إسلام ويب

خلق الله تبارك وتعالى عباده ليبتليهم ويختبرهم، ومن ألوان الاختبار والإبتلاء أن يكون لعباد الله عدو من غيرهم أو من أنفسهم، ثم يقوم الصراع بين الذين انتسبوا إلى الله تبارك وتعالى والذين انتسبوا إلى أعداء الله وتمردوا على إلههم وسيدهم . واليهود في طليعة الذين عادوا المسلمين حسداً وكرهاً لأمة الإسلام، فينبغي لأمة الإسلام أن تعاديهم وتعادي كل حلفائهم.

ابتلاء الله لعباده بالصراع مع أهل الباطل

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلله فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

خلق الله تبارك وتعالى عباده ليبتليهم ويختبرهم، ومن ألوان الاختبار والابتلاء التي يختبر الله به عباده أن يكون لهم عدو من غيرهم أو من أنفسهم، ثم يقوم الصراع بين الذين انتسبوا إلى الله تبارك وتعالى، وبين الذين انتسبوا إلى أعداء الله الذين تمردوا على إلههم وربهم وسيدهم.

خلق الله آدم بيده وأسجد له ملائكته، ومن اللحظة الأولى التي فتح فيها آدم عينيه وجد عدواً يتربص به، وذلك عندما أمر الله ملائكته أن يسجدوا لآدم عندما ينفخ فيه الروح، فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ [الحجر:30-31] واستكبر عن أمر الله، وحسد آدم على ما فضله الله به، وكان قبل ذلك يعبد الله مع ملائكة السماء مكرماً معززاً، فطرده الله تبارك وتعالى من رحمته وجنته، ومنذ أول لحظة قال الله لآدم: يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا الذي يقف أمامك وتراه عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى [طه:117].

وانتقل الصراع من الجنة إلى ظهر هذه الأرض بعد أن نجح الشيطان في إغواء آدم، حيث زين له أن يعصي ربه، فأهبطه الله تبارك وتعالى من الجنة، وانتقل الصراع بين الشيطان وذرية آدم إلى أن تقوم الساعة.

واتخذ الشيطان من بني آدم جزءاً، وهم فريق كبير ممن اتبعه من بني آدم، (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الكهف:50]، وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20] وفريق قليل هم الذين لم يتبعوا الشيطان، وهم الرسل وأتباعهم .

أما بقية بني آدم من هذه الجموع الهائلة في الشرق والغرب، فالشيطان هو قائدهم، وموجههم، فبعضهم زين لهم أن يعبدوا الأصنام من دون الله فعبدوها، وبعضهم زين لهم أن يعبدوا الشمس والقمر والنجوم فعبدوها، وبعضهم عبدوا الأحجار والأشجار، وبعضهم عبدوا الجبال والبحار، وبعضهم عبدوا أهواءهم وملذاتهم، وبعضهم عبدوا حكامهم من دون الله، وكل ذلك يرضي الشيطان.

فكل من عبد شيئاً من دون الله فقد عبد الشيطان؛ لأنه هو الذي يأمر بذلك ويحبه ويرضاه، وكان عداء الشيطان على مسيرة البشرية عبر تاريخها ينصب على الرسل وأتباعهم، فكان الصراع بين نوح وبين عبدة الأصنام، وبين إبراهيم وعبدة النجوم والكواكب والأصنام والشمس والقمر، وبين موسى وفرعون الذي كان يأتمر بأمر الشيطان، وهكذا على مدار التاريخ يوجد صراع بين الحق والشر، وبين الخير والباطل، ينحاز فيه فئة من البشر إلى الرسل.

