إسلام ويب

عبد الدينار له صفات يعرف من خلالها، وقد تحدث عنها الشيخ في هذا الدرس، وتطرق إلى مسألة المال في الشرع من حيث امتلاكه، ففرق بين الامتلاك وبين العبودية لهذا المال. وفي الجزء الثاني من الدرس تكلم عن صفات بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم من اتصف بها بالجنة. فإلى هذا الدرس لعل الله أن ينزع حب المال من القلوب، ويقذف فيها حب الآخرة والبذل من أجلها.

وقفات مع حديث (تعس عبد الدينار)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، الحمد لله الذي أنزل علينا الكتاب ولم يجعل له عوجاً، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمةً للعالمين، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.

أما بعد:

أيها الإخوة: حديثٌ آخر من أحاديث الرقائق الذي علمنا إياه النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا به ألا وهو الحديث الذي رواه أبو هريرة في صحيح البخاري قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله! أشعث رأسه مغبرة قدماه! إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع) روى هذا الحديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتاب الرقاق وفي كتاب الجهاد من صحيحه ، وكذلك روى طريقاً له وروايةً الإمام الترمذي رحمه الله تعالى.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ) تعس عبد الدينار ) تعسَ معناها: هلك، دعاءٌ عليه بالخيبة، والهلاك ضد السعادة، شقيَ وهلك وانكب على وجهه، مثلما لو تعثر الشخص وانكب على وجهه، فكلمة تعسَ: دعاءٌ عليه بالهلاك، إن النبي عليه الصلاة والسلام مجاب الدعوة، يدعو على هذا الرجل بالهلاك والشقاء وأن يتعثر وينكب على وجهه، من هو؟ عبد الدينار.

عبد الدينار وشدة تعلقه بالمال

( تعس عبد الدينار ) الدينار من الذهب، والدرهم من الفضة، والدينار يساوي عشرة دراهم، في المتوسط هكذا كان الدينار الإسلامي، قال: (عبد الدينار) أضاف العبودية إلى الدينار؛ لأن هذا الرجل تعلق قلبه بالدينار، كما يتعلق قلب العبد بربه، فكان الدينار أكبر همه فقدمه على طاعة ربه، وكذلك كان حاله مع الدرهم، فهذا يبين حال من يعبد الدنيا ويتذلل لها، ويخضع لها، فتكون مناهُ وغايته، فيغضب من أجلها، ويرضى من أجلها، ولذلك سماه عليه الصلاة والسلام عبداً، إنه يجمع الدينار والدرهم من الذهب والفضة من أي وجهٍ كان، قد بذل حياته لهذا الجمع، وهذه المحافظة وهذه التنمية لهذه الدنانير والدراهم مقدماًإياها على طاعة الله، فلو تعارضت مع الشريعة قدمها على الدين، ولذلك كان عبداً لها، لذلك كان سروره وحزنه من أجلها فهو عبدٌ لها، يعمل لها طيلة عمره. (تعسَ عبد الخميصة، تعسَ عبد الخميلة) الخميصة والخميلة: نوعان من القماش والثياب، ثوب الحرير خميصة، وكذلك الخميلة: هي القطيفة، الثوب الذي له خمل من أي شيءٍ كان هذا الخمل، والخميل: هو الأسود من الثياب أيضاً، فالخميصة: كساءٌ جميل، والخميلة: فرشٌ وثير، فهذا الرجل متعلقٌ قلبه ليس بالدينار والدرهم فقط، وإنما أيضاً بالمفارش والثياب، بالحلل والأثاث، فقلبه متعلقٌ بالدنانير والدراهم وما يلبس وما يفرش كل همه في هذه الأشياء، ليس له همٌ إلا هذه فكان عابداً له، فسماه عبد الخميصة وعبد الخميلة.

لقد جعل الدين وسيلةً للدنيا، فالدنيا عنده أعظم، لقد جعل الدنيا هي الأساس وهي المقدمة، فهل اكتفى عليه الصلاة والسلام بالدعاء عليه مرةً تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميصة، تعس.. تعس..؟ لم يكتفِ بذلك.

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على عبد الدينار بأنه إذا شيك فلا انتقش

لقد دعا أربع مرات على كل عابد لهذه الأشياء، ثم إنه أعاد الدعاء، فقال: (تعس عبد الدينار ) عاوده المرض، انقلب على رأسه، باءَ بالخيبة، خاب وخسرَ، وهذا فيه ترقٍ في الدعاء عليه، لأنه إذا تعسَ، انكب على وجهه، فإذا انتكس انقلب على رأسه بعدما سقط، وليس هذا فقط دعاء عليه، وإنما تتوالى الأدعية من النبي صلى الله عليه وسلم على عابد الدنيا,

يقول: ( وإذا شيك فلا انتقش ) إذا أصابته شوكة (شيك): أصابته شوكة، يدعو عليه ألا يجد أحداً يخرجها له بالمنقاش، ولا يستطيع أن يخرجها هو، هذا الدعاء عليه مرتبط بمقصوده، عكس مقصوده؛ لأن من عثر فدخلت في رجله شوكة فلم يجد من يخرجها، ماذا يصبح بالنسبة للحركة والسعي؟ عاجزاً عن السعي والحركة، وهذا الرجل كل سعيه وحركته من أجل الدنيا، فدعا عليه دعاءً يعطله عن ما نذر نفسه له من الدنيا، ويدعو عليه ألا يستطيع أن يحصل الدنيا، وأن يقعد به المرض، تقعد به صحته عن مواصلة السعي بالدنيا، وإذا وقع في البلاء لا يجد من يترحم عليه، لأن من وقع عليه البلاء فترحم عليه الناس وعطفوا عليه ورقوا له ربما هان عليه الخطب.

