن الناس، وكم من رجل دخل في الإسلام ولكنه لم يبل فيه مثل بلاء سعد بن معاذ رضي الله عنه.

على كل حال لسنا بحاجة إلى الاستطراد في ذكر أحداث السيرة، ولكنا عندما نعود بالذاكرة إلى ما نحفظه من أحداث سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نجد هذا أمراً واضحاً في سيرته صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتني بأمثال هؤلاء؛ لأنه يعرف صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء هم الذين ستقوم بهم الأمة.

فهل من قبيل المصادفة مثلاً أن يكون أبو بكر رضي الله عنه هو جليس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم فيه: (لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الرحمن)، وهو الذي كان كثيراً ما يقول صلى الله عليه وسلم فيه: (ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، وأتيت أنا وأبو بكر وعمر)، هل كان من قبيل المصادفة أن يكون هؤلاء هم جلساء النبي صلى الله عليه وسلم، أم أن أولئك كانوا قوماً اختارهم الله سبحانه وتعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهم يملكون مؤهلات خاصة تؤهلهم لأن يقوم الإسلام بعد ذلك على أيديهم؟ وعندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتدت قبائل العرب ظهر أثر هذه التربية، وظهر أثر معادن الناس في موقف أبي بكر ، ومن ثم بعد ذلك في موقف عمر رضي الله عنه الذي ساهم في نشر الإسلام وتثبيت قواعده، ثم سائر الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة رضوان الله عليهم.

النجباء والموهوبون هم أقل القليل في أي مجتمع

ثالثاً: أنهم نوادر في كل مجتمع، فليس الجميع كذلك، فتقول مثلاً بعض الدراسات النفسية: أن نسبة الموهوبين لا تتجاوز (1%) من المجتمع، على كل حال لا تعنينا هذه النسبة صحت أو لم تصح، قلَّت أو كثرت، ولكننا ندرك جميعاً أن هؤلاء النجباء هم قلة في المجتمع أصلاً، ثم المنتمي منهم إلى جيل الصحوة سيكونون أيضاً قلة، فوجودهم في المجتمع أصلاً قلة، وإذا لم نكسبهم لينظموا إلى جيل الصحوة -مع قلتهم- فقد تتحول قدرتهم وموهبتهم للإجرام، فيصير الرجل منهم قائد عصابة تفتك وتقطع الطريق، ويسخر عقله وطاقته لحرب الله ورسوله، وقد يكون الرجل منهم صاحب فكر منحرف فيسخر فكره وطاقته وقدرته لمواجهة دين الله سبحانه وتعالى، وقد يكون صاحب شهوة وصاحب هوى فيسخر ما عنده لأن يحقق الشهرة لنفسه، أو أن يساهم في تحقيق الشهرة لفلان أو فلان من الناس.

فإذا كان هؤلاء قلة في المجتمع أصلاً، فالذي يستجيب منهم لنداء الصحوة وسير الصحوة هم أيضاً قلة، ومن هنا فإنهم معدن نادر ونفيس ينبغي أن نعض عليه بالنواجذ وأن نعتني به؛ لأن هؤلاء عندما يوفقهم الله سبحانه وتعالى ويسيروا في طريق الهداية يكتب الله عز وجل على يديهم الخير الكثير.

كسب ولاء أفراد المجتمع للنجباء من قادته سبب في قبولهم لتوجيهاتهم

رابعاً: نحن نحتاج إلى قادة يقودون المجتمع، فهل نتصور مثلاً أن الصحوة ستصل إلى درجة أنها تعم المجتمعات كلها فيصبح جميع المجتمع على قلب رجل واحد، أظن أن هذا مطلب بعيد، بل وحتى مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وجد فيه المنافقون، ووجد فيه ضعفاء الإيمان، أليس دين الإسلام في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم قد عم هذه الجزيرة، ثم لما مات النبي صلى الله عليه وسلم ارتدت فئام من العرب؟ هؤلاء كانوا قد دخلوا في الإسلام واستجابوا لهذه الدعوة، لكنهم لم يكونوا الخلص الذين تربوا تلك التربية الناضجة.

حينئذ فقد لا نصل إلى تلك الدرجة العالية، حتى لو استقام عامة أفراد المجتمع، فإن قطاعاً كبيراً من هؤلاء سيبقى على شفا جرف هار، وسيبقى جزء منهم ممن قال الله فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَة [الحج:11].

إذاً: فنحتاج نحن إلى قادة يقودون المجتمع، وكل الناس يمكن أن يمنحوا ولاءهم للدعاة إلى الله عز وجل، وأن يمنحوا ولاءهم للمصلحين ولحملة الدعوة وحملة الرسالة، وقد يكون في الناس الفاسق، وقد يكون فيهم المقصر، وقد يكون فيهم ضعيف الإيمان، ولكن القدر الذي ينبغي أن نصل إليه -ونحن قادرون أن نصل إليه- هو أن نكسب ولاء المجتمع، وأن يمنح المجتمع ولاءه للدعاة إلى الله عز وجل، وللذين يقولون كلمة الحق، على ما في المجتمع من تقصير، وإن كنا نسعى إلى الوضع الأفضل والوضع الأعلى، حينئذ فنحن بحاجة إلى قادة للمجتمع، فمن سيقود المجتمع؟

إن الذين يقدرون على كسب ولاء الناس ويقدرون على توجيه الناس، وعلى تغيير أفكار الناس وقناعاتهم، ويقدرون على التأثير على الناس، هم أولئك النجباء الذين نعنيهم، فهم القادرون على تبوؤ المكانة، ومنهم الخطيب الناجح الذي يحدثك وكأنه يحدثك عما في نفسك، ومنهم العالم الذي يستطيع أن ينزل حكم الله عز وجل على الوقائع المستجدة، والذي يقول كلمة الحق لا يخشى في الله لومة لائم، كما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على ذلك: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، وعلى أن نقول الحق حيث كنا لا نخشى في الله لومة لائم)، ومنهم الدعاة إلى الله عز وجل، ومنهم المفكرون، ومنهم القادة الذين تسير الأمة وراءهم، هؤلاء لا بد أن يملكوا مؤهلات تؤهلهم للقيادة وتجعل الناس يثقون بهم فيسمعون كلمتهم، وتجعل الناس يثقون بهم فيمنحونهم الولاء، ولن يكون هؤلاء الذين يعطيهم المجتمع الولاء والذين يسمع لهم المجتمع كلماتهم إلا أولئك الذين يملكون هذه القدرات وأولئك النجباء.

وهؤلاء القادة منهم أيضاً العلماء الذين سيفتون في القضايا المصيرية التي تحدد مستقبل ومصير الدعوة، فهم القادة الذين يتخذون القرارات التي قد تكون سبباً في النجاح والانتصار للدعوة، وقد تكون أيضاً سبباً في الانحراف وانجراف مصير الدعوة، هم وجه هذه الصحوة، إذاً فلا بد أن نعتني بهم، فحينما نعتني بهم فإننا لا نعتني بفلان أو فلان من الناس إنما نعتني بالمجتمع كله، ونعتني بالصحوة، ونعتني بالدعوة؛ لأن هؤلاء هم قادتها، وهم موجهوها، وهم مفكروها، وهم أعمدتها التي لا تقوم إلا عليهم.

آفات النجباء

بعد ذلك ننتقل إلى النقطة الثالثة وهي: آفات النجباء.

كثيراً ما يشتكي المربون من آفات يقع فيها أمثال هؤلاء الشباب الذين يملكون قدراً من النجابة ويملكون النبوغ والذكاء، فيشتكون كثيراً من أمراض يعاني منها هؤلاء، فإما أنه لا يستمر أصلاً في طريق الاستقامة نتيجة لهذه الأمراض التي تتصارع، أو أن يستمر ولكن مع كثير من الأمراض التي تعوقه عن أن يتبوأ المكانة التي تنبغي له.

الغرور والإعجاب بالنفس

من أخطر الأمراض التي تصيب النجباء الغرور والإعجاب بالنفس، فإن النجيب يكون بارعاً متفوقاً على أقرانه بالذكاء والاستيعاب، فهو يفهم عندما يتحدث الأستاذ أو يسمع الخطبة أو المحاضرة أو الدرس، وعندما يسمع أي كلام يفهم ما لا يفهمه الآخرون، ويدرك هو أنه أكثر استيعاباً من الآخرين وأكثر فهماً وإدراكاً، ويدرك الآخرون جميعاً أنه يفوقهم، فيحصل على مراكز متقدمة في الدراسة، ويتفوق على أقرانه، في حين أنه يبذل جهداً يسيراً، فهو إذاً يملك أصلاً البيئة التي تؤهله للغرور والإعجاب بالنفس، وحين يعجب بنفسه وحين يقع في الغرور فإنه يكون وقع في أول معصية عصي الله بها، وصار كالشيطان الذي استكبر عن السجود لآدم فعصى الله عز وجل، وإنما أوقعه في ذلك غروره وإعجابه بنفسه، فاعترض على أمر الله سبحانه وتعالى: قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، والمشكلة أن الإنسان المغرور المعجب بنفسه لا يشعر بذلك أصلاً، فلا يمكن أن تجد إنساناً مغروراً ومعجباً بنفسه يوافقك على أنه بهذا يضع نفسه فوق المنزلة التي يستحقها، فهو يرى أن هذه هي منزلته الطبيعية، وهذا هو مكانه، وإلا لو استطعت أن تقنعه أنه يضع نفسه فوق منزلته، ولو استطعت أن تقنعه أن عنده قدراً من الغرور والإعجاب بالنفس لانتهت المشكلة ابتداء.

