إسلام ويب

من الأحاديث المعلة في الصلاة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال للإمام: لا تسبقني بـ (ولا الضآلين)، وقال: آمين يمد بها صوته، وفي إسناده بشر بن رافع، وروي عن عبد الله بن عتاب العدوي أن أبا بكر وعمر كانا يقولان آمين بعد (ولا الضالين) ثم ينصتان، وقد تفرد به ابن لهيعة، وهو ضعيف الحديث، وأخرج الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: رب اغفر لي آمين. بعد قراءة الفاتحة، لكن هذا الحديث فيه علل متعددة.

أثر أبي هريرة رضي الله عنه: (لا تسبقني بـ (ولا الضالين) )

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فتكلمنا في المجلس السابق على شيء من الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالتأمين والجهر به، وأوردنا شيئاً من ذلك، ومن هذه الأحاديث المتعلقة بهذا الباب وهو أول حديث في هذا المجلس مما يتعلق بهذا الباب هو ما جاء عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أنه كان مؤذناً لـمروان ، فقال أبو هريرة عليه رضوان الله لـمروان : لا تسبقني بـ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، حتى أدخل في الصف، فكان ينتظر أبا هريرة عليه رضوان الله، فإذا قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قال: سمعنا أبا هريرة عليه رضوان الله يقول: آمين يمد بها صوته.

هذا الحديث قد جاء عند البيهقي في كتابه السنن من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى وهو حديث موقوف على أبي هريرة ، وظاهر إسناده السلامة، ونحن إنما أوردنا هذا الحديث الموقوف والأثر الموقوف على أبي هريرة في هذا الباب لنبين وندلل على جملة من المسائل منها ما يتعلق في أبواب العلل، ومنها ما يتعلق في غيره، ما يتعلق بمسائل العلل أن هذا الحديث الموقوف على أبي هريرة عليه رضوان الله جاء موافقاً للحديث المرفوع عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مد الصوت بآمين بالنسبة للمأمومين، وذلك ما جاء عند أبي داود وكذلك ابن ماجه من حديث بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قال: آمين، فيسمعها أهل الصف الأول وإن للمسجد للجة.

تقدم الكلام معنا على هذا وذكرنا أن هذا الحديث فيه بشر بن رافع ، وقد تفرد بهذا الحديث عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، المراد إيراده هنا أن من قرائن الإعلال وكذلك من قرائن التقوية عند العلماء أن الراوي إذا روى حديثاً فوافقه فهذا قرينة على صحة المرفوع، وأن الراوي إذا خالف حديثه المرفوع فهذا قرينة على ضعفه.

هنا أبو هريرة عليه رضوان الله وافق الحديث المرفوع، فالحديث الموقوف على أبي هريرة الذي قد أخرجه البيهقي وغيره أنه كان يقول: آمين يمد بها صوته خلف مروان، هذا موافق للحديث المرفوع السابق، هل هذا يقويه أو لا يقويه؟ نقول: موافقة الراوي لمرويه قرينة على قبوله، ومخالفة الراوي لمرويه هذا قرينة على رده ولكنها ليست دليلاً على ذلك، يعني: ليست أمراً قاطعاً في هذا الباب، وكيف تعرف القرينة أنها مقبولة أو ليست مقبولة في هذا الباب؟ نعرفها إذا كانت العلة يمكن دفعها بأن تكون من العلل اليسرة، وذلك كبعض روايات المستورين من جهالة الحال أو نحو ذلك، أو الضعف اليسير في بعض الرواة الذي لا يكون شديداً.

هذا الحديث يرويه بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة ، بشر بن رافع ضعفه جماعة من الأئمة، ضعفه الإمام أحمد ، و أبو حاتم ، و النسائي ، وقال البخاري : لا يتابع على حديثه، وهناك من العلماء من مال إلى تمشية أمره كـابن معين عليه رحمة الله فإنه قال في رواية أخرى: ليس به بأس، وكذلك ابن عدي في كتابه الكامل يقول: لم أر له حديثاً منكراً، يعني: أنه تفرد به يخالف غيره.

وكذلك ما جاء عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة وهي العلة الثانية في هذا الحديث والذي يرويه عن أبي هريرة عادة العلماء عليهم رحمة الله أنهم يتسامحون في المجهول أو المستور الحال إذا كان من طبقة متقدمة الذي يروون عن كبار الصحابة عليهم رضوان الله أو عن متوسطيهم، أبو عبد الله هنا مجهول الحال عرفنا أنه ابن عم أبي هريرة وهو دوسي واختلف العلماء عليهم رحمة الله تعالى في اسمه، إذاً فهو معروف عيناً، وأما بالنسبة للحال فالجهالة حينئذ موجودة وعدم معرفة حاله ظاهرة، ولكن لقرابته لـأبي هريرة يحتمل أن يروي القريب عمن كان قريباً له ويتفرد بالرواية عنه، هذا يحتمل في العادة، وأما تفرد الأجنبي عن عالم وهو مستور فهذا موضع شك خاصةً أن مثل هذا الحديث المرفوع ليس موجوداً عند أصحاب أبي هريرة الذي رووه مرفوعاً، فلدينا موقوف وذلك الموقوف من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عليه رضوان الله وذلك موقوف، وأما ما يتعلق بهذا الحديث المرفوع فهو من حديث أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة عليه رضوان الله.

القرابات تختص بالروايات ما لا يختص بها غيرها كرواية الزوجة عن زوجها، أو الابن عن أبيه ولو كان الابن مستوراً، ولهذا العلماء يغتفرون في هذا الباب، العلماء يردون رواية المستور إذا لم يكن له صلة بشيخه وكلما علا الشيخ منزلةً فروى عنه الراوي من تلاميذه وكان مجهولاً كان ذلك أشد بالرد، وذلك أن هذا الإمام الكبير تروي عنه وأنت مجهول وهي رواية ينبغي أن تحمل هذا لا يقبل، وأين مثل هذه الرواية أن يحفظها غيره، لكن لو قيل: إن باب القرابة محتمل أن يختص بحديث ما لم يروه غيره، هذا بالنسبة لعلة رواية أبي عبد الله بن عم أبي هريرة .