(إذا شيك فلا انتقش)، ولا أحد يخرجها له بالمنقاش، فقد يهتم به أحد ليخرجها له بالمنقاش، لكن يدعو عليه أنه إذا أصابته ولو شوكة، بألا يجد أحداً يخرجها له، فكيف بما هو أعظم من الشوكة؟!

إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام يدعو عليه ألا يرق له قلب إنسان، ولا يعطف عليه إنسان، حتى لا تهون عليه مصيبته، ولا يتسلى بكلام الناس وتعزيتهم له، بل إنه يزيد غيظه، لأنه لا يجد أحداً يهتم به، ولا شك أن فرح الأعداء غيظ بالنسبة للمصاب.

فما دعا عليه بهذه الدعوات، وتنوعت الدعوات وتكررت وصارت بهذه الشدة إلا لأن هذا الرجل وضعه في غاية السوء، إنه جعل مقصوده ومطلوبه هو المال والدنيا، وسعى للتحصيل بكل سبيلٍ ممكن، حتى صارت نيته مقصورةً على الدنيا يغضب لها ويرضى لها، ولذلك سماه عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد القطيفة وعبد الخميصة وذكر في هذا الحديث دعاءٌ وما هو خبر: (تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) هذه حال من أصابه شر، لا نال المطلوب ولا تخلص من المكروه، وهذا حال من عبد المال أيضاً.

عابد المال: إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط

قال في الحديث: (إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط) محتمل أن يكون المعطي هو الله، ومحتمل أن يكون المعطي إنساناً آخر، فهذا الرجل: إذا أعطاه الله شيئاً ربما يفرح لذلك وينشرح صدره، وإذا ما أعطاه الله قال: (ربي أهانن) سخط على ربه، وسخط على القضاء والقدر، ويحتمل أن يكون المعطي والمانع شخصاً من الأشخاص، مثل حال المنافقين مع النبي صلى الله عليه وسلم، ماذا قال الله عنهم؟ قال جل وعلا: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:58].

إذاً هذا يرضى إذا أعطي، أعطاه الله أعطاه الناس يرضى إذا أعطي، وإذا لم يعط وحرم ومنع، سخط؛ سخط على الله أو على الناس أو على الإمام أو على أمير الجيش لأنه لا يعطيه، المهم أن يأخذ، وإذا لم يعطَ، فهو ساخط وغاضب يسب ويلعن؛ لأن الهدف عنده هو المال، ما الذي يسكته؟ الإعطاء، وما الذي يثيره؟ المنع، وإذا حرمه الله من شيء، قال: لماذا كنت فقيراً وهذا غني؟ فيكون ساخطاً على قضاء الله وقدره، والله إذا أعطى يعطي لحكمة، وإذا منع يمنع لحكمة سبحانه وتعالى، إن هذا الرجل لا يفقه أن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الآخرة إلا من يحب، إن هذا الرجل يظن أن الله إذا أعطاه فإن ما هو يحبه، ما هو الدليل على ذلك؟ ما هو الدليل على أن بعض الناس يظنون أن الله إذا أعطاهم أنه يحبهم؟

قال تعالى: رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر:15] فإذا أعطاه الله سبحانه وتعالى قال: هذا إكرام من الله ذلك قد يكون ابتلاء ومحنة، وقد تكون هذه المنحة محنة عليه وهو لا يدري: فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ [الفجر:15-16] وهذه يعتبرها إهانة.

والواجب على المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره، إن أعطي شكر، وإن منع صبر، فهو راضٍ على ربه في جميع الحالات، لما كان هذا الرجل رضاه لغير الله وسخطه لغير الله، وكان متعلقاً بالمال، بالمتاع، أو بالرئاسة، أو بالصورة، أو بأي شيءٍ من أهواء النفس، فهذا عبد ما يهواه، وهذا هو الرق في الحقيقة، ولذلك سماه عبداً، فكل ما استرق القلب واستعبده، فهو عبده، صاحب هذا القلب عبد لهذا الشيء.

الموقف الشرعي من المال

ما هو موقف المؤمن من المال؟ ما هو الموقف الشرعي من المال؟ هل يطلبه الإنسان؟

الجواب: نعم: الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نمشي في مناكبها ونأكل من رزقه، وهذا المشي يعني طلب للمال، هل نحافظ على المال؟ نعم: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النساء:5].

المال بالنسبة للعبد نوعان:

نوعٌ يحتاج إليه، ونوعٌ لا يحتاج إليه، فما كان محتاجاً إليه من طعامٍ أو شرابٍ أو منكحٍ أو مسكنٍ ونحو ذلك، فهذا يطلبه من الله، ويسعى في سبيل تحصيله بالأسباب المباحة، فإذا حصَّل المال هذا، فهو يستفيد منه ويستخدمه في طاعة الله، ينوي به التقرب إلى الله حتى في المباحات ليس في الصدقات، لكنه -وهذه هي النقطة المهمة جداً جداً- لا يتعلق قلبه به، الإنسان قد يسعى في تحصيل المال، لكن لا يتعلق قلبه به، دعونا لنضرب أمثلة كما ذكر ابن تيمية رحمه الله، فيقول: يكون المال عنده يستعمله في حاجته، بمنزلة حماره الذي يركبه، وبساطه الذي يجلس عليه، وبيت الخلاء الذي يقضي حاجته فيه.

فالإنسان يحتاج إلى مركب أم لا؟

من قديم كانوا يحتاجون الدواب كالحمير والبغال والجمال، يحتاج حماراً يركبه، وبساطاً يجلس عليه وبيت خلاء يدخل ليقضي حاجته فيه، لكن هل الواحد يحب الحمار جداً وقلبه يعشق الحمار، أو أنه متيم ببيت الخلاء ومتعلقٌ به ولا يصبر على مفارقته، فهذه هي النقطة التي من أدركها فقد أدرك نظرة الإسلام إلى المال، يريد الله تعالى منا أن نكون عباداً نسعى لتحصيل المال وإنفاقه في طاعة الله دون أن نتعلق به، فإذا كان المال عندك مثل الحمار الذي تركبه، أنت لا تستغني عن الدواب، أنت تحتاجها وتشتريها وتبحث عنها وعن الجيد منها، وتسعى لذلك، لكنك لا تعشقها، وأنت أيضاً تحتاج إلى بيت الخلاء، ولكنك لست متيماً ببيت الخلاء ولا عاشقاً له.

