إسلام ويب

تعيش الأمة في حاضرها الكثير من المآسي والنكبات؛ فقد رزحت تحت ظلام الفجور والفسوق والعصيان والذل والهوان، وذلك بسبب مخالفتها لمنهج ربها سبحانه وتعالى، لكن مع ذلك تلوح في الأفق القريب بشارات النصر والعزة لهذا الدين وأهله وعلو رايته من جديد، تزرع التفاؤل وتنـزع القنوط واليأس، بشارات حقة ذكرت في الكتاب والسنة أبان عنها شيخنا الفاضل في خطبته، مذيلاً ذلك بذكر أسباب النصر التي كتبها الله على أهل نصرته.

واقع الأمة بين ماضيها وحاضرها

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أحبتي في الله! لقد تحدثنا في اللقاء الماضي عن واقع الأمة المسلمة في واقعنا المعاصر وعن حالها في واقعنا الحاضر، وبينا أن الأمة التي ذكرها الله جل وعلا في القرآن تختلف كثيراً عن أمة القرآن التي نراها في مثل هذه الأيام، وقلنا: إن الأمة التي ذكرها الله جل وعلا في القرآن وصفها الله بالخيرية، وعلل الله خيريتها؛ بأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله جل وعلا، ولكن أمة القرآن الآن ضيعت هذا المنهج الرباني، فضاعت بين الأمم، وسقطت من القمة السامقة إلى قمة الحضيض.

وقلنا: إن الله جل وعلا قد وصف الأمة في القرآن بالوسطية والاعتدال، ولكن الأمة في الواقع المعاصر تركت هذا المنهج الوسط، وأبت إلا أن تسلك طريق المغضوب عليهم والضالين من اليهود والنصارى، جنحت الأمة لليمين مرة ولليسار مرة، وللشرق مرة، وللغرب مرة، وتركت طريق الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولما فعلت الأمة ذلك أذلها الله لمن كتب الله عليهم الذلة والهوان، ولا يوجد على الإطلاق أذل ممن أذله الله للأذل.

وقلنا: إن الله وصف الأمة في القرآن بالوحدة ودعاها إلى ذلك، ولكن الأمة قد أبت إلا أن تمزق شملها وتشتت صفها، وينفرط عقدها ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويوم أن وصلت الأمة إلى هذا الحال من التشتت والتمزق والتفرق والضياع، طمع فيها الضعيف قبل القوي، والذليل قبل العزيز، والفقير قبل الغني ولا حول ولا وقوة إلا بالله العلي العظيم.

وقلنا: إنه مما يزيد اليأس والقنوط عند كثيرٍ من المسلمين أنه حتى لو نظر إلى أمة القرآن من مضمون الركب المادي الحضاري -كما يقولون- لوجد أمة القرآن تأتي خلف الركب إن لم تكن وراء الراكب البعيد، فطاقات أمة القرآن معطلة، عُطلت طاقاتنا العقلية، وعُطلت طاقاتنا العددية، وعُطلت طاقاتنا العلمية، وعُطلت طاقاتنا العملية، وعُطلت طاقاتنا الثقافية، فأثقل شيءٍ عندنا هو العمل، وأحب شيء إلينا هو الكسل، وأقل الثروات قيمة عند الأمة هو الإنسان.

وقلنا: إنه مما يزيد اليأس والقنوط عند كثيرٍ من المسلمين أنه في الوقت الذي يرى فيه أمة القرآن على هذا الحال من التمزق والتشتت، والخزي والضياع، يرى أمماً أخرى قد وصلت إلى أرقى درجات التقدم المادي، بصورة لا يكاد يصدقها عقل، ومما يزيد اليأس أيضاً عند كثيرٍ من المسلمين أنه يرى جميع الأمم على اختلاف مشاربها، وعلى اختلاف أيدولوجياتها، وعلى اختلاف نظرياتها، لا تتفق على شيءٍ قدر اتفاقها على الكيد للإسلام والمسلمين، ولكن بالرغم من كل ذلك ومن أكثر من ذلك فإننا على يقين كما أننا على يقين أن الشمس تشرق في كبد السماء، لتنير أرجاء المعمورة، إننا على يقين -وينبغي أن تكونوا على يقين أيها المسلمون في كل مكان- إننا على يقين جازم على الرغم من كل هذه الحروب بأن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين.

