إسلام ويب

أباحت الشريعة الإسلامية تعدد الزوجات للرجال، ومن الأسباب المبيحة للتعدد معالجة مشكلة العقم عند الزوجة، ومشكلة حب الرجل لامرأة أخرى بالحلال، والمساهمة في علاج مشاكل المجتمع كالمطلقات والأرامل وكثرة العنوسة في الحروب، وقد أثيرت بعض الشبهات حول التعدد كلزوم الشغب والخصومة الدائمة بين الضرائر مع إهمال الزوجة الأولى وإيلام قلبها، ولذلك فرضت الشريعة بعض القيود لضبط مسألة التعدد منها: عدم تجاوز الأربع مع العدل بينهن في القسم والقدرة على الإنفاق وغيرها.

الأسباب المبيحة للتعدد

وهذا التعدد الآن يصورون بأنه ضرر محض، وأنه مصيبة، وشغب، وخصام، ونكد، وغير ذلك، فنقول هناك قاعدة عامة وهي: أن الله جل جلاله لا يشرع شيئاً إلا ومنفعته تفوق ضرره، ومصلحته تربو على مفسدته، فربنا جل جلاله لا يمكن أن يشرع شيئاً وفيه فساد أو خراب -معاذ الله- قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، فالله عز وجل شرع لنا -معشر المسلمين- أن نتزوج مثنى وثلاث ورباع لحكم، أو لمعالجة عدة مشاكل، ومن هذه المشاكل:

عقم الزوجة الأولى

السبب الأول: عقم الزوجة الأولى: فالإنسان ربما ينكح امرأةً، ثم بعد ذلك يعيش معها سنين عدداً، ولا يقدر الله بينهما ولداً، فبمراجعة الأطباء يعلم بأن الرجل سليم من العاهات والآفات، وأن الزوجة عاقر، كما قال زكريا عليه السلام: أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيّاً [مريم:8]، فهذه الزوجة تبين بأنها عاقر، فالزوج إما أن يتزوج عليها بأخرى، أو نقول له: لا تتزوج، وتبقى معها بغير ذرية، أو نقول له: طلقها وتزوج غيرها، ولو نظرنا إلى هذه الحلول الثلاثة نجد أن الأسلم أن تبقى هذه الزوجة معززة مكرمة، ثم يؤتى بامرأة أخرى، فيحقق الرجل غايته، وتحصل له عاطفة الأبوة، وفي الوقت نفسه -وهذا حصل كثيراً- أن هؤلاء الأولاد يكونون أولاداً للزوجة الأولى، فإذا كبرت أو مرضت حتى بعد موت أبيهم هم الذين يرعونها، ويحملونها، ويسافرون بها، ولربما يحججونها، ويذهبون بها إلى العمرة مرةً بعد مرة، فهذه مسألة ينبغي أن نضعها في الحسبان؛ أن تكون الزوجة عقيماً.

ويقاس على العقم أيضاً أن يكون بها مرض يمنع من المعاشرة الزوجية، أو أن يكون بها عيب يمنع عن القيام بواجب الفراش، ونحو ذلك من الأحوال، وللأسف أن بعض الناس يقول: لم لا يصبر الرجل، فهذا قدر الله؟ نقول: إن هذه الشريعة نزلت لبشر، ولم تنزل لملائكة، فالله عز وجل يعلم صفات هؤلاء البشر وأخلاقهم، ولذلك لم يكلفهم بما لا يطيقون ولا يستطيعون، والتشريع دائماً يخاطب عوام الناس، ولا يخاطب القلة المتفوقة الراقية السامية، التي تنسى حظ نفسها. بل الشريعة تخاطب عامة الناس؛ ولذلك في الزكاة مثلاً الشريعة أمرتنا بأن نخرج ربع العشر، لكن الشريعة قالت في واحد مثل أبي بكر رضي الله عنه قالت: وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ [البقرة:219]، أي: الشيء الزائد؛ ولذلك ( أبو بكر جاء بماله كله للرسول عليه الصلاة والسلام، قال له: ما أبقيت لولدك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله )؛ فهذه لا يقدر عليها كل أحد.

ولذلك نقول: إن الشريعة تخاطب عامة الناس، وبقاء هذه المرأة العقيم في عصمة زوجها خير لها من الناحية الاجتماعية، ومن الناحية النفسية، ومن الناحية الاقتصادية من أن تطلق وتسرح.

