إسلام ويب

تختلف أنواع البيوع من حيث المبيع والثمن والأداء، فمن حيث المبيع إما أن يكون بيعاً مطلقاً أو بيع صرف أو بيع مقايضة، ومن حيث الثمن إما أن يكون بيع مساومة أو بيع أمانة، ومن حيث الأداء إما أن يكون منجز البدلين، أو مؤجل البدلين أو نسيئة أو سلم. ولصحة البيع شروط منها: أن يكون المبيع معلوماً، ظاهراً، متقوماً، مقدوراً على تسليمه، موافقاً للشرع، مملوكاً للبائع.

من أنواع البيوع

الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديوان الإفتاء، أسأل الله عز وجل أن يجعلها نافعة مفيدة، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وقد تقدم معنا شيء من الكلام في أحكام البيوع، وعرفنا بأن الله عز وجل قد شرع البيع؛ لأنه لا غنى للناس عنه، وأحله بقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا[البقرة:275]، وأن البيع هو مبادلة مال بمال، وفي الشرع هو: عقد معاوضة على غير منافع ولا نكاح. عقد معاوضة على غير منفعة ولا متعة، (غير منفعة) من أجل أن نخرج الإجارة، (ولا متعة) من أجل أن نخرج النكاح، فإن النكاح عقد معاوضة لكنه لا يسمى بيعاً، بل هو أسمى وأعلى من ذلك، وقد سماه الله عز وجل ميثاقاً غليظاً.

وهذه البيوع تجمع باعتبار اختلاف أنواعها واختلاف أحكامها، فمن البيوع ما هو حلال مباح، ومنها ما هو محرم، ومنها ما هو مختلف فيه، فباعتبار اختلاف الأنواع فإنها تجمع على أنواع:

أنواع البيوع من حيث نوع المبيع

أنواع البيوع من حيث نوع المبيع:

فالبيع إما أن يكون بيعاً مطلقاً أو بيع صرف أو بيع مقايضة، فالبيع المطلق هو: الذي يكون فيه النقد مقابل السلعة، أي: النقد مقابل العين.

وبيع المقايضة هو: مبادلة عين بعين، كأن تعطي إنساناً سيارة فيعطيك سيارة، فهذا بيع ليس فيه نقد، وإنما بودلت فيه سلعة بسلعة.

وإما أن يكون صرفاً وهو: مبادلة نقد بنقد، وهو ما يسميه الآن الناس ببيع العملة.

أنواع المبيع من حيث تحديد الثمن

وباعتبار تحديد الثمن، إما أن يكون بيع مساومة أو بيع أمانة.

فبيع المساومة هو: الذي لا يظهر فيه التاجر رأس ماله، وإنما يقول: السلعة بكذا، فالمشتري يقول: اجعلها بكذا، وهو يقول: لا، بل تكون بكذا. وهذه أكثر بيوع الناس.

وبيع الأمانة هو: الذي يظهر فيه التاجر رأس ماله، بأنه اشترى السلعة بكذا.

ثم بعد ذلك هو على ثلاثة أحوال:

إما أن يكون بيع مرابحة، وهو: إذا باع السلعة برأس مالها مع ربح معلوم.

وإما أن يكون بيع وضيعة، وهو: إذا باع السلعة برأس مالها مع خسارة، مع حطيطة.

وإما أن يكون بيع تولية، وهو: إذا باع السلعة بمثل ما اشترى به، يعني: لو أنه اشتراها بعشرة فباعها بعشرة فهذا البيع نسميه: بيع التولية.

وهناك بيع الاسترسال وهو: أن يبيع الإنسان بسعر السوق، أي: ألا يكون له كبير علم بالأسعار فيقول: أنا أبيع بمثل ما يبيع أهل السوق، وهذا يسمونه بيع المسترسل.

وهناك بيع المزايدة: بأن يعرض الإنسان السلعة، ويطلب من الناس أن يزايدوا عليها، فهذا يقول: أنا أشتريها بعشرة وذاك يقول: بخمسة عشر، والثالث يقول: بعشرين.. وهكذا، إلى أن يستقر البيع على من يدفع ثمناً أكثر. ويقابله الشراء بالمناقصة، والشراء بالمناقصة بمعنى: أن يعرض الإنسان رغبته في سلعة بمواصفات معينة، ثم بعد ذلك يبذل الناس عروضهم فيأخذوا أقلها ثمناً مع اتفاقها على المواصفات التي طرحها.

أنواع المبيع من حيث أداء الثمن

ثم من ناحية أداء الثمن: إما أن يكون منجز البدلين، وهو: أن يشتري الإنسان شيئاً ويدفع الثمن، فالمثمن قد استلم، وكذلك الثمن قد أدي، فهذا نسميه: منجز البدلين، أو نسميه: بيع النقد. ويقابله: مؤجل البدلين، وهو: بيع الدين بالدين، وسيأتي الكلام على حكمه إن شاء الله.

ثم هناك بيع النسيئة، بمعنى: أن يشتري الإنسان سلعة ويشترط تأجيل الثمن، يقول للبائع: أنا ما عندي الثمن، لكن آتيك به إن شاء الله بعد أسبوع أو بعد شهر، فهذا نسميه: بيع النسيئة.

