إسلام ويب

العالم الإسلامي اليوم يشهد تداخلات وغزو للحضارات؛ فحصل لديه تأثر في بعض نواحي الحياة.. ومن هذه النواحي: الأزياء والألبسة، وهذا يثير التساؤلات حول هذا الموضوع! وفي هذه المادة يبين لنا الشيخ رحمه الله أحكاماً كثيرة حول الإسبال في الثياب وإطالتها، وحكم الملابس الوافدة، موضحاً الضوابط الشرعية في زي المسلم وغير ذلك مما له تعلق الأزياء والألبسة.

حكم الإسبال وإطالة الثياب

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71] .

أما بعد:

فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لا بأس من اغتنام هذه الفرصة لننبِّه على ما ابتلي به جماهير المسلمين اليوم، ويتوجب علينا هذا التنبيه وجوباً مؤكَّداً، حينما لا نكاد نسمع صوتاً يذكِّر بمثل ذلك، مع شدة وكثرة ابتلاء الناس، ولا أخص الشباب دون الشيوخ.

فقد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذر من إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين، وأن من فعل ذلك خيلاء لم يستحق أن ينظر الله تبارك وتعالى إليه يوم القيامة نظرة رحمة.

فواجبُ ولازمُ هذا الحديث أن المسلم يجب عليه أن يراعي ثوبه، وألاّ يرسله فيجعله فوق كعبيه، لا فرق في أن يكون هذا الثوب قميصاً -كما يقال اليوم: جلابية- أو أن يكون عباءة، أو أن يكون سروالاً -أعني: بنطلوناً- أو جُبَّة، أو أي شيء كان، كل هذه الأنواع من الثياب لا يجوز للمسلم أن يطيلها أكثر من الكعبين.

شبهة وردها

وهنا شبهة ترد كثيراً وكثيراً في مثل هذه المناسبة، يقولون: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قـال في الحـديث السابق: (من جر إزاره خيلاء)، فنحن اليوم سواءً كنا شباباً أو شيوخاً، لا نجر الثياب تحت الكعبين خيلاء، وإنما هو عادة و(موضة) ويحتج أولئك بما جاء في صحيح البخاري: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما سمع هذا الوعيد الشديد لمن يجر إزاره خيلاء قال: (يا رسول الله! فإن ثوبي يقع، فقال له عليه السلام: إنك لا تفعله خيلاء)، فيتمسك أولئك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا لـأبي بكر، ويحتجون به على أن إطالة الثوب تحت الكعبين إنما يكون ممنوعاً إذا اقترن بهذا القصد السيئ، ألا وهو: الخيلاء والتكبر.

الآن أقول: جوابي على هذا من وجهين اثنين:

الأول: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يقل: أنا حينما أُفَصِّل ثوبي أجعله طويلاً تحت الكعبين لا أقصد بذلك الخيلاء، وإنما قال: يقع! وهذا يعرفه الذين اعتادوا أن يلبسوا العباءة، فقد تكون العباءة مُفَصَّلة حسب السنة، أي فوق الكعبين؛ لكن مع الانطلاق والسير والعمل والصلاة تصبح العباءة متدلية إلى الخلف فتنزل إلى ما تحت الكعبين.. هذا هو الذي أشار إليه أبو بكر في سؤاله، وقال له الرسول صلوات الله وسلامه عليه: (إنك لا تفعله خيلاء).

أما أن يأتي الرجل فيُفَصِّل الثوب -أيَّ ثوبٍ كان مما سبقت الإشارة إليه- طويلاً خلافاً للشرع، ويبرر ذلك بأنه لا يفعل ذلك خيلاء، فهذا من تلبيسات الشيطان على بني الإنسان.

وبعد هذا نقول في الجواب عن هذه الشبهة، بعد أن أوضحنا أن حديث أبي بكر الصديق إنَّما يعني الثوب الذي يستطيل بدون قصد صاحبه، ما لَمْ يُوْصِلُه صاحبه ويفصِّله طويلاً تحت الكعبين، ويدَّعي أنه إنما يفعل ذلك بغير قصد الخيلاء، نقول:

ليس من المفروض في المجتمع الإسلامي الصحيح أن يعمل المسلم -فضلاً عن جماهير المسلمين- عملاً يحتاج كل منهم إلى أن يبرر هذا العمل بحسن النية، فهذا الأمر لا يكاد ينتهي، وهذا يخالف نصوصاً من الأحاديث الصحيحة التي تربي المسلم على ألاَّ يعمل عملاً، وألاَّ يتكلم كلاماً، وألاَّ يقول قولاً يحتاج بعد ذلك كله إلى أن يقدم له عذراً، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لا تَكَلَّمَنَّ بكلام تعتذر به عند الناس) هذا خاص بالكلام؛ لكن يأتي الحديث الآخر يشمله ويشمل غيره من الأعمال، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (إياك وما يُعْتَذَرُ منه!).

فمن يطيل ثوبه تحت الكعبين، فيُنْكِرُه عليه العارف بالسنة، فيقول: يا أخي! أنا لا أفعل ذلك خيلاءً، -كما قال أبو بكر الصديق-.

فأولاً: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف أبا بكر الصديق، وعرف تواضعه، وأنه قد تبرأ من الكِبْر ولو ذرة منه، فقال وشهد له بأنه لا يفعل ذلك خيلاء، فليس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد يستطيع أن يشهد مثل هذه الشهادة لإنسان آخر، لا سيما في مثل هذه المجتمعات الفاسدة.