وهنا سؤال يقول: إذا كانت الزوجة سليمة والزوج عقيم ومعيب، أي: به داء يمنعه من المعاشرة الزوجية، والقيام بواجب الفراش، فقد يقول بعض المتفلسفة -عافانا الله وإياكم-: لم لا تسمح الشريعة بتعدد الأزواج؟ نقول له: يا مسكين! الشريعة جاءت من أجل إقرار السلام على الأرض؛ فلو أن امرأةً اشترك فيها رجلان أو ثلاثة، فكيف يكون الحال؟ أما رأيتم القطط والكلاب إذا تصارعوا على أنثى ماذا يصنعون؟ فإنه يعض بعضهم بعضاً، ويطارد بعضهم بعضاً، ويصدرون تلك الأصوات المزعجة التي تطير النوم من العين، فما بالكم إذا كانوا بشراً، فلو اشترك اثنان أو ثلاثة في امرأة واحدة، فكيف يكون الحال؟ فالذي يطرح مثل هذا الكلام هل عنده مسكة من عقل؟

ثم من ناحية أخرى الأنساب؛ فلو أن هذه المرأة التي اشترك فيها زوجان أو ثلاثة فحملت، فهذه مشكلة! فلمن ينسب هذا الحمل؟ هي تبيت عند هذا تارةً، وعند هذا تارةً، وعند ذاك تارةً، وتقسم بينهم بالعدل في المبيت، وبعد ذلك حملت؛ فماذا نحن صانعون؟ أظن أن المتفلسفة سيقولون: نلجأ لـ (DNA) الحامض النووي، ونذهب إلى معمل الأبحاث الجنائية، كأنها جناية، فنقول: الشريعة ما جاءت بمثل هذا، نقول: لو أن الرجل كان معيباً فمن حق المرأة أن تصبر وتبقى مع هذا الزوج من غير ذرية فهذا شأنها، ومن حقها أن تطالب بالطلاق، وإذا كانت تريد أن تختلع فلتختلع، يعني: ترد له ما أنفق من صداق وتختلع منه، فهذا أيضاً من حقها.

إذاً: السبب الأول الذي من أجله أباحت الشريعة تعدد الزوجات: أن يكون بالزوجة عيب، أو أن تكون عقيمة.

حب الرجل لامرأة أخرى

السبب الثاني: حب الرجل لامرأة أخرى، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: ( قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ).

إن قضية الحب هذه، والتي يدندن حولها الأفاكون كثيراً، هم لم يضبطوها، فالحب عندهم معناه: الفوضى، معناه: أن يجلس معها على شاطئ النيل، معناه: أن يجلسا معاً في الكفتيريات، معناه: أن يتبادل معها الكلام المعسول، وأن تكون بينهما اتصالات وما إلى ذلك، وهذا غلط، بل الحب عاطفة والشريعة ترعاها؛ كحب الرجل لامرأته ولأولاده، وكحب الولد لأبيه وأمه، وما أشبه ذلك؛ فهذا حب طبيعي، وحب مشروع، ولكن قد يقذف في قلب الرجل حب امرأة رآها، وهذا الإنسان أحبها إما لجمالها، أو لمالها، أو لأدبها وخلقها، أو لدينها، أو ما أشبه ذلك، فهذا الرجل تعلق قلبه بها، وبات يصبح ويمسي وهو يفكر فيها فنحن بين أمرين: إما أن نقول له: لا، هذا ممنوع، دع عنك الصبينة والكلام الفارغ، وأمسك عليك زوجك، وقل لها: المحيا محياك، والممات مماتك، هذا حل، وإما أن نقول له: لا يوجد زواج، هذا الحب فرغه معها بطريقة أخرى، وهذا حل ثان، والحل الثالث: نقول له: اسع إلى التزوج بها.

أما الحل الأول: فإننا نقول له: أنت رجل عيب عليك هذا الفعل وأنت رجل كبير السن، اذهب وانظر إلى وجهك في المرآة، وانظر لذقنك، وانظر لحالك، وبعد ذلك ابحث لك عن مصلاية ومسبحة، ونزجره هذا الزجر البليغ، وبعد ذلك ما هو الحل؟ الحل بأن هذا الرجل ستفسد عليه حياته كلها، ويكون مضطرباً وغير مستقر، وينعكس ذلك على تصرفه مع زوجته وأولاده، فإذا دخل البيت دخل عابساً مكفهر الوجه، ضائق الصدر، لا يتحمل أي كلام، فإذا قالت له زوجته: السلام عليكم، يقول لها: مرحباً، وإذا جلبت له الطعام يقول: خذوه لا أريده، فستكون هذه طريقة تعامله مع هذه الزوجة التي تعلق قلبه بغيرها، وقد تكون هذه الزوجة أفضل وأكرم وأحسن منها لأن هذه الأولى، ولكن كما قلت لكم: قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن، وهو ظن أن راحته وجنته وسعادته مع الثانية، وما درى ربما يكون غير ذلك، والله أعلم بمآلات الأمور، فنحن البشر لا نعلم الغيب، والمهم هذا هو الحل، بعد ذلك أقول لكم: لو منعناه سيتعامل مع الزوجة الأولى والأولاد بالظلم، والانتقام، والغلظة، وسوء التربية، فيقل عطاؤه، ويتكدر مزاجه، وتفسد حياته، وما إلى ذلك.

أما الحل الثاني: أن نقول له: التق بها في الحرام! لكن هذا لا يناسب شريعة الإسلام، فشريعة الإسلام كلها نظافة، وطهر، وعفاف، وسمو، ورقي؛ ولأننا لسنا كالبهائم العجماوات، بل نحن بشر، قال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء:70]، لا سبيل للقاء الذكر بالأنثى إلا السبيل الشرعي.

