اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح لامية الأفعال [13] للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
يقول ابن مالك رحمه الله تعالى: ( فصل في ما زاد على الثلاثة )، يقصد هنا أنه عقد هذا الفصل لبيان مصادر الفعل الذي زاد على ثلاثة أحرف، وهو الرباعي بشقيه المجرد والمزيد فيه، والخماسي والسداسي، وكلاهما لا يكون إلا مزيداً فيه، فقال:
بكسر ثالث همز الوصل مصدر فعـ ـلٍ حازه مع مد ما الأخير تلا
هذه هي القاعدة الأولى من قواعد مصادر ما زاد على الثلاثة، وهذه القواعد تنتظم ما تحتها انتظاماً كلياً، فكل فعل زاد على الثلاثة فلا بد أن يكون له مصدر قياسي، بخلاف الفعل الثلاثي، فقد لا يصنع فيه مصدره المقيس، لكن ما زاد على الثلاثة لا بد أن يكون له مصدر قياسي، ولهذا قال في الألفية:
وغير ذي ثلاثة مقيسمصدره كقدس التقديس
وزكه تزكيةً وأجملاإجمال من تجملاً تجملا
واستعذ استعاذةً ثم أقمإقامةً وغالباً ذا التا التزم
قال هنا: ( بكسر ثالث همز الوصل مصدر فعل حازه ) معناه أن الفعل المفتتح بهمز الوصل يتحقق مصدره بكسر ثالث همز الوصل مع مد ما قبل الأخير منه والفعل المفتتح بهمز الوصل لا يكون إلا خماسياً أو سداسياً، فالخماسي كـ(انطلق)، والسداسي كـ(استخرج)، فمصدر انطلق انطلاق، فتكسر الطاء وهي ثالثته، وتمد ما قبل آخره بألف، فتقول: انطلاق، فالفرق بين المصدر والفعل الكسرة التي على الثالث والمدة التي قبل الآخر.
وكذلك (استخراج) فتكسر التاء، وتمد فتحة الراء بألف، تقول: استخراج بدل استخرج، فهذا هو مقيس مصدر الفعل المفتتح بهمزة الوصل، لا مسموعه كـ (قشعريرة وطمأنينة)، أما المسموع منه فلا يكون كذلك، وسيأتينا بيانه، فقشعريرة مصدر اقشعر، وهي مصدر فعل مبدوء بهمزة الوصل الزائدة، لكن مصدره المقيس هو اقشعرار، بكسر ثالثه ومد ما قبل آخره، وأما قشعريرة فهي مصدر سماعي، وكذلك (طمأنينة) مصدر اطمأن، وهي مصدر فعل مبدوء بهمز الوصل، ولكنها غير مقيسة، فالمقيس فيه اطمئنان، بكسر ثالثه ومد ما قبل آخره، وأما (طمأنينة) فهي مصدر سماعي.
قال:
واضممه من فعلٍ التا زيد أولهواكسره سابق حرفٍ يقبل العللا
القاعدة الثانية من قواعد مصادر ما زاد على الثلاثة هي أن الفعل المفتتح بالتاء الزائدة المعتادة الزيادة يضم الحرف الثالث منه، ولا يكون إلا خماسياً مفتوحاً ثانيه، التاء الزائدة المعتادة الزيادة لا تكون إلا في الخماسي.
(واضممه من فعلٍ التا زيد أوله) اضممه؛ أي: ما قبل الأخير، ( من فعل )، من مقيس مصدر فعل، ( التاء زيد أوله ) زيد التاء أوله، والمقصود بالتاء هنا الزائدة المعتادة الزيادة، وهي المتحرك ما بعدها، لا كترمس، فالتاء التي فيها ليست معتادة الزيادة؛ ولذلك لا نظير لها في العربية، ومحل هذا الضمير إذا كانت لامه صحيحةً، وإلا فمن محل القاعدة الثالثة التي سنذكرها إن شاء الله، وذلك كتعلم، فمصدره تعلم، تضم ما قبل الآخر فيأتي المصدر، ولا تحدث فيه؛ أي: تغيير غير الضمة هذه، كتغافل تغافلاً، وتدحرج تدحرجاً، تنبه تنبهاً.. وهكذا.
واضممه من فعلٍ التا زيد أولهواكسره سابق حرفٍ يقبل العللا
القاعدة الثالثة هي قوله:
(واكسره سابق حرفٍ يقبل العللا).