وثانياً: قد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق ...) هذا الحديث يضع لك منهجاً عملياً يجب أن تلتزمه، دون أن تبرر مخالفتك إياه بحجة أنك لا تفعل تلك المخالفة خيلاء، حيث يقول: (أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق، فإن طال فإلى الكعبين، فإن طال ففي النار).

فهنا لا يُسْمَعُ مِن أحد يطيل ثوبه إلى ما تحت الكعبين أنه لا يفعل ذلك خيلاءً؛ لأننا نقول: إنك تفعل ذلك مخالفة لهذا النهج النبوي، وانتهى الأمر، أما إن انضمَّ إلى ذلك أنك فعلتَه خيلاءً فقد استحققت ذلك الوعيد الشديد، ألاَّ ينظر الله تبارك وتعالى إليك يوم القيامة نظرةَ رحمة.

ذلك هو ما ابتلي به شباب اليوم، لاسيما وهم يتخذون ذلك من باب اتباع التقاليد الأوروبية والموضة الغربية، من إطالة السروال -أعني: البنطلون- حتى يكاد يتهرَّى من أسفل بسبب اتصاله بالأرض، فهذا محرم لا يجوز؛ سواءً قصد لابسُه الخيلاء أو لم يقصده، وهي في الأصل ابتُدِعَت من هناك تكبراً وخيلاء، لا شك في هذا ولا وريب؛ لأن الكفار لا يهمهم في هذه الدنيا إلا التمسك بحب الظهور والتكبر على الناس ونحو ذلك، وما دام أن هذه الأزياء إنما تأتينا من تلك البلاد فهي لم يُقْصَد بها قطعاً وجه الله تبارك وتعالى، إنما قُصِد بها وجه الشيطان.

وهذا الكلام يشمل كل الأزياء التي تَرِد إلى هذه البلاد الإسلامية؛ سواء ما كان منها متعلقاً بأزياء الرجال أو بأزياء النساء، فكيف ما كان منها مخالفاً لمثل ذلك الحديث الصريح الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أَزْرَة المؤمن إلى نصف الساق، فإن طال فإلى الكعبين، فإن طال ففي النار)؟!

هذا مما يجب على كل مسلم يغار على دينه ويهتم به أن يكون بعيداً عن غضب ربه تبارك وتعالى عليه، ولا نقول: هو حريص على اتباع السنة؛ لأن السنة مراتب، قد تدخل تحتها الأمور المستحبة، نحن الآن نتكلم عن الأمور الواجبة، انظر الحديث السابق: (أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق ...) هذا هو المستحب؛ لكن إذا أطاله إلى الكعبين فهذا جائز وليس بمحرم؛ لكن إن زاد في الإطالة حتى تحت الكعبين فهذا محرم وصاحبه في النار، وينبغي أن يُفْهم من قوله عليه السلام: (وما طال ففي النار) أنه لا يعني: الثوب؛ لأن الثوب ليس مكلفاً ولا يحاسَب! وهذا له أمثلة كثيرة في الشريعة، منها ما نفتتح به خُطَبَنا ودروسَنا من قوله عليه السلام: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) أي: كل بدعة في النار، فما هي البدعة؟! هي شيء معنوي وليس شيئاً مُجَسَّماً؛ لكن معنى قوله: (وكل ضلالة في النار) أي: صاحبها في النار.

وكذلك الإزار الذي يطيله صاحبه إلى أسفل الكعبين، صاحبه في النار.

هذه تذكرة أردتُ أن أوجهها إليكم؛ لإرشاد من كان يريد منكم أن يكون تحت رحمة ربه عز وجل يوم يُحْشَر الناس يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] .

كلمة للأزواج في ضرورة التزامهم بالشرع

وكلمة أخرى أريد أن أقولها بهذه المناسبة، وهي: أننا نسمع في كثير من الأحيان كثيراً من الشباب يشكون من عدم انصياع زوجاتهم لأوامرهم الشرعية.

وإن كنا لا ننسى أنه في كثير من الأحيان تكون المرأة عاصيةً لسوء خُلُقِها؛ لكن الذي يهمني في هذه المناسبة أن نقول:

إن الزوج في كثير من الأحيان يكون عوناً لها على عدم طاعتها له، وذلك كأنْ يريد الزوج -مثلاً- من زوجته ألا تتزين ولا تتبرج أمام الرجال، لا سيما إذا خرجت من بيتها، ويريدها أن تتجلبب الجلباب الشرعي؛ ولكنه هو نفسه لا يلبس اللباس الشرعي، فلا يتَزَيَّا بزِيِّ المسلمين، وحتى لو أنها لم تكن فقيهة؛ لكنها تسمع أن هذا اللباس هو لباسٌ أفرنجي، وأن هذا التَّزَيُّن بحلق اللحى -مثلاً- أقل ما يقال فيه: أنه خلاف السنة، بل هو خلاف الواجب والفرض.

فإن لم تقل هذا لزوجها بلسان مقالها فهي تقوله له بلسان حالها: الفرس مِن الفارس، اضبط حالك أنت، فأْتَمِرْ وتَشَرَّع حتى أسمع كلامك. هذا لسان حالِ كثيرٍ من النساء.