الحل الثالث نقول له: هذه الذي تعلق قلبك بها بارك الله فيك، عليك أن تأتي البيوت من أبوابها، ولذلك أقول: الآن المجتمع ينظر نظرة احتقار وازدراء للرجل الذي يتزوج بالسكرتيرة، مع أنه هذا أشرف واحد، هذا الذي وجد نفسه مفتوناً، والحرام قريب المنال من يده، فلجأ إلى الحلال، وإلى الطريق السوي، هذا الذي ينبغي أن يكرم، وأن يعظم، وأن يعرف بأنه إنسان لا يلتمس بنيات الطريق، بل هو إنسان على صراط مستقيم، لكن أحياناً الناس تفسد تصوراتهم فيعظمون الحقير، ويحتقرون العظيم.

مراعاة المصالح الاجتماعية

السبب الثالث الذي من أجله أباح الإسلام التعدد: المصالح الاجتماعية، ولذلك أمثلة متعددة:

المثال الأول: وجود الأرامل القريبات، وهذا يحصل كثيراً، مثلاً: إنسان يموت أخوه، وقد ترك زوجةً وأيتاماً صغاراً، فأخوه -صاحب المروءة- يتزوج هذه الأرملة بنية أن يصونها، ويرعى عيالها، فهو في ذلك مأجور، أو إنسان عنده ابنة عم أو بعض بنات الخئولة، قد صرن أرامل أو مطلقات، وهو يريد أن يسترهن ويصونهن ويقوم على أمرهن، وهو في ذلك مأجور.

وأحياناً أخرى يتحتم مبدأ التعدد بسبب الظروف القاسية التي تمر بالمجتمع، ككثرة النساء في حال الحروب، فمثلاً: الآن الحرب التي دارت رحاها في هذه البلاد التي كانت في الجنوب، كم أخذت من القتلى؟ نسأل الله أن يتقبلهم شهداء، كم؟ ألوف مؤلفة، هل هم نساء؟ أكثرهم رجال، هؤلاء الرجال تركوا أرامل، وبعضهم كان خاطباً ولم يعقد بعد، وبعضهم عقد ولم يدخل، وبعضهم دخل وما بقي مع زوجته إلا أشهراً معدودات، ثم اختاره الله عز وجل إليه، فكثرة عدد النساء وقلة عدد الرجال هذا أمر مشهود، ولذلك الآن -مثلاً- في الجامعة حين تلقي المحاضرة في القاعة، انظر إلى عدد البنات، وإلى عدد البنين، فتقول: لله الأمر من قبل ومن بعد! تجد البنات أكثر عدداً، ولو ذهبت الآن في أحد الشوارع في الساعة الواحدة أو الثانية ظهراً، وقد خرج البنات من المدارس، فإنك تقول: سبحان الله! من لهؤلاء؟

وهنا تنبيه: كم من الناس لو قلت له: لماذا يا أخي لا تتزوج بثانية؟ قال: لا والله واحدة، عليها أحيا، وعليها أموت، وعليها أبعث إن شاء الله، نقول: أنت مستسلم استسلاماً تاماً، نقول: وبهذا الأمر يزيد عدد العوانس في المجتمع، وبالله عليكم هذا أمر واقع أم ليس بواقع؟ الجواب: لا شك واقع.

فلو تأملت في أرحامك وفي جيرانك ما أكثر العوانس، ما لهن عدد، ولا يحصيهن إلا رب العالمين، كذلك من خلال النظرة الواقعية فإن البنات كلهن مستعدات للزواج، ولكن كم من الرجال مستعد للزواج؟ قليل، ولذلك من العدل أن نقول للمستعد للزواج: تزوج واحدةً واثنتين وثلاثاً وأربعاً.

وطبعاً بعض المتفلسفة يقول لك: لماذا لا يعطي من لا يستطع الزواج بدلاً من التعدد؟ أيضاً نظرة -ما شاء الله- كأنك تخاطب ملائكة، أو ربما واحد ثان يرد عليه ويقول له: والله أنا سأتزوج وأعطي لمن لا يستطيع أن يتزوج، ويفعل ذلك بعض من وفقه الله عز وجل.

فهذه العوامل لو أننا وضعناها في حسابنا لا نجد حلاً لها إلا بالتعدد؛ لأننا لو قلنا: بأن كل رجل يأخذ امرأةً واحدة، إذاً: سيبقى عدد من النساء بلا أزواج، فإما أن يعشن ويمتن ولم يذقن الحياة الزوجية، وأما أن تضطر النساء ويضطر الرجال للأخدان؛ كما هو حاصل في المجتمعات الغربية الكافرة، التي تعيب علينا تعدد الزوجات الحلاليات، ولا يعيبون على أنفسهم تعدد العشيقات والخليلات، فيعيشون عيشة البهائم، والواحد منهم تجده يصاحب من النساء سبعاً.