لكن بالنسبة لرواية بشر بن رافع النجراني وهو من أهل نجران وهو إمامهم في صلاتهم ومفتيهم كذلك، وإنما كلام العلماء عليه في روايته لا في ديانته، كلامهم في روايته.

هنا لدينا اختصاص وينبغي أن نشير إلى هذا، أن مسألة اختصاص الراوي في بابه الذي يعتني به أن هذا قرينة على ضبطه لمرويه، فالقاضي الذي يروي حديثاً وهو ضعيف في حفظه يروي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في أمور القضاء في الحدود والتعزيرات ونحو ذلك، هو أضبط له من غيره.

وهنا لدينا اختصاص بشر بن رافع إمام الصلاة، والحديث في الصلاة وهو في آمين، فيحتمل الاختصاص، كذلك المؤذن إذا كان راو من الرواة مؤذن والحديث في أحكام الأذان، فهذه قرينة على ضبطه لمثل هذا المروي لأنه من اختصاصه يؤذن في اليوم خمس مرات، فهذا محتمل لضبطه بخلاف الراوي الذي ليس من أهل الاختصاص فيروي حديثاً في غير بابه وهو ضعيف في حفظه، ولهذا تجد أن صاحب الصنعة أعلم بصنعته من غيره، ويعتني بالأحاديث المروية في هذا الباب.

لهذا نقول: إن هذه القرائن دليل على تقوية حديث أبي هريرة في رفع المأمومين صوتهم بالتأمين، وهذا ظاهر، ولهذا نقول: إن علة حديث أبي هريرة عليه رضوان الله المرفوع محتملة الدفع، وذلك لهذه الأحوال المكتنفة للرواة، كذلك موافقة الراوي لمرويه وهو الذي تقدم معنا وهو الأثر الأول في هذا الباب، وهو ما جاء عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أنه كان مؤذناً لـمروان فقال: لا تسبقني بـ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، حتى أدخل في الصف، فكان يقول مروان : وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قال: فنسمع قول أبي هريرة : آمين يمد بها صوته.

إذاً أبو هريرة مأموم لأنه مؤذن، فإذا مد صوته دليل على أن المأموم يجهر بآمين، فدل هذا على مشروعية الجهر بآمين.

أهمية ملاحظة اختصاص الراوي

وأما ما يتعلق باختصاص الراوي وهذا ما ينبغي لطالب العلم أن يعتني به عند الكلام على المرويات، أن النظر إلى رسم الراوي وعنايته وحفظه للمرويات شيء، وباب الاختصاص مما يغفل عنه كثيراً، وذلك أن الاختصاص لا حد له، وأكثر ما يطلع عليه النقلة أو النقاد أو المخرجين في أبواب الاختصاص ينظرون إلى اختصاص الشيوخ بعضهم عن بعض برواية التلاميذ عن الشيوخ، أو رواية راو عن شيخه، فإذا كان من أهل الاختصاص معه بطول الملازمة سمي من أهل الاختصاص في هذا، ولكن ثمة اختصاص فقهي أو صنعة فهذا مما يهتم به، فإذا كان الراوي من أهل الجهاد والثغور فإن هذا قرينة على ضبطه لمرويات الجهاد ولو كان ضعيفاً في حفظه ليس بالضعف الشديد، فهذا يدفع تلك العلة، يدفع حفظه بعنايته بتلك الروايات.

كذلك إذا كان الراوي مؤذناً فروى حديثاً في الأذان فإن هذا إشارة إلى اهتمامه في هذا الباب، وكذلك أيضاً في مسألة الإمامة في الصلاة كما في حديث بشر بن رافع هنا، كذلك أيضاً فقه الراوي في ذاته إذا كان من أهل الاختصاص في باب من أبواب الفقه بعينه كالفرائض كحال الحارث الأعور وغيره، فإنه من أهل الاختصاص في أبواب الفرائض وإن كان ضعيفاً في حفظه، فإذا روى حديثاً في أبواب الفرائض فإنه يكون أضبط له من غيره باعتبار اختصاصه.

كذلك أيضاً في القضاء في حال القضاة ونحو ذلك فإنهم الذين يقضون في أحوال الناس، فإنهم يضبطون ما يتعلق بأحكام القضاء ما لا يضبطونه في غيره، والمسائل التي لا تتعلق بأحكام القضاء العبادات، أحكام الطهارة، والصلاة، والصيام، والحج وغيرها، هذه لا تتعلق بأحكام القضاء، هذه تتعلق بأحكام العلماء والفقهاء والمفتين، ولهذا ربما تجد من القضاة من لا يحسن الفتية ولا يحسن مسائل الصلاة ولا الطهارة ولا الفتية فيها ولا أقوال العلماء، ولا الراجح والمرجوح في هذا، ولكن تجده من أهل البصيرة في مسائل الحدود ومسائل النكاح، ومسائل المعاملات والفصل فيها باعتبار أنه يعمل بهذا.

