إسلام ويب

علم الحديث من العلوم المهمة في الشريعة فهو المصدر الثاني بعد كتاب الله عز وجل، وإليه تعود معظم الأحكام وتفسيراتها، وقد اختلف العلماء في تعريف الحديث في الاصطلاح وإطلاقه فمنهم من يرى أنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يرى أنه مرادف للسنة، ومنهم من يرى أنه ما روي بإسناد مطلقاً. والسنة مرت بمراحل تدوين متعددة، ودونت بطرق مختلفة أهمها على أساس أبواب العلم كموطأ مالك والصحيحين والسنن، وعلى أساس أحاديث الرجال كالمسانيد، وعلى طريقة الترتيب المعجمي وأسماء الشيوخ كمعاجم الإمام الطبراني.

تعريف الحديث لغة واصطلاحاً

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

وصلنا إلى علوم السنة، وهذه العلوم المتعلقة بالسنة أهمها: علم الحديث رواية, ثم علم الحديث دراية, ثم علم شروح الحديث أو شرح الحديث, ثم علم الرجال والجرح والتعديل, ثم علم العلل.

أما علم الحديث رواية: فالمقصود به رواية كتب الحديث، وهو العلم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن ما يتعلق بالرواية هو أن تروى الأحاديث الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرقها من أوجهها المعروفة، وهو أول علم ظهر في الإسلام, وأول علم ألفت فيه الكتب هو علم الحديث رواية.

تعريف الحديث في اللغة

فلنبدأ أولاً بتعريف هذا العلم، فنقول: الحديث في اللغة: ضد القديم، فيطلق على الكلام سواء كان مفيداً أو غير مفيد، فمن إطلاقه على المفيد قول الله تعالى: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:185], أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ[النجم:59-60], وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87], كل هذا بمعنى الكلام المفيد, ومن إطلاقه على غير المفيد قول الشاعر:

وحديثها السحر الحلال لو أنهلم يجن قتل المسلم المتحرز

إن طال لم يملل وإن هي أوجزتود المحدث لو أنها لم توجز

تعريف الحديث في الاصطلاح

وفي الاصطلاح لهم فيه ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا الموافق للمعنى اللغوي، فالمعنى الاصطلاحي فيه قريب من المعنى اللغوي, فالحديث في اللغة الكلام كما ذكرناه, فيطلق اصطلاحاً على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بالخصوص, فتكون (ال) فيه خلفاً عن الضمير, أو تكون عهدية، فمعناه: حديثه صلى الله عليه وسلم أو الحديث المعهود الذي هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا القول يضيق مفهوم الحديث حيث يقصره على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم دون أفعاله وتقريراته، ودون أوصافه الخَلقية والخُلقية، ودون كلام غيره من أصحابه عليه الصلاة والسلام ومن دونه.

القول الثاني: أن الحديث مرادف للسنة، وهذا يحوجنا إلى التعرف على السنة.

فالسنة في اللغة الطريقة خيراً كانت أو شراً، ومن إطلاقها على طريقة الخير قول الله تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا [الإسراء:77], ومن إطلاقها على الشر قول الله تعالى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ [آل عمران:137], وتطلق على الطريق في الجبل فيقال: اسلك هذه السنة أي: الطريق في الجبل, وتطلق على الصميم من كل شيء ومنه: سنة الوجه أي: صميمه، وقال غيلان:

تريك سنة وجه غير مقرفةملساء ليس بها خال ولا ندب

وتطلق كذلك على العادة، (سنة الله) وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62]، أي: لعادة الله في خلقه، أي: ما أجراه الله مما يعود ويتكرر في الخلق فهذا معنى السنة, كأنها على طريقة موحدة، ومنه أيضاً العادة؛ لأنها تبدأ وتعود، فهي مشتقة من العود للذي يتكرر، فكذلك سنة الله بمعنى عاداته المتكررة في خلقه.