إذاً: من كان المال عنده بهذه المثابة، فهو على خير وهذا هو المطلوب.

النوع الثاني من الأموال وهو: الأموال التي لا تحتاج إليها، الزائدة عن حاجتك، فهذه لا تتبعها نفسك، إذا حصلت لك، أنفقت منها في سبيل الله، وإذا ما حصلت لك، فأنت غير محتاج إليها أصلاً، فهذه لا ينبغي أن يتعلق بها القلب، فإذا تعلق القلب بها صار مستعبداً لها، معتمداً على غير الله فيها، فلا يبقى في القلب توكل ولا شعبة من التوكل.

إذاً هذه النظرة الشرعية للمال، كيف يجب أن يكون موقفنا من المال؟

نأخذه من الحلال، وننفقه في الحلال، ولا نعبده ولا نسخط إذا حرمنا ونرضى إذا أعطينا، وما نحتاج إليه نسعى إليه، وما لا نحتاج إليه لا نتعلق به، وما حصل لنا منه، فلسنا نحبه ونتيم به ونهيم من أجله، ولا يكون حبنا من أجل المال وكربنا من المال، ومن أعطانا أحببناه ومن منعنا كرهناه، ونؤدي حق الله فيه من الزكاة والصدقات، ونصل منه أرحامنا، ونفعل فيه بالمعروف: (نعم المال الصالح للرجل الصالح) فإذا كانت هذه هي العلاقة بالمال، فنحن على خيرٍ عظيم.

صفات رجل من أهل الجنة

إن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر هذه الصورة السيئة لهذا الشخص السيئ من باب التبيان وبضدها تتبين الأشياءُ، ذكر نموذجاً مختلفاً تمام الاختلاف -في الجزء الثاني من الحديث- مغايراً ومناقضاً للنموذج الأول، النموذج الثاني يقول: (طوبى لعبدٍ آخذٍ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع).

هذا الرجل دائماً مستعد للجهاد في سبيل الله

طوبى: هذا اسم للجنة واسم لشجرة الجنة، كما جاء في أحاديث ترتقي إلى درجة الحسن، أن طوبى شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها، من أغصانها تخرج ثياب أهل الجنة، هذه طوبى أكبر شجرة في الجنة يسير الراكب الجواد المضمر في ظلها كذا وكذا من السنين لا يدركها ولا يقطعها من عظمها.

طوبى أيضاً: كلمة ثناء ومدح في اللغة، أيضاً طوبى: العيش الطيب والهنيء، كل هذه الأشياء لعبد ما هي صفاته؟ هل هو عبد الدينار والدرهم؟!

إنه عبدٌ من نوعٍ آخر، إنه لم يذكره هنا مضافاً إليه، فإذاً ما له إلا سيد واحد، إنه عبدٌ لربه، لم تتشعب به الدنيا فيكون عبداً للدرهم وعبداً للدينار وعبداً للخميلة وعبداً للخميصة، وعبداً للزوجة، وإنما هو عبدٌ لله، آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، ما هو سبيل الله؟ الجهاد، ما هو الفرس؟ عدة الجهاد، آخذ بعنان الفرس: يعني هذا دائماً حاضر ومستعد للجهاد، ما يحتاج إلى تجهز وإعداد، لأنه دائماً في استعداد للجهاد، لأنه أخذ بعنان فرسه في سبيل الله، آخذ بعنان الفرس مستعد دائماً للجهاد، ما هو العنان؟ هو مِقود الفرس الذي يقاد منه الفرس، هذا الرجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، هذه حياته، قد نذر نفسه لهذا، لأجل الجهاد في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله ليس له إلا معنى واحداً، من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله، الرجل هذا ليس إنساناً منعماً ولا مترفاً ولا منغمساً في الدنيا، ولا حريصاً عليها، والدليل على ذلك أنه قال في وصفه: أشعث رأسه، والأشعث: هو مغبر الرأس، من نتيجة ماذا حصل الغبار؟ من الجهاد؛ لأن الذاهب للجهاد والقتال يعلوه الغبار فالمقاتل في السفر وفي المعركة يثور عليه الغبار، فالرجل هذا أشعث.

وقد جاء جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بعد معركة الخندق وهو يحث النبي صلى الله عليه وسلم على الذهاب للجهاد، إلى بني قريظة، فهذا الرجل أشعث رأسه، ليس عنده كريمات ولا مرطبات، ولا أمشاط، في الجهاد أشعث رأسه، مغبرةٌ قدماه من فوق ومن أسفل غبار؛ لأن هذا الرجل يمشي في طريق الجهاد، فهو مغبرةٌ قدماه، الغبار كثير لكثرة جهاده ومصابرته، الغبار كثير على رأسه وقدميه، فهذا الرجل بالإضافة إلى أنه نذر حياته للجهاد، ومستعد دائماً له آخذاً بعنان فرسه، ونيته صافية في سبيل الله وليس منعماً ولا منغمساً في الدنيا بل إنه من كثرة الجهاد واستمراريته في الجهاد دائماً مغبر، الشعث رءوساً: المغبرون.