شبهات حول تعدد الزوجات

وبعض الناس يطرحون بعض الشبهات حول التعدد، ومنها:

لزوم الشغب والخصام الدائم بين الزوجات

أولاً: تعدد الزوجات يلزم منه الشغب والخصام الدائم، فنقول: ليس هذا بصحيح؛ لأن الخصام قد يحصل بين الرجل وزوجته الواحدة، والخصام قد يحصل بين الرجل وولده، وبين الرجل وأبيه، فمسألة الخصام هذه ليست من لوازم التعدد، بل الخصام من الطبيعة البشرية؛ قال الله عز وجل: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً [الكهف:54]، وقال تعالى: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف:58]، فالناس مجبولون على ذلك، فهذه ليست مسلمة.

إهمال الزوجة الأولى

ثانياً: يقولون: تعدد الزوجات يلزم منه أن الرجل إذا تزوج بالثانية فإنه يهمل الأولى ويهجرها، نقول: لا يفعل ذلك إلا من لا خلاق له، وهو إنسان ليس عنده دين، أما الذي دخل في هذا الأمر بالدين، فإنه يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أيما رجل كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ).

الإيلام لقلب الزوجة الأولى

ثالثاً: من الشبهات التي يطرحونها: يقولون: تعدد الزوجات فيه إيلام لقلب الزوجة الأولى، نقول: هذا صحيح، ولكن عندنا قاعدة في الشريعة: بأن الضرر الخاص يتحمل لدفع الضرر العام، ثم إيلام القلب قد يحصل بغير الزواج، فالرجل إذا شاجر امرأته وخاصمها فهذا يؤلمها، والرجل إذا مات فالمرأة تتألم، ولو مرض الزوج فالمرأة تتألم، وكذلك المرأة لو ماتت فإن الرجل يتألم، ولو مرضت فإن الرجل يتألم، وقد مر معنا قول النبي صلى الله عليه وسلم لـخديجة لما مرضت مرض الموت قال لها: ( يا خديجة! بقلبي ما تجدين )؛ فقضية الإيلام هذه موجودة، والشريعة تعترف بها، ولذلك الشريعة تسمي الزوجات في عصمة الرجل الواحد ضرائر، يعني: يسعين إلى الإضرار ببعضهن في كل الظروف، حتى في مرض موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانت السيدة صفية رضي الله عنها والزوجات كلهن جالسات حول فراشه عليه الصلاة والسلام، فـصفية رضي الله عنها قالت كلمة رقيقة حلوة، قالت: ( يا رسول الله! ليت الذي بك بي )، يعني: تقول له: هذا المرض يا ليته ينتقل إلي وأنت تعافى، ( فمضمض بقية الزوجات )، مضمضن يعني: عملن بأفواههن هكذا .. يعني: إن هذه ليست صادقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( وإن مضمضتن، والله إنها لصادقة )، يعني: مضمضن أو لا تمضمضن، انظروا: مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم مريض، وهو في مرض الموت، ومع ذلك لم يتركن التعليقات والحركات وهن زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، فأحياناً هذا يحصل، ولكنه يفوت، يعني: فليس بالضرورة أن يكون هذا سبباً يمنع الرجل من التعدد.

وأيضاً في تعدد الزوجات كما أنه يفرح قلب الرجل فإنه يفرح قلب المرأة، فهذه المرأة التي صارت ثانيةً أو ثالثة أو رابعة تفرح، فليست القضية فقط فرح للرجال، فأمها تفرح وجدتها تفرح وخالتها وعمتها يزغردان ويفرحن ويطبلن وينبسطن. فنقول: الحق هنا حق مشترك بين الرجال والنساء.

قيود يجب مراعاتها في التعدد

وهناك قيود لا بد من مراعاتها في التعدد؛ قال الله عز وجل: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا [النساء:3]، فقوله: (ألا تعولوا) معناه في قول جمهور المفسرين: ألا تجوروا، أي: ألا تظلموا.

وهناك قيود لا بد من مراعاتها قبل أن تتزوج بالثانية أو الثالثة أو الرابعة وهي:

عدم تجاوز الأربع

القيد الأول: ألا يتجاوز الحد الأقصى أربع زوجات، وهذا الأمر لا خلاف فيه بين المسلمين، إلا من بعض غلاة الشيعة الذين يقولون: مثنى وثلاث ورباع معناه: اثنين وثلاثة وأربعة فالمجموع تسعة، وهذا المذهب فاسد من ناحية اللغة، ومن ناحية الشرع، ومن ناحية العقل.