ولهذا نقول: ينبغي لطالب العلم إذا نظر في ترجمة راوي من الرواة لحديث من الأحاديث أن ينظر في اختصاصه كما ينظر في كلام العلماء في مرويه، لأن الغالب في نظر طلاب العلم إذا أرادوا أن يخرجوا حديثاً من الأحاديث أنهم ينظرون لاسم الراوي وينظرون لكلام العلماء فيه، هذا قصور، والكمال أنه ينظر لاسم الراوي كاملاً بما في ذلك البلد فإذا كان مكياً يعرف أنه من أهل مكة، ما الذي يفيدك كونه مكي أو غير مكي؟ أن شيخه من أي بلد، هل هو من مكة، هذا قرينة على الاختصاص لأن أهل مكة يشاهدون بعضاً، ولكن إذا كان هو مكي وشيخه يماني هذا إشارة إلى وجود مفازة.. أين التقيا؟ وإذا كان مثلاً تلميذه مدني وهو مكي وشيخه يماني وشيخ شيخه عراقي هذا إشارة إلى الشتات، ولابد من التقاء هذا الإسناد، وفي الغالب أن الإسناد إذا جمع بلداناً متعددة أن هذا قرينة على رده، فينبغي أن يعتني بالبلدان، وأن يعتني باختصاص الراوي بماذا وصفه العلماء؟ هل وصفوه بالزاهد، أو وصفوه بالفرضي، وصفوه بالمؤذن، وصفوه بالقاضي، أو وصفوه مثلاً بالمرابط والمجاهد وغير ذلك، هذه أوصاف لها أثر في العلل لا يذكرها العلماء هكذا، بل لها أثر في أبواب العلل كما يذكر العلماء هنا في حال بشر بن رافع النجراني يقول: هو إمامهم ومفتيهم، إمامهم في الصلاة فيتعلق فيها مسألة الجهر بآمين ومن خلفه ونحو ذلك، فمثل هذا يعتني بأمثال هذه المسائل.

ولهذا نقول: إن الموقوف عن أبي هريرة يدفع علة المرفوع مع وجود قرائن في المرفوع تدفع علته كذلك، ولهذا نقول: إن حديث أبي هريرة عليه رضوان الله محتمل التحسين المرفوع، وأما الموقوف فكذلك أيضاً.

ضابط موافقة الراوي لمرويه

ومن المسائل أيضاً التي ينبغي الإشارة إليها هنا: أن ما تقدم الكلام عليه أن موافقة الراوي لمرويه قرينة على تقوية الحديث، والمخالفة قرينة على الرد، ولكن ما حد الموفقة؟ نقول: الموافقة إذا اكتملت في جميع طبقات السند كان هذا أقوى وجوه التقوية في موافقة الراوي، كيف يكون في جميع طبقات السند؟ لدينا صحابي وتابعي وتابع تابعي إذا وجدنا أن فتيا الصحابي توافق مرويه، والتابعي توافق مرويه، وتابع التابعي توافق مرويه، هذا أقوى وجوه الموافقة، وهذا يدفع العلة التي هي أقوى مما لو روى واحد منهم ما يوافق فتواه.

ولهذا نقول: ينبغي لطالب العلم أن ينظر في طبقات الرواة جميعاً، فإذا نظرت إلى حال أبي هريرة في حديث مرفوع انظر إلى فتياه الموقوفة هل له شيء يؤيد! هذه واحدة، ثم انظر إلى التابعي الذي يروي عن أبي هريرة كأصحاب أبي هريرة مثلاً كـسعيد بن المسيب أو مثلاً أبو سلمة أو غيرهم من الرواة انظر هل لهم فتيا توافق ذلك، إذا وافقت هذا مؤكد أيضاً، ثم انظر إلى تابع التابعي الذي يروي عنه، إذا وافق كذلك فهذا إشارة إلى أن الحديث استفاض وثبت عندهم يقيناً وعملوا به.

ولهذا هذه القرائن غير منصوصة في كلام العلماء، أين يجدها طالب العلم؟ يجدها في مظانها في كتب فقه السلف، مثلاً: ما جاء عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة ، والبيهقي في معرفة سنن الآثار، وكتب ابن المنذر وابن عبد البر ، وموطأ مالك وغيرها من هذه الكتب التي تهتم بفقه أولئك، لهذا نقول: إن علم العلل مقترن بعلم الفقه لا فقه المتأخرين وإنما فقه الرواة الذين جاءوا في هذا الحديث.

كيفية النظر في موافقة الراوي لمروية والمراجع المفيدة فيه

لهذا نقول: إن طالب العلم إذا كان لديه مروي من المرويات فعليه أن ينظر في موافقة الراوي لمرويه في كل طبقة، وهل يتوقف عند ذلك؟ نقول: لا، بل ينظر أيضاً في أقران صاحب الطبقة كذلك، أبو هريرة يروي حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام ننظر أولاً: في الثابت عن أبي هريرة فيما يخالف أو يوافق المروي إذا وجدنا ما يوافقه ننظر في الصحابة عليهم رضوان الله، هل وافقوا أبا هريرة عليه رضوان الله في مرويه هذا أو لم يوافقوه؟ إذا وجدنا أنهم قد وافقوه فإن هذا تأكيد لذلك.

إذاً عندنا مثلاً: حديث أبي هريرة عليه رضوان الله الذي رواه البيهقي من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى في قصته مع مروان لما كان مؤذناً له، ننظر في الصحابة عليهم رضوان الله نجد أن الصحابة يوافقون أبا هريرة أيضاً ولا مخالف معه في هذا مع ثبوت ذلك موافقةً في حال أبي هريرة وهو الذي يروي الحديث المرفوع.

وقد جاء عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا كذلك، كما روى البخاري معلقاً، وكذلك أيضاً جاء عند البيهقي وغيره أن عطاء بن أبي رباح قال: صليت خلف ابن الزبير أو أدركت ابن الزبير ومن معه يقرءون غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ، ثم يقولون: آمين. ويقول الناس من ورائهم كذلك، وقد جاء عن ابن حبان كذلك في الثقات، وعند البيهقي أيضاً من حديث عطاء بن أبي رباح يقول: أدركت مائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: آمين ويمدون أصواتهم بها ومن خلفهم كذلك.