من صفات هذا الرجل أنه كالغيث أينما حل نفع

وهناك صفة مهمة جداً من صفات هذا الرجل وهو أنه حيثما وضِعَ نفع، وحيثما عُين صبر على الوظيفة التي عين فيها، إن كان في الحراسة -مع أن القضية الآن قضية جهاد، فإذاً المهمات كلها مهمات جهادية- إن كان في الحراسة، قيل له: احرس، مع مشقة الحراسة؛ لأن فيها سهراً وتعباً، تحتاج إلى يقظة وانتباه، والمسئولية في الحراسة مسئولية، (إن كان في الحراسة، كان في الحراسة) ليس فقط يعني: استسلم للأمر لا. كان فيها، يعني: قائماً بحقها، فإذاً: انتبه إلى أن المسألة فيها أنه إذا كان في الحراسة كان في الحراسة يعني: إن وضع في الحراسة، استسلم للأمر وأطاع أمير الجيش ونفذ ما هو مطلوب منه، وقام بأداء الحق، (كان في الحراسة) أي: قائماً فيها غير مقصرٍ بنومٍ أو غفلة، فليس للحارس أن ينام، أو يغفل، فتقع النكبة، فهذا الرجل مطيع، ولو وضع في الأشياء الشاقة، الحراسة تحتاج إلى سهر ومقاومة النعاس، فهذا رجل مطيع وقائم بحق المكان الذي وضع فيه، لا ينام ولا يغفل، (وإن كان في الساقة) انظر سبحان الله! ضرب مثلين، ضرب الحراسة والساقة، الساقة: مؤخرة الجيش، ومؤخرة الجيش مكان لا يتمناه الناس؛ لأن آخر الجيش مكان خمول، فالرجل هذا ليس عنده فرق وضع في المقدمة أم وضع في المؤخرة.

فإذاً: سواء كانت المهمة التي عين فيها شاقة، أو كانت المهمة التي وضع فيها مهمة الجندي المجهول الذي لا يؤبه له، المكان الذي وضع فيه ما عليه أنظار ولا عليه أضواء الناس، ولا يبرز اسمه بين الناس، في الساقة: في مؤخرة الجيش، قيل له: أنتَ وظيفتك أن تمشي خلف الجيش تحرسهم آخرهم من الخلف، وأي شيء يسقط من متاع الجيش تلتقطه، كما كان صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه، كان ثقيل النوم، فربما تأخر في الاستيقاظ، فكان مستغلاً حتى لتأخره هذا فكان يمشي وراء الجيش وإذا سقط متاع لأحد أو أي شيء، أخذه وأتى به.

هذا الرجل سواء كانت الوظيفة أو المهمة أو الموقع الذي وضع فيه موقعاً شاقاً أو موقعاً مغفلاً، موقعاً ليس مسلطاً عليه الأضواء، فهو مستسلم وراضٍ، ويفعل ما وكل إليه وما أمر به، إنه خامل الذكر، لا يقصد السمو وإنه يأتمر بالأمر، وإنه يتحمل مهما كانت المسألة شاقة، وهذا يدل على فضل الحراسة في سبيل الله.

وقد جاء في فضل الحراسة في سبيل الله أحاديث عدة مثل: (أن النار لا تمس عيناً باتت تحرس في سبيل الله) وفي روايةٍ: (باتت تحرس الإسلام وأهله من أهل الكفر) وجاء عند ابن ماجة : (حرس ليلةٍ في سبيل الله، خيرٌ من ألف ليلةٍ يقام ليلها ويصام نهارها) وأيضاً من حديث عند ابن ماجة عن سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعاً: (من حرس وراء المسلمين متطوعاً لم يرَ النار بعينه إلا تحلة القسم) أخرجه أحمد ، وحديث أبي ريحانة مرفوعاً (حرمت النار على عينٍ سهرت في سبيل الله)، هذا جاء نحوه للترمذي وهو عند أبي يعلى من حديث أنس وإسناده حسن كما ذكر الحافظ رحمه الله.

إذاً: الرجل يحرس ويعمل أي مهمة من مهمات الجهاد، هذا الرجل بالرغم من كل هذه المزايا التي فيه إلا أنه عبد لله، نيته خالصة في سبيل الله، الجهاد رغم ما فيه من المشقات والأهوال، مستعد دائماً، وفي أي موضع يوضع يعمل.

من صفات هذا الرجل أنه لا يحب الشهرة ولا الرئاسة

هذا الرجل ليس له مكانة في قلوب الخلق أبداً، مستضعف لا يؤبه له، ما هو الدليل؟: (إن استأذن لم يؤذن له) فهو عند الناس ليس له جاه ولا شرف، حتى لو جاء يستأذن على أهل سلطةٍ لم يأذنوا له، لأنه ليس له مرتبة، ولا صاحب جاه، ولا صاحب مال، ولا صاحب حسب، ولا صاحب منزلة ومكانة دنيوية، ولذلك لو استأذن عليهم لم يأذنوا له، وبالإضافة إلى ذلك، هو إنسان يحب أن يسير في حاجات الخلق، ويشفع لهم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام في صفات هذا الرجل: (وإن شفع لم يشفع) فهو إنسان محب للخير، محب لأداء الخدمات للآخرين، ما هي الشفاعة؟ التوسط للغير لجلب منفعةٍ أو دفع مضرة، هذه هي الشفاعة، فهو إن شفع لم يشفع، إذا طلب الدخول لم يؤذن له، وإذا طلب أن يتوسط لأحد لم يقبل كلامه؛ لأن الناس لا يرونه أهلاً للشفاعة، ولا أهلاً للتوسط، ولذلك لو جاء يتوسط لأحد ردوه، فالرجل هذا المدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره، وليس مهماً عنده أن يكون وجيهاً عند الناس بل المهم أن يكون وجيهاً عند الله، كما قال الله تعالى عن موسى عليه السلام: وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً [الأحزاب:69].

