إسلام ويب

حديث الحسن بن علي رضي الله عنه في قنوت الوتر، تفرد به أبو إسحاق، والذي وصف بالتدليس، وخالفه شعبة فذكر القنوت دون الوتر. ومن الأحاديث المعلة حديث ابن عمر رضي الله عنه: (رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعا)، أعل بتفرد محمد بن مسلم بن مهران عن جده. ومن الأحاديث المعلة: حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعاً يفصل بينهن بسلام، وهذا الحديث قال فيه ابن المبارك: كذب.

حديث: (أن رسول الله علمه ما يدعو به في قنوته في قنوت الوتر فيقول: اللهم أهدني فيمن هديت وعافني...)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد, وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فنكمل الأحاديث المعلة في الصلاة.

وأول أحاديث اليوم: هو حديث الحسن بن علي بن أبي طالب عليه رضوان الله: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه ما يدعو به في قنوته في قنوت الوتر فيقول: اللهم أهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت ) ، الحديث.

هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجه من حديث أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تفرد بذكر الوتر فيه أبو إسحاق ورواه عن بريد ، وخالفه في ذلك شعبة بن الحجاج كما رواه الإمام أحمد و الدارمي في سننه، وكذلك رواه ابن خزيمة و الطبراني من حديث شعبة بن الحجاج عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث بتمامه ولم يذكر فيه الوتر، وإنما ذكر فيه القنوت.

وهذا الحديث تفرد بذكر الوتر فيه كما تقدم أبو إسحاق ، و أبو إسحاق هو مما يتحفظ العلماء في تفرداته في الأحكام خاصة وقد وصف بالتدليس ويتحفظ العلماء أيضاً في بعض مروياته التي يرويها ولا يصرح فيها بالسماع، فكيف وقد خالفه في ذلك من هو أوثق منه وهو شعبة بن الحجاج ؟

ومما يشكل عند البعض أن هذا الحديث بذكر الوتر قد جاء في بعض الطرق في حديث شعبة بن الحجاج عن بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي فذكر الوتر فيه.

هنا لدينا مسألة في هذا الحديث وهذه المسألة هي قنوت الوتر، المترجح أنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام قنوت في وتره، وأما قنوت النازلة ودعاء الإنسان في سجوده وغير ذلك فهذا يسمى قنوتاً ويسمى دعاء وهو ثابت عن النبي عليه الصلاة والسلام في مواضع متعددة، جاء في هذا الحديث لفظة الوتر، وبهذا استدل بعض العلماء على مشروعية قنوت الوتر أن يقنت الإنسان في وتره في قيام الليل، تفرد بذكر الوتر فيه أبو إسحاق كما تقدم، خالفه في ذلك شعبة فذكر القنوت عموماً وما ذكر الوتر، مما يدل على أن هذا الدعاء الصواب فيه العموم.

لكن جاء في بعض الوجوه عن شعبة بن الحجاج كما رواه الطبراني وغيره في بعض الطرق عن شعبة ذكر الوتر، ولكن ذكر الوتر عن شعبة بن الحجاج منكر، ووجه النكارة أن شعبة بن الحجاج ممن يأخذ عنه الكبار ويعتنون بحديثه، ولو كان ذكر الوتر عنده ما تركه الأئمة، فأحاديث شعبة بن الحجاج معروفة ومشهورة.

ثم أيضاً لم يرو هذا الحديث أو هذه الرواية أصحاب السنن، ولا مسند الإمام أحمد رحمه الله في كتابه المسند عن شعبة بن الحجاج ، مما يدل على أن هذه الرواية منكرة، وقد جاء عند الطبراني ما يتابع فيه أبو إسحاق في روايته عن بريد بذكر الوتر فيه، رواه الطبراني من حديث العلاء بن صالح عن بريد فذكر الوتر فيه، وجاء أيضاً من وجه آخر عند الطبراني من حديث العلاء بن صالح عن بريد به ولم يذكر الوتر مما يدل على أن الاضطراب يحتمل أن يكون من أبي إسحاق أو يكون ممن دونه وذلك كحال أبي الحوراء . و أبو الحوراء هو ربيعة بن شيبان وهو من مستوري الحال، وليس من الرواة الكبار الذين يحمل الأئمة المفاريد التي يأتون بها.