وهكذا كل أصحاب هذه الظواهر المرضية لا يشعرون بذلك، فالإنسان الذي عنده غلو؛ غلو في التفكير.. غلو في العبادة.. غلو في المعتقد لا يوافقك على أن عنده غلواً، بل لا تجد أحداً من أهل الغلو إلا ويدعي أنه مقصر، وأنه من أهل التوسط، فعندما تناقشه في غلوه، يقول: يا أخي أنا مقصر أصلاً في ذلك، ولو استطعت أن تقنعه فقط أنه قد تجاوز الطريق الوسط وأنه قد غلا حينئذ لانتهت المشكلة، فكذلك لا نفترض من هذا الآن أن يتصور وأن يوافقنا على أنه مغرور، أو على أنه معجب بنفسه، لا نتصور ذلك؛ لأنه لو وافق وأحس فعلاً بأنه عنده غرور وعنده إعجاب بالنفس، ولو أحس أنه وضع نفسه في منزلة فوق المنزلة الطبيعية، حيئنذ فلا بد أن يعود ويضع نفسه في حجمها وموقعها الطبيعي، فأنت يا أخي عندما تفوق أقرانك وتتفوق وتملك موهبة لا يملكها الآخرون، فما الذي يدعوك إلى الغرور؟ أنت يجب أن تعلم أولاً أن هذه الموهبة التي تملكها ليست منك، وما لك فيها أي جهد، يعني: أنت لما تكون إنساناً ذكياً تفهم أكثر مما يفهم الآخرون، وتحفظ أكثر مما يحفظ الآخرون، وتكون فصيحاً أكثر من الآخرين، المهم أنك تملك موهبة متميزة عن الآخرين، فهل حصلت هذه بجهدك أو بكدك أو كد أبيك؟ أبداً، إنها موهبة من الله سبحانه وتعالى، تماماً كما أنك لا تستطيع أن تتصرف في مظهرك، وفي جسمك؛ في طولك وقصرك، وفي تقاطيع وجهك، وكما أنك لا يمكن أن تغير هذه الصورة التي خلقك الله عليها، فكذلك هذا العقل إنما أعطاك الله إياه.

ولو جاءنا مثلاً إنسان يفتخر أن له جاراً ذكياً، وأن له جاراً نابغة لسخر الناس منه، ولقالوا: كيف تفتخر بما ليس لك؟ وكيف تفتخر بما لا تملك؟

فعلى هذا يا أخي حتى لو كنت ذكياً، وحتى لو كنت نابغة متفوقاً هل من حقك أن تفتخر بهذا الشيء الذي ما هو من تحصيلك أصلاً؟ يعني: هذا الذكاء ليس من تحصيلك، وهذا النبوغ ليس من تحصيلك إنما هي نعمة منَّ الله بها عليك، فليس لجهدك ولا لخير فيك إنما هو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، وأنت حينئذ تفاخر بما ليس لك.

كذلك هذه النعمة الله سبحانه وتعالى قادر على أن يسلبها منك، أنت لما تكون ذكياً فالله عز وجل قادر على أن يجعلك معتوهاً أبلهاً، وعندما تكون فصيحاً تهز المنابر فالله سبحانه وتعالى قادر على أن يجعلك أخرس لا تستطيع أن تفصح عما في قلبك، ولا تستطيع أن تتفوه بكلمة واحدة، إذاً فكما أن الله سبحانه وتعالى قد يسلب من الإنسان نعمة البصر، وقد يسلب من الإنسان نعمة السمع، يمكن أن يسلبك هذه الموهبة، بل يمكن أن تبتلى فتتوجه هذه الموهبة إلى معصية الله عز وجل، فماذا تجني عليك بالله عليك؟! الإنسان الذي يسلك طريق الانحراف؛ سواء كان انحراف شهوة، أو انحراف شبهة أو انحرافاً فكرياً، ماذا يفيده عقله وماذا يجنيه عليه؟ إنه يجني عليه الويل والثبور، وهاهم أساتذة الإلحاد والفساد والمنظرين للضلال والشرك، أتدري ماذا جنى هؤلاء؟ إنهم جنوا وبالاً أكثر، فهذا المنظر لهذه الأفكار الإلحادية يحمل وزره ووزر من أضله إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئاً، فكان عقله وذكاؤه وموهبته وبالاً عليه، وأنت كذلك يمكن أن تعاقب بأن تبقى هذه الموهبة عندك لكنها تكون حينئذ وبالاً عليك، تجني ويلها وثبورها.

الأمر الآخر: أن الله سبحانه وتعالى يحاسب الناس على قدر ما أعطاهم، وعلى قدر ما عندهم من العلم، وعلى قدر ما عندهم من القدرات، كل إنسان سيأتي الله سبحانه وتعالى وحده: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم:93-95].

إذاً: فالإنسان سيحاسب محاسبة فردية، وسيتحمل مسئولية فردية عند الله سبحانه وتعالى، فيحاسب الإنسان على ما أعطاه الله من العلم، وعلى ما أعطاه من العقل، وعلى كل ما أعطاه من هذه النعم ماذا فعل بها، أول من يقضى بينهم يوم القيامة ثلاثة: رجل قرأ القرآن، ورجل جاهد في سبيل الله، ورجل أنفق، فيؤتى بالأول، فيقول الله عز وجل له: ماذا فعلت في هذه النعمة؟

إذاً: يسأله الله عن هذه النعمة التي آتاه إياها سبحانه وتعالى، ويسأل أيضاً المجاهد الذي أعطاه الشجاعة، ويسأل أيضاً الرجل الذي أعطاه المال عن هذه النعمة، فهو إذاً عليه مسئولية خاصة.

فمثلاً: عندما نقول: إن الناس كل الناس عليهم مسئولية في الدعوة إلى الله عز وجل، وعليهم مسئولية في إعادة المجتمع إلى وضعه الصحيح، بدءاً بالعالم القائد للأمة وانتهاء بالرجل الشيخ الكبير الطاعن في السن الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ويدخل في ذلك المرأة والرجل والصغير والكبير، فالناس كل الناس عليهم مسئولية، وعليهم أن يؤدوا دورهم، ولا أظن أن منصفاً عاقلاً يوافق على أن واقع الأمة هذا واقع شرعي يرضي الله ورسوله، ولا أظن أن أحداً يجادل في ذلك، ولسنا في حاجة إلى إثبات هذه القضية.

إذاً: فالجميع مطالب بهذا الدور، لكن هل الدور المطلوب من عامي طاعن في السن يعيش في مزرعته في قرية نائية مثل دور إنسان متعلم مثقف فصيح؟ هل دور الإنسان الذي لا يملك شيئاً مثل دور الإنسان الذي يملك سداد الرأي والقدرة على إقناع الآخرين؟ هل دور الإنسان الذي لا يملك المال مثل دور الإنسان الذي منَّ الله عليه بالمال والثراء؟ أبداً.

فالإنسان إذاً يحاسب على ما أعطاه الله إياه من المواهب، فلو أعطاك الله فصاحة فعليك دور وواجب أن توظف هذه الطاقة وهذه الموهبة في خدمة دين الله سبحانه وتعالى، وفي الدعوة إلى الله عز وجل.

نحن في موقفنا الآن بحاجة إلى أن نستنفر كل الطاقات التي نملكها، بدءاً بالفرد الذي عليه أن يستنفر كل ما لديه من طاقة، ووصولاً إلى المجتمع الذي يلزمه نفس الشيء، فالإنسان الفصيح يستعمل منطقه وفصاحته في الدعوة إلى دين الله والمنافحة عنه والوقوف في وجه أعداء الله، والإنسان الشجاع يسخر شجاعته للثبات في المواقف حيث يطلب ذلك، والإنسان صاحب الفكر والرأي يسخر فكره لخدمه الأمة، والطاعن في السن الذي لا يملك حولاً ولا قولاً يستطيع أن يسخر الدعاء الذي يملكه بأن يدعو الله سبحانه وتعالى، فيناصر على الأقل بقلبه ولسانه وبدعائه، ويناصر أولئك المقصرين المذنبين الذين قد يتصدرون للدعوة إلى الله عز وجل ولتوجيه الناس وهم أصحاب تقصير وذنوب، وقد لا تنجح كثير من جهودهم لتقصيرهم وذنوبهم وإهمالهم، فهم يحتاجون إلى دعاء من لا يستطيع العمل، فقد تكون أنت أتقى لله منا، وأخشى لله منا، وأقل ذنباً ومعصية لله عز وجل، فنحن نحتاج إلى دعائك وإلى مناصرتك.

