إسلام ويب

إن للصلاة أهمية عظيمة في دين الإسلام، ولذلك جعلها الله آخر عقد ينقض من الدين ولا حول ولا قوة إلا بالله، وقد بين الله عز وجل فضائل الصلاة وأثرها على أهلها المخلصين في أدائها، حيث جعل لها أهمية عظيمة في حياة الفرد والمجتمع، فهي جالبة للرزق والأولاد، وناهية عن المنكر والفحشاء، وداعية إلى الاعتصام بدين الله، وزارعة للمودة والألفة، وغير ذلك من الأمور التي وضحتها هذه المادة.

صفات رواد المساجد

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره.

الحمد لله كما ينبغي لأسمائه الحسنى وصفاته العلا، ووحدانيته.

الحمد لله كما ينبغي لإلهيته وربوبيته وملكه ورحمانيته.

الحمد الله الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، استوى على العرش فتحطمت كل العروش، وسع كرسيه السماوات والأرض، كل الكراسي حائلة زائلة ويبقى الله.

الحمد لله حمداً خالداً مع خلوده لا منتهى له دون علمه، ولا منتهى له دون مشيئته، كما يحمد ربنا نفسه؛ ليس كمثله شيء في حمده وهو الغني الحميد، وكما يحمده حملة عرشه والملائكة المقربون ومن حول العرش، وكما يحمده النبيون والمرسلون، والصديقون والمحدثون، والشهداء والصالحون، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلاله وجماله وكماله، له الحمد كله، والملك كله، والخلق كله، والأمر كله لا إله إلا الله.

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وإياكم ومحدثات الأمور، ألا وإن من أعظم محدثات الأمور الركون إلى البيت الأبيض أو إلى البيت الأحمر، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

اللهم إنا نسألك تحرير المسجد الأقصى وفلسطين، اللهم ارزقنا فيه صلاة طيبة مباركة خير خائفين إلا منك يا رب العالمين!

وانصر جندك وأولياءك المجاهدين في كل أرض يذكر فيها اسم الله، وفك أسر المأسورين، وسجن المسجونين من الدعاة المخلصين، وخفف وطأة الطواغيت عليهم، اللهم اكشف همهم، وادفع غمهم، وفرج كربهم، واحقن دماءهم، وصن أعراضهم، واحفظ أموالهم، وثبتهم يا أرحم الراحمين!

اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وامنحنا ولا تمتحنا، آمن روعاتنا، واستر عوراتنا، وخفف لوعاتنا، واغفر زلاتنا.

اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال، نعوذ بك اللهم من درك الشقاء، وجهد البلاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك، نعوذ بك اللهم من جميع سخطك، اللهم إنا نعوذ بك من الجنون والبرص، والجذام وسيئ الأسقام، ونعوذ بك من الشقاق والنفاق وسيئ الأخلاق، هذا الدعاء ومنك الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

عباد الله: إن رواد مساجد الله لهم صفات، ومن أول صفاتهم: معرفتهم بالله، فإن آيات الله تعرض عليهم في بيته، ومن دخل بيته عرفه: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجن:18] وأخذت على نفسي في كل خطبة في أولها أن أقدم إلى أحبابي المصلين صفات رواد المساجد، فمن صفاتهم:

يقول الله عنهم: وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقّ [المائدة:83] ومن علامة أحدهم: سكينة في النفس، وخشية في القلب: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (أعرفكم بالله أنا، وأخشاكم وأشدكم خشية له) يحس رائد المساجد بقرب قلبه من الله، ضاقت عليه الدنيا بسعتها، فهو فيها مسجون ينتظر من الله الإفراج عنه؛ ليعود إلى وطنه وقصوره وحوره وربه، ومع هذا فقد اتسع عليه كل ضيق، فسجنه خلوه، ونفيه سياحة، وقتله شهادة، وجنته في قلبه، صفا له العيش، وطابت له الحياة، وهابه كل شيء، وذهب عنه خوف المخلوقين، وأنس بذكر الله، قرة عينيه في الصلاة، قرة عينيه بالله، قرة عينيه عند الموت ولقاء الله، الموت عنده منحة لا محنة: وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [آل عمران:157] هتافه هتاف طلائع الإيمان من أتباع موسى السحرة الذين خروا لله سجداً، فقطعهم الطاغوت فرعون فصاحوا صيحتهم الأخيرة: إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ [الأعراف:125] ويلتقي هتافهم بهتاف مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم بلال في لحظاته الأخيرة يوم أن صاح صيحته:

غداً نلقى الأحبة >>>>>محمداً وصحبه

قرت عينه بالموت فقرت به كل عين، فمن عرف الله وأحبه وخافه ورجاه، وتوكل عليه وأناب إليه، وطلب منه واعتمد عليه، ولهج بذكره واشتاق إلى لقائه، واستحيا منه ووثق به وسلم له، ورضي عنه واختار جواره، وكانت صيحته يوم أن يودع الدنيا: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ [التحريم:11] فاختار الجار قبل الدار، حظوظ نفسه مقهورة، فهو لا يطالب ولا يخاصم ولا يعاتب ولا يرى له على أحدٍ فضلاً، ولا يرى له على أحدٍ حقاً، ولا يأسف على ما فات، ولا يفرح بما هو آت، لأنه في الدنيا مسافر، وهي عنده كخيال زائل أو ظل ذاهب، فهو مع إخوانه وأحبائه كالأرض الذلول يطؤها الكبير والصغير والسيد والحقير، وهو مع الناس كالسحاب يظل كل شيء، وكالمطر يسقي ما يحب وما لا يحب، يخرج من الدنيا وهو منشغل في شيئين: إصلاحه لنفسه وثناؤه على ربه، إنه مستأنس بالله، استغنى عما في أيدي الناس، افتقر إلى الله فأغناه عنهم، وذل لله فعزه فيهم، وتواضع لله فرفعه بينهم، واستغنى بالله فأحوجهم إليه.

له في كل عبادة نصيب، فبينما تراه مصلياً إذ رأيته ذاكراً أو قارئاً، أو معلماً، أو مجاهداً، أو حاجاً، أو صائماً، أو مساعداً للضعيف، أو مغيثاً للملهوف، أو متصدقاً، أو داعياً إلى الله، أو مرغماً لطاغوت.

له السبق والأولية في كل عبادة، وهو مقيم في عبادته على رب وإله واحد، فهو كائن بائن، كائن مع الخلق بظاهره ومخالطته ودعوته، بائن عنهم بسره وقلبه إلى الله، كائن مع أبناء الآخرة، بائن عن أبناء الدنيا، كائن مع الله في موافقته الحكم الشرعي، بائن عن الناس في مخالفة الحكم الشرعي، مجالسته تنقلك من الشك إلى اليقين، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الغفلة إلى الذكر، ومن الرغبة في الدنيا إلى الرغبة في الآخرة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن سوء الطوية إلى صدق النصيحة، رائد المساجد إذا رأيته ذكرت الله. لا إله إلا الله.

اللهم اجعلنا منهم وفيهم، آمين.

الصلاة ومكانتها في كتاب الله

فلاح المؤمنين أهل الصلاة

وما كان ذلك رائد المساجد إلا بالصلاة، ولولا الصلاة لما اتصف بهذه الصفات، وسأعرض للصلاة ومكانتها في كتاب الله، وسنقف على أمر عظيم.

ذكر الله المصلين بالفلاح، وذكر لهم خصالاً عظيمة في سورة المؤمنون، ولكن كما بدأ بالصلاة ختم خصالهم بالصلاة، فقال سبحانه: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2] إلى أن قال في نهاية الفصل عنهم: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ [المؤمنون:8-9] فبدأ بالصلاة وختم بالمحافظة على الصلاة، ثم بين بعد المحافظة الأجر والثواب: أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:10-11].

إحسان المصلين إلى الناس في كلامهم

ويقول سبحانه وهو يبين الدعوة وعلاقتها بالصلاة: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:83]ثم يفصل الله عن طبيعة الإنسان: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ [المعارج:19-23] إلى أن يقول سبحانه: وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:33-35] يبدأ بالصلاة ويختم بالصلاة.

الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر

وعلاقة القرآن بالصلاة: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45] أي: اقرأ القرآن: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45] الصلاة تحسن الأخلاق وتربي النفوس: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر [العنكبوت:45].

الصلاة تجلب الرزق وتهون المصائب

والصلاة جلابة للرزق، الذين يجرون خلف الخبز ولقمة العيش، لا طريق لكم للرزق إلا الصلاة: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132].