ثم هناك بيع السلم، وهو الذي يكون الثمن فيه حاضراً، ولكن المثمن مؤجل، بمعنى أن الثمن يعطى عاجلاً في مجلس العقد، والمثمن أو السلعة تكون مؤجلة، وهذا الذي يسميه علماؤنا ببيع السلم، وهو مشروع وفق شروط معلومة يأتي بيانها إن شاء الله.

شروط صحة عقد البيع

إخوتي وأخواتي! من البيوع المنهي عنها ما يكون النهي فيها راجعاً لتخلف شرط من شروط صحة البيع، وشروط صحة البيع هي:

أن يكون المبيع معلوماً، طاهراً، متقوماً، مملوكاً للبائع، مقدوراً على تسليمه، موافقاً للشرع، يعني: ليس هناك نهي عن بيعه في شرع الله عز وجل.

لا بد أن يكون المبيع معلوماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى عن بيع الغرر ) وبيع الجهالة.

ولا بد أن يكون مملوكاً للبائع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبع ما لا تملك)، ومن هنا قال علماؤنا: بأن بيع الفضولي لا يجوز ولا يصح إلا بإجازة المالك؛ ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما بعث عروة البارقي رضي الله عنه ليبتاع له شاة؛ ليضحي بها وأعطاه ديناراً، وكان عروة رضي الله عنه تاجراً ماهراً فاشترى شاة بدينار، ثم باعها بدينارين، واشترى أخرى بدينار، ورجع للنبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، يعني: أتى له بالشاة التي طلبها منه وأعاد إليه ديناره، وهنا النبي عليه الصلاة والسلام دعا الله له بأن يبارك له في صفقة يمينه.

فهاهنا عروة رضي الله عنه وكله النبي صلى الله عليه وسلم في شراء الشاة، وما وكله في بيعها، وهذا البيع تصرف من عروة ؛ ولذلك يسمى بيع الفضولي؛ وهو إنسان تصرف بغير إذن من المالك، وتصرفه هذا صحته موقوفة على إجازة المالك، فلو أن المالك أجازه صح البيع وإلا فلا.

فأقول: لا بد أن يكون المبيع مملوكاً للبائع.

ولا بد أن يكون المبيع متقوماً، أي: يكون عنده قيمة، وليس شيئاً تافهاً مستحقراً لا قيمة له.

ولا بد أن يكون المبيع طاهراً، أي: لا يكون نجساً.

ولا بد أن يكون المبيع كذلك مقدوراً على تسليمه، ومن هنا قال علماؤنا: لا يصح بيع المضامين ولا الملاقيح، ولا يصح بيع الجنين في بطن أمه مثلاً: إذا قلت لك: هذه البقرة في بطنها جنين، وهذا الجنين أبيعك إياه بكذا، فإن هذا البيع لا يصح؛ لأن هذا غير مقدور على تسليمه، فالله أعلم أنه قد تموت البقرة وما في بطنها؛ ولذلك لا بد أن يكون المبيع مقدوراً على تسليمه، وقال علماؤنا: لا يصح أن يباع الطير في الهواء، ولا يصح أن يباع السمك في الماء، بل لا بد أن يكون شيئاً مملوكاً للبائع، قادراً على تسليمه متى ما طلبه المبتاع.

هذه هي الشروط التي تتعلق بصحة العقد.

أسباب تعرض عقد البيع للفساد

أما الأسباب التي يتعرض بها العقد للفساد: فهي إما أن تكون راجعة إلى الجهالة، وهو ما يسمى بالغرر، وإما أن تكون راجعة إلى الربا، وإما أن تكون راجعة إلى مجموعهما، وإما أن تكون راجعة إلى عين المبيع، يعني: المبيع منهي عنه، كما لو أن إنساناً باع خمراً أو خنزيراً أو ميتة أو أصناماً أو غير ذلك مما نهى الشرع عن بيعه، فمعلوم ( أن الله تعالى إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ).

وإذا تخلف شرط من الشروط التي تتعلق بمحل العقد كتخلف شرط التقوم مثلاً، أو تخلف شرط القدرة على تسليم المبيع فهنا أيضاً العقد يكون فاسداً، ومثله أيضاً لو كان الفساد غير متعلق بمحل العقد، لكن لمخالفته للآداب الشرعية اللازمة، مثال ذلك: من باع بعد النداء الثاني من يوم الجمعة، فهذا العقد يقع فاسداً؛ لأن الله عز وجل منع من البيع قال تعالى: إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ[الجمعة:9].

إخوتي وأخواتي! هذه البيوع المنهي عنها، التي فيها غرر أو فيها ربا تشمل أنواعاً عديدة لربما يقع الناس المعاصرون في أنواع كثيرة منها؛ ولذلك لا بد أن يأتي الكلام عنها تفصيلاً إن شاء الله.

الأسئلة

الخروج من عرفة قبل غروب شمس يوم عرفة

السؤال: من انصرف قبل غروب الشمس يوم عرفة، فهل حجه صحيح؟

الجواب: نعم، حجه صحيح إن شاء الله، ولا يلزمه شيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عروة بن مضرس رضي الله عنه أخبر ( أن من شهد صلاة الصبح في جمع- في المزدلفة- وقد وقف قبل ذلك بعرفة ساعة من ليل أو نهار فقد تم حجه وقضى تفثه )؛ فلذلك لا يشترط الجمع بين الليل والنهار، من وقف بعرفة بعد زوال شمس اليوم التاسع من ذي الحجة -أي وقت كان، قليلاً كان أو كثيراً- فحجه صحيح إن شاء الله.