بشارات النصر لدين الإسلام

إن المستقبل لهذا الدين بإذن الله جل وعلا؛ لأنني أرى في هذه الأيام بالذات، وتحت رحى هذه الفتنة الطاحنة، أرى كثيراً من القلوب قد اجتاحتها موجة عارمة من القنوط واليأس على أنه لا يمكن أبداً أن يكون هناك عودة للمسلمين، وأن يكون هناك نصرة لدين الله عز وجل، ولكن أبشروا أيها المسلمون، واعلموا علم اليقين بأن النصر لدين محمد صلى الله عليه وسلم، وبأن المستقبل لهذا الدين رغم كيد الكائدين.

وتعالوا معي لأزف إليكم هذه البشائر التي تبشر بنصر دين الله جل وعلا، على الرغم من كل هذه المحاولات التي تدبر وتخطط في الليل والنهار، من الكيد للإسلام والمسلمين أقول: بالرغم من ذلك أبشروا بنصرة الله، أبشروا بوعد الله، ووعد الله قائم، ووعد الله صدق، ووعد الله حق، ووعد الله لا يُخلف أبداً: إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9].

وعد الله بنصرة دينه وغلبته وإظهاره على الدين كله

البشارة الأولى من هذه البشارات: هي وعد الله جل وعلا بنصرة دينه وغلبته وإظهاره على الدين كله، استمع إلى الله جل وعلا وهو يقول في سورة الصف سبحانه وتعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9] يا لها من بشارة عظيمة يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ [الصف:8]، وهل يضر السماء نبح الكلاب؟!! سقطت ذبابة حقيرة على نخلة عملاقة، فكادت الذبابة أن تطير، فقالت لهذه النخلة العملاقة: تماسكي أيتها النخلة فإني راحلة عنك، فقالت لها النخلة العملاقة: انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة، وهل أحسست بك حينما سقطت عليَّ لأستعد لك وأنت راحلة عني؟!! يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8] لا تطفئ نور الله جعل وعلا جميع الأفواه ولو اجتمعت.. يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [الصف:8].

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9] ويا لها من شهادة، الله يشهد لدين محمد بأنه الهدى ودين الحق، ويا لها من شهادة، وهي كلمة الفصل التي ليس بعدها زيادة: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [الصف:9] وقد تحقق وعد الله، لا تظنوا أن هذا كلاماً لم يتحقق، تحقق وعد الله مرة في حياة حبيبه ورسوله صلى الله عليه وسلم، أتم الله لهم النعمة، وأكمل الله عليهم الدين، وأظهر الله دينه على كل الأديان، فالدين الإسلامي في ذاته كبير لا يقف أمامه أي دين، وفي واقعه أظهره الله جل وعلا في حياة رسوله وعلى يد الرعيل الأول الذي حمل راية الإسلام خفاقة عالية، وهم يحملون أرواحهم على أسنة السيوف والرماح، ويحرصون على الموت كحرصهم على الحياة، فدانت لهم معظم المعمورة على مدى قرن من الزمان أو يزيد.. أظهر الله دينه.

ولقد أظهر الله دينه مرة، ووعد الله جل وعلا قائم إن قام المسلمون بمنهج الله جل وعلا، وعد الله مذكور لكل فئة من أهل الإيمان، ترفع راية الإسلام خفاقة عالية، وتطلب النصرة من الله جل وعلا، وعد الله قائم لا يتبدل ولا يتخلف ولا يتغير.. لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9].

الخسار والبوار لأموال الكفار الصادة عن سبيل الله

إليكم البشارة الثانية في سورة الأنفال، وهذه البشارة بالذات لها وقع عجيب على قلوب أهل الإيمان، ولها وقع لذيذ على قلوب أهل الثقة بالله جل وعلا، واستمعوا إلى هذه البشارة الطيبة أيها المسلمون، وأبشروا بها في كل مكان على ظهر هذه الأرض، يقول الله جل علا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].

يا لها من بشارة! إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ [الأنفال:36] لماذا؟ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنفال:36] فدعهم ينفقون الأموال والمليارات والدولارات: فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36].