والصواب في هذا الحديث: أنه صحيح بغير ذكر الوتر، وذكر الوتر فيه غير محفوظ، وذلك لما تقدم من علل.

وأما ما يتعلق في أمر المتن أنه جاء في المتن قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم قنوت الوتر، هذا فيه تعليم للحسن بن علي ، وقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وعمر الحسن بن علي ثمان سنين، وهذا الأمر دين لا يختص بآل البيت ولا يختص بأحد دونه، وهل يسوغ أن النبي صلى الله عليه وسلم يخص شيئاً من الدين صبياً عمره ثمان سنوات ويدع الشيوخ كأبي بكر و عمر و عثمان ويدع أزواجه أيضاً, ويعلم صبياً مثل هذا، فهذا من مواضع النكارة أيضاً.

أما تعليم الدعاء على سبيل العموم فهذا من الأمور التي يقبلها النقاد ولا ينكرونها، وذلك أن معاني الدعاء يحتاج إليها الصبي لأنه لا يدرك تراكيب العبارات ولا إدراك المعاني، والأولى فيها ولا يدرك حاجته ونحو ذلك، ثم أيضاً إن المعاني التي وردت في هذا الحديث بطلب الهداية وكذلك العافية جاءت في أحاديث في الصحيح من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام وتعليمه، كما في قول النبي عليه الصلاة والسلام لـعلي بن أبي طالب قال: ( قل: اللهم أهدني وسددني, وتذكر بالهداية هداية الطريق، وبالسداد سداد السهم )، وغير ذلك، كذلك: ( عافني فيمن عافيت )، ( سلوا الله العفو والعافية )، وغير ذلك من المعاني.

فالدعاء من جهة المعنى ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما جعله وتخصيصه في أبواب الوتر فهذا مزيد حكم ويرجع في هذا إلى الثبوت. إذاً: تقرر لدينا أن الحديث معلول بتفرد أبي إسحاق وكذلك مخالفة شعبة لـأبي إسحاق و شعبة أوثق منه أوثق من أبي إسحاق وهو إمام حافظ، وكذلك أيضاً فإن أبا الحوراء من المستورين. وكذلك أيضاً ما يتعلق بالمتن في قوله: علمني، والأولى بالتعليم غيره.

من العلل أيضاً وهي علة خامسة: أنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله أو من قوله شيء في أبواب قنوت الوتر، ثمة أحاديث يأتي الكلام عليها بإذن الله تعالى؛ ولهذا يقول العلماء: أنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث مسند في قنوت الوتر، نص على هذا ابن خزيمة رحمه الله في كتابه الصحيح، ونص على هذا أيضاً ابن عبد البر رحمه الله قال: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر حديث مسند.

العلة السادسة: أنه ثبت عن شعبة بن الحجاج الفتيا بخلافه أنه لا يقنت في الوتر, ولو كان هذا الأمر ثابتاً عند شعبة كما جاء في بعض الوجوه عنه فإنه أولى الناس بالإتباع فهو من أهل السنة والإتباع والاقتداء؛ ولهذا نقول: إن دعاء القنوت في صلاة الوتر لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام مرفوعاً.

العلة السابعة في هذا: أنه لم يثبت أيضاً عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قنتوا في الوتر في غير رمضان، والأحاديث الواردة الموقوفة في قنوت الوتر إنما هي في رمضان، وجاء هذا عن جماعة، جاء عن عمر بن الخطاب ، وجاء عن عبد الله بن مسعود في قنوتهم في الوتر في النصف الأخير من رمضان. فهذه علل واحدها يعل مثل هذه اللفظة، ولو كان الحديث منفرداً جاء ولو لم يخالفه شعبة في ذلك لاحترز العلماء من تصحيح هذه الزيادة.

ولهذا نقول: إن ذكر الوتر في هذا الحديث منكر، فيكون حينئذٍ الدعاء في ذلك عام، وقد جاء في بعض الطرق ما اغتر به بعض المخرجين فجعله عاضداً له وجعل قنوت الوتر صحيحاً في ذلك، أخرج الحاكم في كتابه المستدرك من حديث إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه عقبة عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة عن الحسن بن علي عليه رضوان الله تعالى: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه قنوت الوتر )، فهذا الحديث يرويه إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، و عقبة هذا جده هو موسى بن عقبة , وهو من أئمة الرواية أيضاً يروي عن عمه، خالفه في ذلك محمد بن جعفر يرويه عن موسى بن عقبة ولكن جعله عن بريد فرجح به الإسناد الأول.