صيام النفل لمن عليه قضاء

السؤال: هل يمكن أن يصوم الإنسان نفلاً وتطوعاً وعليه قضاء؟

الجواب: نعم يمكن؛ لأن القضاء واجب موسع، وقد قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ( كان يكون علي القضاء من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان، يمنعني الشغل برسول الله صلى الله عليه وسلم ).

أما الأيام التي يستحب صيامها كتاسوعاء وعاشوراء والثلاث البيض ويوم عرفة.. ونحو ذلك، فلا مانع أن يصومها من وجب عليه قضاء.

عظم إثم النميمة

السؤال: هل النميمة من الكبائر؟

الجواب: نعم، النميمة بمعنى: نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد من كبائر الذنوب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخل الجنة قتات )، أي: نمام، وربنا جل جلاله قال: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11]، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( شرار الناس المشاءون بالنميمة، الباغون للبرآء العيب )، فالنميمة من كبائر الذنوب؛ لأنه يترتب عليها قطيعة أرحام وإفساد العلاقات وحصول الإساءة بين الناس، وحلول العداوة والبغضاء محل المحبة والوئام.. وما إلى ذلك.

الإخبار بأخطاء الطلاب لأجل الفائدة

السؤال: أحياناً تقع أخطاء من أحد الطلاب، فأخبر بها زملاءه بقصد الفائدة، فهل هذا من إفشاء السر، أو تتبع العورات؟

الجواب: لا بأس أن تخبر الطلاب بالخطأ الذي وقع فيه أحد زملائهم دون أن يسمى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى منكراً قال: ( ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا )، أو: ( ما بال أقوام يقولون كذا وكذا )، دون أن يسمي القائل أو الفاعل، مع علمه به عليه الصلاة والسلام؛ من أجل أن تحصل فائدتان: التحذير من هذا المنكر الذي اقترفه ذلك الشخص، وفي الوقت نفسه: الستر عليه وإعطاؤه فرصة للتوبة.

زكاة الأرض المشتراة بقصد حفظ المال

السؤال: شخص لديه مال، جعله في قطعة أرض ليحفظه وليزيد، وكان ذلك لسنوات عدة، فهل صحيح أن عليه أن يقوم هذه القطعة سنوياً، ثم يخرج زكاتها؟

الجواب: نعم؛ لأن هذه عروض تجارة، يعني: فرق بين إنسان ابتاع قطعة أرض ليبتني عليها بيتاً، فمكثت عنده سنين عدداً، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنه اشتراها على نية الاستعمال الشخصي؛ من أجل أن يبني عليها، أما هذا الشخص الذي اشتراها على نية الاتجار فيها، فهو بمنزلة من أمسك المال عنده، وهذا المال لو كان نقوداً مودعاً في بنك أو خزانة فإن الزكاة واجبة في هذا المال كلما حال عليه الحول، فكذلك من اشترى قطعة أرض ليحفظ ماله فيها.

زكاة الأرض بعد بيعها

السؤال: اشتريت قطعة أرض منذ عامين، والآن بعتها، وسأنفق جزءاً من ثمنها علي وعلى عيالي، وسأشتري بالباقي قطعة أخرى إن شاء الله، فهل أزكيها، وكيف ذلك؟

الجواب: أقول: ( الأعمال بالنيات )، إذا كنت قد اشتريت هذه القطعة من أجل استعمالك فلا زكاة فيها، ولا زكاة في هذا المال إلا إذا حال عليه الحول وقد بلغ نصاباً، أما إذا كنت قد اشتريتها على نية الاتجار فيها، أو على نية أن تحفظ مالك، ففيها الزكاة، وذلك بأن تقومها بسعر البيع، وتخرج ربع العشر.

نقض وضوء من صافح امرأة غير مسلمة

السؤال: هل مصافحة المرأة غير المسلمة ينقض الوضوء؟

الجواب: مصافحة المرأة مسلمة أو غير مسلمة مع كونه ممنوعاً إلا أنه لا ينقض الوضوء، اللهم إلا إذا قصد الإنسان لذة أو وجدها.

الصلاة بالضيوف أو مع الضيوف في البيت مع قرب المسجد

السؤال: إذا جاءني ضيوف، أو كنت أنا ضيفاً، وقالوا: نصلي جماعة في البيت، علماً بأن المسجد قريب، فماذا أفعل؟ وإذا تركتهم وحدهم وذهبت المسجد، فهل هذا صواب؟

الجواب: إذا كان المسجد قريباً فينبغي إيقاع صلاة الجماعة فيه، ولا ينبغي للناس أن يصلوا في بيوتهم مع وجود المسجد، اللهم إلا إذا كان ثمة عذر، فإذا كان الإنسان مريضاً، أو كان ممرضاً، أو كان هناك مطر، أو كان هناك وحل، أو كانت ظلمة شديدة يخشى على نفسه، أو يخاف من حيوان مخوف.. ونحو ذلك من الأعذار، فالإنسان يصلي في بيته، وإلا فالواجب على من سمع النداء أن يجيب، وأن يؤدي الصلاة حيث ينادى بها.

