اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , وصايا من الله في العشرة الزوجية للشيخ : محمد المنجد
قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ... الآية النساء:34] ومعنى قوله تعالى:الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] أن الرجل هو القائم على المرأة، ويجب على المرأة أن تطيعه فيما يأمرها به بالمعروف، فإن طاعة المرأة للرجل ليست مطلقة، وإنما هي مقيدة بحديثه صلى الله عليه وسلم (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) وطاعة المرأة للرجل واجبة إذا كانت بالمعروف، فإذا أمرها بأمر ليس فيه إثمٌ، وجب عليها أن تطيعه.
وقول الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34] يعطي معنى السيادة للرجل بالمعروف، إذ أن الله تعالى جعل فيه من المزايا ما يكون به أهلاً للسيادة في الغالب، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قومٌ ولوا أمرهم امرأة) رواه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، فإذا جعل الرجال أمرهم إلى امرأة، فإن أمرهم إلى زوال وتباب، ولن يفلحوا.
وقد يكون في بعض النساء رجاحة في العقل وفطنة وذكاء، ولكنها لا تزال تحيض ويقع لها في النفاس، وتكون معرضة لأنواع الضعف النفسي والعاطفي والجسمي بما لا تصلح معه أن تكون هي القائمة بالأمر مهما كان ذكاؤها وفطنتها.
ولأن المرأة مطمعٌ للطامعين، ومجالٌ لعبث العابثين، وهدفٌ لأصحاب الشهوات من أولياء الشياطين، جعل الله تعالى الرجل حامياً لها وحافظاً، فجعل الأب ولياً، والزوج سيداً، ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم يقوم عليها ويحفظها؛ لأن سفرها بغير محرم يجعلها عرضةً للطامعين وأهل الشهوات، وتكون هي أيضاً معرضة للانحراف، فإذا أمن منها لم يؤمن عليها، ولذلك أحاطت الشريعة المرأة بحماية الرجل فقال الله: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34].
إن المرأة مكفية محمية، والعتب على الرجال الذين يضيعون نساءهم، فلا يقومون بأمرهن، وربما تركها الواحد تسافر بغير محرم، أو يهجر البيت ويسافر فترة طويلة، وربما تكون المرأة معرضة لمن يسطو على البيت، أو يقتحم البيت ونحو ذلك، فنقول: لا يجوز ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) فالعتب على بعض الذين يخرجون بحجة الدعوة ويتركون نساءهم في البيوت مضطرات إلى الأجانب، فتركب سيارة أجرة بمفردها، أو تذهب لشراء الأغراض بمفردها، وقد تكون وحيدة في البيت، أو معها أولاد صغار لا تأمن على نفسها، فهذا من التضييع المحرم ولا شك، ولذلك كان عمر رضي الله عنه وأرضاه لا يؤخر الزوج عن زوجته في الجهاد أكثر من أربعة أشهر أو ستة؛ على خلاف بين أهل العلم في المدة القصوى في ابتعاد الرجل عن زوجته، وكم تتحمل المرأة من فراق الزوج، ولذلك كان الذين يهجرون زوجاتهم فترات طويلة من الزمن متسببين في وقوع الزوجات في الفاحشة والحرام، وهذا واضحٌ في زمننا أشد الوضوح، فإنك لا تزال تسمع عن القصص الكثيرة المؤلمة والمأساوية التي وقع فيها عدد من النساء في الحرام، نتيجة هجر الزوج لزوجته، أو ترك البيت، أو السفر الطويل، فكان لابد من المحافظة على الزوجة.