وأتباع الرسل يسيرون في الحياة بمنهج الله تبارك وتعالى، ويتحاكمون إلى شرع الله، ويرفعون راية التوحيد وراية الإيمان، ثم يحدث في أتباع الرسل الانحرافات التي تقربهم من الباطل، وتبعدهم عن الحق، كما حدث في تاريخ بني إسرائيل، فقد اختارهم الله تبارك وتعالى واصطفاهم، إذ استقاموا على طاعة الله وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32]، وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ أي: بني إسرائيل اختارهم الله واصطفاهم عندما كانوا موحدين مسلمين مخلصين دينهم لله، يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ البقرة:47].

ثم بدأ مسلسل الانحرافات في تاريخ بني إسرائيل من عبادة للعجل، وعبادة للأصنام والأوثان، وتمرد على شرع الله، وقتل للأنبياء وللصالحين الذين يأمرونهم بالحق، وينهونهم عن الشر، ولم يزل هذا المسلسل (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ [البقرة:87].

وانتهى الأمر ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حصل الانحراف الرهيب، من تحريف لدين الله، وكتمان للحق، وابتعاد عن الله، وجاءت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فجراً جديداً للبشرية، تضيء الظلمات التي في النفوس والقلوب، التي غطت العقول، وتخرج البشر من الجاهلية إلى الإسلام، وإلى الهدى وإلى النور، وإلى معرفة الله الحق، وإلى الابتعاد عن ظلمات الشيطان وخطواته.

أهمية معرفة من نعادي

سنة الله في الدعوات أن يكون هناك عداء، ولكن ينبغي للمسلم أن يعرف من يعادي، فتلك قضية مهمة، فإن لم تعرف عدوك عاديت أخاك، وعاديت أباك، وعاديت الذين يحبونك ويريدون لك الخير.

ومن مهمات دعوة السماء أن تعرفنا بأعدائنا، ومن مهمات الدين الذي أنزل من عند الله أن يعرفنا من نحن، ومن نكون، ومن أعداؤنا، حتى يكون حبنا لإخواننا الذين هم على مبدئنا وطريقتنا، والذين يريدون لنا الخير، وحتى يكون بغضنا وسيوفنا ورماحنا وبنادقنا للذين يستحقون ذلك من أعدائنا.

فإذا غابت المعرفة بذلك تلججت بنا الدروب، وأصبحنا حيارى، يعادي الإنسان من ينبغي أن يحبه، ويوالي ويحب من ينبغي عليه أن يكرهه ويعاديه، كما هو واقع في أيامنا.

اليهود أشد وأخبث أعداء المسلمين

وفي طليعة الذين عادوا هذه الدعوة، وأرادوا بها شراً: الذين كانوا أتباع الرسل، والذين كانوا يوماً هم المصطفون الأخيار، الذين قال الله فيهم: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان:32]، الذين قال الله لهم: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ [البقرة:47] لقد انقلبوا أعداء للرسول الجديد، وللمسلمين الجدد الذين يهتدون بهدي السماء مصدر رسالتهم من عند الله تبارك وتعالى الذي أنزل الوحي على نبيه موسى، وعلى نبيه عيسى، انقلب هؤلاء إلى أعداء، وكانت عداوتهم في المقدمة؛ وذلك لأنها ليست نابعة عن جهل، وإنما هي عن علم واستكبار، ومن كانت عداوته عن علم واستكبار لا يرجى من وراء عداوته خير.

يعرفون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث من السماء، يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:101] ولكنهم كفروا به، وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:89] بعد أن جاءهم الحق الذي كانوا يتمنون أن يصل إليهم ليعزوا به، كفروا به، حسداً وبغياً وظلماً.

وقد عرفنا الله الحقيقة: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82]، وقال تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]، وقال تعالى: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ [البقرة:145].