يا لها من بشارة عظيمة! إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [الأنفال:36] إن أعداء هذا الدين لا يتورعون في الليل والنهار على أن يبذلوا كل ما يملكون من محاولات لتنحية هذا الإسلام، فهم على يقين مطلق -يا عباد الله- أن هذا الإسلام هو المارد العملاق، الذي إن هب من مرقده أباد مدنية الشرق الملحدة، وحضارة الغرب الكافرة، هم يقولون ذلك في كتبهم، ويسجلون ذلك، هم الذين قالوا: لا يمكن أبداً أن ننتصر على هذا الإسلام بقوة عدد، أو بقوة عتاد، لا يمكن على الإطلاق أن ننتصر بعد اليوم على المسلمين بقوة السلاح، وبقوة العتاد؛ لأن الاستعمار بالسلاح، والاستعمار بالأبدان والجنود يثير الحماس في قلوب المسلمين، ويثير الحمية في قلوبهم فيثورون على المستعمر، لذا فاطمئنوا جيداً أنه لا يمكن على الإطلاق أن تكون في واقعنا المعاصر صورة من صور الاستعمار المادي، أن تأتي قوة أو دولة وتستعمر دولة أخرى، هذا لا يمكن على الإطلاق، ولكن هناك صور أخرى من الاستعمار أقسى وأمر .. كأس خمر وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المسلمة ما لا يمكن أن يفعله ألف مدفع، وقد فعلوا ذلك تماماً وأكملوا المؤامرة والمخطط، هذا هو تدبيرهم لا يتورعون أبداً من إنفاق ما يملكون من الأموال للصد عن سبيل الله، ولتنحية هذا الإسلام العظيم.

انتبهوا معي أيها المسلمون.. فكم أُنفق من أموال على تنصير المسلمين، وكم أُنفق من أموال على تدعيم الاقتصاد الربوي اليهودي الكافر، حتى لا تقوم للاقتصاد الإسلامي قائمة، كم أنفق من أموال على أندية الوتاري في جميع أنحاء العالم الإسلامي وغيره، كم أنفق من أموال على أندية الماسونية في جميع أنحاء العالم، كم أنفق من أموال على حرب دامت سنوات طويلة للقضاء على الموحدين الأفغان وعلى المسلمين الأفغان، كم أنفق من أموال لإشاعة الرذيلة وتحطيم الأخلاق بين صفوف المسلمين عن طريق الأفلام الداعرة، والمسلسلات الفاجرة، كم أنفق من أموال؟!

ولكن ما الذي حدث؟

إن هذه الأموال التي أُنفقت بالمقارنة إلى ما وصلوا إليه من نتائج أمر يزلزل قلوب أهل الكفر ويشرح صدور أهل الإيمان، لقول الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] وتتم حسرتهم الكبرى يوم يحشرون إلى جهنم وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36] يالها والله من بشارة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال:36] لا بد من غلبة الحق، ولا بد من أن يظهره الله جل وعلا، لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33].

قالها أحدهم: إن الإسلام سيكون دين أوروبا في القريب أو البعيد، وسوف نرى في خطبة اليوم أن هناك صرخات مدوية، وصرخات وصرخات مرعبة، لا أقول من أبناء المسلمين، وإنما أقول من أبناء الشرق والغرب، هذه الصرخات تنذر بسوء مصير البشرية.

إن أمام هذه الحضارة المادية التي ما تركت شيئاً إلا واخترعته لإبادة هذا الإنسان صرخات تنذر بسوء مصير البشر على ظهر المعمورة، وها نحن نسمع في كل يوم، ما نشرة إلا ونسمع، وما من جريدة إلا ونقرأ مصير مرعب للبشر في كل أنحاء الأرض لما اخترعته هذه الحضارة المادية المرعبة، ومن قرأ كتب هؤلاء العلماء أو المفكرين والأدباء من الشرق والغرب فزع والله، صرخات مرعبة.. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].

استخلاف الله للمؤمنين في الأرض

أما البشارة الثالثة يا عباد الله.. يا أهل التوحيد.. ويا أهل الإيمان والإسلام.. البشارة الثالثة من سورة النور، يقول الله جل وعلا: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] إيمان وعمل صالح، هذا هو الشرط، فما هو جواب هذا الشرط أيها الأحباب؟

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً [النور:55] وعد الله قائم: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [النور:55] فأين أهل الإيمان، وأين أهل العمل الصالح؟ إن وجد أهل الإيمان ووجد أهل العمل الصالح فأبشروا بوعد الله جل وعلا، فما هو هذا الوعد؟

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ [النور:55] تحقق وعد الله أم لم يتحقق؟

تحقق والله مرة في عهد الحبيب صلى الله عليه وسلم، وفي عهد الرعيل الأول الذين حملوا راية الإسلام خفاقة بمنتهى العزة والرفعة، حملوه وانطلقوا في ربوع الأرض بعزة أهل الإيمان، وثقة أهل الإسلام، بأيديهم اليمنى كتاب الله ودين الله جل وعلا، وبالأخرى سيف ورمح، يدعون إلى دين الله عز وجل، وليفرضوا دين الله على وجه كل من أبى، وعلى كل من وقف ليصد الناس عن الدخول في دين الله عز وجل.