إذاً: فنحن نحتاج إلى جهود الجميع وطاقات الجميع، فأنت يا أخي إذا منَّ الله عليك بموهبة: أعطاك الله ذكاء.. نبوغاً.. فصاحة.. أعطاك الله أي موهبة فإن من واجبك أن تسخر هذه الموهبة وهذه الطاقة في خدمة دين الله سبحانه وتعالى، وستسأل يوم القيامة بقدر ما أعطاك الله سبحانه وتعالى.

أيضاً الأمر الخامس الذي يمنع الإنسان من كبريائه وغروره أنه مهما حصَّل شيئاً ومهما فاق الناس في أمر فإنه يعلم أن الآخرين قد يفوقونه في غير ذلك، فقد يكون الشاب ذكياً نابغاً يفطن لدقائق الأمور ولكنه لا يستطيع الحفظ فغيره يحفظ أفضل منه، وقد يكون حافظاً ولكنه عيي لا يستطيع أن يفصح عما في قلبه وغيره أفصح منه يستطيع أن يهز أعواد المنابر ويشد قلوب الناس، وقد يكون آخر فصيحاً بليغاً شاعراً: (وإن من البيان لسحراً)، المهم أنك مهما ملكت من طاقات ومواهب فيجب أن تعلم أن الآخرين أيضاً قد يملكون مواهب وطاقات أخرى لا تملكها، مما يدعوك إلى أن تطمئن من غرورك وكبريائك.

إذاً: فهي آفة يجب أن نحذر منها جميعاً مع الحرص على أن نساهم وألا نتوقف عن تقديم أي خدمة لدين الله سبحانه وتعالى، وألا نتردد في أن نتصدر للقيام بأي واجب شرعي ما دمنا نرى أننا نلمس في أنفسنا الكفاءة والقدرة، ولكن مع ذلك نحذر من الغرور، ونحذر من الرياء، أما أن نتقاعس ونترك الواجب الشرعي حتى لا نقع في الرياء، وحتى لا نقع في الغرور والعجب، ونظن أن فعلنا هذا من قبيل الورع فلا، فالورع بخلاف ذلك، فلا يليق بالمسلم الذي يملك ورعاً وتقوى وخشية من الله عز وجل حين يرى واقع الأمة الآن أن يتأخر ويتوانى ولا يسخر ما أعطاه الله عز وجل من علم وقدرة وطاقة لخدمة دين الله سبحانه وتعالى والدعوة إليه.

روح النقد عند النجباء

الآفة الثانية: روح النقد، إن هؤلاء النجباء كثيراً ما يكونون ناقدين، وقضية النقد ابتداء ظاهره صحية، أن ينتقد الإنسان نفسه، وأن ينتقد مجتمعه، وأن ينتقد حتى البرامج التي تقدم له، فيكون النقد ظاهرة صحية إذا كان بقدر معين، أما أن يتحول الإنسان ناقداً صرفاً فهذه هي المشكلة، فعندما يكون النجيب إنساناً عنده قدر من النجابة فهو يستطيع أن يفهم دقائق الأمور أكثر مما يفهمها الآخرون، وحينئذ يستطيع أن يدرك الأخطاء أكثر من غيره، فينتقد فلاناً وينتقد فلاناً حتى تنمو عنده روح النقد فيصبح بعد ذلك يسمع لينتقد، فكثيراً ما تراه يصنف أساتذته وينتقدهم، وقد يستطيع فعلاً أن يدرك جانباً من القصور والخطأ على أستاذه، أو جانباً من الخطأ والقصور على من يتولى تربيته، ولكن الخطأ والمشكلة هي أن يتحول إلى شخص ناقد فيصبح لا يستمع إلى الدرس إلا لأجل أن ينتقد، وإنما ينظر لجهد فلان حتى ينتقده، فمتى ما أصبح الإنسان ناقداً أصبح إنساناً عاطلاً لا يعمل؛ لأنه مشغول بالنقد.

مرة أخرى أقول: النقد ظاهرة صحية، بل نحن نعاني أحياناً من أننا نسير دون أن نفكر في أن ننقد أنفسنا، أو ننقد مجتمعاتنا، أو ننقد الأوضاع التي نعاني منها، ونتردد كثيراً ونتهيب من هذا النقد نظراً لأنه يحملنا المسئولية، فنحن لا ندعو إلى إلغاء النقد، لكن المشكلة التي نعاني منها أحياناً من بعض النجباء أنه تنمو عنده روح النقد فيصبح هذا الشاب ناقداً ينتقد كل ما أمامه: ينتقد المربي، ينتقد الأستاذ، ينتقد هذا البرنامج، ينتقد ذاك.

احتقار الآخرين نتيجة القدرة على رؤية ما لا يرونه

الآفة الثالثة: احتقار الآخرين نتيجة لأنه أصبح يستطيع النقد، وأصبح يستطيع اكتشاف الأخطاء، فيرى مثلاً: أن هذا الأستاذ عنده ضعف في الجانب العلمي، وذاكرة هذا الأستاذ غير مركزة، وهذا الأستاذ يخطئ في كذا وكذا، والمربي الفلاني عنده كذا وكذا، وهذا البرنامج عنده كذا وكذا، حينئذ نتيجة لنمو روح النقد عنده وانتقاده للآخرين يصبح يحتقر الآخرين، فيحتقر الأساتذة.. يحتقر المربين.. يحتقر الذين ينبغي أن يستفيد منهم، وحينما يبدأ بتقييم الآخرين واحتقارهم فلن يستفيد منهم، لن يستفيد من هذا المربي؛ لأنه يشعر أن هذه المربي عنده قصور، وأن هذا المربي لا يملك المقومات التي تؤهله للتربية أصلاً، فينمو عنده احتقار الآخرين، ومن هنا يجب أن نحرص على أن نربي مثل هذا النجيب على أن يتواضع، وعلى أن يستفيد ممن هو دونه، وعلى أن يستفيد من الآخرين، وعلى أن يعلم أنه لو أدرك ما لم يدركه غيره فهذا لا يعني أنه أصبح أفضل منه.

تقرءون مثلاً في القرآن قصة سليمان عليه السلام لما جاء الهدهد وسأله سليمان فقال له: أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ [النمل:22]، هذا الهدهد الآن أحاط بما لم يحط به سليمان، وعلم مسألة لم يعلمها سليمان، فهل يعني هذا أن الهدهد أصبح أعلم من سليمان عليه السلام؟! أبداً.

إذاً: فقد تستطيع أن تنتقد الآخرين وتكتشف عليهم أخطاء لكن هذا لا ينبغي بحال أن يقودك إلى احتقار الآخرين.

فيجب أن نحرص على أن يتربى هذا النجيب على أن يحترم الآخرين، وأن يوقر الآخرين، خاصة من يتربى على يديه ومن يتعلم منه، حتى ولو شعر بأن عنده قصوراً، أو ضعفاً، لكن هذا القصور وهذا الضعف لا يجعله إنساناً غير مؤهل بأن يستفيد منه، لا يمكن أبداً، فلا ينبغي للشاب النجيب أن يقول: هذا إنسان غير مؤهل أصلاً لنستفيد منه، وغير مؤهل أن نتلقى منه التربية، بل عليه أن يحدث نفسه: إنني مهما بلغت من الذكاء والإدراك فإنه يبقى بعد ذلك يملك قدراً من الخبرة والرصيد يستطيع أن يفيدني به.

عدم الانضباط عند النجباء

الآفة الرابعة: عدم الانضباط.

أحياناً يصعب انضباط هؤلاء النجباء واستجابتهم؛ لأن الواحد منهم يشعر أن فلاناً لا يستحق أن يتولى عليه، وأن فلاناً لا يستحق أن يأتمر بأمره، وأن فلاناً كذا..، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يولي فلاناً صغير السن، حتى يتربى أصحابه صلى الله عليه وسلم على التسليم والانضباط، ما دام أن فلاناً تولى فله السمع والطاعة، ولو كنت خيراً منه، ولو كنت أفضل منه.

وعندما تتأمل في كيفية تأمير النبي صلى الله عليه وسلم للناس، فستجد أنه ما كان يؤمر الأفضل، فنحن نعلم أن أفضل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هم الأربعة الخلفاء، ثم العشرة، ثم أصحاب الشجرة، ثم أصحاب بدر، ثم الذين أسلموا قبل الفتح، فتجد أحياناً النبي صلى الله عليه وسلم قد يولي من هو دون هؤلاء عليهم وهم كبار الصحابة، ومع ذلك لا يجدون غضاضة في ذلك أبداً.

إذاً: فمن آفات النجيب أحياناً ألا ينضبط وألا يستجيب حينما يولى عليه غيره؛ لأنه يشعر أنه هو نفسه يملك مؤهلات تؤهله لأن يتولى المسئوليات ولأن يكون فوق الجميع، ويشعر أن فلاناً من الناس لا يستحق أن يتولى عليه أو يطلب منه الانضباط والاستجابة لأنه يشعر أنه لا يملك هذه القدرات، وأنه أولى منه بهذا المكان، وأحياناً تلمس هذه الظاهرة مثلاً في الفصول الدراسية عند بعض الطلاب، فعندما يولى الطالب على الفصل كعريف للفصل يقوم بضبط الفصل، فإن بعض الطلبة لا يستجيب ولا ينضبط؛ لأنه يشعر أنه هو أولى بهذا المكان من ذاك فهو أذكى منه وأنبغ منه وأقدر منه.