هذا دليل على أن هذا الأمر المروي الذي جاء عن أبي هريرة وروى الحديث المرفوع دليل على أن الأمر متأكد، ولهذا لا تثريب على من صحح الحديث المرفوع عن أبي هريرة عليه رضوان الله في التأمين، من نظر إليه كطرائق المتأخرين بأن هذا الحديث يرويه أبو عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة ويرويه كذلك بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة عن أبي هريرة ، يجد العلل فيه ظاهرة ثم يقوم برده، ولكن لو نظر إلى قرائن قوية غير منصوصة قطع بتقوية الحديث، ولهذا تجد في كلام العلماء يحتجون ببعض الأحاديث التي لو نظر إليها الناقد على سبيل الانفراد لقام بإعلالها، ولو نظر إلى القرائن القوية الدافعة لعللها لسلم بصحة ذلك، ولهذا لا تجد أحداً من الصحابة عليهم رضوان الله يثبت عنه أن المأموم لا يجهر بآمين، وكل الأقوال الواردة في هذا عنهم بالجهر بآمين بالنسبة للمأموم، أما بالنسبة للإمام فالإمام جاء فيه وإنما ما تكلمنا على هذا ولا أسهبنا فيه مع ورود أحاديث في هذا الباب في مسألة الجهر كثيرة منها الصحيح ومنها الضعيف، لورود ذلك في الصحيحين كما جاء في حديث أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ، فقال: آمين، فقولوا: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )، هذا الحديث في الصحيح، جهر الإمام فيه ظاهر لأنه إذا قال الإمام: آمين فقولوا: آمين، وجاء في رواية: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] ، فقولوا: آمين، في الرواية ذكر آمين في هذا الحديث للإمام يعني: أن الإمام تسمعه قال: آمين، وإلا وما يدريك أنه قال: آمين! فالجهر في هذا ظاهر، بالنسبة للمأموم فقولوا: آمين، قولوا: آمين بينكم وبين أنفسكم أم يحتاج إلى نص؟ نقول: يحتاج إلى نص، أمثل شيء في هذا هو حديث أبي هريرة عليه رضوان الله هذا.

وثمة حديث آخر أيضاً يعل تقدم الإشارة معنا إليه في أوائل الصلاة في حديث البسملة الذي يرويه سعيد بن أبي هلال عن نعيم المجمر عن أبي هريرة عليه رضوان الله تعالى، وقد رواه الإمام أحمد وكذلك النسائي ، وفيما تقدم غنية ولا نعيد الكلام عليه هنا، ولكن نقول: هذا الحديث هل هو الأصل في هذا الباب؟ نقول: هذا هو الأصل في المرفوع، ولكن العمل أقوى منه، والعمل يقويه، واختلف العلماء بحسب منزعهم، فمن نظر إلى الحديث على سبيل الانفراد قال: لا يوجد حديث صحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام أن الناس خلفه كانوا يجهرون بآمين، على هذا الأصل في المأموم الإسرار.

لهذا اختلف الفقهاء فذهب أبو حنيفة و الشافعي في رواية عنه، وذهب أيضاً الإمام مالك رحمه الله في رواية إلى عدم الجهر بآمين، ولهذا قد روى قد جاء في كتاب الآثار لـأبي يوسف أنه روى عن أبي حنيفة رحمه الله قال: حدثني حماد عن إبراهيم قال: أربع يسر بها الإمام وكذلك المأموم، قال: سبحانك اللهم وبحمدك، يعني: استفتاح الصلاة، والتعوذ، وبسم الله الرحمن الرحيم، وآمين، يقول: وقال به أبو حنيفة وبه أقول، وذلك أن الأحاديث لديهم في المرفوع لم يثبت منها شيء، لكن لدينا عمل، وهذا من المسائل الظاهرة التي استفاض فيها العمل فلا نتوقف على ضعف الحديث، ولا نقول بهذه المسألة.

ولهذا نقول: إن الأحاديث الواردة عن ابن الزبير والحديث عن أبي هريرة الموقوف تعضد ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة في الجهر بآمين.

نشير إلى تكملة فيما يتعلق بموافقة الراوي لمرويه، ذكرنا أنه ينظر في كل طبقة هل ينتهي بذلك؟ قلنا: أنه لا ينتهي بل ينظر إلى أقران صاحب الطبقة، الصحابي ينظر إلى أقرانه، التابعي ينظر إلى أقرانه، تابع التابعي ينظر إلى أقرانه هل وافقوه أم لا، ما أثر هذا في الرواية؟ هل له أثر؟ نعم له أثر ظاهر، ما هو موضع الأثر؟ موضع الأثر إذا وجدنا مثلاً: أبو هريرة يروي حديثاً عن النبي عليه الصلاة والسلام أقوى الأحوال في هذا أن يأتي عن أبي هريرة ما يوافق مرويه ويجد الصحابة يوافقونه، ثم التابعي وتابع التابعي يوافقونه كذلك حتى في الفتيا، إذاً هذا شبيه بالنص على تقوية الحديث، يليه مرتبةً في هذا أن يرد عن الصحابي ويرد عن التابعي لكن تابع التابعي لم يرد عنه شيء، أو يرد عن الصحابي ولا يرد عن التابعي، فبمقدار نقص الفقه المروي في الطبقات تكون القرينة في ذلك دون هذا.

وكذلك أيضاً إذا لم يرد قول عن الصحابي ولا عن التابعي ولا عن تابع التابعي ما يؤيد هذه المروية من عملهم، هنا القبول.

علة رد الحديث إذا خالفه الراوي

إذا جاء عن صحابي حديث عن النبي عليه الصلاة والسلام ثم خالفه بفتواه، العلماء يجعلون ذلك علة، وهناك مدرستان في هذا الباب: مدرسة أهل الفقه، ومدرسة أهل النقد والحديث، مدرسة النقاد ويسير عليها النقاد الأوائل كـأحمد و ابن المديني و البخاري وكذلك مسلم و الدارقطني و الترمذي عليهم رحمة الله: أن الراوي إذا خالف بفتواه حديثه الذي يرويه هو مرفوعاً نظرياً قد يقول قائل: المفترض أن الموقوف هو الذي يعل المرفوع لأنه هو الأولى، العلماء عليهم رحمة الله ينظرون إلى أمر آخر وهو أن رواية الراوي بخلاف مرويه إشارة إلى أن الحديث ليس بثابت عنده، لأن أولى الناس بالاقتداء والإتباع هم الصحابة وخاصةً من بلغه العلم، صحابي جاءه الدليل ومر من بين يديه وحفظه ثم رواه ثم يخالفه بفعله هذا إشارة إلى أن الحديث ما ثبت عنده، ولهذا نجد هذا الطريق سلكه الإمام مسلم رحمه الله في كتابه التمييز، وكذلك الإمام أحمد ، و أبو حاتم ، وسلكه كذلك الترمذي رحمه الله فيما يتعلق بالراوي إذا خالف مرويه، جاء هذا في حديث أبي هريرة في المسح على الخفين، روى أبو هريرة عليه رضوان الله المسح على الخفين عن النبي عليه الصلاة والسلام وعمل بخلافه، فأعلوا المرفوع بالموقوف عن أبي هريرة عليه رضوان الله، لأن أبا هريرة عليه رضوان الله لا يقول بالمسح على الخفين، وروى حديثاً في المسح على الخفين قالوا: فهذا قرينة على إعلال ورد ذلك الحديث؛ لأن الراوي الأصل فيه أنه لا يخالف مرويه في هذا، وهذا له نظائر، وتقدم معنا أيضاً الإشارة إلى شيء من الأمثلة في هذا الباب.