انطلق بعزة أهل الإيمان وقالها ربعي لـرستم : [نحن قوم ابتعثنا الله] لماذا؟ ابتعثنا الله لبناء العمارات، وركوب أفخم السيارات، وأكل ما لذ وطاب من الطعام والشراب، وقضاء الأوقات أمام المسلسلات الفاجرة والأفلام الداعرة، وقضاء الأوقات أمام المباريات وصرخات وقتالات، وحروب على هذا الهراء؟!

لا. [نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة] يوم أن فهموا ذلك وانطلقوا بهذا الفهم دانت لهم أرجاء المعمورة، حتى وصلت حدود الدولة الإسلامية إلى أقصى المشرق والمغرب، وأُذل كسرى وأُهين قيصر ، تحقق وعد الله جعل وعلا وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ [النور:55] وسيظل الحال هكذا إن هم عبدوني وحدي ولم يشركوا بي شيئاً.

بلوغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار

أما البشارة الرابعة: فهي من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فالآيات التي تتحدث وتبشر بنصرة دين الله كثيرة جداً ولله الحمد والمنة.

أحبتي في الله! أعيروني القلوب والأسماع، واستمعوا إلى هذا الحديث المبارك الذي يدخل الأمل والسرور والطمأنينة إلى قلب كل موحد بالله جل وعلا، الحديث رواه أحمد ورواه الإمام الطبراني وقال الطبراني : رجاله رجال الصحيح، وصححه الحاكم وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين، وصححه الألباني على شرط مسلم ، من حديث تميم الداري رضي الله عنه، أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر -أي الدين أو الإسلام- ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) أسمعتم بشارة أعظم وأغلى من هذه البشارة؟! (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر -حتى بيوت الشعر والصوف- إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر).

ويؤيد هذا الحديث حديث خباب بن الأرت الذي رواه البخاري ، أن خباباً رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد اشتد علينا إيذاء أهل قريش، أو إيذاء أهل مكة، فذهبت إليه وقلت: يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر الله لنا؟ فقعد النبي صلى الله عليه وسلم وهو محمرٌ وجهه وقال: لقد كان من قبلكم يمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه ولحمه فلا يصرفه ذلك عن دين الله، ويؤتى الرجل فيوضع المنشار في مفرق رأسه فيشق نصفين ما يصرفه ذلك عن دين الله، والله -أو والذي نفسي بيده!- ليتمن الله هذا الأمر -أي هذا الدين- حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون) وعد الله قائم أيها المسلمون.

وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وقال صاحب مجمع الزوائد : رجاله ثقات، وصححه الإمام العراقي صاحب تخريج الإحياء من حديث حذيفة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً أو عضوضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) وعد الله قائم (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) إن شاء الله جل وعلا.

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقاتل المسلمون اليهود) لا بد وحتماً من ذلك، وعد الله قائم، لا اتفاقيات، ولا معاهدات، ولا بنود، وعد الله قائم، ولن يخلف الله وعده، ولن يخلف الله عهده: (يقاتل المسلمون اليهود فينتصرون عليهم، حتى يقول الحجر والشجر) ينطق الله الحجر والشجر، يا لها من معجزة، ويا لها من كرامة! حتى ينطق الحجر والشجر ويقول الحجر والشجر: (يا مسلم يا عبد الله! تعال إن ورائي يهودي تعال فاقتله) ينطق الحجر وينطق الشجر إلا نوعاً واحداً من الأشجار، ألا وهو شجر الغرقد، وتعجبون أن اليهود الآن يقومون بحملة رهيبة واسعة لزراعة معظم الأراضي من شجر الغرقد؛ لأنهم على يقين بقول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، وأنا أعلنها صريحة والله وأقول: بأنه لا يمكن للمسلمين على الإطلاق أن ينتصروا في يوم من الأيام على اليهود بسلاح أو بعتاد؛ لأن اليهود أهل عقيدة، ولن يغلبوا إلا بالعقيدة، بعقيدة التوحيد، وعقيدة الإسلام، ينطق الله الحجر والشجر حتى يقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله! خلفي يهودي تعال فاقتله، إلا شجر الغرقد، والآن حملة رهيبة لزراعة هذا الشجر؛ لأنهم يثقون بقول محمد صلى الله عليه وسلم، ربما لا أكون مبالغاً إذا قلت: بأنهم يثقون بمحمد أكثر من ثقة بعض المسلمين بقول رسول الله.