إهمال الشاب النجيب في تطوير نفسه وتحسين مستواه العلمي

الآفة الخامسة: عدم العناية بنفسه؛ لأنه يشعر أنه لا يحتاج للتربية، ولا يحتاج لأن يزيد تحصليه العلمي لأنه ما شاء الله يفوق الآخرين، وهو في الواقع عنده قدر من العلم والذكاء والنبوغ يؤهله لأن يكون مستوى استيعابه أكثر، فيستوعب مثلاً ما لا يستوعب الآخرون، قد تكون ذاكرته أقدر على الاحتفاظ بكم هائل من المعلومات لا يحتفظ به الآخرون، فذاكرته أقوى، وحفظه أقوى، وقدرته على حل المشكلات أقوى، المهم أنه يملك مؤهلات لا يملكها الآخرون، فحينما يقارن بينه وبين أقرانه يتصور أنه قطع مرحلة جيدة في العلم، وقطع مرحلة جيدة في شتى الجوانب فيكون بذلك غير محتاج إلى أن يربي نفسه، ولا إلى أن يعتني بنفسه، بينما هو في واقع الحال يكون أحوج ما يكون إلى ذلك؛ لأن مثل هذا الشخص هو بحاجة إلى أن يكون أكثر تحصيلاً أصلاً من أولئك؛ لأنه سيصل إلى منزلة لن يصلها أولئك، وسيتحمل مسئولية لن يتحملها أولئك، فهو بحاجة إلى أن يكون فوق تحصيلهم بمراحل، وفوق إدراكهم بمراحل، لا يمكن له أن يقيس نفسه بأقرانه؛ لأنه سيصبح بعد ذلك مؤهلاً لأن يوجه أقرانه ويربيهم، وسيصبح مؤهلاً لأن يوجه الأمة ويربي الأمة، وحينئذ فالمطلوب منه تحصيلاً أكثر، والمطلوب منه تفوقاً أكثر، فهو أحوج ما يكون إلى مزيد من التحصيل ومزيد من العناية بالنفس.

أقول: هو أحوج ما يكون إلى ذلك، ومن هنا يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم حين ننظر في الدين أن ننظر إلى من هو فوقنا، فإذا نظر أحدنا في مسائل الدين والخلق عليه أن ينظر إلى من هو فوقه، وإذا نظر في الدنيا ومتاعها فعليه أن ينظر إلى من هو دونه، ولعل من حلول هذه المشكلة: أن يربط مثل هذا الشاب بالنماذج العالية، فمثلاً: يطلب منه أن يقرأ ترجمة أحد العلماء أو أحد المتقدمين أو أحد كبار الصحابة ليرى أن هذا في سنه وبلغ منزلة عالية، فحينئذ نرسم أمامه نموذجاً عالياً؛ لأنه الآن ينظر إلى أقرانه على أنهم نماذج أمامه، وليس فيهم مثل أعلى، فعندما نرفعه فنقول له: اقرأ التاريخ، واقرأ سير العلماء، واقرأ سير السابقين الذين بلغوا منزلة في كل شيء: في الجهاد.. في التقوى.. في العبادة.. في العلم.. في قيادة المجتمعات، فإذا قدمنا له مثل هذه النماذج يصبح أمامه مثل أعلى بعيد يشعر أن المسافة بعيدة بينه وبينه، وحينئذ يشعر بالقصور والضعف؛ ولهذا يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننظر دائماً إلى من هو فوقنا في العلم والخلق؛ حتى نشعر بتقصيرنا وإهمالنا، فإذا نظر الإنسان إلى من هو دونه سيبقى ينزل وينزل؛ لأنه سيقول: أنا على الأقل لا أفعل لكبائر، وعندها سيأتي صاحب الكبائر فيقول: أنا أفعل الكبائر بصورة لكن أقل من فلان الذي يفعل أكبر الكبائر والموبقات، وسيأتي صاحب الموبقات فيقول: أنا أفضل من فلان لأني لا أقع في الشرك ولا زلت على الإسلام، وهكذا يتدرج الإنسان في النظر إلى من هو دونه حتى لا يصبح المنافس الوحيد له إلا الشيطان، أما إذا كان ينظر إلى من هو فوقه فهذا أحرى أن لا يزدري نعمة الله عز وجل عليه، وأحرى أن يعلم تقصيره وإهماله، فهذا الشاب بحاجة ماسة إلى أن يربط بالنماذج: شباب الصحابة، سير السابقين، النماذج الرائعة في العلم.. في الجهاد.. في التقوى.. في الصلاح.. في كافة جوانب النبوغ، وهذا أدعى له إلى أن يحتقر نفسه، وأدعى له إلى أن يشعر أنه بقي درجات ما وصل إليها إلى الآن.

حتى لا نظلم النجباء

وبعد ذلك ننتقل إلى العنصر الأخير لهذه المحاضرة وهو: حتى لا نظلم النجباء.

نحن أحياناً نمارس أخطاء في تربيتنا لهؤلاء النجباء، والمشكلة أنهم نوادر كما قلنا، والمستجيبون للصحوة والاستقامة هم أيضاً نوادر من هؤلاء، فالقضية لا تحتمل المخاطرة، ولا تحتمل أن يكون هؤلاء مجالاً لتجاربنا التربوية عليهم، وإنما نحن بحاجة إلى أن نتعلم كيف نتعامل معهم، وكيف نكتشف مواهبهم، فكما أن هؤلاء عندهم مزايا كثيرة، فإن من مزاياهم أنهم أسرع استجابة للتربية والاستفادة، وأكثر إدراكاً للأخطاء التربوية، فالأخطاء التي نرتكبها تؤثر فيهم أكثر من غيرهم؛ لأنهم أكثر استجابة سلباً وإيجاباً، ومن هنا فلا بد أن نحذر في التعامل معهم.

ظلم النجباء بتحطيم مواهبهم

نحن أحياناً نتخيل أن تربية النجيب أسهل، وأن هذا الشاب الذكي النابغ الذي يستجيب لما يقال له أنه أسهل، لكن في الواقع هو أصعب من غيره بكثير، ونحن يسيطر علينا أحياناً وهم مفاده: أنه ما دام أن هذا الشخص يمشي مع الأخيار وما دام أنه مستمر في طريق الخير والصلاح فهو إنسان ناجح، لا، ليس هذا هو النجاح الذي نريده، فمرحلة الصلاة والاستقامة تطلب من عامة المسلمين، بينما الموهوب نحتاج إلى أن ننجح في أن نوظف طاقته، وأن نجعله في مستوى أعلى، فإذا كنا قد وقعنا في أخطاء تجاه هذا الشاب وهو يمثل طاقة جيدة وفعالة ثم مع ذلك بقي مستقيماً وصالحاً فهذا لا يعني أننا نجحنا، وإنما الحقيقة أننا ساهمنا في حرمان الأمة من طاقة كانت هي بحاجة إليها.

قبل أن نتحدث عن الأخطاء لا بد أن نعرف هذا المعيار من النجاح، فنجاحنا مع النجيب والموهوب لا يعني أن ننجح فقط في أن يكون مستقيماً وصالحاً، هذا لا شك أنه خير، ولكنا أحياناً بل كثيراً ما نجعله يسير في طريق الاستقامة والصلاح بعد أن نقضي على مواهبه ونحطمها، فحينئذ نحرم الأمة من هذه الطاقة الفعالة التي كانت يمكن أن تساهم في الخير، وكم تتألم لما ترى بعض الشباب مستقيماً وصالحاً وخيراً وقد أتاح الله له من يربيه، ولكنك ترى عنده مواهب وطاقات قد قضي عليها قضاء مبرماً نتيجة للتربية السيئة التي تلقاها، وهذا الأخ الذي يتولى تربيته يرى أنه قد نجح في تربيته؛ لأنه لا زال يسير في طريق الاستقامة والصلاح، فإذاً ليس المعيار مجرد استمراره في طريق الصلاح والاستقامة، بل المعيار هو وصوله إلى المنزلة التي يستحقها باعتبار ما يملكه من طاقات ومواهب.

ظلم النجباء بترسيخ صفة الغرور فيهم

من أخطائنا تجاه هؤلاء ومما يقع فيه الآباء والأساتذة والمربون: أن نساهم في جلب الغرور لهم، فمثلاً: الأب يكون عنده ابن متميز وفيه ذكاء واضح، ولهذا يعامله والده معاملة متميزة، وأعمامه وأقاربه لما يأتون يحتفون به أكثر من غيره من إخوانه ومن غيره من الأطفال، فيتربى من الصغر على الشعور وبأنه كائن آخر، بأنه إنسان متميز، فنساهم نحن في غرس الغرور عنده، وكذلك الأستاذ والمربي أحياناً يضعه في مواقع لا يستحقها، أو يبالغ في الثناء عليه ووضعه في هذه المواقع مما يساهم في زيادة الغرور الذي قلنا أنه من أكبر آفات هؤلاء النجباء.