فليس المهم أن يكون الإنسان صاحب وجاهة عند الناس، المهم أن يكون عند الله وجيهاً، ولو أن الناس ما قبلوا شفاعته ولا أذنوا له، فإن هناك من يقبل وربما هذا الرجل يوم القيامة يخرج من النار آلافاً مؤلفة، فقد حدثنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن رجل من هذه الأمة يخرج بشفاعته من النار مثل بني تميم، بنو تميم ملايين، واحد من هذه الأمة يخرج من النار بشفاعته عند الله، يشفع عند الله، يقول: يا رب! إخواني الموحدين في النار -هؤلاء عصاة فسقة، لكنهم موحدون وأصحاب صلاة- تجاوز عنهم، اقبل شفاعتي فيهم، فيخرجون من النار بشفاعة هذا الرجل.

قال الشراح أو بعض الشراح: هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، المهم أن هذا الرجل الذي لا يشفع وما تقبل شفاعته في الدنيا، يمكن أن يشفع لآلاف مؤلفة عند الله يوم القيامة، لأنه وجيه عند الله، فالله يقبل شفاعته، ويسمح له أن يخرج من النار على يديه أناساً من الموحدين استحقوا العذاب. (رب أشعث مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره) وهذا المقطع من الحديث يدل على مسألة ترك حب الرئاسة والشهرة، وحب الرئاسة والشهرة مسألةٌ ابتلي بها كثيرٌ من الناس، التطلع للمناصب، الظهور أمام العدسات، وفي الأضواء وفي المقدمة، ولابد أن يكون اسمه مكتوباً بالخط العريض، وإلا سخط، ولذلك كانت الشهرة وكان عالم الأضواء مهلكة؛ لأنه يذبح الإخلاص ويوقع في الرياء؛ لأن الإنسان يصبح هدفه الخلق والمكانة والذكر عندهم، وأن الخلق يثنون عليه، ويذكرون سيرته، ويكرمونه ويعظمونه، ويدعونه.

إذاً: هذا الرجل الذي في الحديث، ونسأل الله أن نكون من النوع هذا من البشر، هذا رجل عنده خمول ذكرٍ لا يريد الأضواء ولا الشهرة أبداً، وهو إنسان متواضع، تارك للرئاسة والشهرة، وهذا الإنسان ليس إنساناً يدفعه إهمال الناس له إلى إهمال المهمة التي وكل بها، لا. فلا يقول: الناس أهملوني ودفعوني بالأبواب، وما أذنوا لي ولا قبلوا شفاعتي، فلن أعمل لهم شيئاً، لا، إنه قائمٌ بالمهمات، رغم أن الناس لا يرغبونه، هذه العظمة في هذا الرجل، أنه قائم بالمهمات رغم أن الناس لا يرغبون له، ومع ذلك قائم بالمهمات.

الناس في متاع الدنيا على قسمين

هذا الحديث قسَّم الناس إلى قسمين:

القسم الأول: ليس له هم إلا الدنيا، إما لتجميع المال، أو لتجميل الحال، فاستعبدت الدنيا قلبه حتى اشغلته عن ذكر الله.

القسم الثاني: من أكبر همه الآخرة، فهو يسعى لها ولو في أعلى المشقات، وأصعب المهمات، والحديث يفيد أيضاً أن الذي ليس له هم إلا الدنيا قد تنقلب عليه الأمور، ولا يستطيع أن يصيب من الدنيا.

ولذلك تجد بعض هؤلاء من التجار الفجار في النهاية يجعله الله عز وجل في نكبة، لا يستطيع أن يعمل أو يداوم أو يسافر، وحتى الأكل لا يتهنأ بالأكل، توضع أمامه المأكولات يقول: أنا ممنوع من هذا، وممنوع من هذا، وممنوع من هذا، يأخذ قليلاً من الخضار المسلوقة ويكفي، هذا كل ما يستطيع أن يأكله، فهو محروم.

أهمية الشفاعة الحسنة للمحتاجين

كذلك في هذا الحديث أن الرتب في الدنيا ليست بشيء، لا مدير عام، ولا مدير عام مساعد، كل هذا ليس بشيء مهما طالت الألقاب لا تعني عند الله شيئاً، فلا ينفع عند الله إلا من جاء بقلبٍ سليم وعملٍ صالح، وإنَّ دنو المرتبة عند الناس لا تستلزم دنوها عند الله، بل هذا الرجل الآن مدفوع بالأبواب.

كذلك في الحديث أهمية الشفاعة الحسنة، يعني: أن الإنسان يتوسط في الخير للأشخاص الآخرين، أي شخص يريد منك واسطة خير فقدمها له، إن في الجاه زكاة كما في المال زكاة، ولما فعل بعض السلف شفع واحد لشخص عند الأمير في حاجة، فقضيت الحاجة، فجاء يشكره -جاء يشكر هذا الرجل الذي شفع له- فقال: علام تشكرني؟ نحن نرى أن للجاه زكاةً كما أن للمال زكاة.

مثلما أن للمال زكاة، كذلك للجاه زكاة، فأنا أديت زكاة جاهي وشفعتُ لك عند الأمير، أنا عملت الواجب علي، وليس أني عملتُ معروفاً أو نافلةً حتى تشكرني عليها، أنا عملت الواجب، ما دمت أني معروف والناس يقدرونني، فأقوم بذلك زكاةً واجبةً علي في الجاه، كما أن الزكاة واجبة في المال.

وكذلك في هذا الحديث: أنه قال: ( تعس عبد الدينار ) ولم يقل مالك الدينار؛ لأن الملك في حد ذاته ليس عيباً، وإنما العيب أن تستعبده الدنيا، وليس أن يملكها، ولذلك قيل للإمام أحمد رحمه الله: أيكون الرجل زاهداً وله مائة ألف؟ قال: نعم. بشرط ألا يفرح إذا زادت ولا يحزن إذا نقصت، لكن هل هذه سهلة، هل تتصورون يا إخوان أنه سهل للإنسان إذا جاءه مليون فجأةً ألا يفرح، وإذا خسر مليوناً فجأةً ألا يحزن؟! هذه مسألة صعبةٌ جداً جداً، فليست القضية بهذه السهولة، وكون المال يكون عند الواحد إذا جاء وإذا ذهب سواء، من الذي يصل إلى هذه المرتبة؟!