والسنة في الاصطلاح يختلف إطلاقها باختلاف المصطلحين، فهي عند أهل الحديث ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف خَلْقي أو خُلُقي, سواء صلح ذلك دليل لحكم شرعي أو لمصلحة، فكل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أو ذكر فيه اسمه وهو مروي فهو حديث عندهم, فيدخل في ذلك قوله وفعله وتقريره ووصفه الخَلْقي ووصفه الخُلُقي كذلك, إذا كان الواصف ممن رآه أو عرفه، وهذا القيد لابد منه ولا يذكره أهل الحديث، لكن إطلاق هذا اللفظ دون القيد يقتضي أن مدح الشعراء للنبي صلى الله عليه وسلم يكون من السنة, وليس ذلك سنة قطعاً, فهم يصفونه ويمدحونه بأشعارهم ولم يروه، فذلك غير داخل في السنة فلابد أن نأتي بهذا القيد وهو شريطة أن يكون الواصف ممن رآه وعرفه.

وفي اصطلاح الأصوليين ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح دليلاً لحكم شرعي، ويخرج من ذلك الأوصاف فلا تصلح دليلاً لحكم شرعي.

والذي يستدل به في الأحكام الشرعية من السنن ثلاثة أقسام:

الأقوال: ويستدل بها في جميع أقسام الخطاب التكليفي الخمسة كلها, والأفعال: ويستدل بها في قسمين في الجائزات والمندوبات، والتقريرات: ويستدل بها في قسم واحد وهو المباحات فقط، فهذه هي السنة عند الأصوليين.

أما الفقهاء فالسنة عندهم: هي وصف المأمور به شرعاً أمراً غير جازم, فالمأمور به شرعاً إما أن يكون جازماً أو غير جازم, فإن كان جازماً فاسمه الوجوب ووصفه الوجوب, وإن كان الأمر به غير جازم فيطلقون عليه سنة, فيقولون: الرواتب سنة, صلاة الاستسقاء سنة, صلاة العيدين سنة وهكذا, فالسنة هنا معناه وصف المأمور به شرعاً أمراً غير جازم.

ولهم في ذلك تفصيلات، فمنهم من يرى: أن السنة تختص من ذلك بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم, وأظهره في ملأ وواظب عليه، ودل الدليل على عدم وجوبه، فهي أعلى من المندوب والمستحب والرغيبة والنفل والتطوع وهذه مراتب دونها, والخلاف هنا لفظي اصطلاحي فقط, ومن يطلق السنن على الجميع قد وسع الاصطلاح، ومن يخص السنن بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأظهره في ملأ وواظب عليه، ودل الدليل على عدم وجوبه يخص بعض ذلك.

والسنة عند أهل العقائد: الهدي الأول المعروف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, ولهم في ذلك إطلاقان: إطلاق عام تقابله البدعة, وإطلاق خاص تقابله الشيعة، فيقال: هذا سني, وهذا شيعي في المقابل, هذا الإطلاق خاص, ويقال: هذا سنة, وهذا بدعة هذا إطلاق أعم من ذلك.

ولقب أهل السنة لقب منتشر بين الناس، وهو يطلق على هذين الإطلاقين، يطلق على كل من عدا الشيعة من فرق الإسلام، رغم كلما يحصل في هذه الفرق من انحرافات, ويطلق كذلك على مقابل المبتدعة, ولكن الناس في هذا الإطلاق ساروا وراء فوضى الاصطلاحات، فيكثر أن تسمع من يسأل: هل فلان من السنة؟ حتى إنك تسأل عن أعلام أهل السنة الذين ما روي الحديث إلا من طريقهم، كـالحافظ ابن حجر، فيقال لك: هل الحافظ ابن حجر من أهل السنة؟ يقال: لا يوجد اليوم على وجه الدنيا سنة إلا عن طريق الحافظ ابن حجر، ولا تعرف رواية للحديث اليوم على وجه الدنيا إلا من طريق الحافظ ابن حجر, كل الأسانيد الموجودة اليوم على وجه الدنيا, أو إن لم نقل كلها فغالبها من طريق هذا الحافظ رحمه الله, ويندر جداً أن توجد أسانيد من غير طريقه، وهي فقط أسانيد المحب الطبري المكي, وهذه كثير منها من طريق الحافظ ابن حجر عن ابن فهد، وابن فهد المكي من أصحاب الحافظ ابن حجر سمع عليه صحيح البخاري في يومين بالحرم المكي, فأكثر السنن من طريق هذا الرجل، فكيف يسأل هل هو من أهل السنة؟ أهل السنة اليوم منه هو، فلا يقال: هل هو من أهل السنة؟

ومثل ذلك إطلاقات هذا على المذاهب, فلو قلنا: المذهب الحنفي من مذاهب أهل السنة، ليس معناه: أن كل من تمذهب بهذا المذهب ملتزم بالسنة تماماً لم يبتدع في أي شيء, وكذلك إذا قلنا: المذهب الأشعري من مذاهب أهل السنة ليس معنى هذا أن كل من انتسب إلى هذا المذهب التزم بالسنة ولم يبتدع في أي شيء, بل هذه مذاهب في حد ذاتها غير مخالفة للسنة, وأتباعها منهم المتسنن والملتزم, ومنهم من دون ذلك كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا [فاطر:32-33], منهم من هو ظالم لنفسه, ومع ذلك فيهم المقتصدون وفيهم السابقون بالخيرات.