وبهذا نعلم أن إسماعيل قد وهم في روايته هذه عن عمه؛ ولهذا جزم بعض الأئمة كـالذهبي رحمه الله على أن هذا الحديث غلط، بل إن الذهبي رحمه الله حذفه من كتابه تلخيص المستدرك، أي: أن هذا الحديث ليس طريقاً يعتضد به فيكون عاضداً للحديث السابق وهو حديث بريد عن أبي الحوراء عن الحسن بن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الدعاء في قنوت الوتر)

الحديث الثاني: هو حديث عبد الله بن عباس أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الدعاء في قنوت الوتر ) ، وجاء في بعض ألفاظه: ( الصبح ).

هذا الحديث رواه البيهقي من حديث الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن هرمز ، هذا الحديث فيه ابن هرمز وليس هو الأعرج عبد الرحمن ، وإنما هو غيره؛ ولهذا نقول: إن هذا الحديث أيضاً مما يستدل به على قنوت الوتر وليس بمحفوظ، وهو معلول أيضاً بتفرد الوليد بن مسلم فيه عن ابن جريج .

ومن علله أيضاً: أن هذا الحديث فيه ابن هرمز وليس بمعروف وهو من الرواة المجاهيل، وهذا الحديث يحتمل أن يكون هو الحديث الأول لأنه قد رواه ابن جريج عن ابن هرمز عن بريد من بعض الوجوه، فذكر بريداً فيه مما يدل على أن الحديث يرجع أيضاً هناك، وقد روى عبد الرزاق في كتابه المصنف عن ابن جريج قال: أخبرني من سمع عبد الله بن عباس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت في وتره وفي صلاة الصبح، يقرأ ثم ذكره قال: اللهم أهدني فيمن هديت ) ، ولكن هذا الطريق أيضاً فيه جهالة.

فقول ابن جريج: أخبرني من سمع عبد الله بن عباس، ابن جريج أصحابه كبار لا يكتمون ممن يروي عن عبد الله بن عباس من الأئمة ممن أخذ الفقه عنه، ومثله لا يكتم أمثال هؤلاء، ثم أيضاً إنه موصوف بالتدليس ويدلس عن الضعفاء، والأئمة يفرقون بين الراوي الذي يدلس عن الضعفاء والذي يدلس عن الثقات, مما يدل على أن الراوي المدلس إذا كتم اسم راوٍ من الرواة وهو دلس عن الضعفاء فإن هذا من أمارات الضعف في ذلك المدلس وهو ذلك الراوي في قوله: أخبرني من سمع عبد الله بن عباس ، فذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ومثل هذا أيضاً من وجوه النكارة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقنت في وتره، ذكر في الحديث: ( أن النبي عليه الصلاة والسلام قنت في مسجد الخيف )، ومثل هذا ينقل لأن القنوت يكون في مشهد الناس خاصة إنه ذكر أيضاً في الحديث قنت في صلاة الوتر وفي صلاة الصبح، ذكر صلاة الوتر وصلاة الصبح، وصلاة الصبح مثلها جماعة وتنقل ويحفظ ذلك، ومثل هذا إذا لم يشتهر فإن هذا من أمارات الضعف والإعلال، ومن مواضع الضعف والإعلال، ولهذا تجد الأئمة عليهم رحمة الله في مثل هذه الوجوه يقولون بنكارتها؛ لأن محلها الاستفاضة وليس محلها رواية الأفراد من الرواة.

ثم أيضاً أن أهل مكة خاصة من شيوخ ابن جريج ، وكذلك أصحاب عبد الله بن عباس يتشوف الناس إلى ضبطهم وإلى النقل عنهم خاصة إن هذا الحديث يرويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني من سمع، و عبد الرزاق ممن يتشوف إلى الأسانيد المكية وضبطها وتقييدها، ولو كان مدوناً ويعلمه بعينه لذكره، وهذا أيضاً من القرائن أيضاً على كون هذا الراوي ممن ستر اسمه لضعفه.