لذلك فأنا أهتبلها فرصة في هذه التذكرة لأقول: يجب على الشباب أن يساعدوا نساءهم على طاعتهن لهم، بأن يكونوا هم مطيعين لربهم ومتبعين لشريعته سبحانه وتعالى.

عموم تحريم إسبال الثياب

كلمة (إطالة الإزار) هو التعبير النبوي، والتعبير العربي القديم، والذي يهمنا اليوم هو: تطويل البنطلون وتنزيله إلى الأرض وجره، على اعتبار أن هذه هي الموضة الوافدة من بلاد الغرب .

فاسمعوا الآن معي هذا الحديث، وانتبهوا بعد ذلك لما يلي من التعليق..

هـذا الحديث يرويه الإمام أحمد في مسنده الجامع للأحاديث الكثيرة الطيبة بإسناد قـوي: عن عمرو بن فلان الأنصاري -ذهب عن ذهن الراوي اسم عمرو الصحابي بالكامل فقال: عن عمرو بن فلان الأنصاري - قال الراوي: (بينما هو يمشي قد أسبل إزاره، لَحِقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أخذ بناصية نفسه وهو يقول: اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك، قال عمرو: فقلت: يا رسول الله! إني رجل حَمْش الساقين. فقال: يا عمرو ! -بيت القصيد في هذا النداء من الرسول الكريم- قال: يا عمرو ! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خَلْقَه -هذا جوابه لقوله: إني حَمْش الساقين، أي: دقيقهما، يعني: أنه مُعَظِّم قليل لحم الساقين، وكل من يراه قد يضحك- يا عمرو ! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خَلْقَه، يا عمرو ! وضرب رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بأربع أصابع بكفه اليمنى تحت ركبة عمرو - فقال: يا عمرو ! هذا موضع الإزار، ثم فعل ذلك مرة ثانية -أي: وضع أربع أصابع تحت الأربع أصابع الأولى- ثم رفعها، ثم وضعها تحت الثانية -فصارت اثنتي عشرة أصبعاً- فقال: يا عمرو ! هذا موضع الإزار). انتهى الحديث.

لاحظوا معي الآتي:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاله وعَظُم عليه أمر هذا الصحابي أن يمشي وإزاره مسبَل، ويدلكم على هذا أنه وضع يده على ناصيته، وهذا كأنه عادة لا تزال معروفة عند بعض الناس؛ فمن هاله أمر فإنه يضع يده على رأسه، وهكذا فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم رفع رأسه إلى ربه عز وجل متضرعاً إليه أن يغفر لهذا الأنصاري -عمرو- فعْلَته هذه؛ ولكنه قال هذه الكلمة مُسْمِعاً عَمْراً إياها.

ولذلك كان جواب عمرو معتذراً بقوله: (يا رسول الله! إني رجل حَمْش الساقين) أي: دقيقهما.

وبما أن الناس عادة يلفت نظرهم حموشة الساقين ودقتهما، إلا أن أكثر الناس -في الواقع- لا يتذكرون هذه الحقيقة التي لَفَتَ إليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نظر هذا الرجل الذي خلقه الله حَمْش الساقين، حيث قال له: (إن كل شيء خَلَقَه الله عز وجل فهو حسن)، وقد أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ [السجدة:7]، كما هو النص في القرآن.

وهذا التعليل من الرسول عليه السلام يقصد به الآتي:

أولاً: تهويل هذا الذي لا يُعْجِب هذا الإنسان أن الله عز وجل قد خلقه حَمْش الساقين.

ثانياً -وهو الأهم-: أن الناس الآخرين الذين يرون هذا الإنسان حَمْش الساقين -وهو من خلق الله عز وجل- فلا تعجبهم هذه الحموشة، فأقول لهم: حذارِ من ذلك! لأن هذا خَلْق الله، وكلُّ ما خَلَق الله عز وجل فهو حسن.

أقول هذا وإن كنتُ أذكر بأن هناك قصة أو حديثاً وقع في زمن الرسول عليه السلام وهو في سفر، ولعله كان في حجة الوداع -لا أذكر الآن- وكان معه عبد الله بن مسعود، فأخذ يتسلق شجرة -لعلها الأراك- ولا يخفاكم أن هذا الإنسان الذي يصعد تنكشف ساقاه أكثر مما لو كان على الأرض، ولو كان إزاره على السنة تحت الركبة، فلما رآه بعض الصحابة ضحكوا، وهذا اندفاع واستجابة للطبيعة التي يُفْطَر عليها الإنسان ما لم يُهَذَّب بتهذيب الشارع الحكيم، فكان جواب الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن قال لمن حوله: (إنهما أثقل من أحد في الميزان يوم القيامة)، أي: ساقي ابن مسعود الدقيقتين الرقيقتين.

فنجد نبينا عليه الصلاة والسلام في حديث عمرو يحاول تلطيف وَقْع هذا الخَلْق الذي قد لا يُعْجِب بعض الناس حتى الرجل نفسه، فلَفَتَ نظره إلى أن خَلْقَ الله كلَّه حسن، وهذا ما كنا نحن نقوله، وهنا الشاهد الأول من هذا الحديث.

فعندما نقول: إن الله عز وجل لَمَّا خلق الرجل بلحية والمرأة بدون لحية فإنه ما خلق هذا عبثاً، وما جعل هذا التفاوت هكذا لا لحكمة ولا لغاية، وإنما كل خَلْق الله عز وجل حسن.