الناس أنواع عند تكليفهم بالمهمات

هذا بعض ما اشتمل عليه هذا الحديث، وبالإضافة إلى مسألة إتقان المهمات، الآن نجد أن من الإشكالات الكبيرة أن يوكل الواحد بمهمة ثم ينسحب منها، أو يأباها، والناس مع المهمات أنواع:

هناك أناس يهربون من المهمات هرباً لا يريد أن يقوم بأي مهمة، كسلان متواكل متخاذل، وهناك أناس لا يقبل مهمة إلا بعد رجاء وتقبيل الرأس واليدين، وهناك أناس يقبل المهمة ثم ينسحب منها في أولها أو في وسط الطريق ويسبب كارثة، وهناك أناس يقبل المهمة ثم لا يعطيها ولا يقوم بها حق قدرها ولا يقدرها حق قدرها ولا يقوم بها كحق القيام، ولذلك تكون أيضاً كارثة، قلة من الناس من يتقدم ليتحمل المسئولية على الوجه الذي يرضي الله، وقلة من الناس الذين إذا كلفوا بشيء أتقنوه.

بينما هذا الرجل: إذا كلف بشيء أتقنه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، قائمٌ بحقها، فإذاً الأشخاص والمهمات، موقع الأشخاص أو تفاعل الأشخاص مع المهمات، هذه مسألة مهمة جداً وتحتاج إلى تبيين ودراسة وتمحيص؛ لأن كثيراً من الفشل يعود إلى بعض هذه الأسباب التي ذكرناها؛ من قضية الإعراض عن تحمل المسئولية، وقضية أنه لا يتحملها إلا بعد ترجٍ، وقضية أنه ينسحب في أثنائها، أو يقصر في أدائها، هذه من الكوارث التي أدت إلى فشل أعمال كثيرة للمسلمين.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين يعملون لنصرة دينهم، ويتحملون مسئوليات هذا الدين، نسأله أن يجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، نسأله أن يجعلنا ممن استعملهم في طاعته، وصلى الله على نبينا محمد.

الأسئلة

لا تصرف الزكاة في بناء المساجد

السؤال: هل يجوز إعطاء زكاة الأموال في بناء المساجد؟

الجواب: لا، لأن زكاة الأموال في مصارف محددة ليس بناء المساجد منها.

يجوز صرف الزكاة في إعانة شاب على الزواج

السؤال: هل يجوز إعطاء شخص يريد الزواج من مال الزكاة؟

الجواب: نعم. إذا كان يجد العنت إذا ما تزوج؛ يخشى على نفسه الحرام، يعطى ما يمكنه من الزواج دون إسراف، فإن قال قائل: هذا الرجل يدخل في أهل الزكاة من أي باب؟ الجواب يدخل من باب الفقراء؛ لأنه وإن كان غنياً بنفسه لكن هو فقيرٌ لأهله، فقير بزوجته.

حكم لبس البنطلون للفتيات

السؤال: لبس البنطلون للفتيات من أسباب الشر العظيمة؟

الجواب: ولذلك أفتى من أفتى من علماء عصرنا بتحريم لبسه؛ ولأنه لو وضع ما وضع من الضوابط كم يمتثل لها من النساء؟ لا يكاد يذكر.

أم تعاني من ابنتها المراهقة

السؤال: أنا أمٌ لفتاة مراهقة، ولكنها عنيدة كثيراً لا تريد أن تفعل ما تريد، وكلما رفضتُ لها طلباً تغضب وتثور وترد كثيراً، وتحب أن تتكلم مع زميلاتها بالتليفون كثيراً، وعندما أمنعها تقول: كل زميلاتي لديهنّ أمهات لا يمنعنهن وتتفوه بكلمات جارحة، ومرات أغضب عليها وأدعو عليها، ونسيت أن الله أمرها بالطاعة في غير معصية الله؟

الجواب: تربية البنات وما أدراك ما تربية البنات! تربية البنات صارت في عصرنا هذا أمراً شاقاً وعسيراً ومهمة قل من تصدى لها وأعطاها حقها، مهمة تربية البنات؛ لأننا نتساهل مع البنات منذُ البداية، فإذا لبست ملابس فاضحة، قلنا: هذه صغيرة، وإذا صارت تقرأ بعض المجلات وتشاهد بعض الأفلام، غضينا النظر وتساهلنا في جلوسها في بعض المجالس وعلاقتها بأبناء عمها وأقربائها من الذكور من غير المحارم أو من أبناء الجيران، أو في بعض المجتمعات المفتوحة، ونتساهل عندما تدعى إلى حفلة عيد ميلاد، حفلة مبتدعة، محرمة من التشبه بالكفار، أو تدعى إلى حفلة فيها منكرات، كغناء وموسيقى، ورقص فاضح، وبعد ذلك نقول: البنت لا تسمع الكلام والبنت صار لها اتجاهات سيئة، والبنت بدت عليها أمور مشينة، ونحن لم نعالج ذلك من البداية، فالإهمال في البداية هو الذي يقود إلى النتائج السيئة.

ثانياً: إن معاملة البنات تحتاج إلى شيءٍ من الحزم، ولكنها أيضاً تحتاج إلى شيءٍ من العاطفة، فلابد أن تكون العملية عاطفة ممزوجة بحزم، أما ترك المسألة للبنات تلبس البنت ما تشاء وتذهب إلى أين ما تشاء وتقول: هذه صاحبتي عزمتنا في الفندق، وعملت حفلة في مطعم في القسم العائلي، ونرسلها مع السائق وحدها ونحو ذلك من الأشياء، ونترك لها تقرأ سمر وسحر وتنظر في الأفلام، والأفلام هذه تأتي على النفس الفارغة فتملؤها.