يا لها من بشائر، والأحاديث في هذا الباب أيضاً كثيرة -أيها الأحباب- فهذه بشائر أخرى.

إفلاس جميع الأنظمة البشرية

خامساً: من بين البشائر المختلفة التي تبشر بنصرة دين الله جل وعلا: إفلاس جميع الأنظمة البشرية، وها نحن نسمع الآن الصرخات المدوية التي تعلن بسوء مصير هذه البشرية أمام هذا التقدم المادي الذي ما ترك شيئاً إلا واخترعه لإبادة هؤلاء البشر، صرخات من هنا ومن هناك، تنادي على منقذ، ولا شك أن المنقذ هو الإسلام، لماذا؟

أولاً: لأن الإسلام هو دين الفطرة، وهو دين البشرية جمعاء الذي ارتضاه الله جل وعلا لجميع البشر ديناً.

ثانياً: ما نراه من صحوة إسلامية عارمة في كل جميع أنحاء العالم الإسلامي، وما نراه من عودة صادقة من المسلمين إلى الله جل وعلا، وإلى دين الله عز وجل، وإذا أردت أن تتحقق من ذلك، فبنظرة عابرة على أي مسجد من مساجد المسلمين لترى كتائب الشباب المسلم وقد عمرت بيوت الله جل وعلا، منذ ثلاثين سنة فقط أتحدى أن يقول لي أحد الناس: إنه كان يرى هذه الجموع المؤمنة من كتائب الشباب المسلم في أي بيت من بيوت الله عز وجل، حتى ولو في بيت الله الحرام، أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه بشارة تطمئن وتشرح الصدور، وهذا من فضل الله جل وعلا.

وبدأ المسلمون يعودن إلى دين الله عز وجل، ويعلمون أنهم خدعوا طيلة السنوات الماضية، ربما خدعهم أبناء المسلمين ممن فُرقوا في مدارس الاستعمار، ومدارس أعداء الدين، الذين لقبوا بأنصاف المحررين والمجددين والمطورين، وعادوا إلينا لينفثوا سموم فكرهم وعقيدتهم التي تربوا عليها في مدارس الاستعمار، لقد فَهِم المسلمون ذلك والحمد لله، وذلك بفضل الله جل وعلا، ثم بفضل العلماء المخلصين والدعاة الصادقين، فَهِم المسلمون ما يخطط لهم، وما يراد بهم، وهذا من فضل الله جل وعلا.

وبشارة ثالثة: أننا نرى والحمد لله غير المسلمين يدخلون في الإسلام على الرغم من أن الدعوة التي تبذل لدعوة هؤلاء لا تذكر، ولكنه دين الفطرة، فمعنا الفطرة -أيها الأحباب- معنا رصيد فطرة الإنسان، ومعنا رصيد فطرة الكون، ومعنا دين الحق الذي لأجله قامت السماوات والأرض، وأنزل الله لأجله الكتب، وأرسل الله لأجله الرسل، وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك معنا الله، ويا لها من معية: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].

الإسلام قادم بوعد الله أولاً وبأنصاره ثانياً

فيا عباد الله.. ويأيها المسلمون! الموضوع طويل جداً، ولكنني أريد أن أضع النقاط على الحروف وأقول: مهما كانت الحروب التي تُكاد للإسلام وتدبر للمسلمين فإن وعد الله قائم، وإن المستقبل لهذا الدين، رغم كيد الكائدين، والإسلام ما دخل معركة إلا وانتصر فيها بإذن الله جل وعلا وهو أعزل من السلاح بالمقارنة إلى ما يوجد عند غيره من سلاح ومن عتاد، الإسلام هو الذي قهر التتار، الإسلام هو الذي كافح الصليبين، الإسلام هو الذي كافح الاستعمار البريطاني في السودان، الإسلام هو الذي كافح الاستعمار البريطاني في مصر، الإسلام هو الذين كافح الاستعمار الفرنسي في الجزائر وهو أعزل من سلاحه، إلا من قوة الحق التي أودعها الله فيه، فمعه الحق، ومعه رصيد فطرة الإنسان، ورصيد فطرة الكون، فمن كان الله معه فمن يكون ضده، ومن يكون عليه؟ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف:21].