فإذا كان النظام العام دائماً وأبداً أن الرجل له لحية والمرأة ليست لها لحية، وإذا بنا اليوم نرى بعض مَن يُسَمَّون بالشواذ، حيث يوجد رجل أمرد لا لحية له، وامرأة لها لحية! هذا أيضاً ليس عبثاً، بل هذا -كما قلنا مراراً وتكراراً- يلَفْتِ نظر الملاحدة والزنادقة الذين لا يؤمنون بالله عز وجل، وأنه هو الذي خلق هذا الكون، وأحسن خَلْقَه كما عرفتم.

فمن حُسْن خَلْقِه أن يلفت نظر عباده إلى أن القضية ليست صُدفة أن الرجل بلحية والمرأة بدون لحية! انظروا فهو يخلق لكم رجلاً بدون لحية (أمرد) وامرأة بلحية! إذاً هذا خلق الله!!

فيجب أن نتذكر هذه الحقيقة، فما خلقه الله عز وجل فهو حسن، ولا يجوز لإنسان أن يستقبحه.

فالرسول عليه الصلاة والسلام لفت نظر هذا الصحابي إلى هذه الحقيقة، وكأنه يواسيه إن كان في نفسه شيء من حَمْش ساقيه، ثم رد عليه اعتذاره في إطالته لإزاره بهذا الحَمْش؛ لأن هذا ليس عذراً؛ لما سَبَقَ مِن أنه خَلْق الله، ولذلك قال له: (هذا موضع الإزار).

ومع هذا فإنك لو كان لك مثل هذا الخَلْق وهو حَمْش الساقين؛ لجعلت إزارك طويلاً لستر هذا العيب، كما عند بعض الناس، وهذا ليس عذراً لك أبداً؛ لأن هذا خلق الله، ولستَ أنت مسئولاً عنه، فيجب أن تلتزم النهج الذي شرعه الله عز وجل على لسان النبي عليه الصلاة والسلام في عدم إطالة الإزار.

مواضع الإزار وغيره بين الحظر والجواز

هذا الحديث -مثل أحاديث كثيرة- يبيِّن مواضع الإزار، والمواضع التي تشرع أو تجوز أو تحرم:

وأول ذلك: يقول: (هذا موضع الإزار) تحت أربع أصابع من الركبة، أي: هذا هو الأفضل، وكذلك كان إزار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه سجية وشريعة محمدية شرعها للناس المسلمين المؤمنين به حقاً، فلا يكون الإزار -استحباباً لا إيجاباً وفرضاً- تحت الركبة بنحو أربع أصابع.

ثم المرتبة الثانية: بعد أربع أصابع أخرى تحت الأولى.

المرتبة الثالثة: في الجواز تحت الأربع الثانية -أعني: تحت اثنتي عشرة إصبعاً- فهذا يجوز، وهذا الحديث صريح في ذلك.

وقد جاءت أحاديث أخرى في الصحيح وفي غيره: ما أسفل الكعبين فهو في النار)، وأحاديث كثيرة في هذا، من ذلك أيضاً: قصةٌ جرت بين الرسول عليه الصلاة والسلام وحذيفة بن اليمان، وحذيفة بن اليمان من أجلة أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وصاحبه الخاص في سِرِّه، أي: صاحب سر الرسول عليه الصلاة والسلام-: (..رآه يوماً وإزاره طويل مُسْبَل، فأوقفه، ووضع يده عليه الصلاة والسلام على عضلة ساقه -شك الراوي، هل وَضَع يده عليه الصلاة والسلام على ساقه هو نفسه، أم على ساق حذيفة؟ وأيَّاً كان فالأمر واضح- وضع يده عليه السلام على ساقه أو ساق حذيفة على العضلة، وقال له: هذا موضع الإزار، فإن طال فلا بأس -لا بأس في الأولى- فإن طال فلا حق للكعبين في الإزار) هذا نص حديث حذيفة : لا حق للكعبين في الإزار).

ولا شك أن بعض الأحاديث التي أشرت إليها أصرح في التحريم من هذا، فتلك تقول: (ما طال تحت الكعبين ففي النار) أي: صاحبه بلا شك.

إذاً: هذا هو النهج النبوي على هذه المراتب:

أولها أفضلها، وآخرها محرم في الإسلام، وما بين ذَيْنِك فهو أمر جائز.

وعلى هذا فنحن نأخذ من هذا الحديث أنه لا يشرع للمسلم أن يخالف النهج الذي وضعه الرسول عليه السلام بحُجَّة ما، ولو كانت هناك حجة لمن هو مبتلى اليوم بإطالة الإزار؛ لكان لهذا الإنسان -وهو عمرو الأنصاري - أقوى حُجَّة في إسباله؛ ليظهر أمام الناس بالمظهر الجميل الذي لا يلفت أنظارهم إليه، بل لا يُضْحِك بعض الناس عليه.

فإذا رأينا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يعتبر ذلك عذراً، بل وحدد له المراحل التي ينبغي أن يلاحظها:

إما في مرتبة الأفضل، أو ما دون ذلك، أو الجواز أخيراً، أما إذا خالف -كما في الأحاديث الأخرى الصحيحة- فما طال تحت الكعبين فهو في النار.

الإسبال يشمل البنطلون والجبة وغيرهما

وهذا يجرني إلى أن أركز على أنه لا ينبغي لإنسان أن يتمسك بلفظية الحديث؛ فلفظ الحديث: (إزار)، فقد يقول إنسان: إن البنطلون ليس إزاراً!