يقول: إن ما قبل الآخر من الفعل الزائد على ثلاثة أحرف، المفتتح بالتاء الزائدة المعتادة في الزيادة، ولا يكون إلا خماسياً، إذا كان معتل الآخر فإن ما قبل آخره يكسر، ولا يمكن ضمه حينئذ؛ لأنه لو ضم لكان الحرف الأخير منه واواً، وليس في لغة العرب اسم معرب آخره واو لازمة مكسور ما قبلها، ولا ما آخره ياء أيضاً لازمة مضموم ما قبلها؛ فلذلك تكسره، فلا يمكن أن يضم آخره قبل الواو أو قبل الياء، وكذلك كـ (توانى توانياً)، و(تدلى تدلياً)، و(تدانى تدانياً)، و(تسلقى تسلقياً)، فيكسر ما قبل آخره في كل ذلك، وهذا قاعدته الكسر فلا نحتاج فيه إلى تقدير؛ لأن ما لا تقدير فيه أولى مما فيه تقدير، وبالأخص أن التقدير لا بد أن يكون مبنياً على أن يكون قد سمع من قبل ثم غير، والمعتل كله هكذا، كالتواني والتداني والتدلي والتسلقي، وهذا في مقيسه لا مسموعه كتحمال ورمياً، فالمسموع منه لا يجب فيه ذلك، وهو مثل التحمال من تحمل، تسلقاء استلقى على قفاه، ذكرناها من قبل، فالتحمال مصدر من تحمل، وهي فعل مبدوء بالتاء الزائدة المعتادة الزيادة، ولم يكسر ما قبل آخره، هي مصدر من فعل مفتتح بالتاء الزائدة المعتادة الزيادة، لم يضم ما قبل آخره، ولم يكسر ما قبل آخره؛ ذلك أنه مسموع لا مقيس، فيقال: تحمال.
وكذلك ترامى القوم، مصدرها القياسي ترامياً، والمسموع رمياً، فتحمال ليست من القاعدة الأولى التي يجب فيها الضم، ورمياً ليس من القاعدة الثانية التي يجب فيها الكسر؛ لأن كلتيهما مسموعة، بالنسبة للتحمال من القاعدة الثانية؛ لأن المصدر تحمل، نعم مصدرها التحمل، القياس فيها تحمل تحملاً، والتحمال مصدر مسموع، وترامى القوم ترامياً، هي المصدر المقيس، وهي من القاعدة الثالثة، ورمياً هي المصدر المشهور.
قال:
لـ(فعلل) ائت بـ(فعلالٍ) و(فعللةٍ)و(فعل) اجعل له (التفعيل) حيث خلا
من لامٍ اعتل للحاويه (تفعلةً)ألزم وللعار منه ربما بذلا
وذكرنا ما ينتظم الخماسي والسداسي، الخماسي إما أن يكون مفتتحاً بالهمزة، وإما أن يكون مفتتحاً بالتاء، والسداسي إنما يكون مفتتحاً بالهمزة، فانتظامه ما ذكرنا من القواعد، وبقي الرباعي، فسنذكره الآن، نفرده بقاعدتين:
القاعدة الأولى: للرباعي المجرد، وهو ما كان على وزن (فَعْلَلَ)، وكذلك ما ألحق به مما يشبهه من الأوزان، فهذا النوع مصدره إما أن يكون على (فِعْلال)، وإما أن يكون على (فَعْلَلة)، وظاهره قياسهما هنا، وكذلك في التسهيل، لكنه في الألفية جعل مقيسه (فَعْلَلة) فقط؛ لذلك قال:
فِعلال أو فَعْلَلة لفَعْلَلَواجعل مقيساً ثانياً لا أولا
وهنا جعلهما معاً من المقيس؛ فلذلك قال: لمقيس مصدر فَعْلَلَ وما ألحق به، لا مسموعه، فالمصادر المسموعة من هذا النوع ليست كذلك، لا يلزم فيها هذا، فالقهقرى مصدر قهقر بمعنى: مشى للخلف، والقرفصى مصدر قرفص بمعنى: جلس جلسة المنكب، كلاهما مقصور الألف التي فيهما مقصورة، والقرفصى مثلثة القاف والفاء، وهي القَرفصاء والقِرفصاء والقُرفصاء، أو ممدوداً مضمومهما، أو القرفصاء بالنسبة ابن مالك اختلف قوله، ولكن قوله هنا في اللامية عضده ما ذكر في التسهيل، والتسهيل من آخر كتبه، وسيأتينا ما فيه.
(أو ممدوداً مضمومهما)، أو مضموم القاف والراء مع إسكان الفاء قُرُفصاء، وهي جلسة المنكب، ومنه قول الراجز:
ولو جلست القرفصاء منكباًثم عبدت اللات فينا رباً
لم تك إلا نبطي القلب
فالقرفصاء جلسات الأعراب، كأن أهل الحاضرة لا يعرفونها، وهذا رجل من الأنباط سكن في أهل البادية، لكنه لم يزل محتفظاً ببعض أخلاقه؛ ولذلك لم يقبل انتسابه إليهم حتى لو تعود على عاداتهم فقالوا له:
لو جلست القرفصاء منكباًثم عبدت اللات فينا رباً
لم تك إلا نبطي القلب
( ائت بـ(فعلال) و(فعللة) )، علامة للمصنف هنا، وفي التسهيل خلافاً لما في الخلاصة، فقد جعل المقيس ثانياً، لا أولاً في الخلاصة، وذلك كـ(دحرج)، دحرج الشيء يدحرجه دحراجاً ودحرجةً، وحيقل حيقلة وحلقلةً، وزلزل زلزالاً وزلزلةً، وقد رأى بعض أهل العلم ترجيح ما ذكر ابن مالك في الألفية؛ لأنه سمع في جالس مجالسة، ولم يسمع فيها جلاس، والمقيس ينبغي أن يسمع في الجميع، لكن يجاب عن هذا بأن القياس لا ينقضه عدم السماع، فلو كان مقيساً ثبت في القاعدة هكذا حتى لو لم يسمع، فلا مانع من ذلك، ويجوز فيه مضاعفاً الفتح، (زلزال) الفعلال إذا ضعف فكرر فيه حرف فكثيراً ما يفتح أوله، فيقال: الزَّلزال والوَسواس والصَّلصال، فإذا فتحناه فكثيراً ما يطلق على اسم الفاعل، فالزلزال بمعنى: المزلزل، والوسواس بمعنى: الموسوس، والصلصال بمعنى: المصلصل، ومنه قول الراجز:
كم جاوزت من حية نضماضيوأسد في غيله قضقاضي
يصف ناقته فيما تجشمته من العناء، وقطعته من الأسفار، فيقول:
(كم جاوزت من حية نضماضي)
أي: من حية كثيرة السم، ولما فتح النون هنا نعت بهذا المصدر؛ لأنه جعله كاسم الفاعل؛ لأن نضماض من أصل المصدر، نِضماض ونَضماض مصدر نضمض، ولكنها لما فتحت كثر استعمالها للفاعل فذلك نعت بها حية هنا، وكذلك قوله:
(وأسد في غيله قضقاضي)
الغيل: الشجر الملتف الذي تسكن فيه الأسود، وقضقاض: الذي يضرب بعض أسنانه ببعض حتى يسمع له صوت، فجعل قضقاضاً هنا نعتاً لأسد حين فتحت القاف.