مراعاة العدل بين الزوجات

القيد الثاني: العدل بين الزوجات، فيا من تريد أن تعدد! لا بد أن تأنس من نفسك عدلاً، فالعدل الذي شرطه الله عز وجل لإباحة تعدد الزوجات هو العدل في الأمور الظاهرة؛ كالتسوية بينهن في المبيت، أما التسوية في الميل القلبي فلا يمكن؛ لأن قلوب بني آدم بيد الرحمن جل جلاله، ولذلك كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب عائشة أكثر من الأخريات، وكان إذا قسم بينهن قال: ( اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك )؛ فالعدل المقصود هو العدل في الأمور الظاهرة كالمبيت، حتى العدل في الجماع ليس واجباً، فليس بالضرورة أنك إذا أتيت هذه في ليلتها أن تأتي الأخرى في ليلتها؛ لأن مسألة الجماع هذه راجعة إلى الميل القلبي، وراجعة إلى الأمور الأخرى التي تعرفونها، وقد قال الله عز وجل: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]؛ فالميل القلبي ليس مطلوباً منك أيها الرجل أن تحققه، ولكن المطلوب منك أن تجاهد نفسك ما استطعت في التحكم فيه، من أجل ألا تميل كل الميل، قال الله عز وجل: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ [النساء:129]، أي: في الميل القلبي، وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، وهذا يفعله بعض من لا خلاق له من الرجال، يتعمد مع الواحدة أن يبيت عندها، ويؤنسها، ويكون مبسوطاً في ليلته، فإذا جاءت ليلة الأخرى يخرج من العمل ويتمشى ويلف ويدور، وفي بعض الأماكن يجلس على المقاهي، ويذهب إلى الأصحاب والخلان، ويلعب الورق وما إلى ذلك، ثم يأتيها في الساعة الواحدة صباحاً، فإذا قالت له زوجته: كيف الحال؟ يقول لها: أنا تعبان دعيني أنام.

ويحكى لي: أن واحداً من الرجال متزوج فإذا ذهب إلى امرأته لا يذهب إليها إلا عند النوم، كأن البيت فندق، فإذا قالت له: اتق الله، يقول: اللهم لا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك! فنقول له: لا. أنت تملك هذا وعليك أن تأتيها، قال أهل العلم: يجب التسوية بين الشابة والعجوز، والصحيحة والمريضة، والعقيم وذات الأولاد، فلا يقل الواحد منا: هذه والله أنجبت لي أولاداً، وهذه لم تنجب لي فخلينا مع هذه، لا، أو تقول: هذه عمرها سبعون سنة، وهذه عمرها اثنتان وثلاثون سنة، لا، فصاحبة السبعين مثل صاحبة الاثنين والثلاثين، يجب التسوية بينهما في المبيت، قال الله عز وجل: فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ [النساء:129]، والمعلقة التي لا هي زوجة ولا هي مطلقة.

القدرة على الإنفاق

القيد الثالث: القدرة على الإنفاق، فبعض الرجال يتزوج باثنتين وثلاث وبعد ذلك يشغلهن، أي: يقول لهم: اعملن، وهذا حرام؛ لأن الله عز وجل أوجب على الرجل أن ينفق؛ قال الله عز وجل: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7]، أما أن تجلس في البيت وهن يعملن فليس هذا بمسلك ذي المروءة، ولا ذي الخلق، ولا ذي الدين، قال الله عز وجل: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ [النساء:34]؛ وذلك لسببين:

السبب الأول: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء:34]، يعني: بقوة الجسد وشجاعة القلب وما إلى ذلك.

والسبب الثاني: وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، فواحد لا ينفق على زوجته، لم يكون قيماً عليها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أنفق المسلم نفقةً على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة )، وسأله معاوية القشيري حينما قال: ( يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت )، فالذي تأكله أنت تعطيها منه، ومثلما تلبس تلبسها.

وليس المطلوب التسوية بين الزوجات في النفقة، فليس كما يعتقد عامة الناس أنك تعطي لهذه مثلما تعطي لتلك، وتسكن هذه مثلما تسكن تلك، وتلبس هذه مثلما تلبس تلك.. أبداً، هذا ليس صحيحاً، وإنما المطلوب منك أن تعطي كل واحدة ما يكفيها في حدود الطاقة، فزوجة عندها من الأولاد عشرة ليست كزوجة عندها اثنان، بل يقول علماؤنا: لا يسوى بين الشريفة والوضيعة، فمثلاً: واحدة أخذتها وهي ساكنة في كوخ أو كهف، فأعطيها بيتاً مناسباً، وأخرى أخذتها وهي تسكن في قصر منيف، فلا بد أن أسكنها في مكان يليق بها، فلا أسوي بينهما، وقالوا: يوفر لكل واحدة منهن ما يليق بها من غرف حسب مستواها وبلدها وهيئتها، وتبعاً لحالتها هل هي من البادية أم من المدينة؛ فإن كانت من البادية فهي كانت تسكن في بيت شعر أو خيمة، فلو أنك أسكنتها في بيت من آجر ومن حجارة، وكان سقفه من مادة الزنك، وبه إضاءة مناسبة، ومروحة أو مروحتان، ومعه ثلاجة يا سلام! ما قصرت، ولكن الأخرى تلك التي كانت تسكن في قصر منيف، وعندها ما عندها لا بد أن تسكنها فيما يليق بها، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـهند بنت عتبة : ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف )، يعني: بما جرى به العرف، فمثلاً: في بعض البلاد جرى العرف أن (الصالون) يكون مفروشاً بالسجاد، وقد ألقيت فيه بعض الوسائد، هذا (الصالون) العرفي عندهم، وفي بعض البلاد (الصالون) لا بد أن يكون ذا أرائك مرفوعة، وفي بعض البلاد ربما يدخل الزوج على زوجته في فرش على الأرض، وفي بعض البلاد لا بد أن تأتيها بسرير قد ارتفع عن الأرض متراً، ومع السرير دولاب لا بد أن يكون من ستة أبواب، ولا بد أن يكون معه (كمدينو) هنا وهنا، وفيه مرآة، هكذا جرى العرف، ولذلك الشريعة لم تحدد بل قيدت ذلك بالمعروف، والمعروف هو ما تعارف عليه الناس.