فنحن نقول: صحيحٌ أن البنطلون ليس إزاراً، بل ليس لباساً إسلامياً مطلقاً؛ ولكن إذا كان اللباس الإسلامي وهو الإزار وهو اللباس الذي ليس فيه أي تكلُّف وأي تصنُّع، ولا جرم فقد جعله أن الله عز وجل -لذلك- لباساً للحاج والمعتمر، إذا كان هذا اللباس إذا أطاله الإنسان فوق الحد المشروع جوازاً على الأقل فهو آثم وفي النار، فأَولى ثم أَولى أن يأثَمَ هذا الإثْمَ وأكثرَ منه الذي يلبس لباس الكفار وهو بالبنطلون.

ويؤكد لكم هذا أن هناك حديثاً يذكر أن الإسبال الذي في الإزار حكمه أيضاً في القميص وفي ذيل العمامة، فإطالة الثوب ليست خاصةً بالإزار في هذا اللفظ ليكون البنطلون خارجاً عن هذا الحكم؛ لأن العمامة التي لها عَذَبَة من الخلف إطالتها أيضاً تدخل في هذا الحكم، وكذلك القميص الذي كله جائز على المسلمين أيضاً يدخله الإسبال المنهي عنه.

فهذه كلها أمور جاء بها الإسلام، فأصبحت اليوم نسياً منسياً.

ونقول في مناسبات كثيرة: السبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين:

أولُُهُما: بُعْدُ أهلِ العلمِ عن دراسة السنةِ وتدريسِها.

ثانيهما: إهمالُ الأحكامِ الشرعيةِ وتطبيقِها.

هذه الآفة منتشرة جداً مع الأسف الشديد في مصر بين أهل العلم، إذ لا يمكن -في تلك البلاد- أن تجد عالماً بغير تلك الآفة! وشعار العالم هناك العمامة البيضاء، وهي -كما ذكرنا لكم- عادة وليست سنة تعبدية، على أنها لم تكن على هذه الصورة التي تطورت وأصبحت تارة عبارة عن قطعة قماش ذراعاً أو ذراعين أو عشرة أذرع، أعني: على النقيض.

فبعض المشايخ خاصة في مصر عمائمهم بسيطة جداً؛ لكنها على كل حال شعار العلماء والفقهاء عندهم، بخلاف بعض البلاد.

وهنا نرى بعض النماذج كما قال محمد عبده رحمه الله: (عمامةٌ كالبرج وجُبَّةٌ كالخُرج)، فهناك في مصر هذه الظاهرة: عمامة وجُبَّة، وأيضاً الأكمام واسعة جداً؛ لكنها طويلة وطويلة، تكاد تَمَس الأرض، ولا يمكن أن ترى عالِماً هناك إلا وَجُبَّته طويلة، والجبة في اللغة غير الإزار، فالإزار يقابله الرداء، والإزار بمعناه العامي: فوطة، وهي التي يشدها الإنسان في وسطه.

فالجبة ليست إزاراً بطبيعة الحال، بل هي أكثر من إزار؛ لأنها تكسو البدن من فوق إلى أسفل، فما قيل في الإزار يشمل الجبة، ولو كانت هذه جُبَّةً وليست إزاراًً؛ لأن الغرض واضح جداً، وهو الخلاص من مظاهر الكبر والبطر؛ فهنا -في الحقيقة- أمران اثنان وهما:

- أن يطيل الإنسان ثوبه مهما كان اسم هذا الثوب، ويقصد بذلك الكبر والبطر والعنجهية. هذا شيء.

- وشيء آخر: ألا يقصد ذلك؛ ولكن ما يلبسه مما هو طويل، ويلبسه عادة المتكبرون المتجبرون، فهذا مظهر يدل على ذلك، ولو كان قصده على خلافه.

فَنَهْيُ الرسولِ صلوات الله وسلامه عليه عن إطالة الإزار يعني بتر وقطع هذه المظاهر، سواءً كانت بقصد سيئ أو ليس هناك قصد سيئ؛ لأن هناك منهجاً وضعه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولذلك نجده يهتم بهذه المظاهر المخالفة للشريعة في أصحابه، وأنا لا أتصور خاصة مثل حذيفة بن اليمان أنه قد أطال إزاره وهو يقصد الكبر والعنجهية؛ ولكن الأمر كان من الأمور التي لا يهتم بها بعض الناس، وربَّما كان لا يعلم أن الإسلام يؤكد حتى على من ليس ينوي ذلك المقصد السيئ على ألا يطيل ثوبه؛ وقد قال لـحذيفة : (فما طال دون ذلك فلا حق للإزار).

وقال لأمثال حذيفة : (لاحق للإزار في الكعبين).

ولآخرين قال صلى الله عليه وسلم: : (فإن طال ففي النار).

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وكثيرة جداً.

والحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله قد تكلم عن هذه القضية بكثير من الفقه، ومن الأشياء التي استفدتُها منه -وهذه في الواقع يجب أن تفهموها، وأن تجد مكاناً في قلوبكم لتفهموا هذه الحقيقة-: أنه يَذكر أن في بعض الأحاديث، -وهذا مر بنا في بعض الدروس- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال: (مَن جَرَّ إزاره خيلاء لم ينظر الله عز وجل يوم القيامة إليه، أو: لا ينظر الله تبارك وتعالى إليه يوم القيامة)، لما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الحديث، فهَمِتْ إحدى النسوة وأظنها أم سلمة بأن هذا الحديث يدخل فيه النساء أيضاً، وهذا هو اللسان العربي الأصيل، لأن (مَن) من ألفاظ الشمول والعموم، (مَن جَرَّ) سواء كان رجلاً أو امرأة، وعلى هذا الفهم الصحيح توجهت بالسؤال إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فقالت: (يا رسول الله! إذاً تنكشف أقدامنا -أي: أقدام النساء- قال: فتطيل شبراً -حتى تتحقق السترة التي أمر الشارع الحكيم بها بالنسبة للنساء- قالت: يا رسول الله! تأتي ريح فترفع الثوب، قال: تطيل شبراً -أي: ثانياً-، ولا تزدن عليه).

الشاهد هنا مما لفت النظر إليه الحافظ ابن حجر : إذا كانت المرأة لا يجوز لها أن تزيد على ما أَذِن الشارع به، فأَولى ثم أَولى ألا يجوز للرجل أن يزيد على ما أَذِن الشارع به في إطالة الثوب، وذلك إلى ما فوق الكعبين، وهذا هو الحد الأخير.. (فما أسفل الكعبين فهو في النار) كما قال عليه الصلاة والسلام.

هذا هو الذي أردت أن أذكِّر به بمناسبة هذا الحديث الثاني.

وللأسف واقعنا اليوم يخالف هذا التوجيه النبوي الكريم!

انتكاس الفطرة عند بعض الناس

ومن عجائب ما ابتُلِي به المسلمون -وهم باعتبارهم من البشر جنسان: ذكر، وأنثى-: أن الذكر بما أن له شيئاً من البروز والظهور في جسده، والمرأة ليس لها ذلك إلا في حدود ضيقة جداً جداً، وعلى رأي بعض الفقهاء والذي نتبناه نحن: قرص الوجه فقط والكفان لا يجوز لها أن تظهر أكثر من ذلك، إلا أن القضية انعكست، فصار الرجل يطيل ذيله، يطيله ويطيله حتى يسحب في الأرض، والمرأة التي لا بد أن يسحب إزارها في الأرض صارت ترفع وترفع حتى تكاد تكشف عن عورتها الكبرى.

فهذا كله من وحي الشيطان يا جماعة! وليس من وحي الرحمن أبداً؛ لذلك لا تحاولوا أن تبرروا الواقع بشتى التعليلات، والإنسان عندما يرجع إلى دينه وعقله يشعر تماماً أن هذا ليس هو الصلاح.

فنحن نفرق بين من يقصد ومن لا يقصد، لذلك وجدتُ أحد العلماء من الحنفية المعتدلين ومن المتفقهين -بل الفقهاء ولا أقول: المتفقهين- وجدته يقول كلمة نادرة جداً أن نجدها عند الآخرين؛ فكأن القضية واضحة عندهم، أما هذا الرجل فقد انتبه لدقة هذا الموضوع، فقال تعليقاً على حديث حذيفة السابق، لما رتب الرسول عليه الصلاة والسلام له مواضع الإزار، وقال له أخيراً: (ولا حق للكعبين في الإزار) قال هذا الفقيه، وهو أبو الحسن السني رحمه الله، صاحب الحواشي على الكتب الستة، قال: يظهر من مجموع ما ورد في هذا الموضوع أن إثم من يطيل الثوب تحت الكعبين دون إثم من يفعل ذلك خيلاء، أي: أن إطالة الثوب تحت الكعبين له حالتان:

- حالة عدم قصد التكبُّر، مثل بعض شبابنا المسلم اليوم في قضية الموضة هذه، لا يريد أن ينتقده الناس، فقد يكون في الجامعة، وقد يكون موظفاً.. إلخ، فهذا لا يفعل ذلك تكبراً؛ لكن هذا لا يبرر له هذا الخطأ، بل يجب عليه أن يجاهد ويحارب كل العادات هذه التي تخالف الشريعة.

- فإذا كان الإزار تحت الكعبين، وقصد صاحبه مع ذلك التجبًُّر والتكبُّر، فهذا هو الذي جاء فيه ذلك الوعيد الشديد، وهو ألا ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة.

وفي مثله جاء الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم : (بينما رجل ممن قبلكم يمشي قد أطال إزاره خيلاء، خسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) فهذه أسوأ المراتب، وأهون منها قليلاً: الإطالة تحت الكعبين بدون هذا التكبر، وما فوق ذلك جائز، وأحسنها: أن يكون تحت الركبتين.

النهي عن التشبه بالكفار في اللباس

خلاصة القول: أنه ثبت هذا اللباس عن الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو: العمامة، والقلنسوة، والإنسان في ذلك حر، إن شاء فعل هذا أو هذا أو غير ذلك؛ ولكن يجب أن يلاحِظ شيئاً مهماً، وهو كما قال عليه السلام: (كُلْ ما شئتَ، والبسْ ما شئتَ، ما جاوزك سرف ومخيلة)، فكلْ ما شئتَ، والبسْ ما شئتَ؛ لكن بشرط واحد: لا تضيِّع شخصيتك المسلمة بأن تَنْماعَ في مظهرك متشبهاً بشعب من الشعوب أو أمة من الأمم الأخرى التي لا تؤمن بالله ورسوله؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن التشبه بالكفار، وهذه الناحية -مع الأسف الشديد- مما تعرَّى منه جمهور المسلمين اليوم، فلا يكادون يقيمون وزناً لمثل هذا البحث من الناحية الفكرية العلمية، فلا تجد خطيباً، ولا واعظاً، ولا مرشداً، ولا مؤلفاً يؤلف ولو بطريق المرور سريعاً، فيكتب في تبليغ الناس عن هذه الظاهرة التي انتشرت بين المسلمين، وهي إعراضهم عن تقاليد آبائهم وأجدادهم وأزيائهم إلى تقليدهم لأزياء الكفار.