وأهل السنة لهم أربعة مذاهب في الفقه كما سيأتي، ولهم ثلاثة مذاهب في الاعتقاد أيضاً كما سيأتي, وإطلاق أهل الحديث على الحديث هذا الإطلاق الثاني الذي هو ما يرادف السنة يفهم منه أن ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات والأوصاف الخَلقية والخُلقية فيكون أعم من القول السابق؛ لأن القول السابق يقصر الحديث على أقوال النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

والقول الثالث: أن الحديث هو المروي بإسناد مطلقاً، فكل ما روي بإسناد من العلم يسمى حديثاً, لكن يقال: حديث النبي صلى الله عليه وسلم, وحديث أصحابه, وحديث التابعين, وحديث فلان من الناس, قالوا: هذا حديث ابن جرير, وهذا حديث عطاء, وهذا حديث ابن عباس، وهذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدخل في ذلك المرفوع والموقوف والمقطوع, والمرفوع: المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم, والموقوف على صحابي, والمقطوع الموقوف على من دون الصحابي، فكل هذه الأنواع تسمى حديثاً على هذا القول الذي هو أوسع هذه الأقوال الثلاثة، وهذا القول به أخذ كثير من أهل الحديث, ولذلك تجد في كلامهم السؤال عن حديث فلان وعن حديث فلان وهي أحاديث موقوفة ومقطوعة ويطلقون عليها الحديث.

وبالإطلاق الأول أخذ المتقي الهندي حين جمع الأحاديث القولية المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع معها الأحاديث الفعلية ولا التقريرية ولا الوصفية, فاختص الحديث عنده فقط بالأحاديث القولية.

مراحل تدوين السنة النبوية

النهي عن تدوين الحديث في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

وقد كان هذا الحديث في زمان النبي صلى الله عليه وسلم منهياً عن كتابته وتدوينه, فقد قال: ( لا تكتبوا عني غير القرآن ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ), ومع ذلك أذن لبعض أصحابه، منهم من أذن له إذناً مطلقاً في كتابة ما سمع منه، ومن هؤلاء عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد أذن له بالكتابة عنه، فكان يكتب ما سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحكام، فقال له رجال من قريش: ( إنك تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنه يتكلم وهو غضبان، فأتاه فقال: إن قريشاً نهوني عن أن أكتب عنك، وقالوا: إنك تتكلم وأنت غضبان, فقال: اكتب فو الذي نفسي بيده لا يصدر منه إلا الحق ), وأشار إلى فمه ولسانه.

ولذلك قال أبو هريرة رضي الله عنه: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مني حديثاً إلا ما كان من عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب ولا أكتب, والواقع أن عبد الله بن عمرو ليس أكثر حديثاً من أبي هريرة، بل أبو هريرة أكثر منه, ولذلك فإن مروياتهما إذا قورنت تجدون البون الشاسع فيها, فمرويات أبي هريرة في مسند بقي بن مخلد خمسة آلاف وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثاً, ويليه في الإكثار ابن عمر ثم عائشة ثم ابن عباس ثم بعد ذلك أنس بن مالك، ثم جابر بن عبد الله، ثم يأتي عبد الله بن عمرو في هذه المرتبة, لكن عموماً هو معدود في المكثرين الذين رووا أكثر من ألفين حديث.

كتابة بعض الصحابة لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في حالات خاصة

وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالكتابة لـأبي شاه، وهو رجل من أهل اليمن حضر خطبته بمكة فلم يحفظها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمر به أن يكتب له فقال: ( اكتبوا لـأبي شاه ).

وكذلك كتب كتاباً لعمرو بن حزم الأنصاري أرسله به حين ولاه على جمع الصدقات، وفيه كثير من الأحكام منها ما يتعلق بالجنايات والدماء والقصاص، ومنها ما يتعلق بالزكاة والأروش وغير ذلك.