فوعد الله جل وعلا قائم يا عباد الله، وعد الله لا يخلف إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [آل عمران:9] ولكن هل يتنزل النصر كما يتنزل المطر من السماء؟ أتظنون ذلك؟

أبداً.. الأمر يحتاج إلى كفاح، ويحتاج إلى جهاد، ويحتاج إلى رجال، ويحتاج إلى أطهار، ويحتاج إلى أبرار، ويحتاج إلى أهل صدق، ويحتاج إلى أهل رجولة، يحملون الإسلام من جديد، يرتفعون إلى مستوى هذا الدين الذي ما أنزله الله إلا ليقود البشرية جمعاء، نريد رجالاً يرتفعون إلى هذا المستوى العالي، إلى مستوى هذا الدين الذي ما أراده الله إلا ليقود البشرية جمعاء، النصر لا يتنـزل كنـزول المطر، ولكن النصر يتنزل بأسباب أودعها الله في كونه، فإن أخذنا بهذه الأسباب جاءنا نصر مسبب الأسباب جل وعلا، وإن تخلينا عن هذه الأسباب فلا نصرة لنا ولو كان قائدنا ومعنا في المعركة هو محمد صلى الله عليه وسلم، لو كان قائدنا في المعركة رسول الله وتخلينا عن أسباب النصر والنصرة ما جاءنا النصر من الله جل وعلا، ذلك وعد الله أيضاً وسنن الله الثابتة، وسنن الله القائمة، يوم أن تخلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد واختلت بعض أسباب النصر، كانت النتيجة كما تعلمون جميعاً، فالله جل وعلا أودع الكون أسباباً ونواميساً وقوانيناً لا بد أن نرتفع إلى مستواها، ولا بد أن نأخذ بها حتى يأتينا نصر الله جل وعلا.

أسباب نصر الله لهذا الدين وأهله

بعض الناس يشتكون ويقولون: نسمع كلاماً يحمس القلوب، ويزلزل الأفئدة، ولكننا نخرج وما علم كل واحد منا دوره، فما دوري أنا وأنا على ثغرة من ثغرات الإسلام؟ هذا هو المطلوب، انتبه يا عبد الله، انتبه أيها المسلم! يا من شرفك الله بالإسلام، انتبه أيها المسلم في كل مكان، اعلم علم اليقين أنك على ثغرة من ثغرات الإسلام، في متجرك، في مصنعك، في مدرستك، في جامعتك، في عملك، في مسجدك، أنت على ثغرة، لا نريد أن يتحول الناس جميعاً إلى دعاة يدعون لدين الله جل وعلا في المساجد ويتركون المزارع والمتاجر والمصانع، لا نريد ذلك، أنت جندي للإسلام في موقعك، أينما كنت فأنت جندي لدين الله جل وعلا.

وسوف أضع بعض النقاط العملية التي هي من السهولة واليسر على كل مسلم غيور على دين الله أن ينطلق من الآن ومن اليوم لنصرة دين الله جل وعلا، وعلى ألا يؤتى الإسلام من قبله، حتى لا يكون خائناً للأمانة التي أمَّنه الله عز وجل عليها.

العودة إلى هذا الدين والكفر بقوانين البشر وأنظمتهم

أولاً: يجب على المسلمين وفوراً -وأنت واحد منهم- أن يعودوا إلى الإسلام، وأن يكفروا -وأنت واحد منهم- بجميع قوانين البشر، من ديمقراطية وعلمانية وشيوعية وبعثية.. إلى آخر هذه القوانين الكافرة التي نحت شرع الله عز وجل، وأعلت شرع البشر على شرع الله جل وعلا، يجب على جميع المسلمين -وأنت واحد منهم- ألا تذعن لهذا القانون على قدر ما استطعت فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