حال انعدام فتيا للراوي توافق أو تخالف مرويه

إذا لم يجد طالب العلم فتيا لأي واحد من الطبقات لا فيما يوافق ولا فيما يخالف، هل انتهى الأمر؟ لا، بل ينظر إلى أصحابهم، من هو أصحابهم؟ أبو هريرة له تلاميذ ليسوا موجودين في الرواية، فمثلاً: أبو هريرة يروي عنه مثلاً هذا الحديث أبو رافع ، أبو هريرة له تلاميذ، من تلاميذه سعيد بن المسيب ، أبو سلمة ، سعيد المقبري وغيرهم، هل لهم فتيا تخالف هذا إذا أجمعوا على القول بفتيا تخالف الذي روي عن أبي هريرة مرفوعاً، هؤلاء كيف يقف عليهم طالب العلم؟ هؤلاء ليسوا موجودين أمامه في الرواية، لابد أن يكون عند طالب العلم ملكة بحديث يعرف الصحابي ويعرف تلاميذه ويستحضرهم ويستحضر التلاميذ، ليس تلاميذ الصحابي فقط بل أيضاً والتابعي له تلاميذ أيضاً، فعليه أن ينظر في تلاميذ التابعي إذا لم يجد للتابعي قولاً هل أجمعوا على خلاف تلك المرويات، فإذا كان ثمة إجماع على المرويين على خلاف ما جاء عن ذلك الإمام من تلاميذه فهذا قرينة على إعلاله، ولهذا مثلاً: إذا جاء عن عبد الله بن عباس حديث مرفوع ثم تفرد واحد من أصحابه بالرواية عنه في هذا، لم نجد لـابن عباس ولم نجد لتلميذه ما يوافق ولا ما يخالف، ننظر في أصحاب عبد الله بن عباس الباقين إذا وجدنا أنهم قد أجمعوا على خلاف المرفوع هذا قرينة على النكارة، وكما هو في الصحابي كذلك أيضاً في التابعي، وكما هو في التابعي كذلك في أتباع التابعين، وكلما تأخر تضعف هذه القرينة، لضعف التعظيم للراوي، فمنزلة الصحابة تختلف عن منزلة التابعين من جهة الحفظ ومن جهة الديانة، الصحابي الأصل فيه أنه لا يخالف ما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام لمقام الفضل والتزكية والمنقبة بخلاف التابعين فالأمر فيهم مع فضلهم دون ذلك، وفي أتباع التابعين أيضاً دون ذلك، إذاً فتضعف القرينة شيئاً فشيئاً.

أهمية الجمع بين الرواية والدراية

ينبغي على طالب العلم أن يجمع بين الأمرين: بين معرفته في أبواب الرواية، وبين معرفته لأبواب الدراية وهي فقه الرواة لأن الرواة على حالين: رواة لهم رواية ودراية، ورواة لهم رواية وليس لهم دراية، يعني: ليس لهم فقه، هل كل الرواة الموجودين في كتب السنة الآن الذين بين أيدينا في الصحيحين والسنن ومسند الإمام أحمد كل هؤلاء فقهاء؟ لا ليسوا جميعاً بفقهاء، منهم رواة نقلة يسمع الحديث ثم ينقله إلى من بعده ربما يكون فقيهاً أو ليس بفقيه لكن الفقه يوزن بالمنقول عنه واعتداد الناس بقوله في زمانه فيما يدون، ولهذا ينبغي لطالب العلم أن يميز بين الراوي إذا كان فقيهاً وبين الراوي الذي ينقل وليس بصاحب فقه، فإنه إذا وجد راوي فقيه فيلتمس الفقه في قوله، وإذا لم يكن فقيهاً يلتمس القول في أقرانه من أصحاب شيخه في الفتيا في ذلك.

وهذا من جهة النظر فيه لا يجد طالب العلم منصوصاً بل يجده منثوراً، وهي أيضاً من القرائن التي تنقدح في ذهن الإنسان، كيف لطالب العلم أن يجدها وأن يكون بصيراً فيها؟ يجدها في الدواوين، هي ملكة موجودة عند الأوائل وهي شاقة جداً أو متعذرة عند المتأخرين إلا من وفقه الله عز وجل بإدامة النظر، لهذا ينبغي لطالب العلم أن يسلك هذه الطريقة حتى يعرف مواضع الإعلال، كم من الأئمة يعلون حديثاً ظاهر إسناده الصحة ومع هذا يعلونه لأجل قرائن لو بحث فيها الإنسان أياماً لوجد تلك النتيجة، ولكن ينظر إلى ظواهر الأمور والإمام إنما حكم على الحديث لما لديه من ملكة، لديه ربط، فهو يعرف هذا الصحابي، ويعرف فقه هؤلاء من تلامذته، ويعرف أيضاً ما يخالف وما يوافق، وهل له مروي يخالف ذلك، لا يفصحون عن هذا لأن هذا يحتاج دراسة كاملة وهو يعطيك الخلاصة، يقول لك: هذا الحديث منكر، ولا يصلح عن ما دون ذلك غالباً.