ثم أيضاً من مواضع الإعلال في هذا: أن القنوت في الوتر أمر يومي لأنه لو ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أو فعله فوجب أن ينقل إما عن أزواجه أو عن من شهده ولو في أسفاره؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لا يدع الوتر في حضر ولا في سفر، وقد نقل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في أشياء ليست يومية وحفظت. ومثال هذا دعاء للنبي عليه الصلاة والسلام يومي ولم ينقل من وجه يصح. رغم أن هناك أدعية بعيدة نقلت مثل دعائه في عرفة، ودعائه في الأحزاب، ودعاء النبي عليه الصلاة والسلام على الصفا، وعلى المروة، ودعاء النبي عليه الصلاة والسلام عند رمي الجمار، والقنوت في بدر، في قنوت النوازل، أليست هذه متباعدة؟ ومع هذا نقلت، بل نقل بعضها بلفظه، بدعاء النبي عليه الصلاة والسلام، فقنوت مستديم كل يوم لم يضبط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع حرص الصحابة وهم يشاهدونه ويرونه في حضر أو سفر هذا من مواضع الإنكار!

وقد تقدم معنا الإشارة إلى أن الناقد يعل الحديث أحياناً باستدعاء أحاديث ليست في الباب، فهذا باب الوتر لا علاقة له بغيره، لكن نستدعي فيه أحاديث في الحج، نستدعي فيه أحاديث في الجهاد، في أسفار النبي عليه الصلاة والسلام، أدعية يفعلها النبي عليه الصلاة والسلام ربما في مواضع أخرى كأدعيته في صلاته سمعت ونقلت، في أذكار النبي عليه الصلاة والسلام مما يفعلها في مواضع متعددة وتنقل، ومثل هذا نطلب فيه النقل أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في وتره وأيضاً دعائه في وتره؛ ولهذا نقول: إن مثل هذا ينبغي أن يشدد فيه، لا يكتفى بأنه كان يقنت في وتره بل لابد من ورود اللفظ من وجوه صحيحة.

حديث: (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً)

الحديث الثالث: هو حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً ).

هذا الحديث رواه الإمام أحمد و أبو داود وغيرهم من حديث أبي داود الطيالسي عن محمد بن مسلم بن مهران عن جده عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث تفرد به أبو داود الطيالسي عندهم عن محمد بن مسلم عن جده عن عبد الله بن عمر .

جاء من وجه آخر رواه البيهقي من حديث أبي داود الطيالسي عن محمد بن مسلم بن مهران عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمر ، في الطريق الأولى ذكر عن جده عن عبد الله بن عمر ، والطريق الثانية: عن أبيه عن جده، وهذا نوع اضطراب. هذا الحديث معلول بعدة علل:

أول هذه العلل: أن هذا الحديث رواه محمد بن مسلم بن مهران عن جده تفرد به عن جده وهو قليل الرواية، وأيضاً فإنه واهي الحديث كما قال ذلك أبو حاتم ، واضطرب فيه تارة يرويه عن أبيه وتارة يرويه عن جده، تارة عن أبيه عن جده، وتارة عن جده عن عبد الله بن عمر .

وأيضاً فإن هذا الحديث يرويه عبد الله بن عمر ، و عبد الله بن عمر قد ثبت في الصحيح قال: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات, وما ذكرها منها، أبو حاتم سأل أبا الوليد الطيالسي عن هذا الحديث فقال: دع ذا، روى عبد الله بن عمر عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: حفظت عشر ركعات، ولو كانت منها لذكرها، وهذا الحديث حديث عبد الله بن عمر في حفظه لصلاة النبي عليه الصلاة والسلام ولم يذكرها هنا مع ظاهر الفضل هنا في قوله: ( رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً )، وهذا دليل على التأكيد، فلما كان مثل هذا لم يذكره عبد الله بن عمر وذكره في مثل هذه الطريق وتفرد به محمد بن مسلم عن أبيه عن عبد الله بن عمر فإن هذا من مواضع الإنكار.