و(فعل) اجعل له (التفعيل) حيث خلا
من لامٍ اعتل للحاويه (تفعلةً)ألزم وللعار منه ربما بذلا
القاعدة الثانية من قواعد الرباعي أن فعَّل لا ينتظمها شيء من القواعد السابقة، مصدرها المقيس على التفعيل، معناه: اجعل التفعيل لمقيس مصدر فعَّل، كعلَّم تعليماً، وعظَّم تعظيماً، وكبَّر تكبيراً، لا مسموعه، قلنا: لمقيس مصدره، لا لمسموعه، ككِذَّاب، كذَّبه مصدرها القياسي تكذيب، ولكنه سمع فيها كِذَّاب، فهو مصدر سماعي لا مقيس، ومحل هذا (حيث خلا من لام اعتل)، معناه: إن لم تكن لامه معتلةً بعد أن كانت لامه صحيحةً -كما ذكرنا-، كعلَّم وعظم وكذب وصدق، وأما إن كانت لامه كذلك فهو قوله: لمقيس مصدره.
( لِلْحَاوِيـهِ (تَفْـعِـلَةً) أَلْـزِمْ وَلِلْعَـارِ مِـنْــهُ رُبَّـمَـا بُـذِلاَ )، للحاويه؛ أي: لمقيس مصدر حاويه؛ أي: حاوي اللام المعتلة، تفعلةً الزم، وهذا يكون قياس مصدره على تفعلة، كزكاه تزكيةً، وغطاه تغطيةً، ونماه تنميةً، فيكون كل ذلك على وزن تفعلة، لا مسموعه هذا قلنا: لمقيس مصدر للحاويه، لا مسموعه، أما ما كان على السماع منه فلا يلزم فيه ذلك، فربما جاء على تفعيل كقول الشاعر:
وهي تنزي دلوها تنزياًكما تنزي شهلة صبياً
يصف ناقته وهي تنزي دلوها؛ أي: ترفعه بلطف وتحركه بلين، تنزياً مصدر نزا، والمصدر القياسي تنزيةً -كما ذكرنا-، ولكنه جعل المصدر هنا على تفعيل، (كما تنزي شهلة) وهي كبيرة السن العجوز صبياً فهي ماهرة بالتربيت عليه وتحريكه بهدوء حتى ينام؛ لذلك قال:
وهي تنزي دلوها تنزياًكما تنزي شهلة صبياً
( وللعار منه ربما بذلا )، يقول: إن تفعلة قد تكون مصدراً لـ (فَعَّل) الصحيح اللام، ربما بذلا معناه: قليلاً ما تبذل التفعلة ما تعطى مصدراً لـفَعَّل، الصحيحة اللام، (العار منه)؛ أي: العاري من اللام المعتلة، هذا قليلاً إن لم تكن لامه همزةً، وكثيراً إن كانت لامه همزةً، وهنا تستعمل اللفظ في معنييه، وتستعمل ربما للتكثير والتقليل، (ربما بذلا)، إذا كانت لامه همزةً يكون للكثرة، وربما هنا للكثرة، وإذا كانت لامه غير همزة للتقليل؛ فلذلك قال: قليلاً إن لم تكن لامه همزةً، كجرب تجربةً، وذكر تذكرةً، والقياس أن تقول: تجريباً وتذكيراً، وكثيراً إن كانت همزةً، كجزَّأه تجزئةً، ووطأه توطئةً، وهنأه تهنئةً، وشذَّ تنبيئاً وتهنيئاً، من الشاذ في المهموز أن يأتي على تفعيل، مع أنه صحيح، ويدخل في القاعدة السابقة، لكن الكثرة الكاثرة فيه أن يكون مصدره على تفعلة، ومن النادر تنبيئاً وتهنيئاً، نبأته بكذا تنبيئاً، وهنأته به تهنيئاً، يسمى شاذاً؛ لأنه يخالف كثرة الاستعمال، حتى لو كان قياسياً لكنه شاذ، وفي البيت استعمال اللفظ في معنييه وهو ربما تستعمل للتكثير، وتستعمل للتقليل، فهنا إن كانت في المهموز كانت للتكثير، وإن كانت في غيره كانت للتقليل، لم يبق عليه من المصادر القياسية إلا مصدر أفعل، فالقواعد التي ذكرها تنتظم كل ما زاد على الثلاثة، ولم يذكر لنا مصدر أَفْعَل هنا، ولكنه أشار إلى لزوم التاء فيه -كما سنبينه إن شاء الله، ولذلك سيأتي استدراك الشيخ عليه في بيت زائد إن شاء الله.