واستمر الأمر على هذا الحال في حياة الخلفاء الراشدين، فلم يكتب في زمانهم شيء من السنن, فلما ذهبت الخلافة الراشدة بدأ بعض الصحابة يكتبون أو يكتب عنه بعض الأحاديث, فقد صح في صحيح البخاري أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كتب إلى المغيرة بن شعبة أن يكتب إليه حديثاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه الذكر الذي سمعه منه بعد نهاية الصلاة.

وكذلك فإن أبا هريرة رضي الله عنه كتب صحيفة مما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم كان يسميها الصادقة، وهي التي رواها عنه همام بن منبه؛ لأن كل ما فيها سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، قد رواها همام بن منبه ورواها عن همام معمر بن راشد، ورواها عن معمر بن راشد عبد الرزاق بن همام الصنعاني.

كذلك فإن أبا بكر رضي الله عنه من قبل كتب لـأنس كتاباً فيه تفصيل الزكاة حين ولاه عليها، لكن لم يرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد عملت الأمة على مقتضى رفعه؛ لأنه لا يؤخذ إلا من طريق التوقيف، كتاب أبي بكر لـأبي حمزة أنس بن مالك رضي الله عنه في شأن الزكاة.

ولكن الغالب في هذه الكتب الانقطاع في الأسانيد؛ لأن الناس يتكلون على أنها موجودة مكتوبة لديهم فلا يعتنون بحفظها في الغالب, بخلاف ما كان محفوظاً لديهم فيبقى الإسناد فيه متصلاً بالتحديث, ولذلك فإن أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كانت من هذا القبيل؛ لأنها من مكتوبات عبد الله بن عمرو بن العاص الذي كان يكتبه.

وما كتبه سيفرط فيه أولاده في حفظه؛ لأنه موجود لديهم مكتوباً، فلا يهتمون بحفظه مثلما يهتمون بحفظ المرويات، فلذلك كل الكتب في صدر الإسلام في الغالب في روايتها انقطاع، حتى كتاب عمر إلى أبي موسى الذي عليه مدار القضاء، وحتى أقضية علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي رواها الشعبي وزر بن حبيش وعبيدة السلماني، كل هذه فيها انقطاع في الأسانيد, والسبب هو أنما كتب يثق الشخص بأنه موجود لديه فيقل حفظه له، وقد زال هذا في أيام أتباع التابعين حينما بدأ العلماء يحدثون من كتبهم, ولذلك قال مكي بن إبراهيم شيخ البخاري: كتبت بأصبعي هاتين عن ستين من التابعين، ولو علمت أني يحتاج إلي لكتبت عن أكثر, ومكي له خصائص عجيبة تزوج مائة امرأة, وكتب عن ستين من التابعين, وحدث عنه مائة من الأعلام, وعنه روى البخاري ثلاثياته.

ولذلك ما دمنا في هذا الحديث نحدث ببعضها أو بأول حديث عنه على الأقل، وهي أربعة وعشرون حديثاً بالإسناد، فقد حدثني شيخي محمد علي بن عبد الودود عن شيخه يحظيه بن عبد الودود، عن محمد بن محمد بن سالم المجلسي الأموي عن حامد بن عمر، عن الفقيه الخطاب، عن القاضي بن علي ممو السباعي، عن شيخ الشيوخ الحسني، عن علي الأجهوري، عن البرهان العلقمي، عن الجلال السيوطي، عن زكريا الأنصاري، عن الحافظ ابن حجر، عن إبراهيم البلخي، عن أحمد بن أبي طالب الحجار، عن أبي الوقت عبد الأول بن عيسى السجزي، عن الحسين بن المبارك، عن عبد الرحمن بن محمد الداودي، عن عبد الله بن أحمد السرخسي، عن محمد بن يوسف بن مطر الفربري، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا يزيد بن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ), هذا أول حديث من ثلاثيات البخاري, بين البخاري فيه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة هم: مكي بن إبراهيم ويزيد بن أبي عبيد وسلمة بن الأكوع.