ويوجد بعض العمال الذين يذهبون للعمل والوظائف في البلدان الأخرى ملزمين في الشريعة باستئذان زوجاتهم إذا أرادوا الغياب عنهن أكثر من أربعة أشهر أو ستة، فإذا كان عقده سنوياً، ولا يأخذ إجازة إلا شهراً في السنة، وأحياناً لا يأخذها إلا كل سنتين مرة، فما حكم غيابه عن زوجته؟
الجواب: حرام لا يجوز إلا إذا وافقت الزوجة، ولم يكن عليها ضرر، ولا فتنة، ويجب عليه أن يستأذنها، فيقول: إني أريد الغياب في طلب الرزق أكثر من ستة أشهر، فهل تسمحين لي بذلك؟ فإن سمحت بهذا الغياب الطويل، وكانت في مكان آمن وليس عليها خوف من فتنة، جاز له هذا السفر الطويل، وإلا لم يجز، ولزمه أن يعود إليها.
والنفقة لا حد لها في الشريعة بمبلغ معين، ولكنها داخلة في عموم قوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19] فينفق عليها بالمعروف، فيشتري لها طعامها الذي تحتاجه، ولباسها الذي تحتاجه، ويهيئ لها سكنها الذي تحتاجه، وبالجملة فحاجات النساء متعددة، فيجب عليه أن ينفق عليها بالمعروف، وأن يكسوها بالمعروف، وأن يطعمها بالمعروف.
فإذا بخل ومنع النفقة الواجبة وتركها وأولادها دون مال وطعام، أو دون كسوة بالمعروف، فإن لها أن تأخذ من ماله بغير إذنه، وقد رخص لها الشارع في الأخذ من ماله بغير إذنه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للمرأة الصحابية: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) أي: من وراء الرجل إذا كان بخيلاً، أما إذا كان يعطيها، فلا يجوز لها أن تأخذ من ماله شيئاً، ولا أن تتصدق بطعامه الذي يشتريه للبيت إلا بعد إذنه، فإذا علمت أنه يسمح بالتصدق بالطعام -والنبي صلى الله عليه وسلم قال (ذلكم أفضل أموالنا)- فيجوز لها أن تتصدق به، وإلا فلا بد من استئذانه.
فتبين أنه يجب على المرأة أن تطيع الرجل؛ لأنه ينفق عليها، ولأنه قوامٌ عليها، وهو سيدها وبيده عصمتها وطلاقها، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عوان) يعني: أسيرات، جمع عانٍ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (فكوا العاني) والعاني هو: الأسير.
فلما أوجب عليه النفقة أوجب له الطاعة، ولذلك كانت المرأة التي لا تطيع زوجها محرومة من النفقة في الشريعة، فلو أنها خرجت من بيته بغير إذنه وذهبت إلى بيت أهلها وعصته ولم ترجع، فليس لها قرش واحد، ولا يجب عليه النفقة عليها، ولا أن يرسل لها بالمصروف إلى بيت أهلها، لأنها نشزت أي: خرجت عن الطاعة، إذ خرجت من بيت الزوجية بغير إذنه، فإذا هجرته وتركته وخرجت، فليس لها مصروف ولا نفقة، ويختلف الأمر فيما لو كان هو الذي طردها فقد يرسل لها لإصلاح الأوضاع، أو لإزالة حنقها، أو لتأليف قلبها، لكن لا يجب عليه ذلك، ولذلك فإن موضوع النفقة في الإسلام موضوع مهم، يجب معرفة حدوده وضوابطه، وقد تكلم العلماء في موضوع النفقة في تفصيلات كثيرة، ولا يزال موضوع النفقة من الأشياء التي يحصل فيها الخلاف بين الرجال والنساء، والتي هي مثار لكثير من الخلافات الزوجية، فإنك لو تتبعت أسباب الخلافات الزوجية، لوجدت أن من أسباب الخلافات الزوجية الخلاف على النفقة، فقد تقول هي: أنت لا تعطيني إلا القليل، ويقول هو: أعطيك ما يكفيك وزيادة، فيختلفان في النفقة.