توفير المسكن الملائم

القيد الرابع: ويجب على الزوج أن يوفر مسكناً ملائماً حسب قدرته، وهو ما ينغلق عليه الباب بحيث يكون مستقلاً عن غيره، يعني: بعض الناس الذين يتزوجون يسكنون زوجاتهم مع الأهل والبيت مليء بالصبيان من إخوانه؛ فهذا في الجامعة، وهذا في الثانوي، وقد بلغوا مبلغ الرجال، والزوجة المسكينة هي بين أمرين أحلاهما مر: إما أن تجلس يومها كله وهي محجبة، خاصةً في الجو الحار، وهذا يسبب مشكلة، والأمر من ذلك: أن تتكشف أمام غير محارمها، وفي هذا من الفساد ما الله به عليم، فنقول: لا بد للزوجة أن يكون لها مسكناً مستقلاً، وهذا المسكن المستقل يشتمل -على الأقل- على حجرة بمرافقها، وبعضهم قد يقول: يا أخي! أنا جعلت لها غرفة وحدها، فنقول له: إذا أرادت أن تذهب إلى الحمام، فكل مرة عليها أن تتحجب، وإذا أرادت أن تذهب إلى المطبخ من أجل أن تحضر لولدها أو لطفلها بعض الطعام أو الشراب فإنها تجد في ذلك حرجاً، ولا شك بأن هذا من تعدي حدود الله عز وجل.

التسوية بينهن في المبيت

القيد الخامس: يجب على الزوج أن يقسم بين زوجاته في المبيت، ويسوي بينهن، بحيث يبقى عند كل واحدة ليلةً ويوماً، ثم ينتقل إلى الأخرى، ولو كان الزوج مريضاً، أو على العكس لو كانت الزوجة مريضة، أو كان هناك مانع يمنع من المعاشرة، كأن تكون الزوجة حائضاً مثلاً، أو محرمةً، أو لمانع عادي كالمرض؛ لأن الغرض من التسوية هو العدل في المبيت والمؤانسة والسكن والألفة، يعني: الزوج لا بد أن يسوي في القسم، حتى لو كانت الزوجة مريضة فلا بد أن يسوي بينها وبين الأخريات في القسم، فإذا كان لا يستطيع أن يجامعها، أو هناك مانع كحيضها أو إحرامها فعليه أن يسوي بينهن، إلا إذا كان الزوج مريضاً مرضاً شديداً، بحيث يصعب عليه الانتقال بينهن، فمثلاً: في بعض الأحيان بعض الناس يكون في مرض فلا يقدر أن يكون كل يوم عند واحدة؛ ففي هذه الحالة ينبغي أن يستأذنهن في أن يكون عند واحدة منهن، فإن أذن له فالحمد لله، وإلا أقرع بينهن، أي: يعمل بينهن قرعة، فمن وقعت عليها القرعة لزمها إلى أن يزول عنه المرض، والدليل على هذا الكلام: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان في مرض موته كان يدور بين نسائه، وكان يكثر أن يقول: أين أنا غداً؟ أين أنا غداً؟ فعلم نساؤه أنه يشتهي أن يكون عند عائشة ، فأذن له ) رضي الله عنهن، وجزاهن الله خيراً، أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبقى عند عائشة .

وهنا مسألة: هل يجب أن يقسم ليلة ويوماً لكل واحدة، أم يجوز أكثر من ذلك؟ الجواب: يجوز أن يجعل لهذه ليلتين ويومين، ولهذه مثلها، ولهذه مثلها، أو يجعل لهذه ثلاثة أيام بلياليهن، ولهذه مثلها ولهذه مثلها، أو إذا كانت المسافات بعيدة كأن تكون هذه في بلد وهذه في بلد، فلا مانع أن يجعل لهذه جمعةً ولهذه جمعة، يعني: يمكث مع هذه أسبوعاً ومع هذه أسبوعاً، أو يمكث مع هذه شهراً ومع هذه شهراً، لا حرج في ذلك إن شاء الله، ولا حق لهن في الاعتراض.

ولا يدخل الرجل على زوجته في غير اليوم المخصص لها إلا لحاجة، كأخذ ثيابه، فيأخذها ويخرج، أو لتفقد متاعه، فيتفقده ويدخل ثم يخرج ولا يقعد، أو لعيادة زوجته إذا كانت مريضة، فأيضاً يدخل ويقول: السلام عليكم، كيف تيكم؟ كيف حالكم؟ ثم يتوكل، للسلام عليها، والسؤال عن حالها دون المقام عندها؛ فقد: ( كان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر طاف على نسائه كلهن يسلم عليهن، ويسأل عن حالهن، ثم يستقر عند التي عندها النوبة )، أي: التي عندها الليلة يقعد عندها، لكن يمر عليهن كلهن ويقول: السلام عليكم، كيف تيكم؟ إلى أن يستقر عليه الصلاة والسلام.