والصلاة هي التي تهون المصائب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153] إلى أن يقول الله سبحانه: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157].

إقامة الصلاة من أهم صفات الأنبياء

قال الله بعد أن مدح الأنبياء: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ [الأنبياء:73] وهذا دين الله كله خيرات، ثم أفرد الصلاة: وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء:73] وهذا إسماعيل يمدحه الله: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً [مريم:55] أي: ما كان عند ربه مرضياً لولا أنه يأمر أهله بالصلاة، فالذي لا يأمر أهله بالصلاة وتأخذه عاطفة شيطانية: الولد صغير، البنت صغيرة، الزوجة حبيبة، لا أريد أن أوقظها في الصباح حتى لا تنزعج.

لا. لن يكون العبد عند ربه مرضياً إلا إذا أمر أهله بالصلاة.

وهذا ربنا جل جلاله يوم أن كلم موسى تكليماً، أعظم متكلم وهو الله إلى النبي الرسول من أولي العزم موسى عليه الصلاة والسلام، بماذا كلمه وبماذا أوصاه؟ اسمع: إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طـه:14] الله أكبر! وهؤلاء الذين يُمَسّكون بالكتاب جيلاً بعد جيل، فهم لا يَمْسَكون وإنما يُمَسِّكون، الجيل السابق يسلم المنهج إلى الجيل اللاحق وشعارهم الصلاة: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ [الأعراف:170].

وذاك الذي يعذب بالنار ماذا يقول الله عنه؟ فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى [القيامة:31-33] مترف كسول.

وهذا يبين الله سبحانه الفلاح كله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].

شدة عذاب تارك الصلاة

وذاك الذي يعذب بالنار ماذا يقول الله عنه؟ فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى [القيامة:31-33] مترف كسول.

تزكية نفس المحافظ على الصلاة

وهذا يبين الله سبحانه الفلاح كله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى [الأعلى:14-15].

الصلاة فارقة بين المخلص والمنافق

والإخلاص علامته الصلاة: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ [البينة:5]والكافر أكثر ما يغتاظ من مظهر الصلاة؛ لهذا لا يحب المصلين وينهاهم: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى [العلق:9-10] أما المنافقون فلا يكتشفون إلا بالصلاة، إذا أردت أن تكتشف المنافق اكتشفه بصلاة الفجر والعشاء، علامة المنافق كسله عن الفجر والعشاء، فيه خصلة أو خصلتان أو ثلاث، يقول الله: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً [التوبة:84] فكان الصحابة ينظرون إذا صلى الرسول صلى الله عليه وسلم على ميت صلوا، وإذا لم يصل لا يصلون، فلما مات الرسول اتجهوا إلى حذيفة بن اليمان كاتم سر الرسول لأنه أعلمه بأسماء المنافقين، فإذا صلى حذيفة على مسلم صلوا، وإذا لم يصل عليه لا يصلون عليه.

ويقول الله عن المنافقين: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54]ويقول: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ [النساء:142]

والصلاة لم يعذر عنها حتى المحارب المقاتل في الخنادق في جميع الظروف والأحوال: وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ [النساء:102].

الصلاة جالبة للأولاد

ويا أيها العقيم الذي لم يرزق الولد! إذا أردت الولد من الله فعليك بالصلاة، فهذا زكريا كبر سنه، وشاب رأسه، ووهن عظمه، ولم يجد ملجأً للذرية إلا الصلاة، يقول الله عنه: فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى [آل عمران:39] وبشارة ابن الصلاة ليست كبشارة ابن الفسق والفجور، فهذا يحي نبي بن نبي لأن أباه كان مصلياً في المحراب، فصلاح الذرية مرتبط بصلاح الوالد في محرابه وهو يصلي لله رب العالمين: وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً [الكهف:82] .

الصلاة آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم

أحبتي في الله: آخر وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة! الصلاة! الصلاة!) وأول ما يذهب من الإسلام الحكم، وآخره الصلاة؛ أما الحكم فلا يوجد حاكم يحكم بالإسلام ككلٍ أبداً، أما بالحدود وإقامة الحدود وبعض أجزاء الإسلام فهذا موجود، أما بالإسلام كله ابتداءً من نفسه وإلى رعيته إلا من رحم الله.