أمر عمر بن عبد العزيز بكتابة السنة

ثم لما انتهى عهد الصحابة وتحقق الوعد الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان فيهم ذات ليلة كما في حديث ابن عمر في الصحيحين فقال: ( أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنه لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة منها مما هو عليها أحد ), وفي رواية: ( فإنه لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها بعد مائة سنة منها ذو نفس منفوسة ), فلم تتم مائة سنة بعد تلك الليلة وعلى وجه الأرض أحداً من الصحابة, بل ماتوا جميعاً قبل تمام المائة من الهجرة, وآخرهم موتاً أبو الطفيل عامر بن واثلة المكي، وقد توفي في عام ثمانية وتسعين من الهجرة, فلما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة في عام مائة كتب إلى علماء الأمصار وأمرهم بتدوين السنن, فكان من المنتدبين لذلك محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وكذلك أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري.

والزهري كان يمتنع من قبل عن كتابة الحديث عناية بالحفظ, وكان يمتحن الناس في حفظ الحديث, فمن أتقن الحديث أهدى إليه هدايا ووصله بصلة دائمة, فكان ينفق على المتميزين البارزين في حفظ الحديث, ولذلك فإنه أتى المدينة في حجة من حجاته فاجتمع عليه أهل المدينة يسألونه الحديث, فحدثهم في مجلسه بستين حديثاً بأسانيدها, فكأنه تعب, فقالوا: زدنا، فقال: لا أزيدكم حتى تعيدوا علي ما حدثتكم به, فقال له ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو ربيعة بن فروخ المشهور بـربيعة الرأي: إن في مجلسك من حفظ ما قلته اليوم ولم يكن يحفظ شيئاً منه, فقال: من هو؟ فأشار إلى مالك بن أنس، فدعاه فسأله فأعاد عليه حديثه بترتيبه الذي قال، لم يخطئ في حرف منه, فقربه الزهري وكان بعد ذلك يهدي إليه ويصله ويعتني به.

وقد امتحن هشام بن عبد الملك الزهري رحمه الله في حفظ الحديث امتحاناً عجيباً, دعاه وأجلسه معه على سريره وأجلس رجالاً وراء الستر، أمرهم أن يكتبوا الأحاديث الذي سيحدثه بها وأمسك بيده، وقال: حدثني بأربعمائة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيدك فيها, فأمسك بيده فحدثه بأربعمائة حديث يعدها والرجال يكتبونها والزهري لا يشعر بذلك في مجلس واحد، فلما كان بعد عام دعاه فأجلسه في نفس مجلسه، فقال: أعد علي الأحاديث التي حدثتني بها العام الماضي كما هي على ترتيبها، وأمر رجاله بكتابتها من وراء الستر, فأعادها كما هي بترتيبها دون أن يخطئ في شيء منه, فدعا هشام بالأوراق فطابقها فجاءت متطابقة متقابلة.

طرق تدوين السنة النبوية

الترتيب على أساس أبواب العلم

ولكن الزهري وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ومن كان في طبقتهما من صغار التابعين لم يدونوا هذه السنن على أساس التبويب والترتيب, فكل علم في بداية نشأته لابد أن يمر بكثير من التجارب, ولهذا فتجارب أهل الحديث فيه جاءت على أوجه كثيرة, فمن أحسنها الترتيب على أساس أبواب العلم، وهذا الذي انتهجه مالك ومن بعده من أصحاب المصنفات والسنن والكتب الصحيحة, فيرتبون الحديث على أساس أبواب العلم.

الترتيب على أساس حديث الرجال

النهج الثاني: الذي انتهجه أصحاب المسانيد وهو الترتيب على أساس حديث الرجال، حديث الصحابة يبدأ أولاً بحديث أبي بكر، ثم بحديث عمر، ثم بحديث عثمان، ثم بحديث علي، ثم يرتب الصحابة حسب ما بدا لواضع المسند بعد ذلك بحسب الفضل والسبق في الإسلام، فأحاديث العشرة يبدأ بها قبل غيرهم، ثم أحاديث من دونهم، ومن أول من ابتكر هذه الطريقة أبو داود الطيالسي، وتبعه عليها أحمد بن حنبل ومسدد وأبو بكر بن أبي شيبة وشاعت وانتشرت بعد ذلك، فأصحاب المسانيد سلكوا هذا الطريق.

