إسلام ويب

اختلف العلماء في حكم الوضوء للطواف؛ فمنهم من أوجبه، ومنهم من أسقطه، ولكل قوم دليلهم، ولكل منهم مذهبه في الجمع بين الأحاديث الواردة في ذلك.

الوضوء للطواف

مذاهب العلماء في حكم الوضوء للطواف

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وسلم تسليماً كثيرًا.

وبعد:

قال المصنف رحمه الله: [المسألة الثالثة: ذهب مالك و الشافعي ] و أحمد [إلى اشتراط الوضوء في الطواف، وذهب أبو حنيفة إلى إسقاطه]. أي أنه لا يشترط الوضوء للطواف.

سبب اختلاف العلماء في حكم الوضوء للطواف

قال: [وسبب اختلافهم: تردد الطواف بين أن يلحق حكمه بحكم الصلاة أو لا يلحق, وذلك أنه ثبت: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع الحائض الطواف كما منعها الصلاة ). وهذا الحديث أخرجه البخاري و مسلم ، وهو يشير إلى أن حكم الطواف كحكم الصلاة.

[فأشبه الصلاة من هذه الجهة]. ففي قياس الطواف على الصلاة شبه.

[وقد جاء في بعض الآثار تسمية الطواف صلاة]. وأوجه من أوجب الوضوء:

أولًا: في الطواف شبه بالصلاة.

ثانياً: ورود تسمية الطواف صلاة، وهذه حجة الجمهور.

[وحجة أبي حنيفة : أنه ليس كل شيء منعه الحيض، فالطهارة شرط في فعله، إذا ارتفع الحيض كالصوم عند الجمهور]. بمعنى أن الحيض يمنع الصوم، ومع ذلك لا تكون الطهارة شرطاً في الصوم.

الراجح في حكم الوضوء للطواف

لكن في الحقيقة أن الطواف أشبه بالصلاة لأن فيه أذكار ونحوها، أما الصوم فمجرد إمساك، وكذلك فإن الطواف قد ورد تسميته صلاة.

فالراجح أنه لا يصح الطواف من المحدث؛ لحديث ابن عباس ؛ ولأن الطواف أشبه بالصلاة منه بالصوم.

فقول أبي حنيفة إن الحائض لا تصوم ولا تصلي، وقياسه الطواف بالصوم غير متجه؛ لأن الطواف أشبه بالصلاة، لورود أذكار فيه، وأعمال، وأما الصوم فهو مجرد إمساك.

الوضوء لقراءة القرآن والذكر

مذاهب العلماء في الوضوء للقراءة والذكر

قال رحمه الله: [المسألة الرابعة: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز لغير المتوضئ أن يقرأ القرآن، ويذكر الله.

وقال قوم: لا يجوز ذلك له إلا أن يتوضأ]. أي أنه لا يجوز أن يذكر الله، إلا على وضوء.

سبب اختلاف العلماء في حكم الوضوء للقراءة والذكر

قال رحمه الله: [وسبب الخلاف: حديثان متعارضان ثابتان]، يعني: صحيحان.

[أحدهما: حديث أبي جهيم قال: ( أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم إنه رد عليه الصلاة والسلام )]. وهذا الحديث عند البخاري و مسلم .

وهو يدل على أنه لا يذكر الله إلا على وضوء.

[والحديث الثاني: حديث علي : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن قراءة القرآن شيء، إلا الجنابة ) فصار الجمهور إلى أن الحديث الثاني ناسخ للأول، وصار من أوجب الوضوء لذكر الله إلى ترجيح الحديث الأول ]، أي: أنه يذكر الله عند الحدث الأصغر، ولكن هذا الحديث بعضهم صححه وبعضهم ضعفه، وتوسط الحافظ ابن حجر وقال: إنه حديث حسن، وتعقبه الألباني وقال: إن فيه عبد الله بن سلمة ، و الحافظ قد ضعفه في التقريب حيث قال: صدوق تغير، وقد ثبت أن هذا الحديث روي عنه بعد التغير، قال: فلعل الحافظ نسي عندما كتب ذلك، وقال: الخلاصة أنه حديث ضعيف.

فقال الجمهور: إن حديث علي ناسخ لحديث أبي جهيم ؛ ولكنه ضعيف، لا يقوى على النسخ، وحديث أبي جهيم فعل، والفعل لا يدل على الوجوب.

الراجح في حكم الوضوء للقراءة والذكر وما يحتج به عليه

فالراجح: أنه مندوب، وأن قراءة القرآن على غير طهارة مكروهة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إني أكره أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر، أو إلا على طهارة)، وهو حديث صحيح.

وهو كذلك عندما لم يرد السلام، قيل له: لماذا لم ترد السلام؟ قال: (أكره أن أذكر الله إلا على طهر)، وهذا يدل على أن الراجح: أن القراءة والذكر من غير طهارة مكروهة، لا حرام؛ وذلك لأن حديث علي ضعيف، لا يقوى على النسخ، وحديث أبي جهيم فعل، والفعل لا يدل على الوجوب، وإنما يدل على الندب، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ( إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهور، أو قال: على طهارة )، فإنه صريح في كراهة قراءة الجنب؛ والحديث ورد في السلام، كما رواه أبو داود وغيره بسند صحيح، فالقراءة أولى من السلام كما هو ظاهر.

والقراءة لا تنافي الجواز كما هو معروف، فالقول بعدم الوجوب كما في هذا الحديث الصحيح أقرب، وهو أعدل الأقوال، أننا نقول: أنه سنة، وأن ذلك مكروه كراهة تنزيه، لا كراهة تحريم.

كتاب الغسل

قال رحمه الله: [كتاب الغسل:

والأصل في هذه الطهارة قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، والكلام المحيط بقواعدها ينحصر -بعد المعرفة بوجوبها، وعلى من تجب، ومعرفة ما به تفعل، وهو الماء المطلق- في ثلاثة أبواب:

الباب الأول: في معرفة العمل في هذه الطهارة.

والثاني: في معرفة نواقض هذه الطهارة.

والباب الثالث: في معرفة أحكام نواقض هذه الطهارة.

فأما على من تجب؟ فعلى كل من لزمته الصلاة]. أي: أن كل من وجبت عليه الصلاة وجب عليه الغسل.

[ولا خلاف في ذلك]، يعني: أن من كان جنباً فالغسل في حقه غير واجب، فإذا جاءت الصلاة وضاق وقتها، فقد وجب عليه الغسل في الحال، ولو أخره فإنه آثم.

[وكذلك لا خلاف في وجوبها، ودلائل ذلك هي دلائل الوضوء بعينها].

سيأتي وجوب الغسل من التقاء الختانين، ومن إنزال المني، وأدلة هذا الموضوع.

وهناك دليل خارج الموضوع، يوجد في أصول الفقه وهو: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فلو قلت لك: اشترِ لي كذا وكذا من باب اليمن، فلا يتم إلا بأنك تمشي إلى باب اليمن، وتأخذ منه كذا وكذا، فهذا مطلوب وإن لم أقل لك: امش، أو اذهب، وكذلك لما أقول: أقيموا الصلاة، فقولي هذا: يلزم منه الوضوء، ويلزم منه غسل الجنابة.

[وقد ذكرناها، وكذلك أحكام المياه وقد تقدم القول فيها].

يعني: أن الجناب ترفع بالماء المطلق، وقد تقدم الماء المطلق، وحكم الماء المتغير.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كتاب الطهارة [17] للشيخ : محمد يوسف حربة

https://audio.islamweb.net