اللهم اجعلنا من المصلين القائمين الشاكرين الذاكرين، اللهم أشهد علينا ملائكتك في صلاة العصر وفي صلاة الفجر: (كيف تركتم عبادي؟ تركناهم يصلون وجئناهم يصلون) اللهم لا تحرمنا شهادتهم ولا شفاعة الصلاة ولا نور الصلاة.. آمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

أهمية صلاة الجماعة والمحافظة عليها

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأصلي وأسلم على محمد الصادق الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، وأوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة شربة هنيئة باردة لا نظمأ بعدها أبداً.

أحبتي في الله: واستمعوا ماذا يقول الله عن صلاة الجماعة: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] وعن صلاة الجماعة يقول: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] لا تصل وحدك في البيت، اركع مع الراكعين: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]

ويبين الله سبحانه أهمية المحافظة على الصلوات بقوله: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] وهي صلاة العصر كما جاء في الحديث.

من فضائل إقامة الصلاة والمحافظة عليها

الصلاة علاج لمدمني الخمور والمخدرات

ويقول سبحانه وهو يبين أنه لا علاج لمدمني الخمور السكارى إلا الصلاة، لما عالج الله المدمنين من العرب قال سبحانه: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43] فانقطعوا عن الخمر من الفجر إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء، وأخذوا يشربونها من العشاء إلى الفجر فخف الإدمان، ولما خف الإدمان نزل التحريم القطعي، فقال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91] فالذي كان في فمه جرعة خمر لفظها وأراق الكأس وكسر القوارير، مهما كان الخمر معتقاً وغالياً ونبيذاً، نبذوه من أجل رب العالمين، وصاحوا كلهم صيحة رجل واحد: انتهينا ربنا، انتهينا ربنا، ما كانوا يصلون إلى هذه النتيجة لولا الصلاة.

الصلاة سبب في فهم أساليب الدعوة ومراحلها

والالتزام بمراحل الدعوة في مكة يوم أن منع الله القتال في مكة قال: كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [النساء:77] فالضابط أنني أقيم الصلاة حتى لا أقتحم مرحلة الدعوة، ثم يبين الله: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103] فلوقتها بداية ونهاية، فلنلزم أوقات الصلاة، فلا ندخل وقتاً بوقت.

ويبين الله سبحانه: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً [المائدة:58] من هم؟

أهل الكتاب من النصارى واليهود وأمثالهم يستهزئون بنا وبصلاتنا إذا نادينا إليها، ونحن نقيم لهم الكنائس في بلادنا، ونحترمهم والله يخبرنا عن حقيقة من حقائقهم: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58] أي: إذا قال المؤذن: الله أكبر، أخذ النصارى واليهود يعلقون على الأذان ويستهزئون بالصلاة.

الصلاة تسد منافذ الشر ووساوس الشيطان

ويبين الله أن الشيطان لم يجد منفذاً إلى الإنسان إلا عن طريق الخمر والميسر، ليصدهم عن عمل عظيم هو عمود الإسلام وهو الصلاة: وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91]

وكذلك الشهود بالنسبة لمن يموت، الذين يشهدون الوصية: تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ [المائدة:106] تحبسونهما: أي تحبسون الشاهدين بعد الصلاة حتى تكون الشهادة قوية ثابتة راسخة.

ثم يقول الله عن الكافرين إذا تابوا: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ [التوبة:5]

وأما موسى وقومه فما كان لهم إنقاذ من دمار فرعون إلا بالصلاة، قال تعالى: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [يونس:87] .

الصلاة مكفرة للذنوب

ثم يبين الله سبحانه وتعالى أن الصلاة تكفر ذنوبي وذنوبك وتبدل السيئات حسنات: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114].

الصلاة غاية مهام الأنبياء والرسل

ويبين الله أن إبراهيم لما وضع زوجته هاجر وإسماعيل الرضيع في صحراء قاحلة؛ لا طعام ولا غذاء ولا كساء ولا ماء؛ من أجل أن يقيموا الصلاة: إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم:37].

يا لها من غفلة يعيشها المسلمون عن الصلاة اليوم!

وهكذا يبين الله دعاء الأنبياء وعلى رأسهم إمام الحنفاء والموحدين إبراهيم: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40] ويقول سبحانه عن عيسى وهو طفل لم يكلف، يتكلم في المهد يدافع عن أمه، فقال من ضمن دفاعه: وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً [مريم:31] عيسى وصاه الله بالصلاة وهو يرضع من ثدي أمه.