ولهذا نقول: ينبغي لطالب العلم إذا وجد نقداً من عالم بسيط من الأوائل في حديث أن يحترز من مخالفته ويتوقى ويبحث عن تحقيق ذلك، كيف يبحث؟ يبحث على ما تقدم، ينظر في الراوي، في القرائن، أحياناً الإمام يجرح وأحياناً يقوي، أو تراه يحتج به وتجد إسناده ضعيفاً، كيف يحتج به؟! وجد دوافع وشتات من القوة الموزعة، فبعضها إسنادية تتعلق بالراوي، وبعضها تتعلق بالمرويات والموقوفات، بالشيوخ وبالتلاميذ ثم وجد أن هذه تدفع، ولو أراد أن يفصح بها لما وسعه من ذلك إلا الإطالة في هذا الباب، لهذا ينبغي الاحتراز في كلام العلماء عليهم رحمة الله على الرواة، وكذلك أيضاً على المرويات.

أثر: (صليت مع أبي بكر وعمر فكانا يقولان: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ثم يقولان: آمين)

الحديث الثاني أحاديث الباب: هو ما جاء عن عبد الله بن عتاب العدوي قال: صليت مع أبي بكر و عمر فكانا يقولان: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، ثم يقولان: آمين، ثم ينصتان، فإذا قال المأمومون: آمين ومدوا بها أصواتهم، استفتحوا. يعني: استفتحوا السورة التي بعدها، هذا الحديث تفرد بروايته عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن عتاب عن أبي بكر و عمر بن الخطاب عليهما رضوان الله من عملهم.

هذا الحديث متضمن لجملة من المسائل، من هذه المسائل: أن الإمام يمسك بعد قوله: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، شيئاً يسيراً ثم يقول: آمين، كذلك أيضاً فإنه يمسك حتى يقول المأموم بعد قوله لا في أثنائه يقول: آمين، ثم إذا قال: آمين انتظر ثم استفتح يعني: بعد ذلك السورة التي سورة الفاتحة، وهذا الحديث منكر، وذلك أنه قد تفرد به عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن عتاب العدوي وذلك أن عبد الله بن لهيعة ضعيف الحديث. ومن العلماء من يقسم حديث عبد الله بن لهيعة إلى قسمين، حديثه ما كان يرويه عنه قدماء أصحابه فيقولون بأن هذا أمثل حديثه، ومن العلماء من يقوم بتصحيح قديم حديثه، وتضعيف المتأخرين.

والأصل في عبد الله بن لهيعة الضعف سواءً كان قبل اختلاطه باحتراق كتبه أو كان بعد ذلك، فالأصل فيه الضعف، ولكن اشتد ضعفه بعد اختلاطه، فنقول بأن الأصل في حديثه الضعف، ولكن ما كان قديماً يقبل في المتابعة، وما كان متأخراً لا يقبل المتابعة، لاقتران الضعف مع الاختلاط في هذا الباب.

ومن وجوه النكارة أيضاً: أن قرن خليفتين في رواية واحدة في مثل هذا الإسناد، وذلك أن مثل هذا العمل يقتضي طول الملازمة والصحبة، وذلك أنه ما جاء على سبيل الاعتراض لـأبي بكر ثم حكى تلك الرواية، وإنما قد داوم بالصلاة خلفهما ثم نقل مثل هذا الأمر، وهذا يحتاج إلى استفاضة من وجوه أخرى.

كذلك أيضاً فإن المروي عن الخلفاء الراشدين إذا قرنوا هكذا شبيه بالمرفوع لقوته، ولهذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول كما جاء في المسند والسنن من حديث العرباض قال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين )، فإذا وجدنا رواية اقترن فيها اثنان أو ثلاثة أو أربعة من الصحابة، فهذه نشدد فيها ما لا نشدد في الواحد، أو نشدد في الواحد ما لا نشدد في غيره من الخلفاء، فالمروي مثلاً: عن عبد الله بن عمر يختلف عن المروي عن عمر بن الخطاب ، والمروي عن أبي بكر و عمر يختلف في المروي عن عمر مجرداً، والمروي عن ثلاثة يختلف عن المروي عن واحد أو اثنين منهما، فيُشدد في ذلك، فنقول: إن مثل هذا الجمع في ذلك هو شبيه بالمرفوع، فنقول حينئذ بالاحتراز في هذا الباب.

ولهذا نقول: إن هذا الحديث منكر لأنه قد تفرد ببعض المعاني في إسناده ما لم يرد عند غيره بمثل هذا السياق، ثم أيضاً تفرد عبد الله بن لهيعة بمثل هذا المتن مما يستنكر عليه ولو رواه من هو أحسن حالاً منه لكان أيضاً مردوداً، فكيف وقد تفرد به وهو ضعيف!

حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، فقال: آمين، خفض بها صوته)

الحديث الثالث: هو حديث وائل بن حجر عليه رضوان الله ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فقال: آمين، خفض بها صوته )، وفي رواية: ( أخفى بها صوته ).

تقدم معنا أن جهر الإمام بآمين هذا ثابت في الصحيح، ولذلك ما أوردنا هذه الأحاديث في هذا الباب، وشرطنا في هذا أن نورد الأحاديث الضعيفة التي ليس في بابها صحيح، وأما الحديث الصحيح وما في بابه من أحاديث ضعيفة لا نوردها لأن هذا من الأمور الشاقة، ولكن ما يخالفه نورده لوجود من يقول بذلك، ولهذا بعض المذاهب يقولون بخفض الصوت حتى للإمام بسبب هذا الحديث بحديث وائل بن حجر.

حديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( آمين )، قال: أخفى بها صوته، هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في كتابه المسند، وأخرجه أبو يعلى كذلك في المسند، وأخرجه الحاكم في كتابه المستدرك من حديث شعبة بن الحجاج عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث وقع فيه جملة من الأخطاء: أخطاء إسنادية وخطأ متني.