ولهذا أنكر هذا الحديث أبو حاتم و أبو زرعة و أبو الوليد الطيالسي و الدارقطني ، واستغربه الترمذي رحمه الله في كتابه السنن وغيرهم، وذلك أنه مع فضله لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام من وجه يصح، ولهذا قال الأئمة بإنكاره. نعم جاء عن عبد الله بن عمر في الصحيح: ( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ) ، والحفظ إما أن يكون قولاً وإما أن يكون عملاً، جاء في بعض ألفاظ الصحيح قال: (يصليها رسول الله صلى الله عليه وسلم).

ومثل هذا الحديث القولي في حديث عبد الله بن عمر : ( رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعاً )، إما أن يفعله عبد الله بن عمر ، وإما أن يفعله النبي عليه الصلاة والسلام، ولما لم يثبت عن النبي فعلاً ولا قولاً ولم يثبت عن عبد الله بن عمر لا فعلاً ولا قولاً دل على نكارته.

ثم أيضاً إن عبد الله بن عمر إذا ثبت الحكم عنده لا يفرق بين الفعلية والقولية إذا استقر التشريع، لأن القول عندنا آكد من الفعل لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا شرع للأمة شيئاً وفعل شيئاً ولم يشرعه بلفظه فالآكد هو القول، فدل على أن إنكار هذا الحديث بفعل النبي عليه الصلاة والسلام أي: أنه مثل هذا ينبغي أن يكون آكد من تلك العشر، لأن القول أولى بالاقتداء من الفعل وهذا ظاهر.

قد يقول قائل: إن محمد بن مسلم يروي عن أبيه فأهل بيت وهم أدرى بالاختصاص يجاب بأن يقال: لكن أبوه ما علاقته بـــــابن عمر ؟ فهو لا يعرف بملازمة ابن عمر ، وليس هو أيضاً من الفقهاء الذين يحفظون الدقائق التي لا يعرفها من هو أكبر منه، وهو أيضاً من مستور الحال، ومثل هذا ينبغي أن يرويه عن عبد الله بن عمر الكبار كـــنافع و سالم وأضرابهم، ويرويه عنهم أيضاً مثلهم؛ لأن هذا من الأمور الدائمة التي تتكرر.

حديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربعاً يفصل بينهن بسلام)

الحديث الرابع: هو حديث علي بن أبي طالب قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل العصر أربعاً يفصل بينهن بسلام ) ، الحديث هذا رواه الترمذي في كتابه السنن، ورواه الإمام أحمد من حديث أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث قال فيه عبد الله بن المبارك كذب، واستغربه الترمذي ، تفرد به أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب في مثل هذه الأحاديث ينبغي أن لا يتفرد عنه بمثل هذا الحكم مثل أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب .

ولهذا الأئمة عليهم رحمة الله كـابن تيمية وغيره يقولون في حديث عبد الله بن عمر هذا: إنه حديث باطل، بل منهم من يقول: إنه مكذوب، وقد أنكر حديث عبد الله بن عمر السابق الجوزجاني رحمه الله وغيره من الأئمة ممن تقدم الكلام عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث إنما قلنا ببطلانه، وقال عبد الله بن المبارك : كذب، يظهر أنه قال: إنه خطأ، وإلا فإن أبا إسحاق ليس من المعروفين بالكذب، وكذلك أيضاً فإن عاصم بن ضمرة من الرواة الثقات، ولكن في مثل هذا التفرد في فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته أربعاً يفصل بينهن بسلام هذا مما لا يحفظ من وجه واحد عادة ينبغي أن يروى فيما هو أكثر من ذلك، من نظر إلى مثل هذه الأسانيد نظراً منفصلاً منفكاً عن غيرها من أمور الباب قال بصحتها، ولكن هذا الحديث جاء من هذا الوجه وتفرد به على هذا اللفظ ولكن أنكرناه بأحاديث متعددة، منها حديث أم سلمة لما صلى بعد العصر ، لكن قد يقول قائل: إن السنة بعد العصر تحفظ أكثر من القبلية؛ لأن البعدية تشاهد أكثر؟ يرد هذا أنه ينقل عن الزوجات وينقل بالسبر، والسبر في ذلك كحال عبد الله بن عمر حينما قال: حفظت.