عاقبة الأمور لمن أقام الصلاة

ويبين الله سبحانه أن الأجيال التي تركت الصلاة خلفها الدمار: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] والحكام الذين إذا مكنهم الله بالصولجان والسلطان: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41] ليست لـأمريكا ولا لـروسيا عاقبة الأمور.

يا حكام! يا جبناء! إنما عاقبة الأمور لله الواحد القهار، لكن لأنهم لا يقيمون الصلاة ولا يؤتون الزكاة ولا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، فجعلوا عاقبة الأمور لـريجن وبيجن .

أجر من اشتغل بالصلاة عن التجارة والهوى والشهوة

ويبين الله سبحانه وهو يدخل الصلاة في عالم الأسواق والتجار: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور:37].

ويبين الله سبحانه أن الذي يترك الصلاة فهو مشرك؛ لأنه ما ترك الصلاة إلا من أجل هوى أو شهوة أو زعيم أو مدح أو ثناء أو مصلحة، فقال: مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الروم:31].

وهذا الوالد الحكيم لقمان : يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَر [لقمان:17] وهذه صلاة الجمعة تغلق جميع المحلات ويتعطل البيع: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجمعة:9].

الوعيد الشديد لمن تهاون عن الصلاة

وهذا الويل يطارد تارك الصلاة الساهي عنها: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].

إثبات مقام العبودية والاعتصام لأهل الصلاة

وهذا مقام العبودية ينسبه الله لمقيمي الصلاة: قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ [إبراهيم:31] وهذه وحدة الصف والاعتصام بالله بالصلاة: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ [الحج:78].

وهذه تربية الأولاد في الاستئذان على الآباء: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ [النور:58].

الاستشارة تكون لأهل الصلاة

وهذا مجلس الأمة ومجلس الشورى لا يُنتخب فيه ولا يرشح له إلا الذي يقيم الصلاة، يقول تعالى في كتابه الكريم: وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [الشورى:38] أقاموا الصلاة، وبعدها: وأمرهم شورى بينهم؛ لأنه لا خير في مشورة من لا يعبد الله ولا يصطلح مع الله، فمشورته شؤم، وقراره قبح، ورأيه فساد؛ لأن العلاقة بينه وبين الله فاسدة، فكيف نقيم بيننا وبينه علاقة فنأخذ مشورته؟

والعجيب أن الله تعالى بعد أن ذكر الشورى قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة:3] حتى لا يأتون وهم من أهل الملايين والإقطاعيين يتباكون على المساكين الفقراء، فقال الله بعد الشورى: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [البقرة:3] أخرج الذي عندك وأعط للفقراء.

الله أكبر! وظلت الصلاة تطارد الناس في كل مكان، أحبتي في الله: هذا بعض ما ذكره القرآن عن أهمية الصلاة.

اللهم اجعلنا من المصلين القائمين، اللهم اجعلنا من الخاشعين الخاضعين، اللهم اجعل قرة أعيننا في الصلاة، اللهم اجعلنا في الصلاة مشتاقين إليك راغبين راهبين.

اللهم علمنا معاني أسمائك الحسنى، وصفاتك العلا ووحدانيتك، اللهم اجعل الصلاة شعارنا، اللهم اجعل الصلاة شعارنا، اللهم اجعل أزواجنا وأولادنا وأرحامنا من المصلين، اللهم اجعلهم من الشاكرين الذاكرين، اللهم اجمع أمة محمد بالصلاة، وانصرها بالصلاة، وثبتها بالصلاة، ووحدها بالصلاة، أنت ولي ذلك يا أرحم الراحمين!

اللهم اجعل الصلاة أحب شيء إلى نفوسنا، اجعلنا ندخل إلى بيوتك مشتاقين، ونخرج منها مشتاقين برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءاً إلا صرفته، ارحم موتانا وموتى المسلمين، آنس وحشتهم، وارحم غربتهم، واغفر زلتهم، واقبل حسنتهم، وإذا صرنا إلى ما صاروا إليه فاجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، أمدنا فيها بالروح والريحان، والنور والإيمان، والبر والرضوان، والخير يا رحمن!

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الصلاة في القرآن للشيخ : أحمد القطان

https://audio.islamweb.net