وأصبح هذا مع الأسف الشديد دَيْدَن شباب اليوم! فأي موضة تأتيهم فإنهم لا يدخلون فيها أي تغيير أو تبديل، ولو أنهم حرصوا على الشرع مثل هذا الحرص في عدم التغيير والتبديل لكانوا منصورين على أعدائهم الكافرين.

أنا يؤسفني جداً أن أدخل المسجد وأجد فيه شباباً مسلمين يصلون، وبعضهم ممن تبنوا دعوة الكتاب والسنة، فيصلي أمامي فأتعجب! هل هذا مسلم يصلي أم أنه رجل منافق يصلي؟! لِمَ؟! لأنه يلبس لباس الكفار، فما يسمونه بالبنطلون يَعَضُّ على فخِذَيه وعلى إلْيَتَيه عضاً، وربما إذا سجد ظهر لِمَن خلفه ما بينهما، هل هذا هو اللباس الإسلامي يا جماعة؟! حاشا لله عز وجل! لكن هذا هو التقليد، كان هناك تقليد نشكو منه كثيراً وكثيراً، وإذا بنا نبتلى بتقليد أفظع منه؛ لأن ذلك كيفما كان فنحن نقلد مسلمين ونقلد أئمة في الدين؛ لكن الإسلام يريدنا أن نأخذ الدين مباشرة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فما بالنا اليوم نقلد أئمة الكافرين الذين يضعون هذه النظم في اللباس، سواءً للنساء أو للرجال أو للشباب، فالذي يأتينا نقبله دون أي بحث أو سؤال أو تفتيش؟!

والحق أقول: أنا لا أعتقد أن الأمة المسلمة -ولا أريد التعميم على مائة مليون مسلم، فهذا مستحيل، وإنما نخبة منهم- لا يمكن أبداً أن تعود إليهم العزة بالإسلام وهم على هذا الوضع الذي يعيشون فيه!!

تقسيم الدين إلى لباب وقشور انحراف عقدي

وكثيرٌ من الكتاب الإسلاميين اليوم ومن المحاضرين وأمثالهم يصرِّحون بأن هذه القضايا التي جعلها الإسلام مبادئ وقواعد؛ مثل: (مَنْ تشبَّه بقوم فهو منهم)، يقولون: هذه مسائل تافهة، وهذه أمور تعتبر من القشور! نحن لا بد أن نشتغل الآن باللباب!! وليتهم يشتغلون باللباب؛ لأن الذي لا يحافظ على القشر لا يمكن أن يحافظ على اللباب؛ لأن ربنا عز وجل بحكمته كما حصَّن لباباً مادياً ببعض القشور المتنوعة، كذلك أيضاً حصَّن لباباً روحياً معنوياً بأمور أخرى يسميها هؤلاء بالقشور، ونحن نسميها بمثل ما قال الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به... إلخ) .

لذلك فإن الأمة المسلمة الحية لا يمكن أبداً أن تكون مسلمة في قلبها، وغير مسلمة في قالبها، لأن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ أبداً.

مظاهر تبشر بالخير

وإن كنتُ أرى تباشير في العصر الحاضر باعتبار أنني من الممكن أن أُعِدَّ نفسي شبه مخضرم، أي: أنني أدركتُ زمناً كان طلاب العلم فيه يحضرون في المساجد، ويحملون شعاراً دخيلاً في الإسلام، وهو اللفتة الصفراء التي على الطربوش الأحمر -هذا شعار طالب علم!- أما لحيته فحليقة، بينما القرآن والسنة والمذاهب الأربعة تؤكد وجوب إعفاء اللحية ما لا تؤكد مطلقاً في العمامة، خاصة هذه العمامة التي وضعها طلاب العلم هؤلاء، فهذا على درجة ذلك الزمان، أما الآن فأجد القضية قد انعكست؛ لكن هذا الانعكاس يحتاج إلى تعديل.

واليوم مظاهر الإسلام والتمسك بالدين في الشباب المؤمن واضحة تماماً:

أولاً: في إقباله على بيوت الله عز وجل.

ثانياً: في إقباله على التمسك بهذه السنة، بل بهذا الواجب، بل بهذه الفريضة.

والكثرة تبشر بالخير؛ ولكن لَمَّا يستقيموا على الطريقة؛ لأنهم لا يزالون يمشون في الطرقات حُسَّراً كالكفار، ثم إن هذه اللحية قد يطلقها بعض الناس أيضاً تقليداً؛ لأن في أوروبا أيضاً توجد هذه الظاهرة ولو بنسبة أقل مما عندنا، فمن الممكن إذا فعلها بعض الشباب فإنهم يفعلونها تقليداً أيضاً لأولئك.