الترتيب المعجمي على أسماء الشيوخ

الطريقة الثالثة: هي الترتيب المعجمي على أسماء الشيوخ، فيبدأ الإنسان بشيوخه الذين روى عنهم ويرتبهم على الحروف الأوائل، وعادتهم في ذلك أن يبدءوا بالأحمدين ثم بالإبراهيمين فيعكسون الترتيب فقط فالأحمدين يقدمونهم على الإبراهيمين، وإن كان الترتيب المعجمي يقتضي سبق إبراهيم على أحمد، لكن أحمد اسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من اسم إبراهيم فيقدم، ومن الذين رتبوا هذا الترتيب الإمام الطبراني، وقد وضع عليه معاجمه الثلاثة: الكبير، والأوسط والصغير.

إفراد كل علم بكتاب مستقل

ثم منهم من يفرد كل علم بكتاب مستقل، أو يؤلف في بعض العلوم، فمن العلوم التي أفردت علم العقائد أي: ما يتعلق بها من الأحاديث والآثار، وهذا الذي كان يسمى في صدر الإسلام بالسنن وبالإيمان أيضاً، وقد ألف أيضاً عدد كبير من الأئمة باسم كتاب السنة، مثل كتاب السنة للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب السنة لـأبي داود السجستاني، وكتاب السنة لـابن أبي عاصم، وكتاب السنة للخلال، وكتاب السنة لـعبد الله ابن الإمام أحمد، وأصول السنة للحميدي، وشرح أصول أهل السنة للالكائي، والشريعة في السنة للآجري، والمختار في السنة لـابن البنا، فكل هذه لخدمة هذا العلم وحده.

ومثلها الكتب المترجمة بالإيمان كالإيمان لـأبي بكر بن أبي شيبة، والإيمان لـأبي خيثمة زهير بن حرب شيخ مسلم بن الحجاج كلاهما شيخ مسلم بن الحجاج، والإيمان لـابن منده، وكذلك التوحيد ككتاب التوحيد لـابن خزيمة، فهؤلاء أفردوا ما يتعلق من الحديث بالعقائد في كتب مستقلة.

ثم منهم من أفرد ما يتعلق بالزهد والرقائق في كتب مستقلة، فمنها كتاب الزهد لـعبد الله بن وهب صاحب مالك، وكتاب الزهد والرقائق لـعبد الله بن مبارك صاحب مالك أيضاً، وكتاب الزهد لـوكيع بن الجراح، وكتاب الزهد لـأسد السنة، وكتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل، وكتاب الزهد لـابن أبي عاصم النبيل، وغيرها من الكتب الموسومة بهذا الاسم، وكذلك كتاب الزهد لـهناد بن السري شيخ أبي داود وغيره.

كذلك ما يتعلق بأبواب أخرى من العلم كالعلم مثلاً، فقد ألف فيه عدد منهم بعنوان العلم، أي: ما يتعلق بالعلم من الأحاديث، ومن الذين أفردوا ذلك بالتأليف ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم وبعدهم عدد من المؤلفين المتأخرين كـالخطيب البغدادي اقتضاء العلم العمل وتقييد العلم وغير ذلك من كتبه.

ومنهم من أفرد كذلك أبواباً أخرى من أبواب الحديث بالتأليف, وقد اشتهر من الذين أكثروا المؤلفات المستقلة ابن أبي الدنيا، فقد ألف في عناوين كثيرة تتصل بالزهد والرقائق وغير ذلك كـالمنامات، والأهوال والعيال، وذم الهوى وغير ذلك من كتبه الكثيرة.

ومثل ذلك ما يتعلق بالقدر فقط، فقد ألف فيها عدد كبير منهم، فكتب مالك رسالة القدر, وكتب الليث بن سعد كتاب القدر, وكتب عبد الله بن وهب كتاب القدر, وكذلك كتب الإمام أحمد كتاب الورع, وكتب ابن أبي عاصم كذلك كتاب الأمثال في الحديث وكتاب الورع كذلك, فأفردوا كثيراً من الأبواب العلمية بكتب حديثية مستقلة، ولذلك فإن المتأخرين أيضاً أفردوا أدلة الأحكام من الحديث بكتب مستقلة، فمن أول من سعى لذلك أبو داود رحمه الله فإن كتابه السنن لم يرد فيه جمع الأحاديث، وإنما أراد فيه جمع أدلة الأحكام, ولذلك كتب في رسالته إلى أهل مكة: هذا كتاب السنن جمعت لكم فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها في الأحكام.