إرجاع المطلقة للزوج الذي لا يصلي ويعاني من اكتئاب

السؤال: أخي يعاني من اكتئاب، وزوجته وهي عروس طلبت منه الطلاق، وما كانت مصرة على طلبه، والآن طلقها وخطب أخرى، وزوجي يريد إرجاعها، وأنا معترضة؛ لأن أخي لا يصلي، وزوجي قال: نلزمه بالصلاة والتغير، فهل هو محق أم أنا؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: هذه المسألة ما فيها فتوى، بأن نقول: هذا حلال وهذا حرام، وإنما ينظر الناس فيما يحقق المصلحة، وفي تصوري بأنه طالما أن الطلاق قد حصل، وهي لم تزل بعد عروساً، وما بينهما أولاد، فدعوهما يغني الله كلاً من سعته، وما دام قد خطب أخرى فلعل الله يعوض الأولى من هو خير من هذا الذي طلقها.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: ما حكم التبليغ في الصلاة؟

السؤال الثاني: ما حكم الذي يمن بما أعطى؟

الشيخ: طيب، أبشر.

المتصل: الله يعطيك العافية يا شيخ! أنا لدي سؤالان:

السؤال الأول: أسأل عن تفسير الآية التي في سورة يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ[يوسف:24] .

السؤال الثاني: أتوب، ثم أعود مرة بعد مرة، فماذا أفعل؟

الشيخ: بارك الله فيك وأحسن إليك.

المتصل: ما حكم شراء السيارات عبر البنوك؟ وذلك بأن تعينها أنت، ثم يشتريها البنك، ويبيعها لك بالأقساط، ويأخذ منك جزءاً من سعر السيارة، فهل هذا يدخل في بيع ما لا تملك؟ أو فيها ربا؟

الشيخ: طيب. شكراً.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: أسأل عن الصفوف في صلاة الجنازة هل يشترط أن تكون فردية؟

السؤال الثاني: ما حكم القرقرة في الصلاة؟

الشيخ: شكراً، أكرمك الله.

المتصل: أنا عندي سيارة وأريد أن أبيعها لشخص، والرجل الذي أريد أن أبيعها له سيبيعها لي بسعر زائد.

الشيخ: طيب.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: أسأل عن الكتابة على القبور؟

السؤال الثاني: أسأل عن تغسيل الميت؟

الشيخ: طيب.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: رجل أعطاني مالاً على أن أتاجر فيه، ويكون لي ثلث الربح، فهل يصح هذا؟

السؤال الثاني: كان عندي واحد غير مسلم، والحمد لله ربنا هداه وأسلم على يدي، فأخذته وذهبت به إلى (خلوة)، وظل فيها أربعة أشهر وبدأ يتمرد.

الشيخ: طيب.. شكراً.

التبليغ في الصلاة

السؤال: أخونا محمد من الجزيرة يسأل عن التبليغ في الصلاة.

الجواب: التبليغ في الصلاة سنة محمودة إذا كان بالناس حاجة إليه، كما لو كان صوت الإمام لا يسمع أو كان المسجد كبيراً مثلاً والتيار الكهربائي قد انقطع، أو هناك خلل في مكبر الصوت، فلا مانع أن يبلغ شخص أو أكثر، مثل ما فعل الصديق أبو بكر في مرض موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خفت صوته، فكان أبو بكر يسمع الناس تكبير النبي عليه الصلاة والسلام.

وهو بدعة مكروهة إذا لم يكن بالناس إليه حاجة، يعني: إذا كان صوت الإمام مسموعاً فلا حاجة إلى التبليغ، بل قد نص علماؤنا على أن جهر المأموم مكروه إلا بتكبيرة الإحرام وتسليمة التحليل.

حكم المن بالعطية

الشيخ: المنان هو: الذي يعطي ثم يمن، وقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى[البقرة:264]، قال علماؤنا: الأذى أعظم إثماً من المن، ولكن قدم الله المن لأن أهله أكثر، يعني: ما أكثر من يمنون! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)، المنان الذي يقول: ألم أعطك؟! ألم أحسن إليك؟! ألم أفعل لك؟! ألم.. ألم.. ونحو ذلك.

وأما قول ربنا جل جلاله في خطاب نبيه عليه الصلاة والسلام: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [الضحى:6-8]، وقوله جل جلاله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:1-4]، فربنا جل جلاله من أسمائه المنان؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يدعوه: ( يا منان! يا بديع السموات والأرض! )، فهو منان جل جلاله، لكن منه على عباده؛ بكونه سبحانه المالك لكل شيء، ولأنه بمنه على عباده يريد أن يستدر شكرهم من أجل أن يأجرهم عليه، يعني: لخيرهم هم؛ يمن عليهم من أجل أن يشكروه ويحمدوه ويعبدوه، فيأجرهم على ذلك الأجر الكثير.

وشتان.. شتان بين مانٍ هو الله جل جلاله، ومانٍ هو عبد مسكين لا يملك شيئاً، فالمال ليس مالك، وإنما أنت مستخلف فيه، كما قال ربنا جل جلاله: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ[الحديد:7].

المراد بالهم في قوله تعالى: (ولقد همت به وهم بها ...)

الشيخ: أما أخونا يوسف من الجزيرة فقد سأل عن قول ربنا في سورة يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ[يوسف:24].