نصيحة أخيرة

لذلك فأنا أرغب من شبابنا المسلم حقاً ألا يختلط مظهرُه بمظهر الكفار، فلا بد من وضع شيء على الرءوس، أما السير حُسَّراً فهذا ليس من الإسلام في شيء، وإلى ما قبل خمسين سنة لم يكن يدخل المسجد إنسانٌ حاسر الرأس، فما الذي أصاب المسلمين؟!

هل نزل عليهم وحي جديد من السماء أن الأفضل ديناً وصحة وفلسفة -وما أدري ماذا!- أنه يمشوا حُسَّراً؟!

لا والله! وإنما هذه من الأوبئة التي بثها هؤلاء الذين استعمرونا في بلاد الإسلام؛ في سوريا، وفي الأردن وفي مصر .. إلخ.

فيجب إذاً أن نتبنى الإسلام كاملاً، في العقيدة أولاً، ثم نطبقه كاملاً، وأنا أعتقد حينما أقول: كاملاً، أننا لن نستطيع أن نطبقه كاملاً؛ ولكن أن نضع هدفنا أمامنا، وأن نطبق إسلامنا كاملاً غير منقوص في حدود: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] .

أنا أرى أنه من الأسهل أن يتخذ الشباب المسلم لباساً للرأس انطلاقاً من قبوله اللحية؛ لأن إعفاء اللحية تحتاج إلى جهاد، فلماذا لا يُتِمُّ هذا المجاهد المسلم إسلامَه ظاهراً؛ لأن هذا الظاهر هو عنوان الباطن.

فأعتقد أن الأمر يحتاج إلى شيء من الوعي من أهل العلم، وأهل الوعي والإرشاد، ثم شيءٍ من الاجتهاد من هؤلاء الشباب المكلَّفين باتباع السنة بحذافيرها.

نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياهم لاتباع السنة.

الأسئلة

حكم لبس البنطلون

السؤال: هل يعتبر لبس السراويل تشبهاً بالكفار إذا كان من غير ارتداء القميص فوقها والعمامة؟

الجواب: لا أدري إذا كان السائل يعني بالسراويل الفضفاضة، أو كان يعني بها: البنطلون، فأبدل اسم السروال الفضفاض باسم البنطلون!

فإن كان السائل يعني السروال الذي نفهمه، وهو اللباس الفضفاض العريض الذي لا يزال يلبسه بعض المسلمين، فعلى هذا النحو لا يعتبر لبسه تشبهاً بالكفار.

أما البنطلون فقد تكلمنا عنه مراراً وتكراراً، وأنه ليس من لباس المسلمين؛ لأنه يصف ويحجِّم ويُظهِِر، فهو يضيق حيث ينبغي أن يتسع، ويتسع حيث ينبغي أن يضيق، وهكذا اعكس تصب، هكذا نظامهم في الحياة اليوم مع الأسف.

فالتشبه يكون بلباس البنطلون وليس بلباس السروال. أما إن كان يقصد شيئاً آخر فلم أفهم ما يريد.

شرح حديث: (خرج وعليه مِرْط مرحَّل..)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مِرْط مرَحَّل من شعر أسود) رواه مسلم، وأبو داود، والترمذي ولم يقل: (مرَحَّل) أي قال: (عليه مرط شعر أسود).

قال المصنف: (المِرط) بكسر الميم وإسكان الراء، هو: كساء من صوف أو خز -والخز هو الحرير- يتزر به -أي: مثل الفوطة- كالحاج عندما يشد إزاره.

و(المُرَحَّل) بتشديد الحاء المهملة مفتوحة، هو: الذي فيه صور الرحال، والرحال بالنسبة للجمل كالسَّرْج بالنسبة للفرس.

وهنا نكتٌ ينبغي أن نتحدث عنها قليلاً:

ذكر المصنف -رحمه الله- في تفسير المرْط أنه كساء من صوف أو خزٍّ، وهو لا يعني بهذا التفسير الكساء أو المرط الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتزر به أنه كان من خز، ذلك أن الخز -وهو الحرير-، ولكنه يفسر المِرْط: ما هو في المعهود والمعروف في اللغة العربية؟ وهو أن المرط وهو الكساء، تارة يكون من صوف وتارة يكون من خز، فإذا كان من صوف جاز لباسه، وإذا كان من خزٍّ حينئذ لا بد من نظر: إذا كان الغالب على هذا المرط (الكساء) الحرير فهو حرام، وإن كان الغالب عليه غير ذلك من أنواع القطن أو الصوف أو أي نوع آخر؛ فحينئذٍ الحكم للغالب، فيكون لبسه حلالاً.

أما المرط الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزر به إنما كان من صوف، أو من خز يخالط الصوف أو القطن أو غيره.

ثم ذكر أن هذا المرط كان (مرَحَّلاً)، وفسر المرحل بأن عليه صور الرحل ( الرحال)، وفيه إشارة إلى أن التزويق والتصوير والتمثيل -وهو التصوير- كان معهوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكنهم كانوا يبتعدون عن تصوير ماله روح أو حياة؛ ذلك لأن الإسلام حرم التصوير ما دام أنها صورة لذات روح، وسواء كانت الصورة مجسمة أو غير مجسمة، وسواء كان لها ظل أو ليس لها ظل.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الألبسة والأزياء في الإسلام للشيخ : محمد ناصر الدين الألباني

https://audio.islamweb.net