ومما يعل به هذا الحديث قول عبد الله بن عمر أيضاً: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هل هذا الحديث يعضد الحديث السابق وحديث عبد الله بن عمر : ( رحم الله امرءأً صلى قبل العصر أربعاً )، ألا يعضد بعضها بعضاً باعتبار أنها كلها عبادة، حديث علي بن أبي طالب وحديث عبد الله بن عمر ؟

حديث عبد الله بن عمر وحديث علي بن أبي طالب شديدا الطرح، لا تقوي غيرها فضلاً عن أن تقوم بنفسها، ثم أيضاً إن عبد الله بن عمر و علي بن أبي طالب لم يثبت عنهما ذلك، وقد روي عنهما ما هو خلافه، ونقل عنهم أيضاً في ذلك من السنن ما هو أدق من هذا.

فمثلاً: ما جاء عند ابن المنذر وكذلك الطحاوي أن عبد الله بن عمر كان يصلي قبل الظهر أربعاً يسلم في أخراها ولا يفصلها، ومثل هذا الفعل لو ثبت عن عبد الله بن عمر عليه رضوان الله تعالى أنه كان يصلي قبل العصر أربعاً سواء بسلام أو بغير سلام فإن هذا مما ينبغي أن ينقل عن عبد الله بن عمر .

ثم أيضاً أن عبد الله بن عمر توفي النبي عليه الصلاة والسلام وهو صغير، ويعني: أنه بقي عقوداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعبده في ذلك ينقل ولم يحفظ عنه من وجه.

ولهذا نقول وثمة قرينة ينبغي أن يشار لها أن الصحابي إذا عمر بعد النبي عليه الصلاة والسلام، نطلب من فعله أو قوله مروياً يؤيد منقوله عن النبي عليه الصلاة والسلام من أفعاله ونحو ذلك، ولهذا مثل عبد الله بن عمر إذا جاء عنه ما يخالف رددناه، إذا جاء عنه عدم العمل بعبادة يومية مثل الصلاة قبل العصر أربعاً ثم امتد بعد النبي عليه الصلاة والسلام أكثر من أربعين سنة ولم ينقل عنه ذلك ونقل ما هو أدق من هذا.. هذا من أمارات النكارة.

لكن لو أنه ما عمر بعد النبي عليه الصلاة والسلام وبقي بعده سنتين كحال أبي بكر أو بضع سنوات بعد النبي عليه الصلاة والسلام كحال بعض الصحابة عليهم رضوان الله تعالى ممن مات مبكراً، أو كان في زمن لا يؤخذ عنه لوجود من هو أولى منه، وهذا كحال بعض الصحابة عليهم رضوان الله تعالى الذين هم في ذاتهم فقهاء والنقل عنهم قليل كـمعاذ بن جبل .

معاذ بن جبل هو من أئمة الفقه ولكن مات مبكراً، وكان في ذلك عصره الخلفاء الراشدون هم العمدة في الفتيا فحينئذ لا نشدد في طلب ما يوافق ذلك المروي، لكن من تأخر كـابن عمر و ابن عباس و أنس بن مالك وغيرهم فإن هؤلاء نطلب ما يوافق ذلك المروي.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

أثر القرائن في إعلال الأحاديث الصحيحة

السؤال: هل يمكن أن نعل الأسانيد الصحيحة بالقرائن؟

الجواب: مثلاً: ( صلوا قبل المغرب ) , ( وبين كل أذانين صلاة ) , قوية أسانيدها لا نستطيع أن نقاومها بقرائن، لكن هذه ضعيفة سهل أنها تدفع؛ ولهذا نقول: إن الأخبار التي تأتي عن النبي عليه الصلاة والسلام الأصل فيها عدم القبول التي تأتي عن النبي الأصل فيها العدم، لأنه من باب الاحتياط، يأتيك شخص ثم يخبرك بخبر الأصل فيه التصديق إذا أخبرك عن فلان أو أخبرك عن حادثة الأصل في الناس البراءة، لكن في الشريعة الأصل التهمة فأنت تحدث عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا نبحث: من أنت؟ ومن زكاك؟

ولهذا يختلف في مسألة نقد ما يتعلق بالأخبار والحكايات ونحو ذلك وأحوال الناس، لأن هذه لا يتعلق بها أمر دين، ولو لم يكن كذلك لدخل وأدخل في الدين كثيراً من المسائل التي ليس لها أصل ولم يتفوه بها النبي عليه الصلاة والسلام.