والله أعجب لهذه العبارة التي قالها يوماً جمال الدين الأفغاني للهنود يوم أن احتلهم الإنجليز: لو أن ملايينكم طنت في آذان الإنجليز لخرقتم آذانهم، فهل صرخ كل مسلم في وجه حاكمه الذي رفض شرع الله وحكم فيه شرع البشر، هل صرخ كل مسلم في وجهه وقال: لا، إلا لشرع الله جل وعلا. ولكننا نسمع لا أقول المسلمين، بل العلماء يقولون: نعم للرجل الذي يحكم فينا شرع الله، أي شرع يا عباد الله؟ شرع الله جل وعلا، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هل صرخت أيها المسلم في وجه حاكمك بقدر ما تملك، وبقدر ما تستطيع، لو صرخ الجميع فوصل الصوت صوتاً واحداً والله لطبق فينا شرع الله جل وعلا، ولكنه الجبن، فأنت مسئول بقدر ما تملك وبقدر ما تستطيع في موقع مسئوليتك وفي موقع عملك أن تربي الناس، وأن تربي نفسك، وأن تربي أولادك، وأن تربي بيتك على أن الذي يحكمنا قانون كافر، على أن الذي يحكمنا قانون من وضع البشر، وغاب عنا قانون الله جل وعلا وشرعه، ولا يمكن أبداً أن تكون لنا عزة وريادة وسيادة وكرامة إلا إذا كفرنا بقوانين البشر، وحكمنا فينا قوانين رب البشر جل وعلا؛ لأن بعض الناس يقولون: إذا أردنا مدنية وحضارة فلا بد أن ننحي شرع الله ونعلي شرع العبيد؛ لأنه أثبت أنه أجدى من شرع العزيز الحميد.

إعداد الكوادر المسلمة في كل موقع ومكان

ثانياً: إعداد الكوادر المسلمة في كل مكان، وفي كل موقع، أقول: لا نريد كل المسلمين دعاة في المساجد، بل أنت من الآن في متجرك، في مصنعك، في جامعتك، في مدرستك، في كل مكان مسئول، فهيا فكر من الآن واجتهد وقل: كيف أنفع الإسلام وأخطط للإسلام وأنا في هذا الموقع؟

أضرب لحضراتكم مثالاً: الاقتصاد، رجال الاقتصاد لماذا لا يجلسون من الآن ويخططون ويدبرون ويضعون المنهج للقضاء على الاقتصاد الربوي، أو على الأقل لرفعة الاقتصاد الإسلامي، لماذا لا تفكر أيها الاقتصادي في ذلك، أيها الدكتور في الجامعة، يا من درست الاقتصاد، ويا من درست التجارة، أنت داعية إلى الله، أنت جندي من جنود الله، لماذا لا تشغل بالك، لماذا لا تنام الليل وأنت تحمل هم هذا الدين تفكر كيف أستغل دراستي لنصرة دين الله عز وجل.

أيها العامل في موقعك! لماذا لا تفكر في هم الدين وتقول: كيف أبتكر وأنا واقف على آلة، كيف أطور هذه الآلة لنصرة دين الله عز وجل؟

أيها المدرس! لماذا لا تفكر: كيف أنتشل عقول هؤلاء الأطفال، أو عقول هؤلاء الطلبة من الباطل إلى الحق لنصرة دين الله عز وجل؟

إعداد الكوادر في كل مكان، وفي كل اتجاه، نريد المهندس المسلم، والطبيب المسلم، والاقتصادي المسلم، والدبلوماسي المسلم، والوزير المسلم، والحاكم المسلم، نريد حاكماً كـعمر بن الخطاب ، أو كـعمر بن عبد العزيز، ونريد قائداً كـخالد بن الوليد ، ونريد قاضياً كـشريح القاضي ، ونريد دبلوماسياً يعبر عن الإسلام كـجعفر بن أبي طالب ، يوم أن وقف أمام النجاشي يتحدث عن الإسلام، نريد الكوادر المسلمة في كل مكان، وإلا لو طُبق الإسلام الآن في بلد من بلاد المسلمين ولا توجد مثل هذه الكوادر أتظنون أنه سيأتي الخير؟ لا والله، والله ما يكون في ذلك خير أبداً؛ لأنها ستكون كارثة، ستكون صدمة، سيحكم على الإسلام من خلال هذه الكوادر الفاشلة، فنريد إعداد الكوادر المسلمة من الآن، فكر واجتهد.