الجواب: لا يزال الإنفاق على الرجل، ولم يجعل الله على الزوجة نفقة ولو كانت غنية، هب أنه تزوج ابنة رجل غني فمات، فورثت عن أبيها عشرات الملايين، وهو يأخذ بضعة آلاف لا تتعدى أصابع اليد الواحدة، فلا زالت النفقة على الزوج ولو كانت الزوجة غنية، ولذلك يقول الله: وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34] ولا يجب على الزوجة لو قال لها: ادفعي الإيجار الفواتير أو راتب الخدامة ونحوها من مصاريف البيت، فتقول:لست ملزمة بذلك، ولها الحق في ذلك، لكنها تخرج من البيت للعمل، ويجوز للزوج أن يمنعها من الخروج، صحيح أنها غير ملزمة بالنفقة، ولا الاشتراك في النفقة، لكنها تخرج من البيت للعمل، فيجوز للزوج أن يمنعها منه إلا إذا كان شرطاً في العقد، فلو اصطلحا فقال لها:أتركك تخرجين للعمل مقابل المشاركة في النفقة، جاز هذا الصلح، بما أنه يحق له أن يمنعها من العمل والخروج إلى العمل، وبما أنها لا يجب عليها النفقة، فلو قال لها:أنت تخرجين من البيت وهذا يلحق بي ضرراً، فأنا أعود قبلك أحياناً من العمل، وأعود ولا أجد طعاماً جاهزاً، وأعود فأجدك متعبة منهكة، والأولاد ليسوا في رعايتك في الفترة الصباحية، وهذا لا شك أن فيه ضرراً.
وسبحان الله العظيم! جعل الله البنت عند الأب -لو حصل انفصال بين الزوج وزوجته- قبل البلوغ لأجل أن تستعد للخاطب إذا جاء، فالله جعل البنت عند البلوغ لا هم لها إلا انتظار الزوج القادم، لا وظيفة، ولا شيء، والعمل الأساسي للمرأة أنها تقوم بالبيت، زوجة، وأم وحارسة للقلعة، وليست مسئولة عن الوظائف والإنفاقات والماديات أبداً.
ثم إن كثيراً من النساء اللاتي يخرجن للوظائف إنما ينفقن جزءاً كبيراً من الراتب في الموضات والأزياء، وأدوات الزينة والتجميل، فتخرج بما كره لها الشرع الخروج فيه لتضع المال فيما كره لها الشرع أن تضعه فيه، تخرج بطريقة لا تحمد شرعاً، وتضع المال في شيء لا يحمد شرعاً، ولذلك تجد العاقلات من النساء في الإنفاق من الموظفات قليلات، ومن هنا جعلت الشريعة الإنفاق على الرجل، وهو الذي يعرف أوجه الإنفاق أكثر من المرأة.
والحاصل أن خروج المرأة له ضوابط، ويجوز أن يصطلح الرجل وزوجته الموظفة على قدر من المال تنفقه؛ كأن يكون عليها نصف إيجار البيت، أو نصف المصروف، أو ربع المصروف، أو تعطي زوجها نصف الراتب، أو ربع الراتب بحيث يسمح لها بالعمل، وهذا جائز شرعاً، فيجوز الاتفاق على مثل هذا مقابل خروجها من البيت، وما يتسبب من ذلك من تعطيل حق الزوج.
حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34] وهو الشيء المخفي، أي: عند غيبة الزوج، فإذا غاب عنها الرقيب حفظت نفسها وفرجها وولدها وبيتها ومال زوجها، قال الله في ذكر صفات المرأة الصالحة: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ [النساء:34] يعني: بحفظ الله ومعونته، فإنها لا تستطيع أن تحفظ عفتها ونفسها ومال زوجها وأولاده إلا إذا أعانها الله على ذلك فالحفظ الحقيقي من الله فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً [يوسف:64].
والعبد يقوم بما عليه من الحفظ ضمن حفظ الله تعالى، فهذه صفات المرأة الصالحة: قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34] فلو وجدت لك امرأة قانتة، مطيعة لله، قائمة بأمر الله، محافظة على الصلوات وما طلب الله منها من الحجاب، قانتة لله، عندها أمانة في دينها، وفي حفظ عفتها ومال زوجها وولده، فارج خيراً منها، فلخص الله صفات الزوجة الصالحة بقوله: قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ [النساء:34].