ظلم النجباء بعدم الاعتماد عليهم وترسيخ هاجس الخوف من الغرور والإعجاب بالنفس عندهم

ومن الأخطاء التي نقع فيها تجاههم -وهو الخطأ المعاكس- تنمية هاجس خوف الإعجاب عندهم، فأحياناً نقضي على الشاب ونحطمه بحجة حمايته من أن يعجب بنفسه، وهي مشكلة أيضاً أخرى، فمثلاً: الأب لما يأتيه ابن عنده قدر من الذكاء فيعطي ملاحظات على ما يشاهده، ويبدأ ينتقد أشياء معينة، فيخشى الأب أن يعجب الابن بنفسه فيحاول أن يقضي عليه، ويقتل هذا الطموح عنده، ويربيه على الاتكالية وعدم الاعتماد على النفس، حتى أنك تجد أحياناً الشاب يكون عمره عشرين سنة ووالده لا يثق فيه ليرتب لوليمة أو مناسبة عائلية، بل أحياناً وللأسف لا يحصل الشاب على منزلة عند والده من الثقة إلا بالقدر الذي يؤهله لأن يشتري الخبز لأهله، فنقول لمثل هذا الأب: يا أخي إن هذا الابن لما بلغ سن التكليف أصبح مؤهلاً لأن يتحمل المسئوليات فأتمنه الله على الطهارة والغسل والصلاة والزكاة والحج وعلى سائر العبادات، ففرض عليه الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أحياناً يتخرج الشاب من الجامعة وهو غير مستقل في اتخاذ قرار، ولا يستطيع أن يعبر عن رأيه، ولا يمكن أن يشارك أبداً، فإذا نظرنا إلى كيفية تعاملنا مع أبنائنا لوجدنا أن الخلل فينا، مثلاً: عندما يكون عند الإنسان مناسبة فهل يثق في ابنه كي يتحمل مسئولية الإعداد للوليمة بدءاً من شراء الذبيحة والفاكهة وإعدادها ودعوة الأقارب والتنظيم والتنسيق مع المطبخ.. إلى غير ذلك، أبداً لا يمكن أن يثق فيه؛ لأنه لا يعرف كيف يشتري، ولا يعرف كيف يصرف.. إلى غير ذلك، فيبدأ الابن يتحطم، وحينما يطلب منه أستاذه أو من يربيه أدواراً هي أصلاً دونه يشعر أنها أعلى منه لأنه ما تعود على مثل هذه المسئولية، فنحن نساهم إذاً في تحطيم هذا الشاب، فالأب أو حتى الأستاذ أو أحياناً المربي يساهم في تحطيم هذا الشاب وقتل موهبته حتى لا يصاب بالغرور والإعجاب.

يذكر لي أحد الأساتذة أن عنده طالباً موهوباً وعنده قدرة جيدة في الفصاحة والإلقاء، فيقول: إني لا أمكنه من أن يلقي كلمة في المدرسة أبداً، فقلت: لماذا يا أخي؟ قال: أخاف عليه من الإعجاب بنفسه، فقلت: طيب يا أخي متى سيتأهل بعد ذلك؟!

ولننظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لنرى مواقف عجيبة:

فمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أمَّ قومه وهو دون العاشرة، طيب هذا ليس عرضة لأن يصاب بالإعجاب؟!

علي بن أبي طالب وهو لم يصل إلى سن العشرين وثق فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأتمنه على سر من أخطر أسرار الدعوة في مكة، حيث كان علي يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ، وما كان كل المسلمين يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم ، ونعرف فائدة هذه الثقة من قصته مع أبي ذر ، فلما جاء أبو ذر ليسلم تعرف عليه علي بن أبي طالب ثم قاده إلى دار الأرقم بطريقة محكمة فعلاً، نفهم منها لماذا ائتمن علي رضي الله عنه على هذا السر، وهذه المعلومات التي أعطيها علي ليست خطيرة في حق المجتمع، ولا في حقه هو، ولا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم حتى، بل هي خطيرة في حق الدعوة؛ لأن هذا المنزل بمن فيه يمثلون نواة الدعوة: (اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد في الأرض)، ومع ذلك يتحمل المسئولية.

في حادثة الهجرة يبيت علي يبيت على فراش النبي صلى الله عليه وسلم ويبقيه النبي صلى الله عليه وسلم ويسلمه الودائع ليسلمها لأعدائه الذين أخرجوه.

نموذج آخر: أسامة بن زيد رضي الله عنه يثق فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيشاوره كثيراً في أمور أهله، ويوليه النبي صلى الله عليه وسلم الجيش الذي يذهب إلى الروم وهو لما يبلغ العشرين من عمره، رغم أن هذه تكاد تكون أول مواجهة للمسلمين مع الروم، لأنه في غزوة تبوك ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من الروم كيداً، والمواجهة الفعلية ستكون هذه المواجهة التي سيذهب فيها فيوطئ الخيل تخوم البلقاء، فيوليه النبي صلى الله عليه وسلم الإمارة، وحين طعن بعض الناس في هذه الإمارة واستغربوا أن يتولى شاب هذا الأمر غضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (فإن كانوا طعنوا في إمارته لقد طعنوا في إمارة أبيه وإن كان لخليقاً للإمارة)، وهذا الجيش فيه كبار الصحابة، وفعلاً يقوم أسامة بن زيد بهذه المهمة وينجح فيها.

فهذا هو حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما عرفت البشرية أفضل تربية منه، وكما قال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (بأبي وأمي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رأيت معلماً أحسن تعليماً ولا تأديباً منه).

وأحسن منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء

خلقت مبرأً من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء

كما قال حسان رضي الله عنه في ثنائه على النبي صلى الله عليه وسلم.

فلا يمكن أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخطأ في حق أسامة وساهم في جلب الغرور إلى نفسه، فهذا الهاجس لم يكن موجوداً عند النبي صلى الله عليه وسلم.

في غزوة ذي قرد لما كان سلمة بن الأكوع رضي الله عنه صاحب مبادرة وصاحب موقف فعال كافأه النبي صلى الله عليه وسلم مكافأة معنوية بليغة جداً، فلما عاد من الغزوة أردفه النبي صلى الله عليه وسلم معه وهذا كان من أعلى ما يتمناه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيسير سلمة أمام الجيش رديفاً للنبي صلى الله عليه وسلم، وأنعم بها منزلة وأكرم بها منزلة.

أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم هنا حين يكافئ سلمة هذه المكافأة، فإنه يمكن أن يأتينا إنسان فيقول: إن هذا عرضة ليدخل الإعجاب والغرور في نفس سلمة رضي الله عنه، ومع ذلك يزيد أمره صلى الله عليه وسلم فيقول: (خير فرساننا قتادة ، وخير رجالتنا سلمة).

والمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى المواقف الكثيرة التي يثني فيها على جمع من أصحابه أو يوليهم مسئوليات، المهم أننا بحاجة إلى إزالة هذا الهاجس وهو خوف الإعجاب، فأحياناً نقضي على هؤلاء الشباب النجباء بحجة أننا نخشى عليهم الإعجاب، بينما نحن في الحقيقة نساهم في تحطيمهم والقضاء على مواهبهم أو كبتها، وتكون النتيجة إما أن يشعر بأنني لا أعرف قدره فيقول: هذا فراق بيني وبينك، وهذا يحصل كثيراً، أو أن يستمر ولكنه يستمر بعد أن قتلنا طموحه، وبعد أن قضينا على شخصيته، ونحن أحوج ما نكون إلى دفعها وإلى استخراج المزيد منها.

صحيح أن الإعجاب والغرور مشكلة، ولكننا ينبغي أن ندفع الشاب إلى الميدان بحكمة وبأسلوب مناسب، فإذا لمسنا عنده قدراً من الغرور والإعجاب فحينئذ نستطيع أن نعالج هذا الغرور وهذا الإعجاب، ولو توقفنا أحياناً وأمهلنا قليلاً عندما نشعر ببوادر الغرور والإعجاب لدى الشاب، فلربما يكون هذا الهاجس غير واقعي، بل لا أبالغ إذا قلت: إن أكثر ما يعاني منه النجباء الآن من خلال هذا الجيل الصاعد هو إشفاق المربين عليهم نتيجة رؤيتهم الخطأ من هؤلاء النجباء، ولكن الخطأ لا يعالج بخطأ آخر، فيجب أن ندفعهم، وأن نساهم في صقل موهبتهم، ولكننا في المقابل أيضاً نربيهم.