فنقول: القراء المحققون يقرءونها: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ، ثم يقفون ويقولون: وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ[يوسف:24]، ولولا -كما هو معلوم- حرف امتناع لوجود، يعني: لولا البرهان لهم بها، فوجد البرهان فامتنع الهم.

وقال بعض المفسرين: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ يعني: إمساكاً وجذباً، وَهَمَّ بِهَا[يوسف:24]، يعني: دفعاً وطرداً.

و السيد قطب رحمه الله في الظلال عنده قول وجيه يقول: بأن الهم هاهنا هو: الميل القلبي الذي لا يؤاخذ الله به، كميل الصائم الجائع للطعام، أو ميل الصائم الظامئ للماء البارد، يعني: الآن لو كان الإنسان صائماً في رمضان، وجاء فوجد صغاره يشربون عصيراً بارداً والجو حار، فنفسه تتوق إلى هذا الشراب، لكنه لا يمد إليه يداً، ولا يتناول منه شيئاً، فهذا الهم -الميل القلبي- لا يؤاخذ الله به.

فيوسف عليه السلام كان شاباً ممتلئاً فحولة ورجولة، ووجد نفسه بين يدي امرأة ذات منصب وجمال، وغلقت الأبواب وقالت: هيت لك، فاستعصم صلوات ربي وسلامه عليه وقال: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23].

وكما قال الرازي فخر الدين في مفاتيح الغيب: يوسف عليه السلام بريء بشهادة الله، وبشهادة نفسه، وبشهادة المرأة، وبشهادة العزيز، وبشهادة الشاهد، وبشهادة النسوة، وبشهادة الشيطان. هذه سبع شهادات.

أما ربنا جل جلاله فقد برأه بقوله: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24]، وأما شهادته لنفسه فقد قال عليه السلام: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي[يوسف:26]، وأما شهادة المرأة فإنها قد قالت: الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ [يوسف:51]، وأما شهادة النسوة فإنهن لما علمن حال امرأة العزيز قلن: امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف:30]، فهذه شهادة منهن بأن المراود هي امرأة العزيز؛ ولذلك لما بدأن بالإلحاح على يوسف بأن يطيعها، قال: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ [يوسف:33]، وأما شهادة العزيز -وهو زوج المرأة- فإنه قال: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا[يوسف:29]، ثم قال: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29]، وشهادة الشاهد: أنه لما رأى قميصه قد من دبر قال: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28]، والشيطان قال: فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83]، فالشيطان تعهد أمام الله عز وجل بأنه لا سبيل له إلى إضلال المخلصين، والله عز وجل يقول عن يوسف: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24].

ولذلك يا إخوتاه! ما هو موجود في بعض الكتب من أن يوسف قد جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وحل سراويله.. وما إلى ذلك، هذا كله غثاء، لا يليق بمقام الأنبياء، فهم صلوات الله وسلامه عليهم بارون راشدون خيرون طاهرون مبرءون معصومون، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

التوبة من الذنب والرجوع إليه مرة بعد مرة

الشيخ: أما قولك: بأن شخصاً أصاب ذنباً ثم تاب، ثم أصاب الذنب ذاته مرة أخرى ثم تاب، ثم أصابه ثالثة ثم تاب، ثم أصابه رابعة ثم تاب، وهكذا إلى أن تاب توبة نصوحاً. فنقول: من تاب تاب الله عليه، وينبغي للإنسان كلما أذنب أن يتوب، يعني: لا يقول له الشيطان: أنت رجعت إلى الذنب ثلاث مرات أو أربع أو عشر، خلاص أغلق دونك باب التوبة، لا، والله! إن للتوبة باباً مفتوحاً لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها، فباب التوبة مفتوح، وفي الحديث: ( إن الله تعالى يقبل توبة العبد مالم يغرغر )، هذا هو الوقت الخاص، ولكل واحد منا وقت خاص للتوبة، وهذا الوقت ممتد إلى أن تبلغ الروح الحلقوم، وأما الوقت العام للبشر جميعاً فحين تطلع الشمس من مغربها.

شراء السيارات عبر البنوك بصورة بيع المرابحة للآمر بالشراء

الشيخ: أما محمد من الحاج يوسف، فقد سأل عن السيارات التي تشترى عبر البنوك.

فنقول: هذا بيع المرابحة للآمر بالشراء، وصورته: أن الراغب في السيارة أو في غيرها يذهب إلى البنك ويقول: أنا أريد سيارة اسمها كذا، وسنة صنعها كذا، ومواصفاتها كذا وكذا، فالبنك يقول له: هذه السيارة مثلاً بثلاثين، وسنبيعها عليك على أن تسددها بأقساط خلال سنتين بأربعين أو بخمسة وأربعين أو بكذا.

نقول: هذا البيع داخل في عموم قول ربنا جل جلاله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا[البقرة:275]، وإذا وقع وفق شروطه الشرعية، بأن تكون السلعة مباحة، وأن يكون عقدان منفصلين أحدهما بين البنك ومالك السيارة، والثاني بين البنك والراغب في الشراء، وألا يبذل هذا الراغب في الشراء أي صكوك للبنك، ولا أي أموال إلا بعد أن يتملك السيارة، نقول: إذا وقعت هذه المبايعة وفق هذه الشروط فهي جائزة وإلا فلا.