الاقتصار على النظر في الأسانيد دون القرائن

السؤال: ما شأن من حكم على حديث ابن عمر بالحسن؟

الجواب: طبعاً التحسين أمر آخر، الترمذي رحمه الله يقول: هذا حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، أما هناك من قال بتصحيح الحديث منهم من يقوي حديث عبد الله بن عمر بحديث علي بن أبي طالب ويقول: إنه يعضد بعضها بعضاً لأنا ذكرنا أنه يوجد مدرسة تنظر إلى الحديث منفكاً عن أحاديث الباب، أنا حينما آتيك بقواعد الحديث وآتيك بحديث ابن أبي طالب لتحكم عليه منفصلاً وأنت لا تريد النظر إلى غيره فستحكم عليه بالحسن والصحة.

مثل هذه الآلية وهذا النظر وهذه القواعد هي التي جعلت كثيراً من المخرجين من يحكم على الحديث بالحسن والصحة، مثلما في حديث قنوت الوتر وقد سبق معنا في أول الباب، إذا نظرت إليه مستقلاً حكمت عليه بالصحة، ولكن إذا نظرت إلى إحكام الشريعة وكونها منظومة لابد أن تكون متسقة أعللت بأحاديث في الباب مما تحفظه فيها أعللت هذه الأحاديث.

وقد تقدم معنا في أن طالب العلم كلما كان لأحاديث الباب أحفظ وللشريعة أكثر استيعاباً فإنه يكون أدق في الإعلال، سابقاً مثلنا بحديث ابن عمر في الوضوء من شرب ألبان الإبل، فالحديث يمكن أن يقول بتصحيحه، لكن ننكره، لأن الناس يشربون ألبان الإبل أكثر من أكل لحمها، لكن ينبغي أن يرد الإسناد في نقض الوضوء من الحليب أصح من الإبل وإلا الشريعة ليست محكمة، لأن الإنسان يشرب الحليب شهراً لكن ما يأكل اللحم إلا في الشهر مرة خاصة في ذلك الزمن، فينبغي أن يرد لأنه لابد أن يتوضأ، وهذا هو طعامهم وشرابهم في حال الحضر وفي حال السفر يتزودون من هذا، ثم أيضاً الرعاة الذين يجتنبون بماذا يشربون؟ يشربون من دوابهم خاصة رعاة الإبل.

ومع ذلك جاء لحم الإبل أقوى وهو في الصحيح ولم يرد ما يتعلق بالحديث أنكرناه في بابه وهي منفصلة، لكن لو أردت أنك تأخذ الشريعة منفصلة وتنظر في الإسناد ولا تنظر إلى شيء في الباب ستحكم عليه بالحسن أو الصحة، لكن الشريعة محكمة مترابطة لابد من النظر إليها على وجه الإحكام حتى يستطيع طالب العلم أن ينقد في هذا المجال، وهذا هو معاني الذي يقول العلماء في العلل أنه يشبه الكهانة وليس كهانة, لكن هي خيوط يربطها الناقد في مسألة في علة غائبة ذكرها مما يثقل.

إذا بعض طلاب العلم أراد أنه ينقد حديثاً من الأحاديث كحديث الحسن بن علي في الوتر صعب إنه يأتي للناس يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو مثلاً في عرفة، ويدعو على الصفا والمروة، ويدعو عند الجمرات، ويدعو في بدر، رابط هذه الأشياء ثقيلة أحياناً على السامع، لكن حينما تكون أنت ناقداً للشريعة وأمامك حديث إسناده كخيط رفيع ينقطع بسهولة أنت في مثل هذا لا تمسك به شريعة؛ لأن الشريعة ينبغي أن تكون حبلاً متيناً، ولما لم يرد اجتمع في ذهنك أشياء في الشريعة في أمور الطهارة في أمور الصلاة في أمور كذا واستطعت أن تحكم عليه، هذا ما يتعلق بالمتون؛ ولهذا أقول: دائماً إن المحدث لابد أن يكون فقيهاً حتى يكون بصيراً بالعلل.