وجاء بعده ابن الجارود فألف كتابه المنتقى من أدلة الأحكام, ثم بعد هذا جاء الحافظ المقدسي فألف عمدة الأحكام، وجاء الحافظ عبد الحق الأشبيلي بن الخراط فألف كتب الأحكام الثلاثة: الأحكام الكبرى والأحكام الوسطى والأحكام الصغرى, ثم جاء الحافظ أبو الفضل زين الدين العراقي فألف كتابه: تقريب الأسانيد وجامع المسانيد، أراد به تسهيل حفظ الأسانيد على ولده أبي زرعة عند ابتداء الطلب, وابتكر فيه طريقة عجيبة لحفظ الأسانيد, فكل حديث ذكر معه صحابياً, أو ذكر من دون الصحابي, والصحابي فإن ذلك يرمز للإسناد من أسانيده الذي دونها في مقدمة الكتاب، فلا يحتاج إلى أن يعيد الأسانيد، بل إذا قال: عن أبي هريرة بالإطلاق حفظت الإسناد؛ لأنه إسناد واحد حفظته في المقدمة, وإذا قال: عن سالم بن عبد الله عن أبيه حفظت الإسناد؛ لأنه إسناد متقدم، وإذا قال عن ابن عمر عرفت الإسناد وهكذا، فهذا يسهل حفظ الأسانيد جداً.

ثم جاء بعده الحافظ ابن حجر فألف كتابه بلوغ المرام, وجاء قبله أيضاً عبد السلام بن تيمية فألف كتابه منتقى الأخبار، وكذلك ابن عبد الهادي الذي ألف كتابه: المحرر لأدلة الأحكام، وغير هؤلاء كثير الذين أفردوا هذا النوع في كتب.

طريقة تدوين موطأ مالك وما كان بعده وفي زمنه من الكتب

وعموماً كانت بداية التدوين على طريقة المجاميع، أي: الطريقة التي تجمع أبواب العلم على ترتيبها، ولا يعرف من ابتدأ هذا التأليف، وعموماً لو عرفناه لقلنا هو واضع علم الحديث رواية, لكننا لا نعرفه، فقد ألف عدد من الأئمة في وقت واحد، منهم مالك بن أنس بالمدينة, وعبد الملك بن جريج بمكة، وعبد الملك بن صبيح بالبصرة, ويزيد بن هارون كذلك وهشيم بواسط، وهؤلاء كانوا في عصر واحد فألفوا كتبهم, وكذلك ابن أبي ذئب وأبو يوسف صاحب أبي حنيفة ألف كتاب الآثار, ومحمد بن الحسن الشيباني ألف كتاب الآثار، وإن كان هذان أنزل طبقة من الطبقة السابقة.

وعموماً فتلك الطبقات لم يصل إلينا من كتبها إلا موطأ مالك بن أنس، فلهذا يزعم بعض الناس أن مالك بن أنس هو واضع علم الحديث رواية؛ لأن كتابه أول كتاب وصل إلينا، وإلا فلا يمكن الجزم بذلك من ناحية التاريخ بالضبط, لكن عموماً كتب الله له أجراً كثيراً؛ لأنه بهذا الكتاب كان سبباً لابتكار هذه الطريقة, وحين ابتكرها تبعه عليها الناس فقيل: له يا أبا عبد الله كثرت الموطآت, فقال: ما كان لله فسيبقى، فلم يبق شيء من تلك الموطآت غير موطأ مالك، وكان ينتقي فيه ويجتهد فيحذف كثيراً مما يجمع فيه، ففي كل سنة وفي كل عرضة يعرض عليه يحذف بعض ما فيه ويأمر بإسقاطه، وما ذلك إلا تحرزاً واحتياطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, فالموطآت التي رويت عنه اشتهر منها ستة وعشرون موطأً, والمطبوع منها اليوم تقريباً من الموطآت الكاملة موطأ يحيى بن يحيى المصمودي الليثي، وموطأ محمد بن الحسن الشيباني، وموطأ سويد بن سعيد، وموطأ أبي مصعب الزهري، هذه أربعة التي طبعت كاملة, وطبعت قطعة من موطأ عبد الله بن مسلمة القعنبي، وقطعة من موطأ علي بن زياد القيرواني، وطبع كذلك مسند من موطأ عبد الرحمن بن القاسم العتقي هذه سبعة موطآت التي طبعت إما بالكمال وإما بالنقص.

ويوجد موطأ يحيى بن يحيى التميمي، وموطأ عبد الرحمن بن القاسم القعنبي، وموطأ ابن وهب، كل هذه توجد مخطوطة في مكتبات العالم متفاوتة الوجود.