الخطأ المتني

بالنسبة للخطأ المتني فإن شعبة بن الحجاج قد أخطأ في هذا الحديث، قال: وأخفى بها صوته، والصواب في ذلك: ورفع بها صوته لا أخفى بها صوته، والذي روى في هذا الحديث: (ورفع بها صوته) هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، روى هذا الحديث عن سلمة بن كهيل يرويه عن حجر بن العنبس عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخالفه من جهة الإسناد، وخالفه من جهة المتن فقال: ورفع بها صوته، رواية سفيان الثوري أصح من عدة وجوه:

أولها: أن الأصل عند العلماء عليهم رحمة الله أن سفيان الثوري إذا خالف شعبة يقدم سفيان الثوري على شعبة بن الحجاج كما نص على ذلك جماعة من العلماء كـيحيى بن سعيد القطان وكذلك يحيى بن معين ، بل حكى البيهقي رحمه الله في كتابه معرفة السنن والآثار أنه لا يعلم خلافاً في هذا، أن سفيان الثوري إذا خالف شعبة فإنه يقدم سفيان على شعبة بن الحجاج بل كان شعبة يقدمه عليه، وقد روى في حديث فقيل له: إن سفيان يرويه على غير هذا الوجه فقال: دمغتني يعني: أقمت الحجة علي برواية سفيان ويجله.

علة تقديم رواية الثوري على شعبة

لماذا يقدم سفيان على شعبة فيما سبق مع أن شعبة بن الحجاج إمام وحافظ؟ نقول من وجهين:

الوجه الأول: أن سفيان الثوري لديه من الحفظ ما اشتهر به وإن اشتهر شعبة بن الحجاج بهذا وكان إماماً بصيراً في هذا الباب إلا أن سفيان أبصر.

الأمر الثاني: الذي يوجد بصورة ظاهرة عن سفيان و شعبة دون ذلك هو الفقه، سفيان بن سعيد الثوري إمام في الفقه، والمرويات عنه في دواوين الفقه كثيرة جداً، من نظر في دواوين الفقه في مصنف عبد الرزاق وابن أبي شيبة البيهقي وغيرها من هذه المصنفات نظر في فقه سفيان وجد أنه كثير جداً بخلاف فقه شعبة ، ولهذا انظروا إلى الرواية في هذا الحديث قال: آمين قال: وأخفى بها صوته، وهذه المسألة ظاهرة، مثل هذا الأمر له أثر على الفقه اعتنى شعبة بن الحجاج بالأسانيد، اعتنى بضبط الأسانيد والإتيان بالمتون وربما خفي عليه شيء منها، ولهذا الأئمة عليهم رحمة الله يقدمون سفيان بن سعيد الثوري على شعبة بن الحجاج في هذا الباب.

توبع سفيان الثوري على هذه الرواية تابعه العلاء بن صالح الأسدي كما رواه الترمذي في كتابه السنن من حديث العلاء بن صالح عن سلمة بن كهيل به، وذكره فيما يوافق رواية سفيان الثوري ، وكذلك أيضاً قد توبع عليه من حديث محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه بهذا الحديث فجعله أيضاً قال: ورفع بها صوته، فيما يوافق رواية سفيان الثوري ، رواية العلاء بن صالح قد رواها الترمذي في كتابه السنن، ورواه كذلك أيضاً الإمام أحمد في كتابه المسند، رواية محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه قد ذكرها الدارقطني رحمه الله في كتابه السنن، وذكرها كذلك البيهقي رحمه الله في كتابه السنن معلقة وما ذكرها مسندة، وهي تتابع وتؤيد أيضاً ما جاء عن سفيان الثوري أنه رفع بها صوته.

ومن القرائن أيضاً التي يرجح فيها رواية سفيان في مثل هذا: أن شعبة بن الحجاج قد روى الحديث عنه أبو الوليد الطيالسي وروى عنه يزيد بن زريع ، أبو الوليد الطيالسي يروي الحديث فيما يوافق رواية سفيان الثوري كما روى البيهقي في كتابه السنن، ولكن يزيد بن زريع يرويه على الوجه، فما يخالف رواية سفيان الثوري ، ولهذا بعض العلماء يقول: إن رواية يزيد هي أرجح من رواية أبي الوليد الطيالسي باعتبار أن الأئمة أثبتوها وخطئوا شعبة فيها، الذين خطئوا شعبة بن الحجاج رحمه الله في هذا جماعة من الأئمة كـالبخاري رحمه الله فيما نقله عنه الترمذي في كتابه السنن أنه قال: أخطأ شعبة بن الحجاج في هذا، يعني: في قوله: وأخفى بها صوته، وحديث سفيان أصح، وكذلك أيضاً قال بهذا أبو زرعة الرازي ، وقال بذلك أيضاً الدارقطني رحمه الله كما في كتابه السنن، وغيرهم من الأئمة في هذا الباب كما هو ظاهر صنيع الترمذي رحمه الله في كتابه السنن، أن شعبة بن الحجاج أخطأ في هذا، هذا بالنسبة للخطأ المتني.

الخطأ الإسنادي

أما بالنسبة للخطأ الاسنادي فقد أخطأ شعبة بن الحجاج في هذا الحديث في موضعين:

الموضع الأول: أنه روى هذا الحديث عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس ، و سفيان الثوري يقول: عن سلمة بن كهيل عن حجر بن العنبس وهذا هو الصواب كما ذكر ذلك البخاري رحمه الله.

والموضع الثاني الذي أخطأ فيه شعبة بن الحجاج في هذا الحديث: أنه يروي الحديث عن سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس عن علقمة بن وائل بن حجر وذكر فيه علقمة و علقمة ليس في حديث سفيان ، فـسفيان يرويه عن حجر بن العنبس عن وائل بن حجر من غير ذلك علقمة ، وهذا هو الصواب وهذا هو الذي رجحه البخاري رحمه الله في كتابه فيما نقله الترمذي عنه عليه رحمة الله في كتابه السنن.