قال:
ومن يصل بـ(تفعالٍ) (تفعل) و(الــفعال) (فعل) فاحمده بما فعلا
انتهينا من المصادر القياسية، ونصل إلى المصادر السماعية، فقال: ومن يصل سماعاً بـ (تِفِعَّال تَفَعَّل)، معناه: من جعل تفعالاً مصدراً لتفعل، (فاحمده بما فعلا)، كمن قال: تحمل تحمالاً وتملق تملاقاً، فهذا مسموع في لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
ثلاثة أحباب فحب علاقةوحب تملاق وحب هو القتل
فحب العلاقة هي ما يتعلق به الإنسان ويعلق في نفسه، وحب تملاق؛ أي: يجري على اللسان ويتردد عليه، وحب هو القتل: يصل بالإنسان إلى الموت، في ثلاث درجات، وقد سبق أن مصدر ( تفَعَّل تَفَعُّل)، ذكرنا أن الفعل المبدوء بالتاء الزائدة المعتادة الزيادة مصدره بضم ما قبل آخره، و(الفِعَّال فَعَّل)، كذلك فَعَّل التي ذكرنا التفصيل في مصدرها، وأنها إن كانت غير معتلة اللام فمصدرها التفعيل، وإن كانت معتلة اللام فمصدرها التفعلة، وذكرنا أن المهموز منها كذلك أغلبه بالتفعلة، وأن ما ليس مهموزاً قليلاً ما يأتي عليها، سمع في مصدرها فِعَّال؛ فلذلك قال: ومن يصل بالفِعَّال فعَّل فاحمده بما فعل، كذلك فعال يكون مصدر فعل سماعاً لا قياساً، وذلك ككذب كِذَّاباً، مصدرها المقيس تكذيباً -كما سبق-، ومنه قول الله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا كِذَّابًا [النبأ:35].
قال الحسن: وفي العبارة قلب، وهو قوله: ( ومن يصل بـ(تِفِـعَّـالٍ) (تَفَعَّلَ) وَ(الْــفِـعَّـالِ) (فَعَّـلَ) فاحمده بما فعلا )، لأن الأصل أن يقال: من يصل بتَفَعَّل فعالاً، وبفَعَّل فعالاً فاحمده بما فعلا، لكن الذي يبدو أنه لا قلب فيها، بل الفعل هو المشتق من المصدر، لا العكس.
قال: ( فاحمده بما فعلا )؛ أي: على ما فعل؛ لأن ذلك مسموع عن العرب فصيح.
وقد يجاء بـ(تفعالٍ) لـ(فعل) فيتكثير فعلٍ كـ(تسيارٍ) وقد جعلا
يقول: إنه قد يجاء سماعاً -وهو مطرد كثير- بتفعال لـ(فعَّل)، فيكون مصدر فعل للدلالة على التكثير، وذلك كالتَّرحال والتَّطواف والتَّرداد والتَّصهال، لرحَّل وطوَّف وردَّد وصهَّل، فمصدرها على التفعيل -كما سبق- رحَّل ترحيلاً، وطوَّف تطويفاً، وردَّد ترديداً، وصهَّل تصهيلاً، هذا الأصل، ولكنها سمع فيها تَفْعال، للدلالة على التكثير، فليس معناه معنى المصدر السابق، بل هذا مصدرٌ يدل على كثرة وقوع ذلك وحصوله، ومن ذلك قول الحارث بن حلزة اليشكري في معلقته:
أبرموا أمرهم بليل فلماأصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
من مناد ومن مجيب ومن تصــهال خيل خلال ذاك رغاء
تصهال خيل هنا مصدر صهل، والمقصود بها التكثير، فالتكثير هنا في الجانبين، في الفعل وفي المصدر، ففعل قد سبق من معانيها التكثير، وكذلك هنا:
قد طوفت في الآفاق حتىرضيت من الغنيمة بالإياب
سبق في فعل، كذلك تَسيار مصدر سيَّر، فسيَّر مصدره القياسي التسيير، ولكن التسيار تدل على التكثير.
وأما التِّفْعَال بالكسر فلم يجئ مصدراً إلا التِّبيان والتِّلقاء، التِّفعال بالكسر لم يأت مصدراً إلا نادراً، كالتِّبيان لبيَّن، والتِّلقاء للقَّاه، وكذلك التِّبكاء زادها القاموس لبكَّى، أما مجيئه اسماً فمثل التِّمساح والتِّمثال والتِّنبال والتِّقصار، والتِّنبال بمعنى: القصير، والتِّقصار كذلك، ومنه قول أبي الطيب المتنبي:
وقد أطال ثنائي طول لابسهإن الثناء على التنبال تنبال
جمعه تنابيل، ومنه قول كعب بن زهير رضي الله عنه:
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهمضرب إذا عرد السود التنابيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهموما لهم عن حياض الموت تهليل
التنابيل جمع تِنبال، وهنا قلنا: (قد يجاء بتَفعال لفعَّل)، خلافاً للكوفيين بكونه لتكثير المخفف؛ أي: للكوفيين لا للبصريين، والصحيح خلافاً للبصريين في كونه لتكثير المخفف، فقد روي عن البصريين أن تفعال من فعل، فتكون تطواف من طاف، وتصهال من صهل، وترداد من رد ونحو ذلك، وتسيار من سار.