كذلك أيضاً أن هذه الأحاديث لابد من النظر إلى أسانيدها أسانيد التي تروى فيها لابد أن ينظر طالب العلم إلى الإسناد وتركيبته، أبو إسحاق ما علاقته بـعاصم بن ضمرة ؟ وكذلك أيضاً ما يتعلق في رواية الطيالسي في تفرده عن محمد بن مسلم وأبوه في علاقته بـعبد الله بن عمر هذه من المواضع أيضاً التي تستنكر، لماذا يخص عبد الله بن عمر جد محمد بن مسلم وهو ممن لا يعرف لا بالرواية ولا بالفقه ويدع نافعاً وسالماً ويدع الكبار من فقهاء المدينة؟!

عدم ثبوت قنوت الوتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الحسن

السؤال: حديث الحسن بن علي هل ثبت عنه لما قنت في رمضان؟

الجواب: لا، النبي عليه الصلاة والسلام ما قنت في رمضان، وما صلى بالناس في رمضان ليالي ولا يعلم ثم احتجب النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا نقول: إن النبي عليه الصلاة والسلام ما صلى في الناس القيام، ولهذا كل فروع هذه المسألة هي لازمة لها، ولهذا بعض الناس يقول: ما هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر؟ نقول: القنوت أصلاً لم يثبت، بهذا يتفرع عليه رفع اليدين هل هو طويل، السجع فيه وغير ذلك، هذه الأشياء كلها نقول: أصلها ما ثبتت فضلاً عن فروعه.

إذاً: نأخذ من العلماء في دواوين الفقه في قنوت الوتر إنما يأخذونه من قنوت النازلة، كيف كان، هل كان يرفع يديه ثم يدخلونها في الفقه، ولهذا انظر في كتب الفقه كلها في المذاهب الأربعة في قنوت النازلة، في قنوت الوتر في المذاهب الأربعة كلها قنوت نازلة، كان النبي يقنت ويقول كذا، أحياناً يذكرون النازلة وأحياناً لا يذكرون، ربما تظن أنت من ظاهر السياق أنها قنوت وتر وليست قنوت وتر، بينما هي قنوت نازلة، ولهذا لا تجد دليلاً يعضده، كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه، طريقة رفعها في قنوت الوتر، بماذا كان يدعو، ما طول قنوت وتر النبي عليه الصلاة والسلام، وغير ذلك.

بعض الإخوان وقيل لي في هذا الدرس في درس العلل انقطع من فترة منذ عدة أشهر بعض الإخوان ويكتب يقول مثل هذا الكلام ينبغي أن لا تقوله للإخوان لأن بعضهم لا يدرك هذه المعاني، أنا أقول: الذي لا يدرك أريده أن يدرك ولا يبقى على عدم الإدراك وهذا هو المقصود، فكون أنك أخبرتني أنه لا يدرك فهذه حسنة حتى يدرك، ولكن الإشكال أن بعض طلاب العلم يقول مثل هذه المعاني أكبر من أن تستوعب، لأننا يقول: نحن نجري على قواعد، ونحن نجري على طرق ونحو ذلك، وأما أنه يصعب علينا أن نستوعب مثل هذه المسائل فنقول: يكفيك أن تعلم أن علم العلل هو بمثل هذه الطريقة حتى يكون هيبة في نفسك في مواجهة الأئمة حتى لا تقرأ لبعضهم كلاماً يقوم بالجناية والتعدي على إمام كالإمام أحمد، أو أبي حاتم ، أو أبي زرعة ونحوهم في قواعد تظن أنت أنك استوعبتها أو تحكم عليها، أنت طالب علم لا تعرف من الشريعة إلا نواقض الوضوء، ولا تعرف من الشريعة شيئاً، وأخذت ورقة من الدين ثم أخذت تحكم ثم وجدت لـأحمد الذي ربط خيوط الشريعة ونقد هذا الحديث، وتأتي إليه وتقول: كيف يأتي منك وأنت إمام في مثل هذا الشيء، وكيف تصحح مثل هذا؟

والله قرأت كثيراً، ولدي كتاب لأحدهم في ثلاث مجلدات تخريج أنا لا أدري كيف لا يستحي من وجهه، ويوصف بأنه محقق، كيف لا يخجل؟ لكن المشكلة أن مثل هذا لا يستطيع الناقد أن يواجهه، لأن لغة المواجهة لا يراها أحد ولا يمكن أن تستوعب، وهو سينتصر بطبيعة الحال، لأنه واجه أحمد فسيواجهك من باب أولى!



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الأحاديث المعلة في الصلاة [13] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net