ويؤيد هذا أن الصواب في ذلك ما جاء في رواية سفيان بن سعيد الثوري وأنها هي الصحيحة بخلاف رواية شعبة بن الحجاج ، أن هذا الحديث قد جاء عن وائل بن حجر من غير طريق سلمة بن كهيل يرويه عنه أبو إسحاق السبيعي عن عبد الجبار بن وائل بن حجر ، وذكره فيما يوافق رواية سفيان الثوري كما أخرجه الإمام أحمد رحمه الله في كتابه السنن، وكذلك أيضاً جاء من حديث عبد الجبار بن وائل بن حجر يرويه عنه الحجاج كما رواه الإمام أحمد في كتابه المسند، وذلك فيما يوافق رواية سفيان الثوري ويخالف رواية شعبة بن الحجاج ، وكذلك أيضاً جاء من حديث رواية عبيد الله عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه فيما يخالف رواية شعبة وما يوافق رواية سفيان الثوري ، وهذه أيضاً من المرجحات للرواية في هذا الباب فيما يوافق رواية سفيان الثوري .

خطأ الراوي في موضع في الحديث قرينة على وجود الخطأ في موضع آخر

ومن العلل التي ينبغي أن يشار إليها في هذا الحديث في حديث وائل بن حجر : أن خطأ الراوي في الحديث في موضع قرينة على وجود الخطأ في موضع آخر، وذلك أن شعبة بن الحجاج أخطأ في الإسناد ثم أخطأ في المتن، أو أخطأ في المتن ثم أخطأ في الإسناد، فوجود الخطأ في الإسناد قرينة على وجوده في المتن، ووجوده في المتن قرينة على وجوده في الإسناد، لأنه فتح باباً عليه في عدم الضبط، ومع جلالة سفيان الثوري اجتمعت هذه الأخطاء الثلاثة في حديث قصير مسألته ظاهرة وهي الجهر بآمين، فظهر في ذلك الخطأ الإسنادي، وكذلك الخطأ المتني، مما يدل على أن الخلل في ذلك هو في أصل ضبط الحديث.

ولهذا نقول: من القرائن في أبواب العلل: أنه ينبغي لطالب العلم إذا وقف على حديث من الأحاديث ثم وجد فيه علة أخطأ فيها راوي، أخطأ في موضع فعليه أن يحترز في الحديث كله، لأن هذا الخطأ ينعكس على ضبط الراوي وأنه ما ضبطه، إذا ما ضبطه الذي أخطأ هنا احتمال يخطئ هناك، فينبغي لطالب العمل أن يجعل من ذلك قرينة لشدة الاحتراز في ذلك، وهذا من التوقي والذي يسلكه العلماء عليهم رحمة الله.

وتقدم معنا أيضاً الإشارة في هذا الباب.

حديث: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ولا الضالين) رب اغفر لي آمين)

الحديث الرابع في هذا: هو حديث وائل بن حجر أيضاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ( وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، رب اغفر لي آمين )، هذا الحديث رواه الطبراني في كتابه المعجم من حديث أبي بكر النهشلي عن أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبد الله عبد الرحمن اليحصبي عن وائل بن حجر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث حديث منكر، وعلله متعددة:

أولها: أن هذا الحديث تفرد به أبو بكر النهشلي عن أبي إسحاق ، و أبو إسحاق السبيعي ممن اختلط في آخره ولم يتميز هل رواه قبل اختلاطه أو بعد اختلاطه، وظاهر الأمر أنه رواه بعد اختلاطه، وهذه علة في أبي بكر النهشلي وكذلك أيضاً في حال شيخه أبي إسحاق السبيعي عليهما رحمة الله.

العلة الثانية: أن هذا الحديث تفرد به أبو عبد الله عبد الرحمن اليحصبي في روايته عن وائل بن حجر ، و اليحصبي هذا ليس بمعروف الحال، ذكره البخاري رحمه الله في كتابه التاريخ، وكذلك ابن أبي حاتم في كتابه العلل وسكتوا عنه، وليس بالمعروف بالرواية، وقد تفرد بهذا الحديث عن وائل بن حجر ، وحديث وائل بن حجر في صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام حديث مشهور، وتفرده بمثل هذا ولو كان هو أحسن حالاً من حاله في هذه الجهالة لا يقبله العلماء في تفرده من مثل هذه المسألة وهي المسألة الظاهرة، وهي أنه يقول قبل آمين: رب اغفر لي، يعني: أنه يدعو.

بعض الفقهاء من أهل الرأي يفعلون بهذا الحديث وهو سبب إيرادنا له، لأنهم يأخذون بالقاعدة ( من وافق تأمينه تأمين الملائكة ) فيجعلون فرصة ذلك للدعاء بعد التأمين فيقول: رب اغفر لي أو ارحمني ثم يقولون: آمين، وهذا الحديث حديث منكر لا يعرف إلا بهذا الإسناد، وهو مطروح.

قد جاء عن أبي حمزة عن إبراهيم النخعي أنه قال: كانوا يستحبون ذلك يعني: كانوا يستحبون قول: رب اغفر لي آمين، ويعني من ذلك: أصحاب عبد الله بن مسعود وأهل الرأي، ولكن أبو حمزة واسمه ميمون الأعور هو ضعيف الحديث لا يحتج به، ونقول: إن هذا الحديث ضعيف ولا يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه دعا بدعاء بعد الفاتحة لا النبي عليه الصلاة والسلام ولا عن أحد من أصحابه عليهم رضوان الله، إذاً بماذا يكتفي؟ يكتفي بقوله: آمين، ثم بعد ذلك يشرع بالسورة التي تليها، وهذا فيما يتعلق في الصلاة الرباعية، وأما بالنسبة فيما زاد عن ذلك بثالثة المغرب أو ثالثة ورابعة صلاة العشاء والظهر والعصر فإنه يقول: آمين بعد الفاتحة ثم يركع، ولو جاء بسورة جاء ذلك عن أبي هريرة وجاء عن عبد الله بن عمر إلا أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يجعله حجةً لنا، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الأحاديث المعلة في الصلاة [38] للشيخ : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

https://audio.islamweb.net