تقول أمنا عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها، فيبيت عندها ).

الإقراع بينهن في سفر القربة

القيد السادس: وإذا أرد أن يسافر، فمن يأخذ منهن؟ نقول: إذا أراد السفر اختار من شاء منهن للسفر معه، يختار المناسبة معه، فربما -مثلاً- تكون واحدة منهن كبيرة ولا تحب السفر، وربما تكون أخرى مصبية، مصبية يعني: عندها أطفال والمدارس سوف تفتح قريباً وتنشغل بهم، والثالثة عندها دراسة، والرابعة فاضية، فيأخذ الرابعة هذه، فيسافر معها، إلا إذا كان السفر سفر حج أو عمرة أو جهاد -ويرحم الله زمن الجهاد- فالواجب عليه أن يقرع بينهن، أي: يعمل بينهن قرعة فالتي تخرج قرعتها تسافر معه؛ لأن المشاحة تعظم في القربات، يعني: إذا كان السفر سفر حج أو عمرة فإنه يحصل النزاع بين الزوجات، أما الآن فلو قال الزوج: أنا مسافر إلى بيروت، فإنها تحصل مشاحة وخاصة في أيام الحر، فلو قال: أنا مسافر لأصيف في بيروت، فمن منكن ترغب؟ فالأربع سيقلن: المحيا محياك والممات مماتك، سيك سيك معلق فيك، ولكن هاهنا يقول: المشاحة تعظم في القربات، وفي الصحيح من حديث أمنا عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه )؛ لأن بعض النساء يكن في السفر أنفع من بعض.

ويجوز للزوج أن يفضل إحدى نسائه، فيبيت عندها أكثر من غيرها إذا أذنت الأخرى، مثلاً السيدة سودة رضي الله عنها لما كبرت سنها أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهب ليلتها لـعائشة ، وغرضها من ذلك رضي الله عنها أن تدخل السرور على رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية، ومن ناحية أخرى أن تبقى زوجةً له من أجل أن تبعث في نسائه يوم القيامة، فهي امرأة عاقلة تنظر إلى حياة أبقى وأخلد.

أيها الإخوة الكرام! إذا سافر الرجل بإحدى زوجاته، أو بات خارج البيت في نوبة إحداهن، أو جار وظلم في القسم وبقي عند إحدى زوجاته عدد أيام أكثر من غيرها وجب عليه أن يستأنف التسوية في القسم من جديد، يعني: هو اتفق معهن على أن يبيت عند كل واحدة منهن ليلة واليوم الذي يتبع الليلة، فقدر الله وغلب عليه شيطانه فذهب عند إحداهن فاختفى خمس ليال، وأغلق التلفونات وقطع الاتصالات، ولربما لبس بأنه سافر، ثم تاب إلى الله عز وجل من ظلمه، فلا يجب عليه أن يسوي في هذا الظلم، ويقول: أنا بت خمسة أيام عند إحداهن فلا بد أن أخمس للجميع؛ لأن القاعدة: المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً؛ ولأنه أدخل الهم والضيق على الأخريات بفعلته تلك، فلا يدخل الهم والضيق على التي فعل معها تلك الفعلة؛ لأن الظلم لا يعالج بالظلم، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل فيما بينه وبينه، ثم يستأنف التسوية من جديد لكل واحدة ليلتها واليوم الذي يتبعها.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى جميع المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

حكم التعدد وحكمته

أيها الإخوة الكرام! تعدد الزوجات أمر مشروع، وقد سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تزوج صلوات ربي وسلامه عليه بأمنا خديجة ، وعاش معها خمساً وعشرين سنة ولم يتزوج عليها غيرها، ولما ماتت خديجة كان عمرها خمساً وستين سنة، وكان عمر النبي صلى الله عليه وسلم خمسين سنة، فبعد أن ماتت خديجة تزوج بـسودة بنت زمعة ، وكانت قبله تحت السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو ، وكان ممن هاجر إلى الحبشة فمات بها، وقيل: مات بمكة بعد رجوعه، ثم تزوج صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بـالصديقة بنت الصديق عائشة أم المؤمنين، فعقد عليها ولم يبن بها إلا بعد ثلاث سنين، لما هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام بنى بها في شوال من السنة الثانية من الهجرة، أي: بعد غزوة بدر.

وتزوج أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان التي كانت تحت عبيد الله بن جحش ، فتنصر بأرض الحبشة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوجها رعايةً لها، وإكراماً لإسلامها؛ لأن أباها أبا سفيان كان كافراً، وإخوانها معاوية و يزيد كانوا على الكفر، وهي في أرض الغربة والوحشة، فالنبي صلى الله عليه وسلم تزوجها ليؤنسها ويكفلها رضي الله عنها.