ولهذا جاء في المصباح المنير: يجيء المصدر من فعل ثلاثي على تفعال بفتح التاء نحو التضراب والتقتال، قالوا: ولم يجئ بالكسر إلا تِبيان وتِلقاء وتِنضال من المناضلة، وقيل: هو اسم والمصدر تنضال على الباب، انتهى كلامه.
وكذلك يقول ابن مالك في التسهيل: وقد يغني في التكثير عن التفعيل التَّفعال، قال ابن عقيل في شرحه: فتقول لقصد الكثرة التَّضراب والتَّرداد، ومذهب سيبويه وبقية البصريين أن هذا مصدر فعل المخفف، وأنه جيء به لقصد التكثير، كما يتضعف عين الفعل كذلك، وذهب الفراء وغيره من الكوفيين إلى أنه مصدر مضعف العين، وهو مقتضى ظاهر كلام المصنف، وهذا المصدر بفتح التاء، فأما تلقاءً وتبياناً فاسمان وضعا موضع المصدر؛ أي: اللقاء والبيان، وهذا هو قول سيبويه، وزعم الأعلم أن الكسر شذوذ، والمعنى على التكثير.
قال:
ما للثلاثي (فعيلي) مبالغةًومن (تفاعل) أيضًا قد يرى بدلا
يقول: إن مصدر الفعل الثلاثي قد جعل على وزن فِـعِّـيـلَى للمبالغة، وهذا من غير هذا الفصل؛ لأنه يتعلق بالمصادر الثلاثية، ولكن لما أتى بالتَفعال على التكثير في غير الثلاثي جاء كذلك فِـعِّـيـلَى للدلالة على التكثير من الثلاثي، فهي أيضاً مصدر سماعي يدل على التكثير في الثلاثي، كالخصيصَى و الهزيمَى و الخليفَى و الدلِّيلَى والشمِّيمى، وقد سبق بيان هذه المصادر في محلها من الثلاثي، خصِّيصَى: مصدر خصه بالشيء يخصه به، وكذلك الهزِّيمَى مصدر هزمه، والخلِّيفى مصدر خلفه، والدلِّيلَى مصدر دله، والشمِّيمى مصدر شمه، ومن تَفاعَل أيضاً قد يرى بدلاً.
كذلك (فعِّيلى) تأتي من غير الثلاثي، فتأتي بدلاً من التفاعل مصدراً لتَفاعل، وتكون حينئذ مصدراً سماعياً، وذلك كـ (ترامَى القوم ترامِياً) هي المصدر المقيس، ورمِّيًّا مصدر سماعي، ومنه ما جاء في حديث القاسم بن ربيعة، عن عقبة بن أوس، أو يعقوب بن أوس، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر، وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس، فتكون الدماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح )، وفي رواية: ( أن يقع القتل في عميا أو رميا )، والحديث في المسند والسنن الأربع وغيرها.
ورمِّيًّا معناه: ترامٍ بين الناس، وعمياً معناه: تعام يتعامى بعضه عن بعض؛ أي: يرميه وكأنه يتغافل عنه ويتعامى عنه، (وتقع الدماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح)، هذا قال فيه: ( مائة من الإبل منها أربعون خليفةً في بطونها أولادها )، هذا دليل شبه العمد، لكن هذا الحديث له علل منها أولا: أنه من رواية القاسم بن ربيعة وهو مضعف، ثانياً: أنه قال عن عقبة بن أوس، وفي بعض الروايات: عن يعقوب بن أوس، فالتبس، وكذلك فوق هذا أنه قال: ابن عباس، وفي رواية: عن عبد الله بن عمر، وفي رواية: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك هذا الاضطراب في متنه الذي ذكرناه ( ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر )؛ ولذلك لم يعمل به المالكية، فرأوا أنه القتل ينقسم إلى القسمين المذكورين في القرآن فقط إما عمد وإما خطأ، أو أن شبه العمد لا يثبته إلا هذا الحديث، وهذا الحديث معلل؛ ولهذا عندما أورده النسائي في السنن بعد أن ذكره عقد له باباً بعده، فقال: باب الاختلاف فيه على خالد الحذاء، ثم عقد بعده باباً آخر، فقال: باب الاختلاف فيه على أيوب بن أبي تميمة السختياني.
أورده النسائي في السنن الصغرى، لكن ذكر هذين البابين بعد هذا الحديث ليبين علته، وهذه عادة النسائي رحمه الله في مثل هذا.
( ومن تفاعل أيضاً قد يرى بدلاً )؛ أي: قد يأتي سماعاً مصدر لتفاعل، يترامى القوم رمياً.