اشتراط الوتر في عدد صفوف صلاة الجنازة

السؤال: عبد الرحمن من الجزيرة يسأل عن الصفوف في صلاة الجنازة، هل يشترط أن تكون وتراً؟

الجواب: لا يشترط، وإنما المطلوب أن تكون ثلاثة صفوف فأكثر، ولو بلغت عشرة صفوف أو أربعين صفاً فخير وبركة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف إلا غفر الله له )، وفي الحديث الآخر: ( ما من مسلم يموت فيصلي عليه أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه ).

لكن ليس شرطاً ما يقوله بعض الناس حين توضع الجنازة: يا أيها الإخوان! اجعلوها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو تسعاً، ليس هذا مطلوباً.

قرقرة البطن في الصلاة

الشيخ: أما القرقرة في الصلاة فلا يترتب عليها شيء، والقرقرة بمعنى تحرك البطن، يعني: يسمع الإنسان أصواتاً في داخل بطنه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا ينصرفن حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )، يعني: الإنسان الذي يشعر بشيء في بطنه، لا ينصرف من الصلاة إلا إذا تيقن من خروج شيء.

بيع السلعة لشخص واشتراط إرجاعها بعد زمن

الشيخ: أما أخونا الباقر من الفاو فقال: هو بحاجة إلى مال، وعنده سيارة، فيبيعها لشخص ما، ثم يشترط عليه أو يشترط عليه الآخر أنه بعد حين سيعيدها إليه ويسترد الثمن.

فنقول: هذا لا يجوز، وهذا يسميه علماؤنا: بيع الوفاء، التأقيت بوقت معين يسترد فيه المالك سلعته والمشتري ثمنه، هذا لا يجوز؛ لأنه مفض إلى التنازع والتشاجر، والشريعة الإسلامية جاءت بالتفصيل في هذه العقود ووضع محترزاتها؛ من أجل القضاء على أسباب النزاع والشجار بين الناس.

الكتابة على القبور

الشيخ: أما أبو عمر من كسلا، فقد سأل عن الكتابة على القبور.

فنقول: يا أبا عمر! النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الكتابة على القبور،ونهى عن الجلوس عليها، ونهى كذلك عن تجصيصها، ونهى كذلك صلى الله عليه وسلم عن كسوة هذه القبور واتخاذ السرج عليها وبناء المساجد، هذا كله ممنوع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعث علياً ( بألا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، ولا صورة إلا طمسها ). ولذلك لا نكتب على القبر لا اسماً ولا غيره.

والآن الحمد لله إخواننا في حسن الخاتمة ختم الله لنا ولهم بالحسنى قد جعلوا للقبور أرقاماً، يعني: كل إنسان يرقم قبره، لكن للأسف بعض القبور تجد بأن هذا قبر الأستاذ فلان الفلاني، وهذا قبر الدكتورة أو شهيدة الطب فلانة، وهذا قبر اللواء فلان. نقول: قد ذهبت السكرة وحلت الفكرة، ما عاد ينفع الإنسان كونه دكتوراً، أو كونه لواءً، أو فريقاً، أو مشيراً، أو زعيماً، وما عاد ينفع الإنسان كونه أستاذاً، أو أديباً مفكراً، أو.. أو.. أو.. الآن صار في ذمة الله عز وجل، مرتهن بعمله، لا تنفعه شهادات ولا ألقاب ولا جاه ولا سلطان؛ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ[الأنعام:94]، فما ينبغي الكتابة على القبور.

حكم تغسيل الميت وصفته

الشيخ: أما تغسيل الميت يا أبا عمر! فهو فرض على الكفاية، وينبغي أن يكون وتراً، كما قال صلى الله عليه وسلم: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً، أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك )، والغسلة الأولى تكون بماء صاف، ثم الغسلة الثانية يخلط مع الماء ما يكون ذا رائحة طيبة، كالسدر أو الصابون ونحو ذلك، ثم الغسلة الثالثة تكون بماء معه شيء من كافور يرطب جسد الميت، فإذا حصلت النظافة فالحمد لله، وإلا نزيد ثالثة ورابعة، ونجعل الخامسة هي الأخيرة، وإن لم تحصل النظافة نزيد خامسة وسادسة، ونجعل السابعة هي الأخيرة، وذلك بأن يوضع الميت على مكان مرتفع، ونجرده من ثيابه إلا ما يستر عورته، ثم نجلسه نصف جلسة، ونضغط على بطنه برفق ليخرج ما فيه، ثم يجعل الغاسل على يده شيئاً من قفاز أو خرقة، فينظف عورته قبلاً ودبراً، ثم يوضئه وضوء الصلاة، ثم بعد ذلك يعمم بدنه بالماء بداية برأسه ثم ميامنه ثم مياسره، وهكذا في الغسلتين اللتين تليهما، ثم بعد ذلك يشرع في تكفينه.

المتاجرة بمال شخص مع اشتراط ثلث الربح للعامل

الشيخ: أما أخونا هيثم من بحري، فقد ذكر أن له صاحباً عنده مال، وهذا المال دفع به إليه؛ من أجل أن يستغل خبرته ودربته وقدرته في السوق، فيشغل هذا المال في شيء معلوم بينهما، على أن له ثلثا الربح.