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34] والنشوز هو العصيان، وقالوا: نشزت المرأة إذا استعصت على بعلها بأن تعصيه ولا تطيع أمره، أو تخرج من بيته بغير إذنه، أو تمنعه نفسها بلا عذر.
وللنشوز صور كثيرة: فخروجها من بيت زوجها بغير إذنه نشوز، ومنعه نفسها بدون عذر شرعي نشوز، وإنفاق ماله في غير ما أمرها به نشوز، أمرها بأن تعمل بالمعروف فرفضت إذا قلنا أن الخدمة واجبة عليها، فقالت:لا أطبخ طعامك، ولا أنظف بيتك، ولا أغسل ثيابك، ولا أقوم بأطفالك، دبر نفسك، اشتر لك غسالة وخدّامة، واشتر الأكل من المطعم، وهذا نشوز، هذه صور واضحة من صور النشوز، فإذا حصل هذا، فما هو موقف الزوج شرعاً؟ وهل يلجأ مباشرة إلى الطلاق بالثلاث مثلاً؟
الجواب: لا. فقد جعل له الشارع طرقاً وأساليب منها:
الإجراء الأول تذكيرها بما أوجب الله عليها من الطاعة وحسن العشرة والترغيب والترهيب، فيقول لها مثلاً: اتقي الله يا امرأة! إن الله وعد المؤمنات اللاتي يطعن أزواجهن، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهن من أهل الجنة بأن قال: (من عبدت ربها، وأطاعت زوجها، وحفظت فرجها، قيل لها: ادخلي الجنة) .. (خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناهن على ولد في صغره، وأرعاهن للزوج بما في ذات يده) فحنو المرأة على الطفل، ورعايتها لمال الزوج من الخصائص العظيمة التي تميزت بها نساء قريش الصالحات، واشترك معهن من اشترك بتفاوت من بقية الصالحات من غير قريش.
فتذكر ميزة المرأة إذا أطاعت زوجها، وتُذكر أيضاً بعقابها إذا لم تطعه، وأنها إذا تخلفت عن فراشه وقد دعاها لغير عذر، فإن ربها يغضب عليها ويسخط عليها وتلعنها الملائكة، فتوعظ هذا الوعظ ترغيباً وترهيباً، ترغيباً فيما لها إذا أطاعت، وترهيباً فيما لها إذا عصت، فإذا لم ينفع ذلك، فينتقل إلى إجراء أشد، لكن ليس هو الإجراء النهائي.
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ [النساء:34] أي: فإذا سلمت المرأة وأطاعت بعد هذه الإجراءات سواءً بعد الوعظ، أو بعد الهجر، أو بعد الضرب فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً [النساء:34] فإذا تركن النشوز فلا يجوز البغي عليهن، ولا يجوز الهجر ولا الضرب ما دامت قد أطاعت ورجعت إلى رشدها، ثم ختم الله الآية باسمين كريمين مناسبين للواقع، قال: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34] فإذا أنت أعلى من المرأة فالله أعلى منك، وإذا أنت أكبر من المرأة، فالله أكبر، فانظر كيف انتهت الآية، قال: فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34] فانتهاء الآيات مناسبة للموضوع، وما فيها من المعاني وهذه حكمة بالغة وبلاغة قرآنية عالية؛ فيا أيها الزوج لا تبغ؛ فإن هناك من هو أقوى منك، ولا تستعلِ فهناك من هو أعلى منك، ولا تستكبر فهناك من هو أكبر منك: إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً [النساء:34].
ثانياً: أنهما أحفظ لأسرار الزوجين، لأن الغريب لو جيء به لربما يخطب بهما خطبة الجمعة، أو يدلي بالتصريح في المجالس عما حصل بين فلان وفلانة، وأما إن كان من داخل العائلة، فإنه يكون في الغالب حافظاً للأسرار، لأنه لا يريد أن يمس سمعة العائلة بسوء، ولا يريد أن تنتشر الأخبار السيئة عن العائلة، فهذه هي الحكمة في أن يكون الحكمان من أهله وأهلها والله أعلم.