وبـ(الفعليلة) (افعلل) قد جعلوا مستغنيًا لا لزومًا فاعرف المثلا
كذلك قد جعلوا افْعَـلَـلَّ مستغنياً الْفُعَـلِّيلَةِ، افعلل مما يدخل في القاعدة الأولى فاقشعرَّ مصدرها القياسي اقشعراراً كما سبق، لكنه قد يأتي مصدرها سماعاً على وزن الْفُعَـلِّيلَةِ كالقُشعريرة، كذلك اطمأنَّ مصدرها القياسي اطمئنان، ولكنها قد يأتي مصدرها على الطمأنينة، وهذا الاستغناء جوازاً، يعني أن القياس المسموع فيها الاطمئنان والاقشعرار؛ ولهذا قال: ( مستغنياً لا لزوماً ) لثبوت اقشعراراً واطمئناناً في اللغة.
( فاعرف المثلا ) المقيسة من المسموعة؛ لأن كل هذه قد سبق ذكرها في باب بيان المصادر، ولكنه الآن يفصل لك بين المقيس والمسموع.
قال:
لـ(فاعل) اجعل (فعالاً) أو (مفاعلةً)و(فعلة) عنهما قد ناب فاحتملا
بقي من مصادر ما زاد على الثلاثي مما لم تنتظمه القواعد السابقة (فَاعَـلَ)، وليست مبدوءةً بالهمزة ولا بالتاء، وليست على وزن (فَعْلَل) ولا (فَعَّلَ)؛ فلذلك أفردها فقال:
لـ(فاعل) اجعل (فعالاً) أو (مفاعلةً)
فقال: لمقيس مصدر (فَاعَـلَ) اجعل (فِعَـالاً) أو (مُفَـاعَـلَةً)، وهذا الأخير هو المقيس عند سيبويه؛ وذلك لامتناع الأول فجالسه تقول: جالسه مجالسةً ولا يقال: جلاساً، وهذا المثال سبق أن ذكرناه في (فعلل) على وجه الغلط، فبالنسبة للمفاعلة مصدر لكل فعل على وزن فاعل، وأما فعال فهو مصدر أغلبي، في أغلب الأفعال التي هي على وزن فاعل، لكنه قد يمتنع في بعضها سماعاً، كجالسه مجالسةً وجلاساً غير مسموعة، وهذا هو اللازم؛ أي: المقيس عند سيبويه لامتناع الأول في جالس، لامتناع الأول الذي هو فعال في جالس.
وفيما فاؤه ياء، كذلك ما فاؤه ياء كيامن وياسر، فلا يقال فيه: يِمان ويِسار، وإنما يقال فيه: ميامنة ومياسرة.
وشذ إوام هو نادر جداً؛ ولذلك قال أحد العلماء:
... فعالاً فاؤه ... انكسارغير إوام وإعال ويسار
فهي مهملة في غير هذه الكلمات الثلاثة، وذلك كقاتل قتالاً ومقاتلةً، وضارب ضراباً ومضاربةً، وقد يمد كضراب، فعال نقص فيه بعض حروف الفعل؛ لأن أصلها فاعل، فالألف التي بعد الفاء زائدة؛ فلذلك سقطت من المصدر، ولكن سقوطها هنا على تقدير إثباتها، فضراب أصلها ضيراب، وقتال أصلها قيتال، فلهذا سمع ضراب.
( وفعلةً عنهما قد ناب فاحتملا )، يقول: إن مصدر فاعل قد يأتي على وزن فعلة، فتنوب عن الفعال والمفاعلة، وذلك كـ(ماراه مماراةً ومراءً)، وسمع مريةً، فمرية هنا مصدر لفاعل، وهو مصدر سماعي فقط، ويمكن أن يكون اسم مصدر، ومعنى قوله: فعلة عنهما قد ناب، أي: جوازاً لا لزوماً؛ لأنهما سمعا.
(فاحتملا) أي: نقل عن العرب؛ لأن ذلك سماع فقط.
ما عينه اعتلت (الإفعال) منه و(الاس تفعال) بالتا وتعويض بها حصلا
من المزال، وإن تلحق بغيرهما يبن بها مرة من الذي عملا
ومرة المصدر الذي تلازمه بذكر واحدةٍ تبدو لمن عقلا
قد سبق أن ذكرنا أنه أهمل مصدر أفعل؛ لأنها لا تشملها قاعدة من القواعد السابقة، فلا تدخل في المفتتح بهمزة الوصل، ولا في المفتتح بالتاء، ولا في فَعْلَل وبابه، ولا في فَعَّلَ، ولا في فَاعَل، فكان اللازم أن يذكر لها مصدراً مستقلاً، ولم يفعل، لكنه أشار إليه ضمناً بقوله: ( ما عينه اعتلت الإفعال منه والاستفعال بالتاء )، فـ(أفعل) مصدرها (إفعال)، مثل المفتتح بالهمزة الزائدة، وهذا الذي نظمه الشيخ رحمه الله، فقال:
وأفعل ... الإفعال مصدرهما لم تكن عينه لم تقبل العلل
فإن كانت عينه معتلةً فهو الذي صرح به هنا.