وكانت العداوة الكبرى في تاريخ هذه الأمة نابعة من اليهود، فقد حاولوا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، فسمموا طعامه، وأرادوا أن يلقوا عليه حجراً يجعله طحيناً، وألبوا المشركين على المسلمين، ونقضوا عهودهم مع المسلمين، ومن يقرأ مسلسل العداء لهذه الأمة الباغضة للأمة الإسلامية يجمع في ذلك مجلدات ضخمة، إنه عداء لا يمكن أن يغسله الإحسان، ولا يمكن أن تنهيه المودة، والله لو كان يمكن أن ينهيه ذلك لانتهى في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكثرة ما أحسن إليهم، وأراد بهم خيراً، وفي كل مرة ينقضون العهود والمواثيق، ثم جاء هذا الزمن الذي نعيش فيه، فتلججت بالقوم الدروب، وأصبحنا لا نعرف ولا نحسن أن نعرف من عدونا، إننا نراهم يذبحون رجالنا، ويحتلون ديارنا، وينتهكون حرماتنا، ويثيرون القلاقل والفتن في بيوتنا، وفي دولنا وفي شعوبنا، ويفعلون ما يفعلون، ثم تجد من حكام المسلمين من يصافحهم ويأخذهم بالأحضان، وتجد الدعوة إلى السلام تنطلق من أبواق إذاعات الدول العربية والإسلامية كأنهم لا يعرفون من عدوهم، وما هي طبيعة هذا العدو، وماذا يريد بهم!

إن عدونا لا يريد فلسطين وحدها، ولا يريد بلاد الشام وحدها، ولا يريد العراق ومصر وأجزاء من الجزيرة العربية ومنابع البترول، بل يريد أكثر من ذلك، إنه يريد أن يحطم هذه الأمة، وأن يجعلها غثاء، وأن يستعلي عليها، وأن يكون الصوت صوته، والقول قوله، والأمر أمره، ونحن نكون خدماً في ركابه، لا يرضى بأقل من ذلك، لكن هناك شيء واحد يرضون به عنك وهو أن تتبع اليهودية، وقد لا يرضون بيهوديتك، فهم يعتبرون اليهودية شرفاً لا يستحقه غيرهم، فهم يريدون أن نكون عبيداً وديداناً في الأرض يطئونها بأقدامهم، وحشرات يدوسونها بأرجلهم.

إن اليهود يعرفون إمكاناتهم، وأنهم أضعف من أن يقفوا في وجه المسلمين، ولذلك ألبوا علينا القوى العالمية: مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا، ألبوا العالم كله وأقنعوه بمصالحهم، فأصبح العالم يحميهم ويحمي وجودهم، لو كان اليهود بضعة ملايين فليواجهوننا.

كما قال غاندي عندما كان يستثير قومه من الهنود على البريطانيين، وكان الهنود سبعمائة مليون، فكان يقول لهم: لو كل واحد منكم بصق بصقة على الإنجليز لأغرقهم، الإنجليز الذين حكموا العالم عددهم اثنان وخمسون مليوناً، ولكن اليهود أذكياء، فاستطاعوا أن يفعلوا ما عرفناه في عصرنا الحاضر، فحمتهم الدنيا، وجاء دور كثير من الحكام العرب الذين انضموا إلى القافلة التي تحمي اليهود في عصر البؤس والشقاء، وأصيب المسلمون في ديارهم إصابات متفاوتة في العمق، فقد أصيب المسلمون في فلسطين، وفي بلاد الشام نالهم شر كبير، وفي مصر، وحلقت طائرات العدو سابحة في العالم العربي، بل وتهدد العالم الإسلامي، ويهدد اليهود بأن يضربوا المفاعل النووي الباكستاني كما ضربوا المفاعل النووي العراقي، وسفنهم تبحر قريباً من شواطئنا، وطائراتهم تضرب البؤساء الفقراء في مخيماتنا كما تضرب في عمق العالم الإسلامي، وأصبحت لهم صولة وجولة، ونحن ما زلنا لا نعرف حقيقة هذا العدو!

إن هذا العدو ليس كالعدو البريطاني، فقد كان الجندي البريطاني يأتي إلى ديارنا وقلبه معلق ببلده وبيته، ينتظر متى يعود، وكذلك المستعمر الفرنسي عندما كان يأتي إلى الجزائر أو يأتي إلى بلادنا في سوريا وغيرها، كان يعيش وقلبه معلق هناك في فرنسا، أما اليهودي فيعتبر الأرض أرضه، والبيت بيته، والبلد بلده، ويعتبرنا غاصبين لأرضه وتاريخه وتراثه!