فمثلاً: بإمكاني عندما أرى أن هذا الشاب قد بدأ يتجاوز حده أن أكلفه -كتربية عملية للحد من غروره- بعمل أعرف أنا أنه لن ينجح فيه، وهو يتصور لثقته بنفسه أنه سينجح، وحينما يفشل فإن هذه التجربة ستساهم في الحد من كبريائه والحد من غروره، ويشعر أنه يمكن أن يفشل يوماً من الأيام، ويشعر أنه بحاجة إلى مزيد من الخبرة، وأنه لا زال بحاجة إلى مزيد من النماء، ثم نربي عند هؤلاء الإيمان والتقوى والخوف من الله، وأن الأمة بحاجة لهم، وأنه ليس عندنا فراغ لأن ننشغل بالاهتمام بأنفسنا أو بمواهبنا لذاتها، بل القضية بحاجة إلى أن نستنفر كل طاقات الأمة لخدمة دين الله سبحانه وتعالى، ونربي ونغرس عند الشباب هذه القضية، وأن يشعر الشاب من الصغر أن أي موهبة عنده هي نعمة من الله يجب عليه أن يسخرها لخدمة دين الله سبحانه وتعالى، ويعلم أنه سيسأل أمام الله عز وجل عن علمه ماذا عمل به، وسيسأل عن كل ما أعطاه الله سبحانه وتعالى من ذكاء وقدرة: هل سخرها لخدمة دين الله سبحانه وتعالى أم لا؟

إهمال النجباء وعدم العناية بهم

من الآفات التي نرتكبها تجاههم أو من مجالات ظلمهم: هو الإهمال وعدم العناية، وأننا لا نلتفت لهم، بل أحياناً لا نكتشف أن فلاناً يملك هذه الموهبة، فإن من مسئولية المربي أياً كان أستاذاً أو أباً أن يحرص على أن يكتشف المواهب والطاقات؛ حتى يستطيع أن يوجه الشاب ويوجه هذه المتربي الوجهة الصحيحة، وينمي هذه الطاقة والموهبة ويضعها في مكانها الطبيعي حتى تساهم في خدمة الأمة وخدمة الدعوة، فكثيراً ما نهملهم ولا نعتني بهم.

وننظر الآن مثلاً في قضية رعاية الموهوبين فنجد أن الغرب يعتنون بهم كثيراً، حيث يعتنون بهؤلاء الموهوبين من الصغر، بل إنه في نيويورك يقام معرض سنوي للمخترعين الصغار ممن هم دون الخامسة عشرة، وتختار من بين هذه المخترعات خمسون عينة وتعرض جنباً إلى جنب مع ما يقدمه المخترعون الكبار، أمة تحرص على أن تربي الطاقات، وتحرص على أن تربي هؤلاء النجباء، بالله عليكم هل أولئك خلقهم الله من طينة خاصة؟! هل أولئك الغربيون هم فقط الأذكياء وحدهم؟! هل هم وحدهم الذين يملكون القدرة؟! نحن نتيجة للمرض والتخلف الذي أصابنا صار عندنا وهم أن الذكاء خلق لهم وحدهم، وأن التقدم المادي خلق لهم وحدهم، هم بشر ونحن بشر، فما الذي يميز هؤلاء حتى يقودوا البشرية الآن؟! ما الذي يميزهم حتى يحققوا التقدم الاقتصادي والتقدم المادي والتقدم الصناعي؟! هل يجري فيهم دم زكي؟! هل خلقوا من طينة خاصة؟! بل نحن نرى أن هذه الأمة تملك طاقات أكثر؛ لأنها أمة خاصة، أمة اختارها الله لتكون خير أمة أخرجت للناس، ولتكون شهيدة على الناس في الدنيا والآخرة، فلا بد أن تملك الأمة أفضل الطاقات وأفضل المواهب، ولكننا نمارس أحياناً -بقصد أو بغير قصد- قتلاً ووأداً للطاقات، حتى إذا نبغت مواهب لا يفتح لها المجال للإبداع، ولا يفتح لها المجال للعمل، ولا يفتح لها المجال لئن تساهم في تصحيح المجتمعات، فإن مراكز الفكر والتوجيه أحياناً تصبح وقفاً على فئة خاصة من الناس، وأحياناً تصبح وقفاً على الذين حجروا عقولهم وصاروا يقولون: سمعاً وطاعة لكل أمر، أما الإنسان صاحب الإبداع الذي عنده روح الإصلاح للمجتمع، والذي يحمل غيرة على المجتمع، وهو مع ذلك كله يملك كافة المقومات التي يملكها الآخرون، لا يمكن أن يفسح له المجال حتى يؤدي ما عنده، أليس هذا وأداً وإهمالاً لهذه الطاقات؟

لا نريد أن نتحدث عن واقع الموهوبين والعناية بهم في بلادنا الإسلامية، وحتى لو اعتني بهم فنحن نريد أن يعتنى بهم ويوجهوا الوجهة الشرعية التي تخدم الأمة في مرحلتها الراهنة، فالأمة اليوم تعيش في ذيل القائمة، وهي أمة لا تملك قرارها ولا مصيرها، حتى المشاكل التي تثور بين الأمة الإسلامية لا تملك الأمة الرأي فيها، فهي بحاجة إلى أن تستنفر الطاقات، فكيف نساهم في وأد هذه الطاقات، سواء بقصد أو بغير قصد، سيان الأمر هي جناية وجريمة في حق هذه الأمة!

فلا نريد نقع نحن أيضاً في نفس الخطأ الذي يمارسه أولئك، فنكرر نفس الخطأ ونساهم في وأد الطاقات الصاعدة التي نأمل إن شاء الله أن تكون قائدة لجيل الصحوة.

توجيه النجباء توجيهاً خاطئاً لا يوافق مواهبهم

وأخيراً وهو الأمر الرابع: أن يوجه النجيب توجيهاً خاطئاً، فهو يملك مواهب وطاقات تؤهله لمنزلة معينة ومكانة معينة وقيادة معينة، فنوجهه لما لا يحسن، وقديماً قيل:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

والإنسان فضله وطاقته فيما يحسن، وإذا تحدث في غير فنه وفي غير ما يحسن -كما يقال- أتى بالعجائب، فنحن عندنا طريق وأحياناً طريق واحد نرى أنه لا بد أن يسلك، فإذا أتانا شخص نجيب يملك قدرات جيدة فإننا نتصور أنه أن يتوجه إلى هذا الطريق.

أتاني مرة أحد الطلبة -وهو يملك قدراً من النبوغ- ليستشيرني حول دراسته في المعهد العلمي فقال: إن أهلي يشيرون عليَّ أن أترك المعهد العلمي وأتوجه إلى الثانوية العامة، قلت: لماذا؟ قال: لأجل أن أكون مثل والدي -وكان والده مهندساً- فقلت له: يا أخي الكريم، أنت تملك قدراً من الذكاء والنبوغ قد يفوق أقرانك، ولكن عندما تتوجه للعلم الشرعي، وتسخر علمك في خدمة دين الله سبحانه وتعالى، فستكون عالماً شرعياً وستملك مكانة أكثر مما يمتلكه أبوك الآن، فأبوك يملك منزلة وشهرة ومكانة اجتماعية، وهي التي لا تسعى إليها أنت، ونحن أحوج منك أن نوجه هذه الطاقات إلى العلم الشرعي؛ لأنا نريد إنساناً مخلصاً يقول كلمة الحق، ونريد إنساناً جريئاً، يضحي بوقته ومع ذلك يحمل العلم الشرعي، حتى يقود الأمة قيادة صحيحة وسليمة.

فأحياناً يتصور أن الشاب الذكي النابغ ما ينبغي أن يتوجه للعلم الشرعي، وإنما ينبغي أن يتوجه للطب أو الهندسة وأنه لو لم يفعل ذلك فإنه يكون من الإهمال للطاقات والإهدار للطاقات.

فنقول: ثم ماذا؟ يتوجه للطب ويكون طبيباً ثم تقتل موهبته ويوضع في مكان آخر ويتولى عليه رجل نصراني وانتهينا، أو يكون مهندساً أو غير ذلك، لأنه حتى لو نبغ في علمه فلن يتاح له المجال الذي ينتج فيه، صحيح نحن لا نقلل من شأن هذه العلوم، ولكننا بحاجة إلى أن ندفع فئات من هؤلاء أصحاب الشجاعة، وأصحاب الجرأة على اتخاذ القرار، وأصحاب العمق في التفكير وأصحاب الذكاء، نحتاج لأن ندفع فئات من هؤلاء للعلم الشرعي حتى يقودوا الأمة، فإنه من غير المعقول أن التخصصات الشرعية لا يتوجه إليها إلا الأغبياء والمغفلون.

هذه بعض الخواطر حول هذا الموضوع، وهو موضوع له أهميته كما قلت، وهذا الموضوع وغيره لا يمكن أن نقتصر فيه على مثل هذه الأحاديث، بل لعل ما أطرحه يكون على الأقل مساهماً في إثارة الاهتمام بهذا الموضوع، وأن يشعر الآباء والمربون والأساتذة أنهم يجب أن يعتنوا بهؤلاء النجباء، وأنهم عندما يعتنون بهم فإنهم يعتنون بالجيل اللاحق ويعتنون بقادة الأمة.

لعلي أقف عند هذا الحد لأجيب على بعض ما ورد من أسئلة الإخوة.