قال: ( ما عينه اعتلت الإفعال منه والاستفعال بالتاء )، يقول: إن ما كان من المصادر على وزن الإفعال والاستفعال، إذا كانت العين منه معتلةً، والمقصود بالمعتلة: المعلة؛ ولهذا قال الحسن: أي: أعلت، فحينئذ مصدره إفعالة واستفعالة؛ لهذا قال: (الإفعال منه هو الاستفعال بالتاء)، وهذا في الغالب كالإقامة والاستقامة بخلاف غير المعتل، كأكرمه إكراماً وأعطاه إعطاءً، وبخلاف الاستخراج والاستدعاء، فهذا أيضاً استفعل، لكنه صحيح غير معتل، وبخلاف ما اعتل ولم يعل، كالإغيام والاستحواذ، الإغيام من أغيم، فهي العين منه معتلة لكنها غير معلة، وكذلك الاستحواذ من استحوذ، فالعين منه معتلة، لكنها غير معلة، فلا تلزم فيه التاء، وبخلاف افتعل وانفعل، كالاقتدار والاعتداء والارتواء والانطلاق والانجياب والانطواء، فهذه ليست على وزن الإفعال ولا الاستفعال.
( وتعويض بها حصلا من المزال )، ومن غير الغالب وإقام الصلاة، (وإقام الصلاة)، حذفت التاء منه للإضافة؛ ولذلك فإن أهل النحو يقولون: يحذف في الإضافة نون التثنية، ونون الجمع، و(أل)، وكذلك التنوين، وكذلك التاء في مثل هذا تاء المصدرية، هذا الحذف جوازاً فقط في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، إقام الصلاة، هذا محل الشاهد، واستنار البدر سواء استنارة البدر، وأهل نجد يحذفون التاء من كل مؤنث للإضافة، وهو على غير الفصحى، إنما هو من العامية، أما الفصحى فإنما تحذف التاء في مثل إقام الصلاة واستنار البدر، تاء التعويض أيضاً ليست تاء التأنيث، (وتعويض بها حصل من المزال)، هذه التاء لماذا اجتلبت؟
قال: ( إن تعويضاً حصل بها من المزال )، معناه: من الألف المزال، وذلك أن الإفعال إذا كان من المعتل سيجتمع فيه ألفان، مثلاً أقام، اكتبها، أصلها (أفْعَل) (أقْوَم)، فإذا تحركت الواو، فتح حرف العلة هنا في الوسط، وسكن ما قبله، فوجب نقل الحركة إلى الحرف الساكن قبلها، فصارت (أَقَوْم)، فسكن حرف العلة، وانفتح ما قبله، فوجب قلبه ألفاً، فقلنا: أقام، فإذا أردنا المصدر منها فإنا نقول: إفعال، أصلها إقوام، فكذلك تنقل الفتحة التي على الواو إلى القاف الساكنة قبلها فيقال: إقوام، فتكون الواو حينئذ ساكنةً، يجب قلبها ألفاً فيقال: إقاام، فيجتمع لنا ألفان، الألف التي هي تاء الكلمة بدل من الواو، والألف التي هي ألف إفعال، وكذلك استقوام، فإن هذه الواو تنقل حركتها للقاف الساكنة قبلها، فتفتح القاف، يقال: استقوام، حينئذ لا بد من قلب هذه الواو ألفاً للفتحة التي قبلها، فيقال: استقاام، فيجتمع لنا ألفان ساكنان هنا، فلا بد من حذف أحدهما، والمحذوف مختلف فيه، فذهب سيبويه والخليل أن الألف الأخيرة هي المحذوفة، واستدلوا بأنها هي التي حصل بها التكرار والاستثقال؛ لأنها هي جاءت الثانية؛ لأنها زائدة، والزائد أولى بالحذف؛ ولأنها أقرب من الطرف، وذلك أدنى للحذف أيضاً، فهذه ثلاثة أدلة للخليل و سيبويه، وذهب الأخفش و الفراء إلى أن المحذوف الألف الأولى؛ وذلك لأنه قد عوض منها، ولا تعويض إلا من أصلي؛ لأن الثانية إذا حذفت لم تستحق العوض؛ لأنها زائدة؛ ولأن الثانية جيء بها للمصدرية، فلو حذفت لأخذت بالمعنى الذي من أجله اجتلبت؛ ولأن القاعدة أنه عند اجتماع الساكنين يحذف الأول منهما؛ لقول الله تعالى: وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ [النمل:15]، (وقالا الحمد لله)، فحذف الأول منهما لدى التقاء الساكنين، فإذاً هذا الخلاف لا يمكن الترجيح فيه.
لكن التقاء الساكنين في القافية، لا يلتقي في محض وصل ساكنان إلا وأول وثان كائنان في كلمة ... كما قال المختار رحمه الله، فهذا الخلاف يصعب الترجيح فيه؛ لأن كل واحد من القولين له ثلاث حجج قوية، قد كنت نظمتها في أيام الصبا موطن الخلاف وحججه، فقلت إذ ذاك: هذا نظم الصبيان فيه كثير من الأخطاء، فتحة الإفعال من المعتل بالاتفاق نقلت بالأل، الفتحة التي قبل المدة نقلت بالاتفاق إلى ما قبلها وهو الساكن الصحيح.
(فألفاً ذا العين صار)؛ لأنه ساكن معتل قبله فتحة في وسط الكلمة، فوجب قلبه ألفاً، فالتقى بمد الإفعال، الألف التي بعدها، (فألفاً ذا العين صار)، فالتقى بمد الإفعال فحذف حُقِقَ، قطعاً حصل حذف لأحدهما، فعوض التاء بعد حذف الألف بكثرة، هذا الكثير، والخلف في المنحذف بين الأئمة على ما سيجيء، واحتج كل بثلاث حجج.