نقول: هذه مضاربة مشروعة مباركة، وهي إحدى السبل لتداول المال بين الناس، ولئلا يكون محتكراً، وهذه صيغة مباركة، وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم لما اتجر لـخديجة رضي الله عنها في مالها قبل أن يصير نبياً.

ترك شعائر الإسلام في حق المسلم حديثاً

الشيخ: أما هذا الذي أسلم وذهبت به إلى (الخلوة) فتمرد، فنقول: لا ينبغي أن تقطع الأمل فيه، فلعل (الخلوة) ما ناسبته، وجوها ما صلح معه، خاصة وأن المسلم الجديد يحتاج إلى شيء من التدرج قبل أن يلقى به في (الخلوة)، ربما تكون ظروفها صعبة بالنسبة له، وما تعود على أجوائها، فلا تقطع الأمل فيه، وحاول أن تتصل به وتغريه بالإسلام، وتبين له أن فيه صلاحه وفلاحه في الدنيا والآخرة.

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: أريد شرح الحديث الذي رواه الطبراني في معجمه الكبير وصححه الألباني في الجامع الصغير، قال عليه الصلاة والسلام: ( يكون في آخر الزمان شرط... ).

السؤال الثاني: بعض الناس قال: لم يأت نص صريح في تحريم المصافحة، وشبهه بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول: ( لأن يقعد أحدكم على جمرة تحرق ثيابه... ).

السؤال الثالث: ربنا سبحانه وتعالى قال: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا[النساء:43]، يعني: هل الملامسة المقصود بها المصافحة، أو المقصود بها الجماع؟

الشيخ: طيب أبشر، شكراً جزيلاً يا هشام ، أحسن الله إليك!

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة يا شيخنا!

السؤال الأول: أسأل عن التشقير، هل هو حرام؟

السؤال الثاني: أسأل عن الحديث: ( البيت الذي فيه صور أو كلاب لا تدخله الملائكة ) هل الصور التي فيها اسم الله أو فيها آيات قرآنية، هل هذه أيضاً تمنع دخول الملائكة؟

السؤال الثالث: حديث: ( من صلى اثنتي عشرة ركعة غير الفريضة... )، أريد أن أعرف الاثنتا عشرة ركعة هذه هل هي محددة أم لا؟

الشيخ: طيب، أبشري إن شاء الله.

معنى حديث: (ليكونن في آخر الزمان شرط يغدون في سخط الله ...)

الشيخ: بالنسبة لسؤال أخينا هشام عن حديث: ( ليكونن في آخر الزمان شرط، يغدون في سخط الله، ويروحون في غضب الله، فإن استطعت فلا تكونن منهم ). فنقول: نعم، النبي عليه الصلاة والسلام ذكر في هذا الحديث ومثله أيضاً في حديث عابس الغفاري بأنه لما رأى جنازة قال: ( يا طاعون! خذني إليك! فاستنكر بعض الناس كلامه، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بادروا بالموت ستاً: كثرة الشرط، وإمرة السفهاء، وبيعاً للحكم، واستخفافاً بالدم، وقطيعة للرحم، ونشواً يتخذون القرآن مزامير ).

وليس معنى هذه الأحاديث بأن الإنسان يمتنع من الدخول في سلك الشرطة، فإن المجتمع أصلاً لا يستقيم أمره إلا بوجود شرطة، مثلما أن المجتمع لا يستقيم أمره إلا بوجود سوق يبيع الناس فيه ويبتاعون، فكذلك لا بد من شرطة. لكن التحذير من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن السلطة دائماً تقود الإنسان إلى الكبر والغرور، والتعدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم ونحو ذلك، فلا بد أن يحذر ذو السلطة، سواء أكان في الشرطة أو في غيرها من أن يتعدى على الناس.

أما إنسان دخل في الشرطة، أو في الجيش أو في غيرها من الأجهزة، على نية إحقاق الحق وإبطال الباطل، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقمع المفسدين والأخذ على يد المبطلين، ونحو ذلك، فهو مأجور ولا شك.

أقصد بأن الإنسان لا يأخذ هذا النص وحده، بل لا بد أن يضم إليه النصوص الأخرى من أجل أن يخرج بحكم صحيح.

الرد على من يقول: لا يوجد نص صريح يحرم مصافحة الرجال للنساء

الشيخ: أما قضية المصافحة فيكفينا قول ربنا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، وإذا حرم الله إطلاق البصر؛ لأنه مؤد إلى ما بعده، فمن باب أولى الملامسة التي هي أشد من النظر.

ثم إن نبينا صلى الله عليه وسلم ما كان يصافح النساء، والله عز وجل يقول: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ[الأحزاب:21].

المقصود بالملامسة في قوله تعالى: (أو لامستم النساء)

الشيخ: أما قوله تعالى: أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ[النساء:43]، فالمقصود به عند جماهير العلماء: الجماع؛ لأن هذا اللفظ أطلق في القرآن مراداً به الجماع، كما في قول مريم عليها السلام: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ[آل عمران:47]، فقولها: وَلَمْ يَمْسَسْنِي مقصود كلامها هاهنا: لم يعاشرني معاشرة الأزواج، فالملامسة هاهنا لا يقصد بها مطلق اللمس، وإنما يقصد بها الجماع.