الأسئلة

الدعوة إلى الاهتمام بالنجباء لا يعني إهمال من هم دونهم

السؤال: تعلمون حفظكم الله كما أن لأهل السنة والجماعة أصولاً اعتقادية فإن لهم أصولاً سلوكية ومنهجية دعوية، ومن هذه الأصول: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام:52]، وقوله: وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا [هود:29]، ولقد أكثرت حفظك الله من الإشارة إلى وجوب الاهتمام بالنجباء، ولكني أخشى أن يفهم من هذا تقليل الاهتمام بغير النجباء، وإن كانوا أقوياء الإيمان، وهذا يخالف الأصل السابق؟

الجواب: نحن أحياناً عندنا مشكلة، وهي أننا لما نسمع إنساناً يتحدث عن قضية معينة فنفترض أنه يتحدث عن كل ما يتعلق بالدعوة إلى الله عز وجل، فأنا الآن لم أتحدث عن الدعوة إلى الله أصلاً، وإنما تحدثت عن جزئية واحدة وهي النجباء، وكيف نتعامل مع النجباء، فهل يفهم أحد من كلامي أني أدعو إلى إهمال الناس الآخرين؟ وهل يفهم من كلامي أني أدعو إلى العناية بالنجباء وحدهم؟ لا أبداً، فدعوة الله سبحانه وتعالى عامة إلى الناس جميعاً، للمتعلم وغير المتعلم، للصغير والكبير، ولكن هذا النجيب يحتاج إلى قدر من التربية وقدر من العناية والرعاية؛ لأنه سيتبوأ منزلة وسيؤهل لقيادة لم يتبوأ لها غيره، وهذه القضية لا نقاش فيها، فدعوة الله عامة للصغير والكبير، وقد قلت في ثنايا المحاضرة: أننا بحاجة إلى أن نستنفر كل الطاقات حتى الشيخ الطاعن في السن، وحتى العجوز في منزلها بحاجة إلى تسخر هذه الطاقة للدعوة إلى الله عز وجل ولخدمة الأمة، هذه قضية ما نخالف فيها، وأن الدعوة إلى الله مخاطب بها الجميع.

وقبل أن أتحدث أمامكم اليوم كنت أتحدث مع السجناء، وإذا كان السائل يفهم أني أنطلق من هذا المنطلق، فماذا عساي أرجو من وراء أولئك السجناء، وأنا هنا لا أحتقرهم، لكن أولئك طبقة نعتبر أننا حققنا قدراً من النجاح معها عندما يستقيم الواحد منهم على طاعة الله عز وجل ويترك ما هو عليه من الفساد والسوء، فلا أدعو بحال إلى إهمال هذا القطاع، ولا يمكن أن يفهم ذلك مما أقوله، لكن الذي أدعو إليه أن نعتدل في الفهم، فعندما يتكلم إنسان عن موضوع معين جزئي فلا يعني ذلك أن هذا هو أهم الموضوعات، فمثلاً: الآن عندما أتحدث عن هذا الموضوع هل يعني هذا أن هذه أكبر مشكلة تواجه الدعاة؟ وهل يعني أن هذه القضية أهم قضايا الدعوة؟ لا ليس بالضرورة، فأنا أجزم أن هناك موضوعات أهم، وأن هناك جوانب أخرى، لكني أتحدث عن قضية جزئية معينة بحاجة إلى أن نلقي عليها الضوء ونعتني بها.

ضرورة سعي الإنسان إلى تطوير نفسه في مجاله الذي يتخصص فيه

السؤال: نحن شباب لسنا بالنجباء ولكن نعد من الملتزمين، ولكننا لا نرى في التزامنا زيادة بل نحن باقون على حد معين لا نزيد ولا نقص، فما الحل في مثل حالنا؟

الجواب: الإنسان -كما قلنا- مسئول مسئولية فردية، والإنسان لا يبقى عند مستوى واحد، فكل إنسان يملك قدراً من الاستمرار، حتى الرجل الطاعن في السن عندما يهديه الله عز وجل يستطيع أن يغير الكثير، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء بهذا الدين دخل في الإسلام كبار السن والعجائز، وكان منهم نماذج رائعة، فكان منهم: المرأة العجوز التي تقدم بها السن وفي ثقافتها على أن هذا الطفل الذي تربيه تخشى عليه الموت وتخاف عليه النوائب وترى أنه ذخر لها في قادم أيامها، ولكنها بعد ذلك أصبحت ترمي به في المعارك، وتتمنى أن يقتل، وتتمنى أن يشرفها الله باستشهاده، وهي ما تربت هذه التربية إلا في سن متأخرة، فكل إنسان قابل للتربية، والذي يملك القرار الوحيد هو أنت.

بل حتى أنت افترض أن الله رزقك بمرب قدير يملك قدرات ومؤهلات عالية، فإذا لم يكن عندك تفاعل أنت أصلاً فإنك لن تستفيد من هذه التربية، وغاية ما يستطيعه المربي هو أن يقدم لك فقط الفرصة، وأن يتيح لك المجال، أما التفاعل والاستجابة للتربية فهو قرار لا يتخذه إلا أنت، حينئذ يجب أن تساهم أنت بزيادة التزامك والحرص على الإيمان وزيادة العلم، وتقوى الله سبحانه وتعالى، وزيادة الخبرات والطاقات التي ترى أنك تحتاج إليها.

الأساليب التي يلجأ إليها المربي لتحريك الطاقات وتوظيفها عند تلاميذه

السؤال: من كان قائماً ومربياً على جيل يعد للدعوة ولحمل هذا الدين فكيف يحرك ما به من طاقات ويوظفها التوظيف الصحيح؟

الجواب: هناك عدة أساليب لعلنا نشير إلى بعضها باختصار، منها:

أن نربي عند الناس أن يحملوا في قلوبهم الغيرة على دين الله سبحانه وتعالى، وأن تكون الدعوة إلى الله عز وجل هماً لهم، وأن تصبح هي الهاجس الوحيد والهدف الذي يتطلع إليه، وهي قضية القضايا عنده، وهذا شعور يجب أن نحاول وأن نجتهد في أن نغرسه عند كل مسلم، أن يشعر بأن الأمر الذي ينبغي أن يسعى إليه هو هذا الدين ونصرته، وأن يتيقن أننا الآن لسنا في مرحلة أن الإنسان يبدأ يباري غيره في الشهرة أو في المال أو في الثراء أو في تحقيق الشهوات، فالأمة الإسلامية تعيش في مرحلة حرجة -بل وأسوأ من الحرجة- وهي بحاجة إلى أن تستنفر الطاقات، فنربي عندهم هذا الشعور؛ أن يشعر بالغيرة، وأن يشعر بالواقع المر، وأن يشعر بأنه هو وغيره هم أداة التغيير، وأن هذا الواقع لن يغيره إلا الناس.

ثم بعد ذلك أيضاً من الوسائل: ذكر النماذج التاريخية السابقة كأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الشباب وغيرهم من الجيل السابق.

كذلك أيضاً من الوسائل: التربية العملية، وذلك بأن يدفعه ويعطيه خطوات عملية، مثلاً: هذا إنسان عنده قدرة على الخطابة والإلقاء فعلي أن أبدأ بتعويده على إلقاء كلمات أمام زملائه في الفصل، أو أمام زملائه في أي لقاء آخر، حتى يتقوى ويبدأ في إلقاء كلمات في مساجد نائية، وإذا وجد إنسان أشعر أن عنده قدرة على القيادة والمسئولية فأبدأ أحمله مسئوليات بسيطة في البداية، ثم أتدرج به حتى يكون مؤهلاً، فهذه هي التربية العملية، ثم التربية العملية هي من أفضل وسائل الإقناع، فقد يكون الشاب عنده قدرات مدفونة لكنه لا يشعر بها، وعندما أضعه في الموقع المناسب وينجح في أداء الدور المناط به يقتنع حينئذ أنه قادر.

التربية العملية علاج للنجباء من الشعور باحتقار النفس

السؤال: يعاني كثير من المربين والعاملين مع النجباء مشكلة احتقارهم لأنفسهم أو ما يسمى بالتواضع؟

الجواب: لا هو ليس بالتواضع، التواضع أمر مشروع، لكن نحن وهماً نسميه بالتواضع، فالإنسان لا يتصدر، ولا يقول كلمة، ولا يعض الناس، ولا يدعو بحجة أنه يتواضع، ولأنه يرى أن من تقوى الله ألا يتصدر، هذه مغالطة، نعم نحن لا ندعو الإنسان إلى أن يتصدر إلى ما ليس له بأهل، ولكن أيضاً من علم علماً فلا يسوغ له أن يسكت عنه، ومن رأى منكراً فلا يسوغ له أن يمتنع عن إنكاره؛ لأن من أعطاه الله خيراً فسيسأل عنه يوم القيامة، فأقول: أفضل الوسائل لهؤلاء التربية العملية، وذلك بأن يوضع في ميدان حتى يرى النجاح بنفسه ويلمس النجاح ويوقف هو على النجاح، أحياناً: الإنسان قد يقوم بعمل فينجح فيه لكنه لا يلمس النجاح بنفسه، فيأتي مثلاً يلقي كلمة على زملائه ولا يستطيع أن يلمس أثر هذه الكلمة، لكن عندما أقول له: كلمة رائعة وجيدة وفلان تأثر بها، فإنني بذلك أوقفه على نجاح فعلاً، وحينئذ أعطيه دفعة وشعوراً بالنجاح؛ لأنه ما من شيء يقنع الإنسان إلا النتائج المباشرة له.