وتزوج صلوات ربي وسلامه عليه بـزينب بنت جحش ابنة عمته أميمة ، فـزينب أمها أميمة بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بعدما طلقها مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، والقصة معروفة في سورة الأحزاب.

وتزوج صلوات ربي وسلامه عليه بـزينب بنت خزيمة التي تعرف بـأم المساكين ، وكانت تحت عبد الله بن جحش أخي عبيد الله بن جحش ، وكانت امرأةً قد تقدم بها العمر رضي الله عنها، وقد استشهد زوجها في غزوة أحد، وتوفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: الرسول صلى الله عليه وسلم توفي في حياته من زوجاته اثنتان: خديجة و زينب بنت خزيمة أم المساكين رضوان الله عليهما.

وتزوج عليه الصلاة والسلام ميمونة بنت الحارث الهلالية إكراماً لعمه العباس الذي كان متزوجاً من أختها لبابة أم الفضل بن الحارث الهلالية ، وكانت خالةً أيضاً لـخالد بن الوليد ، فالرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يحقق عدة مصالح: تأليف خالد من أجل أن يسلم، وإكرام عمه العباس لسابقته وفضله وبره برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه المرأة الصالحة كانت قد وهبت نفسها للنبي عليه الصلاة والسلام، وكانت قد تزوجت قبله رجلين.

وتزوج أيضاً جويرية بنت الحارث المصطلقية ، وكان أبوها الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق، وهذه المرأة المباركة ذكرت لكم قصتها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أعتق الصحابة من كانوا أسرى عندهم من بني المصطلق وقالوا: هم أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك أمنا عائشة تقول: ما أعلم امرأةً كانت أعظم بركة على قومها من جويرية .

وكذلك تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الهارونية، يعني: من نسل هارون بن عمران، ولذلك كان أحياناً يحصل بينها وبين أمهات المؤمنين ما يحصل بين الضرائر من المكايدات، فكن يعيرنها يقلن لها: ( يا يهودية -يعني: أنت أصلاً يهودية، ونحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن قرشيات-، فلما شكت للنبي صلى الله عليه وسلم قال: قولي لهن: إن أبي هارون، وعمي موسى، وزوجي محمد ) صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وليس بعد هذا الشرف شرف، فلو كنتن قرشيات فأنا من سلالة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.

فهؤلاء إحدى عشرة امرأةً دخل بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي منهن في حياته اثنتان.

إذاً: لما توفي عليه الصلاة والسلام كان في عصمته من النساء تسع، وهناك نساء أخريات لم يدخل بهن.

الحكم التشريعية في تعدد زوجات النبي

ولو تأملنا في الحكم التشريعية من تعداد النبي عليه الصلاة والسلام نجد بأن بعض هؤلاء النسوة كان قد تزوج بهن النبي صلى الله عليه وسلم من أجل أن يقوي الآصرة بينه وبين أصحابه؛ فتزوج من أبي بكر و عمر ، عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر ، وبالمقابل زوج عثمان و علياً ، وبعضهن تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم من أجل كفالتهن، كما حصل مع أم سلمة التي كانت امرأةً مصبية أي: عندها أولاد؛ وكما حصل مع حفصة بنت عمر التي توفي زوجها، وكذلك زينب بنت خزيمة ، و أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وأمثالهن، وبعض هؤلاء النساء تزوجهن النبي صلى الله عليه وسلم لحكمة تشريعية؛ فقد تزوج بـزينب بنت جحش من أجل أن يبين للناس أنه لا مانع للرجل أن يتزوج بزوجة ابنه بالتبني، أي: زوجة متبناه، يعني: لو أنك تبنيت ولداً، وبعد ذلك هذا الولد تزوج بامرأة، ثم طلقها أو مات عنها؛ فلا مانع أن تتزوجها، فهي لا تحرم عليك، أما التبني فحرام، ولكن الزواج بزوجة متبناك ليس بحرام.

ومن الحكم التشريعية: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق جويرية وتزوجها، فدل ذلك على أن العتق يمكن أن يكون صداقاً، وقل مثل ذلك في زواجه من صفية بنت حيي رضي الله عنها.

القول بخصوصية التعدد بالنبي دون غيره

وهنا مسألة: هل التعدد من خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

الجواب: لا، لكن من خصائصه عليه الصلاة والسلام أنه يجوز له أن يتزوج بأكثر من أربع، ويجوز له صلى الله عليه وسلم أن يتزوج امرأةً بغير صداق، ويجوز له أن يتزوج امرأةً بغير ولي؛ لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ويجوز له ألا يقسم بين أزواجه، وأن يدع القسم؛ كما قال الله عز وجل: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، ولكن التعدد شريعة ماضية، وسنة باقية، ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث في صحيح البخاري قال لـسعيد بن جبير وكان تلميذه: هل تزوجت؟ قال: لا، قال: تزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساءً.

حكم التعدد وحكمته

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا علماً نافعاً، وارزقنا عملاً صالحاً، ووفقنا برحمتك لما تحب وترضى، أما بعد:



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تعدد الزوجات للشيخ : عبد الحي يوسف

https://audio.islamweb.net