حكم التشقير

الشيخ: أما آمنة فأقول لها: التشقير بمعنى: أن تضع المرأة على حواجبها بعض الألوان، هذا ليس حراماً؛ لأننا نقول: الأصل في الأشياء الإباحة، ولا يقال بالتحريم إلا إذ ورد نص.

دخول الملائكة البيت الذي فيه صور مكتوب عليها آيات قرآنية

الشيخ: أما قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو صورة ) ، فالحديث صحيح، والمقصود بالصورة هنا: المجسمة، وهي التماثيل.

وأما ما سألت عنه الأخت بأن هناك صوراً فيها آيات قرآنية وكذا، فهذه لا يشملها النهي. وليس المقصود: سورة، وإنما قال: صورة بالصاد، أي: من ذوات الأرواح المجسمة، ومثلها أيضاً الصور الفوتوغرافية التي تعلق على الحائط، فإن أقل أحوالها الكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أباحها قال: ( إلا رقماً في ثوب )، يعني: إلا شيئاً يكون ممتهناً.

الركعات المحددة في حديث: (من صلى في كل يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة...)

الشيخ: أما قوله صلى الله عليه وسلم: ( من صلى في كل يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة سوى الفريضة، بنى الله له بيتاً في الجنة )، فالنبي عليه الصلاة والسلام بين بأن هذه السنن: أربع قبل الظهر واثنتان بعدها، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل الصبح، أما بعد ذلك فهناك نوافل كصلاة الضحى، ومثله أيضاً أربع قبل العصر، ومثله أيضاً أن يصلي الإنسان بعد الظهر أربعاً بدلاً من اثنتين، هذا كله إن شاء الله الإنسان يؤجر عليه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لــربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه: ( أعني على نفسك بكثرة السجود، فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك بها درجة، وحط عنك بها خطيئة ).

قراءة القرآن بدون تحريك الفم

السؤال: هل تصح قراءة القرآن بدون تحريك الفم؟

الجواب: هذه ليست قراءة، يعني: لو أن إنساناً أمر عينيه على المصحف هكذا بدون أن يحرك فمه، فإن هذه ليست قراءة، وإنما هي حديث نفس، والقراءة أقلها تحريك اللسان والشفتين.

بناء المسلم للكنائس

السؤال: لي صديق يعمل في مجال البناء، فهل يجوز له بناء كنيسة بأجر؟

الجواب: لا، لا يجوز؛ لأن الله عز وجل قال: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[المائدة:2]، فما يجوز المشاركة في ذلك، لا بأجر، ولا بدون أجر.

العقد على المرأة الحامل والدخول بها

السؤال: ما حكم الذي دخل على امرأة وهي حبلى ممن قبله؟

الجواب: أعوذ بالله! هذا عقد فاسد، عقد باطل، إذا حملت المرأة فعقد عليها شخص آخر، ودخل بها فهذا عقد فاسد، ولو فعل ذلك متعمداً فهو ملعون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( نهى أن يسقي الرجل بمائه زرع غيره )، وحتى في السبي كان يأمر المسلمين بأن يستبرئوهن بحيضة، يعني: ينتظر إلى أن تحيض هذه المسبية حيضة، ولما استعجل بعض الصحابة قبل أن يستبرئها دخل عليها قال: ( لقد هممت أن ألعنه بلعنة تدخل معه قبره )، فهذا من المحرمات.

الترديد خلف المؤذن داخل الحمام بدون تلفظ

السؤال: : هل من الممكن أن أردد خلف المؤذن في نفسي، وأنا داخل الحمام؟

الجواب: إذا لم يكن تلفظاً فلا مانع.

المقصود بالعزلة في قوله تعالى: (فاعتزلوا النساء في المحيض ...)

السؤال: قال تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ[البقرة:222]، هل تكون العزلة بعدم المجامعة، أو لا يقترب منها أبداً؟

الجواب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح )، فلا مانع من مؤاكلة الحائض ومخالطتها ومضاجعتها، والممنوع فقط هو جماعها في فرجها.

خروج سائل من الحامل وهي صائمة

السؤال: كنت صائمة في رمضان وأنا حامل، فنزل مني سائل وأنا صائم، هل صيامي صحيح؟

الجواب: إن شاء الله؛ لأن الأصل أن الإفراز طاهر إلا إذا قام الدليل على نجاسته.

طاعة الأم في أمرها بقطيعة الرحم

السؤال: أمي تقول لي: لا أسامحك لو عملت الأمر الفلاني، مع أنها قطيعة رحم، ما الحكم؟

الجواب: لا تطع أمك، أو لا تطيعي أمك في قطيعة الرحم، ( إنما الطاعة في المعروف )؛ ويقول تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

سكنى المرأة مع أولاد زوجها مكرهة خشية الطلاق

السؤال: قلت لزوجي: لا أريد أن أعيش مع أولادك، قال لي: أنت لا تريدينني، وإذا كنت لا تريدينني فأنا أطلقك. وأنا ما أريد الطلاق، وأنا مجبورة، فماذا أفعل؟

الجواب: تحملي، واصبري، وما هي إلا أيام معدودات والمنقلب إلى الله، فيصبر بعضنا على بعض، ولعل الله يصلح الأحوال.

والحمد لله في البدء والختام، وصلى الله وسلم وبارك على خير الأنام.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ديوان الإفتاء [591] للشيخ : عبد الحي يوسف

https://audio.islamweb.net