مذهب سيبويه والخليلحذف الأخيرة على التعليل
بكونها زائدةً، وقال بأنها تزيد الاستثقال، وقربها من الطرف، ولا أصح للاحتجاج فيه بالذي اتضح.
ومذهب الأخفش والفراءبأنها الأولى لعين الرائي
لأنهم قد عوضوا منها ولا تعويض من غير الذي تأصل.
وحذف الأول يرى بدون مينقاعدةً لدى التقاء الساكنين
شاهدها قال يليها الحمدوهذا الخلاف ليس فيه رد
كل واحد من القولين لا يمكن أن يرد.
لهذا قال: ( وتعويض بها حصل من المزال )، وقد اجتهد ابن مالك في أن لا يعلم مع أي الطائفتين يميل، قال: (من المزال) أي: من المحذوف، ولا ندري ما هو، هل هو الأول أو الأخير.
وإن تلحق بغيرهـما يـبـن بـهـا مـرة مـن الذي عـمـلا
(وإن تلحق التاء بغيرهما) أي: بغير الإفعال والاستفعال، (يبن بها مرة من الذي عملا) تبين؛ أي: يظهر بها مرة؛ أي: واحدة، (من الذي عملا).
فقد سبق أن المرة من الثلاثي تكون على وزن فعلة بالفتح، أما المرة من غير الثلاثي فتكون بإلحاق التاء بالمصدر إن لم يكن ذلك المصدر على وزن إفعال أو استفعال، فإن كان على وزن إفعال أو استفعال من المعتل لم تلحق به التاء للمرة؛ لأنها تلحق به للتعويض؛ فلهذا قال: ( وإن تلحق بغيرهما ) من المصادر المقيسة لا غيرها ككذاب وتملاق فلا تلحق بهما التاء، لا يقال: كذابة وتملاقة، ( يبن بها )؛ أي: يظهر بها، ( مرة من الذي عملا )؛ أي: من الفعل، كإحسانة وانطلاقة واستخراجة، ودحراجة، وتسليمة، وتعليمة، وأما إن ألحقت بهما أو بمقيس غيرهما غير طارئة كمقاتلة ودحرجة -كما سبق-، أو بشاذ كمرية -كما سبق- وقشعريرة أيضاً، أو بني عليها مصدر الثلاثي كرحمة ونحوه، فكل ذلك لا تكون التاء فيه للدلالة على المرة، كرحمة ورغبة ونشدة وظرافة وسهولة.
فذلك داخل تحت قوله:
( ومرة المصدر الذي تلازمه بذكر واحدة تبدو لمن عقلا )، فقال: ( ومرة المصدر الذي تلازمه ) أي: إذا أردت أن تصوغ ما يدل على المرة من المصدر الذي تلازمه التاء سواءً تلك الملازمة للتعويض كإقامة واستقامة؛ أو لأنها بني عليها مصدر الثلاثي كرحمة ورغبة؛ أو لأنها بني عليها المصدر المقيس كمقاتلة ودحرجة، أو المسموع كمرية وقشعريرة، فإنما تعرف المرة، ( بذكر واحدة )؛ أي: بهذا اللفظ، ( بذكر واحدة تبدو لمن عقلا )، تبدو؛ أي: تظهر المرة، لمن عقلا، وذلك كقولك: أقام فلان الصلاة إقامةً واحدةً، فإقامةً لا تميز العدد، لكن إذا قلت بعدها: واحدةً ميزت العدد، كإقامة واحدة واستقامة واحدة، لم يستقم فلان في عمله إلا استقامةً واحدةً، نسأل الله السلامة والعافية.
وكذلك اقشعر جلده قشعريرةً واحدةً، أو امترى في كلامه مريةً واحدةً، أو قاتل مقاتلةً واحدةً، أو بالنعت كذلك؛ ولهذا قال: وتعرف الهيئة من ثلاثي تلازم مصدره التاء بالقرينة، لا بالفعلة بالكسر، كذلك الهيئة التي ذكرنا من قبل أنها من الثلاثي تكون على وزن فعلة، فإنها تعرف من المصدر الذي بني على التاء من الثلاثي، كرحمة ونشدة وظرافة وسهولة ونحو ذلك، فإن الهيئة لا تعرف منه بالفعلة بالكسر، فلا يقال: رحمة ولا نحو ذلك، وإنما يلحق به النعت فيتبين به؛ فلهذا قال: وتعرف الهيئة بثلاثي تلازم مصدره التاء بالقرينة، القرينة وهي مثل النعت، لا بالفعلة بالكسر، وذلك كرحمة كاملة، رحمه الله رحمةً كاملةً، فهذه هيئة الرحمة، وكذلك رحمنا الله نوعاً من الرحمة، أو إن المطر نوع من رحمة الله، فهذا الهيئة هيئة المصدر، وكذلك حماه الطبيب حميةً مانعةً، أو نوعاً من الحمية، وكذلك نظافةً رائقةً، أو سهولةً متيسرةً، أو نحو ذلك بالنعت، انتهينا إذاً من المصادر.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح لامية الأفعال [13] للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي
https://audio.islamweb.net