قال الله تعالى: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا [النساء:35] يسعيان في الإصلاح، ويبذلان جهدهما في ذلك، فمثلاً:إذا كان الخلاف عن النفقة، يقول:يعطيها خمسمائة، وتقول:أريد ألفاً، فيجتمع الحكمان، فينظران في احتياجات الزوجة، وكم هو الإنفاق بالمعروف حسب حاله ومرتبه ودخله مثلاً، وحسب أسعار السوق وتكاليف المعيشة، فيحكمان بنفقةٍ متوسطةٍ، إن كان ما قاله الزوج حق، يقولان لها:ليس لك إلا ما يعطيك الزوج، ولو كان الزوج يعطيها قليلاً، يقولان له: زد قليلاً، فاجعل لها كذا وكذا، ويكتبان ذلك ويشهدان عليه إن رأياً كتابته والإشهاد عليه.
لكن متى يحصل التوفيق بينهما؟ بشرط مهم جداً ذكره الله تعالى وهو: حسن نية الحكمين، فقال:إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] إذا كانت نيتهما طيبة، يريدان إصلاحاً بين الزوجين يوفق الله بينهما، فتعود الألفة وحسن العشرة إليهما، لكن إذا لم يريدا الإصلاح، اختلف الحكمان قبل أن يوفقا بين الزوجين، وستتسع دائرة الخلاف، وينظم كل واحد منهما إلى صاحبه أو إلى قريبه، وتتسع دائرة المشكلة، وسنحتاج إلى من يصلح بين الحكمين، ولذلك قال:إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء:35] فانعكست النية الطيبة للحكمين على الزوجين، لأن الخلاف بين الزوجين.
هذا مثال على أن النية الحسنة يكون لها أثر حسن في إزالة المشكلات، ولا شك أن الحكمين لهما أجرٌ عظيمٌ إذا أرادا إصلاحاً، قال تعالى: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء:114] فلا شك أن المصلح بين المتخاصمين له أجرٌ عظيمٌ، وهو من الذين يسعون بالخير، ولا شك أن الساعي بالخير مأجورٌ أجراً عظيماً عند الله، وهذا نفعه متعد وليس نفعه على نفسه فقط، وقد يكون إنقاذ البيت على يديهما، وتعود الألفة بسببهما، ويأخذان الأجر العظيم من الله تعالى، ويجوز لهما حتى الكذب، لو اضطرا إليه واحتاجاه للإصلاح، لأنه لا يعتبر كاذباً الذي يصلح بين متخاصمين.
فهذه بعض من توجيهات الله تعالى الحكيمة التي تتجلى فوائدها في الواقع لمن تأملها في آيتين من كتاب الله تعالى في سورة النساء، في هاتين الآيتين بيَّن قوامة الرجل، ولماذا صار هو السيد عليها، وصفات الزوجة الصالحة، وما هي الإجراءات التي يفعلها الرجل إذا نشزت زوجته، ثم الكلام عن الإصلاح بين الزوجين، والتوسع فيه مجال كبير في الكلام عن قضية القوامة، وقضية النفقة، وقضية النشوز، وقضية الإصلاح بين الزوجين، وهذه من الموضوعات التي ينبغي أن تطرق، لأن المجتمع فيه كثير من هذه الخلافات، ثم إذا حصل التفكك الأسري، يتبعه حصول الفواحش وانتشارها، ووقوع الخراب والدمار، وتفرق العائلة، وتشتت الأولاد، ولا شك أن ذلك سيترك مخلفات نفسية سيئة جداً على الجميع.
نكتفي بهذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , وصايا من الله في العشرة الزوجية للشيخ : محمد المنجد
http://audio.islamweb.net