إن الصراع الحقيقي اليوم يتمثل بين المسلمين وبين اليهود الذين ألبوا العالم علينا لإذلالنا حتى نركع أمامهم، ثم يمتصون خيراتنا ويعبدونا لأهوائهم.

والمخطط الرهيب عندما يدرسه الإنسان بدقة وبتفصيل فإنه يقشعر بدنه لهول ما يراه، وما أكثر المذابح والمآسي والمؤامرات التي وقعت والتي يخطط لتكون في عالمنا العربي والإسلامي! وكثير منا يعلم عن هذا لأنه أمر واقع ومشهود.

هذا هو العدو الأول الذي يضعه الله تبارك وتعالى في مستوى المشركين مثل: أبي جهل وأبي لهب ، ولينين واستالين وروسيا والصين، هذه قمة العداء للأمة الإسلامية، إذا لم نؤمن بذلك ضيعنا أنفسنا وضعنا، إذا اتخذنا من روسيا صديقاً ينصرنا على إسرائيل، ومن أمريكا ولياً ينصرنا على إسرائيل، وإذا حاربنا بالقوى التي تكفر بالخالق أو تشرك به؛ فإننا نظلم أنفسنا، إن هناك قوة عليا ينبغي أن يمد لها المسلمون أيديهم، ويرفعوا أيديهم لرب العزة تبارك وتعالى الذي له ملكوت السماوات والأرض، العليم الحكيم الخبير، الذي يأمر الأمر فكلٌ بأمره، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهو ولي المؤمنين إذا هم والوه بالإيمان والعبادة والطاعة، وينبغي أن يعرفوا أن هؤلاء الذين نستنصر بهم في الشرق والغرب وهيئة الأمم ومجلس الأمن لا يريدون بنا خيراً.

وحكام المسلمين لم يدركوا أو لا يريدون أن يدركوا هذه الحقيقة، ولذلك في كل عام تتعمق المأساة، وتزيد المأساة، وفي كل عام نزداد يأساً وبؤساً، وفي كل عام نزداد فرقة، وننشغل بأنفسنا؛ لأننا لم نعرف بعد عدونا بصورة يقينية، مع أن الله أخبرنا، ولكن لا نزال نتلمس الطريق بعقولنا الضعيفة الكليلة!

مشكلة هذه الأمة أنها لا تعرف من هي، وما هو انتماؤها، وما هي عقيدتها، ينبغي للأمة أن تعرف عدوها، وأن تعرف أن الناصر والمعين هو الله تبارك وتعالى، فلنتحد مع المؤمنين الذين يتابعوننا على عقيدتنا وإسلامنا، ينبغي أن نعرف من نحن، وأن نعرف أعداءنا، فإن شبابنا حائر ضائع لا يعرفون من هم، ولا يعرفون هويتهم، ولا يعرفون شخصيتهم، كم من انتماءات كثيرة ترفق، ورايات كثيرة ترفع، رايات وطنية وقومية، ومبادئ تقوم في عالمنا العربي، ثم سرعان ما تنطفئ كالشمعات الصغيرة، ثم يقعد الناس في الظلام حيارى لا يعرفون طريقهم، ولا يعرفون سبيلهم.

ينبغي لنا أن نعرف أننا -نحن المسلمين- أتباع محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، وحملة هذه الرسالة العظمى، وحملة دين الله في الأرض.