بعض الآباء والأمهات عندهم بعض القواعد، أو بعض الخلفيات الجيدة، أو بعض الممانعات للفسق والفجور نتيجة ما تعرضوا له من الحوادث في حياتهم والخبرة التي اكتسبوها والتجربة عرفوا أن هذا شر وهذا خير، فالأبناء لا يعرفون ذلك، الخبرة نفسها غير موجودة عندهم، ثم إن الزمن يكثر فيه الشر والسوء، وما كان في زمن الآباء والأجداد من وسائل الفساد الآن قد اخترع وروج أضعافه، ولذلك المسألة تحتاج إلى إغلاق أبواب الشر عن البنت وفتح أبواب الخير لها، من الصحبة الطيبة .. المجالس الطيبة .. مراكز تحفيظ القرآن .. درس أسبوعي .. قصص طيبة وهادفة يقصها الأب تارةً وتسمع من شريطٍ تارة وتقرأ في كتابٍ تارة .. تعليم الآداب؛ لأن الجيل الجديد هذا متميز بقلة الأدب إلا من رحم الله، فتعليم الآداب في الكلام والنقاش والسلام واحترام الآخرين.

قضية الحياء: نحن نخدش حياة البنت بأشياء، ثم نقول: فقدت الحياء ولا تسمع كلامنا، الحياء يتعلم بالملابس بحشمة الملابس بحشمة الأماكن، الحياء يتعلم بتجنيب البنت التعرض للأفلام والمسلسلات التي تزيل الحياء وتهدمه، ثم إن جعل البنت تكلم من تريد متى شاءت وكيف شاءت تخرج متى شاءت، الحرية التي يتشدق بها بعض الآباء هي التي تفسد البنات.

ولسنا نقول: اكتموا أنفاسهن، لا. عائشة تقول: [اقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو ] والشريعة سمحت بالألعاب رغم أنها مجسمات لذوات أرواح، سمحت بها لأجل مراعاة غريزة العناية بالأولاد والأمومة في نفس البنت من صغرها، غريزة الأمومة، ولذلك ترى البنت إذا أعطيت لعباً اعتنت بهن، تأخذها وربما غسلتها وأطعمتها وجعلتها في الفراش وعليها غطاء وسمتها اسماًونحو ذلك، غريزة الأمومة في نفس البنت، فلهذا سمحت الشريعة بألعاب البنات، أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرب إلى عائشة صويحباتها يلعبن معها، لكن صويحبات خير، أيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسمح لـعائشة وصويحباتها بضرب الدف في الأعياد والإنشاد المباح.

إذاً: البنت لابد أن تعطى مجالاً أيضاً، في اللعب المباح، عائشة تقول: [فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو] اللهو المباح، وموضوع الكلام في تربية البنات يطول، ونحن نسأل الله تعالى أن يهدي بنت هذه الأخت وسائر بنات المسلمين.

إخراج الزكاة للهيئات الخيرية

السؤال: هل يجوز إخراج زكاة الفطر للهيئات الخيرية؟

الجواب: إذا كانوا سيوزعونها في موعدها على مستحقيها ويشترونها من الأنصاف المشروعة وهم ثقاة، فنعم.

حكم التأخر عن الإجازة المقررة في العمل

السؤال: هل يجوز أن نتأخر عن الإجازة التي أعطيتها؟

الجواب: إذا كان عقد العمل الذي أنت تأخذ راتباً بناءً عليه لا يسمح للتأخر عن الإجازة، فلا يجوز لك أن تتأخر، وإذا غبت عن يومٍ لا يجوز أن تأخذ أجرته بل تعيدها إليهم وإن عسر ذلك تصدق بها.

الصائم عند فطره يدعو بما يشاء

السؤال: للصائم عند فطره دعوة مستجابة، هل يدعو الواحد بدعوة واحدة؟

الجواب: يدعو بما شاء، ليست دعوة واحدة، يدعو بما شاء، ليس طلباً واحداً بل يطلب عدة طلبات.

لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل

السؤال: اشتريت طقم ذهب وفي اليوم التالي ذهبت لإرجاعه فرفض صاحب المحل، ولكن أعطاني وصلاً بسعرها، وقال: يمكنك شراء طقم آخر من أحد فروعنا، فذهبت لفرعٍ آخر وأعطيته وزدت عليه مائتين؟

الجواب: لا يجوز بيع الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل، يداً بيد، إذا اشتريت طقماً وزنه عشرون جراماً، وأردت أن تبدله، فأبدله بطقم آخر وزنه عشرون جراماً، بدون زيادة ولا نقصان أو تعيد الطقم وتأخذ مالك.

لا يجوز الاستلاف من الأمانة

السؤال: لشخص مال عندي أمانة، وأريد أن آخذ منه مبلغاً لفترة مؤقتة؟

الجواب: لا يجوز أن تستلف من الأمانة شيئاً، إذا أعطيت أمانة تحفظها عندك لا تستلف منها ولا تسلف منها ولا تتصرف فيها أبداً، الأمانة لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن الذي استأمنك عليها. الأمانة ملك الشخص الآخر فهو الذي يزكيها.

حكم استئذان الوالدين عند الذهاب للعمرة

السؤال: أريد أن أذهب إلى العمرة فهل أستأذن والدي؟

الجواب: من البر أن تقول لهم: إنني أريد أن أذهب إلى العمرة.