ثم بعد مالك ألف أصحابه في الحديث كتباً كثيرة من أشهرها في ذلك العصر: مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وسنن سعيد بن منصور، وجامع عبد الله بن وهب، وجامع سفيان الثوري، ومسند سفيان بن عيينة، ومسند عبد الله بن المبارك، وكتاب السنن للشافعي، ثم بعد هذه الطبقة أصحابهم ومن أشهرهم أبو بكر بن أبي شيبة الذي ألف المصنف وألف المسند كذلك, والحميدي صاحب الشافعي وصاحب سفيان بن عيينة الذي ألف المسند كذلك, ومسدد الذي ألف المسند, وأبو داود الطيالسي الذي ألف المسند كذلك, وأحمد بن حنبل الذي ألف المسند, وأبو يعلى الموصلي الذي ألف مسنده كذلك, ويعقوب بن شيبة، وأحمد بن منيع، والإمام البزار.

صحيح البخاري ومسلم

ثم بعد هذا جاء الذين رتبوا على الصحة ولا شك أن واضع ما يختص بالصحة من الحديث من مؤلفات حديثه هو محمد بن إسماعيل البخاري فهو أول من أفرد الصحيح بالتأليف دون خلاف، لا خلاف في هذا بين أهل العلم, ولذلك فأول ما ينبغي للمشتغل بعلم الحديث رواية أن يدرسه من الكتب هذا الكتاب الصحيح صحيح البخاري، فهو أشرف هذه الكتب وأكثرها نقلاً, قد رواه عن البخاري في مجلس واحد تسعون ألفاً في بغداد, وألقى الله عليه القبول فسارت به الركبان في حياة مؤلفه, وتناقله الناس, واليوم لا ينتشر من رواياته إلا رواية واحدة وهي رواية محمد بن يوسف بن مطر الفربري عن البخاري، وينتشر رواية جزء منه من طريق المحاملي، وروايته عن البخاري غير كاملة فلم يرو عنه الصحيح كاملاً, وكما سيأتي على صحيح البخاري ثمانية وثمانون شرحاً اليوم معروفة.

ثم يليه صحيح مسلم لـأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، وقد أحكم صحيحه وأتقنه, وهو مع البخاري في رتبة فهما صحيحان, ويشتغل به المشتغل بالحديث مع صحيح البخاري أو بعده, وكذلك ألقى الله عليه القبول وقد رواه عدد كبير من الناس عن مسلم، وانتشرت في الدنيا رواية ابن سفيان عنه من طريق الجلودي، وهي رواية معروفة اليوم من روايات صحيح مسلم، وقد وضع الله عليه القبول كذلك فشرحه عدد كبير من الناس, واختصره عدد كبير واستخرج عليه عدد كبير كما سيأتينا.

صحيح ابن حبان وابن خزيمة ومستدرك الحاكم

ثم بعد هذين الكتابين أفرد رجال الحديث الصحيح ولكن لم تكن شروطهم على قدر مستوى دقة هذين الرجلين, فمن أولئك الإمام ابن حبان الذي ألف كتابه التقاسيم والأنواع وسماه الصحيح, وكل ما فيه هو صحيح على الشرط الذي وضعه هو للصحيح، ولكن تصوره هو عن الصحيح لا يوافقه عليه أكثر أهل الحديث, فهو يرى أن رواية المستور داخلة في ضمن الصحيح, وأن رواية الصدوق تعتبر صحيحة كذلك.

ثم بعده الإمام ابن خزيمة ألف صحيحه كذلك، وكان شرطه دون شرط ابن حبان، ثم جاء بعدهما أبو عبد الله أحمد بن بيع الحاكم النيسابوري فألف كتابه المستدرك على الصحيحين، وهو يداني الكتابين السابقين من ناحية الشرط.

ثم بعد هؤلاء بزمان جاء الحافظ المقدسي فألف كتابه: المختارة في الأحاديث الصحيحة, فإذا قيل: الكتب التي تلتزم الصحة ما هي؟ فقل: الصحيحان، وصحيح ابن حبان، وصحيح ابن خزيمة، ومستدرك الحاكم، والمختارة للمقدسي، فهذه الكتب التي تلتزم الصحة.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مقدمات في العلوم الشرعية [9] للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

https://audio.islamweb.net