كما يجب أن نعادي أعداء الله من اليهود والمشركين والنصارى، فمن كان على مثل عقيدتنا فإنه منا، ومن لم يكن على ذلك فإنه ليس منا، حبنا لربنا، وحبنا لرسولنا صلى الله عليه وسلم، وحبنا للمؤمنين الذين آمنوا بالله وآمنوا بالرسول، ووالوا الإسلام وناصروا الحق، المؤمنون الذين يسعون في الأرض بقلوب معلقة بالسماء، نحن -المسلمين- كذلك، وعدونا نعرفه، فمن كان كذلك فقد عرف طريقه وعرف سبيله.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

كثرة مآسي المسلمين

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد عبد الله ورسوله.

إن الضعف الذي تعيشه الأمة، والقوة التي يعيشها أعداؤها؛ سبب مآسي كثيرة في ديار المسلمين وأوجاعاً وآلاماً، ففي أفغانستان أكثر من ثلاثمائة مليون لاجئ يعيشون في باكستان، وعشرات الألوف من المعوقين، وبيوت خربت، ومدن هدمت، وتحولت الأمة إلى أمة مقاتلة تقدم في كل يوم ضحايا.

وفي الهند في كل يوم تثور مآس للمسلمين من قبل عباد الأبقار، وفي الحبشة وفي غيرها.

ومن أعظم المآسي المعاصرة ما فعله اليهود بالمسلمين في بلدنا القريب منا، في فلسطين، إنه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الأمل إذا لم يستطع المسلمون أن يحموا ديارهم، وأن يحموا بلادهم وإخوانهم، أن يمدوا لهم يد العون، كي لا ينشأ هؤلاء الناس حاقدين حتى على المسلمين، ماذا تنتظرون من إنسان لا يجد لقمة الطعام ولا يجد اللباس والمسكن؟! كيف يكون تصوره وهو يرى البذخ في كثير من العالم الإسلامي؟ أقوام يموتون شبعاً، وأقوام يموتون جوعاً، فماذا تنتظرون من شباب يرون هذه المناظر بأعينهم في أنفسهم وفي غيرهم؟

في كل يوم نسمع الأخبار أن العدو يقصف المخيمات المستضعفة، ورجال يتسمون بالإسلام يضربون هؤلاء المساكين، والصوت العربي والإسلامي ساكن وخامد، وما يسمونه بالصوت العالمي لا يتحرك ولا يتكلم، وأصبح الحمى مباحاً لليهود، لا أحد يتكلم ولا يتظاهر ولا يحتج، حتى الدموع جفت في المآقي، فلا أحد يبكي على المساكين الذين يعذبون في كل يوم.

إذا قصرت الحكومات فأين شعوبها؟ وعبر التاريخ عندما كان الحكام يختلفون تبقى الشعوب فيها نبض من حياة، فتحس بآلام إخوانها، وتعينهم وتقدم لهم الخير، وأنا لا أنكر أن في الأمة رجالاً قدموا الكثير ولا يزالون يقدمون، ولكن هذه القضية ليست قضية آنية، بل هي قضية دائمة مستمرة، فالمسلمون كالجسد الواحد وكالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.

كثير من الذين يحضرون الصلاة يعرفون أحوال الذين شردوا وابتلوا بفعل عدونا الأكبر وهم اليهود، يعرفون بيوتهم ومساكنهم وآلامهم، يعرفون جراحهم ومواردهم المالية.. يعرفون المآسي، ويمكن لأي إنسان منكم أن يتجول في ربوع الوطن العربي، ليذهب إلى الأردن أو إلى سوريا، أو إلى لبنان حتى يرى بأم عينيه المآسي والأوجاع والآلام.

قامت في الكويت لجان لمعاونة المسلمين في أفغانستان، وهذا عمل طيب، وقامت لجنة لإغاثة المسلمين في أفريقيا وهذا عمل طيب، وأخيراً أفاق بعض المسلمين فأقاموا لجنة لمناصرة الشعب الفلسطيني واللبناني.

هذه القضية نسيها المسلمون، وكان الواجب أن تكون هذه القضية في المقدمة؛ لأن قضيتها قديمة، ولأن المعاناة قائمة منذ عشرات السنين، وأقل ما يمكن أن تشبع البطون الجائعة، ويساعد المرضى المحتاجون، فهذا أقل واجب على المسلمين، وأن يمدوا يد العون لمن هم إخوانهم في الدين، ويضمهم اسم الإسلام، واسم العروبة، واسم الأخوة.