لا يُؤَم المرء في بيته

السؤال: كثيراً ما أسمع: لا يُؤَم المرء في بيته؟

الجواب: نعم. هذا حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صحيح: (لا يؤم الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد على تكرمته في بيته إلا بإذنه) فصاحب البيت أولى بالإمامة، ولو ما كان هو الأقرأ، طبعاً إذا كان ممن تصح الصلاة خلفه، لكن إذا تنازل، وقال: صلِّ يا فلان؟ أنا قدمتك أنا سمحتُ لك، فلا بأس أن يصلي غيره.

لا فرق بين الوساطة والشفاعة

السؤال: ما الفرق بين الشفاعة والواسطة؟

الجواب: هي الواسطة فالشفاعة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر، من يشفع شفاعةً حسنةً يكن له نصيب منها: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا [النساء:85].

دفع كفارة اليمين لإفطار الصائم

السؤال: هل يجوز دفع كفارة اليمين لإفطار الصائم؟

الجواب: إذا كانوا عشرة فقراء يجوز أن تعطيهم إفطار صائم.

المقصود ببركة السحور

السؤال: ما المقصود ببركة السحور؟

الجواب: البركة الخير والكثرة والزيادة، قد تكون في الجسم وفي الصحة وفي أشياء لا ندركها، فما دام أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن فيه بركة، إذاً فيه بركة.

ما يقول المأموم عند ثناء الإمام على الله

السؤال: ماذا يقول المأموم عند ثناء الإمام على الله في الدعاء؟

الجواب: يمكن أن يقول سبحانك، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبح، فإذا كان الموضع موضع تسبيح تسبح.

الجمع بين تدبر القرآن وكثرة قراءته

السؤال: أيهما أفضل تدبر القرآن أم كثرة القراءة؟

الجواب: الجمع بينهما.

التقصير في الوظيفة بحجة عدم الرضا عن الواقع

السؤال: ما الحكم أن يقصر في أداء الوظيفة بحجة عدم الرضا عن واقع الحال؟

الجواب: إذا كانت وظيفة مباحة فلا يجوز، إذا كان غير راضٍ، يخرج منها، أما يقول: أنا لست راضياً، وأنا لن أفعل، لا. إما أن يقوم بالوظيفة أو يخرج منها، ما دامت وظيفة مباحة.

خروج المذي لا يؤثر في الصوم

السؤال: خروج المذي هل يؤثر في الصوم؟

الجواب: جمهور العلماء أنه لا يبطل الصوم، ولكن هذا الرجل مسيء، وقد جرح صيامه وأنقص أجره بتعرضه لما يخرج المذي.

العدل مع الأولاد واجب

السؤال: عن هبة الوالدة لأحد أولادها؟

الجواب: لا يجوز أن يخص الوالد أو الوالدة أحد الأولاد ويعطيه إلا إذا أعطى الآخرين مثله، أو أن يكون هناك سبب شرعي لتخصيص هذا الولد؛ إما أنه مريض يحتاج إلى علاج، أو جائزة حفظ القرآن، أو يريد أن يتزوج فيعيه مهراً، أو قضاء دين، لابد أن يوجد سبب، أما أن يكونوا متساوين في الظروف، نعطي واحداً دون الآخر، فلا يجوز، هذا زور كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم.

الزكاة تجوز لأحد الأقارب إذا كان فقيراً

السؤال: لي قريب متقاعد يستلم ألفاً وأربعمائة ريال شهرياً راتب تقاعد، له زوجتان ليس له أي مصدر آخر للدخل، سليم البدن بحث عن عمل وما يزال ولم يجد؟

الجواب: إذا كان لا يكفيه ما يأخذه فيستحق الزكاة.

لا يجوز أخذ مال أو شيء آخر مقابل الشفاعة

السؤال: إذا عُرض علي أن أشفع لأحد ولكن طلبتُ منه أن يعطيني مقابلاً للشفاعة؟

الجواب: هذا حرامٌ لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من شفع لأخيه شفاعةً فأعطاه هديةً فقبلها منه فقد أتى باباً عظيماً من أبواب الربا، هذا ظاهره أنه حتى لو أن ما اشترط يدخل فيه، لا يجوز أخذ الهدية على الشفاعة، حتى تكون الشفاعة عملية مجانية، كل الناس يقومون بها لكل الناس، كل واحد محتاج يجدها، وليست خاصة لفلان وعلان ومقابل مال، وكل واحد يحتاج إلى شفاعة لا يجد إلا بالمال وبالمعرفة ويضيع أناسٌ كثيرون من المستضعفين، لذلك كانت الشفاعة في الإسلام يجب أن تبذل مجاناً لا يجوز أخذ الأجرة عليها.

رجل يمنع زوجته من زيارة الجيران

السؤال: أبي يمنع أمي من الذهاب إلى الجيران ويمنع الجيران من الذهاب إليها؟

الجواب: إذا كان لسبب شرعي فهو محق، وإذا لم يكن هناك سبب شرعي فليس من البر أن يمنعها من البر.

صحة حديث الجلوس بعد الفجر إلى أن ترتفع الشمس

السؤال: ما صحة حديث الجلوس بعد الفجر في المسجد ويذكر الله إلى أن ترتفع الشمس ويصلي ركعتين؟

الجواب: حسنه بعض أهل العلم، الإنسان يعمل وحتى لو كان الحديث فيه شيء؛ لأن ذلك فيه أجر عظيم بالتأكيد.

الإجازة المرضية حسب العقد المتفق عليه

السؤال: مدرسة مريضة وتأخذ إجازة من الطبيبة، هل تأخذ المعاش؟

الجواب: هذا حسب النظام، نظام العقد التي تعاقدت معهم به وبناءً عليه تأخذ الراتب، إذا قالوا: الإجازة المرضية إلى حد كذا، نعطيها الراتب كاملاً، بعده نصف الراتب، بعده لا نعطيها شيئاً، فإذاً يكون على حسب النظام، العقد الذي تعاقدت معهم بناءً عليه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تعس عبد الدينار للشيخ : محمد المنجد

https://audio.islamweb.net