فأنا أتصور أن أفضل وسيلة تقنع هؤلاء الذين يحتقرون أنفسهم هي أن يوضعوا في الميدان، وحينئذ سيلمسون النجاح بأنفسهم.

بعض الوسائل المعينة على التغلب على صفة الغرور والعجب عند الداعية

السؤال: المرأة الداعية إلى الله كيف تواجه مشكلة الغرور والإعجاب بالنفس، خاصة إذا كان من حولها هم الذين يوحون إليها بأنها ذات منزلة ومكانة عالية في مجتمعها، ونحن نعلم أثر المجتمع المحيط على الفرد؟

الجواب: هي مشكلة تعاني منها المرأة كما يعاني منها الرجل، أولاً: نحن نفرح ولله الحمد أن يوجد من النساء من تؤدي هذا الدور، والإنسان حين يشعر أنه يؤدي دوراً ما ثم يدعوه ذلك إلى الغرور أو الإعجاب بالنفس، فلا يصح أن يتخذ قراراً معاكساً ويترك هذا الدور، لا بل يستمر في هذا الدور، ولكن يبدأ يعالج المرض ولا يعالجه بخطأ آخر.

ومن وسائل العلاج: أن يتذكر الإنسان ذنوبه وتقصيره، وأن يذكر أن هذه نعمة أعطاه الله إياها، وسيحاسب على قدر هذه النعمة، وأن هذه منة من الله وليست من تحصيله.

وكذلك من وسائل العلاج، ومن أفضلها: أن يقرأ في سير السلف؛ لأنه سيجد نماذج عالية لا يمكن أن يقيس نفسه بهم إطلاقاً، وإذا فعل فإنه سيحتقر نفسه وسيرى أنه لن يصل إلى شيء.

ومن الوسائل أيضاً: أن يعلم أن الناس لا يعلمون حقيقته، ولا يعلمون ما في داخله، ولا يعلمون قدراته، وإنما الناس لما يجدون عند أي إنسان شيئاً ليس عندهم فإنهم يعطونه مكانة عالية، ويتصورون أن هذا عالم وأن هذا صاحب قدرات، فقط لكونه يملك شيئاً لا يملكونه، فينبغي له أن يعرف أن تقييم الناس له لا يساوي شيئاً ولن ينفعه أمام الله عز وجل، وحينما يتذكر هذه الأمور ويستعين بالله ويدعو الله عز وجل ويتذكر ذنوبه فلعل هذا مما يساهم في دفع هذا الغرور.

شعور الداعية بالتقصير في نفسه يدفعه إلى تربيتها لا إلى ترك ما يدعو إليه

السؤال: إنني إنسان قد أعطاني الله قدرة على إقناع الشباب المبتدئين في العلم والحفظ ورحل مشاكل الشباب، ولكني أجد في نفسي أنني أريد أن أكون أنا الأعلى، فإذا فتشت في نفسي وحاسبتها وجدت أني مقصر في كل ما أحث عليه، فأرجو أن توجهوني إلى حل هذه المشكلة، فإني أعاني منها منذ زمن طويل، علماً أن كثيراً من الشباب يعتبرونني قدوة لهم، ويرجعون إلي في كثير من مشاكلهم، وجزاكم الله خيراً.

الجواب: نقول: هذه منزلة طيبة فلا تفرط فيها؛ لأنك حين تكون مرجعاً للشباب، وتساعد في حل مشاكلهم، وقدوة لهم، ولكن كما قلت سابقاً ليس الحل أن تترك هذا الأمر، بل الحل أن تساهم في تربية نفسك.

ثم أنت هل تتصور أن الآخرين أيضاً لا يعانون من هذه المشكلة؟ الجميع يعاني من هذه المشكلة، ويرى أنه من أكثر الناس تقصيراً وذنوباً وإهمالاً، أنا الآن الذي تعرض علي السؤال أشعر بأني أكثر منك تقصيراً وإهمالاً، بل أشعر أن الكثير ممن يستمع إلي هو أتقى لله وأخشى لله مني، وما لي من رجاء أكثر من أن ينفعني الله بدعوة من رجل صالح سمع مني خيراً فنفعه الله به، هذا العمل الذي أرجوه، أما ما أقدمه فأنا أعلم بنفسي، وأعرف أن عندي تقصيراً، وأعرف أن عندي إهمالاً وذنوباً، لكن لو كان كل إنسان يرى عنده ذنوباً وتقصيراً فلن يعمل أحد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم لا يذنبون).

فالبشر لا بد أن يقعوا في الذنب والتقصير، ثم الذنوب شيء وواجب الدعوة شيء آخر، يعني: وقوعك في الذنب لا يعني أبداً أن تترك الدعوة، وتعال قارن لي بين شخصين: شخص مذنب ومقصر ويساهم في الدعوة، وشخص آخر مذنب ومقصر ولا يساهم في الدعوة، أيهما أسوأ حالاً؟ فهل الحل أن تترك الواجب الشرعي بحجة أنك مذنب؟! لا أدري من أين جاء هذا الوهم، عند بعض الناس شعور أنه لا يصلح لأن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر ولا ينصح ولا يقول كلمة الحق إلا الإنسان المتقي الكامل، أبداً، إذا صار عندنا هذا الشعور فلن يصل الإنسان إلى المنزلة التي يقتنع فيها بنفسه، وإذا وصل الإنسان إلى منزلة يقتنع فيها ويرضى فيها عن حاله فهو مغرور ومعجب بنفسه.

كما يوجد النجباء الصالحون يوجد النجباء المنحرفون

السؤال: ذكرت أثابك الله بعض النجباء من الصحابة رضي الله عنهم وكيف اعتنى رسول صلى الله عليه وسلم بهم، فهلا ذكرت أمثلة حية من الجيل المعاصر؛ حتى لا يقول البعض: إن جيل الصحابة لن يتكرر لتتحقق القدوة الحية بهم، وحتى يقتنع البعض بتكرر أولئك النجباء في كل مجتمع، كما أن هناك بعض النجباء الذين انحرفوا، فلو ذكروا للعبرة والحذر، خصوصاً أن بعضهم لم يهتدوا إلى هذا الدين أو ارتدوا عنه نسأل الله السلامة، خصوصاً أن مدينة شقراء ولله الحمد تزخر بالكثير من النجباء نفع الله بهم الإسلام والمسلمين.

الجواب: هذه شهادة ونحن لا ننكر هذه الشهادة لكن على الأقل أنت متهم؛ لأنك تشهد لبني قومك، ونحن لا ننفي عن بني قومك هذه الصفة، ونعرف منهم إن شاء الله الأفاضل والنجباء، ونؤمل فيهم الخير الكثير، لكن الإنسان يتعود أنه ما يشهد لبني قومه؛ لأنه قد يكون متهماً.

على كل حال النماذج المعاصرة نحن نراها ولا نحتاج إلى أن نمثل، فالقادة من الناس الذين يقول أحدهم الكلمة فيسير الناس وراءه، والذين يغيرون كثيراً في المجتمعات هم كثر ولا نريد أن نمثل بهم.

لكن سنتكلم عن الشق الثاني وهم النجباء المنحرفون وهو فعلاً سؤال وجيه، وسبق أن أشرت إليه، فانظروا مثلاً إلى فرويد صاحب النظرية الإباحية في علم النفس، وكم سار وراءه من البشر، فهو رجل نابغ قطعاً، وأيضاً ماركس وغيره من الناس النوابغ، صاحب الفكر الوجودي، وكل أصحاب المبادئ المنحرفة المعاصرة هم ناس نوابغ ولا شك، كذلك قادة الأمم الكافرة نوابغ، ولكن كم يتحملون من أوزار الذين يضلونهم بغير علم، وبعض قطاع الطريق وبعض المجرمين هم من النوابغ، فتجده يحترف في الإجرام لكن ماذا جنى من قدراته؟

إذاً: كما قلنا: إن قدرتك إذا لم تسخرها في الخير فقد تقودك إلى الشر، عافانا الله وإياك.

ولعلنا نكتفي بهذا القدر من الأسئلة حتى لا نثقل على الإخوة، وفي الختام نشكر الإخوة القائمين على الدعوة على حسن ظنهم ودعوتهم، والإخوة الحضور على استجابتهم وعلى حضورهم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لقاءنا لقاء خير وبركة، وأن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، ونعوذ بالله من فتنة القول كما نعوذ به من فتنة العمل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العمل بما علمنا، وأن يوفق هذه الأمة وشبابها الصاعد، هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , آفات النجباء للشيخ : محمد الدويش

https://audio.islamweb.net