وبعض هؤلاء الناس استوعبتهم الدول العربية ووجدوا لهم مجالاً للعمل، وأصبحوا أغنياء، وكثير منهم نسوا حياتهم وبلادهم وإخوانهم ومآسيهم، وكثير منهم نرى صورهم في الحفلات ، وفي الفنادق ، وفي البذخ، وأنا لا أنكر وجود بعض الناس من هذا الصنف، ولكن هذا صنف يعيش على هامش الحياة، لا تهمه إلا نفسه، وإن تشدق بالوطنية والثورية والسلام، ولكن واقعه يكذب ما يقول، لكن بقي كثير من هؤلاء بحاجة إلى العون، وكثير من هؤلاء يحملون القضية في قلوبهم لا على أنها قضية وطن، وإنما على أنها قضية دين، وقضية إسلام وقضية صراع بين الخير والشر.

إذا انتهى الشعب الفلسطيني ولم يبق شعب فلسطيني أتضيع القضية؟ أيرضى المسلمون بأن تضيع فلسطين وأن يضيع مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أيرضون أن تضيع الأرض المباركة من أيدي المسلمين؟ لا يرضون بذلك، فهذه القضية متصلة بالعقيدة.

لقد حدثني بعض الناس أنه عندما سقطت فلسطين في سنة 1948م ثم في سنة 1967م، وفي حادثة إحراق المسجد الأقصى؛ كان أول من يثور هم الشعب الباكستاني والإندونيسي، مع أنه ليس لهم صلة بالعربية، لكن عقيدتهم هي التي تربطهم بالمسجد الأقصى، إنهم يقرءون في كتاب الله: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى [الإسراء:1]، ويذكرون فتوحات المسلمين، ومسير عمر بن الخطاب إلى فلسطين، والشهداء الذين سقطوا من الصحابة وغيرهم على أرض فلسطين وحول أسوار القدس.

هذه قضيتكم، وإذا نسيها أهلها -على فرض ذلك- فأنتم مسئولون عنها، فلسطيني أو عربي أو مسلم،وليست بقضية الصين وروسيا وأمريكا، هذه قضيتنا، وعندما تحولت قضيتنا إلى قضية شرق أوسط ، وقضية العرب ، وقضية دولية؛ ضاعت قضية المسلمين، والذين يعيشون في المآسي من الفلسطينيين هم إخوانكم سواء كنتم فلسطينيين أو عرباً أو مسلمين، تلك قضيتكم، وغداً أنتم مسئولون عنها عندما تقفون بين يدي الله تبارك وتعالى.

هذا العمل الذي قامت به الكويت وهو لجنة المناصرة جزء يسير مما كان ينبغي أن يعمله المسلمون من قبل، فكيف يتركون إخوانهم للكفار يغيثونهم، إن وكالة غوث اللاجئين تتصدق عليهم مما يلبس الفرنسي والبريطاني، وأموال المسلمين أنهار تجري في بلاد العالم لا ندري كيف نصرفها والناس محتاجون للباس وللطعام!

هذه قضيتكم أنتم، والذين قاموا على هذا العمل الخير كان ينبغي أن يكونوا أسبق من ذلك، وعملهم وإن تأخر عن وقته فينبغي أن يكون المسلمون عوناً لهم، وإذا لم يستطيعوا أن يحاربوا وأن يقاتلوا فلا أقل من أن يعينوا اليتامى والمعوقين والمحتاجين والجائعين والأرامل، وأعدادهم لا تحصى في مختلف بقاع العالم العربي.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وكفر عنا سيئاتنا وألهمنا رشدنا.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك قريب مجيب سميع عليم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , صراع الحق والباطل للشيخ : عمر الأشقر

https://audio.islamweb.net