استثمار أموال المسلمين في بلادهم

ثالثاً: على جميع رجال المال في العالم الإسلامي -وهم كثرة ولله الحمد والمنة- أن يتقوا الله في دين الله، وأن يتقوا الله في الأموال التي وهبهم الله جل وعلا، بدلاً من أن يستثمروها في بلاد الكفر، يستثمروها في بلاد المسلمين، وها نحن نرى مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للزارعة في السودان ومصر وغيرها، ونريد أموالاً طائلة، فينبغي أن تستثمر هذه الأرض؛ لاكتفاء المسلمين ذاتياً من الطعام والشراب، وينبغي أن تستغل هذه الأموال؛ لأن أموال المسلمين في خارج بلاد المسلمين يتحكم فيها هؤلاء لتسيير دفة العالم الاقتصادي كله، ومن بينهم أهل هذا المال وأصحابه، فلماذا لا تكون لنا القيادة، ولماذا لا تكون لنا الريادة؟ أنتم أصحاب الأموال التي تسير هذه البنوك، هي أموالكم يا مسلمون ويا عباد الله، لماذا لا ننتبه، لماذا لا نسترد هذه الأموال ونستغلها لصالح الإسلام، ولصالح المسلمين؟ وهبنا الله المال، ووهبنا الله الأرض، ووهبنا الذهب الأسود، ووهبنا الله الغنى، ووهبنا الله مساحة يحسدنا العالم كله عليها، ووهبنا الله موقعاً فريداً يحسدنا العالم كله عليه، لماذا لا نتقي الله جل وعلا في مقدراتنا التي وهبها الله جل وعلا إلينا، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد يا رب العالمين.

تربية الأمة على العقيدة الصحيحة

رابعاً: علينا أن نبدأ من الآن ونحن مسئولون عن ذلك، أيها المسلم في كل مكان أنت مسئول عن دين الله جل وعلا، هيا فلنبدأ من الآن بخطوة البدء التي بدأ بها محمد صلى الله عليه وسلم، خطوة البدء هذه أن نتربى على العقيدة الصحيحة، وأن نحول لا إله إلا الله إلى منهج حياة، إلى واقع عملي في حياة الأمة، أنت لا تملك النتائج، خذ بالأسباب، والنتائج موكولة إلى مسبب الأسباب جل وعلا، لن يسألنا الله: لماذا لم تنتصروا؟ ولكنه سيسألنا: لماذا لم تعملوا وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105] ، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد يا رب العالمين، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد يا رب العالمين، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد يارب العالمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكن ولكم فاستغفروه.

مسئولية الإسلام مسئولية الجميع

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هذه مسئوليتكم أيها المسلمون، وهذا هو دور كل واحد منكم، ولا ينبغي أن يدعي واحد منا أنه لا دور له ولا مسئولية يتحملها، بل كل منا مسئول أمام الله عز وجل، فاتق الله على قدر استطاعتك: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، والله جل وعلا سيجعل في هذا الجهد ولو كان ضئيلاً الخير بإذن الله عز وجل، ووعد الله قائم ينتظر العصبة المؤمنة التي تقوم وتعلو لمستوى هذا الدين الذي ما أنزله الله جل وعلا إلا ليقود.

وأكتفي بهذا القدر خارج موضوعنا الذي كنا نتحدث فيه وهو تفسيرنا لسورة مريم، وأعدكم أن نعود من الأسبوع المقبل إن قدر الله لنا اللقاء والبقاء؛ لتفسير آيات سورة مريم.

أسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، ولنضرع إلى الله جل وعلا بقلوب صادقة، وبقلوب خالصة، وبدعوات مخلصة أن يوفق الله جل وعلا الإسلام والمسلمين.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم عجِّل بالقائد الرباني يا رب العالمين، اللهم قيض لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم أطفئ نار هذه الحرب والفتنة يا أرحم الراحمين، اللهم اجعلها بداية خير للإسلام والمسلمين.

اللهم ارحم البلاد والعباد، اللهم ارحم البلاد والعباد، الله ارحم البلاد والعباد، اللهم ارحم البلاد والعباد، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا يسرتها وقضيتها يا رب العالمين.

أحبتي في الله! هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الله وملائكته يصلون عليه، فأمركم بالصلاة عليه فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هذا وما كان من توفيق فمن الله جل وعلا، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويقذف به في النار، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المستقبل لهذا الدين للشيخ : محمد حسان

https://audio.islamweb.net